عنوان الموضوع : طلب في الادب سنة 2 ثانوي
مقدم من طرف منتديات العندليب

اريد تعبير المتنبي و ابو تمام حكيمان اما الشاعر فالبحتري المطلوب هو ابرز اسباب ها الحكم النقدي مبديا رايك فيه بلييييييييييييييييييز


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

ساعدوني بلييييييييييييييييييييييييز

=========


>>>> الرد الثاني :

مَن مِن ذواقة الشعر لم يُدْمن شعر أبي الطيب، بما ينطوي عليه من حكمة بالغة، ولغة صقيلة، وسَيْرُورة شعرية، لا يكاد يدانيه فيها شاعر على مر عصور الأدب العربي؟! لقد ملأ الدنيا، وشغل الناس، وما زال، فلمَ حظي المتنبي بتلك المنزلة؟ ولم خَلَد شعره هذا الخلود؟ أَلِكونه مشحونا بالمعنى، إلى أبعد حد، على رأي الشاعر والناقد الأمريكي إزرا باوند؟ إذ رأى أنّ (الأدب العظيم ببساطة، لغةٌ مشحونة بالمعنى، إلى أعلى درجة ممكنة). أم لكونه شاعرا رائيا، يحاكي المعاني الإنسانية الدائمة، ويحاول اكتناه أزمة الإنسان في هذا الوجود؟
لقد خلب ألبابَ العامة والخاصة قديما وحديثا، وأما القديم فغنيٌّ عن الإفاضة؛ إذ سُودت في شعره ألوف الصفحات، وشرح ديوانَه كبارُ العلماء والشعراء، من أمثال ابن جني العالم والفيلسوف اللغوي الشهير، ومن الشعراء أبو العلاء المعري الذي أطلق على شرحه اسم (معجز أحمد) وهو اسم الشاعر الذي غطى عليه لقبُه، وكنيته!
وفي العصر الحديث ما زال العامة والخاصة والنقاد والشعراء يحتفلون بأبي الطيب أيما احتفال، ويتناصُّون مع شعره، ويقدرونه عاليا، حتى إن الشاعر محمود درويش قد بلغ به الإعجاب بشعر أبي الطيب أن قال: "إن المتنبي أعظم شاعر في تاريخ اللغة العربية، وهو كما يبدو لي تلخيص كل الشعر العربي الذي سبقه، وتأسيس لكل ما لحقه".أنا كل ما أردت أن أقوله قاله هو في نصف بيت: على قلق كأن الريح تحتي"
وليس هنا مقام الإفاضة في عرض أشعاره، ففي ديوانه مغنى عن ذلك، ولكن اقرأ قوله:
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلامُضِرٌّ كَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى

وهو من قصيدته المشهورة التي يمدح فيها سيفَ الدولة الحمْداني، وهي من أعذب قصائده، وأغناها بالحكمة، ومطلعها:
لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْ دَهْرِهِ مَا تَعَوَّدَا وَعَاداتُ سَيْفِ الدَوْلَةِ الطَّعْنُ فِي العِدَا
والبيتُ يخبر عن معنى دقيق، خلاصتُه أنّ الأفعال لا تُمدح أو تُذم مجردةً عن ظروفها وملابساتها؛ فلِلشدة مواطنُها التي لا ينفع فيها الرفقُ واللين، والعكس صحيحٌ أيضاً.
وكما اشتهر المتنبي بالحكمة التي طبعت ديوانه، ومطالع قصائده، كذلك كان أبو تمام الذي عُرف بالغوص على المعاني، واستقصائها، والتجديد فيها، إلا أنه لم ينل من المكانة مثل التي نالها المتنبي، ولربما عابوا عليه كثرة تعقيداته اللغوية، وصعوبة تراكيبه، وولعه بالبديع، والاستعارات التي لا يقبلها الذوق العربي. ومن جميل شعره قوله:
نَقِّل فؤادَكَ حيثُ شئتَ مِن الهوىما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ
كَمْ منزلٍ في الأرضِ يَأْلُفُهُ الفتىوحنينُه أبداً لأولِ مَنزلِ
ومن حِكَمه قوله:
بَصُرتَ بالراحةِ الكبرى فلمْ ترَهاتُنالُ إلاّ على جسرٍ منِ التعبِ
وكذا قوله: وإذا أرادَ اللهُ نشرَ فضيلةٍطُويتْ أَتاحَ لها لسانَ حسودِ
وأما البحتري، تلميذُ أبي تمام فهو الشاعرُ، في رأي المتنبي؛ إذ قال عن نفسه وعن أبي تمام: (حكيمان والشاعر البحتري)، ويُنسب هذا القول إلى حكيم المعرَّة، أبو العلاء حين سئل عن أبي تمام والبحتري والمتنبي.
فالبحتري قويُّ الطبع، سَلِسُ العبارة، وفي شعره مَاويّةٌ، وعذوبة، وموسيقى تتغلغل في جمله الشعرية، وقد لخص ابن الأثير هذا في قولهوأما أبو عبادة، البحتري، فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى، وأراد أن يشعر فغَنَّى، ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على الإطلاق). وليس هذا بمستغرب على شاعر بدوي النشأة، وفاقا لرأي الناقد محمد مندور الذي بين أن الشعر يكون أقرب بقدر قرب قائله من سذاجة البداوة، وأنه من الثابت لدى معظم النقاد أن خير أشعار الشعوب هو ما قالته أيام بداوتها الأولى
ولك أن تطرب بقصيدته التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صُنْتُ نَفْسِي عمَّا يُدَنِّسُ نَفْسِيوترفَّعْتُ عن جَدا كلِّ جِبْسِ
وإنك لا تعدم في أبياته أشعارا يكثر الاستشهاد بها، كما في قوله:
إذا احْتَربَتْ يوماً ففاضتْ دماؤُهاتذكرتِ القُرْبى ففاضتْ دموعُها

فمَنْ مِن الشعراء أشعر؟ ذلك يعود إلى الزاوية التي تنظر منها إلى الشعر، وإلى الذائقة الشعرية لديك؛ فإن كنت ممن يستهويه المعنى، فأبو تمام الشاعر، وإن كنت من طلاب الطرب فشاعرك البحتري، وإن كنت ممن تأسرك الحكمة، والعظمة والفخامة، في الأسلوب، وفي الصورة؛ فلا شاعر إلا المتنبي!



منقوووووووول

=========


>>>> الرد الثالث :

تفضلي أختي
هؤلاء الشعراء اتسام شعر أبي تمام والمتنبي بالحكمة والعقل أما ميز شعر البحتريفهو العاطفة والخيال والإبداع وذلك من خلال التعرض لأشهر قصائد هؤلاء الشعراء .
1-
أبو تمام :
أبو تمام من شعراء الطبقة الثالثة من المحدثين انتهت إليهمعاني المتقدمين والمتأخرين ، برز أبو تمام في ظرف مميز وهو حركة الترجمة الواسعةلعلوم الأوائل من اليونان والفرس والهند فتشبع بكل هذه العلوم وهذه الثقافات حتىحصف عقله واتسع خياله ورسم لنفسه مذهبا خاصا به وهو تجويد المعاني وتسهيل العبارة ،استكثر الحكم في شعره واستدل على الأمور بالأدلة العقلية والمنطقية ولو أدى به ذلكإلى التعقيد أحيانا وحاول إخفاء ذلك بالإفراط في استخدام المحسنات البديعية والصورالبيانية وهو بذلك مهد الطريق للمتنبي بعده ولذلك كان يقال : " إن أبا تماموالمتنبي حكيمان والشاعر هو البحتري " وتثبت هذه المقولة الفكرة القائلة بأن شعرأبي تمام يغلب عليه العقل والمنطق والحكمة وهذا ما يمكنك أن تقف عليه من خلالبائيته المشهورة التي مطلعها :
السَّـيْـفُ أَصْــدَقُ أَنْـبَــاءً مِـــنَالـكُـتُـبِ فِـي حَــدهِ الـحَـدُّ بَـيْـنَ الـجِـد واللَّـعِـبِ
بيضُالصَّفَائِحِ لاَ سُـودُ الصَّحَائِـفِ فِـي مُـتُـونِـهـنَّ جـلاءُ الــشَّـكوالــريَـبِ
والعِـلْـمُ فِــي شُـهُـبِ الأَرْمَــاحِ لاَمِـعَـةً بَيْنَالخَمِيسَيْنِ لافِي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ
ونحن نذكر المساجلة الطريفة التيقامت بين ناقد متشبث بالقديم هو أبو العميثل وبين أبي تمام حين قال له: يا أباتمام: لم تقول ما لا يفهم؟. فأجابه أبو تمام: لم لا تفهم ما يقال؟. وهذه المساجلةتبرز مباينة أبي تمام لما ألفه النقاد والشعراء القدامى فهنا مناظرة بين ذوقين: ذوقعربي خالص يرى أن الشعر ينبغي أن يكون واضح المعاني بعيدًا عن الغموض، وبين ذوقشاعر محدث ذي ثقافة عقلية فلسفية يغوص على المعاني فلا تدرك إلا بكد الذهن، وقدجاءتنا كلمة ابن الأعرابي حين سمع شعر أبي تمام فقال: إن كان هذا شعرًا فما قالتهالعرب باطل.
يقول ابن الأثير عن أبي تمام : أما أبو تمام فإنه رب معانٍ وصلُألباب وأذهان ، وقد شهد له بكل معنى مبتكر، ولم يمش فيه على أثر ..."
ومجملالقول هو أن شعر أبي تمام اتسم بطابعه الحكمي العقلي ويمكنك الوقوف على ذلك من خلالقصيدته الطويلة فتح الفتوح أو فتح عمورية .
2-
البحتري :
يقول القدماء : لميأت بعد أبي نواس من هو أشعر من البحتري ولا بعد البحتري من هو أطبع منه في الشعرولا أبد منه في الخيال الشعري .
نشأ البحتري في البادية فابتعد في شعره عن مذاهبالحضريين وتعمقهم وفلسفتهم ، فكان شعره كله بديع المعنى حسن الديباجة ، صقيل اللفظ، سليس الأسلوب كأنه سيل ينحدر إلى الأسماع ، لذلك اعتبره كثير من الأدباء الشاعرالحقيقي ، واعتبروا أمثال أبي تمام والمتنبي والمعري حكماء ، لسهولة شعره ورقته حتىأن شعره كان أكثر شعر يغنى في عصره
وعلى أن البحتري كان تلميذًا وفيًّا لأبيتمام الذي أخذ بيده في مسيرته الشعرية بوصيته المشهورة، فإنه لم يرض عن إقحامالشعراء المنطق والتعقيد المعنوي في الشعر، فقال أبياته المشهورة التي منهاقوله:
كلفتمونا حدود منطقكم والشعر يغني عن صدقه كذبه
والشعر لمح تكفي إشارتهوليس بالهذر طولت خطبه
وهو بذلك يرد ويعارض أستاذه أبي تمام ويثبت في الوقت نفسهفهمه للشعر وحقيقة الشعر .
وهذا ما يلخصه ابن الأثير في قوله :" وأما أبو عبادةالبحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى ، وأراد أن يشعر فغنى ، ولقد حاز طرفيالرقة والجزالة على الإطلاق . وسئل المتنبي عنه وعن أبي تمام وعن نفسه ، فقال : أناوأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري . ولعمري إنه أنصف في حكمه ، فإن أبا عبادة أتىفي شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء في اللفظ المصوغ من سلالة الماء ، فأدركبذلك بعد المرام مع قربه إلى الإفهام " .
وكي نقف على شاعرية البحتري وعلىعاطفته المتدفقة يكفي أن نقرأ قصيدته في وصف إيوان كسرى والتي يقول في مطلعها :
صُنتُ نَفسي عَمّـا يُدَنِّـسُ نَفسـي وَتَرَفَّعتُ عَـن جَـدا كُـلِّجِبـسِ
وَتَماسَكتُ حيـنَ زَعزَعَنـي الـدَه رُ التِماسًا مِنـهُ لِتَعسـيوَنَكسـي
وهي قصيدة طويلة تبرز شاعرية البحتري الفياضة
وهناك قصيدة جميلةللشاعر في وصف الربيع والتي مطلعها :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسنحتى كاد أن يتكلما

3-
المتنبي :
لا يختلف اثنان في أن المتنبي بلغمرتبة عظيمة في الشعر شغل الناس قديما وحديثا .
يستشف القارئ من شعر المتنبيمعاني الطموح والتعالي وبلوغ المراتب العليا ، فهو يستهل أغلب قصائده بمطلع حكمييشيد ويعظم ويفتخر ويتعالى إلى المراتب العليا .
تمتاز معاني المتنبي بالعمقوالرصانة من أحسن قصائده قصيدته في مدح سيف الدولة والتي يستهلها :
على قدر أهلالعزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارهاوتصغر في عين العظائم
وهناك قصيدة أخرى مشهورة له في الفخر ومطلعها :
سيعلمالجمع ممن ضم مجلسنا بأنني خير من تسعى به قدم
فالمتنبي هو شار الشخصية القويةالتي تتجلى في جميع شعره مدحا وهجاء وفخرا
يقول ابن رشيق عنه : ثم جاء المتنبيفملأ الدنيا وشغل الناس


المقدمة
أبو عبادة البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى ، وأراد أن يشعر فغنى، ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على الإطلاق . وسئل المتنبي عنه وعن أبي تمام وعننفسه ، فقال : أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري . ولعمري إنه أنصف في حكمه ،فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء في اللفظ المصوغ منسلالة الماء ، فأدرك بذلك بعد المرام مع قربه إلى الإفهام
العرض
المتنبي
لا يختلفاثنان في أن المتنبي بلغ مرتبة عظيمة في الشعر شغل الناس قديما وحديثا .
يستشفالقارئ من شعر المتنبي معاني الطموح والتعالي وبلوغ المراتب العليا ، فهو يستهلأغلب قصائده بمطلع حكمي يشيد ويعظم ويفتخر ويتعالى إلى المراتب العليا .
تمتازمعاني المتنبي بالعمق والرصانة من أحسن قصائده قصيدته في مدح سيف الدولة والتييستهلها :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظائم
وهناك قصيدة أخرى مشهورةله في الفخر ومطلعها :
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا بأنني خير من تسعى به قدم
فالمتنبي هو شار الشخصية القوية التي تتجلى في جميع شعره مدحا وهجاء وفخرا
يقول ابن رشيق عنه : ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس .
و من حكمالمتنبي
-
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ****** و إن أنتأكرمت اللئيم تمردا
2-
و إذا لم يكن من الموت بدً ******** فمن العجز أن تموتجبانا
3-
و إذا كانت النفوس كباراً ******* تعبت في مرادها الأجسام
4-
من يهنيسهل الهوان عليه ****** ما لجرح بميت إيلام
5-
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى **** عدواً له ما من صداقتـــه بــــدُ
6-
ومن ينفق الساعات في جمع ماله *** مخافة الفقر فالذي فعل الفقـــــــرُ
7-
ما كل ما يتمنى المرء يدركــــــــه *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ
8-
وهاجي نفســهِ مـــن لم يميــــــز *** كلاميمن كلامهـــم الهُــراءِ
2/ابو تمام
أبوتمام من شعراء الطبقة الثالثة من المحدثين انتهت إليه معاني المتقدمين والمتأخرين ،برز أبو تمام في ظرف مميز وهو حركة الترجمة الواسعة لعلوم الأوائل من اليونانوالفرس والهند فتشبع بكل هذه العلوم وهذه الثقافات حتى حصف عقله واتسع خياله ورسملنفسه مذهبا خاصا به وهو تجويد المعاني وتسهيل العبارة ، استكثر الحكم في شعرهواستدل على الأمور بالأدلة العقلية والمنطقية ولو أدى به ذلك إلى التعقيد أحياناوحاول إخفاء ذلك بالإفراط في استخدام المحسنات البديعية والصور البيانية وهو بذلكمهد الطريق للمتنبي بعده ولذلك كان يقال : " إن أبا تمام والمتنبي حكيمان والشاعرهو البحتري " وتثبت هذه المقولة الفكرة القائلة بأن شعر أبي تمام يغلب عليه العقلوالمنطق والحكمة وهذا ما يمكنك أن تقف عليه من خلال بائيته المشهورة التي مطلعها :
السَّـيْـفُ أَصْــدَقُ أَنْـبَــاءً مِـــنَ الـكُـتُـبِ فِـي حَــدهِالـحَـدُّ بَـيْـنَ الـجِـد واللَّـعِـبِ
بيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُـودُالصَّحَائِـفِ فِـي مُـتُـونِـهـنَّ جـلاءُ الــشَّـك والــريَـبِ
والعِـلْـمُفِــي شُـهُـبِ الأَرْمَــاحِ لاَمِـعَـةً بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافِي السَّبْعَةِالشُّهُبِ
ونحن نذكر المساجلة الطريفة التي قامت بين ناقد متشبث بالقديم هو أبوالعميثل وبين أبي تمام حين قال له: يا أبا تمام: لم تقول ما لا يفهم؟. فأجابه أبوتمام: لم لا تفهم ما يقال؟. وهذه المساجلة تبرز مباينة أبي تمام لما ألفه النقادوالشعراء القدامى فهنا مناظرة بين ذوقين: ذوق عربي خالص يرى أن الشعر ينبغي أن يكونواضح المعاني بعيدًا عن الغموض، وبين ذوق شاعر محدث ذي ثقافة عقلية فلسفية يغوص علىالمعاني فلا تدرك إلا بكد الذهن، وقد جاءتنا كلمة ابن الأعرابي حين سمع شعر أبيتمام فقال: إن كان هذا شعرًا فما قالته العرب باطل.
يقول ابن الأثير عن أبي تمام : أما أبو تمام فإنه رب معانٍ وصلُ ألباب وأذهان ، وقد شهد له بكل معنى مبتكر، ولميمش فيه على أثر ..."
ومجمل القول هو أن شعر أبي تمام اتسم بطابعه الحكمي العقليويمكنك الوقوف على ذلك من خلال قصيدته الطويلة فتح الفتوح أو فتح عمورية .
ومنحكم ابو تمام
إذا جاريت في خلق دنيئ ،،، فأنت و منتجاريه سواءُ
رأيت الحر يجتنب المخازي ،،، و يحميه عن الغدر الوفاءُ
وما منشدة إلا سيأتي ،،، لها من بعد شدتها رخاءُ
لقد جربت هذا الدهر حتى ،،، أفادتنيالتجارب و العناءُ
يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ ،،، و يبقى العود ما بقياللحاءُ
فلا و الله ما في العيش خيرٌ ،،، و لا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
إذا لمتخشَ عاقبة الليالي ،،، و لم تستحْيِ فاصنع ما تشاء
3/ البحتري
يقول القدماء : لم يأت بعد أبي نواس من هو أشعر من البحتريولا بعد البحتري من هو أطبع منه في الشعر ولا أبد منه في الخيال الشعري .
نشأالبحتري في البادية فابتعد في شعره عن مذاهب الحضريين وتعمقهم وفلسفتهم ، فكان شعرهكله بديع المعنى حسن الديباجة ، صقيل اللفظ ، سليس الأسلوب كأنه سيل ينحدر إلىالأسماع ، لذلك اعتبره كثير من الأدباء الشاعر الحقيقي ، واعتبروا أمثال أبي تماموالمتنبي والمعري حكماء ، لسهولة شعره ورقته حتى أن شعره كان أكثر شعر يغنى في عصره
وعلى أن البحتري كان تلميذًا وفيًّا لأبي تمام الذي أخذ بيده في مسيرته الشعريةبوصيته المشهورة، فإنه لم يرض عن إقحام الشعراء المنطق والتعقيد المعنوي في الشعر،فقال أبياته المشهورة التي منها قوله:
كلفتمونا حدود منطقكم والشعر يغني عن صدقهكذبه
والشعر لمح تكفي إشارته وليس بالهذر طولت خطبه
وهو بذلك يرد ويعارضأستاذه أبي تمام ويثبت في الوقت نفسه فهمه للشعر وحقيقة الشعر .
وهذا ما يلخصهابن الأثير في قوله :" وأما أبو عبادة البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى ،وأراد أن يشعر فغنى ، ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على الإطلاق . وسئل المتنبي عنهوعن أبي تمام وعن نفسه ، فقال : أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري . ولعمري إنهأنصف في حكمه ، فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء فياللفظ المصوغ من سلالة الماء ، فأدرك بذلك بعد المرام مع قربه إلى الإفهام " .
وكي نقف على شاعرية البحتري وعلى عاطفته المتدفقة يكفي أن نقرأ قصيدته في وصفإيوان كسرى والتي يقول في مطلعها :
صُنتُ نَفسي عَمّـا يُدَنِّـسُ نَفسـيوَتَرَفَّعتُ عَـن جَـدا كُـلِّ جِبـسِ
وَتَماسَكتُ حيـنَ زَعزَعَنـي الـدَه رُالتِماسًا مِنـهُ لِتَعسـي وَنَكسـي
وهي قصيدة طويلة تبرز شاعرية البحتريالفياضة
وهناك قصيدة جميلة للشاعر في وصف الربيع والتي مطلعها :
أتاكالربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتكلما
شاعرية البحتري
أجمع نقاد الشعر القدماء على وصف البحتري بسلاسة العبارة حسنالديباجة ، كأنه سيل ينحدر إلى الأسماع ولذلك أعتبره كثير من أهل الأدب الشاعرالحقيقي واعتبروا أمثال أبي تمام والمتنبي حكماء .
قال الثعالبي يصف شعرالبحتري (( أن كلامه يجمع الجزالة ، والحلاوة ، والفصاحة والسلاسة ))
ووصفه أبنالأثير : (( فإن مكانه من الشعراء لا يجهل ، وشعره هو السهل الممتنع الذي تراهكالشمس قريباً ضوءها بعيداً مكانها)) .
من شعر البحتري في الوصف
فإذا ما رأيت صــورة انطاكيـة *** ارتعـت بيــن روموفـــرس
والمنايــا مواثل وانوشـــــر*** وان يزجى الصفوف تحت الدرفـس
فياخضرار من اللباس على اصف***ر يختــال في صبيغـــة ورس
وعراك الرجال بينيديــــــه*** في خفوت منهم واغمـاض جـرس
تصف العين انهم جد أحيــــــا*** ء لهمبينهـــم اشــارة خرس
يغتلي فيهم ارتيابــي حتـــــى*** تتقراهــم يدايبلمـــــس



سئل أبو العلاء المعري ذاتيوم عن أي من الثلاثة أشعر من غيره في الشعر فكان رده " أن المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر هوالبحتري".
ولد البحتريبمدينة (منبج) شرقي حلب سنة 206هـ ، ونشأ في باديتها, ورحلإلى العراقليتكسب بشعره , عادإلى الشامواعتزل في بلدة منبجحتى مات عن 78 عاما.
وكان على فضلهوفصاحته من أبخل خلقالله ،وأكثرهم فخرًا بشعره ، حتى كان يقول إذا أعجبه شعرهُ أحسنْتُ والله،ويقولللمستمعين : ما لكم لاتقولون أحسنت ؟
وكان شعره كله بديعالمعنى، حسنالدّيباجة، صقيلاللفظ، سلس الأسلوب، كأنهُ سيل ينحدر إلى الأسماع مجودًا في كلغرضسوى الهجاء ، ولذلك اعتبرهكثير من أهل الأدب هو الشاعر الحقيقي، واعتبروا أمثالأبي تمام والمتنبي والمعري حكماء كما سبق عنالمعري.
تأثرالبحتري كثيراًبشعر الكثير من الشعراء الكبار وعلى رأسهم أبو تمام الذي أخذالكثيرمن أقواله، ولكنه لميأخذ الحكمة في أغراض شعره ولا قام بصبغه بصبغة فلسفية، وقداعتنى البحتري بانتقاء ألفاظه فتجنب المعقد منهاوالغريب، وقد كان من أفضل شعراءعصره في المدح لذلك حصد الكثير من الجوائز والعطايا من الخلفاء والملوك . فأبي تمام تجد فيه الفحولة والجزالة والقوة، والمعانيالدقاق و الصنعة- منالجناس والمطابقة وما إليهما ومع ذلك كله التعبيرالشعري: أي النصاعة والإشراق، ووضوح المعالم،واطراد النظام، وتساوق الأغراض،وإحكام الأداء، والروعة، والجمال، والروح القوي ، ومنهنايفضل أبو تمام: أباالطيب.
قال ابن الأثير: وهؤلاء الثلاثة- أبوتمام،والبحتري، والمتنبي- هملات الشعر، وعُزَّاه، ومناتُه، الذين ظهرت على أيديهمحسناته ومستحسناته، وجمعت بين الأمثال السائرةوحكمة الحكماء؛ وقد حوت أشعارهمغرابة المحدثين إلى فصاحة القدماء.
أما أبو تمام: فإنه رب معان، وصيقل البابوأذهان، وقد شُهد له بكل معنى مبتكر، لم يمش فيهعلى أثر، فهو غير مدافع عن مقامالإغراب، الذي برّز فيه على الأضراب، ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير،ولم أقل ماأقول فيه إلا عنتنقيب وتنقير، فن حفظ شعر الرجل وكشف عن غامضه، وراض فكرهبرائضه،أطاعته أَعِنّةَُالكلام، وكان قوله في البلاغة ما قالت حذام، فخذ مِنَى في ذلكقولحكيم، وتعَّلمْ، ففوق كل ذيعلم عليم. كان أبوتمام يتعمق الاعتزال وعلمالكلامبل يظهر أنه مد تعمقهإلى الفلسفة وما يتصل بها من المنطق ،وقد ألمح إلى ذلك الآمديفي كتابه الموازنة فقال إن شعره إنما يعجب به أصحابالفلسفة وتتراءى ألفاظها عندهمن حين إلى حين . ومن مظاهر تعمقه في الفلسفة ومذاهب المتكلمين نشره فيمعانيه الأضدادالمتنافرة نشرايدخل البهجة على النفس بما يصور من تعانقها في الحياة ،تصويرايدلعلى عمق غوره في الإحساسبحقائق الكون ،وبترابط جواهرها ، حتى الجواهر التي تبدومتضادة فإن بعضها ينشأ من بعض ويلتقي لقاء وثيقاعلى شاكلة قوله : رب خفضتحت السرى وغناء ***من عناء ونضرة منشحوب
وجعلته صلته بالمنطق والفلسفةيكثر من استخدام الأدلة المنطقية وهي عنده تستمد مننفس إحساسه العميق بتشابكحقائقالكون ،فإذابعضها يرى من خلال بعض ،بل إذا بعضها يتخذ حجة ودليلا على بعض
ويتسع التأثر بالفلسفةعنده حتى ليشيع الغموض في كثير منأبياته ،حتى قالوا إنه أفسد الشعر وهو لم يفسده بل هيأ له ازدهارا رائعاتسنده فيهثقافة واسعة بالفلسفةوالمنطق وبالشعر العربي قديمه وحديثه.
وأما أبوعبادةالبحتري: فإنه أحسن فيسبك اللفظ على المعنى، وأراد أن يشعر فغنى، ولقد حاز طرفيالرقة والجزالة على الإطلاق، وسئلأبوالطيب المتنبي عنه وعن أبيتمام وعن نفسه فقال: أنا وأبو تمام حكيمان، والشاعرالبحتري. ولعمري إنه أنصف في حكمه، وأعرب بقوله هذاعن متانة علمه، فإن أبا عبادةأتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء، في اللفظ المصوغ منسلاسة الماء،فأدرك بذلك بعدالمرام، مع قربه إلى الأفهام، إلا أنه أتى في معانيهبأخلاط الغالية، ورقى في ديباجة لفظه إلى الدرجةالعالية.
وأما أبوالطيبالمتنبي: فإنه أراد أنيسلك مسلك أبي تمام فقصرت عنه خطاه، ولم يعطه الشعر من قيادهما أعطاه، لكنه حظي في شعره بالحكم والأمثال، واختصبالإبداع في وصف مواقف القتال،وأنا أقول قولا لست فيه متأثما، ولا منه متلثما: وذاك أنه إذا خاض فيوصف معركة كانلسانه أمضى مننصالها، وأشجع من أبطالها، وقامت أقواله السامع مقام أفعالها،حتىتظن الفريقين قد تقابلا،والسلاحين قد تواصلا، فطريقه في ذلك تضل بسالكه وتقوم بعذرتاركه، ولاشك أنه كان يشهد الحروب مع سيف الدولةفيصف لسانه، ما أدى إليه عِيانه،وعلى الحقيقة فإنه خاتم الشعراء
كلمة لأحد نقدة العرب وهي: إنما حبيب أبو تمام كالقاضيالعدل: يضع الفظ موضعها، ويعطي المعنى حقه، بعد طول النظر،والبحث عن البينة، أو كالفقيهالورع: يتحرى في كلامه، و يتحرج خوفًا على دينه، وأبو الطيب كالملكالجبار: يأخذ ماحوله قهراًوعَنوة؛ كالشجاع الجريء: يهجم ما يريده، ولا يبالي ما لقي ولاحيثوقع.
المتنبي وأبو تمام حكيمان، وإنما الشاعر البحتري . لأن المتنبي وأباتماميأتيان بالحكمة فيكلامهما، كقول المتنبي : الرأي قبل شجاعة الشجعان هوأول وهيالمحلالثاني
أي: أن الرأي قبل الشجاعة،وهذه حكمة طيبة، وكثير من شعر أبي تمامحكم، كقوله: أما والله ما فيالعيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
فيقولأبوالعلاء : إن الشاعر هوالبحتري ، أما المتنبي وأبو تمام فهما حكيمان، يأتيان بحكمتقبلها العقول، لكن الشاعر هو البحتري الذي يعبر عنمشاعر النفس، وعن أمور ليستمجرد كلام عقلي تقبله العقول، فـالبحتري شاعر لا يخاطب العقل فحسب،وإنما يخاطبالوجدانوالشعور.
حكيمانوالشاعر البحتري
بقلم أسامة عبد المالكعثمان







مَن مِن ذواقةالشعر لم يُدْمن شعر أبي الطيب، بما ينطوي عليه من حكمة بالغة، ولغة صقيلة،وسَيْرُورة شعرية، لا يكاد يدانيه فيها شاعر على مر عصور الأدب العربي؟! لقد ملأالدنيا، وشغل الناس، وما زال، فلمَ حظي المتنبي بتلك المنزلة؟ ولم خَلَد شعره هذاالخلود؟ أَلِكونه مشحونا بالمعنى، إلى أبعد حد، على رأي الشاعر والناقد الأمريكيإزرا باوند؟ إذ رأى أنّ (الأدب العظيم ببساطة، لغةٌ مشحونة بالمعنى، إلى أعلى درجةممكنة). أم لكونه شاعرا رائيا، يحاكي المعاني الإنسانية الدائمة، ويحاول اكتناهأزمة الإنسان في هذا الوجود؟
لقد خلب ألبابَ العامة والخاصة قديما وحديثا، وأماالقديم فغنيٌّ عن الإفاضة؛ إذ سُودت في شعره ألوف الصفحات، وشرح ديوانَه كبارُالعلماء والشعراء، من أمثال ابن جني العالم والفيلسوف اللغوي الشهير، ومن الشعراءأبو العلاء المعري الذي أطلق على شرحه اسم (معجز أحمد) وهو اسم الشاعر الذي غطىعليه لقبُه، وكنيته!
وفي العصر الحديث ما زال العامة والخاصة والنقاد والشعراءيحتفلون بأبي الطيب أيما احتفال، ويتناصُّون مع شعره، ويقدرونه عاليا، حتى إنالشاعر محمود درويش قد بلغ به الإعجاب بشعر أبي الطيب أن قال: "إن المتنبي أعظمشاعر في تاريخ اللغة العربية، وهو كما يبدو لي تلخيص كل الشعر العربي الذي سبقه،وتأسيس لكل ما لحقه".أنا كل ما أردت أن أقوله قاله هو في نصف بيت: على قلق كأنالريح تحتي"
وليس هنا مقام الإفاضة في عرض أشعاره، ففي ديوانه مغنى عن ذلك، ولكناقرأ قوله:
وَوَضْعُ النَّدَى فِي مَوْضِعِ السَّيْفِ بِالعُلا
مُضِرٌّكَوَضْعِ السَّيْفِ في مَوْضِعِ النَّدَى
وهو من قصيدته المشهورة التي يمدح فيهاسيفَ الدولة الحمْداني، وهي من أعذب قصائده، وأغناها بالحكمة، ومطلعها:
لِكُلِّامْرِىءٍ مِنْ دَهْرِهِ مَا تَعَوَّدَا
وَعَاداتُ سَيْفِ الدَوْلَةِ الطَّعْنُفِي العِدَا
والبيتُ يخبر عن معنى دقيق، خلاصتُه أنّ الأفعال لا تُمدح أو تُذممجردةً عن ظروفها وملابساتها؛ فلِلشدة مواطنُها التي لا ينفع فيها الرفقُ واللين،والعكس صحيحٌ أيضاً.
وكما اشتهر المتنبي بالحكمة التي طبعت ديوانه، ومطالعقصائده، كذلك كان أبو تمام الذي عُرف بالغوص على المعاني، واستقصائها، والتجديدفيها، إلا أنه لم ينل من المكانة مثل التي نالها المتنبي، ولربما عابوا عليه كثرةتعقيداته اللغوية، وصعوبة تراكيبه، وولعه بالبديع، والاستعارات التي لا يقبلهاالذوق العربي. ومن جميل شعره قوله:
نَقِّل فؤادَكَ حيثُ شئتَ مِن الهوى ماالحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ
كَمْ منزلٍ في الأرضِ يَأْلُفُهُ الفتى وحنينُه أبداًلأولِ مَنزلِ
ومن حِكَمه قوله:
بَصُرتَ بالراحةِ الكبرى فلمْ ترَها تُنالُإلاّ على جسرٍ منِ التعبِ
وكذا قوله: وإذا أرادَ اللهُ نشرَ فضيلةٍ طُويتْأَتاحَ لها لسانَ حسودِ
وأما البحتري، تلميذُ أبي تمام فهو الشاعرُ، في رأيالمتنبي؛ إذ قال عن نفسه وعن أبي تمام: (حكيمان والشاعر البحتري)، ويُنسب هذا القولإلى حكيم المعرَّة، أبو العلاء حين سئل عن أبي تمام والبحتري والمتنبي.
فالبحتريقويُّ الطبع، سَلِسُ العبارة، وفي شعره مَاويّةٌ، وعذوبة، وموسيقى تتغلغل في جملهالشعرية، وقد لخص ابن الأثير هذا في قولهوأما أبو عبادة،البحتري، فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى، وأراد أن يشعر فغَنَّى، ولقد حاز طرفيالرقة والجزالة على الإطلاق). وليس هذا بمستغرب على شاعر بدوي النشأة، وفاقا لرأيالناقد محمد مندور الذي بين أن الشعر يكون أقرب بقدر قرب قائله من سذاجة البداوة،وأنه من الثابت لدى معظم النقاد أن خير أشعار الشعوب هو ما قالته أيام بداوتهاالأولى
ولك أن تطرب بقصيدته التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صُنْتُنَفْسِي عمَّا يُدَنِّسُ نَفْسِي
وترفَّعْتُ عن جَدا كلِّ جِبْسِ
وإنك لاتعدم في أبياته أشعارا يكثر الاستشهاد بها، كما في قوله:
إذا احْتَربَتْ يوماًففاضتْ دماؤُها
تذكرتِ القُرْبى ففاضتْ دموعُها
فمَنْ مِن الشعراء أشعر؟ ذلكيعود إلى الزاوية التي تنظر منها إلى الشعر، وإلى الذائقة الشعرية لديك؛ فإن كنتممن يستهويه المعنى، فأبو تمام الشاعر، وإن كنت من طلاب الطرب فشاعرك البحتري، وإنكنت ممن تأسرك الحكمة، والعظمة والفخامة، في الأسلوب، وفي الصورة؛ فلا شاعر إلاالمتنبي!
"
البُحتُرِيّ" شاعر السلاسل الذهبية



هو أحد الشعراءالمشهورين بالعصر العباسي، اسمه كاملاً الوليد بن عبيد بن يحيي الطائي أبو عبادةالبحتري، يقال عن شعره " سلاسل الذهب" وذلك نظراً لجودته، كان البحتري واحد منثلاثة من أشهر شعراء العصر العباسي وهم المتنبي وأبو تمام والبحتري.
سئل أبيالعلاء المعري ذات يوم عن أي من الثلاثة السابقين أشعر من غيره في الشعر فكان رده " أن المتنبي وأبو تمام حكيمان وإنما الشاعر هو البحتري".
النشأة
ولد البحتريعام 206هـ - 821م بمنبج بالقرب من حلب وتلقى فيها علومه في الدين واللغة والأدب،والبحتري يمني قحطاني من ناحية أبيه وعدناني من ناحية أمه، عشق الشعر وعمل علىتدعيم هذا العشق بحفظ أشعار الأقدمين والتدرب على النظم الجيد للقصائدالشعرية.
وإمعاناً في صقل موهبته الشعرية رحل البحتري إلى حمص حيث كان أبو تمامفقام بعرض شعره عليه وتقرب إليه ليتعلم منه وكانت من نصائح أبو تمام إليه أن قالله: " يا أبا عبادة، تخير الأوقات، وأنت قليل الهموم، صفر من الغموم .. فإذا أردتالنسيب فاجعل اللفظ رقيقاً والمعنى رشيقاً وأكثر فيه من بيان الصبابة، وتوجعالكآبة، وخلق الأشواق، ولوعة الفراق، وإذا أخذت في مدح سيد ذي أياد، فأشهر مناقبهوأظهر مناسبه، واجعل شهوتك لقول الشعر الذريعة إلى حسن نظمه، فإن الشهوة نعمالمعين، وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من شعر الماضين، فما استحسنه العلماءفاقصده، وما تركوه فاجتنبه".
انتقل البحتري بعد ذلك إلى بغداد واتصل بعدد منالشعراء مثل دعبل الخزاعي، ابن الرومي، علي بن الجهم، ابن المعتز، ابن الزيات، ابنطاهر.
حياته
يقال عن البحتري انه نشأ فقيراً وتوفى غنياً وذلك نظراً لكونهمثل باقي شعراء عصره سعى للتكسب بشعره فقام بمدح الخلفاء والوزراء وغيرهم فأفتتحشعره بالغزل وأدخل به الحكمة والعاطفة والفخر والوصف، كما عمل على تسجيل الأحداثالمختلفة من خلال قصائده الشعرية.
كان أول الخلفاء الذي اتصل بهم البحتريبالعراق الخليفة المتوكل فقام بمرافقته ومدحه في كل مناسبة وعمد إلى تسجيل مآثرهوذلك على مدى خمسة عشر عاماً قضاها البحتري في رعاية المتوكل، مما قاله في مدحه:
يا اِبنَ عَمِّ النَبِيِّ حَقّاً وَيا أَزكى
قُرَيشٍ نَفساً وَديناً iiوَعِرضا
بِنتَ بِالفَضلِ وَالعُلُوِّ iiفَأَصبَحتَ
سَماءً وَأَصبَحَ الناسُ iiأَرضا
وَأَرى المَجدَ بَينَ عارِفَةٍ iiمِنكَ
تُرَجّى وَعَزمَةٍ مِنكَ iiتُمضى

وحينما قام المتوكل بتولية أولاده الثلاثة ولاية العهد قال:
حاطَالرَعِيَّةَ حينَ ناطَ iiأُمورُها
بِثَلاثَةٍ بَكَروا وُلاةَ iiعُهودِ
قُدّامَهُم نورُ النَبِيِّ وَخَلفَهُم
هَديُ الإِمامِ القائِمِ iiالمَحمودِ
لَن يَجهَلَ الساري المَحَجَّةَ بَعدَ ما
رُفِعَت لَنا مِنهُمبُدورُ iiسُعودُ

كما اتصل البحتري بمستشار المتوكل ونديمه الفتح بن خاقانفمدحه فقال في وصف واقعة لابن خاقان قام فيها بمبارزة أسد
فَلَم أَرَضِرغامَينِ أَصدَقَ iiمِنكُما
عِراكاً إِذا الهَيّابَةُ النِكسُ iiكَذَّبا
هِزَبرٌ مَشى يَبغي هِزَبراً وَأَغلَبٌ
مِنَ القَومِ يَغشى باسِلَالوَجهِ أَغلَبا
أَدَلَّ بِشَغبٍ ثُمَّ هالَتهُ iiصَولَةٌ
رَآكَ لَها أَمضىجَناناً iiوَأَشغَبا
فَأَحجَمَ لَمّا لَم يَجِد فيكَ مَطمَعاً
وَأَقدَمَلَمّا لَم يَجِد عَنكَ iiمَهرَبا

تألم البحتري كثيراً بمقتل المتوكل وعزف عنقول الشعر فترة من الزمن، ثم ما لبث أن عاد مرة أخرى إليه فقام بمدح المنتصر ثمالمستعين والمعتز من بعدهم، ولكن لم تكن له بهم نفس الصلة القوية التي كانت معالمتوكل، مما قاله في مدح المنتصر:
وَبَحرٌ يَمُدُّ الراغِبونَ iiعُيونَهُم
إِلى ظاهِرِ المَعروفِ فيهِم iiجَزيلِهِ
تَرى الأَرضَ تُسقىغَيثَها بِمُرورِهِ
عَلَيها وَتُكسى نَبتَها iiبِنُخولِهِ
أَتى مِن بِلادِالغَربِ في عَدَدِ iiالنَقا
نَقا الرَملِ مِن فُرسانِهِ iiوَخُيولِهِ
فَأَسفَرَ وَجهُ الشَرقِ حَتّى كَأَنَّما
تَبَلَّجَ فيهِالبَدرُ بَعدَ iiأُفولِهِ

وقد قام البحتري بهجاء المستعين بعد أن نزل عن عرشالخلافة وصعد المعتز ليتولى الخلافة بدلاً منه، وقد عاش البحتري في عصر المعتز فيسعة من المال ورفاهية في العيش.
أسلوبه الشعري
تناول البحتري في شعره المدحوالرثاء والغزل والحكمة وإن برع في الوصف، فقد تمكن من أدوات التصوير والوصفواستعان بالألفاظ المعبرة والمصورة لكل ما يراه ويحسه.
هَذي الرِياضُ بَدالِطَرفِكَ iiنَورُها
فَأَرَتكَ أَحسَنَ مِن رِياطِ السُندُسِ
يَنشُرنَ وَشياًمُذهَباً iiوَمُدَبَّجاً
وَمَطارِفاً نُسِجَت لِغَيرِ المَلبَسِ
وَأَرَتكَكافوراً وَتِبراً iiمُشرِقاً
في قائِمِ مِثلِ الزُمُرُّدِ iiأَملَسِ
مُتَمايِلَ الأَعناقِ في iiحَرَكاتِهِ
كَسَلَ النَعيمِ وَفَترَةَ iiالمُتَنَفِّسِ
مُتَحَلِّياً مِن كُلِّ حُسنٍ iiمونِقٍ
مُتَنَفِّساًبِالمِسكِ أَيَّ iiتَنَفُّسِ

قال في الربيع
أَتاكَ الرَبيعُ الطَلقُيَختالُ ضاحِكاً
مِنَ الحُسنِ حَتّى كادَ أَن iiيَتَكَلَّما
وَقَد نَبَّهَالنَوروزُ في غَلَسِ الدُجى
أَوائِلَ وَردٍ كُنَّ بِالأَمسِنُوَّما
يُفَتِّقُها بَردُ النَدى iiفَكَأَنَّهُ
يَبُثُّ حَديثاً كانَ أَمسِمُكَتَّما
وَمِن شَجَرٍ رَدَّ الرَبيعُ iiلِباسُهُ
عَلَيهِ كَما نَشَّرتَوَشياً iiمُنَمنَما
أَحَلَّ فَأَبدى لِلعُيونِ iiبَشاشَةً
وَكانَ قَذىًلِلعَينِ إِذ كانَ iiمُحرَما

تأثر البحتري كثيراً بشعر الكثير من الشعراءالكبار وعلى رأسهم أبو تمام الذي أخذ الكثير من أقواله، ولكنه لم يأخذ الحكمة فيأغراض شعره ولا قام بصبغه بصبغة فلسفية، وقد اعتنى البحتري بانتقاء ألفاظه فتجنبالمعقد منها والغريب، وقد كان من أفضل شعراء عصره في المدح لذلك حصد الكثير منالجوائز والعطايا من الخلفاء والملوك.
من قصائده الشهيرة القصيدة السينية والتيقالها عندما قام بزيارة إيوان كسرى، فأسترجع فيها حضارة الفرس في وصفه لهذه الدولةالتي كانت بها قوة عظيمة ثم اضمحلت فقال فيها:
صُـــنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُنَفسي
وَتَرَفَّعــــــــــتُ عَن جَدا كُلِّ iiجِبسِ
وَتَماسَكتُ حينَزَعزَعَني iiالدَهـر
التِماساً مــــــــــِنهُ لِتَعسي وَنَكسي
بُلَغٌ مِنصُبابَةِ العَيشِ عِـــــندي
طَفَّفَتها الأَيّـــــــــــامُ تَطفيفَ iiبَخسِ
وَبَعيدٌ مابَينَ وارِدِ iiرِفَـــــــــــــــهٍ
عَلَلٍشُـــــــربُهُ وَوارِدِ iiخِـــــــمسِ
وَكَأَنَّ الزَمانَ أَصبَحَ iiمَحــــــمولاً
هَواهُ مَـــــــعَ الأَخَسِّ iiالأَخَــــــــسِّ
لَوتَراهُ عَلِمتَ أَنَّ iiاللـــــــــــَيالي
جَعَلَت فيهِ مَأتَماً بَعدَ iiعُــــــــــرسِ
وَهوَ يُنبيكَ عَن عَجائِبِ iiقَـــــــومٍ
لا يُشابُالـــــــبَيانُ فيهِم بِلَــــبسِ
وَإِذا ما رَأَيتَ صورَةَ iiأَنطـــــاكِيَّة
اِرتَعـــــــتَ بَينَ رومٍ iiوَفُـــــــــرسِ
وَالمَنايا مَواثِلٌ وَأَنوشَــــــــروان
يُزجي الصُفوفَتَحتَ iiالدِرَفــــــسِ
في اِخضِرارٍ مِنَ اللِباسِ iiعـــــَلى
أَصفَرَيَختالُ في صَبيـــــغَةِ iiوَرسِ
وَعِراكُ الرِجالِ بَينَ iiيَــــــــــــدَيهِ
في خُفوتٍ مِنهُم وَإِغمـاضِ iiجَرسِ
مِن مُشيحٍ يَهوىبِعامِلِ iiرُمـــــحٍ
وَمُليحٍ مِــــــــنَ السِنانِبِتُـــــرسِ

الوفاة
توفى البحتري بمنبج عام 284هـ - 897م، بعد أن تركديوان ضخم، وكتاب الحماسة على مثال حماسة أبي تمام قام فيه باختيار الشعر من ستمائةشاعر أكثرهم من الجاهليين والمخضرمين، وجعله في ثلاثة أبواب واحد للحماسة والثانيللأدب والثالث للرثاء، ويشترك أبو تمام والبحتري في الكثير من الشعراء الذين روياعنهم.
لبـحتري
شاعر من العصر العباسي الثاني اسمه الوليد بن عبد الله وكنيتهأبو عبادة، ولقبه البحتري نسبة إلى جده بحتر من قبيلة طيء.

ولد سنة (821 م- 205 هـ)، في بلدة منبج من أعمال حلب، وفيها نشأ وترعرع متلقيا علومه الأولى، آخذاإلى البادية صفاء اللغة وصحة الراوية الشعرية وملكة البلاغة.

ترك بلده فيمطلع شبابه وذهب إلى حلب حيث أحب علوة الحلبية المغنية التي ذكرها كثيرا في شعره. ومن حلب اتجه إلى حمص حيث لقي أبا تمام فتتلمذ عليه في الشعر دون أن يتأثر بنزعتهإلى الفلسفة والمنطق.

ولما أتقن صناعة الشعر، ذهب إلى العراق فكان موطنشهرته، وفيه اتصل بالخلفاء والوزراء وعظماء القوم. وقد لازم المتوكل وأصبح شاعربلاطه، فأحبه كما أحبه وزيره الفتح بن خاقان، فكان ينادمهما في مجالس أنسهما. قتلالمتوكل والفتح وكان البحتري حاضرا فرثى الخليفة في قصيدته المشهورة عبر بها عنعاطفته الجياشة الصادقة.

قفل عائدا إلى وطنه، ولكنه حنّ إلى العراق ثانية،فعاد إليه واتصل بالخلفاء، ثم رجع آخر خلافة المعتمد إلى منبج حيث مات سنة 897م.

فأما فتنته بجمال بلاده فيدل عليها قوله :

حنَّتْ رِكابيبالعراقِ وشاقنى 00000 في ناجر بَرْد الشام وريفها

وقوله :

ذكَّرْتنا بَرْد الشام وعيشنا 00000 بين القباب البيض والهضبات

وأما ما يدل على أن الشام مسكن هواه فقوله :

وقد حاولتُ أن تَخِدالمطايا 0000 إلى حيّ على حلب حُلول

ولو أنى ملكت إليك عزمي 000 وصلتُ النصفيها بالذميل

وقوله :

جفوتُ الشامَ مَرْتبعي وأنسي 000 وعلوَةُخُلتي وهوى فؤادي

وأما كرم محتده وعراقة مجده ففي قوله :

جَدِّيالذي رفع الأذان بمنبج 000 وأقام فيها قِبلة الصلوات

مبلغ الحقيقة في دعاوىالبحتري

والحق أن للخيال الشعري والدعوة الكاذبة من الشعراء أثراً في بعضتلك الحقائق التي أحب البحتري أن يلزمنا الاعتراف بها . فقد أرانا أنه كان في بلادهفي أرغد عيش وأكرم منزلة ، حتى لقد جعل ذلك مضرب المثل في قوله لأبي نَهْشَل مادحاًشاكراً :

لا أنسَيْنْ زمناً لديك مهذبا 0000 وظلالَ عيش كان عندك سَجْسَج

في نِعْمَةٍ أُوطِنْتُها فأقمت في 000000 أفيائها فكأنني في منبج





ويقول في قصيدته في وصف إيوان كسرى :

واشتر أبيالعراقَ خُطَّةُ غَبْنٍ 0000 بعد بيعي الشام بيْعة وِكْس

وليس أحد يعقل أنالبحتري كان في مَنْبِج في أرفه ومن عيشه بالعراق ، وقد اقتنى المال الكثير ، وصاريركب في جملة من عبيده ، واتخذ قهارِمَة وكتابا ، وخلف لأنبائه ثروة جعلتهم إلى زمنبعيد من الرؤساء والسادة المذكورين . هل يعقل أن يكون شأن البحتري في مَنْبِج كماوصف ، وقد ذُكر أنه كان يتنقل في أسواقها ويمدح باعة الباذنجان والبصل ؟ فهب أنانطباعه على قول الشعر جعله يتحدر من فمه ، ولكن الشرف وسمو المكانة كما يزعم كانجديراً أن يجعل موضوع شعره شيئاً غير مدح الباعة ، وهل يمدحهم إلا من يطمع في شيءمن دراهمهم أو مما يبيعونه غالباً .

وإذا قيس الغائب بالشاهد حكمنا بأنعلْوة هذه عروس من عرائس الشعر لم يدَّعِ البحتري عشقها إلا ليصبغ خياله بلونالحقيقة ، حتى يستطرفه سامعوه .

ولعل صبابته بها وتحرُّقه عليها كاناكصبابته بغلامه «نسيم» الذي باعه يوماً فاشتراه إبراهيم بن الحسن بن سهل ، فأكثرالبحتري من الأسف عليه وإظهاره اللهفة والحسرة إلى فقده ، حتى رده إليه إشفاقاًعليه . ثم باعه ، فأعاد السيرة في الحنين إليه وهكذا . فجعل من كذب غرامه بغلامهوسيلة للحصول على المال .

اتصال البحتري بأبي تمام

سمع البحتريبشاعر عظيم القدر نابه الشأن أخمل شعراء عصره وحرمهم العطاء طول مدته ، ذلك هو أبوتمام الطائي وقد كان بحِمْص ، دخلها في جولة من جولاته التي ذرع بها المملكةالإسلامية شرقاً وغرباً فقصده ليعرض عليه شعره في جملة الشعراء الذين جعلوا من أبيتمام حَكَما يرجعون إليه ، كما كان النابغة الذبياني بين أهل الجاهلية . فلما سمعأبو تمام من البحتري أقبل عليه من بين سائر من حضر واستبقاه بعد انصرافهم . فلماتفرقوا عنه فقال له : أنت أشعر من أنشدني ، فكيف حالك ؟ فشكا إليهالخلَّة . فكتبإلى أهل مَعَرَّة النُّعمان ( يصل كتابي هذا على يد الوليد بن عُبيد الله الطائيوهو على بذاذته شاعر فأكرموه ) وسلمه البطاقة وأمره أن يمدحهم فأكرموه بهذه الوصية، ووظّفوا له أربعة آلاف درهم فكان ذلك أول مال أصابه البحتري كما يقول .

وقد ذكر صاحب الأغاني راوي هذا الحديث ، حديثاً آخر في أول اجتماع كان بينأبي تمام والبحتري . قال محدثاً عن لسان البحتري :

أول ما رأيت أبا تمامأني دخلت على أبي سعيد محمد بن يوسف وقد مدحته بقصيدتي :

أأفاق صب من هوىفأفيقا 0000 أو خان عهداً أو أطاع شفيقاً

فسر بها أبو سعيد وكان في مجلسهرجل نبيل رفيع المجلس تكاد تمس ركبته ركبة أبي سعيد . فقال يا فتى : أما تستحي مني !!؟ هذا شعري وإنما تنتحله ، وتنشده بحضرتي . قال أبو سعيد أحقاً ؟ قال : نعم . ثماندفع فأنشد أكثر القصيدة ، حتى شككني في نفسي . فجعلت أحلف له بكل مُحْرِجة منالأيمان أن الشعر لي ما سبقني إليه أحد ولا سمعته منه ولا انتحلته . فلم ينفع ذلكشيئاً . فأطرق أبو سعيد ، وفَظِع بي حتى تمنيت أني سُخت في الأرض . فقمت أجر رجليّفما هو إلا أن بلغت الباب حتى خرج الغلمان فردوني فأقبل على الرجل (الذي ادعى أنالشعر له) فقال : الشعر لك يا بني والله ما قلته قط ولا سمعته إلا منك . قال ثمدعاني (هو أبو تمام) وضمني إليه وعانقني وأقبل يقرظني ولزمته بعد ذلك وأخذت عنهواقتديت به .
منقوووووووووووووول

=========


>>>> الرد الرابع :

بسم الله الرحمن الرحيم
أبو تمام والمتنبي حكيمان أما الشاعر فالبحتري
شغل هذا الموضوع وهذه المفاضلة بين الشعراء الثلاثة حيزا كبيرا لدى القدامى والمتأخرين فألفت التصنيفات والكتب لعل أشهرها الكتاب المشهور الموازنة بين الطائيين للآمدي ويعني بهما أبا تمام والبحتري وهناك كتاب آخر للمؤلف نفسه وعنوانه : الوساطة بين المتنبي وخصومه .
سأحاول في هذا الموضوع أن أبحث عن الآراء النقدية التي تتناول وتصبّ في موضوع دراستنا وهو : أبو تمام والمتنبي حكيمان وأما الشاعرفالبحتري ، أي أن أثبت من خلال الموضوعات التي تناولها هؤلاء الشعراء اتسام شعر أبي تماموالمتنبي بالحكمة والعقل أما ميز شعر البحتري فهو العاطفة والخيال والإبداع وذلك من خلال التعرض لأشهر قصائد هؤلاء الشعراء .
1- أبو تمام :
أبو تمام من شعراء الطبقة الثالثة من المحدثين انتهت إليه معاني المتقدمين والمتأخرين ، برز أبوتمام في ظرف مميز وهو حركة الترجمة الواسعة لعلوم الأوائل من اليونان والفرس والهند فتشبع بكل هذه العلوم وهذه الثقافات حتى حصف عقله واتسع خياله ورسم لنفسه مذهبا خاصا به وهو تجويد المعاني وتسهيل العبارة ، استكثر الحكم في شعره واستدل على الأمور بالأدلة العقلية والمنطقية ولو أدى به ذلك إلى التعقيد أحيانا وحاول إخفاء ذلك بالإفراط في استخدام المحسنات البديعية والصور البيانية وهو بذلك مهد الطريق للمتنبي بعده ولذلك كان يقال : " إن أبا تمام والمتنبي حكيمان والشاعر هو البحتري " وتثبت هذه المقولة الفكرة القائلة بأن شعر أبيتمام يغلب عليه العقل والمنطق والحكمة وهذا ما يمكنك أن تقف عليه من خلال بائيته المشهورة التي مطلعها :
السَّـيْـفُ أَصْــدَقُ أَنْـبَــاءً مِـــنَ الـكُـتُـبِ فِـي حَــدهِ الـحَـدُّ بَـيْـنَ الـجِـد واللَّـعِـبِ
بيضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُـودُ الصَّحَائِـفِ فِـي مُـتُـونِـهـنَّ جـلاءُ الــشَّـك والــريَـبِ
والعِـلْـمُ فِــي شُـهُـبِ الأَرْمَــاحِ لاَمِـعَـةً بَيْنَ الخَمِيسَيْنِ لافِي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ
ونحن نذكر المساجلة الطريفة التي قامت بين ناقد متشبث بالقديم هو أبو العميثل وبين أبيتمام حين قال له: يا أبا تمام: لم تقول ما لا يفهم؟. فأجابه أبو تمام: لم لا تفهم ما يقال؟. وهذه المساجلة تبرز مباينة أبي تمام لما ألفه النقاد والشعراء القدامى فهنا مناظرة بين ذوقين: ذوق عربي خالص يرى أن الشعر ينبغي أن يكون واضح المعاني بعيدًا عن الغموض، وبين ذوق شاعر محدث ذي ثقافة عقلية فلسفية يغوص على المعاني فلا تدرك إلا بكد الذهن، وقد جاءتنا كلمة ابن الأعرابي حين سمع شعر أبي تمامفقال: إن كان هذا شعرًا فما قالته العرب باطل.
يقول ابن الأثير عن أبي تمام : أما أبو تمام فإنه رب معانٍ وصلُ ألباب وأذهان ، وقد شهد له بكل معنى مبتكر، ولم يمش فيه على أثر ..."
ومجمل القول هو أن شعر أبي تمام اتسم بطابعه الحكمي العقلي ويمكنك الوقوف على ذلك من خلال قصيدته الطويلة فتح الفتوح أو فتح عمورية .
2- البحتري :
يقول القدماء : لم يأت بعد أبي نواس من هو أشعر من البحتري ولا بعد البحتري من هو أطبع منه في الشعر ولا أبد منه في الخيال الشعري .
نشأ البحتري في البادية فابتعد في شعره عن مذاهب الحضريين وتعمقهم وفلسفتهم ، فكان شعره كله بديع المعنى حسن الديباجة ، صقيل اللفظ ، سليس الأسلوب كأنه سيل ينحدر إلى الأسماع ، لذلك اعتبره كثير من الأدباء الشاعرالحقيقي ، واعتبروا أمثال أبي تمام والمتنبيوالمعري حكماء ، لسهولة شعره ورقته حتى أن شعره كان أكثر شعر يغنى في عصره
وعلى أن البحتري كان تلميذًا وفيًّا لأبي تمامالذي أخذ بيده في مسيرته الشعرية بوصيته المشهورة، فإنه لم يرض عن إقحام الشعراء المنطق والتعقيد المعنوي في الشعر، فقال أبياته المشهورة التي منها قوله:
كلفتمونا حدود منطقكم والشعر يغني عن صدقه كذبه
والشعر لمح تكفي إشارته وليس بالهذر طولت خطبه
وهو بذلك يرد ويعارض أستاذه أبي تمام ويثبت في الوقت نفسه فهمه للشعر وحقيقة الشعر .
وهذا ما يلخصه ابن الأثير في قوله :" وأما أبوعبادة البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى ، وأراد أن يشعر فغنى ، ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على الإطلاق . وسئل المتنبي عنه وعن أبي تمام وعن نفسه ، فقال : أنا وأبوتمام حكيمان والشاعر البحتري . ولعمري إنه أنصف في حكمه ، فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء في اللفظ المصوغ من سلالة الماء ، فأدرك بذلك بعد المرام مع قربه إلى الإفهام " .
وكي نقف على شاعرية البحتري وعلى عاطفته المتدفقة يكفي أن نقرأ قصيدته في وصف إيوان كسرى والتي يقول في مطلعها :
صُنتُ نَفسي عَمّـا يُدَنِّـسُ نَفسـي وَتَرَفَّعتُ عَـن جَـدا كُـلِّ جِبـسِ
وَتَماسَكتُ حيـنَ زَعزَعَنـي الـدَه رُ التِماسًا مِنـهُ لِتَعسـي وَنَكسـي
وهي قصيدة طويلة تبرز شاعرية البحتري الفياضة
وهناك قصيدة جميلة للشاعر في وصف الربيع والتي مطلعها :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى كاد أن يتكلما

3- المتنبي :
لا يختلف اثنان في أن المتنبي بلغ مرتبة عظيمة في الشعر شغل الناس قديما وحديثا .
يستشف القارئ من شعر المتنبي معاني الطموح والتعالي وبلوغ المراتب العليا ، فهو يستهل أغلب قصائده بمطلع حكمي يشيد ويعظم ويفتخر ويتعالى إلى المراتب العليا .
تمتاز معاني المتنبي بالعمق والرصانة من أحسن قصائده قصيدته في مدح سيف الدولة والتي يستهلها :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظائم
وهناك قصيدة أخرى مشهورة له في الفخر ومطلعها :
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا بأنني خير من تسعى به قدم
فالمتنبي هو شار الشخصية القوية التي تتجلى في جميع شعره مدحا وهجاء وفخرا
يقول ابن رشيق عنه : ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس .

=========


>>>> الرد الخامس :


=========