عنوان الموضوع : بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية.. للثالثة ثانوي
مقدم من طرف منتديات العندليب



الفرق بين الظاهرة الطبيعية والظاهرة الإنسانية


يُطلَق مصطلح «العلم الطبيعي» على كل دراسة تتناول معطيات الواقع المادي
بكلياته وجزئياته. ووسيلة هذه الدراسة هي منهج الملاحظة المباشرة والتجربة
المتكررة والمتنوعة. والدراسة وكذلك عمليات التجريب تتم بهدف التفسير من
خلال التوصل إلى تعميمات وقوانين تحقق الانتقال من الخاص إلى العام وتكشف
عن العلاقات المطّردة الثابتة بين الظواهر. وهذه القوانين يتم التعبير عنها
عن طريق تحويل صفات الكيف (التي لا تُقاس) إلى صفات كم بحيث يتم التعبير
عنها برموز رياضية. وتتميَّز قوانين العلوم الطبيعية بأنها دقيقة وعامة
تتخطى الزمان والمكان، وهي حتميـة (ولكنها، بعد اهتزاز الحتمية، أصبحت
احتمالية ترجيحية: ترجيحية تقارب اليقين وتظل صالحة للاستعمال حتى يثبت
بطلانها).

ويذهب البعض إلى أن نموذج العلوم الطبيعية (بما ينطوي عليه من واحدية

موضوعية مادية) لابد أن يُطبَّق في كل العلوم الأخرى (وضمن ذلك العلوم
الاجتماعية والإنسانية). وقد لاحظ كثير من العلماء في الشرق والغرب خلل مثل
هذه المحاولة . وبينوا الاخـتلافات بين الظاهرة
الإنسانية والظاهرة الطبيعية، ونوجزها فيما يلي:

1ـ أ) الظاهرة الطبيعية مُكوَّنة من عدد محدود نسبياً من العناصر المادية

التي تتميَّز ببعض الخصائص البسيطة، وهذا يعني أنه يمكن تفتيتها إلى
الأجزاء المكوِّنة لها. كما أن الظاهرة الطبيعية توجد داخل شبكة من
العلاقات الواضحة والبسيطة نوعاً والتي يمكن رصدها.

ب) الظاهرة الإنسانية مُكوَّنة من عدد غير محدود تقريباً من العناصر التي

تتميَّز بقدر عال من التركيب ويستحيل تفتيتها لأن العناصر مترابطة بشكل غير
مفهوم لنا. وحينما يُفصَل الجزء عن الكل، فإن الكل يتغيَّر تماماً ويفقد
الجزء معناه. والظاهرة الإنسانية توجد داخل شبكة من علاقات متشابكة متداخلة
بعضها غير ظاهر ولا يمكن ملاحظته.

2ـ أ) تنشأ الظواهر الطبيعية عن علة أو علل يسهل تحديدها وحصرها، ويسهل

بالتالي تحديد أثر كل علة في حدوثها وتحديد هذا الأثر تحديداً رياضياً.

ب) الظاهرة الإنسانية يصعب تحديد وحصر كل أسبابها، وقد تُعرَف بعض الأسباب

لا كلها، ولكن الأسباب تكون في العادة متداخلة متشابكة، ولذا يتعذر في كثير
من الحالات حصرها وتحديد نصيب كل منها في توجيه الظاهرة التي ندرسها.

3ـ أ) الظـاهرة الطبيعـية وحـدة متكـررة تَطَّرد على غرار واحد وبغير

اسـتثناء: إن وُجدت الأسـباب ظهرت النتيجة. ومن ثم، نجد أن التجربة تُجرَى
في حالة الظاهرة الطبيعية على عينة منها ثم يُعمَم الحكم على أفرادها في
الحاضر والماضي والمستقبل.

ب) الظاهرة الإنسانية لا يمكن أن تَطَّرد بنفس درجة الظاهرة الطبيعية لأن

كل إنسان حالة متفردة، ولذا نجد أن التعميمات، حتى بعد الوصول إلىها، تظل
تعميمات قاصرة ومحدودة ومنفتحة تتطلب التعديل أثناء عملية التطبيق من حالة
إلى أخرى.

4ـ أ) الظاهرة الطبيعية ليس لها إرادة حرة ولا وعي ولا ذاكرة ولا ضمير ولا

شعور ولا أنساق رمزية تُسقطها على الواقع وتدركه من خلالها، فهي خاضعة
لقوانين موضوعية تحركها.

ب) الظاهرة الإنسانية على خلاف هذا، ذلك لأن الإنسان يتسم بحرية الإرادة

التي تتدخل في سير الظواهر الإنسانية، كما أن الإنسان له وعي يسقطه على ما
حوله وعلى ذاته فيؤثر هذا في سلوكه. والإنسان له ذاكرة تجعله يُسقط تجارب
الماضي على الحاضر والمستقبل، كما أن نمو هذه الذاكرة يُغيِّر وعيه بواقعه.
وضمير الإنسان يجعله يتصرف أحياناً بشكل غير منطقي (من منظور البقاء
والمنفعة المادية)، كما أن الأنساق الرمزية للإنسان تجعله يُلوِّن الواقع


5ـ أ) الظواهر الطبيعية ينم مظهرها عن مخبرها ويدل عليه دلالة تامة بسبب ما

بين الظاهر والباطن من ارتباط عضوي شامل يُوحِّد بينهما فيجعل الظاهرة
الطبيعية كلاًّ مصمتاً تحكمه من الداخل والخارج قوانين بالغة الدقة لا
يمكنها الفكاك منها، ولهذا تنجح الملاحظة الحسية والملاحظة العقلية في
استيعابها كلها.
ب) الظواهر الإنسانية ظاهرها غير باطنها (بسبب فعاليات الضمير والأحلام
والرموز) ولذا فإن ما يَصدُق على الظاهر لا يَصدُق على الباطن. وحتى الآن،
لم يتمكن العلم من أن يُلاحظ بشكل مباشر التجربة الداخلية للإنسان بعواطفه
المكبوتة وأحلامه الممكنة أو المستحيلة.

6ـ أ) لا يوجد مكوِّن شخصي أو ثقافي أو تراثي في الظاهرة الطبيعية؛ فهي لا

شخصية لها، مجردة من الزمان والمكان تَجرُّدها من الوعي والذاكرة والإرادة.


ب) المكوِّن الشخصي والثقافي والذاتي مكوِّن أساسي في بنية الظاهرة

الإنسانية. والثقافة ليست شيئاً واحداً وإنما هي ثقافات مختلفة، وكذا
الشخصيات الإنسانية.

7ـ أ) معدل تحوُّل الظاهرة الطبيعية يكاد يكون منعدماً (من وجهة نظر

إنسانية)، فهو يتم على مقياس كوني، كما أن ما يلحق بها من تغير يتبع نمط
برنامج محدد، ولذا فإن الظواهر الطبيعية في الماضي لا تختلف في أساسياتها
عنها في الحاضر، ويمكن دراسة الماضي من خلال دراسة الحاضر.

ب) معدل التغيُّر في الظواهر الإنسانية أسرع بكثير ويتم على مقياس تاريخي،

وما يطرأ عليها من تغير قد يتبع أنماطاً مسبقة ولكنه قد ينسلخ عنها. وعالم
الدراسات الاجتماعية لا يستطيع أن يرى أو يسمع أو يلمس الظواهر الإنسانية
التي وقعت في الماضي، ولذا فهو يدرسها عن طريق تقارير الآخرين الذين يلونون
تقاريرهم برؤيتهم، فكأن الواقعة الإنسانية في ذاتها تُفقَد إلى الأبد فور
وقوعها.


8ـ أ) بعد دراسة الظواهر الطبيعية والوصول إلى قوانين عامة، يمكن التثبت من

وجودها بالرجوع إلى الواقع. ولأن الواقع الطبيعي لا يتغيَّر كثيراً، فإن
القانون العام له شرعية كاملة عبر الزمان والمكان.

ب) بعد دراسة الظواهر الإنسانية، يصل الإنسان إلى تعميمات. فإن هو حاول

تطبيقها على مواقف إنسانية جديدة فإنه سيكتشف أن المواقف الجديدة تحتوي على
عناصر جديدة ومكونات خاصة إذ من غير الممكن أن يحدث في الميادين
الاجتماعية ظرفان متعادلان تماماً، ومتكافئان من جميع النواحي.

9ـ أ) لا تتأثر الظواهر الطبيعية بالتجارب التي تُجرَى عليها سلباً أو

إيجاباً، كما أن القوانين العامة التي يُجرِّدها الباحث والنبوءات التي
يطلقها لن تؤثر في اتجاهات مثل هذه الظواهر، فهي خاضعة تماماً للبرنامج
الطبيعي.

ب) تتأثر العناصر الإنسانية بالتجربة التي قد تُجرَى عليها، فالأفراد موضوع

البحث يحوِّلون من سلوكهم (عن وعي أو عن غير وعي) لوجودهم تحت الملاحظة،
ففي إمكانهم أن يحاولوا إرضاء صاحب التجربة أو يقوضوا نتائجه. كما أن
النبوءات التي يطلقها الباحث قد تزيد من وعي الفاعل الإنساني وتغيِّر من
سلوكه.

10ـ أ) بإمكان الباحث الذي يدرس الظاهرة الطبيعية أن يتجرد إلى حدٍّ كبير

من أهوائه ومصالحه لأن استجابته للظاهرة الطبيعية وللقوانين الطبيعية
يَصعُب أن تكون استجابة شخصية أو أيديولوجية أو إنسانية، ولذا يمكن للباحث
أن يصل إلى حدٍّ كبير من الموضوعية.

ب) أما الباحث الذي يدرس الظاهرة الإنسانية فلا يمكنه إلا أن يستجيب

بعواطفه وكيانه وتحيزاته، ومن خلال قيمه الأخلاقية ومنظوماته الجمالية
والرمزية، ولذا يَصعُب عليه التجرد من أهوائه ومصالحه وقيمه التي تعوقه في
كثير من الأحيان عن الوصول إلى الموضوعية الصارمة.

ولكل ما تقدَّم، فإن من الممكن إجراء التجارب المباشرة المنضبطة المتكررة

على العناصر الطبيعية ويمكن قياسها بمقاييس كمية رياضية فهي تخلو من
الاستثناءات والتركيب والخصوصيات، ويمكن التَوصُّل إلى قوانين عامة تتسم
بالدقة تنطبق على الظاهرة في كليتها وفي جوانيتها وبرانيتها. أما الظاهرة
الإنسانية، فلا يمكن إجراء التجارب المباشرة المنضبطة عليها ويستحيل
تصويرها بالمعادلات الرياضية الدقيقة إذ لا تخلو من الاستثناءات والتركيب
والخصوصيات، ولذا لا يمكن التَوصُّل إلى قوانين عامة (وإن تم التوصل إلى
قوانين فلابد أنه تعوزها الدقة والضبط). وهناك عدد كبير من الكُتَّاب
الغربيين من أوائلهم فيكو ومن أهمهم كانط وديلتاي وريكرت ينطلقون من محاولة
التمييز بين الإنسان والطبيعة. ولكن غالبية المفكرين الغربيين يدورون في
إطار الواحدية المادية (أو الواحدية المثالية) ويحاولون القضاء على هذه
الثنائية تماماً وإلغاء الحيز الإنساني وبالتالي يدافعون عن وحدة (أو
واحدية) العلوم.



دقيقه من وقتك
ولدي الغالي : إنقطع عملي وانت أملي
وصدقتك تؤنسني في قبري .




>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

[IMG]https://i.**********/wbTsB.gif[/IMG]

قراءة ممتعة..
و استفادة كاملة اتمناها لكم

https://tercha.forumalgerie.net


=========


>>>> الرد الثاني :


=========


>>>> الرد الثالث :


=========


>>>> الرد الرابع :


=========


>>>> الرد الخامس :


=========