* والحجة الثانية منطقية في طابعها وهي مستمدة بالضبط من " كوجيتو ديكارت " القائل : » أنا أفكر ، إذن أنا موجود »Je pense donc je suis، وهذا يعني أن الفكر دليل الوجود ، وأنالنفس البشرية لا تنقطع عن التفكير إلا إذا انعدم وجودها، فكلمة الجسم عند ديكارت تعني شيئا ماديا يشغل مكانا و على ذلك فالجسم البشري هو مجرد « جسم » و تسير حجته على النحو التالي: * ٳنني موجود لا ريب في ذلك ( فهو أمر لا يمكن الشك فيه)،* و أن لي جسدا، ذلك أمر فيه شك ( يمكن الشك فيه ).* ذلك يعني أن وجودي مستقل عن الجسد.* و من ثم فإنني لا أستطيع أن أكون على يقين من أنني موجود عندما لا أفكر.* و على ذلك فوجودي و وجود نفسي يعتمد على تفكيري.* و إذن؛ فأنا من حيث الماهية( وهي الصفات الأساسية للشيء)، شيء مفكر أي أنني نفس، أو ذهن ، أو عقل.و لهذه الحجة المنطقية عدة نتائج منها أن وجودنا يعتمد تماما على وعينا و شعورنا فقط، و ما إن نكف عن التفكير فإننا عندئذ نختفي.و نتيجة أخرى هي أن أذهاننا أو أنفسنا تستمر في الوجود بعد أن تموت أجسادنا. يقول ديكارت : « إنني لست مقيما في جسدي كما يقيم الملاح في سفينته، ولكنني متصل به اتصالا وثيقا، ومختلط به بحيث أؤلف معه وحدة منفردة، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما شعرت بألم إذا أصيب جسدي بجرح، ولكني أدرك ذلك بالعقل وحده، كما يدرك الملاح بنظرة أي عطل في السفينة ».
* و كلمة شعور في اللغة اليونانية مأخوذة من اللفظ Conscientia، ويعني الوعي أو امتلاك وعيبشيء ما. أما بالنسبة للفظة الفرنسيةConscienceفتعني الفهم المباشر من طرف الفكر لذاته ؛ فعندما أفكر فأنا أعرف بالضرورة أنني أفكر أيضا ،فكيف أضمن أنني لا أحلم في الوقت ذاته الذي أكون فيه مستيقظا؟ .. ولماذا لا يخدعني الله عندما أرى بوضوح أن 2 و 3 يساويان 5؟، كل هذا يتم بفضل الشعور الذي يعتبر الفكر أهم مظهر له ،و من ثمة لا نستغرب كيف أن جميع المناطقة القدامى عرفوا الإنسان بأنه كائن عاقل ناطق و النطق هنا تعبير عن الفكر،يقول ديكارت:«من خلال اسم الفكر نعرف كل ما يدور بدواخلنا بالصورة التي تجعلنا واعين بذلك، كلما كان لنا وعي به »، و يقول أيضا: «ليس هناكشيء يمكنه أن يكون في متناولنا غير أفكارنا »
*وهناك حجة منطقية أخرى تقول أن كون كل ما هو نفسي يرادف ما هو شعوري يلزم عنه أن كل ما أشعر به فهو موجود و ما لا أشعر به فهو غير موجود فالقول بوجود حياة نفسية لا شعورية هو من باب الجمع بين النقيضين في الشيء الواحد و هذا خطأ .فكل ما يحدث فيالذات قابل للمعرفة ، والشعور قابل للمعرفة فهو موجود ، أما اللاشعور فهو غيرقابل للمعرفة ومن ثـمّ فهو غير موجود . إذن لا وجود لحياة نفسية لا نشعر بها ، فلا نستطيع أن نقول عنالإنسان السّوي انه يشعر ببعض الأحوال ولا يشعر بأخرى مادامت الديمومة والاستمرارية من خصائص الشعورأي لا وجود لفاعلية أخرى تحكم السلوك سوى فاعلية الوعي و الشعور و من ثمة فعلم النفس التقليدي على حد تعبير هنري آي Henri Ey(1900-1977 م)في كتابه " الوعي ": « و قد قام علم النفس التقليدي على المعقولية التامة هذه و على التطابق المطلق بين الموضوع (النفس) و العلم به (الشعور) و تضع دعواه الأساسية أن الشعور و الحياة النفسية مترادفان ».
* ثـم إنالقول بوجود نشاط نفسي لا نشعر به معناه وجود اللاشعور ، وهذا يتناقض معحقيقة النفس القائمة على الشعور بها ، ولا يمكن الجمع بين النقيضين الشعورواللاشعـور في نفسٍ واحدة ، بحيث لا يمكن تصور عقل لا يعقل ونفس لا تشعر حيث يقول الفيلسوف الفرنسي مان دو بيران Maine De Biran (1766-1824): « لا توجد واقعة يمكن القول عنها أنها معلومة دون الشعور بها »، كما دعم نفس الاتجاه زعيم المذهب البراغماتي وليام جيمس في بداية حياته و الذي كتب يقول: « إن علم النفس هو وصف وتفسير للأحوال الشعورية من حيث هي كذلك »
* لو كان اللاشعور موجودا في النفس لكانقابلا للملاحظة ، لكننا لا نستطيع ملاحظته داخليا عن طريق الشعور ، لأننا لانشعر به ، ولا ملاحظته خارجيا لأنه نفسي ، وما هو نفسي باطني وذاتي . وهذايعني أن اللاشعور غير موجود ( ليس قابلا للملاحظة و التجربة ) ، وما هو موجود نقيضه وهو الشعور لذلك قال آلان Alain:« ﺇن الإنسان لا يستطيع أن يفكر دون أن يشعر بتفكيره » كما رفض جان بول سارتر القول بوجود عواطف لاشعورية لأن ذلك ضرب من الوهم و الخطأ و قال: « ﺇن مفهوم اللاشعور النفسي هو مفهوم متناقض ﺇذ لا توجد إلا طريقة واحدة للوجود و هي أن أعي أنني موجود» .
* لقد تعززت فكرة الشعور كأساس للحوادث النفسية مع المدرسة الظواهرية، إذا أعطى إدموند هوسرل (1859-1938م) Edmund Husserlبعدا جديدا للمبدأ الديكارتي "أنا أفكر إذن أنا موجود" و حوله إلى مبدأ جديد سماه الكوجيتاتوم و نصه "أنا أفكر في شيء ما، فذاتي المفكرة إذن موجودة". و معناه أن الشعور لا يقوم بذاته و إنما يتجه بطبعه نحو موضوعاته. و أيضا الفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند (1867-1963م) André Lalandeالذي عرف الشعور في موسوعته الشهيرة بقوله: « الشعور هو حدس الفكر لأحواله وأفعاله » ’ ويكون الشعور بهذا التعريف هو الوعي الذي يصاحبنا دوما عند القيام بأي عملونجد من المسلمين من تطرق لهذا الموضوع وهو ابن سينا (980م-1037م) الذي اعتبرأن أساس إثبات خلود النفس هو الشعور وأن الإنسان السوي إذا تأمل نفسه يشعر أن ما تتضمنه من أحوال في الحاضر هو امتداد للأحوال التي كان عليها في الماضي و سيظل يشعر بتلك الأحوال طيلة حياته لأن الشعور بالذات لا يتوقف أبدا حيث يقول « إن الإنسان إذا تجرد عن تفكيرهفي كل شيء من المحسوسات أو المعقولات حتى عند شعوره ببدنه فلا يمكن أن يتجردعن تفكيره في أنه موجود وأنه يستطيع أن يفكر» و يقول أيضا:« الشعور بالذات لا يتوقف أبدا »،ومعنى هذا أن الشعور يعتبرأساسا لتفسير وتحديد العالم الخارجي نظرا لما يتضمن من عمليات عقلية متعددةومتكاملة .
* كما دعم هذا الموقف هنري برغسون مؤسس علم النفس الاستبطاني الذي يرى أن الإنسان يدرك ذاته إدراكا مباشرا فهو يدرك تخيلاته وأحاسيسه بنفسه إذ لا يوجد في ساحة النفس إلا الحياة الشعورية كما يمتاز الشعور بخاصية مهمة وهي الديمومة فهو مستمر و متصل لا يعرف الانقطاع إلا في حالات خاصة حيث يقول هنري برغسون: « الشعور ليس ممتدا في المكان بل هو تدفق في الزمان » فتغير الحالات الشعورية لا يعني وجود فراغات تفصل بين الحالات المختلفة بل هو متصل رغم النوم وحالة الغيبوبة فالشعور يستأنف مجراه ويندمج كما تنصهر الألوان و تتوحد لحظة مغيب الشمس ، ويعبر برغسون Bergson عن الاتصال في الشعور بالديمومة (Durée) ويعني بها اتصال الأحوال الشعورية واندماج اللاحق منها بالسابق أثناء جريانها بحيث تصحبها فكرة الكيف لا فكرة الكم التي تجزئ المتصل و يعمد إليها الإنسان عند التفكير أو التواصل مع الغير،. .
* زيادة على أن هناك حجة نفسية أخرى فالدليل على الطابع الواعي للسلوك النفسي هو شهادة الشعور ذاته كملاحظة داخلية إذ يستطيع الإنسان أن يتعرف على ذاته عن طريق الاستبطان أو التأمل الذاتيالاستبطان (معرفة الباطن أو تعرف الباطن ) Introspection هو معاينة الفرد لعملياته العقلية أو هو المعاينة الذاتية. ويُعرّفه بعضهم بأنه ملاحظة الشخص المنظمة لما يجري في شعوره من خبرات و تجارب حسية أو عقلية أو انفعالية تصف هذه الحالات وتحللها وتؤولها أحياناً، سواء أكانت حاضرة كحالة الحزن أو الغضب أم ماضية كأحلام النوم. وهو أيضا ملاحظة داخلية لما يجري في النفس من فرح و حزن و غضب حيث ينقلب الفرد إلى شاهد على نفسه ليعلم أن له ذاتا أو نفسا حقيقية تميزه عن الآخرين، ومازاللهذا المنهج أهميته وضرورته في دراسة بعض الظواهر النفسية، كذلك كان أساساً للعديدمن الأدوات والمقاييس النفسية خاصة في دراسة الشخصية وأبعادهاالمختلفة وقياس خصائصهاوسماتها ،فالإجابة على غالبية الاستخبارات التي تقيس الشخصية تعتمدعلى استبطان الفرد لذاته، كذلك المقابلة التي تعتمد على ما يقرره الفرد عنذاته. و أيضا في دراسة الأحلام.
. و ترجع جذور هذه النظرية إلى الفلسفة اليونانية وبالتحديد إلى آراء سقراطSocrate 479/ 399 ق م ، الذي اعتقد إن الإنسان يعرف نفسه ويستطيع الحكم عليها وعلى أحوالها وأفعالها وقد عبر عن ذلك بمقولته الشهيرة « ٳعرف نفسك بنفسك ». ومن أنصار منهج الاستبطان أيضا العالم الفرنسي مونتانيه Montagnierالذي يقول: « لا أحد يعرف هل أنت جبان أو طاغية إلا أنت، فالآخرون لا يرونك أبدا »
النقد:لا ننكر أن الإنسان كائن يعي و يشعر فهو يعيش معظم لحظات حياته واعيا،لكن هذا الموقف يفسر بعض الجوانب النفسية فقط ويعجز عن تفسير كثير من الحالات الأخرى التي يتعرض لها الإنسان في حياته فلا يوجد شيء يؤكد أن الحياة النفسية هي كلها شعورية وقابلة للملاحظة ، فهناك الكثير من الحالات النفسية والسلوكية عجز الإنسان عن تفسيرها تبعا للشعور فأحيانا يكون الإنسان قلقا لكنه لا يعرف سبب قلقه و أحيانا ننجذب إلى شخص ما أو ننفر منه دون معرفة السبب كما أن الإبداع الفني و العلمي لا يمكن تفسيرهما بالشعور فقد فمن أين تأتي الأفكار المذهلة التي يقدمها الشعراء و الأدباء و العلماء... ،و بهذا يصير جزء من السلوك الإنساني مبهما و مجهول الأسباب و في ذلك تعطيل لمبدأ السببية الذي يقول أنه ما من ظاهرة تحدث إلا و لها سبب يفسرها و هذا المبدأ هو أساس العلوم كما أن الملاحظة ليست دليلا على وجود الأشياء حيث يمكن أن نستدل على وجود الشيء من خلال آثاره فلا أحد يستطيع ملاحظة الجاذبية أو التيار الكهربائي، و رغم ذلك فآثارهما تجعلنا لا ننكر وجودهما. ، وأخيرا يمكننا القول عن منهج الاستبطان أن تطبيقه غير ممكن دائما لأن الذات واحدة و لا يمكن أن تشاهد ذاتها بذاتها لأن المعرفة تفترض وجود العارف و موضوع المعرفة و لكن في الاستبطان يتحد موضوع المعرفة مع الذات العارفة وهذا ما يجعل الدراسات عن النفس غير موضوعية و غير صادقة فالشعور قد يكون وهما و مبالغة و تضخيما للأحوال النفسية فانقسام الفرد إلى ملاحظ وملاحظقد يصرف انتباهه عما يلاحظ داخل نفسه، فقد لا يكون الفرد صادقاً في التعبير عما يشعر به حقيقة؛ بقصد عدمقدرته على مواجهة ذاته، أو بغرض تزييف الاستجابة،كمالا يصلح هذا المنهج للأطفال الصغار أو بعض فئات من ذوىالحاجات الخاصة ( التخلف العقلي مثلاً). يقول الفيلسوف و عالم الاجتماع الفرنسي أوجست كونت Auguste Comte (1798-1857م)منتقدا منهج الاستبطان القائم على الشعور كمصدر وحيد لفهم النفس : « لا يمكنني أن أكون أنظر من النافذة، و أن أشاهد نفسي في الآن عينه، و أنا أسير في الشارع »، و المقصود من هذا القول أن الدارس وهو( الأنا ) هو نفسه المدروس بالتالي لا توجد مراقبة موضوعية لحياتنا النفسية ،وهنا كان لابد من افتراض جانب آخر يشكل الحياة النفسية وهذا الجانب هو اللاشعور.
عرض نقيض الأطروحة :في المقابل، يرى الكثير منأنصار علم النفس المعاصر ، أن الشعور وحده ليس كافيا لمعرفة وفهم كل خبايا النفسومكنوناتها ، كون الحياة النفسية ليست شعورية فقط ، لذلك فالإنسان لا يستطيع – في جميع الأحوال - أن يعي ويدرك أسباب سلوكه - ومادام الشعور لا يستطيع أنيشمل كل ما يجري في الحياة النفسية ، فهذا يعني وجود نشاط نفسي غير مشعور به، الأمر الذي يدعو إلى افتراض جانب آخر من الحياة النفسية هو اللاشعور و الذي يمثل مختلف الأحوال النفسية الخفية كالميول و الرغبات و الأفكار المكبوتة التي لا ندرك نشاطها أو حقيقتها و التي لها تأثير عميق على سلوكنا،ولقد دافع عن هذا الموقف العديد من علماء النفس منهم الفرنسي: شاركو (1825-1893م) Charcotو مواطنه بيرنهايم ( 1837-1919م)Bernheim و الطبيب النمساوي جوزيف بروير (1842-1925م)Josef Breuer وطبيب الأعصاب النمساوي ومؤسس مدرسة التحليل النفسيسيغموند فرويد (1856-1939م)Sigmund Freud الذي يرى أن : « اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجودالأدلة التي تثبت وجود اللاشعور »و قد انطلقوا من المسلمات التالية: الشعور وحده عاجز عن تفسير كل ما يصدر عن النفس.
الحياة النفسية تنقسم إلى شعورية و لا شعورية و اللاشعور يمثل الجانب الأكبر منها.
الحجج و البراهين: وقد برروا موقفهم بحجج عديدة أهمها:
* ففي العصور الحديثة أشار كثير من المفكرين و الفلاسفة الى اللاشعور فكانوا ممهدين لفكر فرويد، لكن أيا من هؤلاء لم يبن نظرية متماسكة قاعدتها اللاشعور منهم شوبنهاور (1788-1860م) Schopenhauerالذي قال :« ٳن دوافعنا الشعورية ليست سوى واجهة تخبئ دوافعنا اللاشعورية، و أن إرادة الحياة تتألف من غريزة المحافظة على الذات و الغريزة الجنسية، و أن الكبت بواسطة العقل يشكل أساسا لأمراض النفس » ، وأيضا الفيلسوف الألماني نيتشه (1844-1900م) Nietzcheالذي تكلم عن اللاشعور وأقنعته و قال أن القيم الأخلاقية تصدر غالبا عن غرائز أنانية عدوانية و جنسية .
* مع أواسط القرن التاسع عشر بدأت ردة فعل قوية ضد المنهج التقليدي و كان سببها الظواهر المرضية كالهستيريا Hystérie و
*ثم جاء الطبيب النمساوي سيغموند فرويد الذي تلقى تعليمه في فينا و عمل أستاذا لعلم أمراض الأعصاب و كان قد لاحظ مع شريكه الطبيب بروير أن مرضاه المصابين بالهستيريا (و المترافق مع شلل اليدين أو الرجلين أو جمود الرقبة و صعوبة في استعادة الذكريات الأليمة و نوبات عصبية ) يستعيدون حياتهم السوية و الطبيعية بعد تذكر حادثة معينة مروا بها و استطاعوا روايتها. اتبع فرويد بداية طريقة التنويم المغناطيسي الشائعة في ذلك الحين. ولاحظ أن المريض الذي يتكلم أثناء نومه يفضح ذكرياته الأليمة التي لم يكن يجرؤ على فضحها من غير التنويم,إلا أنه يتحرر من مرضه حينما يصبح اللاشعور واعيا فيتم الشفاء و سمى هذه الطريقة بالتطهيرية فقد عالج "فرويد" و "بروير" فتاةتبلغ من العمر 21 سنة تسمى أنا Anna وكانت تعاني من أعراض عصابية عديدةمثل السل والسعال العصبي وكشف التنويم المغناطيسي أن لها ذكريات مكبوتة تسمع فيها صوت موسيقي راقصةتأتي من منزل قريب بينما كانت تعتني بوالدها الذي توفى فيما بعد ؛ فاكتشفا أن شعورها بالذنب راجع لكونها كانت تعتقد أنهاكانت ترقص ( فقد كانت تتدرب على الرقص ) أكثر مما كانت ترعى والدها بعدها اختفى سعالها العصبي بعد أن ظهرت منجديد تلك الذكرى المكبوتة .لكنه اكتشف بعد حين أن الطريقة التطهيرية بربرية لأنها ترهق المريض و تخيفه ،كما أن المرض يعود للمريض من جديد بعد فترة وأن بعض الأشخاص يبدون مقاومة شديدة و يصعب تنويمهم فوضع طريقة جديدة تدعى التحليل النفسي Psychanalyseالتي تقوم على الحوار و التداعي الحر للأفكار Libre Association و التي تهدف إلى اكتشاف اللاشعور ومن مظاهرها عدم مقاطعة المريض أثناء كلامه إلا عند الضرورة على ألا يخفي المريض عن طبيبه شيئا مهما بدا له تافها أو مرفوضا أخلاقيا و الهدف هو إخراج هذه الرغبات المكبوتة في اللاشعور فيصارعها المريض من جديد إلى غاية أن تزول الأعراض المرضية .وقد طور فرويد طريقته في التحليل النفسي فأخذ بتأويل زلات اللسان و الأفعال الناقصة و الأحلام الليلية، و قد صادفت هذه النظرية رواجا كبيرا في أوساط علماء النفس و المثقفين، يقول فرويد:« اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجود الأدلة التي تثبت وجود اللاشعور »
*و ما يثبت وجود اللاشعور أيضا حسب التحليل النفسي وجود عمليات نفسية لاشعورية لا تقتصر على المرضى بل على الأسوياء أيضا منها الحيل الدفاعية اللاشعورية التي نستخدمها للتخلص من الدوافع المنبوذة أو لحماية الذات من القلق الشديد، و تأثير الرغبات المكبوتة التي لا يمكن تحقيقها في الواقع، أو من تأنيب الضمير،فالقلق هو إنذار بالخطر يخبر الأنا أن شيئا ما ينبغي عمله،وإذا لم يتم تجنب القلق أو التعامل معه بفاعليه فإنهيصبح مرضا نفسيا.وعندما يعجز الأنا عن التعامل مع القلق بطرق منطقية(عقلانية) فإنه يلجئ إلىطرق غير واقعية تسمى بــ(آليات الدفاع أو الحيل الدفاعية) والتي من أهمها: الأحلام: التي تعتبر مناسبة لظهور الميول و الرغبات المكبوتة في اللاشعور في صور رمزية،، فالحلم – بالنسبة لفرويد – نشاط نفسي ذو دلالة لا شعورية يكشف عن متاعب وصراعات نفسية يعانيها النائم تحت تأثير ميولاته ورغباته التي لم يستطع تحقيقها ، فيتم تحقيقها بطريقة وهمية، و رمزية في الحلم وأطرف حلم رواه فرويد في كتابه تفسير الأحلام ما روته إحدى مريضاته فقد رأت في منامها و هي في السنة الرابعة من عمرها حشدا من الأطفال الصغار ، جميعهم من إخوتها و أقاربها بنين و بنات يحبون فوق أرض حقل أخضر، و فجأة نبتت لهم أجنحة و طاروا جميعا أمام عينيها إلى أن اختفوا في الجو و هي تنظر إليهم..، وهو حلم يبدوا لأول وهلة و لا علاقة له بالموت، و لكن بعد الاستقصاء و التحليل علم فرويد أنها قبل ذلك الحلم كانت قد سمعت بوفاة طفل من أقاربها، فسألت ذويها ماذا يحدث للأطفال الذين يموتون ؟، فأخبروها أنهم يتحولون إلى ملائكة ذوي أجنحة و يطيرون بعيدا إلى السماء و بذلك اكتشف فرويد المضمون الحقيقي لحلم الطفلة الصغيرة فتحولُ جميع أقاربها و أصدقائها الصغار إلى ملائكة يطيرون و يختفون في السماء و تبقى هي وحدها معادل للقول بأنهم جميعا ماتوا و لم يبق على قيد الحياة سواها ؛ و هذا الحلم هو تحقيق لرغبة الحالمة الخفية في أن يموت كل الأطفال في الوسط الذي تعيش فيه و تنفرد هي بالإعزاز و رعاية والديها يقول فرويد: « غالبا ما تكون الأحلام في غاية العمق عندما تكون في غاية الجنون ».و مثال آخر يقول أن إحدى مريضات فرويد ذكرت أنها رأت في الحلم أنها تشتري من دكان كبير قبعة جميلة لونها أسود وثمنها غالي جدا فيكشف المحلل أن للمريضة في حياتها زوجا مسنا يزعج حياتها وتريد التخلص منه وهذا ما يرمز إليه سواد القبعة أي الحداد وهذا ما أظهر لفرويد أن لدى الزوجة رغبة مخفية في التخلص من زوجها الأول،وكذا أنها تعشق رجلا غنيا وجميلا وجمال القبعة يرمز لحاجتها للزينة لفتون المعشوق وثمنها الغالي يعني رغبة الفتاة في الغنى.يقول فرويد: « تفسير الأحلام هو الطريق الملكي لمعرفة أنشطة العقل اللاواعية« .
* إضافة إلى حيلة أخرى هي: هفوات أو فلتات اللسان وزلات الأقلام: فالناس – في حياتهم اليومية – قد يقومون بأفعال مخالفة لنواياهم ومقاصدهم ، تظهر في شكل هفوات وزلات تصدر عن ألسنتهم وأقلامهم تغير المعنى بأكمله ، وهذه الهفوات والزلات لها دلالة نفسية لاشعورية كالنفور والكره والغيرة والحقد .. وليست كلها صادرة عن سهو أو غفلة كما يعتقد البعض إذ يروي فرويد عن رئيس برلمان النمسا أنه لما دخل القاعة قال: يشرفني أن أعلن عن رفع الجلسة بدل قوله: افتتاح الجلسة وهكذا يكون قد عبر لاشعوريا عن عدم ارتياحه لنتائج الجلسة. يقول فرويد : « يكتشف المرء الحقيقة الكاملة من خطأ لآخر »
النسيان: فقد تكون وراءه رغبات مكبوتة فنحن نميل إلى نسيان الأمور التي لا نرغب فيها و تجرح مشاعرنا حيث يروي فرويد عن نفسه انه نسي ذات يوم اسم مريضته لأنه عجز عن تشخيص مرضها و عندما ننسى إحضار شيء وعدنا به زميلنا فهذا ناتج عن كرهنا لانجاز الوعد. ومن أمثلة النسيان أن شخصا أحب فتاة ولكنها لم تبادله الحب وحدث أن تزوجت شخصا آخر،ورغم أن الشخص الخائب كان يعرف الزوج منذ أمد بعيد وكانت تربطهما رابطة العمل فكان كثيرا ما ينسى اسم زميله محاولا عبثا تذكره وكلما أراد مراسلته أخذ يسأل عن اسمه،وتبين لفرويد أن هذا الشخص الذي ينسى اسم صديقه يحمل في نفسه شيئا ضد زميله كرها أو غيرة ويود ألا يفكر فيه.
الإسقاط: فنحن نميل إلى توجيه و إسقاط الأفعال التي تثير فينا إحساسا بالذنب على الآخرين فالغشاش يرى جميع الناس غشاشين و الأناني يرى الجميع أنانيين فيصير المحظور مباحا بطريقة لاشعورية يقول فرويد :« لا يريد معظم الناس الحرية حقا، لأن الحرية تتطلب مسؤولية ومعظم الناس يخافون من المسؤولية ».
التقمص: عندما يرى الشخص ذاته غير مهمة في نظر الغير يلجأ لاشعوريا إلى تقمص شخصية ذات أثر فيقلدا في طريقة اللباس و حلاقة الشعر و الكلام و الحركات( الملامح الخارجية) حتى يجلب الاهتمام.
النكت: فالإنسان وهو يسخر و ينكت يكون قد تحلل من قيود آداب الحديث لذا تجد الرغبات المكبوتة منفذا للخروج كما تجعل النكتة الواقع الذي اعترض رغباتنا محل ضحك و سخرية، خاصة النكت ذات المواضيع الجنسية أو السياسية.
التعويض: ويكون نتيجة الشعور بالنقص الذي يدفع الفرد إلى التعويض في مجال آخر ، ومن أمثلة التعويض أن الفتاة قصيرة القامة قد تخفف من عقدتها النفسية بانتعالها أعلى النعال أو بميلها إلى الإكثار من مستحضرات التجميل حتى تلفت إليها الأنظار، أو تقوم ببعض الألعاب الرياضية أو بارتداء بعض الفساتين القصيرة .
التبرير: و الذي يستخدم لتفادي الصراع بين دافع ما و السلطة الأخلاقية ( الضمير) كأن يغادر فرد ما الحافلة دون دفع ثمن التذكرة ثم يبرر لنفسه بأنه كان واقفا طيلة المسافة بالتالي فصاحب الحافلة لا يستحق ماله. و الشخص الذي لم يتمكن من أخذ تذكرة لحضور مسرحية ما قد يلجأ لتبرير موقفه بإحصاء عيوب المسرحية.
النكوص: و هو رجوع الشخص الكبير سنا سلوكيا إلى الوراء كالشيخ الذي يلعب مع الصغار تحقيقا للرغبة ( و التي قد تكون طلب الرعاية و الحنان من أفراد أسرته)أو بحثا عن لذة.
*كما قسم فرويد الجهاز النفسي إلى ثلاث مستويات ينتج عن العلاقة بينها إما التوازن و إما الاختلال في الحياة النفسية وهي:
الهو: Le Soi : و يمثل جملة الغرائز و الرغبات البيولوجية التي تسير وفق مبدأ اللذة و يتصف بأنه لا يعترف بالأخلاق و المعايير الاجتماعية و المنطقية و يظهر الهو من خلال غريزتين هما غريزة الحياة و غريزة الموت( التدمير ) ،و يحدث بينهما تفاعل يكون مختلف الأنشطة النفسية في الحياة، و هما: الغريزة الجنسية( الليبيدو ) أو غريزة الحياة Libido:
فهي الأساس الذي بنى عليه فرويد نظريته؛ لكنه توسع فيها و لم يحصرها في وظيفة التناسل و إنما جعلها غريزة الحياة فهي تعني كل التنبيهات و النشاطات التي تنتج عنها لذة سواء كانت جنسية أو وجدانية أو حسية و كل الأعمال الايجابية و البناءة التي تؤدي إلى استمرار الحياة،يقول فرويد في هذا السياق « إن الفنان الذي يرسم لوحة فنية ليس إلا طريقة لا شعورية للتعبير عن غريزته الجنسية المكبوتة » و يقول أيضا : « إن الطاقة الغريزية التي يولد الطفل مزودا بها تمر بأدوار محددة بحياته؛ كما أن النضج البيولوجي هو الذي ينقل الطفل من مرحلة إلى أخرى، ولكن نوعوطبيعة المواقف التي يمر بها هي التي تحدد النتاج السيكولوجي لهذهالمراحل «.
إضافة إلى غريزة العدوان ( أو غريزة الموت ) التي تشمل كل مظاهر القسوة و الهدم و التحطيم و التهديم و الاضطهاد و الكره ضد الآخر سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا أو حتى ضد نفسه كما في الانتحار ، و تظهر أيضا من خلال اللوم المستمر و مشاعر الذنب و تعذيب الذات و يكفي أن نتأمل حالة الغضب و هو ينتقل من العدوان المكبوت إلى حالة إفناء النفس بتوجيه عدوانه إلى نفسه، فيلطم الغاضب نفسه و يجذب شعره و هي أعمال كان يفضل لو يوجهها إلى شخص آخر.و التي تظهر في السلوك التخريبي كما نجده عند الطفل الذي يكسر لعبه، يقول فرويد: « كل أشكال الحياة هدفها الموت »الأنا الأعلى Le Moi Supérieur: (Le Sur-Moi) : و يمثل القوة القمعية و النقدية التي تقف أمام متطلبات الهو اللامحدودة فيشمل الموانع و المحظورات الأخلاقية و القوانين العقابية و الذي يتكون من خلال التربية و سلطة الأبوين و العادات و القوانين الاجتماعية و المعتقدات الدينية( مثل يجب أن ...يجب ألا...) و بتعبير آخر هو جملة القيم الأخلاقية التي نتعلمها من المجتمع و يمثل سلطة الأبوين و الضمير وهو ذو طابع أخلاقي مكتسب يتسلط على الذات و يكبح الهو. يقول فرويد: « إن الطفل يتحرك بالغريزة، بيد أن هذه الغريزة لا تلبث أن تدخل في سن مبكرة في تناقض مع متطلبات الحياة »
الأنا Le Moi : تمثل الجانب الواقعي من الشخصية ( النفس) وهو ساحة الصراع بين مطالب الهو و موانع الأنا الأعلى و لذلك مهمة الأنا هي التوفيق بينهما ؛و إزالة الصراع لكنه في بعض الأحيان يضطر إلى كبت و رفض بعض مطالب الهو. كما تعتبر الأنا القوة المنظمة التي تحقق التوازن النفسي و التوافق بين الأنا الأعلى و الهو فيؤدي إلى الابتعاد عن الصراع و الأزمات النفسية و ذلك باستخدام مختلف الآليات الدفاعية التي تؤدي إلى تحقيق المطالب وفق أساليب مقبولة أخلاقيا و اجتماعيا أما المطالب المرفوضة فتشكل ما يسمى «الكبت »Le Refoulement، و الرغبة المكبوتة تستقر في اللاشعور و تبقى حية محتفظة بكل طاقتها و تؤثر باستمرار على الحياة النفسية و على السلوك.
* و بفضل هذا التقسيم صار بالإمكان فهم أسباب الهستيريا التي حددها أطباء النفس اليوم في أسباب نفسية تنحصر في الصراع بين الغرائز والمعايير الاجتماعية، والصراع الشديد بين الأنا الأعلى و بين الهو (خاصة الدوافع الجنسية) بالتوفيق عن طريق العرض الهستيري، بسبب الإحباط وخيبة الأمل في تحقيق هدف أو مطلب، والفشل والإخفاق في الحب، والزواج غير المرغوب فيه ،والزواج غير السعيد، والغيرة، والحرمان ونقص العطف والانتباه وعدم الأمن، والأنانية والتمركز حول الذات بشكل طفلي.وعدم نضج الشخصية وعدم النضج الاجتماعي، وعدم القدرة على رسم خط الحياة، وأخطاء الرعاية الوالديـه مثل التدليل المفرط والحماية الزائدة .
النقد : صحيح أن اكتشاف اللاشعور ساهم في علاج الكثير من حالات الهستيريا و الاضطرابات النفسية كما تعتبر نظرية فرويد حول التحليل النفسي أول نظرية متكاملة في الشخصية ؛كما بين تأثير مرحلة الطفولة في نمو الشخصية وقد شاركه الكثير من الباحثين هذا الرأي؛ لكناللاشعور يبقى مجرد فرضية فلسفية لا ترتقي إلى مستوى النظرية العلمية فتجارب فرويد اقتصرت على المرضى فقط و لم تمتد إلى الأسوياء غير أن مدرسة التحليل النفسي جعلت اللاشعور حقيقة مؤكدة ، مما جعلها تحول مركز الثقل فيالحياة النفسية من الشعور إلى اللاشعور ، فقد أنكر فرويد حرية الشعور مع أن الشفاء من الاضطرابات العصابية اللاشعورية لا يتم إلا بالشعور، كما بالغ فرويد في جعل الإنسان تحت رحمة جملة من الغرائز أهمها الغريزة الجنسية و بالغ في اعتبارها المحرك الأساسي للإنسان فقد تعرض إلى كثير من الانتقادات حتى من أقرب الناس إليه فآراءه المتعصبة لجهة سيطرة اللاشعور على حياة الإنسان افقده خصوصية هامة ألا وهي الوعي والإدراك فجعله أسيرا لغرائزه ومكبوتاته ونفى عنه كذلك كل إرادة وحرية في الاختيار ، فابنته أنا فرويد Anna Freud ( 1895-1982م)وتلميذه ألفرد أدلر ( 1870-1937م) Alfred Adler كانا أكثر من انتقده في هذا الجانب ،كما رأت ابنته أنا Anna أيضا أن التداعي الحر لا يمكن تطبيقه عمليا مع الأطفال قبل سن البلوغ فذلك يؤثر على تحليل الأحلام وهو الطريق الثانية للنفاذ إلى اللاشعور فمع أن الطفل يحكي أحلامه بحرية إلا أنه لا يمكن أن يعلق عليها ليكشف عن مضمون الحلم الكامن ؛و كذلك من غير الممكن أن نقسر الطفل على أن يرقد على وسادة ليتداعى بحرية لأنه غالبا ما ينام و أيضا لقلة حيلته في التعبير عن نفسه لغويا؛ و لعدم نضجه و وعيه ثانيا . ومن الانتقادات الموجهة إلى فرويد أن الإنسان في الحقيقة مكرم و منزه عن بقية الكائنات بميزة العقل فربط الأمراض النفسية بالليبيدو يعتبر تشويها للإنسان إذ تم تصويره كحيوان يجري وراء شهواته و غرائزه و حين نتحدث عن اللبيدو أوالجنس فلامناص من ذكر فرويد فقد كان يوجه اهتمامه لهذه المسألة إلى درجة المبالغةوالشذوذ وكل ما كتبه يدور حول الغريزة الجنسية لأنه يجعلها مدار الحياة كلهاومنبع المشاعر البشرية بلا استثناء و يصل به الأمر إلى تقرير نظريته إلى حد أنيصبغ كل حركة من حركات الطفل الرضيع بصبغة الجنس الحادة المجنونة فالطفلأثناء رضاعته ـ كما يزعم هذا الأخير ـ يجد لذة جنسية ويلتصق بأمه بدافع الجنسوهو يمص إبهامه بنشوة جنسية،وقد جاء فيبروتوكولات حكماءصهيون: (يجب أن نعمل أن تنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا...إنفرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس كي لا يبقى في نظرالشباب شيء مقدس ويصبح همه رواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه) فقد لحقت تهمة المادية بنظرية التحليل النفسي إذ ردت عالم القيم كله إلى عقد نفسية مرتبطة بالغرائز المكبوتة .لقد تجاهل فرويد عناصر كثيرة تؤثر في الشخصية كالعناصر الاجتماعية و العرقية و التاريخية و الثقافية بدليل ظهور فرضيات جديدة من طرف تلاميذه خاصة ألفرد أدلر الذي اختلف مع فرويد بالتأكيد أن القوة الدافعةفي حياة الإنسان هي الشعور بالنقص والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجودالناس الآخرين والذين عندهم قدرة أحسن منه للعناية بأنفسهم والتكيف معبيئتهم . فمن اللحظة التي ينشأ الشعور بالنقص يبدأ الطفل يكافح للتغلب عليه، ولأن النقص لا يحتمل الآليات التعويضية التي تنشأ من النفس تظهرالاتجاهات العصابية الأنانية وإفراط التعويض وانسحاب من العالم الواقعي ومشاكله أما تلميذه الأخر عالم النفس السويسريكارل يونغ(1875-1961م)Carl Jungفيرى أن الليبيدو يؤثر على الطبع المنطوي و لا يقوى على المنبسط لاهتمامه بالعالم الخارجي و قال بوجود اللاشعور الاجتماعي. كما رفض الطبيب النمساوي ستيكال Stekelاللاشعور من خلال قوله: ( أنا لا أومن باللاشعور فلقد آمنت به في مرحلته الأولىولكن بعد تجربتي التي دامت ثلاثين عاما وجدت أن الأفكار المكبوتة إنما هي تحتشعورية وان المرضى دوما يخافون من رؤية الحقيقة).ومعنى هذا أن الأشياءالمكبوتة ليست في الواقع غامضة لدى المريض إطلاقا إنه يشعر بها ولكنه يميلإلى تجاهلها خشية إطلاعه على الحقيقة في مظهرها الخام كما هاجم جورجي لوكاس فرويد قائلا: « ﺇن سيكولوجيا فرويد هي سيكولوجيا الرجل العاطل عن العمل و لهذا غلبت فيها الدوافع الجنسية »و قال طبيب الأعصاب الفرنسي هنري آي Henri ey (1977-1900)ساخرا من أسلوب التحليل النفسي الذي ابتكره فرويد: « ﺇن المحلل النفسي كالبوم لا يرى إلا في الظلام ».
التركيب:إن الحياة النفسية كيان متشابك يتداخل فيه ما هو شعوري بما هو لاشعوري ، فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية ، واللاشعور يمكننا من فهم الجانب اللاواعي منها ، أي أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري وجانب لا شعوري ، وأن ما لا يستطيع الشعور تفسيره ، نستطيع تفسيره برده إلى اللاشعور.واعتبار الحياة النفسية يمثلها الشعور فقط فيه نوع من الإهمال لجانب مهم وهو اللاشعور ، وكذلك اعتبار الحياة النفسية يمثلها اللاشعور فقط فيه تقليل من قيمة الإنسان ككائن واع بكل خصائصه ، والرأي السليم هو أن الحياة النفسية عند الإنسان لا يمكن معرفتها وتفسيرها إلا بالإيمان بوجود الجانبين معا فهما يتكاملان لمعرفة حقيقة النفس الإنسانية وما يدور بداخلها وان كانت هذه المعرفة محدودة إلى حد ما .
الرأي الشخصي: لكن حسب رأيي الشخصي فان الحياة النفسية للإنسان هي حياة شعورية بالدرجة الأولى لأنه يعيش معظم لحظات حياته واعيا ولان من خصائص الشعور الديمومة، و الاتصال، لكن هناك جانب آخر لاشعوري له دور كبير في تنفيس الرغبات المكبوتة و لكلا الجانبين دور و أهمية في الحياة النفسية لكل منا.
حل المشكلة :وهكذا يتضح في الأخير، أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري يُمكِننا إدراكه والاطلاع عليه من خلال الشعور ، وجانب لاشعوري لا يمكن الكشف عنه إلا من خلال التحليل النفسي ، ومادام الشعور وحده غير كافٍ لمعرفة كل ما يجري في حياتنا النفسية ، فإنه يمكن أن نفهم عن طريق اللاشعور كل ما لا نفهمه عن طريق الشعور ، فالشعور يساعدنا على التكيف مع العالم الخارجي؛ و اللاشعور بمخزونه المتنوع يساعد على اكتشاف تاريخ الفرد بالتالي تقويم سلوكه، فبفضل اللاشعور مثلا تطور العلاج النفسي كما استثمر في مجال التربية حيث بين حساسية و أهمية مرحلة الطفولة و كيف أن التجارب القاسية التي يعيشها الطفل تكون سببا لما يعانيه و هو راشد؛ فالشاب الذي يصير لصا أو مجرمامثلا قد يكون السبب راجعا إلى العنف الذي تعرض له في أسرته؛ و هو طفل صغير، أو إلى العنف الذي تعرض له في المدرسة..