عنوان الموضوع : تنقيح المناهج الدينية.. في الجزيرة العربية المحتلة
مقدم من طرف منتديات العندليب

تنقيح لا تصحيح

مناهج التعليم الديني وإنتاج التطرّف والتكفير

(1 من 2)

سعد الشريف

أجمعت التحقيقات المحلية والأجنبية على أن مناهج التعليم الديني الرسمي مسؤولة عن إنتاج التطرف، وتالياً الإرهاب، الأمر الذي يستوجب مراجعة شاملة ونقدية للمناهج من أجل تصحيحها وزرع قيم التسامح الديني، واحترام معتقد الآخر، وإرساء أسس التعايش بين المعتقدات..
تأخرت المراجعة طويلاً، وجاءت النتائج مخيّبة، وكأن الفريق الذي وضع منهج التعليم الديني في المدارس الحكومية هو نفسه من قام بالمراجعة، فكان دوره شكلياً، فيما أبقى على المضمون ذاته، فلا يكاد تجد في المنطلقات والنتائج أدنى تغيير..وهذا ما سوف نلحظه في الدراسة التي بين أيدينا حول منهج التعليم الديني، وبالاستناد على مقرر (التوحيد) بدرجة أساسية في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، في آخر طبعة صادرة عن وزارة التربية والتعليم، أي لعامي 2016/2015 ـ2015/2015.
قدّمت جهات عدّة خارجية مطالعات نقدية في منهج التعليم الديني الرسمي، من بينها دراسة أكاديمية أعدّها فريق من الجامعيين والخبراء التربويين بإشراف المحامي عبد العزيز القاسم بعنوان (مناهج العلوم الشرعية في التعليم السعودي..استقراء، تحليل، تقويم) راجع فيها مواد العلوم الدينية/الشرعية في التعليم السعودي في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتوصّل الى أن (مقررات «التوحيد» غير متوافقة مع المعايير العلمية لنمو الطالب)، وطالب الفريق بأن تنفتح مناهج العلوم الشرعية على مرجعيات جديدة، بالإضافة الى كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتوسيع دائرة النظر واكتشاف مظاهر التنوع والثراء في الفكر الإسلامي (لوقاية الناشئة من مخاطر التشدّد وأحادية الخطاب). المشروع كما يبدو كان طموحاً الى حد أن القائمين عليه اعتبروه (لبنة أولى من مشروع إصلاحي واسع يطمح إلى بناء رؤية أكثر استجابة لتطلعات القيادة والشعب السعوديين في مجال تدريس المواد الدينية، يبدأ بإجراءات التقويمات الضرورية، ويفضي إلى وضع تصوّر جديد للمناهج والمقررات والفلسفة التي تحكمهما).
ومن بين أهم ما توصل إليها الفريق أن (اختلال تنظيم القيم في المقررات الشرعية للمرحلة الابتدائية، خاصة في قيمتي المسؤولية والاعتدال، ما يؤسس في الطالب معرفة جدالية لا يتخلق معها بمكارم الأخلاق، وتساهم في انقطاعه عن محيطه الإنساني وتفقده التوازن في إدارة الاختلاف والتنوع).

محمد يوسف، أستاذ التربية بجامعة الملك عبد العزيز والذي ألّف كتاباً عام 2016 حول إعادة هيكلة نظام التعليم السعودي، كتب ما نصّه (بات واضحاً أن أحد أهم أسباب الإرهاب هو احتكار مجموعة معينة من الناس لصياغة المناهج التعليمية في المملكة)، فيما قال أحمد المعدي خبير الشريعة والكاتب (أن هناك افراداً بعينهم لهم آراء متطرفة في الاسلام وإنه يجب إدخال التغييرات على الكتب المدرسية برؤية واقعية هي أن الاسلام دين مودة).
دوايت بشير، كبير المحللين السياسيين بالمفوضية الأمريكية للحريات الدينية في العالم التي زارت المملكة عام 2016 وأصدرت تقريراً عن الكتب المدرسية السعودية، كتبت ما نصّه (قلقنا من هذه الكتب يكمن في أن التفسير محافظ بشدة وينطوي على فهم ضيق (الافق للاسلام) يشجع عدم التسامح في بعض الحالات).
وخلال ملتقى الحوار الوطني الثاني بمكة المكرمة بتاريخ 27 كانون الأول (ديسمبر) 2016، تحت عنوان (الغلو والاعتدال..رؤية منهجية شاملة)، قدّم الباحثان إبراهيم السكران والمحامي الإصلاحي عبد العزيز القاسم بحثاً رصيناً حول المناهج الدينية تحت محور (المقررات الدراسية الدينية، أين الخلل؟) وكان عنوان البحث (قراءة في فقه التعامل مع الآخر والواقع والحضارة في المقررات).
كرّس الباحثان الورقة لمراجعة مناهج العلوم الدينية في التعليم الحكومي للبنين لعدد من وسائل التقويم الفقهية منها: (قراءة عناية المنهج بالمشاركة المدنية التي تقدم للمتلقي قنوات التعبير السلمي البناء عن قناعاته ومصالحه، بحيث لا يتركز المنهج على تكوين قناعة المتلقي بالانفصال عن مؤسسات مجتمعه؛ الأمر الذي يؤدي إلى أن ينفرد بمبادرات خارج قنوات المجتمع المشروعة).
وتكشّفت لدى الباحثين من خلال دراسة المقررات (أن اضطراباً شديداً يموج بمحتوياتها، في قضايا جوهرية تمس طمأنينة الطالب، وحقوق المسلمين، وأصول التعامل مع غير المسلمين من أهل الكتاب والمشركين، وقواعد التعامل مع المعارف والحضارات، وهو اضطراب يخالف أصول الشريعة..).
يلفت الباحثان الى أسس الرؤية الدينية المطلوبة، مثل القبول بمبدأ الاختلاف باعتباره سنّة (كونية الاختلاف الإنساني، وتعميق الإيمان بالتعددية المشروعة أو المعذورة داخل دائرة الإسلام، وترسيخ التواضع للحق ونبذ الزهو المذهبي، وتكريس القيم الشرعية للتعايش والمحبة والمودة، وتقرير أخلاقيات إنصاف المخالف واجتناب بخسه حقه أو غمطه ما معه من الصواب، وتعليم النشء وتدريبهم على مراعاة معيار القدرة والوسع الشرعي في الاجتهاد، وبيان أعذار المجتهدين وغير ذلك من قضايا الاختلاف المقررة في الكتاب والسنة وفقه الأمة). هذه الرؤية الغائبة في مقررات التعليم العام هي المسؤولة عن تنامي نزوعات التطرّف، ووقوع القطيعة بكل أشكال الكراهية المدسوسة فيها. ولذلك فإن (مقرراتنا المدرسية لم تنجح في تقديم رؤية متسقة في هذه القضايا، بل كان الاضطراب والتناقض هو السائد في ما عرضته المقررات من أصول وتعليمات..) حسب الباحثين.
حتى عام 2016 كانت مقررات التعليم الديني الحكومي مليئة بالنصوص المباشرة المحرّضة على التطرّف والعنف والتي يمكن استعراض بعضها بصورة عاجلة.
ففي مقرر التوحيد والفقه للصف الثاني الابتدائي للسنة الدراسية 2016 ـ 2016، جاء في باب الشرك (أن من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله كالدعاء، والذبح، والسجود، وغير ذلك، فهو مشرك كافر، ولو صلى وصام وحج واعتمر وزعم أنه مسلم).
وتكرر الحكم بصيغة أخرى في (ص 19) كتاب التوحيد والفقه للصف الثالث الابتدائي للعام نفسه.
وجاء في (التوحيد والحديث والفقه والتجويد ـ ص18) للصف السادس الابتدائي للفصل الدراسي الاول للسنة الدراسية 2016 ـ 2016 أن طلب الشفاعة من الأوثان أو من أصحاب القبور بالاتجاه اليهم بالدعاء وطلب الشفاعة باطل وهو من الشرك بالله.
وتكرر الحكم بصياغة أخرى في الفصل الدراسي الثاني من المقرر نفسه لسنة 2016 ـ 2016 في باب نواقض الاسلام (ص 10)، وجاء فيه (من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم، كفر). وتكرر حكم التكفير في الصفحة التالية.
وجاء في مقرر التوحيد للصف الأول المتوسط لسنة الدراسية 1427/1428 ـ 2016 ـ2016 في (ص49): (وهذا هو الواقع أيضاً في بعض من ينتسبون إلى الاسلام، فيعبدون الله، ويعبدون معه غيره من أصحاب القبور بالذبح لها، والطواف حولها، وغير ذلك فوقعوا في الشرك الأكبر).
وجاء في المقرر نفسه في ص 52: (أن من بين من لا تنفعهم كلمة لا اله الا الله: من عبد الله، ولم يعتقد أن عبادة القبور باطلة).
وجاء في مقرر التوحيد للصف الثاني المتوسط للسنة الدراسية 1437 ـ 1438/2016 ـ2016 وفي مدخل باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟ ص28: (عبادة الله عند قبر رجل صالح وسيلة الى الشرك الأكبر).
وتكرر الحكم في مكان آخر في (ص 35)، حين الحديث عن الغلو في قبور الصالحين، حيث جاء في المدخل: (الغلو في تعظيم قبور الصالحين يجعلها أوثاناً تعبد من دون الله سبحانه).
وجاء في مقرر التوحيد للصف الثالث الثانوي قسم العلوم الشرعية العربية بنين للسنة الدراسية 1427 ـ1428/2016 ـ2016، وفي باب أنواع الشرك: (شرك أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار)..(ص 13 ـ14) ومثاله: (ورجاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما يمارس الآن حول الأضرحة المبنية على قبور الاولياء والصالحين). وتكرر الحكم في الصفات التالية (17، 18،19).
وفي الردّة بالقول (ص31): دعاء غير الله أو الاستغاثة به فيما لا يقدر عليه الا الله أو الاستعاذة به في ذلك.
والردة بالفعل: كالسجود للصنم والشجر والحجر والقبور والذبح لها. ص31
ومن المعلوم أن حكم الردة يصل الى القتل بعد استتابة صاحبها.
وفي حكم البدعة في الدين بجميع أنواعها، ذُكِرَ منها (ص127): (ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرباً الى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم،وكأقوال غلاة الجهمية والمعتزلة. ومنها ما هو من وسائل الشرك، كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها).
تلك عيّنة عشوائية من النصوص الواردة في مقررات التعليم الديني الرسمي، وهي كفيلة بأن تغرس مشاعر الكراهية في أبناء الوطن الواحد وأن تحيل أتباع المذهب الرسمي الى عناصر متطرفة وقد يتم توظيفهم من قبل الجماعات الارهابية أو أن ينتقلوا الى مشاريع قتال خارج الحدود..
فالرؤية الكونية القائمة على قاعدة أن الآخر بكل أنواعه وانتماءاته الدينية والمذهبية كافر، فإن الترجمة العملية لذلك هو تحويل الاخر الى هدف جهادي، على أساس أن مقاتلة الكفّار واجبة، بحسب النصوص الأصلية للمدرسة الوهابية..
كلام طويل قيل عن تنقيح المقررات الدينية في التعليم الرسمي السعودي، ولكن هل حقاً تم سحب فتيل التطرف من خلال هذه العملية، وهل المشكلة مقتصرة على التنقيح أم أن المطلوب هو تصحيح وليس تنقيح، خصوصاً إذا ما عنى التنقيح مجرد الاختصار أو إضافة جمل اعتراضية يسبغ عليها مفردة (إثرائية) لتجميل العبارة وليس بهدف تصحيح الفكرة..
ما هو جدير بالالتفات أيضاً أن من يتولى تدريس المقررات الدينية في المدارس الحكومية هم من تشرّب المعتقدات الأصلية للمذهب الرسمي، أي أنهم ينتمون لنفس المدرسة الفكرية وهم أمناء عليها بل يعتبرون من واجبهم نقل ما لديهم من هداية الى من هم مسؤولون عن هدايته بحسب التعاليم المذهبية التي تلقوها هؤلاء في الجامعات الدينية، وفي أدبيات المذهب، وفي حلقات الدرس الديني..
لا يكترث مدرس المادة وهو المؤتمن على حراسة المذهب وصون مبادئه ونشر تعاليمه لكل تنقيح طرأ على مناهج التعليم الديني في المدارس الحكومية، فهو يتحرر من كل ذلك في حال شرح عقيدة التوحيد، ويبوح بما يستره المنهج.
في السابق، كان المقرر يعرض عقيدة التوحيد ويصوّر أتباعها بأنها الفرقة الناجية، وأن ماعداها فرق الهلاك، ولا بد من مقاتلتها، والآن يبقى كل شيء على حاله ماعدا حكم المقاتلة الصريحة التي يتولى الإفصاح عنها مدرّس المادة، أو خطيب المسجد، أو الدعاة الذين يجوبون مناطق المملكة لإبلاغ رسالة المذهب.
باختصار، في السابق تؤسس المقررات الدينية في التعليم الرسمي لعقيدة تكفير الآخر وتختتم بحكم وجوب مقاتلته، أما بعد التنقيح المزعوم فهو يؤسس لتكفير الآخر مع وقف تنفيذ حكم المقاتلة، إلا بشروط كما سيأتي.
يتشكل الوعي العقدي لدى الطالب على قاعدة التمايز عن الآخر، الذي يبدأ بزملائه في الصف ثم ينسحب الى الناس خارج حريم المدرسة ليصل الى المجتمع برمته وصولاً الى العالم بأسره..
يتعلّم الطالب في الأول الابتدائي عقيدة التوحيد، في أنواعه الثلاثة، ويبدأ بتوحيد الربوبية. فقد خصّص كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) المطبوع من قبل وزارة التربية والتعليم للصف الاول الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الاول، للسنة الدراسية 1433 ـ 1434 / 2016 ـ 2015، لتدريس (توحيد الربوبية) وهو من بين ثلاث وحدات انفردت فيها المدرسة الوهابية (توحيد الربوبية، وتوحيد الالوهية، وتوحيد الاسماء والصفات). أنواع التوحيد هذه سوف تؤسس في نهاية المطاف لحكم التكفير، حيث يراد للطالب أن يستوعب هذه الانواع بتفاصيلها الدقيقة، حتى يكتسب دمغة (أهل التوحيد)، وإلا أصبح في مكان آخر، وهو الشرك أو الكفر بأحد مستوييه الأكبر والأصغر.
وفي النوع الثالث من التوحيد، أي توحيد الاسماء والصفات، يراد من الطالب حديث السن، أن يستوعب أن الله سبحانه وتعالى جسم لا كالأجسام، من خلال، أولاً: تحديد مكانه سبحانه وتعالى ثم صفاته المادية جلّ وعلا مثل (البصر والسمع والرجل والساق، والاستواء وغيرها).
في سؤال ورد في الصفحة 10 من المقرر: أين الله؟ وكان الجواب: الله فوق السماء.
قد يبدو جواباً عاماً، ولكّنه يؤسس لما بعده من أحكام حيث يحسم أي جدل عقدي داخل المجال الاسلامي، ويلغي الاعتقادات الأخرى، والأخطر أنه يؤسس لنفي الآخر.
وفي كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعليم للصف الثاني الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الاول، للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2015 ـ 2015، جاء في الوحدة الثالثة من المقرر بعنوان (العبادة وما يضادها من الشرك)، ومن موضوعاتها (ص27): عبادة غير الله شرك.
وساق مثالين على الشرك (ص28): السجود لغير الله ودعاء الأموات.
لا يتعامل واضعو المنهج مع الطالب باعتباره شريكاً في صنع الوعي، أو حرّاً في التفكير، أو حتى مختاراً، بل هو هدف لتوجيه عقدي، لا إرادة له فيه ولا يجوز له ذلك، فقد حسم المقرّرون ما يجب عليه أن تكون النظرة إزاء الآخر، فقد أريد تلقين الطالب قسمة المسلمين الى موحّدين وغيرهم من تنطبق عليهم أحكام الشرك والكفر والنفاق والردّة. ويبدأ الطالب بالتعرّف على مواصفاتهم في وقت مبكر من حياته، حيث يوضع عنوان جدلي يستحضر صورة المشركين الأوائل الذي عبدوا غير الله، كيما تضفى مشروعية على الحكم الذي سوف يصدر على المشركين في هذا الزمن. ولذلك بدأ بالكبرى: أن عبادة غير الله شرك، ومثّل لذلك على أساس أنه حقيقة بأن ثمة من يسجد لغير الله أو يدعو الأموات دونه سبحانه، وهنا تفترق الحقيقة الفعلية والأخرى المتخيلة.
وتتدرّج عملية التلقين العقدي، في عملية تصاعدية وتفصيلية. ففي كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعليم، للصف الرابع الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الأول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2015 ـ 2015، يتم تقديّم خلاصة العقيدة الوهابية في التوحيد، والتي على أساسها يتم تصنيف من هو المسلم وغير المسلم، بين من هو من (أهل السنة والجماعة) ومن هو خارجها، دع عنك التمايز داخل المجال الاسلامي عموماً.
في الوحدة الاولى بعنوان (التوحيد)، يعرّف التوحيد على أنه: إفراد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. وفي التفصيل، يقسم أنواع التوحيد الى ثلاثة (ص8):
ـ توحيد الربوبية: أي الاعتقاد بأن لا خالق الا الله ولا مالك الا الله..
ـ توحيد الألوهية: أن لا نصلي الا لله ولا نتصدق الا لله، ويطلق عليه توحيد العبادة.
ـ توحيد الاسماء والصفات: الايمان بأن الله هو السميع والبصير والحكيم.الخ
يلي ذلك النتيجة أو الحكم: وهذه الأقسام مترابطة، فمن آمن بواحد منها دون الآخر لم يكن موحداً.
ومن هنا تبدأ رحلة تكفير المسلمين.
فتحت عنوان توحيد الربوبية، ثمة عنوان فرعي: إقرار الكفّار بتوحيد الربوبية. ولهذا العنوان حكاية في التكفير، حيث يتساوى المسلمون مع الكفّار في هذا التوحيد ويفترق المسلمون عن الموحّدين عما عداه، أي في توحيد الألوهية وتوحيد الاسماء والصفات.
ففي (ص 11) من المقرر جاء ما نصّه:
(هذا التوحيد أقرّ به الكفَّار على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يدخلهم هذا الإقرار في الاسلام لأنهم يعبدون مع الله غيره، فقد كانوا إذا سئلوا: من الذي خلقهم ورزقهم؟ يجيبون: بأن الله هو الخالق الرازق..فهم يقولون ذلك ويعبدون مع الله غيره).
هي الصورة التي سوف تتكرر في كل مقررات التوحيد، ويبنى عليه الحكم بتكفير غالبية المسلمين.
ويرسم المقرّر حدوداً فاصلة بين من هم الموحّدون ومن هم المشركون في ضوء النوعين الآخرين من التوحيد: توحيد الالوهية، وتوحيد الاسماء والصفات.
تحت عنوان: موقف الكفار من توحيد الألوهية:
جاء في (ص 16) ما نصّه:
(كان المشركون يعترفون بأن الله رب كل شيء، ولكنّهم لا يوحدون الله بالعبادة، بل يشركون معه غيره، فيعبدون الأصنام أو الأموات في قبورهم أو الشمس أو الجن أو غيرها من المعبودات).
وبإمكان المطلّع على أدبيات المدرسة الوهابية أن يكشف هوية الكفّار المقصودين هنا، فبحسب هذا التعريف فإن الكفار قد يكونوا أغلب المسلمين الذين يزورون قبور الأولياء من أنبياء وأئمة وصالحين.
ويوضّح الدرس الرابع من المقرر بعنوان (حكم صرف العبادة لغير الله)، حيث جاء:
(من صرف شيئاً من العبادة لغير الله، مثل: أن يدعو غير الله، أو يذبح لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر، لأنه صرف العبادة لغير الله. وأما في الآخرة فهو من أصحاب النار المخلّدين فيها إذا مات على ذلك).
في الدرس الثامن مقرر التوحيد بعنوان (شروط قبول العبادة ـ ص28)، وردت قصة حمل الإمام زين عبد العابدين علي بن الحسين الطعام الى بيوت الفقراء في المدينة. والغرض من ذكر القصة عن زين العابدين، بوصفه رمزاً علوياً من أهل البيت وله مكانة خاصة عند عموم المسلمين ويعتبر رابع الأئمة الاثني عشر، لإيصال رسالة محدّدة وهي التدليل على توحيد الألوهية.
وهو ما ظهر بوضوح في الدرس الثامن (ص 29) حيث يشترط لقبول العبادة شرطان هما: الاخلاص لله وحده ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
سوف تبقى دورة الوعي العقدي مقتصرة على حدي التوحيد والشرك، وهو ما يعيشه الطالب في كل المراحل الدراسية. فالناس إما موحّدين أو مشركين. فكل ما سوف يواجهّه الطالب في رحلته التعليمية لا يتجاوز الايمان والكفر.
ففي مقدمة كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعلية للصف الخامس الابتدائي، وفي الفصل الدراسي الاول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2015 ـ 2015، جاء: وهذا الكتاب شرح لمسائل التوحيد، من كتاب الأصول الثلاثة للإمام الشيخ: محمد بن عبد الوهاب..
وفي الدرس السابع من المقرر بعنوان: استحقاق الله للعبادة. وفي عنوان فرعي بعنوان: حكم من جعل شيئاً من العبادة لغير الله تعالى. وجاء في (ص 30) ما نصّه:
جعل شيء من أنواع العبادة لغير الله، مثل دعاء الأموات والاستغاثة بهم، لقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، فهو:
شرك وكفر والدليل قول الله تعالى: (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به، فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون).
ومن وقع في الشرك فقد حبط علمه والدليل قول الله تعالى (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا ما يعملون).
فالمقرر هنا يتعامل مع وقائع محسومة من وجهة نظر واضعيه، فهو يصرف زيارة قبور الأنبياء والأولياء والصالحين الى ممارسة شركية، أي إشراك غير الله سبحانه في العبادة، وهذا ما يستوجب نقاشاً جديّاً، لأن الأصل في المسلم صحة إعتقاده وسلامته، وإن إثبات ما عداه يتطلب دليلاً، وفحصاً إفرادياً وليس جماعياً، بالرجوع الى قاعدة المعيّن والعموم المعتمدة في عقيدة تكفير الآخر في المدرسة الوهابية.
في الدرس الثامن بعنوان: بعض أنواع العبادة، نقل المقرر في (ص 32) عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله:
(وأنواع العبادة التي أمر الله بها مثل: الاسلام والايمان والاحسان ومنه الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والخشوع، والخشية، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى.والدليل قوله تعالى: وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا). وبصرف النظر عن تطابق الدليل مع الموضوع، الا أن الغاية واضحة وهو ما يلي ذلك:
(فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر والدليل قوله تعالى (ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهن له به فإنما حسابه عنده ربه إنه لا يفلح الكافرون)..
حين توضع أسس التمايز بين الموحّد والمشرك، والمؤمن والكافر، لا يعود الحديث عن مذاهب داخل المجال الاسلامي، بل عن من هو المسلم الحقيقي ومن هو غير ذلك.
يكتسب إطار (أهل السنة والجماعة) خصوصية تضع كثيراً من المسلمين السنة خارجه. وسوف نجد أن أهل السنة والجماعة يصبح بحسب الأدبيات الدينية الوهابية، ومنهج التعليم الديني الرسمي جزء منها، ينطبق حصراً وفي هذا الزمن على أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب.



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

فقد خصص كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) للصف السادس الابتدائي الصادر عن وزارة التربية والتعليم، وفي الفصل الدراسي الثاني للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014 للتعريف بمنهج أهل السنة والجماعة، وبيان منهج أهل السنة نحو الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وحب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي الدرس الأول بعنوان: منهج أهل السنة والجماعة في الواجب على المسلم نحو الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويعرّف المقرر (ص 10) أهل السنة والجماعة: (وهم الذين على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه).
ما يعني أن ما عداهم ليسوا على ما كان عليه النبي ولا أصحابه. وسمّوا بأهل السنة لأنهم يعملون بقول النبي صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضّوا عليها بالنواجذ). وسموا بالجماعة: لأنهم اجتمعوا على الحق ولم يتفرّقوا عليه، استجابة لوصية النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (عليكم بالجماعة وإيّاكم والفرقة).
وجاء في الدرس الثالث: منهج أهل السنة والجماعة في الواجب على المسلم نحو زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبصرف النظر عن اجتهادات المقررين للمقصودين بآل البيت إن كان محصوراً في بيت واحد أو بيوتات عدّة، فإن ثمة تعريضاً بطوائف من المواطنين يرون غير ما يرى المقرّرون، والتشديد على أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ضمن آل البيت، يراد منه الغمز في قناة من يرون غير ذلك.
وفي الوحدة الثانية: الواجب نحو الصحابة رضي الله عنهما. وبيّن المقررون في (ص 19) أهداف الوحدة:
ـ بيان منج أهل السنة والجماعة نحو الصحابة.
ـ بيان منهج أهل السنة والجماعة نحو الخلفاء.
ـ بيان منهج السنة والجماعة نحو أئمة المسلمين.
وتحت عنوان: الواجب على المسلم نحو الصحابة رض (في ص 21) أن:
ـ يترضى عنهم عند ذكرهم..
ـ يعتقد أن الصحابة كلهم عدول..
ـ يتبع طريقتهم في تعلم الدين وفهمه والعمل به، فهو وسط بين الافراط والتفريط.
ـ يحذر من الغلو في الصحابة ورفعهم فوق منزلتهم وعليه سلوك التوسط والاعتدال.
هنا يتعامل المقرر مع طلاّب من صنف مذهبي محدد، بالمعنى الواسع، قبل أن ينقسم الصنف الى من تنطبق عليهم مواصفات أهل السنة والجماعة.
وفي الدرس الثالث بعنوان: منهج أهل السنة والجماعة في الواجب على المسلم نحو أئمة المسلمين، ويعرّفوا بأنهم: الذين يتولون أمور المسلمين من الولاة والعلماء وأهل الرأي والمشورة.
وتحت الواجب علينا نحو ولاة المسلمين يرد في (ص 26، 27) ما نصّه:
ـ السمع والطاعة، ما لم يأمروا بمعصية.
ـ تحريم الخروج عليهم، لما في ذلك من الفرقة وحدوث الفتنة ووقوع المفاسد العظيمة.
ـ النصيحة لهم بالرفق والحكمة، وإعانتهم على الخير والدعاء لهم بالتوفيق والسداد.
ـ إقامة الحج والجمع والاعياد معهم.
إن غاية ما يتمناه أي حاكم مستبد أن يحظى بمثل هذه الأحكام التي يحصّن بها حكمه ويكفل باسم السماء بقاء ظلمه. وبهذا يصبح أهل السنة والجماعة من يشكّلون البيئة الحاضنة للسلطة، عادلة كانت أم جائرة، والحجة في ذلك جاهزة: درء الفتنة والمفاسد العظيمة من وراء الخروج.
تبدو المواقف الناعمة المتسامحة ظاهرة مع السلطة بالنصيحة لأهل الحكم بالرفق والحكمة، واعانتهم على الخير والدعاء لهم بالتوفيق والسداد، بعد السمع والطاعة، في مقابل التشدّد والصرامة في المواقف إزاء المجتمع الذي يكاد يقع في مهاوي الكفر لفرط ما يحيط به من أحكام صارمة.
ولأن العلماء هم الموكلون بتوفير الأدلة الدينية على بقاء الحاكم المستبد لابد من تحصين موقع العلماء أنفسهم. فتحت عنوان: الواجب علينا تجاه علماء المسلمين وأهل الرأي والمشورة يسرد في (ص 27) ما هو مطلوب من الطالب:
ـ محبتهم وتوقيرهم واحترامهم.
ـ أخذ العلم عنهم وسؤالهم عما أشكل في أمور الدين.
ـ تجنب الكلام في أعراضهم وسبّهم وتنقّصهم.
كتاب النشاط لمقرر (التوحيد) الصادر عن زارة التربية والتعليم للصف السادس الابتدائي وفي الفصل الدراسي الأول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ 2014، قسّم الى وحدات:
وفي الوحدة الأولى في (ص 7): وحدة أنواع الشرك.
ويرد تحت: النشاط الأول:
ـ أبيّن ما نواقض التوحيد وما منقصات التوحيد؟
ويرد في:
نواقض التوحيد: شرك أكبر.
ومنقصات التوحيد: أصغر.
وفي النشاط الثاني (ص8):
ـ أقارن بين نواقض التوحيد ومنقصات التوحيد.
وفي جدول يوضع نواقض التوحيد ومنقصات التوحيد والحكم فيهما على ضوء: أثره على التوحيد، وجزاء مرتكبها في الآخرة.
وفي النشاط الثالث (ص9):
ـ أحدد أنواع الشرك الأكبر هل هو في الربوبية أم الألوهية فيما يلي:
المثال/// نوع الشرك الأكبر
ـ من يعتقد أن أحداً يشارك الله تعالى في الخلق.
ـ من يستغيث بأحد الأموات أن يشفي مريضه.
ـ طاعة من يحلل ما حرم الله تعالى.
ـ محبة غير الله محبة الخضوع والتذلل.
السؤال: مالغرض من عرض هذه الانواع بالأمثلة الموجّهة فيها والتي تختتم بإصدار حكم بتكفير الآخر، لمجرد تصوّرات مسبقة عنه؟
ولئن تأملنا مليّاً في هذه النشاطات المطلوبة من الطالب، أليست كفيلة بأن تحيل منه الى حكم، ومكفراتي، وما يعقب ذلك من آثار سلوكية؟ فحين يراد من الطالب القيام بتطبيق الأمثلة على أشخاص وطوائف بعينها، نكون قد درّبنا الطالب على تكفير الآخر، خصوصاً مع الصيغ المعلّبة والتصوّرات الجاهزة عن الآخر، التي تسهّل على الطالب تطبيقها على مصاديق في الخارج.
ومن أجل تثبيت هذه المنهجية في التفكير لابد من رؤية كونية تؤسس لأيديولوجية إقصاء الآخر وتنزيه الذات. ففي كتاب الطالب لمقرر (التوحيد) للصف الأول المتوسط الصادر عن وزارة التربية والتعليم، وفي الفصل الدراسي الأول للسنة الدراسية 1433 ـ 1434/ 2012 ـ 2013 جاء في المقدمة (ص 9):
كان العالم الاسلامي في القرن الثامن عشر الذي نشأ فيه الشيخ الامام محمد بن عبد الوهاب يعيش أوضاعاً سيئة للغاية من جميع الجوانب الدينية والدنيوية. وعاد الاسلام غريباً كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال (بدأ الاسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدا فطوبى للغرباء).
وتتجلى غربة الاسلام بمظاهر كثيرة منها:
1 ـ كثرة البدع والشركيات كبناء القباب والمشاهد على القبور وتعظيم الأشجار والأحجار، وتقديس الاشخاص الأحياء والأموات.
2 ـ غربة أهل السنّة المستمسكين بالحق، وبالمجانين للبدع.
3 ـ غلبة الجهل على عامة المسلمين، لاسيما الجهل بالعقيدة، ومهمات الأحكام.
4 ـ إعراض كثير من الناس عن الدين، لا يتعلمونه ولا يعملون به، إلا ما يوافق أهواءهم.
5 ـ شيوع التقليد الأعمى والتعصّب المذهبي المقيت.
ثم يقول:
(وتفرّقت الأمة الى فرق وطرق مبتدعة وشعوب متناحرة، مما ادى الى استحكام العدو بالمسلمين، وتمكنه من تحقيق أغراضه في غزو عقائدهم وعقولهم وأفكارهم وديارهم، وتحكمه في مصالحهم وأحوالهم، مما جعل الأمة تصاب بحياة الذل والهوان والشتات. في هذه الظروف الصعبة والأحوال السيئة شرع الإمام محمد بن عبد الوهاب بالنهوض بدعوة التوحيد والسنة).
صورة مكثّفة عن الرؤية الكونية للمذهب الوهابي، والنزعة الاصطفائية والرسولية لدى مؤسسه والمتحدّرين من مدرسته وتكفير لأمة بأكملها. (تفرقت الامة الى فرق وطرق مبتدعة وشعوب متناحرة..).
وتبدو النصوص اللاحقة أكثر وضوحاً. تحت عنوان: نصرة الامام محمد بن سعود للشيخ محمد بن عبد الوهاب جاء في (ص 10) ما نصّه:
(عندما رأى الشيخ ما حلَّ بالبلاد من مظاهر الشرك والبدع بدأ دعوته الى التوحيد، وعرف أنه لا بد من جهاد وصبر وتحمّل الأذى).
وفي (ص 11) عدَّ الشيخ ابن عبد الوهاب (مجدداً لدين الإسلام حيث وضع المنهج الصحيح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صلى الله عليه وسلم..)، حيث يتحوّل مؤسس المذهب الى وارث عقدي وتاريخي للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد جاء تحت عنوان: آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ص11):
ـ نشر التوحيد ومحاربة الشرك والبدع.
ـ تحكيم شرع الله في أنحاء الجزيرة.
وفي الجانب التعليمي والثقافي:
ـ نبذ التعصب المذهبي والعودة بالأمة الى مصادر الدين الحق ـ الكتاب والسنة ـ وكتب السلف الصالح.
إذاً بات واضحاً أن العقيدة الصحيحة هي ما جاء بها محمد بن عبد الوهاب، وأن ما سبقها وما عداها لا يكتسب صفة العقيدة الصحيحة ولا يدخل في أهل السنة والجماعة، دع عنك في جماعة المسلمين، من أي مذهب كانوا.
وفيما يلي سوف يتأسس الدين وفق الرؤية التوحيدية كما صاغها الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
في الدرس الثاني من مقرر (التوحيد) يجري الحديث عن التوحيد وأنواعه. ويبدأ كما هي العادة بوضع التعريف الشرعي للتوحيد كما وضعه ابن عبد الوهاب وهو: إفراد الله بالربوبية والالوهية والأسماء والصفات. ثم ينتقل تلقائياً للحديث عن أنواع التوحيد (ص19): توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية ويسمى (توحيد العبادة)، وتوحيد الأسماء والصفات، ولا بد من الإيمان بها جميعاً، فمن آمن بواحد منها دون الباقي لم يكن موحداً.
وعلى أساس تعريف التوحيد وأنواعه، ينقسم الناس على ثلاثة أقسام (ص21):
ـ الموحدون: فاستقاموا على هذه الفطرة، وأقروا الله بربوبيته وألوهيته.
ـ وأما المشركون: فقد انحرفوا عن هذه الفطرة، فلم يقرّوا إلا بربوبيته وأنكروا توحيد الألوهية.
ـ وأما الملحدون: فأنكروا الربوبية والألوهية، إلا أنهم في باطنهم يقرِّون بتوحيد الربوبية..
فالموحدون هم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والمشركون هم غالبية المسلمين وأما الملحدون فبعضهم من المسلمين وبعضهم من غيرهم، كما سيأتي.
ولأن التوحيد هو أساس الدين، وأصله، ومرتكزه، وركنه الأصيل، فلابد أن تكون لأهل التوحيد مكانة متميّزة تليق بالعقيدة نفسها.
في الوحدة الثانية بعنوان: ( مكانة التوحيد وأهله)، وتحت عنوان فرعي: (توحيد العبادة هو الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال)، جاء في (ص29): (مهما اجتهد المرء في العبادات، وصرف في أدائها من الأوقات، فإن الله لا يقبلها منه إلا إذا كانت مبنية على التوحيد).
ولكن: أي توحيد؟ إنه التوحيد بأنواعه الثلاثة كما جاء في الأدبيات الوهابية.
وحتى يميّز أهل التوحيد عن سواهم، فإنه يفرد صفاتهم، كما جاء في الدرس السادس (ص47):
ـ أنهم لا يشركون بالله: فهم يحذرون الشرك صغيراً كان أو كبيراً.
هي صفة تختزل باقي الصفات، وترسم حداً فاصلاً بينهم وبين الآخر، في ضوء معرفتنا السابقة واللاحقة لخصائص أهل التوحيد وخصائص أهل الشرك. وهناك صفات تبدو ثانوية وربما ساذجة، كتلك المستندة على الحديث النبوي (ص49):
ـ أنهم لا يسترقون، أي لا يطلبون الرقية، مع أنها جائزة، لقوة توكلهم على الله.
ـ أنهم لا يكتوون، أي لا يسألون غيرهم أن يكويهم بالنار للعلاج مع أن الكي جائز، لقوة توكلهم على الله.
ـ أنهم لا يتطيرون، أي لا يتشاءمون بالطيور ونحوها، لأن التطيّر شرك.
ـ أنهم على ربهم يتوكلون.
تبدو شروط الانتماء للإسلام ليست هي كما قرأها المسلمون في التاريخ أو في الكتب القديمة، فقد اكتشفوا أن الدعوة المفتوحة التي أطلقها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن يقول الناس لا اله الا الله يفلحوا، ليست هي ذاتها لدى الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، فثمة شروط ثمانية لا يعلم إلى أي مرجعية تحيل أو أي سيرة تضيء.
يقول مقررو الكتاب: كلمة التوحيد «لا إله إلا الله» لها فضل عظيم، لكنها لا تنفع قائلها إلا إذا اجتمعت فيها ثمانية شروط (ص 58) ومن بينها:
ـ الكفر بالطاغوت المنافي للإيمان بالله: فلا بد لمن قال: «لا اله الا الله» من أن يتبرأ من كل معبود سوى الله وإلا لم تنفعه هذه الكلمة، لأنه لم ينكر الشرك.
ـ العلم المنافي للجهل: فيعلم أن معنى «لا اله الا الله» هو: لا معبود بحق إلا الله، وبهذا يعلم أن عبادة ما سوى الله باطلة.
ـ اليقين المنافي للشك: بأن يعتقد أنه لا معبود بحق إلا الله، لا يشك في ذلك، فإن شكّ فهو غير مسلم.
ـ الاخلاص المنافي للشرك: بأن لا يقصد بقول هذه الكلمة أيَّ غرض من أغراض الدنيا، وإنما يقصد رضا الله وحده.
ـ المحبة المنافية للبغضاء: فيحبُّ هذه الكلمة، ويحب ما تدل عليه من توحيد الله، ويحب الموحدين العاملين بها، ويبغض ما ينافيها من الشرك.
ـ القبول المنافي للرد: بأن يسلم بقلبه لما توجبه من عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه.
وبالتأمل في هذه الشروط التي تغيب عن أدبيات المذاهب الاسلامية قديماً وحديثاً، تجدها من خصوصيات المذهب الوهابي، ولا تخرج عن حدي الايمان والكفر.
ولأن التعليم الديني الرسمي يتمحور في مجمله وتفصيله حول عقيدة التوحيد، فإن كل ما يلي ذلك مجرد تفاصيل.
فقد جاء في كتاب الطالبة لمقرر (التوحيد) للصف الأول المتوسط الصادر عن وزارة التربية والتعليم، وفي الفصل الثاني للسنة الدراسية 1433 ـ 1434/ 2012 ـ 2013، في الدرس الأول: إثبات أسماء الله وصفاته والنهي عن الإلحاد فيها.
وتحت عنوان: عقيدة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته، يراد التأسيس للنوع الثالث من التوحيد، أي توحيد الاسماء والصفات، ويتمّ تعريفه (ص13):
فلو أن شخصاً أو طائفة لم تؤمن بالجهوية أي تحديد جهة وجود الله سبحانه، كالقول بالاستواء على العرش أو أنه في السماء، أو أنه يسمع بآلة، ويرى بآلة، وله ساق، وغير ذلك من الصفات الجسدية، فينطبق عليه صفة الشرك أو الكفر بصفة من صفات الله سبحانه..
فالالحاد في أسماء الله كما جاء في الكتاب (ص14) هو: (هو الميل بها عما تدل عليه من المعاني الحقيقية العظيمة، إلى معان باطلة). أي أن يتم حمل كل الأسماء والصفات الواردة في القرآن على أنها حقيقة لا يمكن تأويلها، مثل كلامه سبحانه وتعالى لموسى فإنما كلّمه بآلة وكذا باقي الحالات.
وهنا يبدو التمايز بين المؤمن والملحد واضحاً في النوع الثالث من التوحيد، حيث جاء تحت عنوان: أنواع الإلحاد ومنها (ص15):
1 ـ إنكار شيء من الأسماء، أو مما دلت عليه من الصفات، كمن ينكر إسم الرحمن.
وفي حقيقة الأمر، أن الخلاف ليس متعلقاً بكون الله هو الرحمن أم لا فذاك عليه إجماع المسلمين قاطبة، وإنما يدور الخلاف حول الصفات الأخرى التي يتم حملها على معانيها المادية، كالسميع والبصير والاستواء على العرش وغيرها.
وفي الوحدة الخامسة من الكتاب: الدعوة الى التوحيد، ينتقل واضعو المقرر بالطالبة من التعليم الى الدعوة، حيث يراد منها أن تتحوّل الى داعية لعقيدة التوحيد، بحسب المفهوم الوهابي، وليست مجرّد متعلّمة. فقد جاء من أهداف الوحدة (ص25):
ـ أن يبين الطالب فضل الدعوة الى التوحيد.
ـ أن يبين الطالب أهمية البدء بالدعوة الى شهادة (أن لا اله الا الله).
ـ أن يحرص الطالب على الدعوة الى التوحيد.
فكما يبدو ان الهدف من الكتاب هو تخريج دعاة فحسب.. ويبدو ذلك واضحاً أيضاً في العناوين اللاحقة. فتحت عنوان (طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة)، يحدِّد الكتاب أصول طريقة الرسول (ص) في الدعوة (ص27) مثل: الاخلاص والعلم والحكمة والصبر. ثم ينتقل الى وسائل الدعوة في عهد الرسول ص ومنها: الخطابة والوعظ.
ومن الوسائل (ص28): كتابة الرسائل الى الملوك والزعماء والى وجهاء الناس والاهالي يدعوهم الى الله ويبين لهم شرعه، وإرسال الدعاة، والقدوة الحسنة، وضرب الامثال.
ثمة ما تستدعيه هذه الوسائل، فهي تذكّر بطريقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الدعوة للإسلام وسط المشركين، وهو ما يراد إسقاطه على الواقع الذي عاشه الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهل دعوته، حيث يتقمص الشيخ شخصية النبي. يضيف المقرّرون وسائل عصرية للدعوة ومنها (ص28): وسائل الاتصال الحديثة، ووسائل الاعلام، والمؤسسات والجمعيات ونحوها.
وعلى غرار دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في قومه من المشركين، يراد استنساخ الوضع في كل زمان.. ويقدم الكتاب (ص31): أدلة وجوب البدء بالدعوة الى شهادة أن لا إله الا الله، من القران والسنة.
الصدع بالدعوة بات إذاً مهمة الطالب والطالبة من أهل السنة والجماعة، أي من أتباع مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب. فهناك أسباب تدعو الى الاضطلاع بهذه المهمة، وكما جاء في الدرس الثاني (ص46): أسباب الهداية وموانعها، ومن موانعها الجهل، حيث جاء ما نصّه (ضلَّ كثير من الناس عن الطريق المستقيم، بسبب جهلهم بالحق ـ وإن علموا ما علموا من الدنيا ـ فوقعوا في الشرك والبدع والخرافات والمعاصي).
وكيما يعمل الطالب/ الداعية على هدى فلا بد أن يتسلّح برؤية كونية، في سبيل وضع خارطة عمل مناسبة. فقد حدّدت الوحدة السابعة بعنوان (معنى الشرك وأنواعه) طائفة أهداف منها (ص49):
ـ أن يذكر الطالب معنى الشرك ويبيّن خطره.
ـ أن يجتنب الطالب الشرك ويحذر عواقبه.
ـ أن يذكر الطالب أنواع الشرك من حيث مناقضته لأصل التوحيد وكماله.
ـ أن يحدد الطالب سمات المشركين.
ـ أن يمثّل الطالب لبعض صور الشرك في الواقع المعاصر.
وأكّد الدرس الأول من الوحدة السابعة: الشرك وأنواعه، على الانواع الثلاثة للتوحيد: توحيد الربوبية، توحيد العبادة، توحيد الاسماء والصفات.
وفي أنواع الشرك (ص51): الشرك الأكبر وهو تسوية غير الله بالله في ربوبيته، أو عبادته، أو أسمائه وصفاته.
ويذكر من الأمثلة على الشرك في العبادة: أن يسجد للقبر أو الصنم.
ونتيجة الشرك الأكبر (ص52): يحبط جميع الأعمال، يخرج عن ملّة الإسلام، ويوجب الخلود في النار.
ويحدد الدرس الثاني: صفات المشركين، الذين لا يحتاج الطالب/الطالبة الى مزيد جهد كيما يكتشف من هي الجهات المعنيّة سواء كانت خارج نطاق الاسلام أو في داخله. فمن صفات المشركين المذمومة كثيرة، ومنها (ص54):
ـ الغلو: وهو تجاوز الحد المشروع ومنه تعظيم أحد من الخلق.. والغلو من أعظم أسباب الوقوع في الشرك قديماً وحديثاً.
لمزيد من التحديد، يلفت عنوان: من مظاهر الشرك في عصرنا (ص56) الى الجهات المعنيّة:
ـ دعاء غير الله.
ـ الذبح لغير الله، كالذبح للأصنام والقبور والأحجار.
ـ الطواف بالقبور والأضرحة والأوثان.
وحين تطبيق هذه الأمثلة نصبح أمام طوائف من المسلمين يراد الحكم عليهم بالشرك. لا بد من التذكير أن هذه المظاهر لا تصبح شركية ما لم يتم تعريفها بطريقة محددة، بصرف النظر عن الواقع الخارجي، أي بصرف النظر ما اذا كان هناك من يسجد لغير الله، أو يذبح لغير الله، أو يطوف بالقبور والاضرحة والاوثان كتعبير رمزي عن عبادة غير الله!
يكاد واضعو المقرر الافصاح عن الجهات المعنيّة بالشرك، لفرط ما أسهبوا في ذكر أوصافهم بما يدّل عليهم. فتحت عنوان فرعي (فتنة القبور ص58) جاء:
(من أعظم الطرق الموصلة الى الشرك الفتنة بالقبور، فإن الغلو في القبور وأصحابها هو الذي جر الناس في قديم الزمان وحديثه الى الشرك ولذا حمى النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، فنهانا أن نجعل قبره عيداً، أي: مكاناً يجتمع عنده للعبادة، لأن القبور ليست محلاً للعبادة. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن جعل قبره عيداً ـ وهو قبر سيد الأولين والآخرين ـ فقبر غيره أولى بالنهي، كائناً من كان).
وهنا يرد السؤال: فهل يحتاج قرار إخراج قبر النبي من مسجده أكثر من هذا، وكذلك هدم قبته!
تتعدد مداخل الحديث الى الشرك. ففي الوحدة الثامنة: الرياء وإرادة الإنسان بعمله الدنيا، جاء في الدرس الأول: شروط قبول العبادة، حيث يتم تقسيم الناس (ص65) الى:
1 ـ المشرك: وهو من أشرك في عبادة الله غيره، فهذا لم يحقق شروط قبول العبادة.
2 ـ المبتدع وهو الذي عبد الله، لكنه أحدث عبادة من عنده، ليست في دين الله، فهذا قد يوجد عنده الإخلاص، ولكن لم توجد عنده المتابعة.
3 ـ المتِّبع: وهو الذي عبد الله وحده، وتمسّك بسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا قد حقق شروط قبول العبادة: الإخلاص والمتابعة.
فبينما يندرج أغلب المسلمين في خانة المشركين، بسبب المواصفات المتخيّلة التي تفترضها مقررات التوحيد في التعليم الحكومي، من قبيل زيارة القبور، والدعاء لها، والسجود للأموات، وطلب الحاجات منهم.. فإن وحدهم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب هم المتّبعون المخلصون.
وهذا ما يكشف عنه النص التالي حين يتحدث عن سوء الظن بالله تعالى، ويقول ما نصّه (ص73):
(وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختّص بهم وفيما يفعله بغيرهم ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته وموجب حكمته وحمده).
لا يكف واضعو مقرر التوحيد عن تسمية الأشياء بأسمائها تدريجاً، والالتفاف على ما أخفاه التنقيح لضخ المزيد من الأمثلة كيما يتعرف الطالب/ الطالبة على هوية الفرقة والطائفة المقصودة عبر ذكر أوصافها..
في مقرر (التوحيد) المخصّص لطلاب الصف الثاني المتوسط، والصادر عن وزارة التربية والتعليم، وفي الفصل الدراسي الأول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ2014، يرد ذكر الفرق بين المساجد ومعابد المشركين، ويقول ما نصّه (78):
لا مشابهة بين المساجد ومعابد المشركين ..محرّفة مبدّلة.
وهنا لا يحمل الفرق بين المساجد ومعابد المشركين على ما القسمة النمطية أي بين المساجد والكنائس المسيحية واليهودية أو حتى المعابد الهندوسية، وإنما تستوعب القسمة حتى مساجد المسلمين المصنّفين في خانة المشركين.
من صور الشرك التي يعالجها مقرر (التوحيد) سلوك المسلمين إزاء رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله. ففي المقرر الخاص بطلاب الصف الثاني المتوسط، وفي الفصل الدراسي الثاني، للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ2014، وفي باب التبرّك (ص56)، حيث يقسّم التبّرك الى مشروع وممنوع. والمشروع منه هو ما كان في حياته صلى الله عليه وآله وسلم (ص57):
ـ التبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم وآثاره في حياته أو بآثاره بعد موته (وقد اندرست آثاره، وأما غيره فلا يتبرك به، ولهذا لم يؤثر عن السلف التبرك بأفاضل الصحابة رضى الله عنهم والتابعين).
ـ التبرك بما ورد من الأقوال والأفعال المشروعة..
ـ التبرك بالهيئات المشروعة.
ـ التبرك المشروع ببعض الأمكنة..
ـ التبرك ببعض الأزمنة..
ـ التبرك ببعض المأكولات والمطعومات.
من أحكام التبرك المشروع: يثبت بالدليل الشرعي ولابد من اتباعه حرفياَ.
التبرك الممنوع (ص58): التبرك فيما لم يأذن به الشرع. وحكم هذا التبرك يختلف بحسب اعتقاد صاحبه:
ـ فإن اعتقد أن ذلك الشيء يمنح البركة فهذا شرك أكبر، وهذا حال المشركين.
ـ وأما ان اعتقد أن زيارة ذلك الشيء والتمسح به، سبب لحصول البركة من الله، فهذا شرك أصغر لأنه تعلق بشيء لم يجعله الشرع سبباً للبركة.
حين يذكر وصف (المشركين) فلا يقصد بهم غير المسلمين فحسب، فقد ينضمّ إليهم كثير من المسلمين، ولكن لضرورة التنقيح تلوذ الهيئة المسئولة عن وضع المقررات بالمواربة والتمويه..
وفي السياق نفسه يأتي تسليط الضوء على الغلو في الأنبياء والأولياء والصالحين. فقد بدأ مقرر (التوحيد) لطلاّب الصف الثالث المتوسط، وفي الفصل الدراسي الاول للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/2013 ـ2014، بوحدة الغلو لتحقيق الأهداف التالية (ص9):
بيان معنى الغلو، والاستدلال من الكتاب والسنة على ذم الغلو، والاستنتاج بأن الغلو في الصالحين قد يفضي الى الكفر، والتحذير من الغلو في المخلوق، وذكر صور الغلو في الانبياء، والتحذير من تعظيم القبور والتعلق بها، والتحذير من دعاء الأموات، وتطبيق مفهوم الغلو وأحكامه على ما يواجه الطالب من مواقف.
وفي باب (أسباب الغلو) يذكر عدّة أسباب من بينها:
ـ تعظيم قبور الصالحين بالبناء عليها (وهذه ظاهرة في بلاد المسلمين عامة وينسحب على قبر النبي صلى الله عليه وسلم).
والحكم في ذلك: الكفر.
وفي باب صور الغلو (ص16):
ومنها الغلو في الانبياء عليهم السلام ومثاله:
ـ الغلو في خاتم الانبياء عليه السلام.
وأمثلة ذلك (ص17):
ـ الغلو فيه صلى الله عليه وسلم باعتقاد أنه يعلم الغيب.
ـ الغلو في مدحه صلى الله عليه وسلم.
ـ الغلو في قبره صلى الله عليه وسلم.
ويمضى المقرر في تنضيد قصة الغلو في قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بالقول أنه حذّر أمته من الغلو في قبره وتجاوز القدر المشروع حتى لا يعبد ومن صور ذلك التحذير (ص18):
ـ التحذير من أن يتخذ قبره مسجداً. الخ
ـ سأل الله عز وجل بألا يجعل قبره وثناً يعبد من دون الله..
ـ نهى صلى الله عليه وسلم أن يتخذ قبره مزاراً يعتاد الناس زيارته في أزمنة محددة..
وفي الجواب عن سؤال: ماذا يشرّع للمسلم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
يحدد واضعو المقرر للمسلمين عامة ما يجب فعله حين يأتون لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله: المشروع للمسلم فيما يتعلق بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوره ويصلي ويسلم عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، ولا يعتاد زيارته في أزمنة محددة، ولا يجوز أن يسافر بقصد زيارته إذ لا تشد الرحال الا الى المساجد الثلاثة (المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى).
ثم يضيف (ص19): ومن الأخطاء العظيمة والأمور المحرمة أن يتوجه بعض الزائرين لقبره صلى الله عليه وسلم فيدعونه صلى الله عليه وسلم من دون الله فهذا شرك بالله، كما لا يجوز أن يقصد دعاء الله عزوجل عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يدعو فإنه يتجه للقبلة ويدعو الله عز وجل.
وهنا يبدو التوصيف مشوّهاً، فليس هناك من مسلم يزور قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يدعوه من دون الله، بل الدعاء لله وحده لا شريك له. فالآية الكريمة: (..ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً)، كفيلة بتوضيح أن الاستغفار هو لله وحده، وأنه هو التوّاب الرحيم، وأن استغفار الرسول صلى الله عليه وآله لا يجعله ربّاً بل هو خاتم أنبيائه وأقرب خلقه إليه، وهو شفيع الأمة، وإن من احتجّ على أن طاعته صلى الله عليه وآله تكون في حياته، بحسب المقطع الأول من الآية (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله..)، والصحيح أن طاعته في حياته كطاعته بعد مماته لأنه نبي الاسلام، الذي به ختم الله الأديان، وأن سنته باقية الى قيام يوم الدين.
من الواضح أن مقرر (التوحيد) في كل المراحل الدراسية، يعكس العقيدة الوهابية في زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يخفي نيّته في إخراج قبره من المسجد، كما هو واضح في النص السابق، بل يعتبر إن قصد زيارة قبر المصطفى من باب الشرك، وهو يعكس بأمانة عالية موقف مشايخ المذهب، حتى أن الشيخ ناصر الدين الالباني قطع عهداً على نفسه بعدم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله، بذريعة أن الزيارة بدعة.
سوف يظهر ذلك بوضوح في باب زيارة القبور، حيث يذكر أحوالها (23):
ـ يضع الزيارة اتباعاً للسنة، بالدعاء للميت، وتذكر الآخرة في خانة سنّة يؤجر عليها.
ـ التمسح بالقبر والصلاة عند القبر، في خانة بدعة ووسيلة الى الشرك.
ـ دعاء الميت والاستغاثة به، والذبح له، واعتقاد أن الميت أو القبر ينفع أو يضر، في خانة: شرك أكبر.
وهنا ينطلق واضعو المقرر من تصوّر نمطي يفترض أن زيارة المسلمين للقبور هي لدعاء الميت والاستغاثة به والاعتقاد بأنه ينفع ويضر، وبالتالي فإن غالبية المسلمين واقعون في الشرك الأكبر!
ومن صور الغلو كما يذكرها المقرر (ص23،24،25):
ـ اتخاذ القبور مساجد، ببناء المساجد على القبور أو دفن الموتى في المساجد، وقصد الدعاء عند القبر أو الصلاة عنده.. ـ شد الرحال بقصد زيارة القبور..
ـ التبرك بالقبر بالطواف به والتمسح به..
ـ دعاء صاحب القبر والاستغاثة به، واللجوء اليه لقضاء الحوائج وزوال الكربات، وهذا شرك أكبر.
ـ رفع القبور..
ـ تجصيص القبور.
ـ اسراجها وتزيينها.
ومن الغريب ما جاء في النتيجة، فالمقرر يؤسس لحكم الكفر ثم يعتبر الحكم ذاته من صور الغلو. كما في النص التالي:
(كلما ابتعد الناس عن عصر الرسالة، كثر المخالفات الشرعية، وقل العلم بالدين، وهذا أنتج صوراً عديدة من الغلو والجفاء.
ومن صور الغلو المعاصرة (ص25):
ـ تعظيم الأولياء والصالحين، الأحياء والأموات.
ـ تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم.
تناقض يعكس أن من قرر تنقيح المناهج هو نفسه المنتمي للمدرسة الفكرية المتشدّدة نفسها، ولكن أراد أن يستجيب لطلب الدولة الخاضعة لضغوطات خارجية بكون مناهجها التعليمية مسؤولة عن تنشئة التطرّف فاضطر لإقحام جملة تكاد تكون خارج السياق، بدليل ما سبق وما لحق.
في باب مفاسد الغلو يذكر عدداً منها (ص26):
1ـ أن المغلو فيه إن كان حياً، فإنه يزهو بنفسه ويعجب بها بسبب الغلو فيه.
2ـ أنه يقود الى الوثنية وتأليه البشر، كما في قصة قوم نوح، وكما وقع من بعض الغلاة في الصالحين.
5ـ انتشار البدع في المجتمعات الاسلامية.
فالمقرر يسرد مبررات التكفير، أوصافاً، وصوراً، ونماذج ثم بعد أن يصدر حكم الكفر على من تنطبق عليه مواصفات الكافر، يضع الحكم نفسه في باب الغلو، ثم يعود لاحقاً لنهج التكفير في الأبواب اللاحقة، وكأن التحذير من الغلو ليس سوى جملة اعتراضية أو خارج السياق التكفيري الذي رسمته كل مقررات التوحيد في منهج التعليم الرسمي.


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

تنقيح المناهج الدينية..

التعليم الحكومي وإنتاج التطرّف والتكفير

(2 من 2)

سعد الشريف

بعد قراءة مقررات التوحيد في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية يمكن أن نخلص بنتيجة واحدة: أن منهج التعليم الديني الرسمي لم يؤسس لقيم التسامح، وحرية الاعتقاد، والتعايش بين المعتقدات، وإحترام الآخر، وإنما كرّس عقيدة الفرقة الناجية، القائمة على تنزية مطلق للذات وإدانة مطلقة للآخرة، وان التنقيح الذي جرى في المناهج يتخلص في معادلتين: المناهج القديمة: أسست لتكفير الآخر وتنفيذ الحكم فيه قتلاً، وبعد التنقيح: أسست لتكفير الآخر، وجعلت تنفيذ الحكم فيه قتلاً منوطاً بولي الأمر.. والهدف ترسيخ سلطة الدولة، وبهذا فبعد أن كان سلطة تكفير الآخر وتنفيذ الحكم فيه قتلاً منوطة بأهل الدين باتت هذه السلطة بيد الدولة.
يدخل الطالب/ الطالبة المرحلة الثانوية وقد حصل على كمية تصوّرات عقدية إزاء الآخر، كفيلة بتأسيس وعي ديني اقصائي.
تسجّل مقدّمة مقرر (التوحيد) الصادر عن وزارة التربية والتعليم والمخصص لطلاّب التعليم العام وتحفيظ القرآن في الصف الأول الثانوي، للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/ 2013 ـ2014 ثابتاً لدى الطالب: (فإن تعلم العقيدة الصحيحة من منبعها الصافي الكتاب والسنة على نهج سلف هذه الأمة من أعظم القربات وأشرف المقامات..).
ثم يقول: (وكتاب التوحيد للصف الأول الثانوي في طبعته المطورة والجديدة يشتمل على وحدات تقرّب عقيدة أهل السنة والجماعة، وتعمّق أقسام التوحيد بشموليته: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات).
والكتاب مقسّم الى وحدات: الأولى: مقدمات في عقيدة أهل السنة والجماعة. الثانية: توحيد الربوبية. الثالثة: توحيد الالوهية. الرابعة: توحيد الأسماء والصفات.
في الفصل الدراسي الأول: الوحدة الاولى: مقدمات في عقيدة أهل السنة والجماعة، والأهداف المرجوة منها (ص9): (أن يعرف الطالب مفهوم العقيدة الصحيحة وأهميتها؛ وأن يتبصّر مصادر العقيدة الصحيحة ومنهج السلف في الاستدلال عليها؛ وأن يحذر أسباب الانحراف العقدي ويعرف نشأته ونتائجه وسبل التوقي منه؛ وأن يعرف جهود بعض أئمة السلف في نشر العقيدة الصحيحة والدفاع عنها؛ وأن يدرك بعض خصائص أهل السنة والجماعة وصفاتهم؛ وأن يلتزم بصفات أهل السنّة والجماعة ويعتّز بها).
تبدو هنا هوية أهل السنة والجماعة كما لو أنها المعادل العقدي للهوية الوهابية، التي تضع أهدافاً وفقاً لمواصفات شديدة الخصوصية لجماعة دينية محددة.
ويحدد الكتاب منهج السلف (= الوهابية) في الاستدلال بالقران والسنة على العقيدة بما يلي (ص12): (تفسير القرآن بالقرآن؛ تفسير القرآن بالسنة؛ تفسير القرآن والسنة بلغة العرب؛ اعتماد فهم السلف الصالح؛ تجنّب التأويل الباطل وتحريف النصوص الشرعية؛ تقديم أدلة الكتاب والسنة على العقل عند توهّم التعارض)؛ ثم يختم: (ولهذا اتفق السلف على أصول الدين ولم يحصل بينهم اختلاف في الاعتقاد بل كانت عقيدتهم واحدة وكانت جماعتهم واحدة).
إذاً يقتصر الحديث هنا على الجماعة السلفية دون سواهم، وأنهم من لم يحصل بينهم اختلاف في الاعتقاد. وبالتالي، فإن ما سوف يقال بعد ذلك يندرج في سياق التمايز والافتراق.
في الدرس الثاني بعنوان: (الانحراف عن العقيدة السليمة)، وتحت عنوان: (نشأته)، تحدّث عن عبادة الأصنام عند العرب بعد أن كانوا على دين ابراهيم عليه السلام حين جلب عمرو بن لحي الخزاعي الأصنام الى أرض العرب والى ارض الحجاز، فعبدت من دون الله الى أن بعث الله محمداً حين دعا الناس الى التوحيد واتباع ملة ابراهيم وسارت على نهجه القرون المفضلة من صدر هذه الأمة.
ثم يقول، وهنا تكمن الرؤية الكونية للوهابية (ص14): (إلى أن فشا الجهل في القرون المتأخرة، ودخلها الدخيل من الديانات الأخرى، فعاد الشرك إلى كثير من هذه الأمة بسبب دعاة الضلال والغلو في الأولياء الصالحين وادعاء المحبة لهم، حتى بنيت الأضرحة على قبورهم، واتخذت أوثاناً تعبد من دون الله بأنواع القربات من دعاء واستغاثة وذبح ونذر لمقاماتهم).
وهذه الرؤية المستمدة من كتاب شرح (التوحيد) لعضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان، قد أسس لها الشيخ محمد بن عبد الوهاب بحسب ما جاء في (الرسائل الشخصية، قام بالتصحيح والمقابلة على نسخ خطيّة ومطبوعة، صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، ومحمد بن صالح العليقي، المجلد السابق من مؤلفات الامام محمد بن عبد الوهاب، ص ص 124 ـ 125، 170، 171)، حيث جاء ما نصّه: (إن الكثير من أهل هذه الأزمنة وقبلها، قد غرّهم من أنفسهم أمران.... الثاني: أن الأكثر ظنوا أن انتسابهم الى الاسلام، ونطقهم للشهادتين، عاصم للدم والمال)، وله نصوص أخرى يضع فيها المسلمين في زمانه في خانة الكفار الذين قاتلهم الرسول صلى الله عليه وسلم، كونهم (يدعون الصالحين مثل الملائكة وعيسى وعزير وغيرهم..)، والفارق أن (مشركي زماننا يدعون أناساً لا يوازون عيسى والملائكة..).
وعوداً الى مقرر التوحيد سالف الذكر، حيث يجري الحديث عن الغلو بأنواعه، ثم يمثّل لذلك بما نصّه (ص15): (وكما هو الحاصل من البدع التي قد تصل الى الشركيات عند بعض القبور اليوم في كثير من الأمصار). وتحت عنوان سبل التوقي من الانحراف في العقيدة، جاء في (ص19): (2 ـ العناية بتعليم العقيدة الصحيحة ـ عقيدة السلف الصالح ـ من مصادرها النقية في مختلف المجالات. 3ـ الرجوع الى العلماء الراسخين وتلقي الدين عنهم. 4 ـ قيام العلماء والولاة والمصلحين من أبناء الأمة ببيان عقيدة السلف الصالح ومواجهة ضلالات المنحرفين عنها).
وفي ضوء ما سبق، فإن العقيدة الصحيحة ليست شيئاً آخر سوى العقيدة الوهابية، وما سواها إما مبتدعة أو ملوّثة بالشركيات. وإن أمة هذه حالها، كما يصوّر مقرر (التوحيد) في كل مراحل الدراسة الرسمية، فإن مهمة الطالب/ الطالبة تتحوّل دعوية بدرجة أساسية، باقتفاء سيرة مؤسس المذهب والمشايخ من أتباعه. فقد جاء تحت عنوان: (جهود المصلحين في بيان العقيدة الصحيحة والدفاع عنها) (ص19 ـ20): (من رحمة الله سبحانه أن يبعث لهذه الأمة في كل حين من يجدد لها دينها، لأنه مع طول الزمن والبعد عن آثار النبوة يحصل كثير من الانحراف، ويخفى كثير من السنن، ويظهر كثير من البدع، ولما كانت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم عامة وباقية الى أن تقوم الساعة وهو خاتم النبيين، جعل الله المصلحين من علماء هذه الأمة يقومون بمهمة تجديد الدين وإحياء السنة ومحاربة البدع، واصلاح العقائد، وحماية الشريعة من التغيير والتبديل، وجمع كلمة الأمة على الحق والهدى... وهذا تحقيق ما تكفل الله به من حفظ الدين وبقاء السنة وظهور طائفة على الحق الى قيام الساعة).
ثم يذكر نماذج من جهود أئمة السنة وأعلام الهدى (والأغلبية منهم ينتمون الى خط فكري ومذهب واحد، يختتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب)، في بيان العقيدة الصحيحة والدفاع عنها ورد ما يخالفها: ومنها:
(ولما احتشدت حشود الأهواء ـ الجهمية والمعتزلة ومن سار على نهجهم (في القرن الثالث) قيض الله لهم إمام السنة وقامع البدعة الامام أحمد بن حنبل رحمه الله فثبت على السنة وصبر على الابتلاء في نصرها وناظر أهل البدع وألف في الرد عليهم. وفي القرن السادس وما بعده عمت البدع وكثر الافتراق وانتشرت الطرق الصوفية ببدعها الغالية، كما انتشر علم الكلام والفلسفة والعقائد الباطنية، وتسلط الكفار على كثير من بلاد المسلمين، فقيض الله أمثال الشاطبي وصلاح الدين الايوبي، ثم شيخ الاسلام ابن تيمية وتلاميذه رحمهم الله تعالى، وكان شيخ الاسلام ابن تيمية مجاهداً بعلمه وقلمه ولسانه لبدع أهل الكلام والفلاسفة والصوفية وغيرهم كما كان مجاهداً بسيفه ولسانه للكفار التتار والنصارى والصليبيين حتى أبان الله السنة ونصر الله به راية السلف. وفي العصور المتأخرة استحكمت البدع والشركيات، وانتشرت الطرق الصوفية، وتعظيم القبور والعادات الجاهلية، فقيض الله لها علماء نصروا السنة أمثال ولي الله الدهلوي في الهند، وفي جزيرة العرب الامام محمد بن اسماعيل الصنعاني والامام الشوكاني والامام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، وذلك حين ناصره الامير محمد ابن سعود مؤسس الدولة السعودية الاولى، فطهر الله بدعوته المباركة أرض جزيرة العرب خاصة كما نفع الله بدعوته سائر أقطار المسلمين، ولا نزال بحمد الله نرى ثمار هذه الدعوة المباركة في كل مكان).
وحسب كتاب التوحيد فان النفع قد تمثل في (ص21،22): (الرجوع الى مصادر الدين النقية الكتاب والسنة. وآثار السلف الصالح؛ نشر عقيدة السلف بإحياء السنة، وإزالة البدع والخرافات؛ قيام دولة اسلامية تحكم بكتاب الله وسنة رسوله وتقوم بالدعوة الى الله، ولاتزال بحمد الله قائمة حتى الآن وستظل بحول الله مضرب المثل في الأمن والاستقرار ما بقيت متمسكة بالكتاب والسنة).
في ضوء ما سبق، يبدو واضحاً أن ما عناه المقرر لا يتجاوز الوهابية والدولة السعودية الحاضنة لها. لا يحيد المقرر عن الخط العقدي المرسوم سلفاً منذ بداية المرحلة الابتدائية ومروراً بالمرحلة المتوسطة وانتهاءً بالمرحلة الثانوية. فهو لا ينمي قيمة التعددية المذهبية، ولا يعرض الاعتقادات الأخرى الى جانب العقيدة الوهابية، وإنما يؤكّد على أنها العقيدة الصحيحة وما سواها فاسدة، وأتباعها بين مشرك شرك أكبر، ومبتدع، وبالتالي لا يصح تدريس العقائد الباطلة.
في الوحدة الثانية من المقرر، يقعّد للنوع الثاني من التوحيد أي توحيد الربوبية، وإن الاهداف المرجوة من دراسة الوحدة هي (ص29): (أن يدرك ـ الطالب ـ الانحراف عن توحيد الربوبية ويتمكن من الرد على منكريه). وفي الدرس الخامس الموسوم بـ (الانحراف عن توحيد الربوبية ص34، 35)، ثمة نتيجة يخلص اليها واضعو المقرر أمام الطالب، بالحكم على أنه حصل الانحراف في توحيد الربوبية باتجاهين: الاول: الالحاد والانكار: مثال ذلك فرعون وكذلك يوجد من الملاحدة كالشيوعيين من يتظاهر بانكار وجود الرب الخالق سبحانه، وهذا كله مكابرة وإلا فهم في الباطن عارفون بأن الله الخالق المدبر سبحانه وتعالى، ولذا نجدهم في الاضطرار عند الشدائد والكروب يرجعون الى ربهم ويتعلقون به.
الثاني: الاشراك: أي نسبة شيء من أفعال الله تعالى الى المخلوق كاعتقاد خالق مع الله أو رازق أو مدبر يشارك الله تعالى فيما يختص به من الأفعال.
يمثّل لذلك باعتقاد المجوس أن للعالم خالقين هما النور والظلمة واعتقاد بعض الغلاة أن بعض المخلوقين يتصرفون في العالم ويدبرونه. والمجوس هنا قد لا يكونوا الفرقة التي ظهرت في تاريخ ايران القديم، فقد يستخدم العنوان نفسه للتصويب على طوائف إسلامية أخرى في هذا الزمن، كما يفرضه الايمان بنوع من التوحيد دون آخر، بحسب تصوّر أتباع المذهب الوهابي، وقد جاء في (ص39):
(إن العبد لا يكون موحدا بمجرد اعترافه بتوحيد الربوبية حتى يقر بتوحيد الألوهية ويعمله به، وإلا فإن المشركين كانوا مقرين بتوحيد الربوبية ولم يدخلهم ذلك في الاسلام، وقاتلهم رسول الله وهم يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت).
وفي الوحدة الثالثة: توحيد الألوهية، هناك أهداف مرجوة يراد تحقيقها منها: (3 ـ أن يحذِّر من العقائد الضالة في العبادة ويتمكن من الرد عليها. 4 ـ أن يذكر نواقض الاسلام ويجتنبها. 6 ـ أن يحذر من بعض المفاهيم الخاطئة في تحديد العبادة). انها أهداف لا تحيد عن المضامين العقدية المذكورة في كتب ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأهل دعوته.
في الدرس العاشر الموسوم بـ (عقائد الأمم الضالة في معبوداتهم) جاء في (ص52): (ذهب بعض المشركين الى أن معبوداتهم تملك بعض التصرفات في الكون وقد تلاعب بهم الشيطان في عبادة هذه المعبودات، فطائفة دعاهم الى عبادتها من جهة تعظيم الموتى الذين صاروا تلك الأصنام على صورهم كقوم نوح. ومنهم من يعبد الملائكة والانبياء والصالحين. ومنهم من يعبد الموتى والقبور والأضرحة، وكل هذا بسبب أن هؤلاء توهموا أن في هذه الأشياء شيئاً من خصائص الربوبية. ومنهم من يزعم أن هؤلاء الأموات يشفعون لهم عند الله في قضاء حوائجهم).
لا يحتاج مدرّس المادة وهو المتخرّج من إحدى الجامعات والمعاهد الدينية الى بذل جهد استثنائي كيما يضع النقاط على الحروف، فينقل الطالب من العالم النظري الى الواقع العملي، حيث يسرد له قائمة الطوائف الاسلامية المصنّفة في خانة الشرك والابتداع الارتداد. ولبيان ذلك، خصّص الدرس الثاني عشر من المقرر لـ (نواقض الاسلام)، أي ما يخرج به الشخص من الاسلام بعد أن كان داخلاً فيه، وهي كثيرة، بحسب العقيدة الوهابية، من أشهرها (ص57): (الشرك في عبادة الله، بأن يصرف شيئاً من العبادة لغير الله أو يتخذ وسطاء وشفعاء يدعوهم من دون الله).
وتبدو السذاجة في أبسط أشكالها حين يختتم الدرس بعبارة أدخلت على النص عنوة كالتالي (ص59): (ويجب أن يحذر المسلم من تكفير المسلم، ثم ليعلم أن الذي يقوم بالحكم بالكفر على من وقع في ناقض من نواقض الاسلام هم الراسخون في العلم، فلا يقدم على التكفير من لم يكن منهم). والحال، أن من تلقّى كل هذه المقدّمات الموصلة الى تكفير الآخر، ونبذه، وصولاً الى مقاتلته، لا يمكن ان يعثر بعبارة التحذير من التكفير. وكما قال الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
إيّاك إيّاك أن تبتلَّ بالماء!
ولذلك فإن الجملة الاعتراضية لا تغيّر من مسار التنشئة العقدية القائمة على تنزيه الذات وتجريم الآخر. فالهيئة المشرفة على وضع مقرر (التوحيد) تواصل عملها في غرس العقيدة الوهابية في الطالب/الطالبة.
في الوحدة الرابعة بعنوان: (توحيد الاسماء والصفات)، هناك أهداف محدّدة لدراستها ومنها (ص90): (أن يتمكن ـ أي الطالب ـ من الرد على أبرز أقوال الفرق المنحرفة عن الحق في باب الأسماء والصفات).
وتعريف هذا النوع من التوحيد على النحو التالي: (الايمان بما وصفه الله به في نفسه في كتابه أو ووصفه به رسول الله من الأسماء الحسنى والصفات العلى على الوجه اللائق به). وحدد منهج السلف وطريقتهم في أسماء الله وصفاته: ( الايمان الكامل بجميع أسماء الله وصفاته الواردة في الكتاب والسنة على الحقيقة والتسليم). أي (ص91): (إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل). يعني السمع والبصر والساق والاستواء على العرش و..و.. صفات ثابتة.
فكي يكتمل إسلام المرء يجب عليه الإيمان بأن الله جسم ولكن لا كالاجسام، ومن يخالف هذا الاعتقاد يصبح ملحداً، بحسب ما جاء تحت عنوان: (أنواع الإلحاد في أسماء الله تعالى) أي ص 97: (أن ينكرها أو ينكر شيئاً منها أو مما دلت عليه من الصفات والمعاني والأحكام كما فعل المعطلة من الجهمية وغيرهم).
ويقسم المقرر صفات الله تعالى الى (ص99): (ذاتية: التي لم يزل متصفاً بها، كالعلم والقدرة والسمع والبصر والعز والعلو. وفعلية: وهي التي تتعلق بمشيئته أي يفعلها سبحانه إذا شاء كالنزول الى السماء الدنيا.. وقد تكون صفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية لأن الكلام يتعلق بمشيئته يتكلم متى شاء بما شاء).
وفي ضوء ما سبق، يكون التمايز ليس على أساس إجتهادي/ مذهبي، بل على أساس إيماني (مؤمن وملحد). وقد جاء في الدرس العاشر بعنوان: (مذاهب الفرق الضالة في أسماء الله وصفاته) (ص 104): (المنحرفون عن منهج الحق منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته طائفتان هما: المشبهة: الذين يشبهون الله بخلقه ويعتقدون أن صفاته أو بعضها مثل صفات المخلوقين. فقد كفر. والمعطّلة: وهم الذين نفوا عن الله ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من الاسماء الحسنى وصفات الكمال أو بعضها مع تفاوت بينهم).
وفي الرد (ص104،105): (أن السلف الصالح أجمعوا على إثبات الصفات ولم يختلفوا فيها. أنه يلزم من نفي الصفات نفي وجود الله لأن كل موجود يلزم أن تكون له صفات والذي ليس له صفات هو المعدوم فمن نفى عن الله الصفات فقد شبهه بالمعدومات. أن صرف كلام الله وكلام رسوله ص عن ظاهره الى معنى يخالفه قول على الله بغير علم).
ومن صفاته (ص 109): العلو: (فمن صفاته سبحانه علوه فوق خلقه، والعلو يشمل علو الذات وعلو الصفات وعلو القدر وعلو القهر).
الوجه: (أن لله وجهاً حقيقياً على ما يليق به سبحانه موصوفاً بالجلال والاكرام والبهاء والعظمة والنور فيتعلق العبد بربه ويشتاق الى النظر الى وجهه الكريم).
اليدين: (فنؤمن أن لله يدين حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته، فإثباتهما يدل على كمال الله تعالى في الخلق والرزق والكرم والقدرة).
الكلام: (إثبات الحديث والقول والكلام والنداء والمناجاة وكلها أنواع من الكلام ثابتة لله عزل وجل).
الاستواء على العرش: (المراد به ارتفاعه وعلوه على عرشه على وجه الحقيقة على ما يليق بجلال الله وعظمته واعتقاد ذلك يغرس في قلب المؤمن تعظيم الله عز وجل والهيبة له).
وهناك صفات أخرى (ص110) جاء ذكرها في القرآن والسنة مثل: الفرح، والحب، والرضا، والسخط، الكراهية، الاتيان (أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة)، المجيء.
لا توصل هذه الأوصاف سوى الى نتيجة واحدة وهي أن الله جسم ولكن لا كبقية الأجسام، وهنا يفترق المسلمون في أغلبهم مع هذا الفهم الحرفي للآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية. وبصرف النظر عن الصحة والخطأ، فإن هذا الفهم لا يلزم أحداً من المسلمين، لأنه فهم خاص بمذهب محدّد، ولا يسري على بقية المذاهب، وإن إدّعاء أن ما عليه هو إيمان وغيره كفر والحاد لا يعدو أن يكون دعوى فارغة.
على أية حال، فإن مقرر (التوحيد) في المرحلة الثانوية يقدّم العقيدة الوهابية كنسخة متكاملة، فتصبح الأسس التي اختلف فيها المذهب الوهابي عن بقية المذاهب مشروحة بإسهاب. يبدأ مقرر (التوحيد) المخصص لطلاب الصف الثاني الثانوي (اداري ـ طبيعي ـ أدبي ـ علمي ـ تحفيظ قرآن)، للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/ 2013 ـ2014، بالمقدمة ذاتها التي وردت في مقررات سابقة وهي: (فإن تعلم العقيدة الصحيحة من منبعها الصافي الكتاب والسنة على نهج سلف هذه الأمة من أعظم القربات وأشرف المقامات).
وتبدو العبارات المستخدمة في المقرر أشد وضوحاً وحسماً منها (ص35): (من شروط الايمان بالله افراده بأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتوحيد الاسماء والصفات). أي أن الايمان بالله لا يتحقق الا حين يكون وفق النهج الوهابي في عقيدة التوحيد.
وفي الفصل الدارسي الثاني (ص105)، خصّص قسم كبير من الكتاب للحديث عن أخبار آخر الزمان، وعن ظهور المسيح الدجال، وعن العلامات الكبرى وأشراط الساعة، وعن رؤية الله في الآخرة فيقول: (رؤية الله في الآخرة ثابتة بالكتاب والسنة واجماع السلف).
وهذا التسلل من الموضوعات والمضامين الثاوية فيها من خصوصيات المدرسة الوهابية. وعلى الطريقة نفسها، وبقدر أكبر من الاسهاب والتوسّع يعرض مقرر (التوحيد) للصف الثالث الثانوي (اداري ـ طبيعي ـ أدبي ـ علمي ـ تحفيظ قرآن)، للسنة الدراسية 1434 ـ 1435/ 2013 ـ2014 جوانب أخرى مركزية من العقيدة الوهابية.
يبدأ المقرر بالمقدمة ذاتها: (فإن تعلم العقيدة الصحيحة من منبعها الصافي....الخ).


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

ويشتمل الكتاب على الوحدات التالية: الاولى: الشرك والكفر والنفاق والفسق والردة والتكفير؛ الثانية: أقوال وأفعال تناقض التوحيد أو تنقصه؛ الثالث: ما يجب اعتقاده في الرسول وأهل بيته وصحابته؛ الرابعة: الفتن؛ الخامسة: الامامة؛ السادسة: الولاء والبراء والتشبّه بالكفار؛ السابعة: البدع). ثم يلي ذلك بعبارة ذات دلالة: (والغرض من هذا تحقيق العبودية لله وحده وتجنب عبادة من سواه بغرس العقيدة الصحيحة وظهور آثارها في أفعال الشخص وتصرفاته).
وفي الدرس الأول من الوحدة الاولى يتم تقديم موضوع الشرك بأركانه كافة. ويعرّف الشرك على هذا النحو (ص12): (جعل شريك لله تعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه أو صفاته. والغالب وقوع الاشراك في الألوهية بأن يصرف لغير الله شيءٌ من أنواع العبادة: كالدعاء، والذبح، والنذر، والخوف، والرجاء، والمحبة).
وبناء على هذا التعريف والحكم يصبح على النحو التالي: أن الله لا يغفر الشرك.. وأن الشرك يحبط الأعمال.. وأن الله حرم الجنة على المشرك وأنه خالد مخلد في نار جهنم.. والأخطر من ذلك كله في الدنيا (ص13): (إن الشرك سبب لقتال أصحابه ومجاهدتهم، مستنداً على حديث نبوي: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فمن قال لا اله الا الله فقد عصم مني نفسه وماله الا بحقه وحسابه على الله).
وهنا لفتة ضرورية تتكرر في كل كتب التوحيد وما تحويه من تكفير الآخر وما يستوجب من مواقف لاحقة. فالتكفير ثابت ولكن مع وقف تنفيذ القتل الا بإذن ولي الأمر (وهنا يشمل العلماء والأمراء معاً) بحسب تفسير علماء الوهابية (راجع الشيخ ناصر العمر، محاضرة على بصيرة، على شبكة المسلم بتاريخ 17 ربيع الثاني سنة 1427هـ).
فبعد تكفير الآخر، يصبح الكلام عن تنفيذ حكم القتل وشروطه كما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة رقم الفتوى 1257 ج1 ص 244 ـ245، والتي تتناول شروط وضوابط مقاتلة الكفار والمشركين: (أن تتم دعوتهم الى الاسلام فيرفضوا الدخول فيه ويرفضوا دفع الجزية؛ أن يكون لدى المسلمين قوة وقدرة على المقاتلة؛ أن يكون ذلك بإذن ولي الأمر وتحت رايته؛ ألا يكون هناك عهد بينهم وبين المسلمين في ترك المقاتلة).
إذن ما جرى في مناهج التعليم كان تنقيحاً وليس تصحيحاً، أي أن نفي الآخر وكراهيته وتكفيره بقي ذاته، ولكن جرى تأجيل موعد تنفيذ الحكم فيه قتلاً.
ومع ذلك يتأكد الحكم في صفحات تالية ويبقى الاثراء مجرد جملة اعتراضية وتجميل لصورة الدولة في الخارج.
الشرك نوعان: أكبر وأصغر. الأكبر (ص14): (بأن يصرف العبد شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، كدعاء غير الله والتقرب بالذبائح والنذور لغير الله من أصحاب القبور والجن والشياطين والاستعانة بغير الله فيما لا يقدر عليه الا الله من قضاء الحاجات وتفريج الكربات كما يحصل من بعض الناس عند قبور بعض الأولياء والصالحين. وحكمه: يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار وإذا مات ولم ويتب منه. وتفسير ذلك: أنه ليس من المسلمين، أي من الكفار وينطبق عليه ما ينطبق على الكفار من أحكام بما في ذلك القتل بل قد يجري عليه أحكام الردة).
ما سبق من تعريف وتمثيل وإشارات يشتمل على أحكام واضحة وهي أن طوائف بعينها من المسلمين إما كافرة أو مرتدة وخارج الملة ومخلّدة في النار، لأن الوهابية تزعم بأنها تصرف العبادة لغير الله، وتشرك غيره سبحانه وتعالى في عبادته، مثل الشيعة بطوائفهم الامامية والزيدية والاسماعيلية، والصوفية بفرقهم، والسنّة من الشافعية والحنفية والمالكية.
ما يلفت هو معالجة الدولة لمشكلة التكفير مع الآخر، غير المسلم، أي العامل الأجنبي لأن لذلك صلة بالدولة واستقرارها، بالرغم من المضامين المعلولة في النظر الى الآخر غير المسلم. فقد جاء في فقرة نشاط فردي (ص17): (تعرفتَ ـ أيها الطالب ـ على رجل كافر ممن قدم للعمل في بلادك، فما واجبك نحوه؟). فالسؤال يضمر موقفاً دينياً تجاه العامل الأجنبي الذي يصفه بالكفر ابتداءً، ثم يسأل واضعو المقرر عن الحكم وقد أسّسوا لكل ما يحط من قدر، ويولدّ من كراهية، ويحرّض في بعض المقاطع على قتله، ثم يسأل عن الواجب نحوه، وقد حكموا بأن كل ما عدا أتباع محمد بن عبد الوهاب هم كفّار حكماً.
وفي النشاط الفردي أيضاً (ص17) يوجّه واضعو المقرر الطالب/ الطالبة كيما يضطلع بدور الداعية بأن: (يقوم الطلاب بإشراف المعلم بزيارة أحد المكاتب التعاونية للدعوة وتوعية الجاليات للتعرف على ما يقوم به المكتب من دعوة للكفار).
فالطالب/الطالبة يبقى داخل البيئة الحاضنة للعقيدة الوهابية، لا يغادرها، فالانتقال من المدرسة الى مكتب توعية الجاليات يأتي ضمن المجال العقدي للمذهب الرسمي، وإن ما سوف يطلع عليه الطالب/ الطالبة هو مجرّد تقنيات الدعوة المستعملة لجلب (الكفّار!!) الى الدين، الى العقيدة الصحيحة، الى الوهابية.
في الدرس الخامس عن الردّة، يتم تطبيقها على من ارتكب ناقض من نواقض الاسلام، وهي كثيرة ولكن ترجع الى أربعة أقسام من بينها:
(الردة بالقول: مثل سب الله تعالى أو رسوله أو ملائكته أو أحد من رسله أو ادعاء علم الغيب أو ادعاء النبوة أو تصديق من يدعيها أو دعاء غير الله أو الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه الا الله أو الاستعاذة به من ذلك؛ الردة بالفعل: كالسجود للصنم والشجر والحجر والقبور والذبح لها و..؛ الردة بالاعتقاد: كاعتقاد الشرك لله، أو أن الزنا والخمر والربا حلال، أو أن الصلاة غير واجبة).
ضمن المواصفات المذكورة هنا يصبح واضحاً المذاهب المصنّفة بكونها مرتدة، وسوف تعين الفتاوى المنتشرة بكثافة في المدارس، والمعاهد والجامعات الدينية، وفي خطب المساجد، وفي حلقات الدرس على تسمية الأشياء بأسمائها.
والخلاف يدور حينئذ حول تنفيذ أحكام الردّة، ومن هي الجهة المخوّلة بذلك. والا فإن الطريقة المتبّعة مع المرتدّين ثابتة، وهي كما ورد في أحكام الردة (ص28): (المرتد يستتاب من قبل الحاكم فإن تاب ورجع إلى الاسلام قبل منه ذلك وترك وإن أبى أن يتوب وجب على ولي الأمر قتله. ويُمنع من التصرف في ماله مدّة استتابته فإن أسلم فهو له، والا صار فيئاً لبيت المال من حين قتله إلى موته على الردة. ويُفرّق بينه وبين زوجته المسلمة فإنها لا تحل له. وينقطع التوارث بينه وبين أقاربه فلا يرثهم ولا يرثونه. وإذا مات أو قتل على ردته فإنه لا يُغسّل ولا يُصلّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يدفن في مقابر الكفار، أو يوارى في التراب في أي مكان غير مقابر المسلمين).
وليس المرتد هنا كائناً غامضاً أو مجهول الهوية، بل يقصد به طوائف من المسلمين طبّقت عليهم أوصاف المرتد، بحسب العقيدة الوهابية، التي يتشرّبها الطالب/الطالبة. وللمرء تخيّل رؤية الطالب لزميله وقد انتهى المطاف لأن يرى أحدهما الآخر مرتداً، بعد أن كان زميلاً في الصف، يتقاسم معه أحلام التفوق والتنافس على العلم، فإذا به يصبح مجرد خصم يستحق القتل.
ويثير الدرس السادس الموسوم بـ (التكفير) سؤالاً كبيراً: لماذا هذا الدرس؟ وهل الطالب في الصف الثالث الثانوي بحاجة الى تعلم أحكام التكفير؟ ثم ألا يعكس هذا الموضوع مشكلة داخلية ناجمة عن تفشي ثقافة التكفير في البلاد، عبر مناهج التعليم الديني، وخطب المساجد والجوامع وحلقات العلوم الشرعية وغيرها..
يقسّم واضعو المقرر الناس على أساس عقدي، فيصبح بعضهم إما أن يكون كافراً أصلياً كاليهود والنصارى والوثنيين، كما في قوله تعالى (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية). ومن الواضح أن الآية لا تتحدث عن عموم أهل الكتاب وإنما بعضهم بنص الآية (الذين كفروا من أهل الكتاب)، والا وقع التعارض مع آيات أخرى كقوله تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الله وهو يسجدون) آل عمران ـ113، وقوله تعالى (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل اليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً..الآية) آل عمران 199.
ما يلفت في النص الوارد في المقرر هو التعليق لاحقاً والذي يقوم على (ص30) أن: (تكفير هؤلاء واجب، بل إن من لم يكفرهم أو شك في كفرهم فهو كافر، لأنه مكذب لما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كفرهم، وإما أن يكون مسلماً فهذا لا يجوز تكفيره، إلا اذا توافرت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه والذي يحكم بذلك هم الراسخون في العلم). والراسخون في العلم هم ليسوا فئة مجهولة أو منبثة بين المسلمين عامة من كل المذاهب، بل هم الذين ينتمون الى المذهب الوهابي حصراً.
سوف نعثر دائماً بالعبارة الملغومة (لا نكفر الا من كفّره الله ورسوله)، حيث يتحوّل أهل الدعوة الوهابية ناطقين باسم الله ورسوله، واحتكار الحقيقة المطلقة، فهم وحدهم من يعرف من يكفّره الله ورسوله. فتصبح المعادلة مقلوبة، أن من يكفّرونه هم هو من يكفّره الله ورسوله وليس العكس.
وقد جاء تحت عنوان فرعي (التكفير حق لله) ما نصّه (ص31): (فلا نكفِّر إلا من كفّره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأهل السنة لا يكفّرون من خالفهم.. التكفير حق الله فلا نكفر الا من كفره الله ورسوله، وخلافاً لما عليه بعض الغلاة المعاصرين الذين سلكوا نهج الخوارج).
وحين نعود الى أدبيات الوهابية منذ زمان الشيخ محمد بن عبد الوهاب وحتى يومنا هذا، نجد أحكام التكفير الصادرة ضد العموم والمعيّن طافحة، بل تفشّت الى حد بات من المستحيل إنكارها. فقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب (أنظر: الرسائل الشخصية، المجلد السابع من مؤلفات الامام محمد بن عبد الوهاب، ص 69) ما نصّه (واعلم أن المشركين في زماننا قد زادوا على الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يدعون الأولياء والصالحين في الرخاء والشدّة..). وتبعه حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في كتابه (قرّة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين، دمشق، 1990، ص16) بقوله: (وقد وقع الأكثر من متأخري هذه الأمة في هذا الشرك.. وعلموا أن لا اله الا الله تنفي الشرك الذي وقعوا فيه، وأنكروا التوحيد الذي دلت عليه، فصار أولئك المشركون أعلم بمعنى هذه الكلمة: «لا اله الا الله» من أكثر متأخري هذه الأمة، لا سيما أهل العلم منهم..) في إشارة الى الشرك في الألوهية، على أساس أن من يدخل الإنسان الاسلام هو توحيد الألوهية، بحسب التقسيم الوهابي للتوحيد.
وذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه (القول المفيد على كتاب التوحيد ج1 ص 5،6) وهو شرح لكتاب (التوحيد) للشيخ محمد بن عبد الوهاب ما نصهّ: (ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة). ونفي صفة أهل السنة والجماعة عن غير أتباع المذهب الوهابي وقال (لا يمكن أن يوصفوا بأهل السنة والجماعة، لأن الاضافة تقتضي النسبة، فأهل السنة منتسبون للسنة، لأنهم متمسكون بها، وهؤلاء ليسوا متمسكين بالسنة فيما ذهبوا إليه من التحريف. وأيضاً الجماعة في الأصل الاجتماع: وهم غير مجتمعين في آرائهم. ففي كتبهم التداخل والتناقض، والاضطراب، حتى أن بعضهم يضلل بعضاً..). ولذلك، أخرج العثيمين الاشاعرة والماتريدية وهم أغلبية أهل السنة والجماعة حالياً من هذا المسمى.
وفي عنوان: أنواع التكفير، جاء أن للتكفير أنواعاً ثلاثة، تكفير بالعموم، وتكفير أوصاف، وتكفير أشخاص، وبيان ذلك: (التكفير بالعموم، ومعناه تكفير المخالفين كلهم عالمهم وجاهلهم من قامت عليه الحجة ومن لم تقم. وهذه طريقة أهل البدع وقد عصم الله أهل السنة منها). يحيل الكتاب الى مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب الجزء 12 ص 58). فأين علماء الوهابية من تكفير عموم الشيعة الامامية والزيدية والصوفية والاسماعيلية والمعتزلة والاشاعرة.. وفتاوى محمد بن عبد الوهاب في أهل البوادي وقبائل بعينها، وقال عن البادية بأنهم: (كفروا بالكتاب كله، وتبرؤوا من الدين كله) (أنظر الرسائل الشخصية، الرسائل التاسعة عشرة ص 209).
فأهل السنة والجماعة، بحسب واضعو المقرر، في ذلك وسط بين من يقول (ص31): (لا نكفر أحداً من المسلمين ولو ارتكب ما ارتكب من نواقض الاسلام.. وبين من يكفر المسلم بكل ذنب دون النظر الى أن هذا الذنب مما يكفر به فاعله أم لا). وجاء في شروط التكفير: (أن يقوم الدليل من الكتاب أو السنة الثابتة على أن هذا القول أو الفعل مما يكفر به فاعله؛ انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له مختاراً، فإن كان جاهلاً أو متأولاً أو مخطئاً أو مكرهاً، فقد قام به مانع من موانع التكفير فلا يكفر).
وفي مربع المصطلحات جاء تعريف الباطنية على هذا النحو (ص33): (فرقة ضالة تنتحل الاسلام..لأنها تزعم أن لكل ظاهر باطناً ولكل تنزيل تأويلاً). ويثير التعريف إشكالية كبرى، فهل يستحق هذا التعريف الحكم بالضلال واخراج أهلها من الاسلام، بصرف النظر عن الجهة المقصودة بالباطنية لأن النزعة الهيرومنطقية تكاد تكون قارّة في كل المذاهب الاسلامية والمدارس الفكرية التي تحاول فهم المقاصد النهائية والبعيدة من الاسلام عبر سبر أسرار اللغة التي كتبت بها النصوص الدينية.
في الوحدة الثانية بعنوان: (أقوال وأفعال تنافي التوحيد أو تنقصه)، حيث يراد تحديد أهداف الوحدة ومنها (ص37): (أن تزداد معرفة الطلاب ببعض وسائل الشرك كالتماثيل والنصب والقرابين وتعظيم القبور). إن تكرار هذا الأمر عبر مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية، لا تجعل الطالب/ الطالبة في منأى عن الأحكام الجاهزة التي يأخذها كمسلّمات لا تخضع لمجرد التفكير فضلاً المسائلة والتحقيق، لفرط تكرارها حتى تتحوّل الى مكوّن رئيس في نظام المسلّمات. فما يتلقاه الطالب/ الطالبة في آخر مشواره الدراسي قبل الانتقال الى مرحلة الدراسة الجامعية هو أن يتخرّج وقد حصد طائفة كبيرة من الأعداء.
في الدرس الخامس بعنوان: (سد ذرائع البدع والشرك في القبور) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذّر من (ص49): (1 ـ الغلو في الأولياء والصالحين لأن ذلك يؤدي الى عبادتهم. 2 ـ البناء على القبور. 3 ـ الصلاة عند القبور).
وجميعها ممارسات شائعة في كل بلاد المسلمين، ولم يصدر عن أي من المسلمين ما يفيد بأنه يشرك في عبادة الله أحداً غير الله، وإن حب الأولياء والصالحين لا يأتي في عرض حب الله سبحانه وتعالى وإنما في طوله، أي أن حبّهم لأنهم أولياء لله ومقرّبين منه، ولو لم يكونوا كذلك لما اكتسبوا صفة الأولياء والصالحين.. والبناء لا يعني العبادة ولا الصلاة عند القبور كذلك، فهي تصوّرات نمطية وجائرة.
وفي الدرس العاشر بعنوان: (الانتماء الى المذاهب الالحادية والأحزاب والفرق الضالة)، يجمع بين المذاهب الواقعة خارج نطاق الدين، مثل الشيوعية والعلمانية والرأسمالية ويعتبرها الحادية، ويترك الباب مفتوحاً أمام معلّم المادة كي يكمل القائمة أو ربما يجتهد الطالب/ الطالبة لاستكمالها لأن ثمة فرقاً ضالة جرى عرض أوصافها ولم يرد تحديد هويتها، وهي محسوبة على المسلمين وليس الملحدين.
ولكن ثمة ما يلفت تحت عنوان: (أثر الحزبيات والفرق في تفريق المسلمين)، فهنا تصبح النزعة الالغائية مزدوجة الهدف: ديني/ سياسي. وكأن واضعو المقرر يضعون نصب أعينهم موقف الدولة من الأحزاب الدينية التي تنطوي على تهديد لنموذج الدولة السعودية القائمة على أساس مدعيات دينية، وفي الوقت نفسه لم ينسوا نصيبهم بنفي كل ما سواهم على قاعدة تمايز مذهبي.
وعليه ص(61، 62): (يكون الأصل أن المسلمين أمة واحدة.. فلا يجوز أن يتفرق المسلمون تحت شعارات حزبية أو عصبية أو مادية أو غيرها، ولو تسمّت بالإسلام فيعادي بعضهم بعضاً ولا يوالي أحدهم ولا يحب إلا من كان منتمياً الى حزبه أو جماعته فتراه يستبيح غيبة مخالفه ويسيء الظن به. فالواجب أن يعلم أن التعصب للحزب والقومية والقبيلة من المعاصي التي تفرق الأمة. والتعصب للحزبيات أو القوميات بسبب رفض الحق الذي مع الآخرين كحال اليهود).
ولا غرابة حينئذ أن يضع الكتاب الانتماء لحزب اسلامي والتعصب له في باب الانتماء للأحزاب والفرق الضالة.
وفي تواصل مع عملية ترسيخ أسس الدولة السعودية بما تتطلبه من قطع للصلة مع أي انتماء لا يؤدي في نهاية المطاف الى الولاء للدولة، فإن النظرة إلى الدنيا هي الأخرى تنطلق من نفس النقطة، أي ترسيخ الدولة (=السعودية) من خلال تزهيد الناس في الدنيا وترك شؤون الدولة لأهل الحكم. في درس بعنوان (الحياة الدنيا ونظر الناس اليها)، تصبح شؤون الدولة غائبة تماماً عن اهتمامات المؤمن/ المواطن/ الطالب/ الطالبة، عن طريق التزهيد في الدنيا، والنظر اليها (بوصفها دار ممر ومزرعة للآخرة ومجالاً للتسابق في الخيرات..)، والتحذير من تبني النزعة الدنيوية كما هي لدى غير المسلمين (ص65): (فقلوب الذين يريدون الحياة الدنيا وعقولهم متعلقة بها، ومثل ذلك من ينبهر بما عند بعض الكفار من تقدم صناعي واقتصادي فيعجب بهم ويدعو الى اقتفاء آثارهم، مع تناسي انحطاطهم الأخلاقي وسوء عاقبتهم في الآخرة..).
نظرة نمطية لم تعد قابلة للتسويق، وترتد الى أزمنة غابرة حين كان الشرق يواري سوءاته الاخلاقية وتفكّكه الاجتماعي وانهيار نظامه القيمي. إن ثمة جدلية تهدف صرف انتباه الطالب/الطالبة الى الآخر المصنّف في خانة الكفّار.
وفيما راح المقرر يسهب في عرض الغلو في أهل البيت (ص83)، سرد كل مبررات العودة للتاريخ الاسلامي واعتبر مذهب أهل السنة والجماعة هو الكف عن الحديث عما شجر بين الصحابة، واعتبر الخلاف الذي نشب في عهد الخليفة عثمان مؤامرة يهودية، قادها عبد الله بن سبأ، ثم يقرر واضعو المقرر نتيجة (ص84، 85)فالتف حوله من انخدع به من قاصري النظر وضعاف الإيمان ومحبي الفتنة). هذا ولا يزال مذهب أهل السنة والجماعة يشدّد على الكف عن الحديث عمّا شجر بين الصحابة في تلك المرحلة، وقد نال من صحابة بشّرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقتل ظلماً، مثل عمار بن ياسر الذي قال فيه (يا عمّار تقتلك الفئة الباغية)، وفي الصحابة محمد بن أبي بكر، نجل أول الخلفاء الراشدين، وغيرهما، وهؤلاء ممن يصعب قبول انخداعهم بشخص نكرة ظهر فجأة في عهد الخليفة عثمان واختفى للأبد بعد حرب صفين، وكأن عبد الله بن سبأ هذا الإسم الحركي لأحد من شارك في حركة الاحتجاج ضد الخليفة عثمان.
ما يلفت حقاً أن المقرر وهو يشدّد على الكف عن الحديث في ما جرى في عهد الخليفة عثمان وما بعده، يخصص وحدة بعنوان (الفتن) ويبسط الحديث في قسميها. يتحدث في الثانية (ص94) عن فتن شبهات تتعلق بالدين كالأهواء التي أدت الى ظهور البدع والقتال بين المسلمين. ويختم بتحديد موقف المسلمين من الفتن وطرق الوقاية منها (ص95): (1 ـ التعوذ من الفتن. 2 ـ التمسك بالكتاب والسنة. 3 ـ لزوم جماعة المسلمين وإمامهم. 4 ـ السمع والطاعة للولاة والصبر على جورهم وعدم الخروج عليهم. 5 ـ الرجوع الى العلماء الراسخين. 6 ـ ترك السعي في الفتنة).
في ضوء هذا العرض، يتبيّن أن الدعوة للكف عن الحديث عن وقائع مرحلة الخلافة الراشدة ليست لذاتها بل لغيرها، أي لتأسيس فكرة الطاعة للسلطة القائمة والتماهي معها وعدم الخروج عليها، واعتبار أن معارضتها من باب الفتنة، تماماً كتلك التي يصوّرها واضعو المقرر في عهد عثمان!
ومادام الحال كذلك، فإن الإمامة في مفهوم المذهب الوهابي لا تعني شيئاً آخر سوى (ص99): (طاعة ولي الأمر وحرمة الخروج عليه، وتحريم منازعته حتى ولو كان عنده جور وظلم ومعصية، وأمرت بالصبر ولزوم الجماعة لما يسببه الخروج من فتن وفساد وشرور واختلال الأمن واراقة الدماء وطمع الأعداء).
يقترب الطالب/الطالبة وهو ينهي مراحل الدراسة الرسمية من نقاط التماس في العقيدة، وفي النظرة الى الأشياء من حوله، وفي العلاقة مع الآخر.. نقاط ترسم خارطة سلوك عام لدى الفرد والجماعة التي تعتنق العقيدة. ولاشيء يمكن أن يشكّل عصبية جماعة دينية وهويتها الخاصة كما تفعل عقيدة الولاء والبراء، بحسب ما جاء في الوحدة السادسة من مقرر التوحيد.
ويكفي للتعرف على خطورة هذه العقيدة، التأمل في أهدافها على النحو التالي: (أن يتعرف الطلاب أحكام عقيدة الولاء والبراء في الاسلام ومكانتها. أن يتبين الطلاب بعض صور موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين. أن يدرك الطلاب العلاقة بين الموالاة والاهتمام بشؤون المسلمين. أن يحذر الطلاب من التشبّه بالكفّار). السؤال هنا: مالذي يحتاجه الطلاب في هذا الدرس سوى كراهية الآخر وسبل ترجمتها عملياً، والتي تصل في أخطر مآلاتها إلى قتل الآخر.
فقد جاء في بيان هذه العقيدة (ص102) ما نصّه: (فالولاء والبراء له أثر كبير في توجيه تصرفات المسلم وعلاقاته بالناس مؤمنهم وكافرهم). ويمضي: (أساس الولاء والبراء مبني على أن الاسلام هو الدين الحق الذي لا يقبل الله من العباد غيره وأن ما سواه من الأديان باطلة لا يقبلها الا الله ولا يرضاها).
والسؤال ما هو المطلوب بعد ذلك؟ الجواب (ص104): (فالواجب على المسلم موالاة إخوانه المسلمين ومحبتهم، وعليه أن يأتي بما يستطيع من حقوق الموالاة). وبحسب المقرر (ص107) نهى الله عن موالاة الكفار، وهم بحسب الادلة الواردة هم اليهود والنصارى وكل الأديان السماوية غير الاسلام.
يقسم موالاة الكفار الى ظاهر دون الباطن لعذر شرعي من إكراه واضطرار أو خوف وضعف في بعض الأزمان والبلدان فهذه الموالاة جائزة بقدر الحاجة، ففي حال الإكراه تجوز الموالاة الظاهرة بإظهار الموافقة لهم على دينهم ـ ما دام القلب مطمئناً بالإيمان. وهناك موالاة ظاهرة دون الباطن لأغراض دنيوية دون عذر شرعي فهذا العمل الظاهر ـ وإن لم يكن كفراً ـ إلا أنه محرم.
ومن صور ذلك اتخاذهم بطانة باسناد الولايات إليهم وكثرة مجالستهم والانبساط لهم، لأغراض دنيوية والتشبه بهم فيما ابتدعوه من الأعياد والمناسبات وما اختصوا به من العوائد في هيئاتهم ولباسهم وأخلاقهم وطرائقهم السيئة في عموم حياتهم، وكذا التسمي بأسمائهم وإطلاق الثناء عليهم، ومما يدخل في موالاة الكفار المحرمة الاقامة في بلادهم دون عذر شرعي.
وكما في المرات السابقة، فإن التنقيح يطال بصورة رئيسية المواقف التي تشكّل مصدر خطر على الدولة. ففي عرض أخطاء في مفهوم الولاء، كان تصحيح مفهوم الولاء يقتصر على جانب الدولة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كالدخول في معاهدات مع الكفار!! من أنواع الولاء المحرم ومن الركون الى الذين ظلموا الموجب للخروج من الاسلام وهذا الكلام ليس على اطلاقه فقد يرى ولي أمر المسلمين في معاهدة الكفار في بعض الاحوال والأزمان ما يحقق مصلحة للمسلمين أو يدرأ عنها شراً، وقد تكون هذه المعاهدة مشتملة على نوع من التنازل والغضاضة على المسلمين لكنها في مراعاة لمصلحة أعظم أو دفع مفسدة أكبر. ويبدو النزوع نحو التمييز بين ما هو ممنوع ومشروع في هذا الأمر واضحاً في تسامحه لجهة تبرير المعاهدات المعقودة بين الدولة والدول المصنّفة في خانة الكفّار، حيث تتم معالجة (ص 107 ـ111): (الخلط بين ولاء الكفار الممنوع وبين البر والاحسان والاقساط المشروع؛ القول بأن كل موالاة الكفار ردّة وكفر وهذا غير صحيح؛ الظن بأن مما يدخل في موالاة الكفار المعاملات التجارية معهم وتبادل الخبرات والاستفادة من تجاربهم المفيدة؛ الظن بأن ما يوجد من محبة طبيعية فطرية من المسلم لقريبه الكافر نوع من الموالاة المحرّمة؛ تأييد موقف المسلم ضد الكافر مطلقاً حتى لو كان المسلم ظالماً).
وسوف يأتي التناقض لاحقاً.
وعلى المنوال نفسه يتم التفريق بين براء مشروع وآخر ممنوع. ومن صور البراء المشروع (ص114): (1 ـ بغض الكافرين والبراءة منهم ومعاداتهم لأجل ما هم عليه من الكفر والشرك بالله تعالى. 2 ـ البراءة والبغض والابتعاد عن كل ما يبغضه الله ورسوله من الاعمال والاعتقادات المنحرفة وجميع أنواع الشرك والفساد ومن كفر وفسوق وعصيان وبدع ومنكرات. 3 ـ بغض أهل الفسوق والظلم والشر والفساد من المسلمين وهذا البغض هذا الصنف بغض جزئي فهو بغض معه حب.. بغض لما قام به من البدع والذنوب والفساد والشروك ويحبون ويوالون لما معهم من الايمان والخير والحسنات التي يحبها الله ورسوله).
وبحسب التنقيح أيضاً، فإن المقرر يضيء على أخطاء في مفهوم البراء، وهي في الغالب على صلة بالدولة وليس المجتمع، ومن تلك الأخطاء (ص114 ـ115): (الظن بأن البراءة من غير المسلمين ومعاداتهم وبغضهم يجيز ظلمهم والاعتداء عليهم وسلب حقوقهم؛ الظن بأن تحريم ظلم الكافرين والأمر بالعدل معهم والاحسان اليهم يستلزم منع البراءة منهم وعدم بغضهم؛ الغلو في بغض أصحاب البدع والذنوب والفساد من المسلمين والزيادة عن المشروع في ذلك حتى يجعل بغضهم كبغض الكافرين، ويتبرأ منهم براءة لا ولاية ولا محبة معها وهذا من البغي والظلم، لأن المسلم مهما عمل من الذنوب التي لا تخرجه من الملة فإن المحبة والموالاة له باقية وان كانت ناقصة، فيحبُّ ويوالى لما معه من الإيمان والخير ويبغض بقدر ما معه من الشر).
والحديث هنا ليس عن أي مسلم بل عن شخص حصل على مواصفات المسلم وفق المعايير الوهابية، فهنا يجري الحديث عن مسلم لم تخرجه الذنوب من الملة، وقد لحظنا سابقاً بأن ثمة أنواع من الشرك تخرج من الملة كما جاء سابقاً.
قد يعتقد بأن المقصود بالكفّار هنا هم النصارى واليهود فحسب، ولكن سوف نكتشف فيما بعد أن القائمة مفتوحة وتستوعب المسلمين من طوائف أخرى، كما يكشف عن ذلك الدرس الرابع بعنوان (التشبّه بالكفار وآثاره)، وحكمه: التشبه بالكفار فيما هو من شعائر دينهم أو شعاراتهم المختصة بهم محرم وعليه وعيد شديد، لأنه من مظاهر موالاتهم..والتشبّه يتفاوت بحسب آثاره فمنه (ص117): (ما هو كفر كالتشبه بهم في ما هو من عقائدهم الباطلة وعبادتهم كالشرك مثل: تعظيم معبوداتهم؛ وطاعة العظماء في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله، ومن ذلك تحكيم القوانين الوضعية بدلاً من الشريعة الاسلامية. ما هو بدعة أو من ذرائع الشرك ووسائله كبناء المساجد والقباب على القبور، وكذلك التشبه بهم فيما ابتدعوه من الأعياد والمناسبات وغير ذلك).
فالبراء لا يقتصر على غير المسلمين بل هناك طوائف كبيرة من المسلمين تخضع لعقوبة البراءة، حتى وإن تعمّد واضعو المقرر ولأسباب باتت معروفة استبعادهم من قائمة أنواع الكفار منهج التعامل معهم، رغم أن في هذا الأنواع ما يصلح تطبيقه عليهم مثل المعاهدون: وهم الكفار الذين يكون بينهم وبين المسلمين عهد على ترك القتال..
وتتأكّد صفة الكفر على طوائف من المسلمين في الوحدة السابعة حول (البدع)، ويتفاوت التحريم فيها بحسب نوع البدعة (ص123): (فمنها ما هو كفر صراح، كالطواف بالقبور تقرّباً إلى أصحابها، وتقديم الذبائح والنذور تقرباً لها ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم وكإنكار أسماء الله وصفاته. ومنها ما هو كبيرة، لأنه من وسائل الشرك كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها. ومنها ما هو معصية، كبدعة الصيام قائماً في الشمس والتعبد بترك الزواج واعتزال الجمعة والجماعة).
فحين تجمع ما قيل سابقاً حول البراء من الكفار، وما يقال هنا عن الكفر الصراح، لا يكون هناك ريب في أن حكماً بالكفر قد نال كثيراً من طوائف المسلمين.
وحتى يقطع الشك باليقين فإن الدرس الثاني من وحدة البدع، بعنوان (ظهور البدع في حياة المسلمين وأسبابها)، يذكر من بين الأسباب التي أدت الى ظهور البدع (ص 125): التشبه بالكفار. ولا تتوقف البدعة عند آثارها وأسبابها كيما يوصم صاحبها بالكفر، فإن مفاسد البدع هي الأخرى تؤول الى النتيجة ذاتها حيث أنها (ص126):
(تستلزم الاستدراك على الشرع والقدح في الشريعة، والايحاء بأنها ناقصة فأكملها هذا المبتدع وهذا مخال لقوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم)، لأنه إذا جاء ببدعة جديدة يعتبرها ديناً، فمقتضاه أن الدين لم يكمل. كما تستلزم القدح في المسلمين الأوائل من سلف الأولين من سلف هذه الامة وخيارها الذين لم يأتوا بها، لأن هذا يعني أن كل ما سبق هذه البدع من المسلمين فإن دينهم ناقص. وكذلك الانشغال بالبدع والمحدثات عن السنن لأن الغالب أن من اشتغل ببدعة، انشغل عن سنّة كما قال بعض السلف. إن هذه البدع توجب تفرق الأمة، لأن هؤلاء المبتدعة يعتقدون أنهم من أصحاب الحق، ومن سواهم على ضلال. ان الابتداع في الدين يؤدي الى التنازع الذي هو أعظم سبب لفشل الأمة وهوانها).
ماذا يعني ذلك؟
أن أصحاب البدع كفّار، لأنهم بحسب المفاسد الواردة أعلاه: شكّكوا في الدين، وخالفوا سيرة السلف الصالح، وأحدثوا في الدين، وفرّقوا الأمة، وساقوها الى التنازع والفشل.
وفي مثل حالة هؤلاء لابد من موقف، ولن يصدر الا عن أهل التوحيد، وأتباع العقيدة الصحيحة. وكما جاء في الدرس الثالث: (موقف السلف من المبتدعة ومنهجهم في الرد عليهم) فإنهم (ص128 ـ129): (قد ألفوا المؤلفات الكثيرة في ذلك، وردّوا على المبتدعة في أصول الايمان والعقيدة وألفوا كتباً خاصة في ذلك كما ألف الامام أحمد كتاب الرد على الزنادقة والجهمية، وألف البخاري كتاب خلق أفعال العباد، وألف عثمان ابن سعيد الدارمي كتاب الرد على الجهمية، وكذا من جاء بعدهم كشيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب وغيرهم ممن تصدوا للرد على تلك الفرق وعلى القبورية والصوفية).
والقبورية هنا هي المكافىء المذهبي للشيعة، وسوف يتولى معلّم المادة، المتشرّب لعقيدة التوحيد وأباطيل الفرق الضالة بحسب المذهب الوهابي مهمة تحديد من هي الفرق وأوصافها، وسوف يكتشف الطالب/ الطالبة أن أكثرية المسلمين هم واقعون في خانة المبتدعة، لكفرهم بتوحيد الألوهية أو توحيد الأسماء والصفات، وما يندرج تحت أحدهما أو كليهما من عناوين وموضوعات كزيارة القبور، وطلب الحاجات من الأموات، والاستغاثة بهم..الخ..
ويذكر الدرس الرابع: (نماذج من البدع) (ص130): (الاحتفال بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ والتبرك بالأماكن والآثار والأموات ونحو ذلك؛ والبدع في مجالات العبادات والتقرب الى الله بما لم يشرع. والبدع كثيرة بحكم تأخر الزمن وقلة العلم وكثرة الدعاة الى البدع والمخالفات وشيوع التشبه بالكفار في عاداتهم وطقوسهم).
وفي موضوعة الاحتفال بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وآله جاء في المقرر بأنه (ص130): (حرام، لأنه من البدع المحدثة، وهو تشبه بالنصارى في عمل ما يسمى بالاحتفال بمولد المسيح). ويضيف (ص131): (وبعض هذه الاحتفالات علاوة على كونها بدعة وتشبهاً بالنصارى لا يخلو من الشركيات كإنشاد القصائد التي فيها الغلو في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، الى درجة دعائه من دون الله والاستغاثة به.. يحضر احتفالاتهم من المنكرات التي تصاحب هذه الاحتفالات الاذكار البدعية والأناشيد الجمعية المنغمة وضرب الطبول، وغير ذلك من الاذكار الصوفية المبتدعة، وقد يكون فيها اختلاط الرجال والنساء، مما يسبب الفتنة ويجر الى الوقوع في الفواحش.. وحتى لو خلا هذا الاحتفال من هذه المحاذير واقتصر على الاجتماع وتناول الطعام في إظهار الفرع فإنه بدعة محدثة ـ وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
ومن الواضح، أن واضعي المقرر متحررون من أي قيد شرعي وأخلاقي وإنساني فهم يتحدثون عن فئة من الكفّار بما يجيز لهم تجاوز كل الخطوط والقول فيهم بما يشاؤون طالما ألا شيء يحول دون ذلك. ومن البدع أيضاً (ص133): (الاحتفال بالمناسبات الدينية كمناسبة الاسراء والمعراج ومناسبة الهجرة النبوية.. ومنها اقامة المآتم على الأموات وصناعة الاطعمة واستئجار المقرئين يزعمون أن ذلك من باب العزاء أو أن ذلك ينفع الميت.. ومن ذلك ما يفعل في شهر رجب كالعمرة وما يفعل من العبادات الخاصة به كالتطوع بالصلاة والصيام فيه خاصة.. ومن ذلك البناء على القبور واتخاذها مساجد وزيارتها لأجل التبرك بها والتوسل بالموتى وغير ذلك من الاغراض الشركية، وزيارة النساء لها).
وحال هؤلاء كحال من يحتفل بالمولد النبوي، يجوز الحط من قدرهم، وتوصيمهم بأي تهمة تخطر على بال أهل التوحيد، فقد سقطت حرمة الدين، بما يستوجب عصمة المال والدم والعرض فأعقبها سقوط حرمة الإنسانية، بما يستوجب احترام الشراكة في الخلق.. وحين يسقط المحرّمان الديني والإنساني لا يعود هناك حد أو قيد في العلاقة بين أتباع العقيدة الصحيحة وأتباع العقائد الفاسدة، أي الكفار، بحسب مقرر التوحيد، المستمد من المرجعيات الوهابية التأسيسية.
صحيح، أن المقرر خفّف العقوبة على الطلاّب الكفّار في المدارس الرسمية، رعاية للدولة واستقرارها في الداخل وصورتها في الخارج، إلا أن لشبكة الدعوة والدعاة أن تفصّل ما أوجزه المقرر، الذي ترك الباب موارباً إن لم يكن مفتوحاً أمام نوع العقوبة التي يستحقها الطالب/ الطالبة المدرجين في خانة الكفّار.
وقد جاء تحت عنوان (ما يعامل به المبتدعة) (ص134): (معاملة المبتدعة تحكمه قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينظر فيه الى تحقيق المصلحة ودفع المفسدة. ونقل عن شيخ الاسلام ابن تيمية: هجران اهل البدع، وترك عيادتهم، وتشييع جنائزهم، من باب العقوبات الشرعية، وهو يختلف باختلاف الاحوال من: قلة البدعة وكثرتها وظهور السنة وخفائها.. فيما قسّم الشيخ محمد بن صالح بن العثيمين البدع الى قسمين: بدع مكفِّرة وبدع دون ذلك.. فإذا كانت البدع مكفّرة وجب هجره والا يصبح التخيير بين هجره واجتناب ذلك في أصحاب البدع غير المكفّرة).


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :



أجمعت التحقيقات المحلية والأجنبية على أن مناهج التعليم الديني الرسمي مسؤولة عن إنتاج التطرف، وتالياً الإرهاب، الأمر الذي يستوجب مراجعة شاملة ونقدية للمناهج من أجل تصحيحها وزرع قيم التسامح الديني، واحترام معتقد الآخر، وإرساء أسس التعايش بين المعتقدات..
تأخرت المراجعة طويلاً، وجاءت النتائج مخيّبة، وكأن الفريق الذي وضع منهج التعليم الديني في المدارس الحكومية هو نفسه من قام بالمراجعة، فكان دوره شكلياً، فيما أبقى على المضمون ذاته، فلا يكاد تجد في المنطلقات والنتائج أدنى تغيير..وهذا ما سوف نلحظه في الدراسة التي بين أيدينا حول منهج التعليم الديني، وبالاستناد على مقرر (التوحيد) بدرجة أساسية في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، في آخر طبعة صادرة عن وزارة التربية والتعليم، أي لعامي 2012/2013 ـ2013/2014.
قدّمت جهات عدّة خارجية مطالعات نقدية في منهج التعليم الديني الرسمي، من بينها دراسة أكاديمية أعدّها فريق من الجامعيين والخبراء التربويين بإشراف المحامي عبد العزيز القاسم بعنوان (مناهج العلوم الشرعية في التعليم السعودي..استقراء، تحليل، تقويم) راجع فيها مواد العلوم الدينية/الشرعية في التعليم السعودي في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وتوصّل الى أن (مقررات «التوحيد» غير متوافقة مع المعايير العلمية لنمو الطالب)، وطالب الفريق بأن تنفتح مناهج العلوم الشرعية على مرجعيات جديدة، بالإضافة الى كتابات الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتوسيع دائرة النظر واكتشاف مظاهر التنوع والثراء في الفكر الإسلامي (لوقاية الناشئة من مخاطر التشدّد وأحادية الخطاب). المشروع كما يبدو كان طموحاً الى حد أن القائمين عليه اعتبروه (لبنة أولى من مشروع إصلاحي واسع يطمح إلى بناء رؤية أكثر استجابة لتطلعات القيادة والشعب السعوديين في مجال تدريس المواد الدينية، يبدأ بإجراءات التقويمات الضرورية، ويفضي إلى وضع تصوّر جديد للمناهج والمقررات والفلسفة التي تحكمهما).
---------------------------------
يحتاج هذا الامر الى التفكر كثيرا
وكما ترون اخواني فعملية غسل الدماغ تتم للاطفال المستعمر بلدهم من عقود في سن صغيرة
حتى تكون عندهم القابلية الدينية للاستعمار- مصطلح المفكر الجزائري فيلسوف العصر مالك بن نبي
وانا أعتقد انو القابلية الدينية للاستعمار هي اشد خطرا من القابلية الثقافية للاستعمار الغزو الثقافي
وكما ترون فالقوم شهدو على انفسهم بانفسهم انهم منحرفون من نعومة اظافرهم هم والاولادهم


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

لقد سبقتك ليزا تشيني
بمطلب تغيير المناهج الدراسية بالجزيرة