عنوان الموضوع : دراسة في النص و النص المترابط من النصية الى التفاعلية باك ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب
للفائدة أنقل لكم هذا الموضوع بعنوان
دراسة في النص و النص المترابط من النصية الى التفاعلية
الكاتب: لبيبة خمار
مقدمة:
يعتبر السرد ظاهرة إنسانية شديدة الاتصال بالواقع المجتمعي و بنياته التحتية، خاصة ما يتعلق منها بالجانب التقني. فكل تطور يطال هذا المستوى يؤدي إلى تغيير بنية السرد وشكل تمظهره، فسواء اتخذ الشكل المصور، الشفهي أو المكتوب فإنه يشكل جزء لا يتجزأ من حياة الأفراد والمجتمعات. ومن تم يمكن أن ندرك جدل التفاعل القائم بينهما؛ فما دام المجتمع في حركية دائمة بحكم خضوع مختلف أنظمته إلى قانون التطور.كان السرد أيضا في تحول مستمر، بحثا عن أشكال جديدة تكون أكثر قدرة على استيعاب المستجد بكل خصوصياته.فماهي هذه الأشكال ؟
لقد أدى اكتشاف ورق البردي إلى تحول السرد من الشفهي إلى المكتوب ممثلا في المخطوط.وأدى ظهور المطبعة إلى ظهور الكتاب وحضارته المتميزة، بسيطرة التتابع والاستمرارية على فعل القراءة و زمنها.كما ساهم الحاسوب والانترنت في تحول النص من طبيعته الورقية إلى طبيعة جديدة رقمية.أضحت فيها سمته الأساس: التفاعل، الذي جعل مختلف أجزائه تدخل في علاقات حوارية مع بعضها البعض.والذي هدم الحدود بين فعلي القراء و الكتابة من خلال المسارات و العقد التي يقوم القارئ باختيارها، أو من خلال إضافاته و تعليقاته وكتاباته الخاصة التي تشكل جزء هاما من نسيج النص.
ولتلمس التفاعلية، ينبغي توضيح بعض المفاهيم المتولدة من التزواج ما بين الأدب والمعلوميات مثل: الترابط النصي و النص المترابط، مع تبيان صلة هاذين المفهومين بالتعلق النصي والوقوف عند الأسباب التي تكسب مفهوم التفاعل الراهنية و المشروعية.
- النص والتفاعل النصي:
إن علاقة النص بالتراث وبغيره من النصوص لا تكون دائما مس المة وقائمة على الحفاظ على كل مقوماته، بل إنها قد تتعرض للنقد الساخر (الباروديا) أو المعارضة المتمثلة في مختلف أشكال الخرق الذي قد يطال الشكل أو المحتوى.
هذه العلاقات الثلاث (المحاكاة، التحويل والمعارضة) التي تربط النصوص بعضها ببعض تشير إلى وجود نوع من الحوار والتفاعل الدائم الذي يصبح التواصل في غيابه منعدما بل ومستحيلا "فخارج التناص يغدو العمل الأدبي ببساطة غير قابل للإدراك" . كما يؤكد على ذلك ل. جيني (L.Jenny) لافتقاره لخلفية ينطلق منها ويرتكز عليها بالرفض أو القبول أو التحوير. من هنا يبرز التفاعل كعنصر هام يشكل جوهر العملية التناصية ونظرا لهذه الأهمية وجه الأستاذ "سعيد يقطين" اهتمامه للتفاعل النصي نظرا لوظيفته المزدوجة: فهو من جهة سمة بنيوية مميزة للنص (الانفتاح)، ومن جهة أخرى يعد أوالية تشير إلى الكيفيات التي تدمج بها بنيات نصية غائبة في بنية النص وطرائق اشتغالها وتحركها وتمظهرها. أوالية تقوم على الجدل بما فيه من هدم و بناء قائم على التوليف والتركيب؛ الشيء الذي يمنح للتفاعل طبيعة تفكيكية بغيتها معاينة العلاقات المتحققة داخل النص أو بين نصوص متعددة.
وقد تعددت المفاهيم والمصطلحات الواصفة لهذه العلاقات والتي يمكن إجمالها في خمسة أنواع هي: التناص، المناص، الميتانص، معمارية النص والتعلق النصي المندرجة في مجملها تحت مفهوم المتعاليات النصية الذي يعد أعم وأشمل من التناص. كما أشار إلى ذلك ج. جنيت الذي حول موضوع البويطيقا من البحث في معمارية النص إلى البحث قي المتعاليات النصية، لما لهذا المفهوم من فائدة في تطوير نظرية النص.
وإذا كان ج. جنيت قد جعل المتعاليات النصية مفهوما عاما تنضوي تحته أشكال وأنواع أجناسية مختلفة، فإن الباحث سعيد يقطين قد وضع مصطلحا آخر كمقابل للمتعاليات النصية هو "التفاعل النصي" لأنه يستجيب للتطورات التي يعرفها النص، ويعبر عن التحولات التي تطرأ عليه في تعالقه مع المعلوميات.
ويكتسب مفهوم التفاعل النصي أهميته وراهنيته لعدة أسباب نلخصها فيما يلي:
1- يعد التفاعل النصي الأكثر ملاءمة لطبيعة النص الأدبي/ الرقمي، المسمى بالنص المترابط أو بالأدب التفاعلي، الناشئ عن التفاعل المتبادل ما بين إنتاج المبدع ونشاط المستعمل الذي يحينه ويعطيه تمظهرا خاصا من خلال مسارات القراءة المتعددة. وعن طريق الربط بين عناصر وجزئيات هذا الإنتاج الذي يظل محايدا وافتراضيا، دون تدخل القارئ الذي يعيد كتابته في كل مرة يشغل فيها الحاسوب.
2- يفتح هذا الموضوع النص على علامات متعددة: لغوية، بصرية أو صوتية، تخترق النص مشكلة جزءا من نسيجه العام إذ أصبح بإمكان المبحر أن يقرأ مثلا عن تاريخ تأسيس الكتبية وأن يشاهد موقعها الجغرافي وبقية المعالم المحيطة بها وأن يسمع المؤذن يدعو للصلاة، كل هذا بمجرد نقرة على مؤشر الفأرة.
3- إن كل نص تناص، وكل نص مترابط يعد أعلى أشكال التناص، وعمق العملية التناصية هو التفاعل: فالكاتب يتفاعل مع نصوص سابقة أو لاحقة، والنص المترابط نصوص تتحاور وتتفاعل مع بعضها البعض.
ونشير أخيرا إلى أن التناص بأنواعه الخمسة كلها تندرج ضمن التفاعل النصي، ومن ضمن هذه الأنواع سنتوقف عند: التعلق النصي
- التعلق النصي:
أشار سعيد يقطين إلى السبب الذي حذا به إلى الاهتمام بهذا النوع دون بقية الأنواع قائلا: "ويهمنا من هذه الأنواع جميعا الوقوف على النوع الأخير (أي التعلق النصي) لأني أريد النظر في هذا المفهوم من زاوية اتصاله بالإعلاميات ونعيد النظر فيه في ضوء الانفتاح على المستجدات النصية في اتصالها بالإعلاميات ونعاين كيفية استفادة نظرية التفاعل النصي من الإنجازات التي تتحقق في هذا المجال وبذلك نعطي لنظرية النص والتفاعل النصي كل الاحتمالات الممكنة للتطور والتبلور في ثقافتنا العربية الحديثة" .
سيتم النظر إلى مفهوم التعلق النصي من زاوية اتصاله بالمعلوميات لتحديد الوضع النظري الذي يتخذه هذا المفهوم. وقبل ذلك سنقف عند الوضع النظري الذي يتخذه ضمن نظرية النص.
لقد حدد ج. جنيت في دراسته حول "المتعاليات النصية" مفهوم التعلق النصي في كونه ارتباط نص لاحق (Hypertexte) بنص سابق (Hypotexte) ارتباطا أو تعلقا يجعل من النص السابق نموذجا يحتذي به وينسج على منواله، أو يتعلق به قصد معارضته، أو تحويله.
أما سعيد يقطين فيميز بدءا بين التفاعل النصي الخاص الذي يتعلق فيه النص مع نص آخر محدد، وبين التفاعل العام أي: ما يقيمه النص من علاقات مع نصوص عديدة مع ما يوجد بينها من اختلاف على صعيد الجنس والنوع والنمط. جاعلا التعلق النصي نوعا خاصا من أنواع التفاعل النصي لأنه يتجسد من خلال العلاقة بين نصين محددين أولهما سابق والثاني لاحق، مركزا اهتمامه على كل الإيحاءات التي يحبل بها فعل تعلق، من الارتباط والاختيار الذي يشي بنوع من الانتماء، ذلك أن كل نص لاحق يمتلك نصه السابق.
والتفاعل بنوعيه لا يقتصر فقط على النصوص ذات الطبيعة اللغوية بل ينفتح على نصوص علاماتية مختلفة كالصوت والصورة إلى غير ذلك إذ يمكن لنص لغوي أن يحول إلى فيلم سينمائي، وإلى مسرحية أو لوحة أو معزوفة موسيقية والعكس صحيح. فالتفاعل يمكن أن يحدث في كل الإنتاج الإنساني وخير دليل على ذلك الأواصر والوشائج ما بين الأدب والمعلوميات والتي منحت للتعلق النصي لبوسا جديدا يختلف عما ألفناه ضمن نظرية النص وجعلت التفاعل يطغى ليصبح هو المعيار الأدبي الجديد لدرجة يمكننا معها أن نقيس أدبية النص بمقدار التفاعل الذي يحققه ويمنحه للقارئ والذي يعتمد عليه في تشييد بنائه. إن التفاعل لا يتوقف فقط على تلك الحركة ما بين النص والقارئ، بل تنشأ أيضا من الحركة الداخلية التي تتجاذب وتتفاعل بها كل أجزاء النص. مما يجعلنا نتحدث عن نظرية جديدة هي نظرية التفاعل النصي التي مهدت لولادتها الوشائج التي تصل ما بين الأدب والمعلوميات، وضمن هذه النظرية سنتحدث عن وجه آخر للتعلق النصي هو الترابط النصي.
- الترابط النصي:
أشار سعيد يقطين في دراسته حول التفاعل النصي والترابط النصي إلى أن مفهوم الترابط النصي هو مفهوم إعلامي محض، إذ قبل أن يقوم ج. جنيت بنحته سنة 1982 كان يوظف بمعنى مختلف في المعلوميات. لكن هذا لا ينفي وجود بعض النقاط المشتركة والكامنة في ارتباط نص بآخر، كما لا ينفي وجود نقاط فارقة، لأن الترابط النصي جعل فضاء النص فضاء منفتحا تعبره أصوات شتى وأشكال وأنواع متعددة، كما أصبحت سمته الأساسية التفاعل.
ونظرا للتطور الذي عرفه هذا المفهوم سنقوم بنقله من مجال المعلوميات إلى مجال الأدب، ليستفيد هذا الأخير من التطورات والإمكانيات المتوفرة من خلال الحاسوب الذي ولد نصا جديدا هو النص الرقمي، الخاضع في بنائه للمواصفات الرقمية التي تجعله يختلف عن النص الشفهي أوالمكتوب، فهو نص يتحقق من خلال شاشة الحاسوب ويخضع لنظامه وتقنياته الخاصة. وداخل هذا النص يظهر مفهوم الترابط النصي المتجسد من خلال الروابط التي تتم داخل النص والتي تسمح بالتنقل داخله.
مما سبق يمكن تحديد النقط الفارقة بين الترابط النصي والتعلق النصي:
- الترابط النصي: خاص بالنص الإلكتروني وهو علاقة داخل نصية.
- التعلق النصي: خاص بالنص وهو علاقة خارج نصية، لأنه يربط بين نصين أحدهما سابق والثاني لاحق.
وكلا النصين يرتبطان ببعضهما من خلال التفاعل النصي "بوصفه مفهوما جامعا يتسع لمختلف العلاقات بين النصوص،سواء كانت لفظية أو غير لفظية،وسواء قدمت شفاها أو كتابة
أو إلكترونيا" .
إن الإحاطة بالوضع النظري للترابط النصي يتطلب منا التفريق بين الترابط النصي والنص المترابط.
- الترابط النصي والنص المترابط:
"الترابط النصي" إجراء معلوماتي يسمح بربط كلمة بأخرى، أو فقرة أو أيقونة أو صورة بغيرها. كما يتيح للمستعمل إمكانية اختيار مساره داخل نص أو وثيقة معينة بمجرد نقره على مؤشر الفأرة على الكلمة التي تهمه، فينتقل مباشرة إلى الجزء المرتبط بها فيؤسس بالتالي مساره القرائي الخاص.
أما "النص المترابط" فهو نص افتراضي، محتمل، لا يأخذ شكله الواقعي إلا من خلال نشاط القارئ، مما يجعل منه نصا تفاعليا لأن التواصل أصبح يتطلب التشارك، فالحركة أصبحت تتجه من النص إلى القارئ وبالعكس، خلافا لما كان عليه الأمر مع النص الذي كان يمارس سلطة كبيرة على القراءة، لأنه لم يكن بمقدور القارئ التحرر من التتابع الذي تفرضه خطية الكتاب. لكنه مع النص المترابط أصبح بوسعه القفز على أجزاء ومشاهد ويتجه مباشرة إلى ما يهمه.
- خصائص النص المترابط:
يتميز النص المترابط بمجموعة من السمات التي تميزه عن النص دون أن يلغي هذا التميز الخصائص المشتركة مثل: الانفتاح، التعدد الدلالي والقرائي والتناص. ونحدد السمات الفارقة فيما يلي:
1. انعدام الخطية: إن الوحدات التي تكون النص المترابط لا ترتبط وبالضرورة مع بعضها البعض بشكل خطي ناتج عن توالي الفقرات وإنما بشكل شبكي، هذه الوحدات قد تشبه الفقرات لكنها قد تكون عبارة عن كلمة، أو صورة، أو مجموعة من الوثائق المعقدة المرتبطة فيما بينها بمجموعة من الروابط. خصوصية بناء النص المترابط تستتبعها أيضا خصوصية في القراءة التي لا تتم بشكل خطي: بدءا بالبداية وانتقالا من صفحة إلى أخرى وصولا إلى النهاية. وإنما تتم بالقفز من شذرة إلى أخرى. بإضافة عقد أو إزاحة أخرى، ببناء شبكة إخبارية أو هدمها.
2. دينامية القراءة: إن صيرورة القراءة ترتكز على مجموعة من العلامات المتمظهرة في النص، ويمكن أن نميز في هذه العلامات بين نوعين اثنين:
أ- تلك التي تقود القراءة نحو عناصر محددة.
ب- وتلك التي تعطي وتقترح إمكانيات مختلفة للاستمرار في العملية القرائية.
مما يجعلنا نميز بين علامات "ثابتة" وأخرى "دينامية" ، و تتمظهر ثنائية: الثابت والدينامي بشكل جلي داخل النص المترابط لاحتوائه على وحدات ثابتة لا تتقدم كعلامات قابلة للتنشيط إذ لا تعتبر ظلا لأي رابط مادي مسجل داخل النص بقدر ما ترتبط بمكونات تنتمي إلى نفس مستوى تقديم النص كمكونات الجملة. ومن ثمة فهي لا تعد مكانا يتضمن احتمال أي قراءة كامنة. هذا بخلاف الوحدات الدينامية التي يمكن تنشيطها والتي تسمح بالمرور إلى مستوى ومحتوى نصي آخر.
ويمكن أن نلاحظ داخل النص الذي يتخذ من الكتاب واسطة لتمظهره أن بعض الخاصيات الكتابية ككتابة الكلمة بلون مغاير أو بخط مضغوط يمكن أن تمنح لمكونات النص بعدا ديناميا. فالكلمة المبأرة يمكن قراءتها بطريقتين مختلفتين:
أ- قراءة الكلمة باعتبارها مكونا من مكونات الفقرة.
ب-قراءتها معزولة باعتبارها وحدة دلالية تؤشر على الفقرة.
وعلى العموم يمكن لكل العلامات التي يتم تبريزها أن تصبح مكونات دينامية. وبما أن هناك طرقا متعددة لتقديم العناصر الدينامية، وبما أننا نعلم أن كتابة محتوى نصي ترتكز على مجموعة من المميزات البصرية للعلامات التي تظهر مستويات مختلفة لتكونه الداخلي فإننا يمكن أن نفترض أن كل علامة دينامية تفسح المجال لتنشيط قراءة خاصة، يمكن أن تؤدي أحيانا إلى شيء يشبه تصميما للقراءة يتمتع بدرجة عالية من الاستقلال وبنوع من الانسجام بين العلامة وما تحيل عليه. مثلا: العلامة التي تشير إلى الفقرة تتوازى وقراءة الملخص والتي تشير إلى الإحالات المرجعية إلى قراءة البيبلوغرافية. وأحيانا العلامات الدينامية قد تنفتح على مستويات للقراءة يصعب أحيانا الجمع بين أجزائها مثل الجمع بين النص والحواشي.
وحينما نقول إن من بين خصائص النص المترابط: دينامية القراءة فهذا يعني دينامية البناء. ذلك أن الخصائص الكتابية التي يتمتع بها هذا النص لا يمكن إبرازها إلا من خلال الإمكانات القرائية التي يفجرها، فعن طريق القراءة يمكن التنظير لهذا الجنس الوليد.
. البعد اللعبي:
من خصائص النص المترابط سيطرة البعد اللعبي، فالقارئ لا يهتم بالمعنى قدر اهتمامه بالشكل، بترابط الأخبار وبالإمكانيات البصرية والصوتية وبالبعد التكنولوجي للواسطة، مجربا ولوج النص من هذه الوحدة أو تلك مزعزعا النظام الذي تعرض فيه. حتى القراءة المتخصصة قلما تهتم بالنص في ذاته من أجل تحليله نصيا أو خطابيا وإنشاء قراءة متعمقة قدر اهتمامها بالواسطة وما تقدمه من إمكانيات. هذا ما دفع بـ: بيرتراند جيرفي (Bertrand Gervais) ونيكولاس كزانتوس (Nicolas Xantos) في مقالتهما المشترك إلى طرح السؤال التالي: "هل يمكن أن نقوم بتحليل سيميائي للنصوص المترابطة مثلما هو الحال بالنسبة للنصوص؟ ماذا يحل بالبنيات السردية الخاصة بكل سرد داخل النصوص ذات الطبيعة المترابطة؟" . فقد لاحظا أن القارئ يظل أسيرا لهذا الشكل الترابطي فلا يغادر السطح للتسلل إلى الداخل حيث يكمن المحتوى. هذا النوع من اللعب هو لعب سطحي لا يلغي اللعب الحقيقي الذي يمتاز به النص المترابط والناتج عن دمج الكتابة والقراءة في الممارسة نفسها ليصبح فضاء النص فضاء افتتان.
. ثلاثية الأبعاد:
النص المترابط، نص ثلاثي الأبعاد وهذه الخاصية مستخلصة من الطبيعة التأليفية للنص الإلكتروني الذي تبنى وحداته في إطار من اللعب التفاعلي الحاصل بين ثلاثة مكونات هي:
1- الكتابة.
2- العرض.
3- التصفح والإطلاع .
ففي الوقت الذي تتداخل فيه هذه العناصر داخل النص، نجدها تتمتع بالاستقلال التام داخل النص المترابط، وبتفاعلها فقط تتشكل الوحدة الدلالية.
فإذا كانت عملية القراءة داخل النص تتم بمعزل عن الكتابة؛ حيث تتقدم كعنصر خارجي وغريب عنها، فهي في النموذج الثلاثي الأبعاد عنصر من بين العناصر المساهمة في تركيب النص المترابط و الذي يسمح بالولوج إلى معطياته ومساراته. وهذا يعني أن عملية القراءة تضم بعدي العرض ثم التصفح، اللذين يمكن ملاحظتهما بشكل ملموس لتصبح الخاصية المميزة للنص المترابط هي القبض و التعبير بشكل واضح على مختلف العمليات القرائية التي تأخذ طابعا ماديا. فمختلف عمليات التصفح والإبحار المحددة لعمليات الولوج للمعطيات المكتوبة والمحفظة في ذاكرة الحاسوب، عمليات يمكن تحديدها أو إيقافها زمنيا من أجل التحليل والدراسة.
وبتطبيق صيرورة التسويم البورسي كما تقترح دراسة جان باتيست (Jean Baptiste) ودافيد بويترفسكي (David Piotrawski) تتأسس علاقة وظيفية جديدة ما بين: العرض، الاطلاع والكتابة. هذه العلاقة التي تأخذ شكلا دائريا. فالمعطيات المعروضة على شاشة الحاسوب (العرض) تنفتح مباشرة (الاطلاع)، بتتبع المسارات التي ينتجها نظام الروابط القابلة للتنشيط والبادية على الشاشة؛ على معطيات جديدة (التدوين أو الكتابة) يتم استدعاؤها من خلال القراءة لنحصل على الخطاطة الدينامية التالية:
العرض الاطلاع التدوين العرض...
وكي نلقي أضواء جديدة على النموذج الثلاثي الأبعاد فإننا نستحضر خاصية أخرى يتمتع بها هي: اللامادية.
. اللامادية:
قراءة النص من على شاشة الحاسوب تحرم القارئ من الجانب المادي الملموس الذي يحققه الكتاب، فالنص أصبح يختزل على سطح أملس بدون عمق، ولم يعد موضوعا يمسك باليد.
والقول بأن النص المترابط يتضمن بعض المظاهر التي يمكن أن نصبغ عليها صفة انعدام المادية وأن نجعل من هذه الخاصية ميزة تفرق بين النص والنص المترابط لا يعد قولا يتضمن أي ملمح من ملامح التناقض، أي: أن نقول بأن النص المترابط يمنح للقراءة طابعا ماديا كما أنه نفسه نص غير مادي لا يعد تناقضا، إذ لا يمكننا نفي أنه يتضمن بعض المظاهر غير الملموسة، فإذا كان المستوى المجرد في النص هو المحتوى، ففي النص المترابط حتى مستوى العبارة يعد مجردا لأنه يحتاج إلى وساطة تعيد تركيب معطياته.
كما أن شكل الكتاب الذي يمنح للقارئ نوعا من الأمان قد عوض بمتاهة يمكنه أن يضيع وسطها دون أدوات وآليات توجهه، فغياب الكتاب حرمه من خلفية ينطلق منها وعليه أن يعيد خلقها من جديد وهذا ما رمى إليه ميشيل لونوبل (Michel Le Noble) بقوله: "باختفاء الكتاب لم يتبق إلا القليل من العناصر التي تعطي للقارئ خلفية ينطلق منها لذلك أصبح لزاما عليه أن يعيد خلق ظروف إنتاج الكتاب التي ستمكنه من فك شفراته. فالنص حاليا بدون هذه الواسطة المادية (الكتاب) أصبح نصا بلا تاريخ" . وأمام هذا الإنتاج الثقافي الجديد، الذي يتقدم للقارئ أعزل في غياب هذه الخلفية التاريخية، نتساءل عن الطريقة والأدوات التي بوسعها مساعدتنا على تقييم هذا النص: أنقيمه بالارتكاز على مقولات وقواعد الأدب التقليدي؟ أم بالارتكاز على ما جاءت به المعلوميات؟ من يستطيع الحكم بجودة أو رداءة هذا النص؟ ما هي القواعد التي يرتهن إليها؟ أسئلة شتى يفجرها هذا النص بسبب هجنته وازدواجية بنيته التي تجمع بين البنية اللسانية والبنية المعلوماتية.ورغم وجود العديد من الأحكام القيمية التي أطلقتها كل من التفكيكية وما بعد البنيوية فإن مجموعة من الإجراءات القرائية هي التي تحاول أن تضع مفاهيم للنص المترابط وطرائق قراءته.
. غياب النهاية:
يمتاز النص المترابط بغياب النهاية بمعناها التقليدي، فالنهاية توقع حينما يتعب المستعمل ويشعر أن شيئا بداخله قد استنفذ. فحيثما توقف تلك هي النهاية. وأينما ابتدأ تلك هي البداية.
غياب النهاية –والبداية أيضا- يرجع بالأساس إلى الشكل المتاهي الذي يتخذه هذا النص وبالضبط المتاهة ذات المسارات المتعددة، ويقودنا هذا إلى الحديث عن خاصية أخرى هي: شكل المتاهة.
. الشكل المتاهي:
نشير بدءا إلى أن مصطلح "المتاهة" هو استعارة ناتجة عن التقاء الحاسوب وشبكة المعلومات العالمية التي سرعت من وتيرة التحولات التي لحقت بحضارتنا. فنحن لم نعد نتواصل بالطريقة ذاتها، كما أن علاقتنا بالنص وبالقراءة هي الأخرى بدأت تتغير، وبتنا نلمح هذه التغيرات في الاستعارات الموظفة للتعبير عن تجربة الشبكة والنشاط الذي تولده. فكما يشير كريستيان فاندندروب (Christian Vandendrope) في دراسة له حول "قراءة النص المترابط" الاستعارات التي نستدعيها ونولدها ليست مجرد ترف لغوي لأنها تمكننا من إدراك العالم وبنينة مجالات كاملة من تجاربنا خاصة ما تعلق منها بالشبكة التي أعادت اختلاق صورة المتاهة التي يتخذ الشكل فيها أهمية قصوى، فالذي يهم ليس الأثر الذي تخلفه المتاهة في القارئ وإنما الشكل في حد ذاته كما يؤكد على ذلك ميشيل فوكو "المتاهة ليست المكان الذي نتيه فيه وإنما المكان الذي نخرج منه تائهين" . وشكل المتاهة الذي يلائم النص المترابط –كما سبق وذكرنا- هي المتاهة ذات المسارات المتعددة لأن هناك عنصرا مشتركا بين هذا النوع من المتاهات التي تنطوي على نفسها وتنكمش آخذة شكلا دائريا، لانهائيا وحالة الترقب التي يولدها النص المترابط الذي يظن القارئ بأنه اقترب من مركزه أو من معناه الخبيء، ليتلاشى هذا المركز بما فيه من معان محتملة، فيصاب المستعمل بحمى النقر، ينقر ويعيد النقر باحثا عن الهدف المنشود الذي يتبخر وينسرب من بين يديه كلما ظن أنه أمسك به أو شارف على ملامسته.
أما المتاهة ذات المسار الواحد أو المزدوج فهي لا تلائم النص المترابط لأنها تتوفر على مركز في حين أن الشبكة صممت أصلا في شكل بنية تفتقر للمركز لحمايتها من الدمار ومن تجمع المعلومات في نقطة واحدة.
. التركيز على الكلمة:
يرتكز النص المترابط بشكل كبير على الكلمة التي أفرغت من محتواها اللغوي لتعبأ بمحتوى إخباري، فأصبحت الكلمة مكانا للاحتراب والصراع. فمن جهة هي علامة لغوية كما هو الحال في النص، ومن جهة أخرى زر (Bouton) بمعناه المعلومياتي. ومع ذلك فليست كل الكلمات عبارة عن أزرار، فبعض منها يقود إلى عقد والآخر لا يمتلك أية وظيفة معلوماتية لأنه لا يمكن تنشيطها. والكلمات/ الأزرار غالبا ما تكون بارزة بوضع سطر تحتها أو بكتابتها بلون يختلف عن اللون الذي كتب به النص.
هذه الوظيفة المزدوجة: "اللسانية والإخبارية" تجعل النص يعرف صراعا دائما بين الوزن الدلالي للنص بأكمله ووزن الزر، وتزداد حدة هذه المنافسة حينما يتم استدعاء الصورة، أو الصوت فينشد اهتمام القارئ أكثر بهذه المفاجآت التي تبزغ فجأة أمامه كنتوء بارز فتغيب عن ذهنه الحمولة الدلالية للكلمة وتترسخ في المقابل وظيفتها المعلومياتية أي: مجرد قنطرة لولوج فضاءات أو عقد غير منتظرة .
إن التركيز على الكلمة يولد عدة سجلات تتمظهر في شكل ثنائيات ضدية، إذ يقف الاتساق والانسجام الموضعي للكلمة كمقابل للاتساق الكلي. فالأول يفترض جملة من الإجراءات التي لا تمت بصلة للاتساق العام، لأنه يفترض العزل، أما الثاني فيتطلب الربط.كما تقف الوظيفة المعلوماتية كمقابل للوظيفة السيميائية؛ فالأولى عبارة عن سجلات معرفية قابلة للتنشيط والثانية تمحو هذه الوحدات لصالح البنية العامة للنص. هذه الثنائيات تجعلنا إما نتجاهل الجانب الدلالي/ الحكائي للنص، وإما ننشد كلية للأزرار الناتئة على جسده.
وينبغي الإشارة كما يؤكد على ذلك برتراند (Bertrand) وكزانتوس (Xantos) في معرض حديثهما عن الكلمة/ الزر إلى أن "القراءة الدلالية ليست لها نفس أهداف ونفس وسائل أدوات قراءة المفاجآت، لكن على الاثنتين أن تتكاملا ليكون هناك نوع من التوازن في توزيع القوى، حتى لو كانت القراءة الثانية تطغى أحيانا على الأولى" .
فالرواية التفاعلية التي تعد شكلا من أشكال النص المترابط السردي لا تقرأ، مبدئيا، للحكاية التي تسردها وإنما للإجراءات التي توظفها كالمتاهة الشكلية التي تفتح لنا أبوابها، أو الكلمات/ الأزرار التي تتقدم ككلمات/ حقائب.هذه الإمكانيات التكنولوجية تجعل من هذا الإنتاج لعبا، ولعل هذا ما جعل روجر-لاوفر (Roger Laufer) يعتبر أن "لذة النص المترابط ترتكز على مفاجآت تركيب وبناء النص من خلال اشتغال أوالية الاختفاء" مشيرا بذلك إلى قراءة ما تصبح ممكنة من خلال توظيف: العقد، الأزرار والروابط التي تتقدم كمراكز تستحوذ على الاهتمام.
. التقطيع:
عوض التتابع بالتقطيع الذي يسهل عملية اقتطاع النصوص السردية أو غيرها من الكل الذي يحتويها وقراءتها منعزلة دون أن يؤثر ذلك على وحدة البناء أو المعنى الخاصة بهذه النصوص التي اكتست نوعا من الاستقلالية بفضل هذا الطابع.
خاتمة
لقد مهد النص المترابط لولادة الرواية التفاعلية ورواية الواقعية الرقمية التي ابتدعها الكاتب الأردني محمد سناجلة. لذلك فمعرفة خصائص هذا النص تعد من الأولويات لكل دارس للأدب.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
=========
>>>> الرد الثاني :
=========
>>>> الرد الثالث :
=========
>>>> الرد الرابع :
=========
>>>> الرد الخامس :
=========