السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بيان حقيقة الشّاويّة السّاكنين أوراس ونواحيه.
أمّا بعد.
فإنّ بعض النّاس، ممّن اشتهروا بالتّضليل والإفساد المُتعمَّدَيْن، باتّباعهم أسلوب التّكرار المُملّ والحرب النّفسيّة، حتّى يروّجوا لفكرتهم المقيتة، مع ما يتلقّونه من الجهات المشرفة، من عون، في سبيل التّرويج لأباطيلهم ...
فإنّنا، نحن الشّاويّة، اضطررنا لاتّباع نفس الأسلوب، مُتمثّلين فقط الآية الكريمة: ((وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين))؛ والمثل، الّذي يقول: (في الإعادة إفادة).
نقول:
1. صنّف ابن خلدون الجنس البشريّ، قاطبة، من حيثُ نمط المعيشة، إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: الآهلون؛ ويُعرفون، حديثا، بالمُستقرّين أو القارّين Sédentaires. قال ابن خلدون: من كان معاشه في الزّراعة والقيام بالفلح، كان المَقام به أولى من الظّعن؛ وهؤلاء سكّان المدر والقرى والجبال؛ وهم عامّة البربر والأعاجم إهـ. فاشترك في ذلك عامّة البربر، وهم الآهلون منهُم؛ والأعاجم، سُكّان المدن، عامّتهم.
القسم الثّانيّ: الشّاويّة؛ ويُعرفون، حديثا، بأنصاف الظّواعن أو أشباه الرُّحَل Semi-nomades. قال ابن خلدون: من كان معاشه في السائمة، مثل الغنم والبقر، فهم ظُعْن في الأغلب .. ويسمّون شاويّة، ومعناه القائمون على الشّاء والبقر، ولا يبعدون في القفر، لفقدان المسارح الطّيّبة؛ وهؤلاء مثل البربر والترك وإخوانهم من التّركمان والصّقالبة إهـ. وقال: كما أن الشّاويّة أهل القيام على الشاة والبقر، لمّا كان معاشهم فيها إهـ. فاشترك في ذلك الشّاويّة، وهم الّذين بأوراس وغيره (المغرب الأقصى والصّعيد)، من مُهاجرة البربر الأوراسيّين؛ وظواعن الأتراك والتّركُمان وغيرهم، من الأعاجم.
القسم الثّالث: الظّواعن أبدا، ويُعرفون، حديثا، بالرُّحل Nomades. قال ابنُ خلدون: وأمّا من كان معاشهم في الإبل، فهم أكثر ظعنا وأبعد في القفر مجالا ..؛ وهؤلاء، هم العرب وفي معناهم ظُعون البربر وزاناتة إهـ. وقال: شعائِرُ العرب وسِماتُهُم وأغلبها عليْهم، اتّخاذ الإبل والقيامُ على نِتاجها وطلب الانتجاع بها لارتياد مراعيها ومفاحص توليدها بما كان معاشهم منها؛ فالعرب أهل هذه الشعار من أجيال الآدميين إهـ.اشترك في ذلك العرب وظواعن البربر (صنهاجة ولمطة وغيرهم) وزاناتة.
فائدة: فدلّ هذا التّقسيم على أنّ أنماط الحياة الثّلاثة توجد عند البربر. فمنهم آهلون، وهؤلاء، مثل قبايل زواوة وأكثر مصمودة وكثير من بني مادغيس (مغيلة ومديونة، مثلا)؛ ومنهم الشّاويّة، أو أنصاف الظّواعن، واشترك في ذلك الكثير ممّن سكن أوراس وغيره، من لواتة وهوّارة (قال ابن خلدون: من هوّارة، لهذا العهد، بمصر، أوزاع، متفرقّون، أوطنوها أُكَرة وعبّارة وشاويّة إهـ. وقال أيضا: من قبائل هوّارة، هؤلاء، بالمغرب، أمم كثيرة، في مواطن، من أعمال، تعرف بهم؛ وظواعن شاويّة، تنتجع لمسرحها، في نواحيها إهـ. وقال كذلك: سار، بمَرين، أميرهم، أبو سعيد عُثمان بن عبد الحقّ، في نواحي المغرب .. فبايعه، من الظّواعن الشاويّة والقبائل الآهلة، هوّارة وزْكارة إهـ)؛ ومنهم الظّواعن أبدا، مثل لمطة وصنهاجة الملثّمين وزاناتة وغيرهم.
2. قد تكون سمات الظّعون الأبديّ في غير العرب، كما صرّح به ابن خلدون، آنفا، في قوله: هؤلاء، هم العرب وفي معناهم ظُعون البربر وزاناتة إهـ. ولذلك، لمّا تندرس الأنساب، أو تخفى، يختلط غير العرب بالعرب، ويُسمّون جميعا العرب؛ نظير عرب الصّحراء اليوم، فقد أكّد المُختصّون، من أهل العلوم العقليّة (الأركيولوجيا، وهي علم الآثار والصّناعة؛ والأنثروبولوجيا، وهي علم الخلقة؛ والبسيكولوجيا، وهي علم النّفس والطّبائع؛ والفيلولوجيا، وهي علم اللّسانيّات؛ والتوبونيميا، وهي علم أسماء الأمكنة) أنّ الدّم العربيّ النّقيّ قليل، مُقابل وجود الدّم البربريّ الشّبه نقيّ في البربر المُعتزلين بجبالهم، كالشّاويّة والقبائل. قال ابن خلدون: وربما تكون هذه السمات والشعائر في أهل نسب آخر فيدعون باسم العرب؛ إلاّ أنّهم، في الغالب، يكونون أقرب إلى الأولين من غيرهم؛ وهذا الانتقال لا يكون إلاّ في أزمنة متطاولة وأحقاب متداولة؛ ولذلك يعرض في الانساب ما يعرض من الجهل والخفاء إهـ.
3. إن استدلّ بعضهم بوجود أمور ثقافيّة عند البربر نظير الّتي توجد عند العرب؟ فنقول لهم: بما أنّ البربر، منعزليهم ومتفتّحيهم، هم مسلمون، يصلّون ويصومون ويحجّون ويتصدّقون ويتوضّؤون ويُمارسون أكثر شعائرهم الدّينيّة بالعربيّة؛ فما بالك ببعض الأمور الثّقافيّة المكتسبة عن العرب، بدوهم وحضرهم، كالأمثال والحكم والقصص؛ ومثاله كاتب هذه السّطور وغيره، المعدودون بالملايين، ممّن نافحوا عن العرب والإسلام والثّقافة العربيّة.
شُكرا.