عنوان الموضوع : أخيتي هل همُّك الوحيد هو فارس الأحلام أم أن تكون همَّتك من مثيلات أم الكرام؟ لحواء
مقدم من طرف منتديات العندليب

الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للهدى، ونكت في قلوب أهل الطغيان فلاتعي الحكمة أبدا ،و أشهد أن لا إله إلا الله إلها أحدا فردا صمدا ،ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ،و أشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله ما أعظمه عبدا وسيدا ،وما أكرمه أصلا ومحتدا ،وما أطهره مضجعا ومولدا ،وما أبهره صدرا وموردا ،و أصلي وأسلم عليه وعلى آله وصحبه غيوث النَّدى، وليوث العدى ،صلاة وسلاما دائمين من اليوم إلى أن يبعث الناس غدا وبعد

حياك الله فاضلتي، وقد جعلتُ عنوان مقالي هذا مرتبطا باسم المحدثة الحافظة الراوية كريمة المروزية رحمها الله وطيَّب ثراها حتى أنبهكِ أنَّ إنجازات و أحلام و آمال وسعادة المرأة لا تنتهي عند الزواج فقط
نعم قد يكون الزواج هو من أسباب السعادة لكن ليس بالضرورة هو السعادة كلها
فشيخ الاسلام ابن تيمة و كريمة المروزية المكناه بأم الكرام تخلوا عن حظهم في الزواج وهي مُتعة...وتخلوا عن حظهم في الأولاد وهي مُتعة ،لكنهم كانوا من أسعد الناس و أطيبهم عيشا فقد قال بن القيم عن شيخ الاسلام بم تيمية قدس الله روحهما "
"وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه "
ويغبطهم الجميع على نعمة العلم -وما أعظمها من نعمة-,قال تعالى "وقل ربي زدني علما " وعلَّق بن حجر في الفتح قائلا " إنما واضحة الدلالة على فضل العلم ،لأنَّ الله لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم لازدياد من شيئ إلا من العلم" اه

لكن فاضلتي الغالية يحق لك الدعاء بأن يرزقك الله زوجا صالحا تقيا نقيا سريا حييا نحويا سلفيا يعينكِ على أمور دينك ودنياك فقد كانت العرب تقول " ستر المرأة زوجها أو قبرها "وإن تيسَّر طالب علم رباني -اسأل الله أن يرزقني وبنات المسلمين هذا الزوج الصالح الحريص على الطلب- ،وهذه سنة الحياة ، ولا نحطُّ من قيمة الزواج أبدا ولا نؤيد رفضه فلايقول بذلك عاقلٌ البَتَّة ، فكًم من مشاهد للعبودية في الزواج غفُل عنها كثير من الأزواج-الا من رحم ربي-والله الموفق والمستعان

لكن فاضلتي لا توقفي أحلامك عند هذا الحد بل استثمري وقتك واستغلي نعمة الفراغ -إن لم يقدر الله لك الزواج-التي تغبطك عليها كثير من المتزوجات..فاحفظي القرآن..واتقني أحكام تلاوته حتى تكوني مع السفرة الكرام البررة..واحفظي ما تيسر من سنة البشير النذير صلوات ربي وسلامه عليه ..واجتهدي في طلب العلم وتعلم الاحكام الفقهية وخاصة منها المتعلقة بمعشر النساء و علميها لقريناتك وبذلك تكوني قد زدتي أنت غاليتي شيئا على الدنيا ولم تكوني زائدة عليها وهنا ستشعرين بأنَّ لك قيمة لأنَّ شرف كل إنسان بما يطلب، وسينتفع بعلمك خلق كثير وستخلَّفي صدقة جارية تنفعك بعد مماتك وهذا هو الظفر المبين
ولله در القائل :
الناس من جهة الأصل أكفاء***أبوهم آدم والأم حواء

نفس كنفس وأرواح مشابهة***وأعظم خلقت فيهم وأعضاء

وإن يكن في أصلهم حسب***يفتخرون به فالطين والماء

مالفخر إّلا لأهل العلم إنَّهم***على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل إمرئ ما كان يحسنه ***والجاهلون لأهل العلم أعداء

ففز بعلم تعش حيا به أبدا ***الناس موتى وأهل العلم أحياء

فرسالتي حبيبتي الفاضلة هي أن لا تحصر المرأة آمالها فقط في النكاح ولا تقيد أهميتها وقيمة مؤهلاتها بالزواج بل ممكن ان تبرزي في عدة مجالات تكن سببا في سعادتك في الدارين، فكل ما أشرتُ اليه آنفا يدور حول الاجتهاد في طلب العلم الذي يقوي ايمانك ويعينك على فهم معاملة الله عز وجل-وهذا هو سبيل السعادة التي يبحث عنها كل الخلق من دون استثناء :قال بن الجوزي رحمه الله في كتابه الماتع صيد الخاطر " ثمَّ يعلم أنَّ الدنيا معبرة فيلجأ الى فهم معاملة الله عز وجل فإنَّ مجموع ما حصله من العلم يدله عليها " اه. ألا وهي الخشية ولله در الامام يحيى بن ابي كثير وغيره اذ قال " ليس العلم بكثرة المسائل انما العلم الخشية"




واليك فاضلتي نموذجا من النساء اللواتي بلغت همتهنَّ كواكب الجوزاء ...فانتهى اليها علو الاسناد لصحيح البخاري اميرالمحدثين و امام العلماء-رحمه الله

واليك أقوال أئمتنا الأعلام في المحدثة النبيهة الفاضلة أم الكرام ،و أشهد الله أني احبها فيه و أسأله سبحانه أن يرحمها ويجعلني ممن تقتفي أثرها-اللهم آمين

هي كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروَزيةوتُكنى بأم الكِرام تُعتبر كريمة من المحدِّثات الشهيرات، تلقّى عنها الحديثَ جماعةٌ من الأعلام الكبار، منهم: الحافظ الخطيب البغدادي، صاحب كتاب تاريخ بغداد، وأبو المحاسن المصري، المؤرخ المعروف، والحافظ السمعاني، المحدِّث والنسّابة المشهور، والحافظ أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي، وغيرهم كثير...اشتُهرت كريمة برواية صحيح البخاري وإسماعه، فارتبط اسمها باسم صحيح البخاري، فلا يكاد أحد يترجم لها إلا أشار إلى ذلك، ترجم لها جماعة من المؤرخين، منهم: ابن الأثير في (الكامل)، وابن الجوزي في (المنتظم)، والذهبي في (السِّير) وفي (العِبَر)، وابن كثير في (البداية والنهاية)، وابن العماد في (شذرات الذهب)، والزِّركلي في (الأعلام)، وغيرهم. ونتوقف عند ترجمة العالِمة كريمة المروزية من كتاب (سير أعلام النبلاء)، لمؤرِّخ الإسلام الحافظ الذهبي، قال رحمه الله تعالى: «الشيخة، العالِمة، الفاضلة، المُسْنِدة، أُمّ الكرام، كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية، المجاوِرة بحرم الله. سمعَتْ من: أبي الهيثم الكشميهني صحيح البخاري، وسمعت من زاهر بن أحمد السرخسي، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني. وكانت إذا روت قابلت بأصلها. ولها فَهم ومعرفة مع الخير والتعبّد. روت «الصحيح» مرات كثيرة، مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم. وماتت بِكراً لم تتزوج أبداً. حدّث عنها: الخطيب، وأبو الغنائم النرسي، وأبو طالب الحسين بن محمد الزينبي، ومحمد بن بركات السعيدي، وعلي بن الحسين الفراء، وعبد الله بن محمد بن صدقة بن الغزال، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب، وأبو المظفر منصور بن السمعاني، وآخرون.قال أبو الغنائم النرسي: أخرجت كريمة إليَّ النسخة بالصحيح، فقعدتْ بحذائها، وكتبت سبعَ أوراق وقرأتها، وكنت أريد أن أعارض وحدي فقالت: لا، حتى تعارض معي فعارضتُ معها. قال: وقرأتُ عليها من حديث زاهر.وقال أبو بكر بن منصور السمعاني: سمعتُ الوالد يذكر كريمة، ويقول: وهل رأى إنسان مثل كريمة. قال أبو بكر: وسمعت بنت أخي كريمة تقول: لم تتزوج كريمة قط، وكان أبوها من كشميهن(1)، وأمها من أولاد السياري(2)، وخرج بها أبوها إلى بيت المقدس، وعاد بها إلى مكة، وكانت قد بلغت المئة. قال ابن نقطة: نقلت وفاتها من خط ابن ناصر سنة خمس وستين وأربع مئة. قلتُ (الذهبي): الصحيح موتها في سنة ثلاث وستين (463 هـ)... وقال أبو جعفر محمد بن علي الهمداني: حجَجْتُ سنة ثلاث وستين فنُعِيَتْ إلينا كريمة في الطريق ولم أُدركها»
كانت رحمها الله تعالى تتحيّن موسم الحج الذي كان ملتقىً للعلم والعلماء من أجل تلقِّي العلوم من أفواه العلماء الثِقاة؛ حتى بلغت درجة عالية من العلم والفَهم والنباهة وحدّة الذهن بحيث ترحَّلَ إليها أفضل العلماء، وعُقد لها مجلس بمكة المكرمة تجتمع فيه بالطلبة والأفاضل من رجال كل علم، وكان أكثر مَيْلها إلى الحديث، حتى بلغت فيه حدّاً لم يبلغه غيرها، كما تقول زينب فواز في كتابها (الدُّرّ المنثور في طبقات ربّات الخُدور).أه

وغرضي غاليتي هو شحذ هِمَّتكِ اختي المفضالة فقد صنعت المرأة بأناملها الرقيقة وهمتها الفولاذية كبار العلماء ،وأساطين الفقهاء، و المحدثين الأمراء
فزينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني " من النساء اللاتي قضين عمرهنَّ في طلب الحديث والرواية وازدحم الطلاب على باب بيتها فسمعوا منها الحديث وقرأوا عليها الكثير من الكتب"

وانظري غاليتي إلى زينب بنت يحيى بن العز بن عبد السلام التي تفردَّت برواية المعجم الصغير بالسماع المتصل ، وقال عنها امامنا ومؤرخ الاسلام "شمس الدين الذهبي " :إنه كان فيها خير وعبادة وحب للرواية بحيث أنَّه قرئ عليها يوم موتها عدة أجزاء"اه-ربنا اجعلني ممن تقتفي أثرهنَّ وارزقني حسن الخاتمة-

وكانت زينب بنت احمد بن عمر الدمشقي من المحدثات البارعات ذات السند في الحديث ورحل اليها كثير من الطلاب

كما تفرَّدت بعض المحدثات ببعض الروايات-الله المستعان على بنات هذا الزمان الا من رحم الجليل المتعال- مثل زينب بنت سليمان بن ابراهيم التي أخذ عنها العلم " تقي الدين السبكي" كما اجازت بعض العالمات المحدثات كبار العلماء وجهابذتهم فقد أورد بن حجر في" المعجم المؤسس للمعجم المفهرس "، والذهبي في" معجم شيوخ الذهبي " كثيرا من شيخاتهنَّ اللاتي أخذوا عنهنَّ العلم"

فأخيتي الفاضلة إنَّ المرأة المسلمة كانت وستظل باذن الله مشرقة في سماء المجتمع العلمي الاسلامي ، فقد كانت تتتعلم وتعلم...تحفظ القرآن و تجلس لتحفيظه ... ترحل لطلب العلم ويقصدها الطلاب من كل صوب وحدب ليأخذوا عنها العلم...تصنف الكتب وتفتي وتستشار حتى في أمور العامة، فلم تكن حبيسة منزل او حجرة أو أسيرة شهوة دنيوية خسيسة -فمن طلب الدنيا بغير رضى الله فلا أدنى منه ومن خطبها بغير شرع الله فلا أخس منه ،ونحن نتبرَّأ من ذم الدنيا بإطلاق بل الذم الوارد في الكتاب والسنة راجع الى كل ما يرتكب من معاص في حق الله جل علاه فقد قال علي رضي الله عنه : الدنيا أرض صدق لمن صَدَقَها ودار غنىً لمن تزود منها ودار نجاة لمن فهم عنها،فهي مهبط وحي الله ومصلى انبياء الله ومتجر أولياء الله "-أو مهنة تتخطفها فيها الفتن كقطع الليل المظلم من هنا وهنالك ، بل كان المجال مفتوحا أمامها تظله الشريعة الغراء ويرعاه العفاف والطهر والنقاء
فاثبتي أيا أيتها الدرة المصونة وجاهدي ورابطي في الدعوة الى رب العباد غير ملتفة إلى الناعقين المتحذلقين ولا منصتتة لدعاياتهم المغرضة الداعية الى التنطع والانحلال والانحطاط والرذيلة

فشتان شتان بين هذه وتلك ، فأين الارض من السماء وأين السهى من شمس الضحى

لست لكــم غضوه عني طرفكم من ***عاش بالقيعـــان تُتعبهُ القمم

لست لكم والله قدري فوقكـم ***ليس الغزال بقدره مثل الغنـم

مكنونة ليست تنال بنظرة***من دونها بحر بعيد عن الرمم

الورد يذبل حين يكثر لمسه***وتبقى اللآليء غاية لأولي الهمم

لست الرخيصة التي هي قدركم***تريد أن تذكر حتى لو بذم

راحت تضيع نفسها بنفسها***راحت تكمل بعضها بما حرم

إحساسها بالنقص ضيع دربها***فتخبطت كالطفل حين يهزم

فذا يقبلها وذاك يهينها***وذا يدنسها وجوداً كالعدم

اخيتي خذي نصيحة من علت***همتها حتى علت فوق القمم

الله ربي لست اعبد غيره***ولست إمعة أوجه كالغنم

اخيتي أنا عزتي مقرونة***بشوق إلى الجنات وعظيم النعم

فأنوثتي ليست سبيل لفاسق***لعري فلا جنة ولا ريح يشم

سلي دعاة الشر ماذا قدموا***لمن أطاعتهن لغير الهم هم

نعقوا بمعسول الكلام فصدقت***سُلبت لباس الطهر صاحت أين هم

هل ينفعونها من سعوا لفسادها***هل يحجبوها من عظيم ينتقم

فستعلمين غداً إذا ما زلزلت***من في الجنان ومن تقطعه الحمم


وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

ولا تنسوني ووالديَّ ومن كانوا سببا في هدايتي بعد الله جل في علاه من صالح دعائكم


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

جزاك الله خير
على الطرح المفيد

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واللهِ روعة أخيتي
أسأل الله أن يزيدك علما ويقينا ويثبتنا وإياكِ
آه من حالي وحالهنّ
نسأل الله أن يسترنا بستره الجميل و أن يعيننا على طلب العلم الشرعي ويعيننا على طاعته


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نور إيمان
جزاك الله خير
على الطرح المفيد

وخيرا جزاك الله فاضلتي نور ايمان

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمة الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
واللهِ روعة أخيتي
أسأل الله أن يزيدك علما ويقينا ويثبتنا وإياكِ
آه من حالي وحالهنّ
نسأل الله أن يسترنا بستره الجميل و أن يعيننا على طلب العلم الشرعي ويعيننا على طاعته

وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته فاضلتي

بارك الله فيك على المرور واستجاب دعاك

ولله در الامام الشافعي اذ قال

العلم مغرس كل فخر فافتخر...واحذر يفوتك فخر ذاك المغرس
واعلم بانَّ العلم ليس يناله....من همه في مرقد أو ملبس
واجعل لنفسك منه حظا وافرا...واهجر له طيب الرقاد وعبس
فلعلَّ يوما ان حضرت بمجلس...كنت الرئيس وفخر ذاك المجلس


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام اسحاق السلفية
الحمد لله الذي شرح صدور أهل الإسلام للهدى، ونكت في قلوب أهل الطغيان فلاتعي الحكمة أبدا ،و أشهد أن لا إله إلا الله إلها أحدا فردا صمدا ،ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ،و أشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله ما أعظمه عبدا وسيدا ،وما أكرمه أصلا ومحتدا ،وما أطهره مضجعا ومولدا ،وما أبهره صدرا وموردا ،و أصلي وأسلم عليه وعلى آله وصحبه غيوث النَّدى، وليوث العدى ،صلاة وسلاما دائمين من اليوم إلى أن يبعث الناس غدا وبعد

حياك الله فاضلتي، وقد جعلتُ عنوان مقالي هذا مرتبطا باسم المحدثة الحافظة الراوية كريمة المروزية رحمها الله وطيَّب ثراها حتى أنبهكِ أنَّ إنجازات و أحلام و آمال وسعادة المرأة لا تنتهي عند الزواج فقط
نعم قد يكون الزواج هو من أسباب السعادة لكن ليس بالضرورة هو السعادة كلها
فشيخ الاسلام ابن تيمة و كريمة المروزية المكناه بأم الكرام تخلوا عن حظهم في الزواج وهي مُتعة...وتخلوا عن حظهم في الأولاد وهي مُتعة ،لكنهم كانوا من أسعد الناس ويغبطهم الجميع على نعمة العلم -وما أعظمها من نعمة-,قال تعالى "وقل ربي زدني علما " وعلَّق بن حجر في الفتح قائلا " إنما واضحة الدلالة على فضل العلم ،لأنَّ الله لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم لازدياد من شيئ إلا من العلم" اه

لكن فاضلتي يحق لك الدعاء بأن يرزقك الله زوجا صالحا تقيا نقيا سريا حييا نحويا سلفيا يعينكِ على أمور دينك ودنياك فقد كانت العرب تقول " ستر المرأة زوجها أو قبرها "وإن تيسَّر طالب علم رباني -نسأل الله أن يرزقني وبنات المسلمين هذا الزوج الصالح الحريص على الطلب- ،وهذه سنة الحياة ، ولا نحطُّ من قيمة الزواج أبدا ولا نؤيد رفضه فلايقول بذلك عاقلٌ البَتَّة ، فكًم من مشاهد للعبودية في الزواج غفُل عنها كثير من الأزواج-الا من رحم ربي-والله الموفق والمستعان

لكن فاضلتي لا توقفي أحلامك عند هذا الحد بل استثمري وقتك واستغلي نعمة الفراغ -إن لم يقدر الله لك الزواج-التي تغبطك عليها كثير من المتزوجات..فاحفظي القرآن..واتقني أحكام تلاوته حتى تكوني مع السفرة الكرام البررة..واحفظي ما تيسر من سنة البشير النذير صلوات ربي وسلامه عليه ..واجتهدي في طلب العلم وتعلم الاحكام الفقهية وخاصة منها المتعلقة بمعشر النساء و علميها لقريناتك وبذلك تكوني قد زدتي أنت غاليتي شيئا على الدنيا ولم تكوني زائدة عليها وهنا ستشعرين بأنَّ لك قيمة لأنَّ شرف كل إنسان بما يطلب، وسينتفع بعلمك خلق كثير وستخلَّفي صدقة جارية تنفعك بعد مماتك وهذا هو الظفر المبين
ولله در القائل :
الناس من جهة الأصل أكفاء***أبوهم آدم والأم حواء

نفس كنفس وأرواح مشابهة***وأعظم خلقت فيهم وأعضاء

وإن يكن في أصلهم حسب***يفتخرون به فالطين والماء

مالفخر إّلا لأهل العلم إنَّهم***على الهدى لمن استهدى أدلاء

وقدر كل إمرئ ما كان يحسنه ***والجاهلون لأهل العلم أعداء

ففز بعلم تعش حيا به أبدا ***الناس موتى وأهل العلم أحياء

فرسالتي هي أن لا تحصر المرأة آمالها فقط في النكاح ولا تقيد أهميتها وقيمة مؤهلاتها بالزواج بل ممكن ان تبرزي في عدة مجالات تكن سببا في سعادتك في الدارين، فكل ما أشرتُ اليه آنفا يدور حول الاجتهاد في طلب العلم الذي يقوي ايمانك ويعينك على فهم معاملة الله عز وجل-وهذا هو سبيل السعادة التي يبحث عنها كل الخلق من دون استثناء :قال بن الجوزي رحمه الله في كتابه الماتع صيد الخاطر " ثمَّ يعلم أنَّ الدنيا معبرة فيلجأ الى فهم معاملة الله عز وجل فإنَّ مجموع ما حصله من العلم يدله عليها " اه. ألا وهي الخشية ولله در الامام يحيى بن ابي كثير وغيره اذ قال " ليس العلم بكثرة المسائل انما العلم الخشية"




واليك فاضلتي نموذجا من النساء اللواتي بلغت همتهنَّ كواكب الجوزاء ...فانتهى اليها علو الاسناد لصحيح البخاري اميرالمحدثين و امام العلماء-رحمه الله

واليكم أقوال أئمتنا الأعلام في المحدثة النبيهة الفاضلة أم الكرام،و أشهد الله أني احبها فيه و أسأله سبحانه أن يرحمها ويجعلني ممن تقتفي أثرها-اللهم آمين

هي كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروَزيةوتُكنى بأم الكِرام تُعتبر كريمة من المحدِّثات الشهيرات، تلقّى عنها الحديثَ جماعةٌ من الأعلام الكبار، منهم: الحافظ الخطيب البغدادي، صاحب كتاب تاريخ بغداد، وأبو المحاسن المصري، المؤرخ المعروف، والحافظ السمعاني، المحدِّث والنسّابة المشهور، والحافظ أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي، وغيرهم كثير...اشتُهرت كريمة برواية صحيح البخاري وإسماعه، فارتبط اسمها باسم صحيح البخاري، فلا يكاد أحد يترجم لها إلا أشار إلى ذلك، ترجم لها جماعة من المؤرخين، منهم: ابن الأثير في (الكامل)، وابن الجوزي في (المنتظم)، والذهبي في (السِّير) وفي (العِبَر)، وابن كثير في (البداية والنهاية)، وابن العماد في (شذرات الذهب)، والزِّركلي في (الأعلام)، وغيرهم. ونتوقف عند ترجمة العالِمة كريمة المروزية من كتاب (سير أعلام النبلاء)، لمؤرِّخ الإسلام الحافظ الذهبي، قال رحمه الله تعالى: «الشيخة، العالِمة، الفاضلة، المُسْنِدة، أُمّ الكرام، كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية، المجاوِرة بحرم الله. سمعَتْ من: أبي الهيثم الكشميهني صحيح البخاري، وسمعت من زاهر بن أحمد السرخسي، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني. وكانت إذا روت قابلت بأصلها. ولها فَهم ومعرفة مع الخير والتعبّد. روت «الصحيح» مرات كثيرة، مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم. وماتت بِكراً لم تتزوج أبداً. حدّث عنها: الخطيب، وأبو الغنائم النرسي، وأبو طالب الحسين بن محمد الزينبي، ومحمد بن بركات السعيدي، وعلي بن الحسين الفراء، وعبد الله بن محمد بن صدقة بن الغزال، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب، وأبو المظفر منصور بن السمعاني، وآخرون.قال أبو الغنائم النرسي: أخرجت كريمة إليَّ النسخة بالصحيح، فقعدتْ بحذائها، وكتبت سبعَ أوراق وقرأتها، وكنت أريد أن أعارض وحدي فقالت: لا، حتى تعارض معي فعارضتُ معها. قال: وقرأتُ عليها من حديث زاهر.وقال أبو بكر بن منصور السمعاني: سمعتُ الوالد يذكر كريمة، ويقول: وهل رأى إنسان مثل كريمة. قال أبو بكر: وسمعت بنت أخي كريمة تقول: لم تتزوج كريمة قط، وكان أبوها من كشميهن(1)، وأمها من أولاد السياري(2)، وخرج بها أبوها إلى بيت المقدس، وعاد بها إلى مكة، وكانت قد بلغت المئة. قال ابن نقطة: نقلت وفاتها من خط ابن ناصر سنة خمس وستين وأربع مئة. قلتُ (الذهبي): الصحيح موتها في سنة ثلاث وستين (463 هـ)... وقال أبو جعفر محمد بن علي الهمداني: حجَجْتُ سنة ثلاث وستين فنُعِيَتْ إلينا كريمة في الطريق ولم أُدركها»
كانت رحمها الله تعالى تتحيّن موسم الحج الذي كان ملتقىً للعلم والعلماء من أجل تلقِّي العلوم من أفواه العلماء الثِقاة؛ حتى بلغت درجة عالية من العلم والفَهم والنباهة وحدّة الذهن بحيث ترحَّلَ إليها أفضل العلماء، وعُقد لها مجلس بمكة المكرمة تجتمع فيه بالطلبة والأفاضل من رجال كل علم، وكان أكثر مَيْلها إلى الحديث، حتى بلغت فيه حدّاً لم يبلغه غيرها، كما تقول زينب فواز في كتابها (الدُّرّ المنثور في طبقات ربّات الخُدور).أه

وغرضي هو شحذ هِمَّتكِ اختي المفضالة فقد صنعت المرأة بأناملها الرقيقة وهمتها الفولاذية كبار العلماء ،وأساطين الفقهاء، و المحدثين الأمراء
فزينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني " من النساء اللاتي قضين عمرهنَّ في طلب الحديث والرواية وازدحم الطلاب على باب بيتها فسمعوا منها الحديث وقرأوا عليها الكثير من الكتب"

وانظري غاليتي إلى زينب بنت يحيى بن العز بن عبد السلام التي تفردَّت برواية المعجم الصغير بالسماع المتصل ، وقال عنها امامنا ومؤرخ الاسلام "شمس الدين الذهبي " :إنه كان فيها خير وعبادة وحب للرواية بحيث أنَّه قرئ عليها يوم موتها عدة أجزاء"اه-ربنا اجعلني ممن تقتفي أثرهنَّ وارزقني حسن الخاتمة-

وكانت زينب بنت احمد بن عمر الدمشقي من المحدثات البارعات ذات السند في الحديث ورحل اليها كثير من الطلاب

كما تفرَّدت بعض المحدثات ببعض الروايات-الله المستعان على بنات هذا الزمان الا من رحم الجليل المتعال- مثل زينب بنت سليمان بن ابراهيم التي أخذ عنها العلم " تقي الدين السبكي" كما اجازت بعض العالمات المحدثات كبار العلماء وجهابذتهم فقد أورد بن حجر في" المعجم المؤسس للمعجم المفهرس "، والذهبي في" معجم شيوخ الذهبي " كثيرا من شيخاتهنَّ اللاتي أخذوا عنهنَّ العلم"

فأخيتي الفاضلة إنَّ المرأة المسلمة كانت وستظل باذن الله مشرقة في سماء المجتمع العلمي الاسلامي ، فقد كانت تتتعلم وتعلم...تحفظ القرآن و تجلس لتحفيظه ... ترحل لطلب العلم ويقصدها الطلاب من كل صوب وحدب ليأخذوا عنها العلم...تصنف الكتب وتفتي وتستشار حتى في أمور العامة، فلم تكن حبيسة منزل او حجرة أو أسيرة شهوة دنيوية خسيسة -فمن طلب الدنيا بغير رضى الله فلا أدنى منه ومن خطبها بغير شرع الله فلا أخس منه ،ونحن نتبرَّأ من ذم الدنيا بإطلاق بل الذم الوارد في الكتاب والسنة راجع الى كل ما يرتكب من معاص في حق الله جل علاه فقد قال علي رضي الله عنه : الدنيا أرض صدق لمن صَدَقَها ودار غنىً لمن تزود منها ودار نجاة لمن فهم عنها،فهي مهبط وحي الله ومصلى انبياء الله ومتجر أولياء الله "-أو مهنة تتخطفها فيها الفتن كقطع الليل المظلم من هنا وهنالك ، بل كان المجال مفتوحا أمامها تظله الشريعة الغراء ويرعاه العفاف والطهر والنقاء
فاثبتي أيا أتها الدرة المصونة وجاهدي ورابطي في الدعوة الى رب العباد غير ملتفة إلى الناعقين المتحذلقين ولا منصتتة لدعاياتهم المغرضة الداعية الى التنطع والانحلال والانحطاط والرذيلة

فشتان شتان بين هذه وتلك ، فأين الارض من السماء وأين السهى من شمس الضحى

لست لكــم غضوه عني طرفكم من ***عاش بالقيعـــان تُتعبهُ القمم

لست لكم والله قدري فوقكـم ***ليس الغزال بقدره مثل الغنـم

مكنونة ليست تنال بنظرة***من دونها بحر بعيد عن الرمم

الورد يذبل حين يكثر لمسه***وتبقى اللآليء غاية لأولي الهمم

لست الرخيصة التي هي قدركم***تريد أن تذكر حتى لو بذم

راحت تضيع نفسها بنفسها***راحت تكمل بعضها بما حرم

إحساسها بالنقص ضيع دربها***فتخبطت كالطفل حين يهزم

فذا يقبلها وذاك يهينها***وذا يدنسها وجوداً كالعدم

اخيتي خذي نصيحة من علت***همتها حتى علت فوق القمم

الله ربي لست اعبد غيره***ولست إمعة أوجه كالغنم

اخيتي أنا عزتي مقرونة***بشوق إلى الجنات وعظيم النعم

فأنوثتي ليست سبيل لفاسق***لعري فلا جنة ولا ريح يشم

سلي دعاة الشر ماذا قدموا***لمن أطاعتهن لغير الهم هم

نعقوا بمعسول الكلام فصدقت***سُلبت لباس الطهر صاحت أين هم

هل ينفعونها من سعوا لفسادها***هل يحجبوها من عظيم ينتقم

فستعلمين غداً إذا ما زلزلت***من في الجنان ومن تقطعه الحمم


وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

ولا تنسوني ووالديَّ ومن كانوا سببا في هدايتي بعد الله جل في علاه من صالح دعائكم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
جزاك الله خيرا
مشكورة على المقال القيم