عنوان الموضوع : الامازيغ قبائل العرب العاربة . قبيلة عربية
مقدم من طرف منتديات العندليب

كتاب : الأمازيغ عرب عاربة/ للدكتور الجزائري الامازيغي عثمان السعدي



]الأمازيع (البربر) جاؤوا من اليمن!

ما يلي مقتطف من كتاب الدكتور عثمان سعدي من الجزائر، “الأمازيع عرب عاربة”، الصادر عام 1996 في الجزائر، وعام 1998 في ليبيا. ود. سعدي من قبيلة النمامشة، أكبر قبيلة أمازيغية، وهو يجيد الأمازيغية والعربية، وهو مناضل قديم في جبهة التحرير الوطني الجزائرية، حصل على البكالوريوس من جامعة القاهرة في مصر عبد الناصر عام 1956، وعلى الماجستير من جامعة بغداد عام 1979، وعلى الدكتوراة من جامعة الجزائر عام 1986. وقد عمل فترة في السلك الديبلوماسي في سوريا والعراق ومصر، وهو روائي وناقد أدبي بالإضافة لكونه لغوياً ومفكراً، وهو رئيس “الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية” منذ عام 1990، وقد أصدر في الجزائر عام 2016 “معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية” الذي يضم تسعة آلاف مدخل، وقد نشره مجمع اللغة العربية في طرابلس، ليبيا، ويبين فيه أن الأمازيغية ـ البربرية هي لهجة منحدرة من العربية الأم منذ آلاف السنين كالآشورية والبابلية والكنعانية والآرامية، وغيرها… ويؤكد أن تسعين في المائة من كلماتها عربية: عاربة أو مستعربة، كما تقول موسوعة ويكيبيديا على الإنترنت.

أما كتاب “الأمازيغ عرب عاربة”، فقد سبقه عام 1983 كتاب “عروبة الجزائر عبر التاريخ” الذي يثبت عروبة الجزائر والمغرب العربي منذ التاريخ القديم.

كتاب “الأمازيغ عرب عاربة” الذي نقتطف منه أدناه “كتاب يؤكد عروبة الأمازيغ البربر ، ويبين أن التشكيك في ذلك هو مناورة للاستعمار الفرنسي الجديد بهدف شق الوحدة الوطنية، واستمرار سيطرة الفرنكفونية على الجزائر وبلدان المغرب العربي: تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا من خلال هيمنه اللغة الفرنسية على دولها”.

ولا بد من الإشارة أن المؤلف يستخدم تعبير “بربر” تكراراً في سياق الحديث عن الأمازيغ. وعلى عكس ما يوحيه البعض، فإن تعبير “بربر” غير تعبير “البرابرة” الذي كان يستخدمه الرومان لوصف غير الرومان، والذي بات يعني الهمجية والتخلف عن ركب الحضارة. أما تعبير “بربر” فشيء أخر مختلف تماماً أصله غير معروف، وهو يستخدم لوصف الأمازيغ السكان الأصليين للمغرب العربي، ذوي الأصول اليمنية كما تدل المراجع التاريخية وكما يوثق د. عثمان السعدي.

نقدم هذه المادة في سياق التأكيد على عروبة كل الأرض العربية، وعلى حقيقة الوجود القومي العربي، من العراق وبلاد الشام إلى مصر والسودان إلى بلدان المغرب العربي. فثمة مؤامرة اليوم لوصف الوجود العربي خارج الجزيرة العربية كاحتلال، ولاختراع هويات محلية أصيلة مناهضة للعروبة، وسابقة لها، على ما زعموا، في كل الأقطار العربية خارج الجزيرة العربية. وإذ نقدم هنا صفحات موثقة من عروبة البربر (الأمازيغ) القديمة، فلأن التاريخ القديم للمغرب العربي يتعرض للتشكيك والطعن بعروبته أكثر من غيره، أكثر من العراق وسوريا الكبرى مثلاً، وأكثر من مصر والسودان. والمستشرقون الغربيون حرصوا على اختراع أصول أوروبية للأمازيع (البربر) كجزء من مشروع شطب هوية الوطن العربي القومية والحضارية. ففي موسوعة ويكيبديا على الإنترنت مثلاً تجد بالإنكليزية تحت مدخل “بربر” تعريفاً يقول أنهم قومٌ أقرب للأوروبيين منهم للساميين والعرب. وهو الأمر الذي يهدف لسلخ المغرب العربي الكبير عن أمته. فإذا أثبتنا أن الأمازيع (البربر) عربٌ أقحاح، فإن إثبات عروبة الباقي، من مصر للعراق لسوريا للسودان لأريتريا (التي يأتي ذكرها هنا) يصبح أمراً أسهل منالاً. ونشجع كل عروبي أصيل أن يبحث عن المواد التي تثبت عروبة القطر أو المنطقة التي يأتي منها، من البحرين إلى المغرب، وأن ينشر هذه المواد على أوسع نطاق، ولو كان الأمر يتعلق بشجرة عائلته، أو تاريخ عشيرته أو قريته…

وقد ظن بعض الإسلاميين عن حسن نية ربما أن من الأفضل شطب التاريخ العربي قبل الإسلام، باعتباره تاريخاً جاهلياً، فاعتبر أن التاريخ يبدأ مع الإسلام فقط، وهي النزعة التي شجع على انتشارها عن سوء نية بعض الشعوبيين أيضاً من مدعي الإسلام المعادين للعرب. لكن هذا المنطق السطحي الذي يتجاهل دور العروبة والعرب واللغة العربية في الانتشار السريع للإسلام في أرجاء الوطن العربي وخارجه، وفي جعل العرب مادة الإسلام، وفي جعل العربية لغة الإسلام، وفي جعل معركة القادسية امتداداً لذي قار، وفي جعل معركة بلاط الشهداء وفتح الأندلس امتداداً منطقياً لتطويق البطل العربي هنيبعل للإمبراطورية الرومانية عبر جبال الألب السويسرية، هذا المنطق السطحي الذي يفصل تاريخ العروبة قبل الإسلام بشكل تعسفي عن تاريخ العروبة بعد الإسلام هو بالضبط ما يجعل بعض الأفاقين والمغرضين اليوم يعتبرون الفتح الإسلامي “احتلالاً”، لا تحريراً من الفرس والروم وتوحيداً للأمة. وسنقدم في الحلقة القادمة من سلسلة التثقيف القومي إن شاء الله مادة بعنوان “الفتح الإسلامي ليس غزواً” عن عروبة بلاد الشام والعراق قبل الإسلام.

أما هنا فيقدم الأستاذ عثمان السعدي خلاصةً جميلة عن تأثير الفينيقيين بالبربر، فتظن للحظة أنه يربط عروبة البربر بتأثرهم بالفينيقيين قبل حوالي ألفي عام، ليعود بعدها ليقدم الدلائل على عروبتهم وعروبة لغتهم منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، مما يفسر لمَ تفاهم الأمازيع مع الفينيقيين وتحاربوا مع الرومان، ولو كانوا من أصول أوروبية، كما يزعم المستشرقون، كان يفترض أن يحدث العكس تماماً!

باختصار الأمازيغ جاؤوا من اليمن، قبل ثلاثة آلاف عام، ولغتهم ترتبط مع اللغة العربية القديمة بوشائج متينة. تلك هي الخلاصة لمن لا يرغب بالخوض بالتفاصيل. فهذا الوطن وطنٌ واحدٌ منذ آلاف السنين، وهو الوطن العربي، موطن الأمة العربية. والتوحيد نزعة عربية أصيلة. فالإسلام ازدهر في هذه الأرض لأنها تهيأت تدريجياً لاحتضانه قبل قرونٍ من المولد النبوي، كما يوضح الأستاذ ميشيل عفلق في “ذكرى الرسول العربي”. أما المسيحيون العرب، فيُظهِر د. عثمان السعدي أنهم كانوا في المغرب العربي ذوي نزعات إسلامية توحيدية معادية للرومان منذ ما قبل الإسلام، وهي القصة نفسها التي نجدها عند مسيحيي بلاد الشام والعراق ومصر.



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :




كتاب الامازيغ عرب عاربة :

كتاب الامازيغ عرب عاربة كتاب من تأليف الكاتب الجزائري عثمان سعدي يؤكد عروبة الأمازيغ. يرتكز على أكثر من ستين مرجعا، نصفها مراجع غربية. يرد على البربريين الذين كونهم الاستعمار الجديد في الأكادمية البربرية في فرنسا منذ 1967 بهدف تأسيس الدولة البربرية بسيادة الفرنسية، المرتبطة بأروبا؛ وقطع المغرب العربي عن جناحه المشرقي، وإلغاء خمسة عشر قرنا من الإسلام والعروبة. الكتاب يبين أنه لا وجود للغة أمازيغية، وإنما هناك آلاف اللهجات منحدرة من العربية القديمة (السامية). ويثبت الكتاب بأن البونقية، وهي عربية قديمة (سامية)، كانت لغة الثقافة والدواوين بشمال إفريقيا قبل الفتح الإسلامي، ثم خلفتها بعد الفتح الإسلامي العربية الحديثة التي طورها الإسلام.


مقتطف من كتاب الأمازيغ عرب عاربة الجزء الرابع
للدكتور الجزائري الامازيغي عثمان سعدي


من هم الأمازيغ (البربر)؟

مدخــــــل :

يكثر الحديث في هذه الأيام عن البربر: عن أصلهم، عن لغتهم، عن تاريخهم مع العرب ومع العربية ومع الإسلام . وأنا هنا أستعرض تاريخ المسألة البربرية، عبر مراجع فرنسية لتعزيز رأيي الوارد في الكتاب، والمتمثل في أن البربر من العرب العاربة، استقروا في المغرب ضمن هجرات سابقة للفتح الإسلام ي، على أساس أنهم ساميون، أي من العرب القدامى؛ بسبب بطلان التسمية السامية لتاريخنا، بإجماع المؤرخين. هذه التسمية التي أطلقها المستشرق اليهودي النمساوي ” شلوتزر SHLOTZER ” في الربع الأخير من القرن الثامن عشر. ويستبدل المؤرخون مصطلح الساميين بالأقوام العربية القديمة أو العروبية.

إن البربر يعيشون في حوض حضاري، ولا أقول ( عرقي )، يقع في هذا الامتداد الجغرافي، من سلطنة عمان شرقا على المحيط الهندي، إلى موريتانيا على المحيط الأطلسي غرباً. وكان هذا الامتداد مسرحا لمد بشري، منذ عشرات آلاف السنيين، في الاتجاهين: من المغرب إلى المشرق، ومن المشرق إلى المغرب.

فالمؤرخ الفرنسي ” غوتييه E. F. GAUTIER” في كتابه : “ماضي شمال إفريقيا”، يرى أن “الاحتمال الكبير هو أن الإنسان الذي عمّر وادي النيل هاجر من الصحراء الكبرى”. (E.F. Gautier: Le Passe de l’Afrique du Nord, p.23)

كما أن ششنق الأول البربري اتجه سنة 950 قبل الميلاد، من المغرب العربي الذي كان يسمى ليبيا ذلك الوقت، وحكم مصر الفرعونية، وأسس البربر الأسرتين الفرعونيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين. كما انطلق البربر من بلاد القبائل بالجزائر وأسسوا الدولة الفاطمية، و بنوا القاهرة. إذن فأن البربر يعيشون وسط هذا الحوض الحضاري الكبير الذي عرف تبادل الهجرات منذ التاريخ القديم.

ومن الغريب أن ( البربريست)، [أي أصحاب النزعة البربرية الشعوبية المعادية للعرب- الناسخ]، افتعلوا ما يسمى بالتقويم البربري بمناسبة توجه ششنق إلى مصر، وسموه التقويم الششنقي، فزيفوا التاريخ، وحولوا هذه المناسبة من عنصر تاريخي موحد بين مشرق هذا الامتداد الجغرافي ومغربه، إلى عنصر مكرس لانفصالهما. ويطالب ” البربريست ” باعتماد هذا التاريخ كرأس للسنة البربرية، والاحتفال به كعيد وطني، مقابلا لعيد المولد النبوي الشريف. بينما لا يعرف تاريخ البربر هذا النوع من التقويم.

البربر والعرب القدامى

أن بعض المؤرخين مثل أحمد سوسة العراقي، ” وبيير روسيه P. ROSSI ” الفرنسي، يرون أن الموجات البشرية الخارجة من الجزيرة العربية هي التي عمرت الشمال الإفريقي وحوض البحر الأبيض المتوسط بشماله وجنوبه، وذلك منذ بدء المرحلة الدافئة الثالثة ( وورم 3 (Warm في التاريخ الجيولوجي للأرض، أي قبل عشرين ألف سنة، والتي نجم عنها ذوبان الجليد في أوروبا وحوض البحر المتوسط، وزحف الجفاف على شبه الجزيرة العربية، التي كانت تنعم قبل بدء هذه المرحلة، بمناخ شبيه بمناخ أوروبا حالياً.

وتعتبر هجرة الفينيقيين إلى المغرب واحدة من هذه الهجرات المتأخرة للأقوام العربية من الجزيرة العربية التي سُبقت بهجرات سابقة لها، لم يسجلها التاريخ كما سجل هجرة الفينيقيين. وتنقُّل الفينيقيين من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام، ومن بلاد الشام إلى المغرب العربي، جاء عفوياً ليؤكد تبادل هذا المد البشري في هذا الحوض الحضاري الكبير.

ويؤكد المؤرخون العلماء الأوروبيون، من خلال استقراءاتهم لعلم الآثار والنقوش والكتابات القديمة المكتشفة، أن استيطان الفينيقيين – منذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد ( أي منذ 3500 سنة ) – هو الذي مهد لسهولة قبول البربر للغة العربية والدين الإسلامي في القرن السابع الميلادي. ويرون أن اللغة البونيقية Punic ******** التي هي عربية قديمة استمرت قائمة بالمغرب العربي كلغة ثقافة وحضارة ودواوين، حتى بعد تدمير قرطاج، وخلال الاستعمار الروماني، وإلى أن دخل العرب المسلمون؛ فحدث الوصل بين البونيقية التي هي عربية قديمة وبين العربية التي هي لغة حديثة طورها القرآن الكريم والإسلام.

[البونيقية لهجة من لهجات اللغة الفينيقية، كانت سائدة في شمال أفريقيا، والفينيقية لهجة كنعانية، وهي بالتالي من جدات اللغة العربية. واللهجة الفينيقية الكنعانية كانت سائدة في لبنان وساحل سوريا ومنطقة الجليل في فلسطين وفي... مالطا. واللغة المالطية الحديثة بالمناسبة خليط من اللغة العربية والإيطالية والإنكليزية، وتكتب بالحرف اللاتيني، لكن أساسها لغة سامية عربية – الناسخ].

كما أن هؤلاء المؤرخين يرون أن الديانة الفينيقية، أي القرطاجنية التي اعتنقها البربر، المؤسسة على شبه توحيد، هي التي جعلت نفوس البربر جاهزة لاستقبال الدين الإسلامي بهذه السهولة، بل وبهذه العفوية. إن إمبراطورية قرطاج، وحضارة قرطاج الراقية، التي استمرت سائدة في حوض البحر المتوسط وفي العالم، عدة قرون، تأسست نتيجة للتزاوج بين شعبين عربيين: الشعب الفينيقي القادم من لبنان، والشعب البربري الذي كان موجودا بالشمال الإفريقي، إلى أن جاء العرب المسلمون فأقاموا عملية الوصل بين حلقتي الحضارة العربية.

وسأعرض نصوصاً لمؤرخين فرنسيين، متخصصين في الدراسات البربرية والسامية، تؤكد هذه الحقيقة. فمحررو (مادة الجزائر) في الموسوعة الفرنسية ( يونيفيرساليس UNIVERSALIS) يقولون:

“بدأ تاريخ المغرب الأوسط بوصول الفينيقيين الذين سجلوا حضارتهم كأول حضارة بالمدن، حيث تركت بها آثاراً مكتوبة، فأسسوا مبكراً، في القرون الأخيرة للألف الثانية قبل الميلاد، مراكز تجارية. وتطور الفينيقيون إلى قرطاجنيين، ولم يستعمروا داخل البلاد، ولكنهم طوروا هذه المدن الساحلية التجارية، والتي استمرت قائمة حتى بعد تدمير قرطاج، تحمل تسميات سامية كمدن راسكو رو (دلس)، وروس كاد (سكيكدة)، وروس قونية (ماتيفون)… وكان الرؤساء البرير المسيطرون على داخل البلاد حلفاء وزبائن تجاريين للقرطاجنيين، يمدونهم بفرق عسكرية، وبخاصة بالفرسان النوميديين المشهوريين، وبالفيلة الحربية والجنود. وانتشرت اللغة البونيقية (اللهجة الفينيقية الكنعانية السائدة في شمال أفريقيا – الناسخ) والحضارة الفينيقية بعمق في البلاد وظهرت مدناً للأهالي، وأضرحة ومزارات دينية، بنيت أحياناً من طرف فنيين قرطاجنيين. . . وهكذا فقد كان البربر تلاميذ للفينيقيين الذين علموهم أساليب زراعية وصناعية، كصناعة الزيت، والنبيذ، وصناعة الأدوات من النحاس؛ وعلموهم على الخصوص ديانتهم. واستمر البربر يعبدون آلهة قرطاج، حتى أثناء الاحتلال الروماني، لدرجة أن بعض المؤرخين يرون أن المسيحية، ثم الإسلام، لم يُقبلا من البربر، بهذه السهولة، إلا بسبب دخول هذه الديانة القرطاجنية المغرب، التي هي ديانة سامية. واستمرت اللغة البونيقية متداولة حتى بعد القرن الثالث الميلادي، حيث لعبت دور الوصلة إلى اللغة العربية” (Encyclopeadia Universalis، T1، P633)

دخول البربر العصر الحضاري:

لقد خرج البربر من العصر الحجري الحديث، ودخلوا التاريخ والعصر الحضاري عن طريق أخوانهم الفينيقيين. فالمؤرخ الفرنسي المتخصص في الدراسات البربرية رونيه باسيه R. Basset يورد حقائق تؤكد ذلك، فيقول:

“إن اللغة البونيقية لم تختف من المغرب إلا بعد دخول العرب. ومعنى هذا أن هذه اللغة بقيت قائمة، هذه المدة بالمغرب، لتسعة عشر قرناً، وهو أمر عظيم… لقد استمر تأثير مدينة قرطاج قائماً حتى بعد تدميرها، فقد تحولت (سيرتا) تحت حكم الملوك النوميديين البربر إلى مركز بونيقي، بل أن اسم سيرتا هو (قرطا)، أي المدينة بالبونيقية… لقد علم القرطاجنيون البربرَ الزراعةَ. فالبربر يكسرون الرمانة على مقبض المحراث، أو يدفنونها في أول خط للحرث، تفاؤلاً بأن سنابل الحبة المبذورة ستأتي كثيرة بعدد حبات الرمانة. وهي عادة مستمدة من ثقافة قرطاج، فالرمانة لديهم رمز للخصوبة. وتعتبر قرطاج مربية للبربر، فقد علمتهم كيفية الاعتناء بالزيتونة التي كانت موجودة بالمغرب كشجرة وحشية وكيفية استخراج الزيت منها. ويفصل “غزيل” Gsell هذه المسألة لغوياً فيقول: [إن كلمة أزمور بالبريرية تعني الزيتونة الوحشية وهو الاسم البربري لهذه الشجرة. أما إذا تكلموا عن الزيتونة الملقمة أطلقوا عليها الاسم السامي (الزيتونة)، وعلى سائلها اسم الزيت...]. كما علم الفينيقيون البربر زراعة التينة التي كانت قبلهم موجودة بالمغرب كشجرة وحشية أيضا، وعلموهم زراعة الكرمة، والرمانة، وعلموهم عموما فن زراعة الشجر المثمر. وقد تبين لنا الآن أن البربر كانوا على اتصال بالفينيقيين منذ ما قبل التاريخ… وعلم الفينيقيون البربر الصناعات القابلة للتصدير كالسيراميك، وصناعة المعادن، والنسيج والمجوهرات: كالخلاخيل، والتيجان، والخلالات (المشابك)، التي تصنع في صورة كف مبسوطة الأصابع. والتشابه واضح بين مجوهرات القبائل (بالجزائر)، والسوس (بالمغرب)، وبين المجوهرات القرطاجية. أما ديانة قرطاج فهي التي كانت منتشرة بالمغرب كالإله (بعل عمون)، والإلهة (تانيت)، وكان هذا الإله منتشرا بالعالم العربي كله، الأمر الذي أورد اسمه القرآن بالآية : (أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين)، لدرجة أن انتشار الإسلام بشمال أفريقيا عائد إلى ما فعلته قرطاج في هذه البلاد… أما عن اللغة فقد جعل الملوك النوميديون البربر، في العهود الأخيرة، من البونيقية لغتهم الرسمية، لدرجة أنه كان الناس في بلاد البربر، وفي المدن على الخصوص، يتحدثون البونيقية أكثر من البربرية، وحتى في العهد الروماني… إن المناطق التي انتشرت فيها البونيقية أكثر هي التي تعربت بالكامل. والبونيقية لغة قريبة من العربية التي ما أن دخلت المغرب حتى خلفت البونيقية وبسهولة، كما أن آلهة قرطاج هي التي مهدت لانتصار الإسلام في هذه البلاد، واللغة القرطاجنية عبدت الطريق للعربية… وخلاصة القول أن قرطاج لم تجلب سوى الخير للبربر، فقد علمتهم غرس الأشجار المثمرة، وربتهم روحياً ودينياً. ومن الغريب أن هذا التأثير تعمق أكثر بعد تدمير قرطاج. لقد دمرت روما أسوار قرطاج لكنها فشلت في تدمير تأثيرها في نفوس البربر، بل إنه كلما تأسس احتلال روما للمغرب كلما انتشرت وتعمقت في نفوس البربر لغة قرطاج وعقائدها. وهل يختلف الوضع الآن عنه آنذاك؟!!!!”. (Rene Basset: Les Influences Puniques chez les Berberes, Revue Africaine, V.62 (1921), p.340)

لنلاحظ مغزى هذا السؤال الذي طرحه المؤرخ الفرنسي، فهو يريد أن يقول أنه كلما تغلغل الاستعمار الروماني في الأرض المغربية ازداد المغاربة تشبثا بالبونيقية، وبالديانة القرطاجانية، في الماضي، وكلما ازداد الاستعمار الفرنسي تغلغلا الآن في الأرض المغربية ازداد البربر تشبثاً بالعربية وبالإسلام. إنه يريد أن يقول باحتشام: أن التاريخ يعيد نفسه. هذا ما كتبه هذا المؤرخ الفرنسي، إنه يؤكد الأصل العربي للبربر، من الحفريات والكتابات الأثرية، التي اكتشفها علماء الآثار الفرنسيون والأوروبيون بالمغرب العربي.

[يُشار إلى أن مملكة نوميديا البربرية التي سادت في الجزائر وجزء من تونس بين عامي 202 و46 قبل الميلاد كانت قد تحالفت مع القائد الفينيقي العربي العظيم هنيبعل ضد الرومان، وزودته بخيالة محترفين من الدرجة الأولى، بالرغم من أن بعض قياداتها تآمر مع الرومان. كما أنها خضعت بدورها للاحتلال الروماني، واستوعبت كثيراً من المهاجرين القرطاجنيين بعد الهزيمة، وقاتلت الرومان في أكثر من حرب، بعد مئة عام من هنيبعل – الناسخ].

ويؤكد مؤرخ آخر فرنسي هو ” سانتاس P. CINTAS فيقول: “لقد بينت الكتابات البونيقية المكتشفة بالمغرب، والتي تحمل تاريخ 162و147 قبل الميلاد ( أي تحت حكم ماسينيا ) مدى ارتباط الأهالي بقرطاج دينياً من خلال عبادتهم لبعل عمون، الإله القرطاجي، وهذا يؤكد السيطرة المستديمة للديانة القرطاجية على السكان المحليين. أريد التحدث عن استمرار البونيقية، فقد بقيت منتشرة بالمغرب بعد تدمير قرطاج وفي العهد الروماني، وحتى بعد القديس أوغسطين الذي ذكر مراراً أن السكان الذين كانوا يحيطون به يتكلمون البونيقية. إن اللغة البونيقية استمرت بين بعض البربر كلغة ثقافة… بل أن الدوناتية مقدمة لإلغاء الإسلام للمسيحية، وللثقافة الرومانية بالمغرب. ويقول غوتييه: أن اوغسطين عندما كان يسأل هؤلاء الأهالي في دروسه الواعظة، ما هو أصلكم ؟ كانوا يجيبونه : نحن كنعانيون“. (P. Cintas: Ceramiques Puniques, Paris 1950. Revue Africaine, Vol. 100, 1956)

والكنعانيون هم الفينيقيون. ويذكر المؤرخ الفرنسي رينان “E. RENAN” “أن البربر اعتنقوا الإسلام بسهوله، لأنهم كانوا يعرفون البونيقية“. (E. Renan: Histoire Generale des Langues Semitiques 7eme edition, p.199)

ويذكر غوتييه “أن استعمال البونيقية كان سائداً في كثير من نواحي المغرب الشرقي حتى القرن الخامس الميلادي”.

ويؤكد المؤرخ ” وليام مارسي W. MARCAIS” “أن البونيقية كانت لغة الدوناتيين، ويأسف القديس أوغستين لأن فلاحي المنطقة التي كان يعيش فيها (عنابة) كانوا لا يجهلون تقاليد الكنعانيين والمورو، ويقول: عندما نسأل فلاحينا من أنتم؟ يجيبوننا بالبونيقية. نحن كنعانيون. كما أن القديس أوغستين لم يشر أبدا إلى اللغة البربرية”.

إن معنى هذا أن لغة الكاثوليك، المذهب الرسمي للاستعمار الروماني، وبالتالي لغة القديس أوغسطين، كانت اللاتينية، وأن لغة المذهب الدوناتي مذهب الشعب بالمغرب العربي، كانت البونيقية. وقد ظهر هذا المذهب المسيحي في المغرب في القرن الرابع الميلادي، على يد الأب دونا الذي كان يسميه الرومان (دوناتوس) الذي توفي سنة 355م. وارتكز هذا المذهب على عنصرين أساسيين، الأول: اعتماد التوحيد ورفض الثالوث الذي يرى فيه بدعة دخيلة على المسيحية. والعنصر الثاني : اعتماد الدين المسيحي كدين جاء لرفع الظلم عن المظلومين، ولهذا فلا بد أن يساعد المغاربة على تحريرهم من الاستعمار الروماني. وهذا هو الذي جعل المؤرخ الفرنسي سانتاس يقول: “كانت الدوناتية مقدمة لإلغاء الإسلام للمسيحية، والثقافة الرومانية بالمغرب“.

والمعروف أن الأب دونا سجنه الرومان بل ومات في سجنهم. دون أن تعتبره الكنيسة ومؤرخوها في ذلك الوقت، شهيدا للمسيحية، فتضيف لاسمه كلمة القديس.

والمعروف أن الأب دونا استشهد في نفس السنة التي ولد فيها القديس أوغسطين، الذي سبق أن كتبت
رأيي فيه وهو أنه كان عميلاً كبيراً للاستعمار الروماني، سخر المسيحية ضد نضال شعبه البربري من أجل التحرر من الاستعمار، وحرض السلطة الاستعمارية على الغاء الدوناتية، واضطهاد أتباعها والإلقاء بأساقفتها في السجون سنة 411م، حيث ماتوا فيها. واستمر أتباع هذا المذهب يمارسونه في الخفاء إلى أن جاء الإسلام فوجدوا فيه ضالتهم فاعتنقوه… وقد كانت القبائل البربرية قبل الإسلام، تمارس طقوس الديانة البونيقية باعتراف الكاتب البربري المشهور (أبوليوس) الذي كتب باللاتينية، والذي اعترف بأن أباه كان مسيحياً، وأمه وثنية.

ومعنى ذلك أيضا أن البونيقية كانت قبل الفتح الإسلامي، تقوم بنفس الوظيفة التي صارت تقوم بها اللغة العربية، بعد الفتح الإسلامي. وأن دخول العربية جاء ليخلف البونيقية، بأسلوب تطوري طبيعي، من لغة عربية قديمة إلى لغة عربية حديثة، طورت على يد الإسلام.

ويستمر المؤرخ مارسييه فيقول “أن فاليروس VALERUS قال: سمعت الفلاحين يثرثرون بلغة أجهلها، ويرددون كلمة (ثالوث Salus)، وعندما سألتهم عن معناها أجابوني: معناها (ثلاثة). والملاحظ أن القديس أوغسطين لم يشر أبدا إلى اللغة الليبية (البربرية). وعندما هربت العذراء (ديميترياس) من روما بعد احتلالها من طرف الغوت، علق القديس جيروم Saint Jerome ( 347 420 م )، على دخولها الرهبنة المسيحية بقوله: من يتبع عرسك غير أصوات مصرصرة باللغة البونيقية، تودعك بفاحشة مقيتة… ( ويقصد بكلمة ستريدور Stridor) اللاتينية الزغرودة البونيقية التي ترافق الزفاف”. (William Marcais: Revue Africaine, T:94 (1950) p.280)

وهذا يشير إلى ان الزغرودة المعروفة بالوطن العربي مشرقا ومغربا، هي عادة عربية قديمة كانت مستعملة لدى الساميين (العرب القدامى ).

ويروي الكاتب النوميدي البربري المشار إليه قبل قليل، أبوليوس (125-180م ) في كتابه دفاع Apologie ”أن ربيبه سيسينيوس كان لا يعرف اليونانية، ويجهل اللاتينية، أو يرفض استعمالها، وكان لا يتكلم إلا البونيقية”. وسيرد في الكتاب رأي المؤرخ المصري رشيد الناضوري، حول علاقة البربر بالفينيقيين ومصر الفرعونية. ولا ينبغي أن يتملكنا العجب من التأثير الفينيقي في المغرب، فقد بدأ يظهر بالغرب المؤرخون الذين يؤكدون الأصل العربي القديم للحضارة اليونانية، مثل بيير روسيه الفرنسي الذي سيرد تحليل لكتابه في هذا الكتاب. وأود أن أشير إلى آخر ما صدر في المكتبة الأوروبية، وهو كتاب ( أثينا السوداء : الجذور الأفريقية الآسيوية للحضارة الكلاسيكية ) للكاتب الانكليزي المولد، الأمريكي الإقامة ( مارتن برنال M. Bernal)، الذي طبع بلندن سنة 1991. فقد قال : ” لابد لنا من أن نعيد التفكير في أسس الحضارة الغربية، وفي التسليم بدور النزعة العرقية الأوروبية في كتابة وفلسفة التاريخ، وبأن أوروبا هي العالم، وبأن العقل هو العقل الأوروبي، فقد سادت أوروبا موجة عالية من الأثنية والعنصرية”.

ثم يتكلم عن التأثير السامي (العربي القديم) في اليونان، فيقول : “إن الوثائق المسجلة التي وصلت إلينا من منطقة إيجا، هي ألواح مكتوبة بالإغريقية، ويرجع تاريخها إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، وتشتمل على كلمات مستعارة من السامية، وعلى الكثير من الكلمات المصرية، وثمة أوجه شبه مذهلة بين مضمون هذه الوثائق وبين عديد من المسائل الاقتصادية مثل المكاييل والموازين، التي كانت سائدة في المشرق وفي بلاد مابين النهرين… إن المصريين والفينقيين أقاموا المدن والمستوطنات في اليونان القديمة، وأدخلوا فيها نظام الري. الفينيقيون هم الذين علموا اليونان القدماء الأبجدية، بينما علمهم المصريون الدين وأسماء الآلهة وكيف يعبدونها. أي أن الإغريق كانوا يمارسون طقوساً وشعائر مصرية في معابدهم، أو لنقل بعبادة أخرى أن منظورهم إلى العالم لم يكن أوروبياً… وتدعم هذه الاكتشافات رواية الإغريق القدماء من أن كيكرويس مؤسس مدينة أثينا قد أتى من مصر، بل اسم أثينا اسم مصري. فقد كان المصريون يسمون بلدهم (أثيناي)، وهو الاسم الديني لبلدة سايس، العاصمة المصرية. وجدير بالذكر أننا نجد تماثيل للإلهة أثينا سوداء، أي مصرية إفريقية. إذن فقد كان لمصر وللساميين الغربيين دور يقيني في تشكيل بلاد الإغريق. فقد استوطن المصريون بلاد الإغريق من موقع السيادة السياسية والثقافية. ويذكر أن أفلاطون يقرر في محاورة طيماوس، أن هناك علاقة نشوئية بين مصر واليونان… إن اللغة اليونانية هي أساسا لغو هندوأوروبية، لكن أكثر من خمسين بالمائة من معجمها كلمات مصرية فينيقية، وخاصة فيما يتعلق منها بعلم الدلالات (السيمنطيقا)، وتطورها ومفردات الترقية، والعلاقات السياسية، لا الأسرية، والقانون والدين والمجردات فإنها ليست هندوأوروبية.

فهي أي اللغة اليونانية، بوصفها هذا نتاج لاستعمار مصري فينيقي. لقد تكونت اللغة اليونانية خلال القرنين السابع عشر والسادس عشر قبل الميلاد، وهي ذات بنية هندوأوروبية، ومفردات أصولها مصرية وسامية غربية… قليلة جدا هي أسماء الأماكن والبلدان اليونانية التي يمكن تفسيرها على أساس هندوأوروبي. وأن عددا كبيرا جدا من أسماء البلدان والمعالم اليونانية هي من أصل سامي أو مصري. مثل نهر ياردانوس في كل من كريت وبليبونيز، وهو مشتق من ياردا أو (الأردن). واسم ( أنيجروس ) مصدره جذر سامي: نجر، بمعنى فاض. ونراه كثيرا متضمنا معنى واحة أو نهر وسط الصحراء في كثير من بلدان شرق آسيا، وشمال أفريقيا (نهر النيجر)… ومثل أسماء الجبال والمجردات والجوامد، مثل ذلك الجذر ( سام ) الذي يتكرر في غالبية الأسماء الإغريقية مثل ساموس وسامكون… الخ. وهي أسماء مشتقة من الجذر السامي ( سام بمعنى مرتفع ). أما مدينة أسبرطة اليونانية فقد تمصر مجتمعها فيما بين 800 و500 قبل الميلاد، وأسمها مستمد من موقع جغرافي مصري (سبيت، أوسبرت، بمعنى حي أو مقاطعة أو عاصمة). بل أن أسماء الأساطير اليونانية هي أسماء مصرية مثل (أغا ممنون)، وهو مشتق من كلمتين مصريتين أغا بمعنى عظيم، وممنون وهو أمنحوت أو أمنمحعت… [ومن هنا "ممنون" بالعامية العربية – الناسخ]. ويختم المؤلف كتابه بقوله: أن هذا الكتاب هدفه فتح مجالات بحث جديدة، لذوي الأهليات الأفضل والأكثر تميزا، ثم الحد من غطرسة الثقافة الأوروبية”. (Martin Bernal: Black Athena, The Afroasiatic Roots of Classic Civilization, London, 1991)

ولنلاحظ أن هذا المؤرخ يدمج بين المصريين والفينيقيين في الأصول اليونانية القديمة، وهذا يؤكد أن المصريون ساميون أي عرب قدامى، وأن الحضارة المصرية سامية أي عربية قديمة وهو ما أكده المؤرخ الليبي علي فهمي خشيم. (علي فهمي الخشيم: آلهة مصر العربية، الجزء الثاني، ليبيا 1990(

ويعبر الشيخ البشير الإبراهيمي عن هذا كله بحدسه وإحساسه، لأنه لم يكن مطلعا على هذه الكتابات، منطلقا من ثقافته العربية القديمة الواسعة، ومن اطلاعه بل وحفظه عن ظهر قلب لمعجم اللغة العربية، فيقول: “إن عروبة هذا الشمال الأفريقي، جرت في مجاريها طبيعية مناسبة لم يشبها إكراه، وإنما هي الروح عرفت الروح، والفطرة سايرت الفطرة، والعقل أعدى العقل، وكأن هذه الأمم التي تغطي الأرض قبل الاتصال بالعرب، كانت مهيأة للاتصال بالعرب، أو كأن وشائج من القربى، كانت مخبوءة في الزمن فظهرت لوقتها، وكانت نائمة في التاريخ فتنبهت لحينها”.

إذن فأن كل الدلائل تشير إلى أن البربر عرب في أصولهم، وأن اللغة البربرية لهجة من لهجات العربية القديمة (أي لما يسمى خطأ باللغة السامية): كل المتخصصين في الدراسات البربرية أثبتوا أن البربرية واحدة من اللغات السامية (أي العربية القديمة)، فقد تكون مشتقة من اللغة البونيقية، مثلما يرى صراحة المؤرخ الفرنسي للحضارة العربية “غوستاف لوبون”. وكل المكتشفات الأثرية المتعلقة بالنقوش والكتابات القديمة، تبين أن البربر أقرب إلى الحِمْيَريِين [من حضارة حِمْيَر في اليمن – الناسخ]. إن هجرات عديدة تمت من الجزيرة العربية إلى شمال أفريقيا. فالهكسوس مثلا شعب هاجر من الجزيرة العربية واستقر في مصر في الفترة مابين 1730 و 1570 قبل الميلاد. وهي من هذه الهجرات السامية التي سجلها التاريخ. فالمؤرخ التونسي عثمان الكعاك يرى : “أن البربر قدموا من الجزيرة العربية، في زمن لا يقل عن ثلاثين قرنا قبل الميلاد. وأن الفينيقيين اختلطوا بالبربر على طول السواحل الإفريقية المغربية، في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، ولما كان البونيقيون عربا من بني كنعان، فقد اختلطوا بالبربر، الذين هم عرب من العاربة القحطانية”.

ويؤكد المؤرخون أن مدينة سوسة بتونس بناها العرب القادمون من جنوب الجزيرة العربية، قبل أربعة آلاف سنة، وأعطوها اسم (حضرموت). ويسجل المستشرق الألماني رولسلر التشابه بين الأكادية والبربرية. (O. Rosler: Za, 50 (1952). Orientalia 20 (151))

بل أن محمد كاتي الذي هو من مدينة ( تنبكتو ) بمالي، يقول في كتابه (طارق الفتاش)، الذي تُرجم إلى الفرنسية في باريس سنة 1913، يقول في صفحة 25: “إن القبائل الساكنة على ضفاف نهر النيجر، حتى المحيط الأطلسي، جاؤوا من اليمن”. والذي يؤكد ارتباط البربرية بالحميرية، أن وزن ( أفعول ) الذي تشتهر به البربرية، هو وزن حميري اشتهرت به هذه اللغة. فقد نشر الباحث اليمني القاضي إسماعيل بن علي الأكوع مقالا بمجلة المجمع العلمي السوري ( عدد نيسان – 1986) تحت عنوان (الأفعول وما جاء على وزنه في اليمن). كما كتب الأستاذ مظهر الإيرياني في مقال حول (نقش جبل أم ليلى) وردت فيه ثلاث صيغ على هذا الوزن، وهي أسماء لفروع لقبيلة خولان باليمن القديم، وسجلت بالخط المسند وهي :

أحنُّوب

أعبُّوس

أحبُّوس

ويلخص الكاتب الفرنسي فلوريان التطابق الكامل بين العرب والبربر، فيما يلي : “أصل مشترك، لغة واحدة، عواطف واحدة، كل شيء يساهم في ربطهما ربطا متيناً”. أما عن تسمية البربر، فالنقوش الأثرية المكتشفة تشير إلى أن كلمة بربر وجدت في اليمن. فجزيرة بربرة جزيرة تابعة لليمن توجد في مضيق اليمن. كما وجد اسم قبيلة البر مكتوبا بالخط الصفائي. ويقول محمد شفيق، من المغرب الأقصى، وهو متعصب للبربرية: “كتب المؤرخون العرب وجزموا بأن البربر من أصل يماني من العرب العاربة، وتكمن فكرة التأكيد اليوم على القرابة القديمة المحتملة بين الأمازيغيين واليمانيين، في ثلاث قرائن: أولاً: أن عددا لا بأس به من أسماء الأماكن، على الطرق الذي يمتد من المغرب الكبير واليمن لها صيغ أمازيغية واضحة. منها في صعيد مصر (أبنو، أسيوط)، وإيخيم وتيما في جبل حوران في سوريا، وتيما في شمال السعودية، وتاركما، وأتبار وتيمرايين في السودان، وأكسوم، بأسمرا، وأكولا، وأكوؤدات ( أكوؤضاد )، في أريتريا، وجزيرة أنتوفاش في اليمن. ثانياً: لقد عثرت على عدد من الألفاظ العربية التي قال بشأنها صاحب لسان العرب، أنها حميرية، أو يمانية، وهي الألفاظ التي لها وجود في الأمازيغية، إما بمدلولها الحميري، أو بمدلول معاكس (الأضداد). [درج العرب القدماء على وصف الأشياء بأضدادها – الناسخ]، ثالثا : بين حروف التيفيناغ القديمة، ومنها التوارقية، وبين حروف الحميريين ( الأبجدية الحميرية – المسند ) شبه ملحوظ”. (محمد شفيق: لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرناً من تاريخ الأمازيغيين، عن كتاب عروبة البربر).

وتوجد أسماء باليمن متطابقة مع أسماء لقبائل بربرية كالأشلوح: اسم قرية وقبيلة باليمن، والشلوح تجمع كبير للقبائل البربرية بالمغرب الأقصى. والأكنوس، عشيرة من بني مهاجر باليمن، ومكناسة بالمغرب.

ومما يؤكد عروبة البربر، أن المغرب العربي لم يُحكم بالخلافتين الأموية والعباسية، فقد أنفصل منذ وفاة عمر بن عبد العزيز، وحكم البربر المسلمون أنفسهم بأنفسهم منذ ذلك التاريخ، من خلال أكثر من عشر أسر بربرية حكمت المغرب العربي حتى مجيء الأتراك، ولم يحدث أن قال حاكم واحد من هؤلاء أن المغرب بربري، وأن العربية لغة دخيلة، ولا بد من ترسيم البربرية [أي جعلها لغة رسمية – الناسخ]. بل عملوا كلهم على نشر العربية وتطويرها. بينما نجد الأتراك والفرس قد حُكِموا من الخلافتين الأموية والعباسية أكثر من خمسة قرون، وبمجرد سقوط الخلافة العباسية، عاد الفرس فرساً بلغتهم، والأتراك أتراكاً بلغتهم.

هل بقاء المغرب عربياً حتى الآن صدفة تاريخية؟ لا توجد صدفة في التاريخ. كما بينا فإن البربرية لم تكن لغة في تاريخها، وإنما كانت دائماً لهجة أو لهجات إلى جانب لغة الحضارة والثقافة في شمال أفريقيا، التي كانت اللغة البونيقية. فالمؤرخ الفرنسي أندريه باسي A. Basset، ينشر كتاباً سنة 1929 في باريس تحت عنوان “اللغة البربرية” La Langue Berbereيقول فيه: “لم تقدم البربرية أبداً لغة حضارة، لا في الماضي ولا في الحاضر، كما أنها لم تقدم لغة موحدة موزعة على مجمل البلاد، كما لم يكن لها آداب مكتوبة، أو مدارس تُعلم فيها. لقد كانت ولا تزال لغة محلية. لقد فُتتت البربرية إلى لهجات متعددة، مجزأة حسب كل قرية، لدرجة أنه لا توجد لهجات للبربرية، ولكن يوجد لها واقع لهجوي. بل إن التفاهم بين جماعة بربرية وأخرى قليل أو معدوم”.

كما يقول المؤرخ الفرنسي غوتييه E.F. GAUTIER: “ويلاحظ أنه لا يوجد كتاب واحد كُتِبَ بالبربرية، كما أنه لا توجد كتابة حقيقية لها، بل لا توجد لغة بربرية منظمة”. (E.F. Gautier: Consideration sur l’Histoire du Maghreb. Revue Africaine. Vol. 68 (1927))

أما عن الحروف التي تمتاز بها البربرية ولا توجد باللغة العربية فإن الكثير منها موجودة بالعربية كالزاي المفخمة التي توجد بالكتابة العربية الجنوبية، فحرف X بخط المسند اليمني هو هذه الزاي المفخمة، التي يقول عنها ابن منظور صاحب قاموس لسان العرب: “أنه حرف عربي قديم، حُذِف من العربية الحديثة”، ولا تزال البربرية تحتفظ به، وهذا يدل على الأصل العربي للبربرية”. (كتاب عروبة البربر، ص 29)

كما أن الكاف المعطشة بالبربرية ليست غريبة عن العربية، فاختلاف نطق الكاف ليس غريباً عن العربية التي تعتبر اللغة الوحيدة بالعالم التي تُنطق فيها الكاف بعدة مخارج حروف، وفقاً للهجات العربية، كالكشكشة والشنشنة، وغيرها.

يقول الأستاذ محمد شفيق: “إن البربرية صورة مثبتة مجمدة من لغة قديمة، تفرعت عنها اللغة العربية في وقت ما، وهذا يدعم وحدة اللغتين القديمة” (كتاب عروبة البربر، ص 30)

وهذه اللغة القديمة التي يشير إليها الأستاذ شفيق، ليست سوى اللغة العربية القديمة، التي أُطلق عليها خطأً اسم السامية


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :



- الكتاب: تاريخ الزواوة
- عدد الصفحات: 163
- المؤلف: أبو يعلى الزواوي
- تعليق: سهيل الخالدي
- دار النشر: وزارة الثقافة، الجزائر
- الطبعة: الأولى/ 2005



كتاب تاريخ الزواوة للعلامة المصلح ابو يعلى الجزائري الزواوي القبائلي يثبت اصول الامازيغ العربية :




من المسلّم به أن الشعب الأمازيغي دخل التاريخ مع الفينيقيين (حضارة الشرق) وليس مع اليونان (حضارة الغرب) ثم أبدع ووضع التاريخ مع الحضارة العربية حيث صار البربر عربا والعرب بربرا.
ومن المؤلم حقا أن يلعب أدعياء الثقافة السياسية من الجزائريين وغيرهم بحضارة الشعب الأمازيغي وعقله وثقافته، فيصورونه على أنه شعب انتهازي.
وفي نظرهم حين كان الرومان سادة العالم كان الأمازيغ روماً نصارى، وحين ساد العرب العالم صاروا عربا مسلمين، ولأن العرب اليوم في ضعف هاهم يبحثون عن "أرومة" أوروبية ينتمون إليها.
ولأنه تلاعب استعماري وجهل حضاري، رفض الأمازيغ والعرب في الشام مقولة الدعاية الفرنسية -وقبلها التركية- من أن الأمازيغ ليسوا عربا وجاؤوا مع الأمير عبد القادر وبعده المقراني ليحتلوا الشام ويستعمروه.
وقد تصدى الجزائريون الأمازيغ والعرب لهذه الدعايات، وأسقطوها كما أسقطوا ويسقطون في الجزائر دعوى أن العرب مستعمرون غزاة.
وكتاب "تاريخ الزواوة" لمؤلفه الشيخ أبو يعلى الزواوي هو أحد الكتب التي ساهمت في ذلك.


الكتاب والكاتب
"
كتاب تاريخ الزواوة يوضح أن الاستعمار الفرنسي وأكاديمياته ومثقفيه يعملون على إشاعة الفتنة ويريدون من الزواوة (القبائل والأمازيغ والبربر) أن يكونوا وقودا لها وأداة للتقسيم والانفصال
"
يتكون الكتاب من جزأين أوله تعليق لثانيه، وقد اعتمد الكاتب الصحفي سهيل الخالدي في مراجعته للنسخة الأصلية على مؤلفات أخرى منها: رحلة ابن جبير، والحركة التبشيرية في الجزائر، والأمازيغ وقضيتهم في المغرب الكبير، ليضفي على الكتاب مصداقية أكبر ويؤكد ما وصل إليه الزواوي منذ ما يناهز القرن.
عثر المعلق على كتاب تاريخ زواوة قدرا أثناء إنجازه كتابا عن الجالية الجزائرية في الشام، وقد عثر على نسختين واحدة في مكتبة الأسد والأخرى في مكتبة الظاهرية بدمشق القديمة.
وبمساعدة شخصيات من سوريا والجزائر استطاع أن يصل إلى ترجمة موجزة للشيخ الزواوي، فهو من مواليد عام 1862 وقام برحلات عديدة إلى القاهرة وباريس ودمشق التي حرر فيها كتابه هذا، وقد توفي عام 1952 في الجزائر، وترك عددا من المؤلفات والمخطوطات والمقالات المنشورة في الصحف الجزائرية والمصرية والشامية.
ورد اسم الكتاب والكاتب في نسخته الأصلية كالتالي "كتاب تاريخ الزواوة تأليف الفقير الضعيف الراجي عفو ربه اللطيف السعيد بن محمد شريف أبو يعلى الزواوي"، وطبع في مطبعة الفيحاء بدمشق على نفقة أحد رجال التصوف من المهجّرين الجزائريين
أما سبب تأليف الكتاب فقد ذكره المؤلف في نص إهدائه، وهو إزالة الظلم الذي لحق بتاريخ زواوة جراء الدعوى بأنهم غير عرب.
والمؤلف كُتب بلغة عربية جميلة وبأسلوب هو أقرب إلى أسلوب المحدثين منه إلى أسلوب القدامى رغم ما فيه من السجع، وقد حاول التخلص من المنهج القديم ليدخل قدر الإمكان إلى المنهج الحديث، فنجده يذكر مراجعه وكلها من أمهات كتب التراث، كما أشار إلى بعض الصحف والخطب والوقائع التي شهدها.
ويبدو أن البحث قد استغرق منه عدة سنوات وعرضه على كثير من مثقفي زمانه، كما ورد في الكتاب.
قسم الزواوي كتابه إلى فصول سبعة منطقية الترتيب والتصاعد، فقد تحدث عن علم التاريخ وفضله أولا، وخصص الثاني لنسب زواوة وهو أطول الفصول، ليتبعه بفصل في ذكر محامدهم وخصائصهم، ثم برابع في زواياهم وعلمائهم، والخامس في عاداتهم والسادس في المطلوب لإصلاح حالهم، كما خصص الفصل الأخير للائحة التعليم ونظامه وبيان طرقه.
إذن نحن أمام كتاب هام يشكل وثيقة تاريخية حررت بطلب وتكليف جماعي من الزواوة، ولعل هذا ما يفسر عدم وصول الكتاب إلى القارئ الجزائري رغم مرور هذه المدة الطويلة على طبعه، ويوضح لنا أن الاستعمار الفرنسي وأكاديمياته ومثقفيه يعملون على إشاعة الفتنة ويريدون من الزواوة (القبائل، الأمازيغ، البربر) أن يكونوا وقودا لها وأداة للتقسيم والانفصال.
"
القبائل المعروفة بالبربر التي استوطنت أراضي شمال أفريقيا كانت تقيم في الأصل بأرض فلسطين إلى جانب الكنعانيين، ثم أخرجت منها في عهد الملك داود حين قتل ملكهم جالوت
"

وحدة الوطن والتاريخ واللغة والمزاج :

يؤكد أبو يعلى الزواوي إجماع علماء النسب على أن الزواوة من بطون كتامة وهم من شعوب اليمن العرب العرباء القحطانيين الحميريين، وحمير بن سبأ الأول بن يشجب بن يعرب بن قحطان، والقحطانيون أعرق في العربية من العدنانيين.
ومما يؤيد هذا مشابهة الخطين الحميري والبربري مشابهة كبيرة، وخير شاهد على ذلك وجود الخط الحميري في إحدى قرى أفريقيا منقوشا على حجر.
أما المعلق سهيل الخالدي فقد استشهد بما أورده المهندس باحث الآثار المؤرخ العراقي د. أحمد سوسة في كتابه الذي حاربته الصهيونية "العرب واليهود في التاريخ.. حقائق تاريخية تظهرها المكتشفات الأثرية" حيث قال ما نصه "إن القبائل المعروفة بالبربر التي استوطنت أراضي شمال أفريقيا كانت تقيم في الأصل بأرض فلسطين إلى جانب الكنعانيين، ثم أخرجت منها في عهد الملك داود حين قتل ملكهم جالوت، وإنهم انتهوا إلى ديار المغرب فانتشروا هناك".
ولعل التطابق في تسمية الأماكن بين جبال جرجرة في الجزائر وكنعان في فلسطين والشام وغيرها بالجزيرة العربية وأسماء القرى والأماكن، ما هو إلا إثراء للمدرسة التاريخية التي تقول إن الزواوة والبربر عموما إنما جاؤوا من اليمن إلى فلسطين فمصر فصعيدها فالمغرب العربي، وهو في نفس الوقت إضعاف لتلك المدرسة الاستعمارية التي تحاول أن تلحق كل البربر بأوروبا بادعائها أنهم رومان محتلون وأن العرب غزاة هلاليون.
وهذا الضعف الجغرافي التاريخي للمدرسة الاستعمارية في كتابة التاريخ يزداد هزالا على هزال إذا ما قارنا بين القبائل البربرية في المغرب العربي والقبائل العربية في المشرق العربي، وإذا ما قارنا بين اللهجات المشرقية العربية واللهجات الأمازيغية.
إذ يتحدث أبو يعلى الزواوي في كتابه عن التشابه بينها، ويقر بأن الجزائريين الزواوة والشاوية لا يختلفون في كثير عن القبائل اليمنية في جبال ردفان وفي صنعاء عندما يتحدث كل منهما لهجته المحلية.
ويرى أن على المرء أن يقف طويلا عند ظاهرتين: أولاهما أنه لا يوجد تاريخ أمازيغي مكتوب بالأمازيغية، فكله مكتوب بالعربية باستثناء ما كتب بالفرنسية إبان عهد الاحتلال الفرنسي، وثانيهما هذا العدد الهائل من البربر العلماء الذين أسهموا في تطور اللغة العربية وتعضيدها كابن أجروم وابن معطي وغيرهما.
وفي كل الأحوال فإن التشابه اللغوي بين العرب والأمازيغ ليس فقط في اللغة كمفردات وتسميات وحسب، بل إنه في الخط أيضا، فالخط الأمازيغي "التيفيناغ" هو جزء من الخط العربي المسند القديم.
إذن، معظم العرب مشرقا ومغربا يرجعون إلى جد واحد وقد اعتنقوا دينا واحدا على مذهب واحد تقريبا، فالبربر مسلمون سُنة كالعرب وهذا ما يفسر عدم انتشار المسيحية انتشارا واسعا بين البربر رغم طول القرون، في حين أنهم اعتنقوا الإسلام العربي بشكل شامل في أقل من أربعين عاما.
ولعل الشيخ الزواوي أدرك تماما أبعاد التطابق الثقافي بين العرب والبربر، فبعدما أبرز التطابق في السلالة والنظام الاجتماعي وفي الدين واللغة، ينتقل إلى تطابق الأخلاق والطباع السيكولوجية الجماعية، فما يعتبر محمودا عند الزواوة نجده محمودا عند العرب، وما هو مذموم عند هؤلاء فهو عند أولئك كذلك.
يقول أبو يعلى "فالزواوة إذن عرب مستعربة وعرب عرباء بأصلهم المتقدم، ثم إن كثيرا من الأخلاق والعادات والطباع في البربر متماثلة متمازجة بطباع العرب، كاتخاذ البيوت من الشعر والوبر والطين والحجر، وحلق الرأس والشجاعة والكرم وركوب الخيل وكسب النعم، إلى غير ذلك مما لا يكاد يُستقرَأ، وكلها أحكام الاستعراب".
كما يعتبر المؤلف العقل البربري كالعقل الشرقي، فقد وجد البربر مكانتهم القيادية في الفكر الشرقي قديما وحديثا، بدليل نبوغ ألوف من البربر في المشرق العربي وفيهم من تولى القضاء والتدريس في مصر والشام.
وان هنا نفهم بوضوح لماذا حارب الاستعمار التاريخ واللغة العربية والدين بين الجزائريين الأمازيغ، خاصة الذين كتبوا تاريخهم بالعربية دون أية لغة أخرى عرفوها ومرت بهم عبر القرون.
"
الأمازيغ في سوريا كانوا جزءا أساسيا ومحركا قويا للنضال القومي العربي، سواء كان ذلك ضد الأتراك أو الفرنسيين أو الإنجليز أو الصهيونية
"
الزواوة من الريادة إلى القيادة

زوايا الزواوة كثيرة مشهورة ومعناها المدارس والمساجد وبعبارة أهل العصر الجامعات والكليات، من هذا المنطلق يركز أبو يعلى الزواوي على مدى محافظتها على الثقافة والتربية والأخلاق لدى العامة، كما أثبت دورها في الكفاح.
فهي حسب سهيل الخالدي منبع الحركة القومية العربية، لذا عمل الاستعمار الفرنسي على هدم الزوايا والمساجد في منطقة القبائل وشن حملة تنصير واسعة حيث اختطف الأطفال خاصة بعد المجاعات التي تسبب فيها، فقايض الدين بالرغيف.
واشتدت هذه الحملات في أعقاب الحرب العالمية الأولى حيث شعر بقوته وضعف العرب، فسعى لتمزيقهم دينيا بالدعوة إلى النصرانية وسلاليا بالدعوة إلى البربرية. وتحوّلت الزوايا إلى ما يعرف بالطرقية في الجزائر والدروشة في المشرق فصارت عونا للاستعمار.
وكما شن مؤسس جمعية العلماء الجزائريين الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس حملة ضد الطرقية وناضل من أجل العربية والعروبة في الجزائر، فعل الشيخ طاهر السمعوني الجزائري ابن بجاية الشيء نفسه في المشرق العربي، فعصرن التعليم ووقف ضد سياسة التتريك وأسس جمعية النهضة العربية عام 1904.
ولم يعد سرا أن الأمازيغ في سوريا كانوا جزءا أساسيا ومحركا قويا للنضال القومي العربي، سواء ضد الأتراك أو الفرنسيين أو الإنجليز أو الصهيونية، وشيخنا الزواوي يقر بنفسه بذلك لما عاصر من أحداث لا يسع المجال لذكرها.
وحتى تسترجع الزوايا مكانتها، ألح الشيخ على ضرورة الإصلاح الديني ورآه وظيفة منوطة بعلماء المسلمين الذين لم تلههم مناصب الجاه عن النظر فيما حل بقومهم من البؤس والشقاء والبحث عن أسبابه ووسائل النجاة منه.

ومن خلال حديثه عن الوضع السائد في منطقة القبائل أبدى رأيه في طرق إصلاحه وفق منهج تربوي جديد في إطاره الإسلامي، وبين طرق التعليم الابتدائي والكتب المدروسة ودور الإدارة والتفتيش للزاويا.
أشار سهيل الخالدي في مجمل تعليقه إلى نبوغ الزواوة في بلادهم وفي المشرق العربي داخل الحضارة العربية دون سواها، إذ قادوها دون أن يشعروا بأنهم خارج وطنهم عكس نبوغهم في أوروبا، فكتّاب الزواوة باللغة الفرنسية من أمثال كاتب ياسين ومولود معمري لم تعدهم فرنسا نوابغ فرنسيين، بل تداول الناس كتاباتهم المترجمة إلى العربية أكثر مما تداولها القراء بالفرنسية، ولاقوا من الاحترام والتبجيل ما لم يلاقوه في فرنسا، فهذه الأخيرة تستغلهم والمشرق يحترمهم، وشتان بين الاستغلال والاحترام.
البربر -شاؤوا أم أبوا- شركاء أصليون ومؤسسون في الحركة العربية، وهم مسؤولون بنفس الدرجة من المسؤولية عن ازدهارها السابق وتخلفها الحالي وتجددها المتوقع والمطلوب، وليس هذا موقعهم في الحضارة الأوروبية قديما وحديثا ومستقبلا.


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

ترجمة حياة الدكتور عثمان سعدي مؤلف كتاب الامازيغ عرب عاربة :






من مواليد 1930 بقرية ثازبنت ولاية تبسة.ناضل منذ شبابه المبكر في حزب الشعب الجزائري، وإنخرط في صفوف جبهة التحرير الوطني منذ تأسيسها وعمل في ممثليها بالمشرق العربي. متخرج من معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة عام 1951، حاصل على الإجازة في الآداب من جامعة القاهرة سنة 1956 والماجستير من جامعة بغداد سنة 1979 والدكتوراه من جامعة الجزائر سنة 1986. مناضل في جبهة التحرير الوطني منذ تأسيسها. أمين دائم لمكتب جيش التحرير الوطني بالقاهرة في أثناء الثورة المسلحة. رئيس البعثة الديبلوماسية بالكويت 1963 ـ 1964. قائم بالأعمال بالقاهرة 1968 ـ 1971. سفير في بغداد 1971 ـ 1974. سفير في دمشق 1974 ـ 1977. عضو مجمع اللغة العربية الليبي في طرابلس ـ ليبيا. عضو المجلس الشعبي الوطني من 1977 إلى 1982، عضو باللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني من 1979 إلى 1989، رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية منذ عام 1990.. أشرف على إصدار كتاب: [الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية: خمس عشرة سنة من النضال في خدمة اللغة العربية، طبع الجزائر سنة 2005 ]. وهو المدير المسؤول على مجلة [الكلمة] لسان حال الجمعية. رئيس لجنة الإشراف العلمي على إعداد المعجم العربي الحديث، الذي تبنى إصداره الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بالثمانينيات، ولم يكتب له الصدور. حاصل على جائزة أهم مؤسسة فكرية عربية وهي مؤسسة الفكر العربي سنة 2005، وعلى جائزة الريشة الذهبية لبلدية سيدي امحمد بالجزائر. ينتمي الدكتور عثمان سعدي إلى أكبر قبيلة أمازيغية وهي قبيلة النمامشة، وهو يملك العربية والأمازيغية. عندما أصدر كتابيه عروبة الجزائر عبر التاريخ (1983) والأمازيغ عرب عاربة (1996)، أورد بهما مختصرين لغويين يؤكدان عروبة اللغة الأمازيغية.

من مؤلفاته

1. ـ تحت الجسر المعلق (مجموعة قصصية 1973)، هي أحداث حقيقية بالثورة الجزائرية صيغت في قالب قصصي. طبعت ثلاث طبعات.
2. ـ دمعة على أم البنين (رواية)، مرثية زوجة المؤلف.
3. ـ قضية التعريب في: الجزائر بيروت 1967، القاهرة 1968 : دراسة نبهت، مباشرة بعد استقلال الجزائر، إلى خطورة الإبقاء على هيمنة اللغة الفرنسية على إدارة الدولة الجزائرية المستقلة. لم يجد المؤلف مطبعة لطبعه بالجزائر فطبع في بيروت والقاهرة.
4. ـ عروبة الجزائر عبر التاريخ: الجزائر 1983 و1985 : دراسة تاريخية تثبت عروبة الجزائر والمغرب العربي منذ التاريخ القديم.
5. ـ الثورة الجزائرية في الشعر العراقي: بغداد 1981، الجزائر 1985، 2001. عمل ميداني قام به المؤلف عندما كان سفيرا في بغداد، فجمع 107 شاعر وشاعرة من العراق، نظموا 255 قصيدة في الثورة الجزائرية، منهم شعراء كبار كالجواهري، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، ونازك الملائكة، وغيرهم.
6. ـ قضية التعريب في الجزائر: كفاح شعب ضد الهيمنة الفرنكفونية الجزائر 1993، دراسة تبين استمرار هيمنة اللغة الفرنسية على إدارة الدولة الجزائرية، وتهديدها للسيادة الوطنية ولاستنقلال البلاد.
7. ـ الأمازيغ عرب عاربة: الجزائر 1996، طرابلس ليبيا 1998، كتاب يؤكد عروبة الأمازيغ البربر، ويبين أن التشكيك في ذلك هو مناورة للاستعمار الفرنسي الجديد بهدف شق الوحدة الوطنية، واستمرار سيطرة الفرنكفونية على الجزائر وبلدان المغرب العربي الثلاث: تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا من خلال هيمنه اللغة الفرنسية على دولها.
8. ـ الثورة الجزائرية في الشعر السوري : الجزائر 2005 : عمل ميداني قام به المؤلف عندما كان سفيرا بدمشق في السبعينيات من القرن الماضي، جمع خلاله 199 قصيدة قالها 64 شاعرا وشاعرة في الثورة الجزائرية، ويضم شعراء كبار ا من أمثال سليمان العيسى، ونزار قباني وغيرهم.
9. ـ وشم على الصدر (رواية) الجزائر 2006
10. ـ معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية. طبع الجزائر في 2007. نشره مجمع اللغة العربية في طرابلس ليبيا. يبين أن الأمازيغية ـ البربرية هي لهجة منحدرة من العربية الأم منذ آلاف السنين كالآشورية والبابلية والكنعانية والآرامية، وغيرها... يؤكد أن تسعين في المائة من كلماتها عربية: عاربة أو مستعربة. بجمع تسعة آلاف كلمة.
11. ـ في ظلال قيرطا قسنطينة، رواية، تحت الطبع.
12. ـ معد للطبع: الجزائر في التاريخ.
13. ـ العديد من المحاضرات، والأوراق التي ساهم فيها في ندوات عربية وعالمية.


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

ترجمة لحياة الشيخ المصلح العلامة ابويعلى الجزائري الزواوي القبائلي مؤلف كتاب تاريخ الزواوة







أبو يعلى الزواوي هوالسعيد بن محمد الشريف بن العربي ولد حوالي عام 1279 الموافق لـ 1862م في (إغيل نزكري) من ناحية عزازقة، وهذه القرية غير قريته الأصلية، وإنما انتقل إليها أبوه بعد أن عين إماما لمسجدها، وبها تزوٌج، فوالدته منهم وكانوا من الشرفاء ومن أهل الخير والكرم. وأمٌا قرية أبيه وجدٌه فتسمى (تفريت ناث الحاج) وتقع على سفج جبل (تامقوت) الشامخ في دائرة (عزازقة) بتيزي وزو، ومعناها بالعربية كما شرحها هو في كتابه جماعة المسلمين (ص 34) : (عرين ذوي الحاج) والعرين في اللغة العربية مأوى الأسد. وقبيلة أبو يعلي الزواوي هي آيت سيدي محمد الحاج.


طلبه للعلم

درس أولا في قريته فحفظ القرآن الكريم وأتقنه رسما وتجويدا وهو ابن اثنتي عشرة سنة، والتحق بزاوية الأيلولي ومنها تخرج، وأبرز شيوخه الذين استفاد منهم والده محمد الشريف والحاج أحمد أجذيذ والشيخ محمد السعيد بن زكري –مفتي الجزائر - والشيخ محمد بن بلقاسم البوجليلي. قد أكثر الشيخ من التنقل والترحال قبل أن يستقر في الجزائر العاصمة سنة 1920، وقد أومأ في بعض المواضع إلى أن دافع ذلك الفرار بالدين والعرض ولم يحدد الأسباب المفصلة لذلك، وهذا تلخيص لهذه التنقلات. يقول أبو يعلى :« أول خروجي من الزواوة كان في شرخ الشباب، وتوظفت في بعض المحاكم الشرعية». ولعل ذلك في بلدة "صدراته" فإنه ذكر في مقال له أن أهل هذه البلدة يعرفونه. ثم ارتحل إلى تونس وقد كان بها سنة 1893م، وكانت له رحلات إلى مصر والشام وفرنسا وذلك قبل سنة (1901). وفي سنة (1912م) كان في دمشق يعمل في القنصلية الفرنسية، وقد عمل بها إلى غاية سنة 1915م، وفي مدة إقامته هناك نَمَّى معارفه بالأخذ عن علماء الشام وبالعلاقات التي أقام مع الكتاب والأدباء وعلى رأسهم أمير البيان شكيب أرسلان. ومع بداية الحرب العالمية الأولى اضطُر للخروج من دمشق لاجئا إلى مصر، لأنه كان معروفا بمعاداته للحكومة التركية، ومناصرته لأصحاب القضية العربية كما سميت في ذلك العصر، وفي مصر استزاد من العلم بلقاء أهل العلم وأعلام النهضة فيها، وممن جالس وصحب هناك محمد الخضر حسين الجزائري والطاهر الجزائري ومحمد رشيد رضا. ورجع إلى الجزائر سنة (1920م) بعد انتهاء الحرب، فقضي مدة في زواوة، ثم سكن الجزائر العاصمة وتولى إمامة جامع سيدي رمضان بالقصبة بصفة رسمية، ومع كونه من الأئمة الذين رضوا بالوظيفة عند الإدارة الفرنسية فقد تبنى الفكر السلفي الإصلاحي بقوة وحماس كبيرين، وعاش محاربا لمظاهر الشرك والبدع والخرافات وغيرها من أنواع المنكرات. وكانت له بعد ذلك تنقلات في طلب العلم والدعوة إلى الله منها ما كان إلى بجاية أو البليدة.

شيوخه وأقرانه

ذكر معظمهم هو بنفسه في مؤلٌفاته المطبوعة، ونذكر منهم جملة على سبيل المثال خاصٌة الذين تأثٌر بهم:

* 1 - والده الشيخ محمد الشريف الذي كان إماما ومؤذٌنا وموثٌقا وصاحب زاوية.
* 2 - الشيخ محمد بن سعيد بن زكري خطيب مسجد (سيدي رمضان) بالجزائر العاصمة سنة 1896 ومفتي جامع الأعظم، ويعدٌ من أبرز مدرٌسي العاصمة، وكان من الفقهاء المتمكنين من علمهم، وقد تأثٌر به أبويعلى أيٌما تأثٌر وكان متبعا لسيرته في العلم.
* 3 - الشيخ محمد بن بلقاسم البوجليلي المولود سنة 1836 ببجاية، وقد نوٌه به وبعلمه الشيخ العلامة البشير الإبراهيمي، ووصفه ابن زكري شيخ أبي يعلى وصديقه: (أنٌه كان من المصلحين ودعاة القضاء على البدع التي كانت تساعد على نشر الشعوذة والخرافة)، وقال عنه تلميذه أبو يعلى: (أنٌ الشيخ ابن زكري كشيخه البوجليلي ذكاء وشهرة).
* 4 - العلاٌمة المحدٌث الشيخ طاهر الجزائري الٌذي وجٌه الشيخ الزواوي للكتابة في موضوع لغة البربر والتعريف بقواعدها باعتبار كونهما من منطقة واحدة وهي بلاد الزواوة وقد مكث معه خمس سنوات كاملة في أرض مصر.
* 5 - العلاٌمة الشيخ رشيد رضا وكان الزواوي يلقٌبه بالصديق وحجة الإسلام كما في كتبه جماعة المسلمين.
* 6 - الشيخ محمد الخضر وقد لقٌبه أبو يعلى ب(صديقنا العلاٌمة الكاتب).
* 7 - محمد أفندي كرد علي صاحب مجلٌة المقتبس ووزير المعارف في الشام، قال عنه: (صاحبنا).
* 8 - الشيخ مبارك الميلي لقبٌه أبو يعلى ب (الأستاذ الإصلاحي الجسور).
* 9 - الشيخ الطيٌب العقبي وكانت بينهما علاقة طيٌبة ويشتركان في شدٌة مواقفهما ضدٌ مشايخ الطرق، قال عنه أبو يعلى لمٌا وجٌه له استفتاء لينشره في جريدة (الإصلاح) التي يديرها الشيخ العقبي: (صديقنا الأستاذ الخطيب الكاتب الناثر الشاعر المسامر والمحاضر بنادي الترقٌي بمدينة الجزائر).

أعماله ونشاطه الدعوي

تقلٌد أبو يعلى الزواوي مناصب مختلفة في حياته بحكم ثقافته المزدوجة إن صحٌ التعبير، فقد عيٌن كاتبا في القنصلية الفرنسية بدمشق وعمل بها إلى حوالي 1915م، أرسلته فرنسا إلى سورية طمعا منها في أن يقوم بإقناع الجزائريين المقيمين هناك بالتجنٌس بالجنسية السورية لتفادي رجوعهم إلى أرض الوطن من حمل الأفكار التحررية التي كانت قد ظهرت بالشام، ومقابل ذلك وعدته فرنسا بمنصب الإفتاء إذا رجع إلى الجزائر.

* النشاط الصحفي: من خلال إقامته بسوريا اتٌصل بالعديد من الشخصيات والكتٌاب والأدباء والسياسيين والصحفيين وأقام علاقات معهم، وساهم بمقالاته في بعض الصحف والمجلاٌت فكتب في جريدة المقتبس التي كانت تصدر بدمشق، وفي جريدة البرهان التي كانت يصدرها الشيخ عبد القادر المغربي بطرابلس الشام وثمرات العقول البيروتية، وطبع أحد كتبه في مطبعة محب الدين الخطيب الذي كانت له علاقات طيٌبة وصلات حميدة بينه وبين إخوانه من الجزائريين كالعقبي وابن باديس والإبراهيمي. انتقل إلى القاهرة بمصر بسبب وقوع الحرب العالمية الأولى، وهناك التقى بالشيخ طاهر الجزائري، وكثٌف نشاطه بمصر، والتقى بالعديد من إخوانه الطلبة الجزائريين، وواصل مشاركته في تحرير المقالات معرٌفا بالجزائر وتاريخها ووصف أحوالها المزرية، وكانت له فعلا مساهمات تمثٌلت في نشر مقالات في جريدة المؤيد المصرية وفي المجلة السلفية بمصر أيضا.

وممٌا يلفت الانتباه أنٌ الشيخ أبا يعلى انتقد المشارقة وهوفيهم لقلٌة اهتمامهم بأحوال المغرب العربي. عند عودته إلى الجزائر سنة 1924 بقي بنفس الهمٌة العالية الروح الأبيٌة، يكتب وينتقد، ويكافح بقلمه السيٌال وفكره الجوٌال، فنشر في جريدة النجاح مدة ونشر في جريدة النجاح مدة ثم في مجلة الشهاب لابن باديس وفي جريدة الإصلاح للطيب العقبي التي قلَّما خلا عدد من أعدادها من شيء من كتاباته، وكتب في صحيفة(صدى الصحراء) التي كانت تصدر ببسكرة (جنوب الجزائر) على غرار زملائه كالطيٌب العقبي والشاعر محمد العيد ومحمٌد الأمين العمودي، وقد دامت حوالي سنة ثمٌ تفرٌق شمل أصحابها لأسباب مختلفة رغم أهميتها، كما شارك أبو يعلى في جريدة (الثمرة الأولى) التي يصدرها طلبة الجزائر في تونس. ونشر في كل جرائد الجمعية بعد تأسيسها بل وكتب أول الأمر حتى في جريدة البلاغ الطرقية مما أثار عليه نقمة بعض إخوانه. ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الموضع أن المقالات التي أمضاها الفتى الزواوي ليست للشيخ أبي يعلى كما قد يتوهم بعض، وإنما الفتى هو «باعزيز بن عمر» وهو أحد تلاميذ الشيخ ابن باديس، وقد توفي سنة 1977م عن عمر يناهز 71 سنة.

* نشاطه في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:

من الأعمال العظيمة والأعمال الشريفة التي لم يفوٌتها أبي يعلى على نفسه رئاسته لجمعية العلماء الجزائريين، حيث عيٌن رئيسا للجمعية العمومية المكلٌفة بوضع القانون الأساسي للجمعية، وقد حضرها اثنان وسبعون من علماء القطر الجزائري وطلبة العلم، اجتمعوا بنادي الترقٌي بعاصمة الجزائر لتعيين الأعضاء الأساسيٌين المكوٌنين لجمعية العلماء الجزائريٌين، وهذه الرئاسة وإن كانت مؤقتة انتهت بانتهاء أشغال التأسيس وانتخاب المجلس الإداري ورئيسه العلامة ابن باديس إلاٌ أنٌها تعدٌ حدثا له قيمته ووزنه في حياة الشيخ أبي يعلى الزواوي. وبعد مضي مدة عن تأسيس الجمعية ترأس لجنة العمل الدائمة بعد انسحاب رئيسها عمر إسماعيل، وهي لجنة كُوِّنت من الأعضاء المقيمين في العاصمة لإدارة شؤون الجمعية لما كان أغلب أعضاء المجلس الإداري المنتخب مقيمين خارج العاصمة بحكم السكن والنشاط. وترأس أيضا مدة لجنة الفتوى وقد نشرت له في البصائر لسان حال الجمعية عدة فتاوى ومقالات.

إضافة إلى هذه الأعمال كلٌها فإنٌه كان مجيدا للخط العربي وله فيه رسالة، وكان ينسخ المصاحف ويخطٌها، وقد ورث ذلك عن أبيه، وقد جمع بين الروح الجزائرية والتعريقة الشرقية رغم قوله أنٌه تأثٌر بالخطٌ الفاسي الموروث عن الأندلس. ولتفننه وإتقانه للخط أعجب به كثيرون ومدحه بشير الرابحي بقصيدة على خطٌه في المصحف الشريف.

* التدريس والخطابة:
من الوظائف التي أسندت إليه إن كان لها تعيينه إماما بمسجد (سيدي رمضان) بالجزائر العاصمة حيث تولى الخطابة فيه من (سنة 1920 إلى سنة 1952 وهو تاريخ وفاته) وكان يعتبر ذلك من منن الله عليه. أمر طبيعي أن يكون هذا من نشاطه بحكم وظيفته، ولكنه كان حر التفكير والتعبير والتحرير والتحبير، ووقف صامدا أمام العوائق والمغريات يثبت الحق ويبطل الباطل، لم يقيد الوظيف الذي تقلده لسانه ولم يحدد من نشاطه، فكان صريحا في الحق جريئا مقداما، يدافع عن الدين والفضيلة والعقيدة الصحيحة واللغة العربية والوطن، وقد هددته السلطات مرارا بالفصل من إمامة جامع سيدي رمضان، ولكنها لم تجرؤ على ذلك، ولا وجدت سبيلا إلى كم لسانه وتجميد نشاطه وإيقاف زحفه.

ذكر أنه كان يُقطع عنه الراتب كما أنه حُرم مما نسميه ترقية فكان المدرسون والمفتون في زمانه وقبله يتقاضون عشرة أضعاف ما يتقضاه لا لشيء إلا لأنه كان من رجال الإصلاح مؤيدا لجمعية العلماء. وقد كان خطيبا مفوٌها، يرتجل الخطب، ويبلغ بها مقصده من إفهام السامع والأخذ بمجامع القلوب، أحمد توفيق المدني قال عنه: (وأشهد أنٌه قد كان لتلك الخطب الأثر الفعٌال في النفوس) وقبل ذلك قال عنه: (أخرج الخطب المنبرية من صيغها التقليدية العتيقة إلى صيغة قومية مفيدة، فهو يخطب للعامٌة ارتجالا في مواضيع إسلامية محلية مفيدة، ويعتبر خطابه درسا بحيث لا ينتهي منه إلاٌ وقد اعتقد أنٌ كلٌ من بمسجد (سيدي رمضان) من رجال ونسوة قد فهموا جيٌد الفهم خطابه).و قد جدٌد طريقة السلف في ا لخطابة، فالتزم أن تكون الخطبة من إنشائه هو لا من إنشاء الآخرين، ودون ورقة أي (ارتجالا)، ثمٌ بدا له بعد ذلك أن يدوٌن خطبه لكيلا يقال نقلها عن الغير وحفظها وسرقها. وقد خصٌص الدكتور سعد الله في كتابه القيٌم (تاريخ الجزائر) مقالا للحديث عن خطب أبي يعلى الزواوي في المجلد الثامن من (122-125).

مؤلفاته وآثاره العلمية

ترك أبو يعلى آثارا علميٌة نافعة ضمنها خلاصة ما يؤمن به من أفكار، وما كان يطمح إليه من مشاريع جادة تخدم بالدرجة الأولى دينه ولغته العربية، ورغم أنٌ جلٌ هذه المؤلفات جاءت في شكل كتيبات أو رسائل مختصرة إلاٌ أنٌها حوت في مضامينها ذلك البعد العميق في تفهم قضايا أمٌته عامٌة، والتشبٌث الوثيق بمكوٌنات شخصية الأمٌة الجزائرية خاصٌة، ساعده في ذلك روعة أسلوبه وانتظام أفكاره وكثرة استدلاله بالنصوص الشرعية في كتاباته الدينية، واستعماله – وهذا لفرط ذكائه ونباهته - لألفاظ ومصطلحات يمرٌر من طريقها أفكاره ويبز فيها طموحه ويختصر بها أقواله ويعالج من خلالها الأدواء وألأمراض التي شخٌصها بنفسه، وخير مثال لذلك تسميته لكتابين ألٌفهما وأبدع فيهما أطلق على أحدهما (الإسلام الصحيح) تميٌيزا له عن الإسلام الذي سماه العلاٌمة الإبراهيمي بالإسلام الوراثي، وأطلق على الآخر (جماعة المسلمين) تحريضا منه على لمٌ شعث الأمٌة واستقلالها بنفسها دون تدخٌل أو وصاية من المستعمر وهذه
نبذة مختصرة عن بعض مؤلٌفاته:

* المؤلفات المطبوعة :

* 1 - (كتاب الإسلام الصحيح) وطبعه في طبعة المنار بمصر سنة 1345ه بعد رجوعه إلى الجزائر، وجعله في شكل سؤال وجواب، وقال عنه إنٌ بعضهم قد سأله أن يضع مثل هذا الكتيٌب في الإسلام الصحيح على قواعده الأصلية المتٌفق عليها لا المختلف فيها).

و قد طبع هذا الكتاب عل نفقة أحد أعيان الجزائر وتجٌارها الكبار، وقد رقٌم اسمه على وجه الكتاب ولقٌب بالسلفي وهو السيٌد الحاج محمٌد المانصالي. - وممٌا يلفت الانتباه وهو مرقوم على غلاف الكتاب عبارة نفيسة لأبي حيٌان أظنٌها من وضع أبي يعلى نفسه بل أكاد أجزم، وذلك لكثرة استشهاده بأقواله في ثنايا كتابه وهي (الجهاد بالحجٌة أعظم أمرا من الجهاد بالسيف). و يحتوي الكتيٌب على 123 صفحة، وحمل اسمه الحقيقي السعيد بن محمد الشريف الزواوي الجزائريٌ، وهو الذي سنعتمده أكثر في بيان عقيدته ومنهجه في بعض الفوائد الفرائد ولإفادات القلائد التي امتاز بها أبو يعلى على غيره من أقرانه ومصلحي زمانه.

* 2 - ((جماعة المسلمين)) وهو عبارة عن رسالة مطوٌلة ففي شأن جماعة المسلمين ومعناها في الفقه المالكي في أصلها من الأحاديث الصحيحة(30).

و لقيمة هذا الكتاب وحاجة الناس إليه في تلك الحقبة أذن المؤلٌف في ترجمة الكتاب كما رقمه على غلاف الكتاب بنفسه، وقد أعجب به أيٌما إعجاب حتى قال عنه (أنٌه لم أسبق إليه وأنا أبو عذره، وأنا لم أقف على أنٌ أحدا من الإخوان الكرام الكاتبين في العالم العربي الإسلامي كافٌة في وطننا الجزائر خاصٌة طرقه أو كتب فيه). - وقد قرٌض كتابه هذا الشيخ الطيٌب العقبي . وذكر في تقريظه اثني عشر بيتا، نقلها أبو يعلى إلى كتابه جماعة المسلمين (ص47) ذكر في مقدمته أنه مختصر من كتاب آخر مطول، وطبع بمطبعة الإرادة بتونس في رمضان 1368الموافق لجويلية 1948م. وهو في 75 صفحة.

* 3 - (الخطب) جمع فيه بعض خطبه وكان ذلك سنة 1343ه الموافق لسنة1924 م(طبع الجزائر باستيد – جوردان – كار بونيل 1343 ه) يحتوي على 78ص، قال عنه الدكتور سعد الله (8/122): ((و هو أول كتاب يطبع في موضوعه على ما نعرف. وقد بدأه بديباجة مسجٌعة وطويلة هكذا الحمد لله أنطق الخطباء بالكلام الفصيح –و سهل لهم الارتجال بالكلام الصريح)).
* 4 - «خصائص أهل زواوة » وهي رسالة وجهها من الشام إلى الطاهر الجزائري الذي كان بمصر يطلب منه أن يؤلف كتابا في « خصائص أهل زواوة »، وقد قام بطبعها أبو القاسم سعد الله ضمن كتابه أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر.
* 5 - « تاريخ الزواوة » وهو غير سابقه فقد فرغ من تأليفه سنة 1918م وهو في القاهرة ونشره في دمشق سنة 1924م، وقدم له الشيخ الطاهر الجزائري والسعيد اليجري (وقد أعيد طبعه مؤخرا في الجزائر). وقد توصل فيه إلى أن الزواوة من قبيلة كتامة وأن كتامة وصنهاجة كلاهما من العرب العاربة أو العرب القحطانية، وقال أبو القاسم سعد الله في وصفه:« أما الكتاب نفسه فقد قسمه أبو يعلى الزواوي إلى سبعة فصول رغم صغر حجمه فجعل الفصل الأول في فضائل التاريخ والثاني والثالث في نسب الزواوة ومحامدهم..والرابع في زواياهم وعلمائهم وخدمتهم للغة العربية والخامس في بعض عاداتهم والسادس في الإصلاح المطلوب والسابع في لائحة نظام تعليم مقترح وبيان طريقة التعليم».
* 6 - « فصول في الإصلاح » ذكره في كتابه الخطب وتاريخ الزواوة.
* 7 -مقالات منشورة في البصائر والشهاب والبلاغ وغيرها من الجرائد، وقد ذكر محمد الصالح صديق سنة 1994م أنه تم تكليف لجنة بجمع آثار أبي يعلى الزواوي، لكن لم يظهر شيء منها ونحن في آخر سنة 2002م.

* المؤلفات المخطوطة :

* 1 - أصل كتابه جماعة المسلمين المذكور أعلاه.
* 2 - « تعدد الزوجات في الإسلام ».
* 3 - « مرآة المرأة المسلمة » ذكره في الإسلام الصحيح، وفي الخطب أنه يقع في 200صفحة.ضمٌنه آراءه في المرأة، مبطلا عادات بني قومه في عدم توريثها ومنع نظر الخاطب إليها، ومناديا بضرورة تربيتها وتعليمها
* 4 - ذبائح أهل الكتاب (قال عنه إنه تحت الطبع) كما أنه ترجمه إلى الفرنسية أيضا.
* 5 - « الفرق بين المشارقة والمغاربة في اللغة العربية وغيرها من الفروق ».
* 6 - « الخلافة قرشية ».
* 7 - « الكلام في علم الكلام ».
* 8 - « الغنى والفقير ».
* 9 - مراسلات أبي يعلى خصوصا مع « شكيب أرسلان ».
* 10 - أسلوب الحكيم في التعليم.
* 11 - الأمم الغربية (أو العربية).
* 12 -رسالة في علم الخط ألفها عام 1947م.
* 13 -النصوص التي ردها كفر صراح بإجماع المسلمين ذكره في مقال له في البصائر.
* 14 -أصل البربر بزواوة ذكر أنه بين فيه أن أصل البربر من حمْيَر وأنهم عرب قحطانيون ويحتمل أن يكون هو نفسه تاريخ الزواوة كذا قال أبو القاسم سعد الله .

هذا وقد ألٌف أبو يعلى الزواوي كتبا صغيرة الحجم قضايا مهمٌة لها صلتها الوثيقة بالأمٌة والمجتمع في تلك الحقبة، مصحٌحا للمفاهيم ومدافعا عن معالم الشخصية الإسلامية، ومساندا للإصلاح وداعيا إلى تطهير المعتقدات والسلوكات من الشوائب والبدع والخرافات

عناصر فكره الإصلاحي رحمة الله عليه

* الدعوة إلى الطريقة السلفية وذم علم الكلام:

قال الشيخ أبو يعلى في كتابه الإسلام الصحيح :« اعلم أيها السائل أن خير طريقة في العقيدة التوحيدية طريقة السلف التي هي اتباع ما ثبت عن الله وعن رسوله من غير كثرة التأويل والدخول في الأخذ والرد من الجدل في المتشابه وإيراد الشبه والرد عليها، وأذكر الآن بهذه المناسبة جملة من أقوال الأئمة العظام من السلف الصالح لتعتبر أيها السائل وتعلم أن الخوض غالبا خصوصا في قضايا الانتصار لمذهب دون مذهب وتجد أن مذهب الحق في ذلك هو مذهب القرآن العظيم } قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون { وهو مذهب السلف فإن القرآن الكريم أبى الخوض في ذلك لعجز المخلوق عن معرفة حقيقة الخالق وإنما تصدى لتوجيه الأنظار للاعتبار كما تقدم »[ص4-5]. ثم نقل الآثار المعروفة عن مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف في ذم علم الكلام وأهله وقال :« وقد اتفق أهل الحديث من السلف على هذا ». وصرح بعد ذلك في أثناء الكتاب بعدم الانتماء لأي مذهب كلامي محدث من المذاهب الموجودة فقال:« أما أنا ومن على شاكلتي من إخواني الكثيرين فلا شريعة لنا ولا دين لا ديوان إلا الكتاب والسنة وما عليه محمد وأصحابه وعقيدة السلف الصالح فلا اعتزال ولا ماتريدي ولا أشعري، وذلك أن الأشاعرة تفرقوا واختلفوا أي المتقدمون منهم والمتأخرون ووقعوا في ارتباك من التأويل والحيرة في مسائل يطول شرحها»

* نشر التوحيد ومحاربة الشرك في الألوهية :

قد كتب أبو يعلى في هذا الباب فأكثر، إذ زيادة عما ذكره في الإسلام الصحيح فقد نشر فيه عدة مقالات، ونحن ننقل ما قاله في أحد مقالاته : « أما عقيدتنا في الأولياء التي اتخذوها ذريعة للطعن فينا بأننا ننكرهم وننكر الكرامة ليهيجوا علينا العامة التي صُدَّت عن الله إلى الأولياء الأموات تطلب منهم ما لا يطلب إلا من الله وتتمسح بقبورهم وتوابيتهم...أما كون الميت صالحا أو مات وليا أو غير ولي، أو على حسن الخاتمة أو على غير ذلك عياذا بالله فإننا غيرُ مكلفين بذلك ولا نحكم لأحد بالجنة ولا بالنار إلا مَن وَرَدَ فيهم النص، فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، أما التوسل بهم والطلب منهم فمما لم يثبت عن السلف الصالح شيء منه بل لم يشرع أصلا وقد فتشنا وقلبنا وبحثنا في السير وكتب الحديث الصحيح مثل الموطأ والبخاري ومسلم فلم يثبت في خير القرون أنهم قصدوا قبر النبي r طالبين منه شيئا ودليلنا أيضا على ذلك ما ثبت في صحيح البخاري أن عمر لما استسقى بالناس قال لهم: إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، وهذا دعاء أقره الصحابة والسلف».

* التزام السنن ومجانبة البدع العملية

ولم يهمل الشيخ الدعوة إلى الالتزام بالسنة ونبذ البدع العملية خاصة بدع التصوف الذي غرقت الأمة في أوحاله فصرح ببدعية تصوف المتأخرين، وقال في البصائر :« وبالجملة إن التصوف محدث في الأمة اسما ومعنى». وكما أنكر عليهم بدع العقائد فقد أنكر عليهم بدع الأعمال كالقراءة على الجنائز. وقال في الإسلام الصحيح :« ولست بمخطئ إن قلت بالمنع والحرمة بسبب ما أحدثوا فيه وهو من أصله محدث إذ لم يكن السلف الصالح يعرفون هذا صوفي وذاك غير صوفي، أو ذا له طريقة وهذا لا طريقة له »، وإن كان الشيخ قد نشأ نشأة صوفية إلا أنه تاب ورجع إلى الحق لما تبين له، كما صرح بذلك في أحد مقالاته: « نعم كنت قبل أربعين سنة خلوتيا [أي حوالي سنة 1907] فلما رأيت البدع والمخالفة والرقص والطبل واختلاط النساء بالرجال طلقتها ثلاثا بتاتا ». وقال :« وإني أعلنت أني سلفي وأعلنت أني تبرأت مما يخالف الكتاب والسنة ورجعت عن كل قولة قلتها لم يقلها السلف الصالح ».

* الدعوة إلى الاجتهاد ونبذ الجمود والتقليد

قال في الإسلام الصحيح :« والحال أن كل واحد من هؤلاء الأئمة قال إن وافق مذهبي الكتاب والسنة فبه ونعمت وإلا فاضربوا به عرض الحائط، لأنهم غير معصومين ولا ألزموا الناس بما استنبطوا وما دونوا وإنما العامة والخاصة ارتضتهم ». وقال ردا على المتعصبين الذين ينتصر كل واحد منهم لمذهب إمامه ويقول إنه هو الصواب دون غيره :« كلها فاضلة وكلها صحيحة إذ لا يمكن بحال أن يقال هذا المذهب صحيح وهذا غير صحيح، لأنهم أئمة مجتهدون غير معصومين لا محالة، فهم سواء في الاجتهاد وسواء أيضا في عدم العصمة، وكان الإمام مالك يقول كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا صاحبَ هذا القبر يعني النبي ».
[عدل] صفاته وأخلاقه

* رقة الطبع وسلامة القلب

قال الشيخ أحمد حماني :« الشيخ أبو يعلى الزواوي إمام مسجد سيدي رمضان بالقصبة من عاصمة الجزائر علامة من كبار العلماء الأحرار، محقق، شجاع، سلفي العقيدة، طيب السريرة حميد السيرة، بليغ القلم سليم النية، غر كريم »، وقال فيه أيضا :« والملاحظة أن أبا يعلى عين رئيسا للجنة الدائمة بعد تأسيس الجمعية وابتعاد عمر إسماعيل عنها، وبقي وفيا لمبدئه شجاعا في مواقفه، عظيم النشاط في أعماله وكتاباته، وقد لقب في العلماء بشيخ الشباب وشاب الشيوخ، وكان يمتاز بشفقة وحنان على أمته، وكثيرا ما تسيل دمعته رحمة على البائسين ».

* التواضع للحق

وَرَدَ إليه سؤال عن حكم التوسعة على العيال في عاشوراء فأفتى بالجواز فرد عليه الشيخ عمر بن البسكري بجواب ننقل منه هذه الفقرات :« سيدي أحيط جنابكم أن الحديث المذكور يقول فيه حجة الإسلام ابن تيمية ما نصه حرفيا في كتابه منهاج السنة ج 4 ص 114 :« وقد يروي كثير ممن ينتسب إلى السنة أحاديث يظنونها من السنة وهي كذب كالأحاديث المروية في فضل عاشوراء -غير الصوم – وفضل الاكتحال فيه والاغتسال والحديث والخضاب والمصافحة وتوسعة النفقة على العيال فيه ونحو ذلك، وليس في أحاديث عاشوراء حديث صحيح غير الصوم هكذا يقول حرفيا وتبعه تلميذه ابن القيم وابن رجب وغيرهم … هذا ومما زاد في تشجيعي على إسداء هذه الكلمة النصيحة لجنابكم قولكم حرفيا في العدد السابع عشر من البصائر :« وعلى كل حال فإنني لست ممن يقول لا أقبل النصيحة إلى أن قلتم بل إني أقبل النصيحة من أهلها بشرطها ». فكتب الشيخ جوابا رحب فيه بهذا الرد المؤدب والنصيحة الخالصة ختمه بقوله : «وإنه مما يجب التحري في الاستدلال بالحديث إلا إذا كان صحيحا وهو صوابلكنه صعب !! اللهم اغفر لنا ما قدمنا وأخرنا وألهمنا وألهم الأمة للصواب أن تتحفظ وتحذر من الوقوع في الكذب على نبيها والله المستعان وعليه التكلان ».

* الثقافة الواسعة

إن مما تميز به أبو يعلى الزواوي كثرة المطالعة وهي إحدى العوامل التي جعلته يكون أكثر تأليفا من غيره من أهل زمانه إضافة إلى التفرغ باعتباره كان إماما رسميا لمسجد مدة تفوق الثلاثين سنة، وهذه المطالعة قد ظهرت في كتاباته ومواضيع تأليفه فهو قد ألف في مواضيع مختلفة وفي قضايا شغلت الفكر الإسلامي في عصره: قضايا المرأة، قضايا الإصلاح، السبيل إلى تحكيم الشريعة، إصلاح نظم التعليم وغيرها من الموضوعات. وقد ظهر ذلك أيضا في المصادر المتنوعة التي اعتمد عليها في كتابه الإسلام الصحيح فقد فاقت الأربعين مرجعا ومصدرا، والذي يَلفت الانتباه هو مطالعته لكتب المخالفين فهو ينقل فضائح الطرقية من مصادر صوفية وينقل شهادة الكفار بالحق من كتبهم، وكان مطلعا حتى على كتب المستشرقين –وكان يحسن الفرنسية – كما نراه في رد الشيخ على النائب ابن جلول لما قال ردا على المصلحين :« رجوع الإسلام إلى أصله خطر على فرنسا » حيث سرد فيه جملة من كتبهم التي يظهر إطلاعه عليها.
[عدل] بعض ما قيل عنه

قال الشيخ الطيب العقبي في تقريظه لكتاب جماعة المسلمين. أبو يعلـى إمـام الحق فينا- وشيـخ شباب المصلحينا دعا بدعاية الإسـلام قبـلا- لديـن اللـه رب العـالمينا فأبدع في اختصار القول ردا- على فئـة الضلال المفسدينا وقد غضبوا لقول الشيخ فيه- وضلـوا في الضلالة تائهينا فلم يعبأ بما فعلـوا ولكـن- تمادى يخـدم الحـق المبينا ». وقال في مقال نشر في الشهاب ردا على من انتقص الشيخ:» ألا ما أشفقتما عليه أو رحمتما شيخوخته وسلفيته الصادقة، وتركتماه لنا عضدا قويا وشيخا سلفيا …وهو من قد عرفتماه فضلا ومعرفة وسبقا إلى مذهب السلفية، كما عرفتما مقدار مقدرته في الكتاب وبحثه وتنقيبه« قال الشيخ مبارك الميلي :« …الشيخ الجليل العالم السلفي الأستاذ أبي يعلى الزواوي الذي لقبه الأخ الشيخ الطيب العقبي شيخ الشباب وشاب الشيوخ وكل من عرف هذا الشيخ وأنصفه اعترف له بهذا اللقب وسلم له هذا الوصف». قال أحمد توفيق المدني:« وإذا ذكرت الرجال بالأعمال فإني أذكر العلامة الكبير الشيخ سيدي أبا يعلى السعيد الزواوي، أذكره بتأليفه القيم الإسلام الصحيح الذي نسف به الخرافات والأوهام في الأفكار العامة ».

وفاته رحمة الله عليه :

توفي في 8 رمضان 1371 الموافق لـ (4 جوان 1952م) عن عمر يناهز التسعين، وشيع جنازته خلق كثير وعدد كبير من رجال العلم والفضل، وصلى عليه الشيخ الطيب العقبي، وكتبت البصائر عنه: (والبصائر تساهم في المصاب بفقد العلامة الزواوي، شيخ المصلحين في هذه الديار الذي طالما رفع صوته على صفحاتها بالنكير على المبتدعين والمبطلين،


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية تحت رئاسة الدكتور الجزائري الامازيغي عثمان سعدي


الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية هي جمعية ثقافية تم تأسيسها في الجزائر سنة 1990 بعد عقد عدة إجتماعات تأسيسية في نهاية 1988 و بداية 1989 توجت بإنعقاد الجمعية التأسيسية التي كان عدد أعضائها مائة و خمسة أعضاء، إنتخبت مجلس الجمعية و مكتبها و رئيسها الدكتور عثمان سعدي.

الغاية القصوى من اهداف الجمعية هي ترقية اللغة العربية في المجتمع الجزائري وجعلها أداة علمية فعالة قادرة على تجسيد متطلبات الحياة العصرية في مجال العلم والعمل والتعامل بجميع مظاهره، وتلك مهمة منصوص عليها في جميع المواثيق والدساتير الجزائرية باعتبارها اللغة الرسمية للجزائر.

من المهم بمكان تتبع موقف الحركة الوطنية الجزائرية من قضية اللغة العربية. و القصد من موقف الحركة الوطنية هنا جهود الجزائريين طيلة الإحتلال في المطالبة بإحترام و تعلم اللغة العربية و الدفاع عنها و الإفتخار بها.سيتم في هذه الفقرة التركيز على تلك الجهود منذ ظهور المنظمات و الأحزاب التي أصبحت تمثل الجزائريين و تتكلم باسمهم في الوقت الذي انتشر فيه التعليم بالفرنسية بين الجزائريين أنفسهم.

سيتم تناول الموضوع على مرحلتين ، الأولى ما قبل 1919 والثانية منذ هذا التّاريخ
.
المرحلة الأولى : 1830-1919


حين وقع الإحتلال الفرنسي للجزائر كانت اللغة العربية هي لغة التعليم في المدارس والزوايا والمساجد، وهي اللّغة الأدبية التي تؤلف بها الكتب و البحوث، وهي أداة التعامل في المحاكم الشّرعية والمراسلات الرسمية، وتوثق بها عقود الأوقاف والمواريث، وتكتب بها محاضر المداولات الإدارية والمنازعات في كل أنحاء القطر. وهي كذلك لغة الأدباء والخطباء. وفي نفس الوقت كانت اللّهجات العربية الدّارجة واللّهجات البربرية مستعملة في الحياة اليومية بين المواطنين، ولعل هناك من كان يكتب بهذه اللّهجة أو تلك بعض الرّسائل الإخبارية والمعلومات الشّخصية.

أما اللّغة التركية فقد كانت قليلة الإستعمال و محصورة الإنتشار، ولا نكاد نجدها خارج الجزائر العاصمة، حتى بين الموظّفين العثمانيين في الأقاليم، لعلاقتهم المباشرة مع المواطنين.أمّا في العاصمة فقد كانت اللّغة التركية مستعملة في مستويات إدارية كالمجلس الرّسمي (الديوان)، الذي كانت تسجّل فيه المحاضر بالعربية والتركية معا على أيدي الكتبة أو الخوجات ، و كانت التّرجمة هي وسيلة التبليغ بين الحاضرين إذا لزم الأمر. كما أنّ اللّغة التركية كانت مستعملة في ثكنات الجيش الإنكشاري بالخصوص، لأنه جيش خليط ومن مواليد الأناضول في معظمه.

و المعروف أنّ الحروف العربية هي التي كانت مستعملة سواء تعلق الأمر باللهجات الدّارجة أو باللّغة التركية .

وقد إعتمد الفرنسيون منذ اللّحظة الأولى للإحتلال على التّرجمة وعلى دراسة اللغة العربية لأنهم كانوا يعرفون أنهم بدون ذلك لا يمكنهم معرفة الجزائريين ولا النجاح في التعامل معهم وفرض سلطانهم عليهم. جاءت الحملة الفرنسية بمجموعة من المترجمين ، مدنيين و عسكريين، ونشطت مدرسة اللّغات الشّرقية في باريس في تخريج المستعربين وإرسالهم إلى الجزائر، وتعامل المسؤولون الأوّلون مع يهود الجزائر كوسطاء في اللغة العربية، بل أنهم وظفوا جزائريين في مناصب بلدية، قضائية، إدارية ونحوها إمّا لكونهم يحسنون شيئا من الفرنسية إلى جانب العربية وإما لكونهم تابعين لمصالح تعرف العربية فيقدّمون إليها المعلومات والتقارير وهي بدورها تقوم بالتّرجمة والتّوصيل.

و من أوّل ما فكّر فيه الفرنسيون ووضعوه موضع التّنفيذ هو فرض تعلم اللغة العربية على الضباط والمسؤولين بالجزائر. فأنشؤوا لذلك كراسي للّغة العربية ووضعوا لذلك مناهج علمية و طبعوا كتبا تطبيقية و كافأوا المتفوقين في العربية منهم بتقديمهم على غيرهم عند الترشح للمناصب. وأوّل من شجّع على ذلك و جعله شرطا رسميا هو الماريشال بيجو نفسه.

و لكن هناك ملاحظتان تجب إبداؤهما على ما سبق، الأولى هي أن تعليم اللغة العربية للفرنسيين كان مقتصرا تقريبا على اللغة الدارجة بعد تعلم القواعد العامة للأبجدية و الجملة العربية، باستثناء المستعربين و أصحاب الإختصاص الذين لم يقتصروا على الدارجة بل درسوا علوم العربية وآدابها وتاريخ العرب والإسلام.

أما الملاحظة الثانية فهي أن الفرنسيين كانوا مهتمين باللغة العربية باعتبارها هي لغة الشعب الجزائري الذي يعملون على استعماره والسيطرة عليه، ومعرفة آدابه وتفكيره و ماضيه. ولذلك كان اهتمامهم مرتكزا على الجانب العملي من اللغة العربية ، سواء الفصحى أو الدارجة. ومن جهة أخرى كان الفرنسيون يعرفون أنهم بدراسة اللغة العربية يتمكنون من التغلغل أيضا داخل المجتمعات العربية و الإسلامية والإستفادة منها تجاريا واقتصاديا منافسة منهم لالإنجليز و غيرهم.

و قد يسأل السائل إذن عن وضع اللغة العربية بين الجزائريين غداة الإحتلال، الواقع أن تعلمها قد تضرر كثيرا حتى كاد يمّحي. فبالقضاء على الأوقاف وهدم المساجد والمدارس وهجرة العلماء والمؤدبين و كثرة الحروب كاد التعلم ب اللغة العربية ينقرض. كما أن الفرنسيين اتبعوا سياسة التجهيل التي دامت سبعين سنة فلم ينشروا بين الجزائريين لا العربية و لا الفرنسية. وهم يدعون تارة أن الجزائريين لا يقبلون على المدارس خوفا من التنصير، و يزعمون تارة أخرى أن المال يعوزهم. ولعل أبرز الأسباب لسياسة التجهيل المعتمدة هو معاقبة الجزائريين على مقاومتهم المسلحة التي دامت، كما هو معروف، إلى ثورة بوعمامة في الثمانينيات من القرن التاسع عشر. كما أن الفرنسيين كانوا يخشون من أن التعليم عموما سيؤدي بالجزائريين إلى اليقظة والإطلاع على أحوال العالم فتتكون من بينهم جماعات وأحزاب تطالب بالحقوق السياسية و تحارب الفرنسيين بأسلحتهم، كما وقع فعلا فيما بين الحربين

المرحلة الثانية : 1919-1954

رغم أن حزب نجم شمال إفريقيا قد ولد في فرنسا فإنه اهتم باللغة العربية في الجزائر اهتماما واضحا. فلم تمض سنة على إمشائه حتى نادى في مطالبه التي قدمها بإسمه الحاج أحمد مصالي إلى مؤتمر بروكسل سنة 1927 بإنشاء المدارس باللغة العربية. والمعروف أن النجم قد حلته السلطات الإستعمارية الفرنسية سنة 1929 غداة الإحتفال المئوي بالإحتلال، ثم أعاد تنظيم نفسه سنة 1933 وهو ما يزال في فرنسا. وقد جاء في برنامجه الجديد الذي صاغه ووجهه للجزائريين بعد أن خرج منه التونسيين والمغاربة ما يلي:

المادة الثامنة: تعليم اللغة العربية تعليما إجباريا. و جاء في مادة أخرى من هذا البرنامج: اللغة الرسمية في البلاد هي اللغة العربية. وفي مادة أخرى منه جاء فيها: التعليم سيكون مجانيا وإلزاميا في جميع مراحله، و سيكون باللغة العربية.

و قد تكون حزب الشعب الجزائري على أنقاض النجم سنة 1937 و أثناء مؤتمره العام الذي انعقد خلال أوت 1938 طالب حزب الشعب بما يلي حول اللغة العربية:

* إصدار مرسوم يجعل تعلم اللغة العربية إجباريا في جميع مستويات التعليم على غرار الوضع في تونس و المغرب و في المشرق العربي أيضا.
* الحرية المطلقة للتعليم الحر. و المقصود بالتعليم الحر هنا هو التعليم العربي الذي كانت تمارسه جمعية العلماء، و الذي كان يتعرض لإضطهادات إدارية قاسية مثل قرار ميشيل 1933 و رينييه 1935. و المعروف أن السلطات الفرنسية كانت تعتبر اللغة العربية لغة أجنبية في الجزائر و تجري عليها قوانين اللغات الأجنبية في فرنسا. لذلك يعتبر المطلب الثاني لحزب الشعب ليس فقط مطلبا شرعيا ووطنيا و لكنه منه إنتصار لسياسة جمعية العلماء التعليمية.
* تأسيس كلية للآداب بجامعة الجزائر، تدرس فيها اللغة العربية والآداب العربية إلى جانب التاريخ و علم الإجتماع و الفلسفة الإسلامية.
* رفع مستوى الثانويات الإسلامية (أي المدارس الرسمية الثلاث المشار إليها في المرحلة الأولى) بتحويلها إلى جامعات إسلامية يقوم بتدريس العربية فيها و آدابها أساتذة مسلمون. و الإلحاح على الأساتذة (المسلمون) في هذا الصدد يرجع إلى أن الدراسات العربية و الإسلامية في المدارس الحكومية الثلاث و في كلية الآداب و في معهد الدراسات الشرقية الذي أنشئ خلال الثلاثينيات كانت كلها تحت إشراف المستشرقين الفرنسيين و هم الذين كانوا يسيرونها و يوجهونها و يمارسون التدريس فيها.

و قد سارت حركة إنتصار الحريات الديمقراطية التي تأسست سنة 1946 و التي هي في الواقع إستمرار لحزب الشعب الجزائري، على الأسس المذكورة بالنسبة للغة العربية. و كان هذا الحزب نفسه قد أنشأ سنة 1937 جريدة الشعب بالعربية في الجزائر إلى جانب الأمة التي كانت تصدر بالفرنسية في فرنسا. أما حركة الإنتصار فقد أسست بدورها صحفا باللغة العربية تابعة لها أو نوحي منها مثل المنار و المغرب العربي و صوت الجزائر، إلى جانب الجزائر الحرةالتي كانت تصدر بالفرنسية. فلم يأت نوفمبر سنة 1954 حتى كان أعضاء الحزب متشبعين بمبدأ المطالبة باللغة العربية كلغة وطنية و رسمية لالجزائر. ومن جهة أخرى أسس حزب الشعب مدارس حرة على غرار ما فعلت جمعية العلماء لتعليم اللغة العربية لأبناء الشعب الجزائري سيما منذ 1950.


أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فممارسة تعليم اللغة العربية و المطالبة باحترامها و إنشاء الصحف بها و اعتبارها هي اللغة التي تعبر عن عن شخصية الجزائر، كلها من المبادئ الأساسية التي قامت عليها و تضمنها دستورها و خطب رجالها، و كانت مدار مدارسها و معلميها. و كان شعار جمعية العلماء المحفوظ لدى تلاميذها (الجزائر وطننا، و الإسلام ديننا، و العربية لغتنا). فلا غرابة إذا أن تقوم حركة إبن باديس أولا و جمعية العلماء ثانيا، على نشر و تقديس العربية حتى قال ابن باديس مقولته الشهيرة ( أقضي بياضي على العربية و الإسلام و أقضي سوادي عليهما ) أو ما في معناها. و مع ذلك نذكر أن المطالب التي قدمتها جمعية العلماء للمؤتمر الإسلامي (1936) و التي تبناها المؤتمرون جميعا (و فيهم النخبة و الشيوعيون و النواب) قامت على ما يلي بخصوص اللغة العربية:

* إلغاء كل ما يتخذ ضد اللغة العربية من وسائل استثنائية، و إلغاء إعتبارها لغة أجنبية.
* الحرية التامة في تعلم اللغة العربية.

وقد ظل ذلك هو شعار الجمعية والمطلب الرئيسي لها، بل والممارسة الفعلية في الميدان، رغم العراقيل و الإضطهاد، فكان معهد ابن باديس وكانت العشرات من المدارس، وكانت الصحف والنوادي والجمعيات التي تنشر العلم بالعربية في المدن والقرى إلى قيام الثورة التحريرية. والمعروف أنه قد أعيد تنظيم الجمعية سنة 1946، مثل كل الأحزاب والمنظمات الوطنية. وقد لاحظ أحد الكتاب أن اللافتة المعلقة في أول اجتماع لجمعية العلماء بعد الحرب العالمية الثانية كانت تقرأ كالتالي: (نريد حرية التعليم والإعتراف باللغة العربية مثل الفرنسية). وقد قدمت جمعية العلماء بعد الحرب تقريرا مفصلا إلى السلطات الإستعمارية الفرنسية طالبت فيه بفصل الدين الإسلامي عن الدولة الفرنسية و جعل اللغة العربية لغة رسمية.
الوضع اللغوي يشهد في الاونة الاخرة سيطرة كلية للغة العربية والشباب الجزائري يحب اللغة العربية بل ان الكبار الذين تخرجوا من المدرية الفرنسية وهم في مرحلة الشيخوخة الان اصبحوا يتعلمون اللغة العربية ويستعملونها واكثر من ذلك يقدسونهالا نها لغة الاسلام بالاضافة الى الجيل الكبير الذي تخرج من علماء الجزائر الفدماء فاللغة العربية تزداد انتصاراتها يوما بعد يوم وتستخدم في التعليم والادارة معربة الا بعض الدوائر الاقتصادية كالبنوك وليست جميعها كذاك