عنوان الموضوع : بحت اللغة العربية رابعة متوسط
مقدم من طرف منتديات العندليب
السلام عليكم
سيرة الإمام الـمُـجَّل أحمد بن حنبل
الحمد لله الذي أعزَّ أهل السنة وأذلَّ أهل البدعة، أحمدُه سبحانه وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد : فيقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "إن لله عبادًا يحيي بهم البلاد، وهم أصحاب السنة رضي الله عنهم وأرضاهم".
إن حديثنا اليوم عن رجلٍ أعزَّ الله به الإسلام زمن المحنة، أحمد بن محمد بن حنبل، إمامُ أهل السنة رضي الله عنه وأرضاه، قال علي بن المديني: "أحمد حجة الله على خلقه"، وقال أبو بكر الأشرم: "كان أصحابنا يرون مقام أبي عبد الله في المحنة كمقام أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الردة"، وقال سيّارٌ: "لقد قام هذا الرجل –يعني: أحمد- مقام النبيين والصديقين"، وقال بشر بن الحارث: "محنة أحمد في وحدته، وغربته في وقته، مثل محنة أبي بكر الصديق في محنته وغربته ووقته".
الإمام أحمد هو : أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، ولد في شهر ربيع الأول، سنة مئة وأربع وستين للهجرة في بغداد، مات والده وهو صغير، فاتجه إلى طلب الحديث وفقه الآثار، منذ نعومة أظفاره، ورحل إلى البلدان، واجتمع بالإمام الشافعي وأخذ عنه، قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله: "أحمد إمام في ثمان خصال: إمام في الحديث، إمام في الفقه، إمام في اللغة، إمام في القرآن، إمام في الفقر، إمام في الزهد، إمام في الورع، إمام في السنة".
من أشهر مؤلفات الإمام أحمد : مسنده الذي يبلغ ثلاثين ألف حديث بل يزيد على ذلك، وكان يوصي ابنه عبد الله فيقول: "عليك بهذا المسند، فإنه سيكون للناس إمامًا".
أشهر أولاد الإمام أحمد: عبد الله وصالح.
لقد توفي الإمام أحمد رحمه الله نهار الجمعة، الثاني عشر من ربيع الأول، سنة مئتين وإحدى وأربعين للهجرة، وكان عمره آنذاك سبعًا وسبعين سنة ودفن ببغداد.
فما هي محنة الإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه؟
كان الناس على منهج السلف يقولون : إن الله جل وعلا يتكلم، وإن من صفاته سبحانه وتعالى الكلام، فيتكلم الله جل وعلى بما شاء كيف يشاء إذا شاء، كلاماً يليق بجلال الله وعظمته، ومن كلامه القرآن، تكلَّم الله سبحانه وتعالى به، وأوحاه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فنزل به جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله جل وعلا: ((وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)).
ثم نشأت فرقة يقال لها المعتزلة، فابتدعوا قولاً مخالفًا لعقيدة السلف الصالح، فزعموا أن الله لم يتكلم بالقرآن بل خلقه، وكانوا يستترون بهذا القول، يخافون من الخليفة هارون الرشيد رحمه الله وغفر له، لأنه كان على منهج السلف، وكان شديدًا عليهم، حتى إنه قال: "بلغني أن بشر بن غياث المريسي، زعم أن القرآن مخلوق، ولله عليّ إن أظفرني الله به لأقتلنه قِتلة ما قتلها أحد". كان بشرٌ الضال هذا متاوريًا أيام هارون نحوًا من عشرين سنة، حتى مات هارون الرشيد رحمه الله، ثم كان الأمر كذلك في زمن الأمين.
لمّا ولي المأمون الخلافة، خالطه هؤلاء الضلال المعتزلة، فحسَّنوا له القول بخلق القرآن فقبله، وكان يتردد في حمل الناس على ذلك، ويراقب بقايا الأشياخ، ثم قوي عزمه على هذا الأمر العظيم -أن يحمل أهل السنة على القول بقول المعتزلة المبتدعة- ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً.
لقد أمر المأمون صاحب شرطته ببغداد -إسحاق بن إبراهيم- أن يمتحن الناس في خلق القرآن، وأن يجبرهم على القول به، وطلب منه الخليفة أن يمتحن سبعة من كبار العلماء في بغداد، فأجاب هؤلاء السبعة بالرخصة التي في قول الله جل جلاله: ((إلا أن تتقوا منهم تقه))، إلا الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فإنهما أبيا، فأمر المأمون إسحاق أن يحمل إليه أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح، وكان الإمام أحمد رضي الله عنه يدعو الله أن لا يرى وجه المأمون، فكان يقول: "كنت أدعو الله بأن لا يريني وجهه –يعني: الخليفة المأمون- وذلك أنه بلغني أنه كان يقول: لئن وقعت عيني على أحمد لأقطعنه إربًا إربًا"، وفي أثناء الطريق جاء رجل يقول: يا أبا عبد الله –يعني: الإمام أحمد- قد مات الرجل –يعني: المأمون-، قال الإمام أحمد: "فحمدت الله وظننت أنه الفرج". وإذا برجل قد دخل فقال: إنه قد تولى الخلافة المعتصم، وصار رجل من المعتزلة يقال له ابن أبي دؤاد، وقد أمر الخليفة بإحضاركم إلى بغداد، وفي الطريق إلى بغداد مرض محمد بن نوح ومات رحمه الله وغفر له، فبقي الإمام أحمد وحيدًا في هذه المحنة.
لما تولى الخلافة المعتصم كان قاضيه ابن أبي دؤاد، وكان جهميًا داعيًا إلى القول بخلق القرآن، ففتن به الخليفة المعتصم، وزين له أن يمتحن الإمام أحمد، فأمر المعتصم بحبس الإمام أحمد في بغداد، وكان ذلك في رمضان، وكان الإمام أحمد رضي الله عنه آنذاك مريضًا، فسجن ومكث في السجن نيِّفًا وثلاثين شهرًا، فلما طال حبس الإمام أحمد، دخل إسحاق بن حنبل -عم الإمام أحمد- إلى إسحاق بن إبراهيم صاحب شرطة بغداد، فتشفع للإمام أحمد ليخرج، ثم طلب منه أن يجمع له الفقهاء والعلماء ليناظروه، فمن أفلحت حجته كان أغلب، فاستأذن صاحب الشرطة الخليفة المعتصم، ليجمع العلماء والفقهاء لمناظرة الإمام أحمد، فجمعهم إسحاق وناظرهم الإمام أحمد فأفحمهم وغلبهم، فأمر إسحاق بن إبراهيم أن يحمل الإمام أحمد في زورق إلى الخليفة، وكان الإمام رضي الله عنه مثقلاً بالقيود، فوصل في جوف الليل فأدخلوه دارًا وأغلقوا الباب، وقام على الباب حارسان وليس بالدار سرُج، فقام الإمام أحمد يصلي ويتضرع إلى مولاه عز وجل، ثم أُدخل من صبيحة اليوم التالي على الخليفة المعتصم، وكان في المجلس الخليفة وابن أبي دؤاد والقواد والأصحاب، فطلب الإمام أحمد الإذن بالكلام فأذن له الخليفة، فتكلم الإمام أحمد، ووعظ الخليفة، فقال له المعتصم: لولا أنك كنت في يدي من كان قبلي لما عرضت لك، فطلب المعتصم من فقهائه أن يكلموه ويناظروه، فتكلموا والإمام أحمد يرد عليهم برد واحد، قال الإمام أحمد: فجعلوا يتكلمون من ههنا ومن ههنا، فأقول: يا أمير المؤمنين ما أعطوني شيئًا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فأقول به، قال ابن أبي دؤاد الضال: وأنت لا تقول إلا ما في كتاب الله أو سنة رسوله؟ فقال لهم الإمام أحمد: وهل يقوم الإسلام إلا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟
ثم بدأ الفقهاء يحرضون المعتصم على قتل الإمام أحمد ويقولون: هو ضالٌ مضلٌ مبتدع ! اقتله ودمه في رقابنا ! وكان المعتصم يطمع أن يجيبه أحمد إلى مذهب المعتزلة، فقد كان يعرف له قدره وفضله وعلمه، ويرجو أن يكون أحمد من حاشيته .
لقد مكث العلماء والفقهاء يناظرون أحمد ثلاثة أيام، وهو وحيد غريب ثابت على قول أهل السنة، وكان طوال تلك الأيام صائمًا، لا يأكل إلا الشيء القليل الذي يقيه من التلف، كان ابن أبي دؤاد طوال تلك المدة، يهدده بأن الخليفة سيضربه ويحبسه، وأحمد لا يأبه بذلك، وإنما فوض أمره إلى الله وتوكل عليه جل وعلا، فأمر الخليفة في نهاية المطاف لمّا أيس من الإمام أحمد، أمر جنوده أن يأخذوه ويخلعوه ويحبسوه، ثم أمر بأدوات الضرب والتعذيب، فضربوه حتى أغميَ عليه رضي الله عنه وأرضاه، فقال له المعتصم بعد أن أفاق: يا أحمد، ويلك تقتل نفسك، ويحك أجبني حتى أطلق عنك بيدي، والإمام أحمد رضي الله عنه وأرضاه لا يجيب، فأمر المعتصم جنوده بضربه بالسياط، وهو يقول لكل واحد منهم : أوجع قطع الله يدك ! أوجع !، حتى أُغمي على الإمام أحمد، ثم رموه عليه حصيرًا، وكبُّوه على وجهه وداسوه .
قال الإمام أحمد : وذهب عقلي، فلما أحسَّ الخليفة أني ميت كأنه أرعبه، فأمر بتخليتي حين إذن وأنا على ذلك لا أعقل، فما شعرت إلا وأنا في حجرة مطلقٌ عني الأقياد، ثم أمر المعتصم بإطلاقه برغم وسوسة ابن أبي دؤاد وأصحابه، فخلع المعتصم على الإمام أحمد مبطنة وقميصًا وطيلسانًا وخفًا وقلنسوة، وأخرجه على دابة، وكان الناس في فزع وخوف على إمامهم، كانوا مجتمعين بالخارج قد ضجوا بالصوت، فلما رأوا الأمام أحمد فرحوا، ووصل الإمام أحمد إلى منزله وخلع ثياب السلطان تلك، وأمر ببيعها والتصدق بثمنها .
ثم إن المعتصم بعد ذلك ندم على ما فعله بالإمام أحمد وصَلُح، وكان يرسل رجاله إلى الإمام أحمد كل يوم حتى يأتوه بأخباره، فبعد ذلك صحّ الإمام أحمد مما وقع عليه وعوفي، وخرج إلى الصلاة، وحضر الجمعة والجماعة، وأفتى وحدث، حتى مات المعتصم، وتولى ابنه الواثق، وعندها عظُم البلاء والكرب، فقد أظهر الواثق هذه المقالة، ومال إلى ابن أبي دؤاد وأصحابه، وكان أطوع لهم من سابقه، وضرب عليها وحبس، وآذى أهل السنة، واشتد الأمر على أهل بغداد، فجاء نفر إلى الإمام أحمد يسألونه الخروج على الخليفة الواثق، فنهاهم عن ذلك، وأمرهم بالإنكار في قلوبهم وقال: عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، لا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح برٌ ويستراح من فاجر، وعظهم الإمام أحمد، وهو الذي قد أوذي وسجن، وقال لهم: ليس هذا صوابًا –يعني: نزع أيديهم من طاعته- هذا خلاف الآثار، وبشرهم الإمام أحمد أن الله جل وعلا ناصر دينه.
في أيام الواثق، وفي تلك الشدة وما نزل بالناس منه، جاءت رسالة صاحب الشرطة إلى الإمام أحمد وفيها: يقول لك الأمير إسحاق بن إبراهيم، إن أمير المؤمنين قد ذكرك، فلا يُجتمعن إليك، ولا يأتيّن إليك أحد، ولا تساكني بأرض ولا مدينة أنا فيها، فاذهب حيث شئت من الأرض، فاختفى الإمام أحمد بقية حياة الواثق وولايته. وكان الإمام أحمد في بداية الأمر مختفيًا في غير منزله، ثم عاد إلى منزله بعد سنة، ولم يزل مختفيًا في البيت لا يخرج إلى الصلاة ولا غيرها حتى هلك الواثق، وتولى بعده المتوكل وكان سنيًا سلفيًا، فأذن الله جل وعلا بكشف تلك الكربة.
لما ولي المتوكل الخلافة، انكشفت تلك المحنة عن المسلمين، وأظهر الله السنة، وفرج عن الناس، وكان الإمام أحمد بعد ذلك يخرج إلى الناس ويحدث أصحابه، ويحضر الجمعة والجماعة، ويملي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الإمام أحمد مازال في بلاء من أهل الأهواء، فقد رفع بعض أهل الأهواء إلى الخليفة، أن الإمام أحمد يخفي رجلاً علويًا في منزله، ويريد أن يخرجه للناس ليبايعوه، فأرسل الخليفة رجاله إلى الإمام أحمد فسألوه فقال: إنه لا علم لي بهذا، فأخبرهم الإمام أحمد أنه يرى السمع والطاعة لأمير المؤمنين في العسر واليسر، ففتشوا البيت كله فلم يروا شيئًا ولم يحسوا بشيء، فأرسل المتوكل إلى أحمد يقول: إنه صح عند أمير المؤمنين براءتك، وقد وجّه إليك هذا المال لتستعين به في حاجتك، فرفض الإمام أحمد المال، ثم إن أصحابه نصحوه بأن يقبل عطية الخليفة، حتى لا يظن به سوءًا، فأخذها ثم فرقها كلها في الصباح على الفقراء، ثم تصدق بالكيس.
لقد أمر المتوكل الإمام أحمد أن يخرج إليه، فتعلل الإمام بأنه مريض فأصر الخليفة، فخرج أحمد في قافلة وجنود، وكانت تأتيهم كل يوم مائدة أمر بها الخليفة المتوكل إكرامًا للإمام أحمد، فيها ألوان الطعام والفاكهة والثلج وغير ذلك، فلم ينظر إليها أبو عبد الله ولم يذق منها شيئًا، دام المرض بالإمام أحمد، وضعف ضعفًا شديدًا، وكان يواصل الصوم، فوجه الخليفة إلى الإمام أحمد بمال عظيم فرده، ثم طال المرض بأبي عبد الله، وكان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب إليه، فيصف له الأدوية فلا يتعالج، وبلغ أم المتوكل خبر الإمام أحمد، أشتهي أن أرى هذا الرجل، فأجابها ابنها المتوكل إلى ذلك، فأرسل للإمام أحمد يسأله أن يدخل على ابنه المعتز ليسلم عليه ويدعو له، فامتنع الإمام أحمد من الدخول على ابن الخليفة، واشتد عليه الدخول عليهم ثم أجابهم، وشاء أن يتركوه ليرجع إلى بيته في بغداد، فوجه إليه المتوكل بلباس حسن، وأتوه بدابة يركبها إلى ابن الخليفة، فامتنع الإمام أحمد من ركوبها، ودخل على ابن الخليفة المعتز، ورأته أم المتوكل فقالت لابنها الخليفة: يا بني، الله الله في هذا الرجل، فليس هذا ممن يريد ما عندك، فليذهب إلى منزله، ولا تحبسه عندك، فأذن المتوكل لأبي عبد الله بالانصراف والرجوع، فركب زورقًا فانحدر من ساعته إلى بيته. ولم يزل الإمام أحمد بعد ذلك يخرج للجمعة والجماعة، وجيب في المسائل والفتيا ويحدث إلى سنة مئتين وإحدى وأربعين، وعندها مرض، وعاده في مرضه كثير كثير من أهل السنة، ثم توفي رحمه الله نهار الجمعة، فأرسل محمد بن عبد الله بن طاهر أمير بغداد بأثواب من كفن وغيره، فأبى أهله، وكفنوه بثلاثة أثواب من غزل جاريته، ثم وضعت الجنازة في الميدان للصلاة عليها، أراد صالحٌ ابنه أن يتقدم فيصلي فمُنع، وتقدم الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر فصلى عليه، يريد أن يتزين بذلك عند المتوكل، وظن الناس أن الذي صلى عليه صالح، ولم يعلموا أن الذي صلى عليه هو الأمير ابن طاهر، فلما علموا بالخبر جعلوا يجيئون ويصلون على القبر، فرحم الله الإمام أحمد وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
معاشر المؤمنين .. ما جرى للإمام أحمد رحمه الله من هذه المحنة العظيمة، وفيها فوائد كثيرة تحتاج إلى وقفة بل وقفات يسر الله جل وعلا ذلك.
قال أبو اسحاق إبراهيم بن محمد الهمداني : سمعت بعض أصحابنا من المحدثين يقول: "لما حُمل أحمد دخل عليه أبو ثوبة الحلبي، فقال للإمام أحمد: يا هذا، إن أعين الناس ممدودة إليك، فإن كنت تعلم أنك تقوم المقام الذي فيه استنقاذك واستنقاذ الخلق فيما بينهم وبين الله تعالى، وإلا فاجعل القيد الذي في رجلك في رجلي وقم فاخرج، فقال الإمام أحمد: يا هذا أتظن نفسك أعز عليّ من نفسي، لا أترك هذا المقام أبدًا". قال الإمام أحمد بن حنبل: "ما سمعت كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها في رحَبة قوم، قال: "يا أحمد، إن يقتلك الحق مت شهيدًا، وإن عشت عشت حميدًا فقوىّ قلبي"، قال مهنّا بن يحيى: "رأيت يعقوب بن إبراهيم الزهري حين أخرج الإمام أحمد من الحبس، وهو يقبل جبهة أحمد ووجهه، ورأيت سليمان بن داود الهاشمي يقبل جبهة الإمام أحمد ورأسه، يقول بشر بن الحارث: "لولا هذا الرجل –يعني: الإمام أحمد- لكان العار علينا إلى يوم القيامة".
*********
يقول الله تعالى: ((آلم*أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون*ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكذبين))، وقال ربنا سبحانه وتعالى: ((ولنبلونكم حتى نعلم منكم المجهدين الصبرين ونبلوا أخبركم))، أخبر الله جل جلاله، أنه يختبر عباده بالسراء والضراء والعسر واليسر، وبنقص من الأموال والأنفس والثمرات، ليعلم الله من يخافه بالغيب، وليتبين الصادق من الكاذب، وكم لله جل وعلا في هذا من حكم ومنح، ((ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوَ بعضكم ببعض))، فيبتلي الله أهل الإسلام بالكافرين، ودولة التوحيد والسنة بدعاة الأهواء والفتنة، ويبتلي أهل السنة وأنصارها بأصحاب البدع ودعاتها، ليقضي الله أمرًا كان مفعولاً، قال الله جل علا: ((وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً وبصيراً)). الله أكبر، قضى الله أن يبتلي دعاة التوحيد والسنة بأهل الأهواء والفتنة، كما ابتلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ساحر كذّاب به جنِّة، ((ومكروا مكراً كبّاراً))، وسعوا في صد الناس عن دعوته، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، وينصر رسوله، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
إن الناظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسير السلف الصالحين، ليدرك أن الواجب على العلماء والأمراء والصلحاء أن يدعو إلى الله على بصيرة، وأن يكون بيان التوحيد والسنة، والتحذير من الأهواء والبدع أساس دعوتهم وأصلها، إلى توحيد رب العالمين يدعون، وعلى يوالون ويعادون، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، إلا أن الواجب على دعاة التوحيد والسنة، وأنصار منهج السلف الصالح، من العلماء والأمراء والصلحاء، عليهم أن يصبروا، فإنهم مُبتلونم –لا شك- بأهل البدع والأهواء والفتن والحسد، فليصبروا وليبشروا بالعز والنصر والتأييد، فإن الذي نصر الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب، لما دعوا إلى التوحيد والسنة ومنهج السلف الصالح، قادر على نصر من سلك طريقهم، إذ هو سبيل رسل الله من قبل، قال الله جل وعلا: ((ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)).
ابتلي أبو بكر رضي الله عنه زمن الردة، والإمام أحمد بن حنبل زمن المحنة، وابتلي شيخ الإسلام ابن تيمية بمبتدعة زمانه، حتى سجن هناك بالسجن، وابتلي الإمام محمد بن سعود بالقبوريين والخرافين، ثم كان ماذا؟ لقد نصر الله أهل السنة ورفع ذكرهم، وجعل لهم في قلوب المؤمنين محبة وإجلالاً، ((فاصبر إن العاقبة للمتقين)).
ومن ذلك: ما ابتلى الله به بلاد الحرمين حاملة لواء التوحيد والسنة، من كذب الأفّاكين، وافتراء المبتدعة الحسدة المبطلين، من نبز علمائها وأمرائها ودعوتها السلفية بالوهابية وغيرها من الألقاب، تنفيرًا وصدًا عن سبيل الله ونصرة للبدع والأهواء، ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)).
فيا أهل الإيمان والقرآن، ما أخلاق سلفنا الصالح زمن الابتلاء والمحن؟ وما الآداب الشرعية التي كانوا يحرصون عليها؟
من تلك الآداب : الخوف من الفتنة في الدين وعدم تمينيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا)، قال محمد بن عبدالرحمن: "لما حمل الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح، وصارا إلى حبسِ بغداد جاءت الظهر، وأنيخ له البعير، وذهب محمد بن نوح يتهيأ للصلاة، فرجع وهو يبكي، فقال له أحمد: ما يبكيك؟ فقال: والله ما أبكي أسىً على أهلٍ ولا مالٍ ولا ولد، ولكنا نقدم على هذا الرجل ولا ندري ما يكون حالنا، فقال له الإمام أحمد: أبشر فلست تراه ولا يراك"، وقد صدق الله ظن الإمام أحمد، وتوفي الخليفة المأمون قبل أن يصل إليه، كان الإمام أحمد يدعو الله
أن لا يرى وجه المأمون، لأنه بلغه أنه يقول: "لإن وقعت عيني على أحمد لأقطعنه إربًا إربًا"، قال المروذي: سمعت الإمام أحمد يقول: "إني لأتمنى الموت صباحًا ومساءً أخاف أن أفتن بالدنيا".
ومن ذلك: أن الأئمة لا يلجئون إلى التقيّة زمن المحن، لإنه يقتدى بهم، فلو أخذوا بها لضل الناس، قال الله جل وعلا: ((ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا))، قال أبو العباس الرقيّ -وكان من حفاّظ الحديث-: "إنهم دخلوا على الإمام أحمد بالرقة وهو محبوس، فجعلوا يذكرونه ما يروى في التقية من أحاديث، فقال الإمام أحمد: فكيف تصنعون بحديث خبّاب رضي الله عنه: (أن من كان قبلكم، كان ينشر أحدهم بالمنشار ثم لا يصدّه ذلك عن دينه) قال: فيئسنا منه". قال المروذيّ للإمام أحمد وهو يقدم للجلد والعذاب: "يا أبا عبدالله، قال الله جل وعلا: ((ولا تقتلوا أنفسكم))، فقال الإمام أحمد: يا مروذي أخرج فانظر أي شيء ترى، قال: فخرجت إلى رحبة دار الخلافة، فرأيت خلقًا من الناس لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل، والصحف في أيديهم، والأقلام والمحابر في أدرعتهم، فقال لهم المروذي: أي شيء تعملون؟ فقالوا: ننظر ما يقول أبو عبدالله فنكتبه، فقال المروذي: مكانكم، فدخل إلى الإمام أحمد فقال: لقد رأيت قومًا بأيديهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبونه، فقال الإمام أحمد: يا مروذي، أضل هؤلاء كلهم؟ أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء". قال ابن الجوزي تعليقًا على هذا الخبر: "هذا رجل هانت عليه نفسه في الله فبذلها، كما هانت على بلال رضي الله عليه نفسه، قال خبيب رضي الله عنه لما قدم للقتل:
فلستُ أبالي حين أقتل مسلمًا***على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ***يبارك على أوصال شيْل مُمَزعي".
قال إسحاق بن حنبل -عم الإمام أحمد-: "دخلت على أبي عبدالله مع حاجبِ إسحاق الذي يقال له البخاري، فقلت: يا أبا عبدالله قد أجاب أصحابك، وقد أعذرت فيما بينك وبين الله عز وجل، وقد أجاب القوم، وبيقت أنت في الحبس والضيق، فقال الإمام أحمد: يا عمي، إذا أجاب العالم تقيّة والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟"، قال حنبل: "سمعت الإمام أحمد -وذكر الذين حملوا إلى المأمون فأجابوا-، وذكرهم أبو عبدالله بعد ذلك فقال: هؤلاء لو كانوا صبروا وقاموا لله، لكان الأمر انقطع، وحذرهم الرجل –يعني: الخليفة المأمون-، ولكن لما أجابوا وهم عين البلد اجترأ على غيرهم". كان الإمام أحمد إذا ذكرهم اغتم لذلك ويقول: "هم أول من ثَلَم هذه السنة وأفسد هذا الأمر".
فرحم الله من صبر على السنة، ورد الأهواء المضلة، ونصح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، رحم الله من بذل نفسه لله فنصر منهج السلف، وسعى في إصلاح عقائد المسلمين، وإخراج العباد من عبادة القبور والأولياء والأحزاب والجماعات والقباب، إلى عبادة رب العباد وحده لا شريك له، يقول الله سبحانه وتعالى: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)).
ومن الآداب الشرعية : الغضب لله عند وقوع الشرك والبدع، كما غضب موسى عليه السلام لما عبد قومه العجل، قال الله جل وعلا: ((ولما رجع موسى إلى قومه غضبن أسفاً))، قال أبي معمر القطيعي: "لمّا أحضرنا إلى دار السلطان أيام المحنة، وكان الإمام أحمد قد أحضر، فلما رأى الناس يجيبون وكان رجلاً لينًا، انتفخت أوداجه، واحمرت عيناه، وذهب ذلك اللين، فقلت: إنه قد غضب لله سبحانه وتعالى، ثم قلت: أبشر يا أبا عبدالله، حدثنا ابن فضيل عن الوليد بن عبدالله عن أبي سلمة أنه قال: (كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من إذا أريد على شيء من أمر دينه، رأيت حماليق عينيه تدور كأنه مجنون)". لما قال بعض الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط، أعظمَ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأنكره فقال: (الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ((اجعل لنا إلها كما لهم آلهة))".
ومن الأخلاق الشرعية: الإخلاص والصدق، قال الله جل وعلا: ((فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم))، وقال ربنا سبحانه وتعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم))، قال أبو زرعة الرازي: "قلت لأحمد بن حنبل: كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق؟ فقال الإمام أحمد: لو وضع الصدق على جرح لبرأ"، فما أحوج دعاة الإسلام إلى الإخلاص والصدق.
إن من الناس من إذا دعا، إنما يدعو لنفسه وفكره وحزبه وجماعته، لا إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وعقيدة السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم.
ومن الآداب الشرعية: اليقين بنصر الله وأن العاقبة للمتقين، قال الله جل وعلا: ((ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً))، قال ابن أبي أسامة: "حُكي لنا أن أحمد قيل له أيام المحنة: يا أبا عبدالله، أولا ترى الحق كيف ظهر على الباطل؟ قال: كلا، إن ظهور الحق على الباطل أن تنتقل القلوب من الهدى إلى الضلالة، وقلوبنا بعد لازمة للحق).
فيا أنصار السنة، أبشروا وأملوا خيرًا، ولا تستوحشوا من قلة السالكين، وكثرة الأهواء والبدع والمضلين، ذلك أن العاقبة لأهل السنة المتقين، قال الله جل وعلا: ((قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألبب لعلكم تفلحون)).
ومن ذلك: الحرص على إظهار الحق مع حفظ دماء المسلمين، يتجلى ذلك في قصة اجتماعهم بالإمام أحمد لما دخلوا عليه فذكروا ظلم الخليفة الواثق، وما أظهره من البدع وإجبار الناس على ذلك، فسألوه الخروج عليه، فوعظهم الإمام أحمد رحمه الله وقال: "عليكم بالإنكار في قلوبكم، ولا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم، وانظروا في عاقبة أمركم، واصبروا حتى يستريح بر ويستراح من فاجر"، وقال أحمد: "ليس هذا –أي: نزع أيديهم من طاعته- صوابًا، هذا خلاف الآثار". وأهل السنة يدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهم أهل شفقة ورحمة بالمؤمنين، وهم أبعد الناس عن الفتن وشق عصا المسلمين، وأما أهل الأهواء والفتن فإنهم لا يهدأ لهم بال، إلا إذا اضطربت الأمور، وسفكت الدماء، ثم يدعون أنهم مصلحون، فحسبنا الله عليهم ونعم الوكيل.
ومن ذلك: عدم الانتصار للنفس، فمع أنهم آذوا الإمام أحمد، فإنه لم يأذن بالخروج عليهم، بل أمر بطاعتهم وحقن دماء المسلمين، طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك: الصبر والثبات، قال ربنا جل جلاله: ((فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل))، وقال ربنا سبحانه وتعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا))، يقول إبراهيم بن إسحاق الأنصاري: "سمعت بعض الجلاّدين يقول: لقد غلب أحمد الشُطار، والله لقد ضربته ضربًا، لو أُبرك لي بعير فضربته ذلك الضرب لنقبت عن جوفه". قال أبو علي حنبل: "بلغني أن أبا علاء الأهتمي قال: ما رأيت أحدًا أشجع قلبًا من الإمام أحمد"، سأل أبو بكر أحمد فقال: "يا أبا عبدالله، إن عرضت على السيف تجيب؟ فقال الإمام أحمد: لا". يقول أبو الفضل: "أخبرني رجل حضر الإمام أحمد، أنه تفقده ثلاثة أيام وهم يناظرونه ويكلمونه، فما لحن في كلمة، ما ظننت أن أحدًا يكون في مثل شجاعته وشدة قلبه"، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر)، وفي الحديث: (أنه يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). يقول محمد بن إبراهيم -صاحب شرطة المعتصم-: "ما رأيت أحدًا لم يداخل السلطان، ولا يخالط الملوك، كان أثبت قلبًا من أحمد يومئذ، ما نحن في عينيه إلا كأمثال الذباب"، كان الإمام أحمد رحمه الله يقول: "لست أبالي بالحبس، ما هو ومنزلي إلا واحد، ولا قتلاً بالسيف، إنما أخاف فتنة السوط، وأخاف أن لا أصبر، سمعه بعض أهل الحبس وهو يقول ذلك فقال: لا عليك يا أبا عبدالله، ما هو إلا سوطان ثم لا تدري أين يقع الباقي، فلما سمع ذلك سُري عنه".
ومن الآداب: ذكر الله زمن الابتلاء والمحن، والحرص على العبادات، ففي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (العبادة في الهرج كهجرة إلي)، يقول جعفر بن محمد: "حدثني بعض أصحابنا قال: لما أخذت أبا عبدالله السياط قال: لكفّ عنه يا جبار السماء ويا جبار الأرض"، وقال ميمون بن الأخضر: "لما ضرب الجلاد سوطًا قال الإمام أحمد: بسم الله، ولما ضرب الثاني قال أحمد: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولما ضرب الثالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق، فلما ضرب الرابع قال: لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، فضربه تسعة وعشرين سوطًا"، قال أبو عبدالله السلال: "دخلت على الإمام أحمد لما قدم من طرسوس وهو عليل شديد العلة، ومحمد بن نوح عليل، فسلمت على الإمام أحمد ففتح عينه ثم نظر إلي ثم غمضها، ثم فتحها فقال: صليتم الظهر فقلت: لا، فغمض عينيه.
ومن ذلك: التقلل من الدنيا والزهد فيما عند الناس، ((ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون))، قال إسحاق بن إبراهيم صاحب شرطة بغداد: "قال لي الأمير: إذا حل إفطار أبي عبدالله فأرنيه، قال: فجيء بخبز وخيارةٍ فأريته الأمير، فقال: هذا لا يجيبنا إذا كان هذا يعفه". يقول أحمد بن سنان: "بلغني أن الإمام أحمد صنع له عند خبّاز في اليمن، وأكرى نفسه من جمّال عند خروجه، وعرض عليه عبدالرزاق دراهم صالحة فلم يقبلها. ومن ذلك: أنه بعد الفتنة رد عطايا الخليفة بل وأفناها.
ومنها: الحرص على السنة في زمن الشدة والكرب، ففي الصحيحين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان على فراش الموت، دخل عليه عبدالرحمن بن أبي بكر وفي يده عود يستن به، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالت عائشة: فعلمت أنه يريده، فأخذته وطيبته، فتسوك به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رفع إصبعه أو يده وقال: في الرفيق الأعلى ثم توفي صلى الله عليه وسلم). يقول إبراهيم بن هانئ: "اختفى الإمام أحمد عندي ثلاثة أيام، ثم قال: اطلب لي موضعًا، فقلت: لا آمن عليك، قال: افعل، فإذا فعلت أفدتك، فطلبت له موضعًا، فلما خرج قال: اختفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام ثم تحول.
ومن ذلك: حرص الإمام أحمد على العمل بأحاديث رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، التي تأمر بالصبر والسمع والطاعة في غير معصية، وتحرم شق عصا المسلمين والخروج على إمامهم، كما في قوله لمن سأله عن الواثق والخروج عليه: "هذا خلاف الآثار".
ومن ذلك: الحرص على قوة الحجة وصفائها، والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح، ورد البدعة بالسنة والآثار، يقول الإمام أحمد: "لقد احتجوا علي بشيء ما يقوى قلبي ولا ينطلق لساني أن أحكيه، أنكروا الآثار، وما ظننتهم على هذا حتى سمعت مقالتهم، فجعل ابن عون يقول: الجسم وكذا وكذا من أقوال الفلاسفة يعني، فقلت: لا أدري ما تقول، وقلت هو الأحد الصمد، قال: وجعلوا يناظرونني فأرد عليهم، فإذا جاؤوا بشيء من الكلام مما ليس في الكتاب والسنة، قلت: ما أدري ما هذا، وأقول: أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن الآداب: عدم مجادلة الجهلة المعاندين، والإعراض عنهم، قال الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: ((وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجهلين))، يقول الإمام أحمد: "كانوا القوم إذا انقطعوا عن الحجة عرف ابن أبي دؤاد رئيسهم فتكلم، فكلمني مرة فلم ألتفت إليه، فقال لي الخليفة المعتصم: ألا تكلمه؟ فقلت: لست أعرفه من أهل العلم فأكلمه".
ومن ذلك: الحرص على دفع الضرر عن المسلمين، ولو أدّى ذلك إلى الإمساك عن بعض طرق الخير، يقول حنبل: "لما مات المعتصم وولي ابنه الواثق، أكثر الناس من الأخذ عن الإمام أحمد، فشق ذلك على أهل البدع، فكتب الحسن بن علي بن الجعد قاضي بغداد إلى ابن أبي دؤاد: أن أحمد قد انبسط في الحديث، فلما بلغ أبا عبدالله أمسك عن التحديث من نفسه من غير أن يمنع"، وهذا من فقه وحكمته، خوفا من حصول فتنة تسلط أهل الأهواء ثانية.
ومن ذلك: الفرح لمن ثبت في المحنة، كما فرح الصحابة بثبات كعب بن مالك وصاحبيه، في قصة تخلفهم عن غزوة تبوك، يقول حنبل: "حضرت الإمام أحمد ويحيى بن معين عند عفان بن مسلم، بعدما دعاه الأمير إسحاق بن إبراهيم للمحنة، وكان أول من امتُحن من الناس عفان، سأله يحيى بن معين من الغد بعد أن امتحن، والإمام أحمد حاضر ونحن معه، فقال له يحيى: يا أبا عثمان أخبرنا بما قال لك إسحاق وما رددت عليه، فطلب منه عفان أن يعفيه فلم يقبل، فقال: دعا إسحاق بن إبراهيم، فلما دخلت عليه، قرأ عليَّ الكتاب الذي كتب به الخليفة المأمون، وإذا فيه: امتحن عفان، وادعه إلى أن يقول إن القرآن كذا وكذا –يعني: أنه مخلوق- فإن قال ذلك فأقرّه على أمره، وإن لم يجبك إلى ما كتبت به إليك، فاقطع عنه الذي يجري عليه، وكان المأمون يجري على عفان خمسمئة درهم كل شهر، قال عفان: فلما قرأ الكتاب، قال لي الأمير ما تقول؟ فقرأت عليه: ((قل هو الله أحد*الله الصمد)) حتى ختمتها، فقلت: أمخلوق هذا؟ قال الأمير: يا شيخ، إن أمير المؤمنين يقول إنك إن لم تجبه إلى الذي يدعوك إليه، يقطع عنك ما يجري عليك من بيت المال، وإن قطع عنك أمير المؤمنين قطعنا عنك نحن أيضًا، فقلت له: يقول الله جل وعلا: ((وفي السماء رزقكم وما توعدون))، قال: فسكت عني وانصرف، فسر بذلك الإمام أحمد ويحيى بن معين ومن حضر من أصحابنا".
يقول الله سبحانه وتعالى: ((وكأين من نبي قاتل معه ربييون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين)).
فرحم الله أئمة أهل السنة الأبرار، كيف جاهدوا وصبروا في سبيل الدفاع عن السنة، فجزاهم الله خير الجزاء .
ـــــــــــــــــــ
قام بتفريغ المادة أحد الإخوة الفضلاء .. شكر الله له وأصلح عمله وبارك فيه .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
اين ردودكم
=========
>>>> الرد الثاني :
يا مطالعين
=========
>>>> الرد الثالث :
=========
>>>> الرد الرابع :
=========
>>>> الرد الخامس :
=========