عنوان الموضوع : حتمية العولمة وقضية الهوية
مقدم من طرف منتديات العندليب

محمد عابد الجابري - مجلة فكر ونقد
العولمة والهوية الثقافية : عشر أطروحات


تهدف هذه الورقة إلى رسم إطار عام للعلاقة بين العولمة والهوية الثقافية كما يمكن أن ترصد اليوم في الوطن العربي ، سواء كعلاقة قائمة بالفعل أو كما يمكن أن تقوم في المستقبل . وهي تستعيد بصورة أو بأخرى معطيات سبق تقريرها في أعمال سابقة . وبالتالي فالورقة تقدم أطروحات تؤخذ هنا كحقائق أو مسلمات سبق تبريرها في أعمال أخرى . هذه الأطروحات هي :
الأطروحة الاولى : ليست هناك ثقافة عالمية واحدة ، بل ثقافات…
إننا نقصد بـ " الثقافة " هنا : ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية ، تشكل أمة أو ما في معناها ، بهويتها الحضارية ، في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء . وبعبارة أخرى إن الثقافة هي " المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم ، عن نظرة هذه الأمة إلى الكون والحياة والموت والإنسان ومهامه وقدراته وحدوده ، وما ينبغي أن يعمل وما لا ينبغي أن يأمل " .
تلزم عن هذا التعريف ، لزوما ضروريا ، النتيجة التالية - تشكل قلب هذه الأطروحة وجوهرها - وهي أنه : ليست هناك ثقافة عالمية واحدة ، وليس من المحتمل أن توجد في يوم من الأيام ، وإنما وجدت ، وتوجد وستوجد ، ثقافات متعددة متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية ، أو بتدخل إرادي من أهلها ، على الحفاظ على كيانها ومقوماتها الخاصة . من هذه الثقافات ما يميل إلى الانغلاق والانكماش ، ومنها ما يسعى إلى الانتشار والتوسع ، ومنها ما ينعزل حينا وينتشر حينا آخر.
الأطروحة الثانية : المستويات الثلاثة للهوية الثقافية .
الهوية الثقافية مستويات ثلاثة : فردية ، وجمعوية ، ووطنية قومية . والعلاقة بين هذه المستويات تتحدد أساسا بنوع " الآخر " الذي تواجهه .
إن الهوية الثقافية كيان يصير، يتطور، وليست معطى جاهزا ونهائيا . هي تصير وتتطور، إما في اتجاه الانكماش وإما في اتجاه الانتشار، وهي تغتني بتجارب أهلها ومعاناتهم ، انتصاراتهم وتطلعاتهم ، وأيضا باحتكاكها سلبا وإيجابا مع الهويات الثقافية الأخرى التي تدخل معها في تغاير من نوع ما .
وعلى العموم ، تتحرك الهوية الثقافية على ثلاثة دوائر متداخلة ذات مركز واحد :
- فالفرد داخل الجماعة الواحدة ، قبيلة كانت أو طائفة أو جماعة مدنية ( حزبا أو نقابة الخ…) ، هو عبارة عن هوية متميزة ومستقلة . عبارة عن " أنا " ، لها " آخر " داخل الجماعة نفسها : " أنا " تضع نفسها في مركز الدائرة عندما تكون في مواجهة مع هذا النوع من " الآخر " .
- والجماعات ، داخـل الأمة ، هي كالأفراد داخل الجماعة ، لكل منها ما يميزها داخل الهوية الثقافية المشتركة ، ولكل منها " أنا " خاصة بها و" آخر" من خلاله وعبره تتعرف على نفسها بوصفها ليست إياه .
- والشيء نفسه يقال بالنسبة للأمة الواحدة إزاء الأمم الأخرى . غير أنها أكثر تجريدا ، وأوسع نطاقا ، وأكثر قابلية للتعدد والتنوع والاختلاف .
هناك إذن ثلاثة مستويات في الهوية الثقافية ، لشعب من الشعوب : الهوية الفردية ، والهوية الجمعوية ، والهوية الوطنية (أو القومية) . والعلاقة بين هذه المستويات ليست قارة ولا ثابتة ، بل هي في مد وجزر دائمين ، يتغير مدى كل منهما اتساعا وضيقا ، حسب الظروف وأنواع الصراع واللاصراع ، والتضامن واللاتضامن ، التي تحركها المصالح : المصالح الفردية والمصالح الجمعوية والمصالح الوطنية والقومية .
وبعبارة أخرى إن العلاقة بين هذه المستويات الثلاثة تتحدد أساسا بنوع " الآخر " ، بموقعه وطموحاته : فإن كان داخليا ، ويقع في دائرة الجماعة ، فالهوية الفردية هي التي تفرض نفسها كـ" أنا " ، وإن كان يقع في دائرة الأمة فالهوية الجمعوية (القبلية ، الطائفية ، الحزبية الخ) هي التي تحل محل " الأنا " الفردي . أما إن كان " الآخر " خارجيا ، أي يقع خارج الأمة (والدولة والوطن) فإن الهوية الوطنية - أو القومية - هي التي تملأ مجال " الأنا ".
الأطروحة الثالثة : لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها: جماع الوطن والأمة والدولة.
لا تكتمل الهوية الثقافية ، ولا تبرز خصوصيتها الحضارية ، ولا تغدو هوية ممتلئة قادرة على نشدان العالمية ، على الأخذ والعطاء ، إلا إذا تجسدت مرجعيتها في كيان مشخص تتطابق فيه ثلاثة عناصر: الوطن والأمة والدولة .
الوطن : بوصفه " الأرض والأموات " ، أو الجغرافية والتاريخ وقد أصبحا كيانا روحيا واحدا ، يعمر قلب كل مواطن . الجغرافيا وقد أصبحت معطى تاريخيا . والتاريخ وقد صار موقعا جغرافيا .
الأمة : بوصفها النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة : وقوامها ذاكرة تاريخية وطموحات تعبر عنها الإرادة الجماعية التي يصنعها حب الوطن ، أعني الوفاء لـ " الأرض والأموات " ، للتاريخ الذي ينجب ، والأرض التي تستقبل وتحتضن .
الدولة : بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة ، والجهاز الساهر على سلامتهما ووحدتهما وحماية مصالحهما ، وتمثيلهما إزاء الدول الأخرى ، في زمن السلم كما في زمن الحرب . ولا بد من التمييز هنا بين " الدولة " ككيان مشخص ومجرد في الوقت نفسه ، كيان يجسد وحدة الوطن والأمة ، من جهة ، وبين الحكومة أو النظام السياسي الذي يمارس السلطة ويتحدث باسمها من جهة أخرى . وواضح أننا نقصد هنا المعنى الأول .
وإذن ، فكل مس بالوطن أو بالأمة أو بالدولة هو مس بالهوية الثقافية , والعكس صحيح أيضا : كل مس بالهوية الثقافية هو في نفس الوقت مس بالوطن والأمة وتجسيدهما التاريخي : الدولة .
الأطروحة الرابعة : العولمة .
ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي أيضا ، وبالدرجة الأولى ، إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم .
العولمة التي يجري الحديث عنها الآن : نظام أو نسق ذو أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد . العولمة الآن نظام عالمي ، أو يراد لها أن تكون كذلك ، يشمل مجال المال والتسويق والمبادلات والاتصال الخ... كما يشمل أيضا مجال السياسة والفكر والإيديولوجيا .
والعولمة تعني في معناها اللغوي : تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم كله . وهي تعني الآن ، في المجال السياسي منظورا إليه من زاوية الجغرافيا ( الجيوبولتيك) ، العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدا بعينه ، هو الولايات المتحدة الأمريكية بالذات ، على بلدان العالم أجمع . ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور " التلقائي " للنظام الرأسمالي ، بل إنها أيضا ، وبالدرجة الأولى دعوة إلى تبني نموذج معين . وبعبارة أخرى فالعولمة ، إلى جانب أنها تعكس مظهرا أساسيا من مظاهر التطور الحضاري الذي يشهده عصرنا ، هي أيضا إيديولوجيا تعبر بصورة مباشرة ، عن إرادة الهيمنة على العالم وأمركته . وقد حددت وسائلها لتحقيق ذلك في الأمور التالية :
1- استعمال السوق العالمية أداة للإخلال بالتوازن في الدول القومية ، في نظمها وبرامجها الخاصة بالحماية الاجتماعية .
2- اتخاذ السوق والمنافسة التي تجري فيها مجالا لـ" الاصطفاء " ، بالمعنى الدارويني للكلمة ، أي وفقا لنظرية داروين في " اصطفاء الأنواع والبقاء للأصلح " . وهذا يعني أن الدول والأمم والشعوب التي لا تقدر على " المنافسة " سيكون مصيرها ، بل يجب أن يكون ، الانقراض .
3- إعطاء كل الأهميـة والأولوية للإعــلام لإحداث التغييــرات المطلوبة على الصعيد المحلــي والعالمي ، باعتبار أن " الجيوبوليتيك " ، أو السياسة منظورا إليها من زاوية الجغرافيا ، وبالتالي الهيمنة العالمية ، أصبــحت تعني اليوم مراقبة " السلطة اللامادية " ، سلطة تكنولوجية الإعلام التي ترسم اليوم الحدود في " الفضاء السيبرنيتي " : حدود المجال الاقتصادي السياسي التي ترسمها وسائل الاتصال الإلكترونية المتطورة .
وهكذا فبدلا من الحدود الثقافية ، الوطنية والقومية ، تطرح إيديولوجيا العولمة " حدودا " أخرى ، غير مرئية ، ترسمها الشبكات العالمية قصد الهيمنة على الاقتصاد والأذواق والفكر والسلوك .
الأطروحة الخامسة : العولمة شيء و"العالمية" شيء آخر.
العالمية تفتح على العالم ، على الثقافات الأخرى ، واحتفاظ بالاختلاف الثقافي وبالخلاف الإيديولوجي . أما العولمة فهي نفي للآخر وإحلال للاختراق الثقافي محل الصراع الإيديولوجي .


العولمة GLOBALISATIONإرادة للهيمنة وبالتالي قمع وإقصاء للخصوصي. أما العالمية UNIVERSALITEUNIVERSALISME. فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي . العولمة احتواء للعالم ، والعالمية تفتح على ما هو عالمي وكوني .
نشدان العالمية في المجال الثقافي ، كما في غيره من المجالات ، طموح مشروع ، ورغبة في الأخذ والعطاء ، في التعارف والحوار والتلاقح . إنها طريق الأنا للتعامل مع " الآخر " بوصفه " أنا ثانية " ، طريقها إلى جعل الإيثار يحل محل الأثرة . أما العولمة فهي طموح بل إرادة لاختراق " الآخر " وسلبه خصوصيته ، وبالتالي نفيه من " العالم " . العالمية إغناء للهوية الثقافية ، أما العولمة فهي اختراق لها وتمييع .
والاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة يريد إلغاء الصراع الإيديولوجي والحلول محله .. الصراع الإيديولوجي صراع حول تأويل الحاضر وتفسير الماضي والتشريع للمستقبل ، أما الاختراق الثقافي فيستهدف الأداة التي يتم بها ذلك التأويل والتفسير والتشريع : يستهدف العقل والنفس ووسيلتهما في التعامل مع العالم : " الإدراك " .
لقد حــل هذا اللفظ اليـوم - الإدراك - محل لفظ آخر كان كثير الاستعمال بالأمس ، في عصر الصراع الإيديولوجي ، لفظ " الوعي " ( الوعي الطبقي ، الوعي القومي ، الوعي الديني…) . كان الصراع الإيديولوجي وما يزال يستهدف تشكيل الوعي ، تزييفه أو تصحيحه الخ ، أما " الاختراق الثقافي " فهو يستهدف أول ما يستهدف السيطرة على الإدراك ، اختطافه وتوجيهه ، وبالتالي سلب الوعي ، والهيمنة على الهوية الثقافية الفردية والجماعية .
في زمن الصراع الإيديولوجي كانت وسيلة تشكيل الوعي هي الإيديولوجيا ، أما في زمن الاختراق الثقافي فوسيلة السيطرة على الإدراك هي الصورة السمعية البصرية التي تسعى إلى " تسطيح الوعي " ، إلى جعله يرتبط بما يجري على السطح من صور ومشاهد ذات طابع إعلامي إشهاري ، مثير للإدراك ، مستفز للانفعال ، حاجب للعقل…

وبالسيطرة على الإدراك ، وانطلاقا منها ، يتم " إخضاع النفوس " ، أعني تعطيل فاعلية العقل ، وتكييف المنطق ، والتشويش على نظام القيم ، وتوجيه الخيال ، وتنميط الذوق ، وقولبة السلوك . والهدف تكريس نوع معين من الاستهلاك لنوع معين من المعارف والسلع والبضائع : معارف إشهارية تشكل في مجموعها ما يمكن أن نطلق عليه " ثقافة الاختراق ".


الأطروحة السادسة : ثقافة الاختراق .
تقوم ثقافة الاختراق على جملة أوهام هدفها : " التطبيع " مع الهيمنة وتكريس الاستتباع الحضاري.
تتولى القيامَ بعملية تسطيح الوعي ، واختراق الهوية الثقافية للأفراد والأقوام والأمم ، ثقافةٌ جديدة تماما لم يشهد التاريخ من قبل لها مثيلا : ثقافة إشهارية إعلامية سمعية وبصرية تصنع الذوق الاستهلاكي (الاشهار التجاري) والرأي السياسي (الدعاية الانتخابية) وتشيد رؤية خاصة للإنسان والمجتمع والتاريخ ، إنها " ثقافة الاختراق " التي تقدمها العولمة بديلا للصراع الإيديولوجي .
ولا يعني حلول الاختراق الثقافي محل الصراع الإيديولوجي موت الإيديولوجيا ، كما يريد المبشرون بالعولمة أن يوهموا الناس .. كلا إن الاختراق الثقافي ، بالعكس من ذلك ، مُحَمَّلٌ بإيديولوجيا معينة ، هي إيديولوجيا الاختراق ، وهي تختلف عن الإيديولوجيات المتصارعة ، كالرأسمالية والاشتراكية ، في كونها لا تقدم مشروعا للمستقبل ، لا تقدم نفسها كخصم لبديل آخر تسميه وتقاومه ، وإنما تعمل على اختراق الرغبة في البديل وشل نشدان التغيير لدى الأفراد والجماعات .
إيديولوجيا الاختراق تقوم على نشر وتكريس جملة أوهام ، هي نفسها " مكونات الثقافة الإعلامية الجماهيرية في الولايات المتحدة الأمريكية " ، وقد حصرها باحث أمريكي في الأوهام الخمسة التالية : وهم الفردية ، وهم الخيار الشخصي ، وهم الحياد ، وهم الطبيعة البشرية التي لا تتغير، وهم غياب الصراع الاجتماعي . وإذا نحن أردنا أن نوجز في عبارة واحدة مضمون هذه المسلمــات الخمس ، أمكــن القول إن " الثقافة الإعلامية الجماهيرية " الأمريكية ، هذه، تكرس إيديولوجيا " الفردية المستسلمة " ، وهي إيديولوجيا تضرب في الصميم الهوية الثقافية بمستوياتها الثلاثة ، الفردية والجمعوية والوطنية القومية .

إن " وهم الفردية " ، أي اعتقاد المرء في أن حقيقة وجوده محصورة في فرديته وأن كل ما عداه أجنبي عنه لا يعنيه ، إنما يعمل - هذا الوهم - على تخريب وتمزيق الرابطة الجماعية التي تجعل الفرد يعي أن وجوده إنما يكمن في كونه عضوا في جماعة وفي طبقة وأمة ، وبالتالي فوهم الفردية هذا إنما يهدف إلى إلغاء الهوية الجمعوية والطبقية والوطنية القومية ، وكل إطار جماعي آخر .، ليبقى الإطار " العالمي " - بل العولمي- هو وحده الموجود…
أما " وهم الخيار الشخصي " فواضح أنه يرتبط بالأول ويكمله . إنه ، باسم الحرية ، يكرس النزعة الأنانية ويعمل على طمس الروح الجماعية سواء كانت على صورة الوعي الطبقي أو الوعي القومي أو الشعور الإنساني .
ويأتي " وهم الحياد " ليدفع بالأمور خطوة أخرى في الاتجاه نفسه : فمادام الفرد وحده الموجود ، ومادام حـرا مختارا فهو " محايد " ، وكل الناس والأشياء إزاءه " محايدون " أو يجب أن يكونوا كذلك . وهكذا تعمل هذه الإيديولوجيا من خلال " وهم الحياد " على تكريس التحلل من كل التزام أو ارتباط بأية قضية . ومن هنا ذلك الشعار الذي انتشر في السنين الأخيرة : شعار: " وانا مالي ".
وأما الوهم الرابع وهو " الاعتقاد في الطبيعة البشرية التي لا تتغير " ، فواضح أنه يرمي إلى صرف النظر عن رؤية الفوارق بين الأغنياء والفقراء ، بين البيض والسود ، بين المستغلين وبين من هم ضحايا الاستغلال ، وقبولها - أعني تلك الفوارق- بوصفها أمورا طبيعية كالفوارق بين الليل والنهار والصيف والشتاء ، وبالتالي شل روح المقاومة في الفرد والجماعة .
ويأتي الوهم الخامس صريحا في منطوقه ومفهومه : إن " الاعتقاد في غياب الصراع الاجتماعي " هو التتويج الصريح للأوهام السابقة : غياب الصراع الاجتماعي معناه - إذا قبلناه وسلمنا به- الاستسلام للجهات المستغلة ، من شركات ووكالات وغيرها من أدوات العولمة . وبعبارة أخرى " التطبيع " مع الهيمنة والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري الذي يشكل الهدف الأول والأخير للعولمة .
الأطروحة السابعة : العولمة و عالم بدون الدولة والامة والوطن .
العولمة نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى ويدفع للتفتيت والتشتيت ،. ليربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة واللادولة ، أو يغرقهم في أتون الحرب الأهلية .
ومع التطبيع مع الهيمنة والاستسلام لعملية الاستتباع الحضاري يأتي فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة ، وبالتالي إفراغ الهوية الثقافية من كل محتوى . إن العولمة عالم بدون دولة ، بدون أمة ، بدون وطن . إنه عالم المؤسسات والشبكات العالمية ، عالم " الفاعلين " ، وهم المسيرون ، و" المفعول فيهم " وهم المستهلكون للسلع والصور و" المعلومات " والحركات والسكنات التي تفرض عليهم . أما " وطنهم " فهو الفضاء " المعلوماتي " الذي تصنعه شبكات الاتصال ، الفضاء الذي يحتوي - يسيطر ويوجه- الاقتصاد والسياسة والثقافة .
العولمة نظام يقفز على الدولة والأمة والوطن . نظام يريد رفع الحواجز والحدود أمام الشبكات والمؤسسات والشركات المتعددة الجنسية ، وبالتالي إذابة الدولة الوطنية وجعل دورها يقتصر على القيام بدور الدركي لشبكات الهيمنة العالمية . والعولمة تقوم على الخوصصة ، أي على نزع ملكية الوطن والأمة والدولة ونقلها إلى الخواص في الداخل والخارج . وهكذا تتحول الدولة إلى جهاز لا يملك ولا يراقب ولا يوجه . وإضعاف سلطة الدولة والتخفيف من حضورها لفائدة العولمة يؤديان حتما إلى استيقاظ وإيقاظ أطر للانتماء سابقة على الأمة والدولة ، أعني القبيلة والطائفة والجهة والتعصب المذهبي الخ… والدفع بها جميعا إلى التقاتل والتناحر والإفناء المتبادل : إلى تمزيق الهوية الثقافية الوطنية القومية… إلى الحرب الأهلية .
ولا بد من الـتأكيد هنا على أن مفهوم الهوية الثقافية القومية الذي نستعمله هنا ، بمعنى الهوية المشتركة لجميع أبناء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ، لا يعني قط إلغاء ولا إقصاء الهويات الوطنية القطرية ولا الهويات الجمعوية ، الإثنية والطائفية . إنه لا يعني فرض نمط ثقافي معين على الأنماط الثقافية الأخرى ، المتعددة والمتعايشة ، عبر تاريخنا المديد ، داخل الوطن العربي الكبير . كلا ، إن التعدد الثقافي في الوطن العربي واقعة أساسية لا يجوز القفز عليها ، بل بالعكس لا بد من توظيفها بوعي في إغناء وإخصاب الثقافة العربية القومية وتوسيع مجالها الحيوي . ولكن تبقى مع ذلك كله الوظيفة التاريخية لهذه الثقافة ، وظيفة التوحيد المعنوي ، الروحي والعقلي ، وظيفة الارتفاع بـ " الوطن العربي " من مجرد رقعة جغرافية إلى وعاء للأمة العربية لا تكون إلا به ولا يكون إلا بها .
هذا من جهة ومن جهة أخرى ، فاللغة المشتركة بين جميع أبناء الأمة العربية ، لغة التراث المشترك ، ولغة العلم والثقافة العالمة جملة ، وبالتالي لغة التحديث والحداثة هي اللغة العربية . ولذلك كانت اللغة العربية هي ، في آن واحد ، الرابطة المتينة التي توحد بين مستويات الهوية في الوطن العربي ، أعني المستوى الفردي والمستوى الجمعوي والمستوى الوطني والقومي ، وأيضا الأداة الوحيدة التي بها يمكن العرب الدخول في العالمية وتحقيق الحداثة .
الأطروحة الثامنة : العولمة وتكريس الثنائية والانشطار في الهوية الثقافية العربية
كلنا نعرف أن الثقافة العربية تعاني ، منذ ما يقرب من قرنيـن ، وضعا متوترا نتيجة احتكاكها مع الثقافة الغربية ، بتقنياتها وعلومها وقيمها الحضارية التي هي نتيجة تطور خاص قوامه التحديث والحداثة ، تطور لم تعشه الثقافة العربية ، بل بقيت بمعزل عنه تجتر وضعا قديما توقف عن النمو منذ قرون .
ومن هنا تلك الثنائية التي تطبع الثقافة العربية بمختلف مستوياتها المادية والروحية ، ثنائية التقليدي والعصري . وهي ثنائية تكرس الازدواجية والانشطار داخل الهوية الثقافية العربية بمستوياتها الثلاثة : الفردي والجمعوي والوطني القومي: أحد طرفي هذه الثنائية يعكس الهوية الثقافية على صورة " جمود على التقليد " ضمن قوالب ومفاهيم وآليات دفاعية تستعصي على الاختراق وتقاوم التجديد . والآخر يجسم الاختراق الثقافي وقد اكتسح الساحة اكتساحا ليتحول إلى ثقافة الاختراق ، أعني الثقافة المبشرة به المكرسة له .
في هذا الإطار إذن يجب أن نضع خصوصية العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية عندما يتعلق الأمر بالوطن العربي . فالاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة لا يقف عند حدود تكريس الاستتباع الحضاري بوجه عام ، بل إنه سلاح خطير يكرس الثنائية والانشطار في الهوية الوطنية القومية ، ليس الآن فقط بل وعلى مدى الأجيال الصاعدة والقادمة . ذلك أن الوسائل السمعية البصرية ، المرئية واللامرئية التي تحمل هذا الاختراق وتكرسه ، إنما تملكها وتستفيد منها فئة معينة هي النخبة العصرية وحواشيها ، فهي التي تستطيع امتلاكها والتعامل مع لغاتها الأجنبية ، بحكم التعليم " العصري" الذي تتلقاه . أما " عموم الشعب " وعلى رأسه النخبة التقليدية فهو في شبه عزلة ، يجتر بصورة أو بأخرى ثقافة " الجمود على التقليد " ، والنتيجة استمرار إعادة إنتاج متواصلة ومتعاظمة للثنائية نفسها ، ثنائية التقليدي والعصري ، ثنائية الأصالة والمعاصرة ، في الثقافة والفكر والسلوك .
الأطروحة التاسعة: تجديد الثقافة .
إن تجديد الثقافة ، أية ثقافة ، لا يمكن أن يتم إلا من داخلها : بإعادة بنائها وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها ، والتماس وجوه من الفهم والتأويل لمسارها تسمح بربط الحاضر بالماضي في اتجاه المستقبل .
ما العمل إزاء هذه السلبيات والأخطار التي تطبع علاقة العولمة بالعرب على صعيد الهوية الثقافية ؟
هناك موقفان سهلان ، وهما السائدان : موقف الرفض المطلق وسلاحه الانغلاق الكلي وما يتبع ذلك من ردود فعل سلبية محاربة … وموقف القبول التام للعولمة وما تمارسه من اختراق ثقافي واستتباع حضاري ، شعاره " الانفتاح على العصر" و" المراهنة على الحداثة ".
لا مفر من تصنيف هذين الموقفين ضمن المواقف اللاتاريخية التي تواجه المشاكل ، لا بعقل واثق بنفسه متمكن من قدراته ، وإنما تستقبلها بعقل " مستقيل " لا يرى صاحبه مخرجا من المشاكل إلا بالهروب منها ، إما إلى الوراء وإما إلى الأمام ، كل سلاحه رؤية سحرية للعالم تقفز على الواقع إلى اللاواقع .
إن الانغلاق موقف سلبي ، غير فاعل . ذلك لأن فعله " الموجه " ضد الاختراق الثقافي - أي محاربته له - لا ينال الاختراق ولا يمسه ولا يفعل فيه أي فعل ، بل فعله موجه كله إلى الذات قصد " تحصينها " . والتحصين إنما يكون مفيدا عندما يكون المتحاربان على نسبة معقولة من تكافؤ القوى والقدرات . أما عندما يتعلق الأمر بظاهرة عالمية تدخل جميع البيوت وتفعل فعلها بالإغراء والعدوى والحاجة ، ويفرضها أصحابها فرضا بتخطيط واستراتيجية ، فإن الانغلاق في هذه الحالة ينقلب إلى موت بطيء ، قد تتخلله بطولات مدهشة ولكن صاحبه محكوم عليه بالإخفاق .
ومثل الانغلاق مثل مقابله : الاغتراب . إن ثقافة الاغتراب ، أعني إيديولوجيا الارتماء في أحضان العولمة والاندماج فيها ، ثقافة تنطلق من الفراغ ، أي من اللاهوية ، وبالتالي فهي لا تستطيع أن تبني هوية ولا كيانا . يقول أصحاب هذا الموقف : إنه لا فائدة في المقاومة ولا في الالتجاء إلى التراث ، بل يجب الانخراط في العولمة من دون تردد ومن دون حدود ، لأنها ظاهرة حضارية عالمية لا يمكن الوقوف ضدها ولا تحقيق التقدم خارجها . إن الأمر يتعلق بـ " قطار يجب أن نركبه " وهو
ماض في طريقه بنا أو بدوننا . ولا يوضح أصحاب هذه الدعوى هل سنبزر هوياتنا عند ركوب القطار أم أننا سنرطبه بدون هوية ، بدون ورقة تعريف !؟
وبعيدا عن مناقشة جدالية لهذه الدعوى ، يكفي التنبيه إلى أنها نفس الدعوى التي سبق أن ادعاها ونادى بها مفكرون عرب رواد منذ أزيد من قرن ، ومنذ ذلك الوقت وهي تتردد وتتكرر هنا وهناك في الوطن العربي ، تبنتها حكومات وأحزاب فضلا عن الأفراد … ومع ذلك فحصيلة قرن كامل من التبشير بهـذه الدعوى – دعـوى " الاغتـراب " - لـم تنتج سوى فئة من " العصرانيين " قليلة العدد ، نشاهد اليوم تناقصا نسبيا واضحا في حجمها ، بينما ازداد ويـزداد الطرف المقابل لها عددا وعدة ، كما وكيفا ، في جميع الأقطار العربية وداخل جميع الشرائح الاجتماعية . وهكذا فبدلا من تيارات " حداثية " تمارس الهيمنة والقيادة تستقطب الأجيال الصاعدة ، بدلا من ذلك يسود الحديث عن " الأصولية الدينية " بوصفها الظاهرة المهيمنة .
أما نحن فنرى أن الجواب الصحيح عن سؤال " ما العمل " ؟ - سواء إزاء الثنائية والانشطار الذين تعاني منهما الثقافة العربية ، أو إزاء الاختراق الثقافي وإيديولوجيا العولمة - يجب أن ينطلق أولا وقبل كل شيء من العمل داخل الثقافة العربية نفسها . ذلك لأنه سواء تعلق الأمر بالمجال الثقافي أو بغيره ، فمن المؤكد أنه لولا الضعف الداخلي لما استطاع الفعل الخارجي أن يمارس تأثيره بالصورة التي تجعل منه خطرا على الكيان والهوية .
إن الثنائية والانشطار - اللذين تحدثنا عنهما واللذين يشكلان نقطة الضعف الخطيرة في واقعنا الثقافي الراهن التي منها يمارس الاختراق تأثيره التخريبي- إنما يعكسان وضعية ثقافة لم تتم بعد إعادة بنائها ، ثقافة يتزامن فيها القديم والجديد ، والأصيل والوافد ، في غير ما تفاعل ولا اندماج . وهذا راجع إلى أن التجديد في ثقافتنا كان يراد له ، منذ أزيد من قرن ، أن يتم من " الخارج " : بنشر الفكر الحديث على سطحها . لقد سبق لنا أن أكدنا مرارا على أن تجديد الثقافة ، أية ثقافة ، لا يمكن أن يتم إلا من داخلها : بإعادة بنائها وممارسة الحداثة في معطياتها وتاريخها ، والتماس وجوه من الفهم والتأويل لمسارها تسمح بربط الحاضر بالماضي في اتجاه المستقبل . ونعود فنؤكد هنا هذا المعنى .
الأطروحة العاشرة : الدفاع عن الهوية الثقافية .
ان حاجتنا إلى الدفاع عن هويتنا الثقافية بمستوياتها الثلاثة ، لا تقل عن حاجتنا إلى اكتساب الأسس والأدوات التي لا بد منها لدخول عصر العلم والتقانة ، وفي مقدمتها العقلانية والديموقراطية .
إن حاجتنا إلى تجديد ثقافتنا وإغناء هويتنا والدفاع عن خصوصيتنا ومقاومة الغزو الكاسح الذي يمارسه ، على مستوى عالمي ، إعلاميا وبالتالي إيديولوجيا وثقافيا ، المالكون للعلم والتقانة المسخرون لهما لهذا الغرض ، لا تقل عن حاجتنا إلى اكتساب الأسس والأدوات التي لا بد منها لممارسة التحديث ودخول عصر العلم والتقانة ، دخول الذوات الفاعلة المستقلة وليس دخول " الموضوعات " المنفعلة المسيرة .
نحن في حاجة إلى التحديث ، أي إلى الانخراط في عصر العلم والتقانة كفاعلين مساهمين . ولكننا في حاجة كذلك إلى مقاومة الاختراق وحماية هويتنا القومية وخصوصيتنا الثقافية من الانحلال والتلاشي تحت تأثير موجات الغزو الذي يمارس علينا وعلى العالم أجمع بوسائل العلم والتقانة . وليست هاتان الحاجتان الضروريتان متعارضتين كما قد يبدو لأول وهلة ، بل بالعكس هما متكاملتان ، أو على الأصح متلازمتان تلازم الشرط مع المشروط .
ذلك لأنه من الحقائق البديهية في عالم اليوم أن نجاح أي بلد من البلدان ، النامية منها أو التي هي في " طريق النمو" ، نجاحها في الحفاظ على الهوية والدفاع عن الخصوصية ، مشروط أكثر من أي وقت مضى بمدى عمق عملية التحديث الجارية في هذا البلد ، عملية الانخراط الواعي ، النامي والمتجذر، في عصر العلم والتقانة .
والوسيلة في كل ذلك واحدة : اعتماد الإمكانيات اللامحدودة التي توفرها العولمة نفسها ، أعني الجوانب الإيجابية منها وفي مقدمتها العلم والتقانة . وهذا ما نلمسه بوضوح في تخطيطات الدول الأوروبية التي يُدَق في كثير منها ناقوسُ خطر" الغزو الأمريكي " الإعلامي الثقافي الذي يتهددها ، في لغتها وسلوك أبنائها وتصوراتهم الجمعية ، والذي يوظف أرقى وسائل العلم والتقانة - ومنها الأقمار الصناعية - في اكتساح مختلف الحقول المعرفية والخصوصيات الثقافية .
إن أوربا اليوم تتحدث حديث الخصوصية والأصالة ، وتتحدث عن " الهوية الأوربية " تعزيزا لسيرها الجدي على طريق تشييد الوحدة بين شعوبها وأقطارها ، بخطوات عقلانية محسوبة في إطار من الممارسة الديموقراطية الحق . وهي بذلك تقدم لمستعمراتها القديمة ، لأقطار العالم الثالث كله ، نموذجا صالحا للإقتداء به بعد ملاءمته مع الخصوصيات المحلية .
إن جل الحكومات العربية ، إن لم يكن جميعها ، تسعى اليوم لتحقيق " الشراكة " مع أوربا ، الشراكة في مجال الاقتصاد ، وأيضا في مجال الثقافة . ومع أن هذه الشراكة المطلوبة تمليها على الجانبين ظرفية تحكمها المصالح القومية فإنه لاشيء يضمن تحولها إلى عولمة أخرى داخل العولمة الكبرى ، غير شيء واحد ، هو بناء الشراكة في الداخل كما في الخارج على الديموقراطية والعقلانية .
فهل للشعوب العربية أن تطالب بالشراكة مع أوربا في مجال اعتماد العقلانية والديمقراطية ، في الفكر والسلوك ، في التخطيط والإنجاز، في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة ؟
العولمة نظام système ، والنظام لا يقاوم من خارجه إلا بنظام مكافئ له أو متفوق عليه . ونحن في العالم العربي نعيش حالة اللانظام . ليس لدينا نظام عربي يكافئ النظام العالمي للعولمة . فلا سبيل إذن إلى مقاومة سلبيات العولمة إلا من داخل العولمة نفسها ، بأدواتها وبإحراجها في قيمها وتجاوزاتها . وأيضا بفرض نوع من النظام على الفوضى العربية القائمة ، فوضى اللانظام ?
يتبع




>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

العولمة والهوية بين العلم والإيديولوجيا
من مجلة فكر ونقد : محمد عابد الجابري


سيدور الكلام في هذا المقال حول السؤال التالي : إلى أي حقل من حقول المعرفة ينتمي خطاب العولمة والهوية ؟ هل ينتميان إلى العلم أم إلى الإيديولوجيا ؟
وقبل الخوض في الموضوع لابد من تحديد ما نقصده هنا بكل من العلم والإيديولوجيا ؟ لنبادر إلى القول إننا لا نقصد العلم كجملة معارف ولا الإيديولوجيا كجملة آراء ، وإنما نقصد أولا وأخيرا منهج كل منهما في بناء عالمه المعرفي .
يقوم البحث العلمي على مناهج متعددة . والغالب ما يرجع تعددها إلى اختلاف موضوع البحث ، منهج البحث في الرياضيات غيره في العلوم الطبيعية , غيره في العلوم الإنسانية … وكذلك الشأن في الخطاب الإيديولوجي فهو بطبيعته خطاب متعدد بتعدد الأغراض التي يريد إقرارها أو خدمتها ، وهي أكثر من أن تحصى . ومن أجل تجنب الخوض في مشاكل وإشكاليات جديدة ، لا يتسع لها المقال ، سنعمد إلى المقارنة بين الحقيقة العلمية والحقيقة الإيديولوجية (بدل المقارنة بين البحث العلمي والخطاب الإيديولوجي) . وهذا انتقال مبرر ومقبول ، باعتبار أن غاية البحث العلمي هي الوصول إلى الحقيقة العلمية ، كما أن الهدف الذي يرمي إليه الخطاب الإيديولوجي هو إثبات ما يريد إثباته كحقيقة .
الحقيقة العلمية قوامها دعامتان : الموضوعية وإمكانية التحقق . المقصود بالموضوعية هو التعامل مع موضوع البحث كما هو ، أي في استقلال عن آرائنا وعواطفنا ، وذلك إلى الدرجة التي يصبح معها بالإمكان الاتفاق بين الباحثين على ما هو إياه ذلك الموضوع . فإذا قام اتفاق بيننا على أن هذا الشيء الذي أمامنا هو الشيء الفلاني وليس غيره ، هو قطعة خبز وليس حجرا مثلا ، قلنا إن علاقتنا المعرفية بهذا الموضوع علاقة موضوعية . والسؤال الآن هو: هل يمكن أن تقوم بيننا علاقة معرفية تربطنا جميعا بكل من العولمة ومسألة الهوية ، من جنس العلاقة التي تربطنا بكل من قطعة الخبز والحجر مثلا ؟
هذا سؤال يطرحه البحث العلمي ، أما الخطاب الإيديولوجي فلا يتحمله ! والهوية والعولمة لا تتحملان هذا السؤال ، لأن الكلام في كل منهما هو أساسا خطاب !
والخـطاب رسالة من ذات إلى أخرى تنقل " حقيقة " يطلب من الذات المتلقية , ليس فقط أن تسلم بها , بل أيضا أن تعمل بها . وإذن فالخطاب الإيديولوجي في موضوع " العولمة ومسألة الهوية " خطاب ينقل إلى المتلقي وجهة نظر يعتبرها صاحبها صحيحة ويطلب من المتلقي أن يعمل بها . يمكن أن يقول مثلا : " يجب أن نأخذ بالعولمة وننخرط فيها ونعمل في إطارها إذا نحن أردنا أن نعيش في المستقبل " . وقد يضيف : " أما الهوية فهي تنتمي إلى الماضي " . وقد يقـــول آخر: " يجب أن نقف في وجه العولمة لأنها تنطوي على غزو يمارسه الآخر علينا " . وقد يضيف : " وهو غزو يتجاوز مستوى السلع والاقتصاد لأنه يستهدف الثقافة وبالتالي الهوية والكيان " .
واضح أن هاتين الوجهتين من النظر تضعاننا أمام إشكال وليس فقط إزاء مشكلة . وما يجعلهما تعبران عن إشكالية أن ما تقررانه ليس من قبيل هذا أبيض وهذا أسود . هما تعبران عن رأيين مختلفين متعارضين فعلا ، غير أنك إذا أخذت بأحدهما لا ترتاح راحة كاملة ، بل يبقى الثاني يشوش عليك رؤيتك ويجرك إلى بحر من الشكوك الغامضة فتعيش حالة من التوتر الفكري . إن الأمر يبدو وكأن هذين الرأيين المتناقضين ، على طول الخط ، صحيحان معا في وقت واحد . ومن هنا كان التوتر الذي ينجم عنهما من نوع التوتر الذي يبعثه في النفس الجمع بين النقيضين .
لقد تكرر الحديث في السنوات الأخيرة عن ضرورة " ترشيد " العولمة لتصبح نشاطا تجاريا عالميا يحترم مصالح الدول والخصوصيات الإقليمية والمحلية ، الشيء الذي يعني نزع طابع الهيمنة الإمبريالية والليبرالية المتوحشة عن العولمة كما عرفتها السنون الأخيرة .
هذا الجانب لا يهمنا هنا . فالعولمة كنشاط اقتصادي " خالص " ليست من الظواهر التي تصطدم بمسألة الهوية . هذا من حيث المبدأ . ولكن هل هناك في عصرنا نشاط اقتصادي " خالص " ؟ ثم أين تبتدئ " مسألة الهوية " وأين تنتهي ؟
هذان السؤالان هما من بين الأسئلة التي تجعل من العلاقة بين " العولمة " و" مسألة الهوية " علاقة إشكالية بالمعنى الذي حددناه في المقال السابق . ذلك لأنه ما دمنا لا نستطيع أن نحدد بدقة حدود ظاهرة العولمة ، حدودها الاقتصادية والثقافية والإعلامية الخ ، ولا أن نرسم لـ " مسألة الهوية " إطارا محددا لا تتعداه ، فإنه سيكون من الصعب وضع منحن أو منحنيات للعلاقة التي يمكن أن تقوم بينهما . كل شيء ممكن في مثل هذه الحالة . وبالتالي فنحن لا نستطيع الوصول ، بصدد العلاقة بين العولمة والهوية ، إلى نتيجة نحس معها فعلا بالاستقرار الفكري ، وإن حصل شيء من هذا فبسبب غفلة ، سرعان ما تنقشع عن توتر أكبر.
لقد عـرف الفكر العربي الحديث إشكالية مماثلة لم يهتد بعد إلى حل بشأنها يمنحه ما هو في حاجة إليه من الاستقرار الفكري . هذه الإشكالية هي ما كان وما يزال يدعى بـ " إشكالية الأصالة والمعاصرة " . ولقائـل أن يقول : أليست إشكالية " العولمة ومسألة الهوية " سوى مظهر من مظاهرها ، مظهرها الجديد الذي فرضه التطور علينا ؟
والجواب : هناك فعلا تشابه بين الإشكاليتين ، ولكن في الظاهر فقط ، أما المضمون فمختلف . والألفاظ نفسها ، أعني صيغتها الصرفية ، تشي بهذا الاختلاف : فـ" المعاصرة " مفاعلة ، وهي صيغة تدل على المشاركة . المعاصرة صيغة تفيد أننا نحن الذين نطلب المعاصرة ونقوم بها لأنفسنا ، أي نسعى إلى أن نرتفع إلى مستوى عصرنا في مجال الفكر والعلم والصناعة . أما العولمة فصيغتها الصرفية فوعلة تفيد جعل الشيء على هيأة معينة : فقولبة الشيء معناها جعله في قالب . كما أن عولمته تعني جعله عالميا . وهذه الفروق اللغوية ليست خاصة باللغة العربية بل نلحظها في كثير من اللغات الأجنبية. فـ" العولمة" ترجمة لكلمة globalisation التي تفيد في معناها اللغوي التعميم : تعميم الشيء وجعله شاملا . وإذا لاحظنا أن كلمة globe تعني الكرة وتستعمل علما لتدل بالتحديد على الكرة الأرضية استطعنا أن نربط العولمة بهدفها الاستراتيجي أعني تعميم نمط من الحياة على الكرة الأرضية كلها . ومن هنا الاسم المرادف لـ " العولمة " في الخطاب العولمي المعاصر ، أعني لفظ planétarisation وهو ما يترجمه بعضهم بـ" الكوكبية " . والمقصود جعل كوكب الأرض كله مسرحا لنمط معين من التعامل المالي والتجاري ، وبالتالي الحضاري ، هو النمط الأمريكي .
هذا من جهة ومن جهة أخرى لابد من ملاحظة أنه لسنا نحن الذين نقوم بالعولمة والتعميم ، بل العولمة عملية تتم خارج إرادتنا ، على العكس تماما مما تدل عليه " المعاصرة " التي نفترض فيها أننا نحن الذين نقوم بها بإرادتنا أو على الأقل نطمح إليها . وقد نلمس هذا الفرق بوضوح أكبر لو أننا انتبهنا إلى الطريقة التي نعبر بها عن الموقف الإيجابي منهما ، موقف القبول . ذلك أننا نقول : نحن ننشد المعاصرة ولا نقول " ننشد العولمة " ، بل نقول : " ننخرط " في العولمة أو "نستعد في الدخول في عصر العولمة " .
بعبارة قصيرة ، في " المعاصرة " نتعامل مع أنفسنا كذات ، أما في " العولمة " فنشعر أننا موضوع لها . قد يكون هذا مجرد فرق سيكولوجي . ليكن . فالموقف السيكولوجي له دور كبير عندما يتعلق الأمر بالهوية . الهوية مسألة وعي ، فهي من ميدان السيكولوجيا . ولذلك سيكون رد الفعل من قبيل الاستفهام الإنكاري التالي : وهل من يتعامل مع الظاهرة نفسها كذات فاعلة كمن يتعامل معها كموضوع منفعل ؟
ثم إن التقابـل أو التعارض بين " الأصالة والمعاصرة " ليس من جنس التقابل والتعارض بين " العولمة والهوية " . ذلك أن " المعاصرة " لا تهدد الهوية إلى درجة إلغائها ونفيهـا ، بل بالعكس يفترض فيها أن تعمل على إغنائها وتجديدها . والأصالة بعد ليست جزءا من الهوية ، بل هي وصف يمكن أن توصف به . أما " العولمة " فبما أنها تعميم وقولبة فهي تهدد الأصالة وبالتالي الهوية ، أو على الأقل نوعا من الهوية ونوعا من الأصالة .

يتبع


=========


>>>> الرد الثاني :

العولمة ومسألة الهوية : المشكلة والإشكالية
من مجلة فكر ونقد : محمد عابد الجابري
سيدور الحديث في هذا المقال حول الإشكالية التالية : إلى أي مدى يمكن التحرر من الإيديولوجيا ، والبحث في موضوع العولمة ومسألة الهوية بحثا علميا ؟
سؤال ينشد الوضوح ، باعتبار أن ذلك هو هدف البحث العلمي . ولكن هل عناصر هذا السؤال واضحة كلها ؟ إن وضوح السؤال شرط في الوصول إلى نتائج واضحة على صعيد الجواب ، هذا أمر بديهي

. لنبدأ إذن بإضفاء أكبر قدر ممكن من الوضوح على السؤال . لنحدد مجال السؤال وعناصره الأساسية .
لعل أول ما ينبغي البدء به هو استبعاد الفكرة الجاهزة التي تتبادر إلى الذهن لتضفي وضوحا زائفا على الموضوع ، الفكرة التي تربط التقابل بين العولمة ومسألة الهوية بالتقابل بين الدول المصنعة المتقدمة داعية العولمة والمستفيد الأول منها وهي دول " الشمال " ، وبين البلدان الفقيرة أو القريبة من الفقيرة والتي تصنف ضمن الجنوب . إنها فكرة جاهزة مضللة ليس لأنها خاطئة كليا بل لأن مثل هذا الربط يجر الباحث إلى تركيز النظر على هذا " التقابل " وحده وقراءة الموضوع وكأنه مظهر من مظاهر التقابل أو الصراع بين الغرب والشرق ، بين الغرب /الشمال والشرق/الجنوب . هذا في حين أن مفعول العولمة سواء على مستوى الهوية أو غيرها يمكن رصده أيضا ، وربما بوضوح أكثر داخل " الشمال " نفسه . سنركز بحثنا إذن في الموضوع المطروح على مجال أوسع ، خارج ضغط تلك الفكرة الجاهزة ، معتمدين معطيات الواقع كما هي ، منطلقين من توضيح المفاهيم الأساسية المستعملة في البحث .
***
يتكون عنوان هذا البحث من خمسة مفاهيم أو عناصر لابد من عقد اتفاق بيننا وبين القارئ بشأنها ، أعني حول المعنى الذي نعطيه لها هنا . هذه العناصر هي : إشكالية ، العولمة ، الهوية ، البحث العلمي ، الخطاب الإيديولوجي .
لقد استعملنا لفظ " الإشكالية " ولم نستعمل " المشكلة " قصدا . والفرق بينهما - عندنا - يتلخص في كون المشكلة تتميز بكونها يمكن الوصول بشأنها إلى حل يلغيها . فـ" المشاكل " في الحساب تنتهي إلى حل ، باستثناء بعض المعادلات الرياضية التي يكون حلها ، أعني التخلص منها بعد البحث والمحاولة ، بالإعلان عن كونها لا تقبل الحل . أما المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية عموما , والمشاكل التي يصادفها العلماء في العلوم الطبيعية بمختلف أنواعها , فهي جميعا تنتهي إلى نوع من الحل ، آجلا أو عاجلا ، ما دام المجال الذي تطرح فيه ينتمي إلى الواقع الموضوعي ويقبل نوعا ما من التجريب . وفي هذا الإطار يصدق قول ماركس : " إن الإنسانية لا تطرح من المشاكل إلا تلك التي تقدر على حلها " . لماذا ؟ لأن " المشاكل " ، بهذا المعنى ، إنما تظهر من خلال تقدم البحث ، فاكتساب مزيد من المعرفة بموضوع ما يفتح الطريق أمام اكتشاف مجاهيل جديدة ، تكون مناسبة لطرح أسئلة جديدة .
هذا هو تصورنا لمعنى " المشكلة " ، وأعتقد أنه من الممكن التعاقد مع القارئ على هذا المعنى . كما يمكن التعاقد على معنى أضيق أو أوسع ؛ ففي هذا المجال ، مجال الحدود والتعريفات ، ليس هناك برهان ، وإنما تعاقد واتفاق بين الباحث والمتلقي (وقد يكون المتلقي هو الباحث نفسه) ! فبدون هذا لا يمكن الوصول إلى برهان ، فالبرهان إنما يبنى ، من جملة ما يبنى عليه ، على الحدود والتعريفات .
هذا عن لفظ " المشكلة " ، وأمرها لا يحتاج إلى مزيد بيان . أما " الإشكالية " ، فهي شيء آخر . فعلا ، يستعمل كثير من الكتاب والقراء (عندنا في العالم العربي) - أو يفهمون- هذا اللفظ ونسيبه " المشكلة " من غير تدقيق ، وكأنهما من الألفاظ التي يجوز أن ينوب بعضها مناب بعض ( وهل هناك فعلا ألفاظ يجوز فيها ذلك بدون غرض ومبرر؟) . ومهما يكن , فنحن نستعمل هنا لفظ " إشكالية " في معنى محدد - ولو أنه معقد- غير معنى " المشكلة " . وفيما يلي تفاصيل عقد ( تعريف) نقترحه على القارئ . ولا يخطرن بالبال أن التعريفات والحدود تصاغ كيف اتفق . كلا ، ليس لأحد أن يقترح تعريفا إلا إذا كان هذا التعريف يزيدنا معرفة بالمعرف به ويفسح المجال أمامنا لمزيد من المعرفة بالموضوع الذي نبحث فيه . ولعل القارئ سيلاحظ هذا بوضوح فيما نحن يصدده .
لقد سبق أن حددنا ما نعنيه بهذا المصطلح منذ أن بدأ يشيع ويذيع في خطابنا العربي المعاصر( نحن والتراث 1980) . لقد كتبنا آنذاك في هذا الموضوع ما يلي : " على الرغم من أن كلمة إشكالية من الكلمات المولدة في اللغة العربية ( وهي ترجمة موفقة لكلمة problématique فإن جذرها العربي يحمل جانبا أساسيا من معناها الاصطلاحي . يقال : أشكل عليه الأمر بمعنى التبس واختلط . وهذا مظهر من مظاهر المعنى الاصطلاحي المعاصر للكلمة ( ولكنه مظهر فقط ) . ذلك أن الإشكالية هي في الاصطلاح المعاصر، منظومة من العلاقات التي تنسجها ، داخل فكر معين ( فكر فرد أو فكر جماعة) , مشاكل عديدة مترابطة لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل ، - من الناحية النظرية - إلا في إطار حل عام يشملها جميعا . وبعبارة أخرى : إن الإشكالية هي النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها ، فهي توتر ونزوع نحو النظرية ، أي نحو الاستقرار الفكري " .
لم نعمد هنا إلى استرجاع هذا التعريف جزافا ، بل نحن نعتبره خطوة أولى لابد منها في سعينا إلى الوضوح الذي ننشده . وسنرى أن الموضوع الذي نحن بصدده ، أعني العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية ، سيغدو أوضح ، بمجرد ما نقرأه بواسطة هذا التعريف . ذلك أن العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية ليست من العلائق البسيطة بل هي فعلا :
ـ " منظومة من العلاقات " ، وليست مجرد علاقة بسيطة وحيدة الاتجاه : العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية قائمة في آن واحد : بين طرف وطرف آخر داخل الدول المصنعة ، وداخل الدول النامية ، وبين هذه الدول وتلك …
ـ " تنسجها داخل فكر معين " : فكر فرد وفكر جماعة وفكر أمة الخ . هذه العلاقة علاقة موضوعية فعلا ، لها وجود في الواقع ، ولكنها لا تتشكل منها إشكالية إلا بعد نقلها إلى الذهن بوصفها تطرح إشكالا قد يتمثل في كون العولمة تقفز على الهوية أو تلغيها ، فيترتب عن ذلك رد فعل معين … وقد يتمثل في شيء آخر !
- مشاكل عديدة مترابطة ، منها ما يخص ظاهرة العولمة نفسها ، ومنها ما يخص مسألة الهوية ، ومنها ما يخص العلاقة بينهما : مشاكل اقتصادية وتكنولوجية ومعلوماتية وثقافية وحضارية عامة .
ـ هذه المشاكل " لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل ، - من الناحية النظرية- إلا في إطار حل عام يشملها جميعا " . وسنرى أنه سواء تعلق الأمر بالعالم " المتقدم " أو بالعالم " المتخلف" فلا يمكننا حل المشاكل التي تطرحها العولمة دون الاصطدام بمسألة الهوية ، كما لا يمكن التفكير اليوم في مسألة الهوية بدون الاصطدام بظاهرة العولمة ، وفي جميع الأحوال سيكون الحل الذي نتوصل إليه حلا على الصعيد النظري . أما الناحية العملية فشيء آخر.
ـ ومن هنا تبدو إشكالية العولمة ومسألة الهوية بمثابة " النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها ، فهي توتر ونزوع نحو النظرية ، أي نحو الاستقرار الفكري " .
والحق أننا هنا لا نطمع ، ويجب أن لا نطمع ، في حل نهائي لهذه الإشكالية . كل ما يمكن أن نحصل عليه بعد البحث هو شيء من " الاستقرار الفكري " ، شيء من المصالحة داخل وعينا بين عناصر متصارعة .
لقد قلنا في الفرق بين المشكلة والإشكالية ، وسيكون علينا أن نقول في الفرق بين البحث العلمي والخطاب الإيديولوجي .





انتهى : المصدر المجلة الالكترونية فكر ونقد


=========


>>>> الرد الثالث :

شكرا لك .هدا ما يحتاجه شبابنا اليوم ليستيقضوا من سباتهم
ويسترجعوا قليلا من هويتهم الثقافية الاسلامية.في ظل عصر العولمة.
جزاك الله الجنة

=========


>>>> الرد الرابع :

بارك الله فيكم وجزاكم ألف خير




و هذه ..هديتي اليك اخي..خليفة...يكفي نسخ ثم لصق و انت تشارك بموضوعاتك القيمية....بارك الله فيك..وفي ما تختاره لنا من افكار و تصورات عميقة اصيلة
...و التي...يستفيد منها الاساتذة قبل التلاميذ


























=========


>>>> الرد الخامس :

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نور الشرق
شكرا لك .هدا ما يحتاجه شبابنا اليوم ليستيقضوا من سباتهم
ويسترجعوا قليلا من هويتهم الثقافية الاسلامية.في ظل عصر العولمة.
جزاك الله الجنة

اسعدني جدا مرورك

جزاك الله خير

=========


شكرا لك اخي الكريم tercha على هديتك

اسعدني مرورك