عنوان الموضوع : حالة العراك المصري الجزائري مقاربة عيادية للشوفينية الانتكاسية للجزئار
مقدم من طرف منتديات العندليب
حالة العراك المصري الجزائري مقاربة عيادية للشوفينية الانتكاسية
د. محمد نعمة
إن حوادث الشغب التي تعدت حدود مصر و الجزائر، قد أصابت شظاياها حتى فرنسا، و إذ ببعض مجموعات المشجعين يشتبكون مع شرطة مكافحة الشغب في مرسيليا و ليون و غرو نوبل، وذلك بعد تحطيم المحلات والمتاجر وحرق أكثر من 17 سيارة وتوقيف العشرات من المشاغبين. فمنذ قبيل 'الماتش' الأول في القاهرة، و الحياة في مصر والجزائر قد أخذت منحى آحادي الوجهة وهو أن حاضر الأمة ومستقبلها 'يتوقفان' على من ينتصر،
'فريق الفراعنة' أم 'فريق المليون شهيد'. وإذا بجحافل الإعلام و شركات الإعلان وبالمواقع الالكترونية ومجموعات المنتديات كـ'الفايسبوك و التويتر' وبآلاف آلاف الرسائل السريعة التلفونية المجيشة لمصلحة المواجهة الكبرى تعلن النفير العام. إن الصحف اليومية تقول بأن الرئيس المصري شخصيا ' أصدر توجيهاته بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات لدعم و تشجيع الفريق القومي وتحقيق اكبر قدر ممكن من التواجد لتحقيق الفوز'، وإن الحزب الحاكم ' يتحرك في هذا الاتجاه من منطلق مسؤوليته الوطنية وتعبيرا عن رغبات الجماهير وتنفيذا لتوجيهات الرئيس '. فالحزب يجري حاليا 'بحث سفر حوالي ألفي شاب بالطائرات وتوفير الإعاشة الكاملة لهم أثناء المباراة في السودان'. وقد تم تشكيل مجموعة عمل من الكادر الحزبي ' لتجهيز عدة آلاف من الأعلام المصرية و(الفانلات) التي تحمل ألوان علم مصر'.
أما من الجهة المقابلة، فيبدو انه قد ' جندت كل الطاقات في الجزائر رسميا وشعبيا لمؤازرة منتخب البلاد'، وقد أعلن بأن 'أطباء وأفراد امن وحماية مدنية سيرافقون مشجعي المنتخب الجزائري'. وانه قد تم 'ترتيب 30 رحلة طيران مباشرة إلى السودان لنقل 7500 مشجع وانه تم رفع عدد التذاكر إلى 10 آلاف تذكرة'. و إن بعض مراكز الإعلام الجزائرية قد نقلت عن مسؤولين قولهم ' بأن أكثر من مليون و500 ألف جزائري تقدم بطلبات للسفر إلى الخرطوم. وقد تحولت قضية تذاكر الرحلات الجوية الجزائرية إلى العاصمة السودانية إلى ما يشبه الأزمة بسبب كثافة الطلب... وقد تم رفع عدد التذاكر المجانية لدخول الملعب إلى 10 آلاف تذكرة، وأيضا إن الرحلات إلى السودان لنقل المشجعين ارتفعت إلى 41 رحلة بعد التدخل المباشر للرئيس بوتفليقة'. وأضافت وسائل الإعلام الجزائرية بأنه ' تم تزويد المشجعين بمأكولات و مياه معدنية... وان الرئيس بوتفليقة قد أرسل شقيقه سعيد إلى الخرطوم لمواكبة منتخب بلاده'.
إن هذا الاستنفار الرسمي واكبته تعبئة وتراشق كثيف من قبل ميديا الطرفين. فإذ بالإشاعات التجييشية للذات و الشعارات التحريضية ضد الآخر تنهمر على الساحتين. وبموازاة هذا وذاك، نزل الجزائريون والمصريون كل على حدة تأييدا لبلادهم، و انتقاما من الآخر. فإذ بحوادث الشغب قد أخذت بالانتشار. تحطيم وتكسير بالجملة، اعتداءات على مكاتب ومحلات ترمز للآخر. وحدوث وفيات في مصر والجزائر تأثرا بالنتيجة، وأيضا حالات انتحار لدى كلا الجانبين.
فكما نلاحظ بأنه لا يوجد صعوبة في وصف حالة كرة القدم العربية باعتبار أنها تدل أولا على النزعة الجهوية أو القطرية بأبشع صورها، نزعة تترجم كمربع أولي للانا المنكفئة على ذاتها وإلى حد القطيعة مع العالم الخارجي و لو كان شبيها أو شقيقا.و ثانيا على الوظيفة السياسية الفائقة الأهمية لها من خلال الحضور الدائم المباشر أو غير المباشر للسلطة كلاعب فاعل في بنية وانغراس وانتشار وغائية هذه الرياضة.
إن الرياضة وبوجهتها النظرية، هي المكان الطبيعي واللائق لتصريف العدوانية والهدم، لكن بشكلها المتسامي تجاه وجود الآخر والمتعالي عن حاجة إنزال الأذية بكرامته. أما بوجهتها الشاذة، فهي عندما تشرعن العدوانية وبأشكالها التدميرية قاصدة بذلك هدم كل جسور التعاطف والود مع الآخر. عندما تخرج الرياضة عن أصولها التاريخية والاجتماعية كونها أساسا فإن إدارة الطقوس لثنائية البقاءـ الفناء في علاقة الذات مع الآخر، ولكن تحت السقف الرمزي لهذه الثنائية، تصبح الرياضة إذن امتدادا لمنطق القتل و الهدم، ويصبح الآخر عبارة عن مشاع يتوجب استباحته. وهذا ما شهدته حوادث فرنسا والجزائر والقاهرة والخرطوم. ليس ثمة رياضة، عندما تتحول مدا رج المشاهدين لخنادق متقابلة، لورشات للشعارات والرموز المبجلة والمؤلهة للذات والمبخسة والمحقرة للآخر. وعندما تخرج الملاعب عن كونها تتمة ودية لساحة الحرب بشكلها الرمزي لتغدو معارك شوارع كتتمة لحرب تدميرية فعلية.
إن الرياضة هي ذات وجهين لا ينفصلان، ويشكلان مفارقة هذه الظاهرة نفسها. إنها من جهة احتكاك ثقافي وتواصلي مع الآخر، ومن جهة ثانية، إنها تشحذ الغرائز البدائية الهادفة إلى السيطرة والتفوق. فبمواجهة الصورة الكونية الظاهرة 'للفوتبول' ثمة صورة خلفية تجسد الشرنقة الضيقة للذات سواء كانت لفرد أو لزقاق أو لقرية أو لمدينة أو لأثنية أو لطائفة أو لبلد. واستنادا لما شاهدناه في المعترك الجزائري ـ المصري، فان كرة القدم تعمل أساسا على الانشطارات: الحب والحقد، تأليه الذات وشيطنة الآخر. في هذه الرياضة الآخر لا يوجد إلا كموضوع رفض وإقصاء و اخصاء، والذات لا توجد إلا استنادا للشعور المضخم بالتفوق وعلو الشأن والمكانة. هنا إن أهمية اللعب واللعبة تكمن تحديدا ليس في وجودهما البحت وإنما بغائيتهما ألا وهي الربح، ككلمة فصل بين الذات المنتشية نصرا، والآخر المهان المداس.
من هنا نفهم المبرر النفسي والتعبوي الذي دفع بأنظمة قائمة على العدوانية و التدمير كالفاشية الإيطالية ثم النازية الألمانية باستغلال مبكر للفوتبول كآلية انشطارية للعالم ووسيلة تحشيد في هدم الهيكل األعلائقي. لان في كرة القدم الحقد تجاه الآخر هو دون مبرر، والكره ليس متصلا بوجود الآخر، إنهما مندفعان من أعماق اللاوعي دون مسوغ شرعي ويعطيان للذات الفردية و/أو الجمعية قدسية وطهارة شاذتين، مشوهتين. بحيث أن امة المشجعين هذه تبدو كحمم غضب عمياء، ككائن يحكمه باثولوجيا منطق التشفي والعدوان. ومن هنا نفهم حالة 'الهولوغانز' الأوروبية المنشأ و تحديدا البريطانية والتي هي عبارة عن العنف المصاحب للفوتبول والذي يجسد الحنين لفاشية قد انزاحت عمليا ولكنها لم تزل فاعلة في سراديب المخيال الجمعي الأوروبي.
أما عنف الفوتبول العربي فله خصائص مختلفة بعض الشيء. منها أن هذا العنف هو الدليل على أن طاقة العدوانية و تخيلاتها ليست منفصلة عن القهر الوجودي الذي يتعرض له المواطن في يومياته من حيث التدجين نفس ـ جسدي المزمن، والذي يعبر عن ذاته من خلال ضبط وربط الجسد بقواعد وأحكام تربوية ودينية شديدة، وذات صفات ردعية. ومن خلال تقييد وجود المواطن بألف رقابة اجتماـ سياسية تصده عن التفلت من ربقة السلطة بأشكالها وتضاريسها المختلفة. هنا العربي هو جسد ـ آلة في هرمية إنتاجية جامدة، وجسد ـ خنوع وضعَّة أمام سطوة سياسية فوقية، وجســــد ـ آلام جوع وعوز ومرض، وجسد ـ إحباط جنسي فاقع. فإذ بالمواطن المشجع والذي يغلب عليه هوامات القوة والصفاء و الاكتمال، هو نفسه يتمظهر عمليا كميدان السلطة وسيطرتها، هو نفسه يبدو غايتها المنشودة على الدوام. فهذا الجسد المنضبط والمروَّض في يومياته، هو نفسه الذي وللمفارقة يستبيح الساحات، وذلك ليس إلا من خلال شرعنة السلطة لهذا العنف. إن إحدى خصائص عنف الفوتبول العربي هذا هو في خدمته التي يقدمها من اجل ديمومة السلطة القائمة، بحيث أن الهذيان الشعبوي والشوفيني يعمل أولا على التحويل في مسار العنف و أهدافه، وثانيا في تصريف كمية العدوان في نطاق الزمان ـ المكان المناسب لستاتيكو الاجتماـ سياسي و ديمومة جذره السلطوي.
من خصائص عنف الفوتبول العربي هو أن الالتحام و الانصهار 'الوطني' أو' الإتني' أو حتى ' القروي' بين المشجعين ليس إلا التعبير عن وحدانية ذات الفرد المستعصية والقاتلة لكل على حدة. وبالتالي إنها لحظة استثنائية من الذوبان الانتكاسي والطفولي، لكن في مسار طويل وشاق لأفراد متروكين لوحدهم دون حضن ودون أفق، وقد نهش بهم عجزهم في الحياة، و قلقهم على المصير. لذا نجدهم دون أية مناعة ضد الطاعون الانفعالي، أو العدوى الهستيرية اللذان يلفان كرة القدم العربية هذه. وما الصيحات الشوفينية والشعارات العنصرية البدائية التي تصدح من على المدارج والشوارع ما هي إلا محاولة وهمية لإضفاء الصفاء والقوة على ألذات الغارقة في المهانة والضعف.'إن البحث (النفاجي )عن الجبروت ما هو إلا الصدى الأمين للشعور بالعجز، وبالدونية و الخصاء المستفحل لدى هذه ألذات المستوحدة. هنا إن العنف المسقط على الخارج وبهذه الشروط التبريرية الساذجة والسخيفة هو بالعمق رد فعل على حكم مسبق تجاه ألذات، باعتبارها موضع خجل وعيب لوهنها ولعجزها مجتمعيا عن تأكيد ألذات. وهذا الحكم يبقى في اللاوعي فاعلا ولو بدا في كمون أو كبت مرتبط بوجود سلطة تحتل مسامات الفرد وخلاياه. وبالتالي إن الهذيان الشوفيني والعنصري وتفلت غريزة العدوان هما عبارة عن كوكتيل قام بتركيبه الفرد والسلطة معا.
وأخيرا من ميزات عنف كرة القدم العربية هو أن 'العلاقة الأثرية' (الآركية) بالمعنى العيادي النفسي، والتي هي علاقة الذات ـ الآخر والمحكومة للغليان العاطفي، و لتضخم الطاقة النزوية والمركزة على انشطار الوجود لدى الذات، تعكس أساسا عطلا موضعيا في القدرة على التوليف العقلي، والتي بفضلها يحصل إجمالا تهدئة وتخفيف طغيان الانفعالات على سلوكنا و تصورنا تجاه العالم المحيط بنا. إن هذه العلاقة الأثرية و ما تعكسه من نكوص إلى أطوار بدائية طفولية، تدفع بالفرد وفي مواجهته للواقع، إلى خيارات سحرية، من خلالها يتم إشباع نرجسية مجروحة، وعدوانية مكبوتة، وحاجة ملحة لسند امومي حنيني من خلاله يجد الفرد ثانية جبروته الضائع، والمتجسد في ذات الجماعة المتعملقة من جديد ولو هذيانا، والتي تبدو له جديرة بذوبانه فيها.
إن عنف الفوتبول العربي وشوفينيته هي عارض العقلية العربية باشكاليتها الأساسية والمزمنة والتي تتمثل بالعجز التام والمستدام على الإجابة عن بعض الأسئلة الوجودية والمصيرية: من نحن، إلى أين نحن، وماذا نريد.
' مدير مجلة 'مدارات غربية' - باريس
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :