عنوان الموضوع : مقالة حول اللغة و الفكر لتحضير البكالوريا
مقدم من طرف منتديات العندليب
هل علاقة اللغة بالفكر علاقة انفصال ام اتصال؟
طرح المشكلة: ،
تعتبر اللغة هي الميزة الجلية التي يمتاز بها الانسان فهو القادر عل التواصل و التبليغ و التعبير عن فكره.فإذا كانت اللغة كيان مادي ووسيلة الإنسان في التواصل, وكان الفكر كيان روحي فهو الفعل الذي تقوم به النفس عند حركتها في المعقولات هل هذا يعني أنهما منفصلان ؟ لكن إذا كان كل تعبير يحتاج إلى تفكير هل يعني أنهما متصلان؟ هذا التناقض القائم بين الفلاسفة حول علاقة اللغة بالفكر فمنهم من يقول بالاتصال , أما البعض الأخر فيرى إنهما متصلان , ومن هنا نطرح الإشكال التالي: هل يمكن الحديث عن فكر خالص متحرر من قوالب اللغة؟ بمعنى هل يمكن الجزم باستقلالية الألفاظ عن معانيها؟
محاولة حل المشكلة:
الأطروحة الأولى: يرى أصحاب الموقف التقليدي( الانفصالي) أن الفكر منفصل عن اللغة وهذا ما أكده الفيلسوف الحدساني برغسون
المبررات: ويؤسس هؤلاء موقفهم على جملة من الأدلة, فالفكر اسبق من اللغة الأمر الذي يجعله أكثر أهمية منها لأنها مجرد أداة , ويتضح ذلك عندما يبحث الإنسان طويلا عن كلمات مناسبة للتعبير عن فكرة ما, فعند كتابة مقالة فلسفية مثلا تجدني استوقف لحظات بحثا عن الألفاظ المناسبة للتعبير عن أفكار متناثرة’ لهذه الأسباب يفترض الحس المشترك أننا نفكر أولا ثم نعبر ثانيا أي ننتقل بعد التفكير إلى إلباس أفكارنا بكلمات ملائمة:" l’homme pensa sa parole avant de parler sa pense’ وفي مثل هذه الحالة لن تكون الكلمات و الجمل سوى أداة بعدية تساعد على إظهار منتوج عملية التفكير التي تتم قبل و بدون اللغة. يمكن أن نجد سندا لهذا الموقف عند ديكارت سيما في ثنائية الجسم و النفس فالفكر لا مادي مرتبط بالنفس بل هو طبيعتها المميزة, أما اللغة فتنتمي إلى الجسم بسبب طبيعتها المادية (الأصوات , الكتابة )...ومن غير الممكن تصور علاقة اتصال بين هاتين الطبيعتين المتمايزتين, إلا أن تكون اللغة مجرد أداة أو وسيلة للتعبير عن الفكر القائم بذاته.وإذا كان الإنسان يجد صعوبة عند التعبير عن أفكاره فهذا يدل أن الفكر أوسع من اللغة, فلا يمكن للغة التعبير عن كل مكونات الفكر, فالفكر في ذهن صاحبه سيل من المعاني المتصلة في تدفق لا تسعه الألفاظ, فاللغة تعجز عن التعبير و إدراك الديمومة النفسية يقول برغسون في هذا الصدد: "اللغة عاجزة عن مسايرة ديمومة الفكر" خصوصا ما يتعلق بالحالات الوجدانية و الحالات الصوفية, ففي الأولى تتعلق بالعالم الداخلي للإنسان الذي هو عالم الحياة الفكرية و الشعورية و الوجدانية حيث اللغة تظل عاجزة عن التعبير عن هذه الظواهر في خصوصيتها و تفردها , فمثلا الخنساء أبدعت في رثاء أخيها لكن هذه اللغة لم تعبر أحسن تعبير عن حزنها الشديد يقول برغسون:" هناك أفكار و مشاعر أكثر مما هناك من كلمات" ويقول الفونس دوديه " لنتساءل في البداية عن مدى قدرة الكلمات عن التعبير عن الألم الحقيقي إنها تأتي دائما متأخرة ...إن الكلمات لا تعبر إلا عن ذكريات فهي إذن كاذبة عاجزة" أما في الحالات الصوفية يعيش رجال التصوف تجارب روحية من خلال ما يقومون به من طقوس دينية, وهي تجارب متفردة و متميزة لا يدركها إلا المجرب كما انه لا يستطيع التعبير عنها بواسطة اللغة لأنها حالات روحية تتجاوز عالم الكلمات.مما تؤدي الألفاظ الى قتل المعاني و تجمد حيويتها و حركتها حتى قيل: "الألفاظ قبور المعاني". كما أن لجوء الإنسان إلى بعض الوسائل التعبيرية كالرسم و الموسيقى هو دليل آخر على عجز اللغة عن التعبير عن كل مكونات الفكر .وهذا الطرح أكده شوبنهاور في سطر:" الأفكار تموت لحظة تجسيدها في كلمات".
نقد و مناقشة: نحن لا ننكر قيمة هذا الطرح لكن هذا الرأي بالغ في تمجيد الفكر و التقليل من شان اللغة لان هذه النتيجة لا يؤكدها الواقع لأننا لا نستطيع أن نفصل عمليا بين الفكر و اللغة فلا يمكن تذكر الأفكار معزولة عن الكلمات, ثم إن مشكلة العجز عن التعبير ليست مطروحة عند جميع الناس.
الأطروحة الثانية: و خلافا لما سبق يري الموقف المعاصر( الاتصالي) أن الفكر و اللغة متصلان على أساس أنهما شيء واحد و يمثل هذا الموقف معظم فلاسفة اللغة دوسوسير, ميرلوبونتي...
المبررات: ويستند هذا الموقف إلى عدة مبررات, فلو كانت الأفكار مستقلة عن الألفاظ (مثلما أكده الموقف التقليدي) لكانت أحوالا غامضة مبهمة و لا تمكنا من معرفتها فبدون اللغة لا تدرك المعاني, فلا يكون الفكر واضحا حسب دوسوسير إلا من خلال كلمات اللغة فبدونها لا يمكن للفكر أن يتجسد بشكل كامل و واضح لذلك يشبهه بكتلة ضبابية عمياء فلكي يعبر عن نفسه يلجا إلى اللغة يقول :" يتبين لنا انه عبارة عن عماء ضبابي ليس فيه بالضرورة شيء محدد فليس هناك معان و أفكار قبل ظهور اللغة" فالألفاظ تحفظ المعاني و تبقي عليها و بدونها لزالت عن الوجود لهذا اعتبرت "الألفاظ حصون المعاني" و مهمة الحصن هو الحفظ و الصون.وهكذا يشبه دوسوسير اللغة بورقة نقدية وجهها الفكر و ظهرها الصوت, فلا يكمن أن نمزق الوجه دون أن نمزق الظهر.وكذلك الحال في ارتباط الصوت بالفكر و الأجدر بذلك و صف اللغة بجسد الفكر أو شعاره لان كلاهما محتوى في الأخر فالكلام هو الوجود الخارجي للمعنى , و الفكر هو التمظهر الداخلي للكلام وليس التفكير الصامت إلا ضجيج خافت من الكلمات , فنحن عندما نفكر فنحن نتكلم بصوت خافت وعندما نتحدث فنحن نفكر بصوت عال . وبذلك فاللغة هي ذاتها الفكر و اعتمدوا في ذلك على حجة علمية فقد أكدت الدراسات العلمية المعاصرة في مجال فيزيولوجيا الدماغ أن الباحات المسؤولة عن الكلام تنشط( أي تصدر إشارات كهرومغناطيسية) حتى عندما يفكر المرء في صمت, كذلك اثبت علم نفس الطفل إن الطفل يتعلم الفكر و اللغة في آن واحد, فكلما اتسعت ثروة الطفل اللغوية زادت قدرته على التفكير و التعبير, وقد أكد ذلك النفساني جان بياجيه الذي اعتبر أن اللغة مساعدة لنمو و ذكاء الطفل و بها يتعلم و يبتكر الأفكار.فكل ما سبق يؤكد العلاقة الجدلية وعلاقة التزامن لا الأسبقية يقول ميرلوبونتي " الفكر يحتوى اللغة, و اللغة تحتوي الفكر"
نقد ومناقشة:أصاب فيما ذهب إليه هؤلاء ولكن لا يمكن التوحيد بين اللغة و الفكر و اعتبارهما شيئا واحدا لأنه في الواقع هناك تفاوت بين اللغة و الفكر لان في بعض الأحيان اللغة قد تقصر عن التعبير عن الأفكار بناءا على ان قدرتنا على الفهم لا تتناسب دائما و قدرتنا على التبليغ, كما أن الأدباء رغم امتلاكهم لرصيد لغوي ثري الا انهم يعانون من مشكلة التعبير و التبليغ.
التركيب: بناءا على ما قدمه الاتجاهين يمكن القول أن هناك أسبقية و لكنها منطقية لا زمنية , وهناك بينهما تمييز وان كان نظري لا مادي و عليه: لا وجود لفكر بدون لغة ولا لغة بدون فكر’ فلو سئلنا أنفسنا : ما الفكر؟ انه ما تنتجه فاعلية التفكير. و ما التفكير؟ انه من الوظائف العليا للدماغ وهو مفهوم يجمع سيرورات كالتذكر و التخيل و التحليل و المقارنة....ومن الواضح أن هذه السيرورات و العمليات المجردة غير ممكنة بدون أدوات رمزية هي الوحدات اللسانية. يقول دولاكروا :" اللغة تصنع الفكر و الفكر يصنع اللغة"
حل المشكلة: نستنتج مما سبق بوجود علاقة ترابط بين الفكر و اللغة رغم الأسبقية و التمييز وهذا ما أكدته الدراسات و الأبحاث العلمية اللسانية فالتفكير و التعبير سيرورتان و متزامنتان و مظهران لنفس الوظيفة المعرفية المميزة للإنسان دون أن يعني ذلك قدرة اللغة على استنفاذ غنى الفكر و إمكاناته المتعددة و نقول مع دولاكروا :" نحن لا نفكر بصورة حسنة أو سيئة إلا لان لغتنا مصنوعة صناعة حسنة أو سيئة".
ام ريهام
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
الله يجازيك خير على هذا المجهود
=========
>>>> الرد الثاني :
بارك الله فيك
=========
>>>> الرد الثالث :
[IMG]https://i.**********/qs8Tz.gif[/IMG]
[IMG]https://i.**********/uxUdo.gif[/IMG]
[IMG]https://i.**********/YllQg.gif[/IMG]
=========
>>>> الرد الرابع :
’،
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الله يعطيك العافيه
موضوع روَوَوَعه .. ..
تسلم الايادي ..
ولآتحرمينآ جديـٍدك
+
مميز ~
=========
>>>> الرد الخامس :
=========