أسأل نفسي:
كيف نبدأ؟
كيف ننصف المعلم؟
هل فعلاً نحن أنصفنا المعلم عبر تاريخ التعليم في هذا العالم العربي أم لا؟
هل كل معلم هو معلم؟
أسئلة تفرض نفسها في وسط الاهتمام بالعلم والتعليم والمعلم وكيف نكرّم المعلم؟ هل يكفي أن نُقيم حفلاً وهل ننظر إلى مجموعة نُخَبْ ونختارها ثم نقدم لها التكريم والهدايا, إذا وجدت, ونجعل هذا التكريم رمزاً للمعلم وهذا شيء طيب وهي بادرة كريمة، واعتراف بحق هذا الإنسان الذي يضيء كالشمعة حتى لو احترق. في الحقيقة أسئلة تطرح نفسها كثيراً وتريد إجابة ونحن في الحقيقة عندما نتحدث عن المعلم نتحدث عن المنهج، نتحدث عن الكتاب المدرسي، نتحدث عن إمكانيات الأسرة التي ترسل الطالب إلى المدرسة، وكيف هي تُفكر؟ وكيف هي أيضاً تتعامل؟ حتى نُسَهِّل أو نساعد المعلم على أداء مهمته، أنا لستُ من المتحمسين لما قاله شوقي:
قُمْ للمعلم وَفِّهِ التبجيلا كاد المعلم أن يكونَ رسولا
أنا لا أعتبر هذا مديحاً للمعلم، لأن التبجيل ليس معناه هو تكريم معلم، تكريم المعلم أن تشعر أنه لو لا المعلم لما دارت هذه الحركة في الحياة، وهي ترمز إلى أن رسالات المعلمين هي رسالات الأنبياء، فالأنبياء علموا البشر، والمعلمون يعلمون الأجيال وتتعاقب، وأذكر أن فترة من فترات التعليم جاءني أستاذ كُلِّف بأن يفتح مدرسة في رأس جبل في قرية نائية، فقال لي: أنا ما أستطيع أن أذهب، كيف أطلع؟ حتى ما أجد (أعزكم الله) حمار يركب فوقه أو حتى الجمل ما يطلع الجبل، فقلت له: أنت صاحب مهمة وصاحب رسالة خذ ما تريد واستأجر سيارة إلى الحد الذي تستطيع أن تصل فيه السيارة ثم اركب أي وسيلة من وسائل الحيوانات وأصِلْ الجبل، وأشعل النور في القرية وستحصد ما زرعت، هذه القرية بعد سنوات خرَّجت أجيال التحقوا بالجامعة أو بالجامعات وتخرجوا ومنهم الآن دكاترة في الجامعات، هذه القرية الصغيرة النائمة في حضن جبل لا أحد يعرف عنها شيء تخرَّج منها مجموعة من الرجال كان طريقهم إلى العلم هو المعلم الأول.
كأنما المعلم في يوم تكريم المعلم هو تكريم للوطن.. تكريم للأمة.. لأن الأمة التي لا تُكرِّم المعلم لا تعرف قيمة العلم، لهذا فإني أعتقد أن تكريم المعلم هو تكريم للأمة وتكريم للوطن في أشخاص هؤلاء المكرمين، لو لم يكن المعلم لما وصلت الأمة إلى هذا المستوى من الفكر والثقافي لولا المعلم لما صدرت الصحف ولا وُجِد محررون، ونفخر وستظل وزارة التربية والتعليم تفخر بأن الوقود اليومي لأكثر الصحف الصادرة في المملكة هم رجالات التعليم، أغلب المتعاونين مع الصحافة هم معلمون، كلهم من المعلمين، أو من المنتسبين إلى التعليم.
يقول المازني وأنتم طبعاً أعرف الناس بالمازني.. المازني كاتب مصري معروف، توفي قبل سنوات يقول:'' لا أهتم برجل الأعمال، ولا أهتم بالوزير ولا أهتم بالمسؤول الكبير، بقدر ما أهتم بالمعلم لأن هذا المعلم فتح ذاكرتي وذهني وعقلي فجعل مني كاتباً أكتب في الصحف وأُعرَف من قِبَل الناس''. ويقول الأستاذ مصطفى صادق الرافعي صاحب كتاب "وحي القلم" وله كتب أخرى أيضاً هذا الرجل كان لا يسمع ولهذا كان يتمنى أن يعمل مدرساً وكان من أكثر المصريين الذين تخرجوا من الأزهر وكان من خيرة المثقفين المصريين، هذا الرجل قال يوماً:'' لا أهتم إلا بمعلمي وكنت أتمنى لو كنتُ أسمع لأكون معلماً'' هذه نماذج وليست كل شيء، كيف نُعلِّم؟ كيف نتعلم؟ كيف نُكرّم المعلمين؟ هذه دون شك رسالة تقوم بها أجهزة التعليم وقد يعني فعلوا خيراً عندما خصصوا يوماً للمعلم، وتأتي المناسبة في هذا التكريم بأنه اليوم العالمي لتكريم المعلم، .
ليس غريباً أن يُكرّم المعلمون فإذا لم يُكرّم المعلم فمن يُكَرّم إذاً؟ إذا لم يُكرّم بُناة الأجيال وصُنّاع الرجال وحُماة الحاضر والمستقبل فمن يُكرّم إذاً؟ لكن هذا التكريم الطيب يُلقي على أكتافنا مهمة التكريم الحقيقي ألا وهي عودة المعلم إلى صورته المشرقة، عودة المعلم إلى رسالته المقدسة من بناء الأجيال وليس تلقين المعلومات، التكريم الحقيقي أن نعيد للعملية التعليمية قدسيتها، تلك القدسية التي أتت عليها أمور عدة، وهذه العودة هي مهمتنا نحن المعلمون، أولاً ثم باقي مؤسسات المجتمع، هنيئاً للمعلمين وشكراً للقائمين على هذا التكريم وآمل تحقيق التكريم الحقيقي للمعلم.