عنوان الموضوع : tercha+التفكير الرياضي تحضير بكالوريا
مقدم من طرف منتديات العندليب

التفكير الرياضي بين البداهة و تعدد مجالات الصدق
ان مجرد حديثنا عن ازمة انما ينبىء اننا في حالة " اعادة ترتيب البيت" بمعنى ان هناك تصدعات تنخر الاسس التي يقوم عليها العلم. من هذا المنطلق نتحدث عن ازمة الرياضيات في العصر الحيث ازمة اجتمعت اسبابها في الاعتقاد بقصور المبادىء الرياضية او بالاحرى في محدودية الفكر الرياضي الذي اصبح مهددا في اسسه مما اضطره الى مجاراة الواقع و الدخول في اعادة النظر في اسسه و مراجعة معاييره التي سبق و ان اعتبرها قد قدت مرة واحدة و الى الابد. لكن بان انها مجرد اسس فقدت كل قيمة ثابتة و اصبحت غير قادرة على استيعاب جديد التطور الذي شهدته الرياضيات و خاصة بروز تناقضات ساهمت في بلورة منهج رياضي جديد سمته النسبية و تعدد مجالات الصدق.
لقد اصبحت ثوابت الفكر الرياضي غير قادرة على استيعاب جديد التفكير الرياضي فكيف سيكون تصرف الرياضي لحل هذه المشاكل؟ و ما هي الاسباب الحقيقية التي دغعتنا الى الحديث عن ازمة تعيشها الرياضيات في زمن سيطرة القوانين الثابتة؟ و في اي مظهر تجلت ازمة الاسس التي زعزعت كيان البناء الرياضي و ماهي انعكاساتها الابستيمولوجية و الانطولوجية في صلب الكائن الرياضي؟
لقد مثل الانموذج الاقليدي لزمن طويل اساس الرياضيات تكون فيه البداهة سيدة الموقف. و البداهة كما يحددها الخطاب الديكارتيّ هي كل ما يتمثله ذهني بوضوح و تميز" .لقد تجاوز ديكارت التعريف التقليدي للرياضيات بما هي علم الكم( كم منفصل يبحث في علم العدد و كم كتصل يبحث في علم الهندسة ) ذلك التعريف الذي كان يعتقد ان الرياضيات علما شديد التعقيد او علما في متناول الجميع.
و راى ديكارت ان غياب المنهج جعل الرياضيات لا تعتمد عاى طرق مضبوطة بل راها في عصره شديدة الارتباط بالمعطى الحسي و الاشكال الهندسية من هنا اتجه الى تاسيس فرع جديد في اتلارياضيات و هو الهندسة التحليلية التي ستمكننا من تجاوز التعارض بين الكم المنفصل و الكم المتصل و ذلك بالتعبير عن الاشكال الهندسية انطلاقا من معطيات رياضية.
رغم اسهاماته الايجابية في تاريخ الرياضيات فان التفكير الرياضي الديكارتي ظل مسكونا بهاجس البداهة لحظة اعتباره المبادىء الولية الرياضية بديهية و متميزة بذاتها. و قد استمر هذا العتقاد الى زمن ليبنيتز حيث كانت المبادىء الرياضية مبادىء ذات قيمة ثابتة و كان الاهتمام منصبا على حقيقة الكائن الرياضي مجسما في العدد و الشكل الهندسي.
لكن بروز اهتزازات داخل نظام البداهة التي تمثل اساس و قاعدة كل بناء رياضي منذ اقليدس و وضعها ديكارت على راس قواعد منهجهلكن الوضوح و التميز ليس لهما تقديرا بل هما ذهنيان فقط.
ديكارت يضع معيار البداهة المعيار المحدد للمعرفة العقلية و من خلال مثال قطعة الشمع ندرك ان المقصود هو لمحة من لمحات الذهن اي ضرب من الحدس العقلي يبرز في الذهن فجاة من هنا كانت المبادىء الرياضية مع ديكارت مبادىء فطرية واضحة بذاتها في غنى عن كل برهان و ان كان هذا موروثا منذ القديم لكن الى اي مدى يمكن اعتبار المبادىء الرياضية واضحة بذاتهلا لا تحتاج الى برهان خاصة في ظل الاوضاع الجديدة؟.لقد كان نقد مفخوم البداهة موغلا في القدم اذ عمد كل من بروكليس و طاليس الى نقد اوليات اقليدس كما انتقد سكولائيي الاعصر الاوسيط فكرة البداهة العقلية و اعتبروا ان بداهة القضايا لا تتاتى من صدقها الفعلي المحض بل من صدقها المنطقي فهي انسجام القضية مع بقية القضايا و عدم وقوعها في تناقض و وصل الحوار و الجدل حده في العصر الاحديث في القرن السابع عشر حين حاولا كل من روبرفال و ارنولد ناسيس كتاب الاصول الجديدة نسبة الى كتاب" الاصول" لاقليدس بادرا فيه الى نقد بديهيات اقليدس.
اما ليبنيتز فقد اثار قضية ذات معنى مفادها انه اذا كان البناء الرياضي هو الذي يقوم على مجموعة من الاوليات( واضحة بذاتها لا تحتاج الى برهان) فلماذا نشكك في البناء الاقليدي اذا لم تكن مبادئه ليست بديهية بالمعنى الفطري للكلمة بل هي مجرد قضايا صادقة افتراضية تواضعية؟
و قد لقيت هذه القضية اهتماما كبيرا في القرن العشرون حينما حاولا عالمان و هما لوباتشفسكي من روسيا و ريمان من المجر تجاوز الهندسة الاقليدية بافتراضهما لبديهيات مخالفة لبديهيات اقليدس و اخذت المسلمة الخامسة مثاتلا على ذلك و هي تقول" من نقطة خارج المستقيم في سطح معين لا يمكننا رسم سوى موازيا واحدا لهذا المستقيم".
انطلق لوبا تشفسكي من نقيضهاالقائل:" من نقطة خارج مستقيم في فضاء مقعر يمكننا رسم ما لا نهاية له من المتوازيات" و توصل بذلك الى انشاء هندسة جديدة موازية لهندسة اقليدس.
اما ريمان فافترض: " من نقطة خارج مستقيم على سطح مكور لا يمكننا رسم و لا موازيا واحدا" و هكذا نشات الهندسات اللاقليدبة و ستنشا عنها استتباعات هامة لا بد من الوعي بها لانها صادقة و مبرهن عليها مثل ان مجموع زوايا المثلث لم يعد مساويا لزاويتين قائمتين بل اصبح اقل مع لوباتشفسكي 135درجة و اكثر مع ريمان 270 درجة.
انطلاقا مما سبق تكون لدينا نتائج مبرهن عليها ليست متناقضة و نكون امام ثلاث هندسات : اولى تتوسل الفضاء المسطح و ثانية تعتمد الفضاء المقعر و اخيرة تستنجد بالفضاء المكور و كلها صحيحة فماهو معيار الصدق الذي سيرينا بداهة احداها عن الاخرى؟


هكذا إذن نشأت ما سيسمى بأزمة الأسس التي أحسن بلورتها المؤرخ و العالم الرياضي هنري بوانكاريه .إضافة إلى بروز هذه الهندسات نشير إلى رغبة العلماء في معرفة طبيعة الرياضيات التي كنا نعتقد أنها لا نقاش فيها ثابتة غير متغيرة و لكن أزمة الأسس أبرزت لنا أن مثل هذه البديهيات ليست سوى فرضيات و من هنا أعلن بوانكاريه عن بداية النهاية لزمن سيطرة البداهة.
لقد عمل بوانكاريه على بيان هذه المسألة من خلال بحثه في تحديد طبيعة الأوليات الرياضية و التي افترض إما أنها ذات طبيعة عقلية أو ذات طبيعة تجريبية أو أنها مجرد فرضيات فماهي طبيعة الأوليات الرياضية؟
إذا كانت الأوليات ذات طبيعة عقلية فهذا يعني أنها كما يراها كانط تركيبية قبلية تركيبية لأنها لا تلتجئ إلى تمثلات حسية و قبلية لأنها لا تستمد من التجربة.
يدحض بوانكاريه هذا الموقف مبينا انه لو كانت الأوليات الرياضية قبلية عندها يجب أن نسلم بأن المسلمة الخامسة صحيحة لا يطالها الشك و بذلك تستبعد كل قضية أو مسلمة مخالفة و نعتبرها ضرورة خاطئة فكيف يكون الأمر إذن أمام بروز الهندسات التي تتمتع بنفس مساحة الصدق التي كانت تتمتع بها الهندسة الاقليدية؟ و إذا نفينا أو استبعدنا أن تكون الأوليات أن تكون ذات طابع عقلاني ألا يمكن أن تكون ذات طابع تجريبي؟
يعتبر جون ستيورات ميل أن الأوليات الرياضية هي ذات طبيعة تجريبية نظرا لقيام العلوم على التجربة و اعتمادها على المنهج الاستقرائي و ما الرياضيات إلا علما من العلوم شأنه شأنها فقط يتميز بالطابع الشمولي لموضوعها فإلى أي مدى يصح القول بأن الأوليات الرياضية ذات طبيعة تجريبية؟
يرى بوانكاريه أن الأوليات الرياضية ليست ذات طبيعة تجريبية لان الرياضيات لا تهتم بالأجسام الطبيعية بل بخصائص الأجسام أي صورة الجسم فالرياضي لا يقيم استدلالات على شكل طبيعي دائري أو مثلث طبيعي بل على صورة هذه الأجسام و لو افترضنا أن الرياضيات علم تجريبي سيكون من غير الممكن تصورها كعلم صحيح لقيامها على صفات أجسام طبيعية متغيرة و تصبح بذلك قابلة لمراجعة مستمرة من هنا ماهي طبيعة الأوليات الرياضية إذا لم تتأسس على العقل و لا على التجربة؟
يرى بوانكاريه أن الأوليات الرياضية هي مجرد مواضعات أي جملة من الفرضيات الممكنة التي نتواضع عليها و نختارها من بين فرضيات تكون هي أكثر منطقية فهي فرضية من إنتاج الخيال يدعمها الذهن و الصياغة المنطقية. و لا نهتم فيها إلا بالصرامة الداخلية أي أن تكون العلاقات بين حدودها و قضاياها خالية من التناقض و شرط صدقها الوحيد هو الصرامة الداخلية.
فالرياضي له كامل الحرية في اختيار الفرضيات التي يحددها و غير مقيد سوى بتجنب الوقوع في تناقض.من هنا كان المنهج الرياضي المنهج الفرضي الاستنتاجي ذلك أن الرياضي ينطلق من فرضيات تعتبر مقدمات للنتائج.
هل أن هذه الأزمة علامة عقم أم أنها بداية ظهور نتائج ايجابية ساهمت في تجديد الفكر العلمي الرياضي؟
يقول توماس كوهن: " إن الأزمات شرط ضروري و تمهيدي لظهور نظريات علمية جديدة" .
من أول نتائج أزمة الأسس تغير نظرة الرياضي المعاصر للمبادئ الرياضية إذ يرى بوانكاريه في " العلم و الفرضية" أن الرياضي التقليدي ينظر إلى الرياضيات من خلال مفهوم البداهة في حين يتخذ الرياضي المعاصر من المبادئ الرياضية مجرد فرضيات فالبناء الرياضي لم يعد يتأسس على جملة من البديهيات الواضحة بذاتها بل أصبح يقوم على فرضيات يطلق عليها المواضعات و هي جملة المبادئ التي لا تكون صادقة بذاتها و إنما نتواضع عليها فبداهتها ليست فطرية بل هي افتراضية تواضعية. و هكذا فان معيار البداهة و الصدق لم يعد هو المحدد بل أصبح معيار الصرامة و الملائمة.الصرامة الداخلية و تعني خلو البناء من أي تناقض و الملائمة التي تعني ملائمة هذا البناء للواقع الطبيعي و لخصائص الأجسام الطبيعية.
لقد أصبحنا أمام تعدد الصدق في مجال الرياضيات إذ أن ظهور الهندسات اللاإقليدية لن يؤدي إلى تجاوز الهندسة الاقليدية ذلك أن كل هذه الهندسات تلتقي و تشترك في الصدق. و إذا كنا لا نستطيع التمييز بين هذه الهندسات وفق معيار الصدق فانه يمكن التمييز بينها وفق معيار الملائمة ذلك أن الهندسة الاقليدية أكثر ملائمة من الهندسات الأخرى لخلوها من التعقيد و لبساطتها و قربها من المعطيات الحسية.
إضافة إلى ما سبق نضيف ظهور المنهج الاكسيومي الذي تم فيه الانتقال من دراسة الكائن الرياضي مجسما في الأعداد و الأشكال الهندسية إلى دراسة البنية أو مجموع العلاقات بين العناصر و من مزايا المنهج الاكسيومي تنظيم المعلومات و المعارف تنظيما محكما و إرجاعها إلى مجموعة قليلة من المبادئ و استعمال الرموز بدل الكائنات الرياضية و الأعداد بغض النظر عن محتوى هذه الرموز و هو أداة تفتح أمام الفكر جانب التجريد و تفسح أمامه إمكانية الانتقال من نظرية مرتبطة بالمشخص إلى نظرية مصاغة صياغة رمزية صورية كما يمكننا من الاقتصاد في المجهود الفكري و ذلك بجمع عدة نظريات في نظرية واحدة .لقد أصبح المهم معه في قضية من القضايا الرياضية هو الدور الذي تلعبه هذه الفرضية ضمن نسق رياضي معين و ليس ما تتمتع به من وضوح و تميز. يقول باشلار: " فالدور الذي أصبح الكائن الرياضي يلعبه صار أهم من طبيعته كما أصبحت الماهية تؤكد في نفس الوقت مع العلاقة و تعاصرها".


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


=========


>>>> الرد الثاني :


=========


>>>> الرد الثالث :


=========


>>>> الرد الرابع :


=========


>>>> الرد الخامس :


=========