عنوان الموضوع : مساعدة حول مذكرة تخرج من الانشغالات
مقدم من طرف منتديات العندليب

السلام عليكم أطلب المساعدة لإنجاز مذكرة تخرج حول آراء ابن خلدون التربوية


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

هو عبد الرحمن بن محمد بن خلدون(1332-1406م) نشأ في اسرة عربية الاصل وتعلم صناعة العربية عن والده، واخذ العلوم عن بعض

حكماء المغرب المفكرين العرب الذين كتبوا في الطبيعة البشرية وقوانينها، ويرى ابن خلدون ان العلم والتعليم من طبائع العمران، يزدهران حيث يعظم العمران وكضرورة من ضرورات الاجتماع البشري وتمكين الجماعة من العيش برفاهية من خلال الخبرات والصنائع التي تناولها بالتعليم اما اهم اراء ابن خلدون التر بوية هو التأكد على التدرج في التعليم من السهل الى الصعب مع الامثلة الحسية ووجوب معاملة الاطفال بالين، والتقليل من العقاب لان الشدة تحملهم على الكذب والخبث والتظاهر الكاذب بالتعلم ويرى ان اللغات يمكن اتقانها عن طريق التمرين والتكرار واعتبر القواعد وسيلة لحسن التعبير وليس هدفاً بحد ذاته ، واللغة مجموعة من العادات اللغوية مع عدم تكليف المتعلمين فوق طاقاتهم بل بمراعاة عقلهم واستعداداتهم ولايؤيد ابن خلدون تعليم المختصرات خاصة للمبتدئين حيث انها تضر بالعلم والفن فهي صعبة ولايستطيع المتعلم السيطرة على العلم من مجرد حفظها وينصح بعدم اطالة الفترات بين الدروس لكي لاينسى المتعلم ما درسه ويؤكد ابن خلدون على تدريس الجزيئات اولا ثم الانتقال الى الكليات ويسلك في ذلك الطريقة الاستقرائية ، فيعرض الامثلة والشواهد الكافية ثم ينتقل منها الى التعاريف والقواعد واكد على الاهتمام بالرحلات في طلب العلم وفائدتها في تحصيل المزيد منه واولى اهتماما كبيرا في تعلم اللغة العربية وتدريسها وبحيث تكون مايجري تدريسها لانها اساس لكل علم واكد ابن خلدون على ضرورة تدريس القرآن الكريم وتدريسه قبل اي شيء آخر وبين اهمية العمل والصنائع كقيمة عالية تقاس بها الاشياء من حيث ما بذل فيها منه وكواحد من الوسائل الاساسية لتحقيق مهمة الانسان في الارض واستخلافه العمراني في العالم

=========


>>>> الرد الثاني :

ابن خلدون رائد معاصر ـــ د.سهيل عروسي

تحتفل الإنسانية في هذا العام بذكرى مرور ستمائة عام على رحيل الفيلسوف ورائد علم الاجتماع ابن خلدون (1332-1406)، إذ يعد ابن خلدون واحداً من أبرز المفكرين العرب سمحت ثقافته الواسعة وممارسته للحياة السياسية بمختلف عناوينها وتجلياتها بأن يكون ليس فقط أحد مشيدي صروح الفكر العربي الإسلامي بل أحد نوابغ الفكر البشري.‏

كما تثير هذه الذكرى أوضاع هذه الأمة التي لم تستطع حتى الآن إنتاج ابن خلدون آخر أو ابن رشد آخر وهو ما يستوجب من حكماء هذه الأمة، التفكر قبل التفكير في الأوضاع التي آلت إليها الأمة العربية وابتداع الآليات المناسبة للخروج من المأزق.‏

لقد كتب ابن خلدون العديد من الكتب لكن أهم مؤلفاته هو كتابه الشهير "العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر". وكان هذا الكتاب على مقدمة وثلاثة كتب(1):‏

المقدمة في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلماع بمغالط المؤرخين.‏

-الكتاب الأول: في العمران وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك والسلطان والكسب والمعاش والصنائع والعلوم ولذلك من العلل والأسباب.‏

-الكتاب الثاني: في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ مبدأ الخليقة إلى هذا العهد وفيه من الإلماع ببعض من عاصرهم من الأمم والمشاهير ودولهم....‏

-الكتاب الثالث: في أخبار البربر ومواليهم من زناته وذكر أوليتهم وأجيالهم وماكان بديار المغرب خاصة من الملك والدول.‏

يلاحظ من هذا النص أن ما يعرف الآن باسم المقدمة هو عبارة عن المقدمة +الكتاب الأول وقد جمعا في مجلد واحد وهو المعروف الآن باسم مقدمة ابن خلدون.‏

أو كما يقول د.محمد عابد الجابري(2): "إن كتاب العبر هو الكتاب الذي يشتمل على الدروس المستخلصة من الماضي وهي تلك الدروس التي تشرحها المقدمة. أما ديوان المبتدأ والخبر فهو السجل الذي يشتمل على أخبار الدول وتفاصيل قيامها وسقوطها وهذا ما يحتوي عليه القسم المخصص للتاريخ من كتاب العبر. أما الكتاب الثالث (أيام العرب، والعجم والبربر) فهو في أخبارهم.‏

وتعد مقدمة ابن خلدون: "حسب تأكيد جميع الباحثين والدارسين عملاً موسوعياً قدَّم لنا فيه ابن خلدون صورة بانورامية كاملة للحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية في المجتمع العربي- الإسلامي الوسيط. والمقدمة هي في الوقت ذاته وبالدرجة الأولى صورة حية للحياة الاجتماعية في مختلف البيئات التي تقلّب فيها وعاصرها ابن خلدون وللعصر الذي عاش فيه. ويعرض ابن خلدون في هذا الكتاب الهام آراءه وتصوراته حول المجتمع البشري و الدولة، كما يعرض فيها آراءه النفسية والاجتماعية والسياسية والتربوية"(3). لقد قيل في المقدمة ما يعكس تنوعها وتغطيتها لمساحات واسعة من التاريخ والفكر العربيين وأظهرت ابن خلدون قامة مديدة في حقلي الفلسفة وعلم الاجتماع.‏

فقد قال ناتانيل سميث(4): إن ابن خلدون كشف عن ميدان التاريخ الحقيقي وطبيعته وهو فيلسوف مثل أوغست كونت وتوماس بكل وهربرت سبنسر وصل في علم الاجتماع إلى حدود لم يصل إليها كونت نفسه في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وقال عنه تارد في كتابه (علم الاجتماع النظري): كانوا يظنون أن أول من قال بخضوع الحياة الاجتماعية لمبدأ الحتمية هو مونتسكيو أوفيكو في حين أن ابن خلدون وهو من رجال القرن الرابع عشر كان قد قال بذلك قبلهما بمدة طويلة. وقال عنه دي بور في كتابه (تاريخ الفلسفة في الإسلام): في مقدمة ابن خلدون كثير من الملاحظات النفسية والسياسية الدقيقة وهي في جملتها عمل عظيم مبتكر. إن ابن خلدون هو أول من حاول أن يربط بين تطور الاجتماع الإنساني وبين علله القريبة مع حسن الإدراك لمسائل البحث وتقريرها مؤيدة بالأدلة المقنعة وهو يرى أن للمدنية والعمران البشري قوانين ثابتة يسير عليها كل منهما في تطوره.‏

أما المستشرقة الروسية س.باتسييفا فقد رأت أنه لأول مرة في تاريخ العلم يتم طرح نظرية التطور التقدمي الحتمي للمجتمع من المرحلة الدنيا إلى المرحلة العليا عن طريق تطوير أشكال نشاط الناس الإنتاجي وفسَّر تطور أشكال الحياة بتطور الإنتاج. وكذلك رأى المستشرق الروسي بارتولد: حيث تعود المحاولة الأولى لوضع قوانين التطور التاريخي إلى ابن خلدون الذي وضع نصب عينيه هذا الهدف في القرن الرابع عشر قبل أن تظهر التجارب الأولى في اللغات الأوربية بوقت طويل.‏

أما المؤرخ الشهير ارنولد توينبي فقد عد أن مقدمة ابن خلدون أعظم عمل من نوعه خلقه أي عقل في أي زمان ومكان.‏

وأمام هذا الفيض من الآراء المختلفة والمتنوعة يجد علي الوردي صعوبة في فهم مقاصد ابن خلدون حيث يقول: ((أعترف أني لم أستطع أن أفهم مقاصد ابن خلدون إلاَّ بعد أن قرأت مقدمته عدة مرات قراءة إمعان واستقصاء. وفي كل مرة أقرأ المقدمة منها، أكتشف منها وجهاً جديداً من آراء ابن خلدون. ومن يدريني فلربما كنت حتى هذه الساعة بعيداً عن فهم ابن خلدون كما هو في حقيقة أمره))(5).‏

ما يهمنا في هذا البحث المكثف ليس الدخول في تفاصيل الفكر الخلدوني والمرتكز أساساً على الإجابة على السؤال التالي: لماذا انهارت الحضارة العربية الإسلامية بعد أن كانت قد بلغت من العظمة والمجد ما بلغت. إن الإجابة على هذا السؤال كما يرى د.محمد عابد الجابري(6). هي الإطار العام لتأملات ابن خلدون. إن ما يهمنا هو تسليط الضوء على ما قدمه ابن خلدون من أفكار ومفاهيم في مختلف المجالات تخديماً لبحثنا منطلقين في ذلك من الورقة التي قدمت إلى الندوة الخاصة بسوسيولوجيا البلدان النامية في جامعة كارل ماركس –لايبزغ- ألمانيا الديمقراطية-12/تموز/1984-د.محمد أحمد الزعبي (نشرتها مجلة المستقبل العربي):‏

-إن ابن خلدون قام لأول مرة في العصور الوسطى بمحاولة لتحويل التاريخ الأدبي إلى مادة علمية أي إلى فرع من الفلسفة.‏

-لأول مرة في تاريخ العلوم تصبح الحياة الاجتماعية للبشر قوة أساسية خلاّقة في المجتمع تحدد جميع الجوانب الأخرى من حياته ومن بينها الإيديولوجية ((المعاش ضروري طبيعي وتعلم العلم كمالي أو حاجي والطبيعي أقدم من الكمالي)).‏

-كان ابن خلدون أول اقتصادي معروف في الوقت الراهن كشف عن أسرار القيمة وأنه أول من اكتشف مضمون القيمة في العمل ((أعلم أن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش)) وهذا ما يجعله رائد المادية التاريخية.‏

-لقد حدَّد ابن خلدون مبدئياً، درجتين متفاوتتين للحاجات. حاجات ضرورية وحاجات كمالية فإذا أدت الأولى إلى تأسيس المجتمع فإنه بقدر إشباعها تنشأ الحاجة الثانية ((لأن الضروري أصل والكمالي فرع ناشئ عنه)). وانطلاقاً من هذا المنعطف الصارم لتطور الاحتياجات، يبدع ابن خلدون نظرية التطور التقدمي للمجتمع ((ولهذا نجد التمدن غاية للبدوي يجري عليها.... والحضري لا يتشوّف إلى أحوال البادية إلاَّ لضرورة تدعو إليها أو لتقصير عن أحوال أهل مدينته)).‏

-لأول مرة في تاريخ العلم يضع ابن خلدون نظرية التطور القانوني التقدمي للمجتمع من المرحلة السفلى إلى المرحلة العليا من خلال نوع النشاط الإنتاجي للناس.‏

-لأول مرة في تاريخ العلم يرفض ابن خلدون العقيدة التي بموجبها يتطور المجتمع نتيجة لضغط أية قوة خارجية عليه وحينما يبحث عن الباعث على التطور يرده إلى المجتمع ذاته (مرت فترة ليست بالقصيرة، كنا نرجع عدم تطور مجتمعاتنا إلى الاستعمار والإمبريالية إن كان ذلك صحيحاً في جلِّه لكنه ليس صحيحاً في كلِّه).‏

-ابن خلدون كعالم تجريبي حقيقي يصر على أن الإنسان لا يمكنه أن يعرف سوى العالم المادي الذي يدركه بأعضاء الحس فحسب، أما ما يتعلق بالعالم غير المادي فإنه ينتمي جميعه إلى نطاق الدين.‏

-لأول مرة في تاريخ الفكر البشري يقوم ابن خلدون بمحاولة ابتداع علم خاص بالمجتمع البشري وقوانينه الداخلية.‏

-ويرى د.عبد المجيد مزيان أن أهم الاكتشافات الخلدونية كانت شبه قوانين اقتصادية يمكن تلخيصها فيما يلي:‏

-إثبات موضوعية الحياة الاقتصادية.‏

-الإلحاح على أن الحياة الاقتصادية مربوطة بالأرض مع الإقرار أنه قد يحصل شبه استقلال عن الأرض في الحياة المدنية التي تعتمد كثيراً على اختراعات الإنسان.‏

*التأكيد على أن العمل الإنساني هو تقريباً كل المعاش.‏

*إثبات أن الحياة المعاشية تمتد آثارها إلى مختلف النشاطات والميادين المجتمعية الأخرى من سياسة وسلوك أخلاقي وتنظيمات.‏

*التأكيد على أن الصراع مستمر بين المجموعات التي يتباين ويتناقص معاشها(=الصراع الطبقي) أما النظرية الاجتماعية والتغير الاجتماعي عند ابن خلدون فيمكن إيجازها بالتالي:‏

*الإنسان مدني بالطبع، أي لابد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاح الحكماء وهو معنى العمران.‏

*يحمل البشر بقايا من تكوينهم السابق هي العدوانية. إذن فلابد من وازع يحميهم من أنفسهم وله سلطة القهر. ولكن مسألة من سيكون الحاكم ومن سيكون المحكوم استلزمت ظهور العصبية ابتداء من صلة الرحم وانتهاء بالرابطة المعنوية. ومن واقع هيمنة عصبية قوية على بقية العصبيات الأخرى ضمن مجموعات جغرافية وأثنية ولغوية وثقافية محددة، ظهر الملك. وبما أن القوة عنصر لازم ولكنه غير كاف للملك كان لابد من رابطة إيديولوجية أعم من الروابط العصبية فكانت السياسة وكان الدين.‏

وتنطلق هذه العملية من البادية القاسية الفقيرة باتجاه المدينة حيث الرفه والغنى وهذا يعني أن غاية البدوي المدنية وغاية العصبية، الملك. وإن الحضارة تحفر قبرها بواسطة معولي الترف والظلم وهكذا تؤول الحضارة والدولة إلى الموت المحقق على يد عصبية جديدة ما تزال تحتفظ بعناصر شبابها. تتكرر هذه العملية كل حوالي مائة عام مرة لكنها تتكرر بأشكال مختلفة يحددها عبد الله العروي كالتالي:‏

-تطور التاريخ العام الذي يقود الاجتماع البشري من البداوة إلى الحضارة.‏

-تطور الحضارة التي تمر بخمسة أطوار هي: البدء-التعمير-العمران-الهرم-التجديد.‏

-تطور الدولة التي تمر بثلاثة أطوار هي: الشباب-الرجولة-الكهولة.‏

-تطور السلطة من الملك الطبيعي الذي هو من ضرورات الاستمرار للجنس البشري إلى السياسة العقلية ومنها إلى السياسة الشرعية. وهذه الأنماط السياسية موجودة في التاريخ الإنساني ولا تنفي الواحدة الأخرى (انظر المخطط الذي يجسد نظرية التغير الاجتماعي عند ابن خلدون في نهاية البحث المأخوذة من ورقة د.محمد أحمد الزعبي).‏

لقد عد ابن خلدون مرحلة الحضارة أعلى مراحل تطور الدولة وثقافتها ((فطور الدولة من أولها بداوة ثم إذا حصل الملك تبعه الرفه واتساع الأحوال والحضارة إنما هي تفنين في الترف وأحكام الصنائع)). و((الصنائع من توابع الحضارة، وتعلم العلم من جملة الصنائع التي تكثر في الأمصار الموفورة الحضارة)).‏

إن أهمية فكر ابن خلدون بهذا الصدد تتجلى ليس فيما يتعلق بمعالجته الدقيقة والصائبة لمفهوم الحضارة على أنها أعلى مراحل التقدم المادي والفكري فحسب وإنما أيضاً لتمييزه المفهوم المرتبط بهذا الموضوع الذي هو مثار جدل حتى أيامنا هذه ألا وهو مفهوم الثقافة(7).‏

إن الثقافة عند ابن خلدون هي الدراية الجيدة بكل ما يتعلق بمجال من المجالات فكراً وممارسة. ويشير مفهوم الثقافة لدى ابن خلدون إلى جانب التعليم والممارسة (الاكتساب) وإعمال الفكر والدراية، إلى الذوق وأساليب التعامل التي تزداد رقياً برقي الدولة وتهذيب الحضارة((إن طبيعة الملك تقتضي الدعة وإذا اتخذوا الدعة والراحة مألفاً وخلقاً صار لهم ذلك طبيعة وجبلة شأن العوائد كلها وإيلافها فترى أجيالهم الحادثة في غضارة العيش ومهاد الترف والدعة وينقلب خلق التوحش وينسون عوائد البداوة التي كان بها الملك من شدة البأس وتعود الافتراس وركوب البيداء وهداية القفر فلا يفرق بينهم وبين السوقة من الحضر إلا في الثقافة)). و((ينسون الحماية والمدافعة والمطالبة ويلبسون على الناس في الشارة والزي وركوب الخيل وحسن الثقافة)).‏

أما مسائل التربية والتعليم فيعدهما ابن خلدون ظاهرتين اجتماعيتين، تولدان في المجتمع وتتطوران بمقدار تطوره وتزدهران بازدهاره ((فالعلم والتعليم طبيعي في البشر)).‏

وتنطلق آراء ابن خلدون في التربية والتعليم من النقاط التالية(8):‏

*مراعاة مقدرة المتعلم العقلية.‏

*التدرج بالمتعلم من السهل إلى الصعب.‏

*لا يشتغل المتعلم إلا بعلم واحد حتى يتمكن منه ثم ينتقل إلى غيره.‏

*ألا تفصل مدة طويلة بين الدرس والدرس.‏

*الشدة على المتعلمين مضرّة ولاسيما على الصغار.‏

*العلم ملكة لا تتم بالحفظ بل بالفهم (على العكس مما هو قائم في نظامنا التعليمي القائم على مبدأ: التلقين من قبل المعلم والحفظ من قبل التلميذ. ومبدأ: بضاعتكم ردت إليكم من قبل التلميذ.‏

*أهمية التكرار في رسوخ العلم في عقل المتعلم.‏

*العلم يعتمد على الاستعداد الشخصي لقبول هذا العلم أو ذاك.‏

*العلم والتعليم عمل جماعي لهذا كان موجوداً في الحضر أكثر منه في البدو.‏

*التعليم بالمحاكاة والمباشرة لا ينقل المعارف والمذاهب إلى المتعلم فقط بل ينقل الأخلاق والفضائل أيضاً.‏

*من الأفضل أن يبدأ الأطفال علومهم بالحساب لأنه رياضة لعقولهم.‏

ولكن وبالاستناد إلى ما سبق من مفاهيم تربوية وتعليمية هل يمكن القول بوجود نظرية خاصة لابن خلدون في هذا المضمار؟..‏

يجيب د.محمد عابد الجابري ((الحقيقة –فيما نرى- أن ابن خلدون لم تكن له نظرية خاصة في هذا الموضوع، فهو في هذا الميدان، إما يصف طرق التعليم السائدة في عصره، واختلافها باختلاف العمران في الدول الإسلامية إلى عهده، رابطاً وصفة هذا؛ باختلاف أحوال العمران في طور البداوة عنها في طور الحضارة، وإما يتحدث بإيجاز، هنا وهناك عما يجب أن يكون عليه منهج التعليم. وفي هذا المجال نجده –في الغالب- ينقل عن أسلافه مفكري الإسلام خاصة منهم الغزالي والقاضي أبا بكر بن العربي، بل إنه ينقل عن أرسطو دون أن يذكر اسمه. على أن الذي حمل ابن خلدون على ذكر هذه الموضوعات وأمثالها في مقدمته، هو ما يقرره من أن ((التعليم والعلم من جملة الصنائع)) و((أن العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة... والسبب في ذلك هو أن تعليم العلم... من جملة الصنائع... وأن الصنائع إنما تكثر في الأمصار، وعلى نسبة عمرانها في الكثرة والقلة والحضارة والترف تكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة لأنه أمر زائد على المعاش....(9).‏

إذاً المسألة عنده، داخلة في نطاق ما يعرض للعمران بطبيعته من الأحوال كما يرى د.الجابري وذلك نتيجة دخول الدولة طور الحضارة والترف، ومن ثمَّ فهي ذات صلة وثيقة بنظريته العامة في العصبية والدولة، مثلها في ذلك مثل تطور اللغة وآدابها، وظهور الموشحات والزجل الشعبي.‏

هذه الرؤيا، على الرغم من أن ابن خلدون لم يتحرر نهائياً من أطر التفكير القديمة وقوالب الفكر السائدة وهي قوالب المنطق الأرسطي –كما يرى د.الجابري- إلاَّ أنه لا يمكن النظر إليها إلاَّ على أنها عمل رائد ضخم لم تحظ بالاهتمام العربي الكافي إلا في مطلع عصر النهضة (اليقظة العربية).‏

واهتم به البعض الآخر على خلفية كونه فقيهاً مالكياً، أشعرياً بالأساس وليس لكونه رائداً لعلم الاجتماع!...‏

=========


>>>> الرد الثالث :

هو عبدالرحمن بن محمد بن محمد, ابن خلدون أبو زيد,ولي الدين الحضرمي الإشبيلي, من ولد وائل بن حجر, الفيلسوف العالم الاجتماعي, أصله من إشبيلية, ومولده ونشأته بتونس, اشتهر بكتابه العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر, في سبعة مجلدات, أولها المقدمة وهي تعد من أصول علم الاجتماع, وقد ترجمت إلى اللغة الفرنسية وغيرها (الزركلي, د. ت, ص 106), وكانت ولادته في تونس غرة رمضان 732هـ الموافق 27 ما يو 1332م (عنان, 1352, ص 12), وتوفي في 26 رمضان سنة 808هـ الموافق 16 مارس 1406م وسنه 76 سنة, ودفن خارج باب النصر بمقبرة الصوفية في القاهرة (الإبراشي, 1395هـ, ص 273) .



آراؤه التربوية :

يرى ابن خلدون أن للتربية أهدافاً هي :

1-إعطاء الفرصة للفكر لكي ينشط .

2-إعطاء الإنسان الفرصة لكي يحيى حياة طيبة في مجتمع راق متحضر.

3-إعطاء الإنسان الفرصة لكسب الرزق وتنمية الخصال الحميدة فيه ويعتبر أن الأساس في التعلّم القرآن الكريم (خضر, 1402, ص158-159). وقد ذكر علي وآخرون (1425-211) أن ابن خلدون قسم العلوم إلى قسمين:

الأول: العلوم النقلية: وهي العلوم التي ينقلها الإنسان عمن وضعها, وكلها مستندة إلى الخبر من مصدره الشرعي ولا مجال للعقل فيها, إلا إلحاق الفروع بالأصول, ومن هذه العلوم, علم التفسير, علم القراءات, علوم الحديث, علم أصول الفقه, علم التوحيد, علم البيان, علم الأدب .

الثاني: العلوم العقلية, وهي التي يهتدي إليها الإنسان بعقله وهي تشمل علم المنطق والعلم الطبيعي, والعلم الإلهي ( ما وراء الطبيعة ) وعلم النظر في المقادير (الرياضيات والفلك والهندسة) .

وقد رتب ابن خلدون العلوم بحسب أهميتها للمتعلم على النحو التالي :

1-العلوم الدينية وهي العلوم المقصودة بالذات مثل القرآن الكريم والحديث الشريف .

2-العلوم العقلية وهذه أيضاً علوم مقصودة مثل العلم الطبيعي .

3-العلوم الآلية المساعدة للعلوم الشرعية مثل اللغة والنحو والبلاغة .

4-العلوم الآلية المساعدة للعلوم العقلية مثل علم المنطق (خضر, 1402, ص 160) .

ويذكر أحمد (1402هـ, ص 162) أن ابن خلدون شدد على استمرارية التعليم من المهد إلى اللحد وأنه ليس هناك حد ينتهي عنده التعليم, وسوف أذكر الآن أهم الآراء التي ذكرها ابن خلدون في مقدمته .

1- أن كثرة التآليف في العلوم عائقة على التحصيل:

يقرر ابن خلدون أن العقل الإنساني يشوبه القصور, وأن مراتبه تختلف باختلاف البشر, وخاصة في المراحل الأولى من حياة الإنسان, وقد ذكر أن عقل الإنسان لا يستطيع أن يستوعب العلوم التي تكثر فيها المصطلحات والمؤلفات وقد ذكر في المقدمة (د. ت, ص 1230) "اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التآليف واختلاف الاصطلاحات في التعليم, وتعدد طرقها, ثم مطالبة المتعلم باستحضار ذلك" ويقصد ابن خلدون هنا, كثرة المؤلفات والمصطلحات في العلم الواحد, بحيث يؤدي ذلك إلى نفور المتعلم من التعليم, وابن خلدون يهدف إلى التيسير علم المتعلم وبالخصوص في بداية عهد الطالب بالتعليم.

ومن الدوافع لدى ابن خلدون لكتابة هذا الفصل كثرة طرق التدريس في عهده, حيث انتشر في عهده الطريقة القيروانية والمصرية والبغدادية والقرطبية وغيرها. وكان المطلوب من الطالب أن يميز بين هذه الطرق, لدرجة أنها أصبحت هي المقصودة بالتعليم وهذا خطأ كبيرة فالطرق وسيلة وليست غاية. وفي ذلك يقول ابن خلدون "ثم إنه يحتاج إلى تمييز الطريقة القيروانية من القرطبية والبغدادية والمصرية, وطرق المتأخرين عنهم والإحاطة بذلك كله, والمتعلم مطالب باستحضارها جميعها وتميز ما بينها, والعمر ينقضي في واحد منها" (المقدمة, د. ت, ص 1231). مما تقدم يظهر لنا أن ابن خلدون نادى بمراعاة قدرات الطلاب, وأن لا نثقل عليهم بما هو فوق طاقتهم, وأن يتم التعليم بيسر وسهولة حتى يقبل الطلاب التعلم, وتزيد الدافعية لديهم, وأن لا يكون التعليم منفراً لهم. وهذا الذي تنادي به التربية الحديثة, وقد ظهرت النظريات المتعددة التي تنادي بمراعاة الفروق الفردية بين الطلاب, كما ظهر مبدأ التدرج في التعليم, والانتقال من السهل إلى الصعب ومن المحسوس إلى المجرد .



2- عدم إشغال المتعلم بعلمين في وقت واحد :

إن تعليم الطلاب علمين في وقت واحد, يشغل الطلاب ويعرضهم للفشل والإحباط, وذلك لأن عقل الإنسان محدود, وغير قادر على الإحاطة بأكثر من علم في وقت واحد, وفي ذلك يقول ابن خلدون "أن لا يخلط على المتعلم علمان معاً, فإنه حينئذٍ قلّ أن يظفر بواحد منهما لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل واحد منهما إلى تفهم الآخر, فيستغلقان معاً ويستصعبان, ويعود منهما بالخيبة, وإذا تفرغ الفكر لتعلم ما هو بسبيله مقتصراً عليه, فربما كان ذلك أجدر بتحصيله (المقدمة, د. ت, ص 1225) .

كما أنه نادى أن يتم تعليم القراءة والكتابة ثم الانتقال إلى تعليم القرآن الكريم وحفظه وفهم معانيه, وهو ينتقد المعلمين في عصره لأنهم يصرون على تحفيظ المتعلمين الصغار القرآن الكريم, قبل تعلّم القراءة والكتابة ويقول أن القرآن الكريم هو كتاب الله, وليس لنا أن نقلده, وليس له تأثير في اللغة قبل أن يفهم الناشئة معانيه ويتذوقون أساليبه, ويدركون مقاصده, ويكون ذلك بتعليمهم مبادئ القراءة والكتابة, وليس العكس مراعاة للترتيب المنطقي (أحمد, 1982 ص 157). كما أن تركيز ابن خلدون على حصر التعلم في علم واحد, في الزمن الواحد, يؤدي إلى تمرين العقل, ثم يتقبل العلوم الأخرى بسهولة, ويقول علماء التربية في ذلك أن تدريب العقل بمادة من المواد يجعله قادراً على التفكير في المواد الأخرى ويمكنه في الإجادة في كل مادة, وهذا بسبب انتقال أثر التدريب من هذه المادة إلى المواد الأخرى (يوسف, 1955, ص 352) .



3- التدرج في تدريس العلوم للمتعلمين :

وهذا من الأشياء التي نادى بها ابن خلدون, وذلك بأن يبدأ المعلم مع طلابه بالبسيط الذي يقبله عقله, ثم يتدرج معهم مستخدماً التكرار مع استعمال الأمثال الحسية, وبذلك يتم للمتعلم الحصول على العلم ويقول ابن خلدون في ذلك "اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً إذا كان على التدريج" (المقدمة, د. ت, ص 1233), وقد ذكر الحصري (1953, ص 453) أن ابن خلدون قرر ثلاث قواعد عامة للمعلم وهي :

1-على المعلم أن لا يخلط مباحث الكتاب الواحد بكتاب آخر .

2-أن لا يطيل الفواصل بين درس وآخر .

3-أن لا يخلط على المتعلم علمين معاً .

ونلاحظ أن ما قاله ابن خلدون لا يختلف عما ينادي به علماء التربية في الوقت الحاضر, من كيفية التعامل مع المتعلم وخاصة في المراحل الأولى, حيث نادى بالاهتمام بالمعاني العامة, والابتعاد عن التفاصيل, واستخدام الأمثلة الحسية, وفي ذلك يقول "يكون المتعلم أول الأمر عاجزاً عن الفهم بالجملة إلا في الأقل وعلى سبيل التقريب وبالإجمال وبالأمثال الحسية" (المقدمة, د. ت, 1233) .

كما أن التكرار الذي طالب به ابن خلدون بقوله "يحصل العلم في ثلاث تكرارات, وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه" (المقدمة, د. ت, ص 1233), هو ما تنادى به التربية الحديثة وقد ذكر ناصر (1989, ص 123), أن المتعلم إذا كرر عملاً معيناً فهذا يسهل عليه التعلم,كما أن تكرار العمل عدة مرات يكسبه نوعاً من الثبات, ويستطيع المتعلم أن يصحح الأخطاء إن وجدت .

كما أن التجارب الحديثة تدل على أن الاستمرار في تكرار ما تعلمناه يساعد على ثباته في الذهن, وبعض التجارب تقول أننا ننسى حوالي 60% من المواد التي يتم تعلمها في حالة عدم التكرار (راجح, 1970, ص 283) .



4- عدم الشدة على المتعلمين :

لقد انتقد ابن خلدون أسلوب العقاب الذي كان سائداً في عصره, وطلب من المعلمين استخدام الرحمة واللين مع الطلاب فقال: "ينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبد في التأديب" (المقدمة, د. ت, ص1244), واعتبر أن مجاوزة الحد في العقاب له أضرار على الطلاب ويعمل على إفساد أخلاقه, وبذلك لا يتحقق الهدف من التعليم, ويقول "من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر, وحمل على الكذب والخبث" (المقدمة, د. ت, ص 1243) .

وهذا القول لابن خلدون يظهر رأيه في العقاب, حيث يرفض الشدة على المتعلمين, لأنها مضرة بالمتعلم وتعمل على إفساد أخلاقه وتؤثر على شخصيته, وتعمل على إكساب المتعلمين سلوكيات غير مرغوب فيها. وتزيد القلق والتوتر والخوف في نفوسهم, وقد أشارت دراسات علماء النفس إلى أنه في حالة عدم تمكن الطفل من التخلص من التوتر النفسي, فإن ذلك يؤدي إلى العدوان والانحراف السلوكي, وقد يؤدي إلى الكذب والسرقة والهروب من المدرسة وغير ذلك من مظاهر الجنوح (بلقيس ومرعي, 1987, ص 155), ومن النظريات الحديثة التي تطرقت إلى الابتعاد عن الشدة على المتعلمين واستخدام الثواب كعامل من عوامل التعزيز, نظرية ثورنديك وفحواها أن الإنسان إذا اقترن عمله بما ينشرح له صدره كالثواب تمكن هذا العمل في نفسه ورسخ في ذهنه, أما إذا اقترن عمله بما ينقبض له صدره كالعقاب فإن هذا العمل لا يتمكن في نفسه ولا يرسخ في ذهنه وذلك على اعتبار أن الإنسان يميل بطبيعته إلى ما يسره, ويتجنب ما يسؤوه (شهيلا, 1961, ص 105) .

ومع أن ابن خلدون عارض الشدة على المتعلمين للآثار السلبية, إلا أنه لم يدعو إلى التسامح الكلي مع الأطفال فقد أباح العقاب البدني في الضرورة القصوى وبما لا يزيد على ثلاثة أسواط, بشرط أن يكون العقاب آخر العلاج, وبعد استخدام الترغيب والترهيب والتوبيخ والعزل والإهمال, إذن العقاب البدني مباح لتعديل سلوك معين ولكن في أضيق الحدود, وكوسيلة لردع الطلاب من الوقوع في الأخطاء, ويجب أن يتفاوت في شدته حسب الذنب المرتكب, ويقول يوسف (1955, ص 153), أن العقاب من ضرورات التربية, ولكن يجب أن يختلف في شدته ونوعه حسب الذنب, لأنه نوع من الألم مقصود لذاته , لكي يشعر به الذي قصّر أو أهمل, فلا يعاود ما عمله سابقاً, فهذا الرأي لابن خلدون في عدم الشدة مع الطلاب يوافق مع ما يذكره علماء التربية وعلم النفس في الوقت الحاضر .



5- إن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم تخل بالتعليم :

يرى ابن خلدون أن من العوامل التي تقف في طريق التعليم اختصار كتب العلم فقال: "ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق في العلوم يولعون بها ويدونون منها مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها باختصار الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن, وصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسراً في الفهم" (المقدمة, د. ت. ص 1232), وقد ضرب أمثلة على ذلك بابن الحاجب في الفقه, وابن مالك في قواعد اللغة العربية, وقد انتقد ابن خلدون ذلك لأن بعض العلوم تحتاج إلى الإطالة والتكرار, لأن فيها مفاهيم ومعان لا يستطيع المتعلم فهمها بدون الإطالة والتكرار, ولأن اختصار العلوم يصيبها بالخلل وتصبح عسيرة على الفهم وخاصة لصغار المتعلمين, لعدم وجود الاستعداد والقدرة لفهم المختصرات. ويقول ابن خلدون أن الاختصار يفسد التعليم ويخل بالتحصيل ويخلط على المبتدئ في التعليم بإلقاء الغايات من العلم وهو لم يستعد لقبولها (المقدمة, د. ت, ص 1232) .

وهذا يوافق الأبحاث التربوية المعاصرة في أن المتعلم يجب أن يستعد للتعلم, وأن لا يرغم على تلقي العلوم دون الاستعداد الكافي, لأن عدم الاستعداد والإرغام يضيع الجهود المبذولة في التعليم (شهيلا, 1961, ص 119) .



6- طرق التدريس :

لم يطلب ابن خلدون من المعلمين استخدام طريقة واحدة في التدريس, وأجاز لهم استخدام الطريقة التي تناسب قدرات وميول وإمكانيات الطلاب لأن التعليم عنده صناعة والصناع يختلفون في طرق صناعتهم, ولكل صناعة طرق مختلفة ويحق للمعلم أن يستخدم كل الطرق أو بعضها لتحقيق الأهداف المرجوة, وهذا الرأي يتفق مع ما يقوله رجال التربية في الوقت الحاضر من أن أحسن الطرق هي التي تناسب المادة الدراسية ومستوى الطلاب, ومع أن ابن خلدون أباح استخدام الطرق التي تناسب المعلم إلا أنه يشجع على استخدام طريقة المناقشة (أحمد, 1982, ص 105) فالتعليم عند ابن خلدون يهدف إلى حصول المتعلم على ملكة العلم حيث يصبح على درجة عالية من الفهم وليس فقط حفظه دون فهم وتعمق, لذا انتقد ابن خلدون الطريقة القيروانية التي كانت في زمانه تركز على الحفظ بشكل كبير, ووصف الطلاب بأنهم يلتزمون الصمت والسكون التام دون مشاركة .



نتائج البحث :

توصل البحث إلى ما يلي :

1-وجود أفكار تربوية عديدة لابن خلدون .

2-أن الكثير من هذه الأفكار التربوية تتفق مع ما تنادي به التربية الحديثة .



توصيات البحث :

في ضوء نتائج البحث نوصي بالآتي :

1-دراسة القرن الثامن الهجري لبيان واقع الحياة في ذلك القرن .

2-دراسة الآراء التربوية للعلماء والمسلمين, وبيان كيفية الاستفادة منها في الوقت المعاصر .

3-دراسة نظام التعليم في القرن الثامن الهجري, مع ذكر الجوانب الإيجابية للاستفادة منها .

=========


>>>> الرد الرابع :

المنهــج التربـوي عنـد ابن خــلدون

في ضوء علم اللسان التربوي الحديث - المقدمة أنموذجا –

١٢ أيار (مايو) ٢٠٠٦بقلم فاتح زيوان



مقدمة

يعد البحث التربوي من الموضوعات المهمة التي شغلت بال واهتمام الدارسين قديما وحديثا،ونالت القسـط الأوفر من دراستهم،إذ التـربية ليست بعملية خلـق معدومة عنـد الإنسـان،ولكنها صقل وتطوير،وتهذيب لمـا هو موجـود عنده من استعدادات وقدرات؛ فالنتائج الحضارية محصلة من مجتمع عرف ازدهارا وركودا،إقبالا وإحجاما، فشلا أو نجاحا، تعود إلى التربية والتعليم،وإلى القائمين عليها من حيث إدراكهم لمبادئها وقوانينها من ناحية،ومن حيث تطبيقهم لها علميا من ناحية أخرى.

وقد غدت اليوم قضية الإصلاح التربـوي إحدى القضايا المطروحة على كافـة الصعد، العالمية، والإقليمية،والمحلية، وهي ليست بالجديدة على ساحتنا العربية، فقد كان الإصلاح هاجسا ملحـا لدى النخب السياسية والثقافيـة منذ مطلع النهضـة في القرن التاسع عشر، وإن تعددت منظـوراته وتباينت الوسـائل المطروحـة لتحقيقه. غير أن ما شهده العالم في الحقبة الأخيرة فيما صار يعرف ب"العولمة" وما كشفت عنه الأحداث في المجـال العربي،جعـل خطـاب الإصلاح يبـرز من جديد،متفاعلا مع معطيـات العصر ومتغيراته، مشتمـلا على إشكـالات كثيرة، منها الحكم الصالح والديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان والتربية.

وإيمانا منا بالتواصل المعرفي مع الماضي، واحتفـاء بالذكرى المئـوية السادسة لرحيل العلامة"عبد الرحمن بن خلدون" أحد الرموز الفكرية في الحضارة العربية الإسلامية،آترث المساهمة في هذه المجلة العلمية بهذه الورقة،التي تحمل عنـوان "المنهج التربوي عند ابن خلدون في ضوء علم اللسان التربوي الحديث"-المقدمة- أنموذجا".

ونهدف من وراء ذلك إلى استحضار جهـوده التـربوية؛ وذلك بتسليـط الضـوء على منهجه التربوي الذي توخاه في تربية وتعليم النشء.

المنهج التربوي عند ابن خلدون

لاريب أن ابن خلدون يحتل مكانة متميزة في تراثنا العربي والإسلامي،وحتى في الفكر الغربي المعاصر،وينظر إليه على أنه صاحب مشروع ورؤية حضارية خاصة،ولاسيما فيما يتعلق بدراسة التاريخ البشري، والمجتمع الإنساني، والعمـران الحضاري، أضف إلى ذلك عبقريته في الفكـر الاقتصادي والتربـوي والسياسـي وغيرهـا من الحقـول المعرفية،ويشـار إليه صاحب منهجية في النظر والتفكير والبحث والتفسير،مثلث في زمانه قفزة لإبداعية متميزة ووصفت بعض إنجازاته على الأقل بأنها غير مسبوقة، باعتباره مؤسسها، وأنها لم تكن معروفة قبله،فهـو لم يكن غريبا عن مختلف ميادين المعرفة العلمية،بل كان ذا ثقافة موسوعية،لديه إحاطة بالعديد من العلوم،وإلماما واسعا بالعلوم الأخرى،فعلى الرغم من تخصصه بدراسة الظواهر الاجتماعية، وتوصله إلى أنها محكومة بالقوانين والسنن نفسهـا التـي تحكم سلـوك الظواهـر الطبيعية، وإقامتـه لعلاقـة قوية بين البيئــة الطبيعيـة(الجغرافية)، والسلوك البشري والاجتمـاعي والنفسي،وكذا دراستـه للعلوم الإسلامية النقلية-حيث تشهد إسهـاماته بتبحره في علـوم القرآن والسنة والفقه،حتى عد مؤهلا لتولي منصب قاضي قضاة المالكية بمصر،وشهرته عنـد عامة الناس بأنه صاحب الفضل في إرساء قواعد فلسفة التاريخ وصار يذكر في الكتب الحديثة بأنه منشئ علم الاجتماع العمراني،وهذا اعتراف بجزء مما أبدعه الرجل:"فابن خلدون": "يجهل قدره كثير من الناس،بل إنهم يعرفونه على أنه عالم اجتمـاع ليس إلا.ولكن هنـاك من اللسانيين من يجـد في المقدمـة مخزونـا من الاستطرادات الثرية التي تدل على جملة من الأفكار اللسانية التربوية التي لاتقل أهمية عما توصل إليه البحث اللساني واللساني التطبيقي عنـد الغربيين" [1] لم يغفل الرجل عـن تقديم شتى الأفكـار التربوية لرجـال التـربية والتعليـم في عصره، وهي جديرة بالأخذ في عصرنا؛لأنها لاتقل أهمية عما يذهب إليه علم اللسان التربوي الحديث.وهذا بعد نقده اللاذع للطرائق التعليمية التي كانت سائدة في عصره، وكيفية تأدية المعلمين لها:"وقد شاهدنا كثيرا من المعلمين لهذا العهد الذي أدركنا،يجهلون طرق التعليـم وإفاداته ويحضرون للمتعلم في أول تعليمـه المسائل المقفلة من العلم ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها ويحسبون ذلك مرانا على التعليم وصوابا فيه ويكلفونه رعي ذلك وتحصيله ويخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها." [2]

وقد تناول في مقدمته عديـد من العلوم التي صنفها تصنيفات كثيرة،وكان لعلـوم اللسان النصيب الأوفر والجزء الأهم، حيث بنى اللسان العربي على أربعة أركان ورتبها مراتب متفاوتة ومختلفة،بحسب المقاصد التي يقصدها المتكلم: "…وهي: اللغة والنحو والبيان والأدب، ومعرفتها ضرورية على أهل الشريعة..." [3]. جاعلا النحو أولها،فهو الذي له حق التقدم على هذه العلوم المذكورة، إذ هوالموصل إلى صواب النطق،المقيم لزيغ اللسان،المؤدي إلى محمود الإفصاح،يستعـان به في فهم سائر العلوم،وكان لذلك في نفسه أغراض:" والذي يتحصل أن المقدم منها هو النحو، إذ به يتبين أصول المقاصد بالدلالة فيعرف الفاعل من المفعول،والمبتدأ من الخبر،ولولاه لجهل أصل الإفادة" [4].

كما حرص المصلح الاجتماعي والتربوي على تحديد منهج خاص بالتربية،ذلك المنهـج الذي لا تختلف أسسه ومبادئه عما يدعـو إليه علم اللسـان التربـوي الحديث،بل يتميز عن المناهج الجديدة ببسـاطته وتدرجه في المعرفة واستنـاده إلى الحفظ والذكر،وتمسكه ببساطة المعلم، وبنظام صارم للثواب والعقاب.

وتظهر معالم منهجه التربوي في الطـريقة الناجعـة التي رسمها في تعليـم الناشئة،وفي تحديده للآداب والشروط الواجب توفرها في المعلم والمتعلم،فقد أكد صراحة أن عملية التعلم والتعليـم طبيعية في العمران البشري، فالإنسـان متميز عن سائر خلق الله بالفكـر الذي يهتدي به، فهو تواق إلى تحصيل ما ليس عنـده من الإدراكات، فينشأ عن ذلك موقف تعلمي. وتقوم عملية التعلم عادة على ثلاثة أعمدة، وهي المعلم والمتعلم والطريقة. وتتحقق الأهداف التربوية والتعليمية بمقدار ما يتوفر لهذا الموقف التعليمي من شروط [5]. ذلك أن التعلم عموما هو"اكتساب العلوم واجتلابها إلى القلب" [6]. قال ابن خلدون:"اعلم أن العلوم البشرية خزانتها النفس الإنسانية بما جعل الله فيها من الإدراك الذي يفيدها ذلك الفكر المحصل لها التصور للحقائق أولا،ثم بإثبات العوارض الذاتية لها أو نفيها عنها ثانيا..." [7].

ومن الصعب الفصل في أي علم بين المنهج والموضوع، فبدون منهج تصبح كل دراسة علمية لأي موضوع [8]. أو ظاهرة مستحيلة، فلايمكن تطبيق أي منهج، دون توفر موضوع.

وفي ضـوء هذا أورد ابن خلدون في أثناء تحديده للمنهج التربـوي السليـم شروطا،دينية، ودنيوية،ينبغي على المعلم والمتعلم التحلي بها،حتى تكـون عملية التعليم ناجحة، ومثمرة،فمن البديهي أن الإنسان لا يتعلم أية خبرة أو مهارة فكرية إلا إذا كان حاصلا على الشروط اللازمة للقيام بمثل هذه العملية،وتنحصر هذه الشروط في هذه المبادئ:

أولا:- شروط المعلم(المربي):

الإحاطة بمبادئ التعليم وعدم الشدة على المتعلمين: يعد المعلم العنصـر الأساس في العملية التربوية،فهو المتصرف في قلـوب البشر،وهو أيضا بمثابة الطبيب المعالج للنفس من مرضها وجهلها بالعلوم، بل إن مهمته أخطر فيما يرى "الغزالي أبو حامد" من مهمة الطبيب؛لأن الأول متصرف في العقول والقلـوب في حين أن الثاني متصرف في الأبدان، وشتان مابين النفس والبدن، فمهمته إذن شريفة،إلى الحد الذي تجعله وريثا للأنبياء، ومن تصدر لهذه المهمة فقد تقلد أمـرا عظيما يفرض عليه آداب وشروطا،كأن يكون المربي قادرا على التعليم،وذا كفاءة، غير مستبد، ولا يكون قاسيا غليظـا مع المتعلم؛ لكي لا يجـره إلى الكذب:"وذلك أن إرهاف الحد بالتعليم مضر بالمتعلم سيما في أصاغر الولد لأنه من سوء الملكة ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو الممالك أو الخدم سطا به القهـر وضيق عن النفس في انبساطهـا وذهب بنشاطها ودعـاه إلى الكسـل وحمـل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبسـاط الأيدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة..." [9]. وأن يكون ذا ثقافة عامة تمكنه من إفادة المتعلمين إفادة متنوعة،توسع في الوقت نفسه من أفقه المعرفي وتحفظه من بلبلة أفكارهم بالمعلومات الخاطئة أو المعارضة أو من مغبة التعصب الأعمى ضـد العلوم التي لم يعرفها عن قرب أو بعد،فالناس أعداء لما يجهلون كما يقال، وأن يلم بطرائـق التعليـم ومبادئه ومهاراته،متـوقفـا عند مسائـله،مستنبطـا فروعـه من أصوله، حتى يكون التعليم مزدهرا ومحققا لأهدافه: "إن فهم المسألة الواحـدة من الفن الواحد مشترك بين من شدا إلى ذلك الفن وبين من هو مبتدئ فيه وبين العامي الذي لم يعرف علما وبين العالم النحرير..." [10]، باعتبار التعلم صناعـة شأنها شأن باقي الصناعات الأخرى كما ورد على لسان ابن خلدون،فنجاحهـا وفشلها يرتبطان بالقائمين عليها،والمعلمون هم سند هذه الصناعة، وهذا المبدأ يمثل اليوم إحدى الاهتمامات الرئيسة للمشرفين على قطاع التربية والتعليم،حيث سنت الوزارة برامج تخص تكوين المكونين،وأحدثت المراكز والهيئات لاستقبال رجال التربية والتعليم؛ وهذا كله بهدف توسيـع وتجديد معلومـات المربين،وتدريبهم على استخدام التكنولوجيا في العملية التعليمية.

الإيجاز المفيد في تقديم المسائل العلمية وحسن الانتقاء: دعا ابن خلدون المربين إلى عدم الاستكتارمن العلـوم الآلية التي لا ينبغـي أن توسع فيها الأنظار ولاتوسع فيها المسائل، منها على سبيل المثال لا الحصر علم النحو،وبرر ذلك بأن التعمق والاستكثـار من مسائله المقفلة سيخرجـها عن المقصود، ويصير الاشتغال بها لغوا،خاصة ونحن نعلم أن النحو العربي أنحـاء ومدارس مختلفة،وأن الهدف الأسمى منه هو معرفة صـواب الكلام من أخطائه،وإصلاح الألسنة من اللحن أو اللكنة كما قال الشاعر [11]:

النحو يصلح من لسان الألكن * والمرء تكرمه إذا لم يلحن وإذا طلبت من العلوم أجلها * فأجلها نفعا مقيم الألسن. وهو في هذا المذهب ينحو نحو الجاحظ "ت 255هـ"الذي دعا إلى ضرورة تعليم النحو الوظيفي الذي يجري في المعاملات،والتمييز بين النحـو كعلم والنحـو كتعليم، تضمن ذلك قوله: "وأما النحو فلا تشغل قلبه( قلب الصبي) منه إلا بقدر ما يؤديه إلى السلامة من فاحش اللحـن، ومن مقدار جهل العوام فـي كتـاب إن كتبه،وشيء إن وصفه، وما زاد على ذلك فهو مشغلة عما هو أولى به..." [12]

وعليه فإن الاشتغال والإكثار من المسائل، يصير في رأيه من باب اللغو،جاء ذلك في قوله:"... وهذا كما فعله المتأخر ون في صناعة النحو... لأنهم أوسعوا دائرة الكلام فيها نقلا واستدلالا،وأكثروا من التفاريع والمسائل بما أخرجهـا عن كونها آلة وصيرها مقصودة لذاتها.وربما يقع فيها لذلك أنظار ومسـائل لاحاجة بها في العلوم المقصودة بالذات فتكون لأجل ذلك من نوع اللغو،وهي مضرة أيضا بالمتعلمين على الإطلاق" [13].

كما نبه ابن خلدون أيضا إلى أن الاختصار المخل سيحدث لا محالة ضررا في إيصال المعاني،والإكثـار منها في العلـوم يخـل بالتعليم: "ذهب كثيـر من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم يولعون بها ويدونـون منها برنامجا مختصرا في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن وصـار ذلك مخلا بالبلاغة وعسيرا على الفهم..." [14].

والرأي عندي أن هذه الأفكار التربوية التي أقرها ابن خلدون في القرن الثامن الهجري قد أكدتها اللسانيات التربوية الحديثة.

المتابعة والاستمرار في تلقين العلم وعدم الخلط بين الفنون:

ألح ابن خلدون على عدم الانتقال من مسألة علمية إلى مسألة أخرى قبل فهـم المتعلم للمسألة الأولى، ولذا يجب عليه الاستمرار في تلقيـن المسألة الواحدة إلى أن ينتهي منها، ويتحقق أن المتعلم قد استوعبها، وحذر من انقطاع المجالس والتفريق فيما بينها؛لأن ذلك يؤدي إلى النسيـان أولا،ويؤول إلى عدم تعلـق المسائل بعضها ببعض ثانيا، جاء ذلك في قوله: "وكذلك ينبغي لك أن لا تطول على المتعلـم في الفن الواحد بتفريق المجـالس وتقطيع ما بينها لأنـه ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من بعض..." [15].

كما نبه إلى عدم الخلط بين المسائل،في قوله: "... ومن المذاهب الجميلة والطرق الواجبة في التعليم أن لا يخلط على المتعلم علمان معا،فإنها حينئذ قل أن يظفر بواحد منهما،لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل واحد منهما..." [16]. وهو بهذا يؤكد على الجانب المنهجي في طريقة التلقين، بعدم الخلط بين علمين؛لأن ذلك من شأنه يؤدي إلى خيبة الأمل لدى المتعلم،حيث يصرف باله،ويضعف ملكته في النفس أو يؤخرها على الأقل؛ لانصراف الذهن ،مما ينبغي الاهتمام بمسائل العلم المولدة للملكة العلمية [17]. وعدم الخلط بينها.

مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين:

ينبه ابن خلدون من خلال آرائـه التربوية إلى الإقرار بمراعـاة الفروق الفردية بين المتعلمين، فالعوامـل النفسية والجسمية والبيئية تؤدي دورا أساسيا في تحديـد حجم التعلم،بحيث يتفاوت ذلك الحجم بين فرد وآخر،فالأفراد يختلفون في درجة الذكاء وفي قدرة الاستيعاب: "... وهوكما رأيت إنما يحصل في ثلاث تكرارات وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه..." [18].

ومراعاة هذا المبدأ أكده العلـم اللسانـي الحديث؛ ذلك أن الأنـام لا يتكلمـون على منوال واحد، بل تجدهم،حتى في حـالة انتمائهم إلى المحيـط الاجتمـاعي نفسه،يختلفـون في سرعة السرد،ويتفـاوتون في رصيـدهم من المفردات [19] ويتمايزون من حيث الصـوت، ومن جملة تلك الفروق، ما يلاحـظ لـدى الناس من أن لكل واحد منهم أسلوبا ينفرد به في الإنشاء الأدبي،وفي سرعة تحصيـل العلم والمعرفة.ومن هنا طولب القائمـون على عملية التعلم ابتداء من الأنبيـاء إلى الأساتذة والمربين بأن يخاطبوا الناس على قدر عقولهم.

الحث على الممارسة والتحلي بالتدرج والتكرار في عرض المادة: يرى ابن خلدون أن الطريقة الناجعة في تلقين العلوم إنما يكون:" مفيدا إذا كـان على التدريج شيئا فشيئا وقليلا قليلا يلقى عليه أولا مسائل من كل باب من الفـن هي أصول ذلك الباب ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حتى ينتهي إلى آخر الفن وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم..." [20]. فيجب على المعلم أن يذكـر للمتعلم إلا ما يستطيـع تحمله،مراعيـا قدراته واستعداداتـه على تلقي تلك المـادة العلميـة، وأن يبتعد عن التعقيد ويتقيد بالتدرج في عرض أية مسألة علميـة، باعتبار التـدرج أحـد المبادئ المساهمة في نجـاح العملية التعليمية، ويكون ذلك ببدء المعلـم بالشـيء الواضح من العلم قبل الغامض، وبالبسيط قبل المعقد،وبالجزء قبل الكل، وبالعملي قبل النظري،وبالمحسوس قبل المجرد،فلا يبدأ بالعويـص من المسائـل فيغرق في أمور لا يحتملها، فيؤدي به إلى الفشل، كما ينبغي على المعلم الاستيفاء بالشرح والبيان،ولا يترك عويصا ولامبهما ولا مغلقا إلا وضحه،وهذا في رأي " العلامة ابن خلدون" وجه التعليـم المفيـد والصحيـح، ولن يكون مثمرا إلا من خلال التكرار:"...وهوكما رأيت إنما يحصـل في ثلاث تكرارات وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك..." [21]. فالتكرار إذن مبدأ ضروري لتكوين الملكة؛ لكونه عاملا أساسيا لتحقيق عملية التعلم ،ذلك أن الملكة لاتحصل إلا بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواصه تركيبه،فهذا التحديد للملكة اللسانية من قبل ابن خلدون نراه صالحـا لأن يكـون المقابل العربي لمفهـوم الكفايـة عنــد نوام تشو مسكي، وكثرة التكرار تؤدي إلى الحفـظ الذي يزيـد صاحب الملكـة رسوخا وقوة، ولا يحصل ذلك إلا بعد فهم كلام العرب. ولعل هذا ما تقره اللسانيات التربوية الحديثة،حيث يعمل المربون حديثا بهذه المبادئ-التدرج ،والتكرار والحث على الممارسة- في تلقين العلوم.

ثانيا : شروط المتعلم:

الإصغاء(السمع):إن المتعلـم مطـالب في بدايـة تعليمـه بالإصغـاء لمعلمـه واستيعـاب العلـوم المختلفـة عنه قبل أن يتطـرق للاختلافـات من المذاهب، ذلك أن السمـع أو الإنصـات هـو أبـو الملكـات اللسانيـة في نظـر" ابن خلدون"،فالشيء الذي يعين المتعلم على فتق لسانه بالمحاورة والكلام والمناظرة، هو الانغماس الكلي في وسط لغوي عفوي، إذ يسمع ثم يقلد أو يردد ما يسمعه،و هذا ما طرقه" ابن خلدون" في معـرض تفسيره لقـول العامة أن اللغة للعرب بالطبع،حيث يقول:"فالمتكلم من العرب حين كانت ملكة اللغة العربية موجـودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطبـاتهم وكيفيـة تعبيرهم عن مقـاصدهم كمـا يسمع الصبي استعمـال المفـردات في معانيها...ثم لا يزال سمـاعهم لذلك يتجـدد في كـل لحـظة ومـن كل متكلم،واستعمـاله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكـة وصفة راسخـة ويكـون كأحدهم" [22]. فالتعليم في الصغر أشد رسوخا وهو أصل لما بعده "لأن السابق الأول للقلوب كالأساس للملكـات وعلى حسب أسـاس وأساليبه يكون حـال من ينبني عليه." [23].

وقد أكد علم اللسان التربوي الحديث على ضرورة الاهتمـام بملكة السمـع باعتبارها الحاسة الأولى المساهمة في عملية التعلم،وهو من المبادئ اللسانية التربوية التي أقرها،ويسمى عند جمهور اللسانيين التطبيقيين"الحمـام اللغوي أو الانغماس اللغوي bain linguistique [24]، وهي تأتي في المرتبة الأولى؛ذلك أن الإنسان يسمع قبل أن يتكلم.

وهذه الملكة تحصل في رأي ابن خلدون:"... بممارسـة كلام العرب وتركـه على السمع والتفطن لخواص تراكيبه وليست تحصـل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك..." [25].

والظاهر لنا جليا أن الرجل قد أعطى السمع الأولـوية في امتلاك ناصـية العلم،معتبرا إياه أبا لجميع الملكات؛ذلك:"إن الطبيعـة وهبت الإنسان لسانـا واحدا،ولكنها وهبته أذنين...والحكمة في ذلك هي أن يسمع ضعف ما يتكلم" [26]ونجد "ل.بلومفيلد" يشـارك ابن خلدون في إعطـاء ملكـة السمـع درجـة من الأهمية، حيث استغل المنهجية السمعية الشفهية في تحليله التوزيعي للغة وفق المحورين الصرفي والتركيبي، إذ من خصائص هذه المنهجية [27]:

الاهتمام بالمنطوق والمسموع قبل المقروء والمكتـوب ومن ثمة العمل على تنمية اللغة الشفهية
تقديم اللغة المراد تعليمها في شكل حوار يسجل على أشرطة مغناطيسية تتحول بعد ذلك إلى مخابر اللغات.
الاعتماد على التكرار الشفهي المكثف من أجل ترسيخ الجمل المثالية
التكثيف من المحاكاة والحفظ ثم استعمال التمارين البنيوية.

الاستعداد :

على المتعلم الاستعداد للتعلم والتفـرغ للعلم،والابتعـاد عن إغراءات الدنيـا وشهواتها: "فإن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجا ويكون المتعلم أول الأمر عاجزا عن الفهم بالجملة إلا في الأقل وعلى سبيل التقريب والإجمال والأمثال الحسية ثم لا يزال الاستعداد فيه يتدرج قليلا قليلا..." [28]. ولن يتأتى ذلك إلا بإقامة علاقة عاطفية بين المعلم والمتعلم، والتدرج بالمتعلم مع تشويقه للمادة المراد تلقينها، وهذا بعد دراسة نفسيته واستعداداته العقلية:" واعلم أيها المتعلم أني أتحفك بفائدة في تعلمك فإن تلقيتها بالقبول وأمسكتها بيد الصناعة ظفرت بكنز عظيم وذخيرة شريفة وأقـدم لك مقدمة تعينـك في فهمها وذلك أن الفكر الإنساني طبيعة مخصوصة فطرها الله كما فطر سائر مبتدعاته وهو وجدان حركة للنفس في البطن الأوسط من الدماغ....ثم الصنـاعة المنطقيـة هي كيفية فعل هذه الطبيعة الفكرية النظرية تصفه لتعلم سداده من خطئه..." [29]

ودعا ابن خلدون المتعلم إلى ضرورة التحلي بالمنطق والاستمطار برحمة الله متى أقفلت وأعوز عليه فهم المسائل ، فالعلم من عند الله [30].

ويعد قانون الاستعداد من المبادئ التي اعتمدها العالم "ثورندايك"في نظريتـه التعليمية،والهدف من ورائه هو توضيح معنى الارتياح والانزعاج،ورأى أنه مفيد بالنسبة للتعلم الإنساني بصورة خاصة. [31]

مرافقة وملازمة شيوخ العلم والرحلة في طلب العلم:

إن ترسيخ ملكة العلم يكون بملازمة رجال العلم،ذلك أن طرائق شيوخ العلم متعددة،فلكل طريقته الخاصة في تلقين العلـوم،وعلـى المتعلم الذي يريـد الاستزادة من العلم وتقوية ملكته ملازمة الشيوخ،والرحلة إن اقتضى الأمـر للقاء بشيوخ العلم:"فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسـوخها والاصطلاحات أيضا في تعليم العلوم...فلقاء أهل العلوم وتعدد المشايخ يفيده تمييز الاصطلاحات بما يراه من اختلاف طرقهم فيها فيجرد العلم عنها ويعلم أنها أنحـاء تعليـم وطرق توصل وتنهض قواه إلى الرسـوخ والاستحكـام في المكان وتصحح معارفه وتميزها عن سواها مع تقوية ملكته..." [32].

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم صراحة في معنى قوله،أنه من سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقـا إلى الجنـة وإن الملائكة لتضـع أجنحتها رهنا لطالب العلم.

الخاتمة

وصفوة القول إن العلامة"ابن خلدون" يعد بحق موسوعة علمية،تناولت شتى حقول المعرفة العلمية،فأفكاره التربوية لاتقل أهمية عما تذهب إليه اللسـانيات التربوية الحديثة،بل يمكننا القول أن له فضل السبق إلى كثير منها ،وبخـاصة ما تعلق بطريقة التدريس،والتي نبه فيها المعلم إلى ضرورة توخي التـدرج والتكرار في عرض المـادة العلمية،والتحلي بمبدأ التشـويق ،مع مراعـاة استعدادات المتعلمين،والأخذ بعين الاعتبار الفـروق الفرديـة بين المتعلمين في أثناء تلقين العلوم،أضف إلى ذلك تمييزه الصريح بين اللغة كملكة، واللغة كصناعة؛أي بين نوعين من المعلومات – المعلومـات الخاصـة بالملكـة والمعلومات الخاصة بالصناعة-،"فالنوع الأخير هو اللغة كنظام وعلم مجرد وقوانين .ويمثل هذا النوع جانب البحث .أما النوع الثاني فهو اللغة كإنجـاز أو تحقيق فعلي في صورة كلام أو كتابة ويمثل هذا النوع جانب الاستعمال" [33] ومن ثم يمكننا وصفه بالباحث اللساني السابق لعصره،فقد تنبـه إلى عديـد من الأفكـار اللسـانية التربوية التي يدعـو إليـها علم اللسـان التربوي الحديث،وبخاصة ما تعلق بالشروط الواجب توفرها في المعلم والمتعلم،كما أسلفنا سردها في متن الورقة.

السمع عنده "أبو الملكات"؛إذ الملكة اللسانية عنده تعني المعرفة التي يكتسبها متكلم اللغة السليقي عن لغته كلاما وفهما،ولاتحصل إلا بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواص تركيبه،فالإنسان يسمع قبل أن يتكلم وهذا ما تدعو إليه مختلف الطرائق المنتهجة حديثا في تعليم العلوم.

لم يكن فضل المقدمـة"كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العـرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"على العلوم فحسب،بل كان فضلها عظيما على الآداب،فكما أفادت العلوم بموضوعاتها،ومادتها؛لأنهـا أسست علما جديدا هو علـم الاجتمـاع،فقد أفادت الآداب بشكلها وصياغتهـا وأحيث أسلوبا عربيا قديما،فقد تحدث عن الموشح، والأزجال، والبلاغة،وانقسام الكلام إلى فني النظم والنثر،وفي صناعة الشعر ووجه تعليمه ...الخ.

إن الرجل غلبت عليه سمة المصلح الاجتماعي الذي يضحي بقوتـه كلهـا وإمكاناته في سبيل تقدم الفرد والمجتمـع على السواء؛لذلك كـان في أقـواله وأعمـاله مرآتا تعكس أو ضـاع المجتمع وحاجياته.،فهو يقوم أولا بتشخيص أمراض مجتمعه وعلله وأسقامه،ثم يشرع في الدعوة إلى الإصلاح ،بتقديم شتى الأساليب والحلول التي تستند إلى رجـاحة العقل والتفكيـر،ولعل هـذا إن دل على شيء، إنما يدل على أصالة فكره وقدرته الإبداعية في صيـاغة فكــر إنساني أصيل ،أسهم مساهمة فعالة في المعرفة الإنسانية.

=========


>>>> الرد الخامس :

ادخل الى هذا الرابط لعلك تجد فيه ماتحتاجه
https://www.almhml.com/c/Ibn-Khaldun-64136

=========


شكرا جزيلا لا أجد العبارات التي أقولها لشكرك وما عساي إلا أن أقول بارك الله فيك أخي العزيز


ممتاز جدا شكرا