عنوان الموضوع : انتخابات الجزائر والأفق المسدود اخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب

تقتضي قواعد الديمقراطية وآلياتها أن تحثّ الأحزاب والقوائم الحرّة الناخبين على المشاركة المكثّفة في الانتخابات وإعطائها أصواتهم ، كما تقتضي تلك القواعد والآليات أن للأطراف السياسية المعترف بها قانونيا و المقاطعة لسبب أو لآخر لتلك الانتخابات أن تطرح وجهة نظرها وتحاول إقناع الرأي العام بها ، وهو المعمول به في الدول الراسخة الأقدام في التجربة الديمقراطية ، وتبقى كلمة الفصل لصناديق الاقتراع الشفّافة، لكنّ الممارسة السياسية في جزائر التعددية تتميّز بأمرين غريبين على الديمقراطية، يتمثّل الأول في " إلغاء " دعاة المقاطعة ولو كانوا من الأحزاب المعتمَدة وعدم تمكينهم من الحضور السياسي والاعلامي ووصف موقفهم بأبشع النعوت رغم أنه موقف يدخل تحت أحكام الحريات والحقوق الدستورية في التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية ، أمّا الأمر الثاني فهو " تهديد " الناخبين بالعواقب الوخيمة على البلد والدولة والمجتمع إذا اختاروا عدم التصويت

وهكذا سمعنا الرئيس نفسه يلوّح بتدخّل حلف شمال الأطلسي في حال مقاطعة الأغلبية لانتخابات 10 ماي ، ليضيف الوزير الأول لمسة أخرى للمشهد عندما ربط المقاطعة بعودة عهد القتل والتخريب، وربنا نتفهّم التخوّف الرسمي من المقاطعة التي تلوح بوادرها بكلّ وضوح – إن لم يكن هذا التخوّف مجرّد تكتيك ليخلو الجوّ للحسابات المعدّة سلفا - ،
فالنظام كان يبشّر بدخول الجزائر عصر الاصلاح عبر مبادراته هو، أي بعيدا عن الربيع العربي، فلا يمكنه تفسير عزوف الناخبين عن مراكز التصويب سوى بعدم ثقتهم في مشاريعه ومخططاته مما يبقي أبواب المستقبل مفتوحة على كلّ الاحتمالات، أقول إني أتفهّم توجّس نظام الحكم من المقاطعة وسعيه إلى شحذ همم الجزائريّين ودفعهم إلى التصويت – وإن كان الشعب الجزائري لا يتوقّع إطلاقا تدخّل الحلف الأطلسي ولا يخشاه بقدر ما يخاف البطالة وأزمة السكن والفساد المستشري وغياب العدالة وانتشار ظاهرة الانتحار والانحلال الخلقي وغيرها من الآفات التي تخنقه يوميا رغم الارتفاع المطّرد لسعر البترول ورغم مشروعات الإصلاح المتنوّعة التي تعلن عنها السلطة الحاكمة منذ أمد بعيد ولا يلمس لها المواطن أيّ أثر في حياته اليومية - لكن الذي صعب عليّ فهمه وهضمه هو أن ينبري " رجل دين " للدخول على خطّ الانتخابات بإصدار فتوى تخيّر الجزائريّين بين التصويت الجماعي يوم 10 ماي أو انتظار تدخّل قوات النيتو ...
ما هذا؟ هل يحسب الشيخ شمس الدين بوروبي أنّ استنساخ كلام رئيس الدولة وإخراجه في شكل فتوى دينية سيُعطي هذا الكلام وزنا ويجعل قلوب الناس ترتعش من التدخل العسكري الغربي فيهبّون إلى التصويت الكثيف على بقاء النظام الحاكم ؟
على من تنطلي هذه السذاجة؟
لو أورد الشيخ هذا الخيار كموقف شخصي لاحترمنا رأيه كما نحترم آراء غيره لكنّنا نرفض هذا الاستعمال الفجّ للتأصيل الديني في الانبطاح امام النظام الحاكم وإقحام الشريعة في تأييد موقف سياسي يحتمل الأخذ والردّ ،
والحقيقة أني أظنّ أن هذه الفتوى ستعود على من طلبها من الشيخ – أو أمره بإصدارها ؟ - بنتائج عكسية، فالشعب يتقزّز من الفتاوى تحت الطلب ، وقد رأى المنتفضين في بلاد عربية شتّى لا يُلقون بالا للفتاوى التي أغرق بها علماء السلاطين الساحة ، يحرّمون فيها " الخروج على الحاكم " كما يحرّمون جميع أشكال التعبير الجماعي كالمظاهرات والاعتصامات مهما كانت سلمية لأنّ ذلك " بدعة منكرة ورجس من عمل الشيطان" ،هل التفت الشارع المسلم في تونس ومصر وليبا واليمن وسوريا لهذه الفتاوى الهزيلة؟
ألم تخرج الجماهير عن بكرة أبيها تعبّر عن إرادة التغيير والحرية والكرامة والعدل رغم وعيد " رجال الدين" الرسميّين لها بالويل والثبور؟
إنّ مثل هذه الفتاوى لن تغيّر قناعة الشعب أبدا بل ستزيده إصرارا وعنادا على موقفه الرافض للانخراط في عملية انتخابية روتينية ليس وراءها طائل، وإنّما يحزّ في النفس هذا الاستغلال السياسوي للدين ورموزه، بينما نلاحظ غياب هذه الأصوات عن ساحات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يتّصل بالاستبداد والفساد المالي وتزوير الانتخابات وتعديل الدستور لإطالة عهدة الحاكم ، أنا لم أقرأ فتوى للشيخ بوروبي في هذه الموضوعات رغم خطورتها، وهي التي ننتظر فيها ارتفاع صوت العلماء بالنكير، أهكذا يهون الدين والعلم ويدخل الشيوخ تحت عباءة السياسيّين "لوجه الله"؟
لقد بادر وزير الشؤون الدينية منذ مدّة إلى حثّ أئمّة المساجد على الانخراط القوي في تأييد المشاركة في الاقتراع عبر دروسهم وخطب الجمعة، وتساءل المراقبون كيف يستقيم هذا والدولة تمنع المساجد من أيّ توجّه سياسي ،وتفرض عليها رقابة صارمة حتى تبقى فقط " أماكن عبادة" ؟ فلماذا تسمح السلطة لنفسها بالدعاية في المساجد وتمنع ذلك عن غيرها؟
إنّ هذا التوظيف الانتقائي للدين لن يفيد النظام أبدا لكنّه يعود بالضرر على الاسلام وعلمائه إذا انخرطوا في مثل هذا المسعى، فيا ليتهم إذ لم ينطقوا بالحق سكتوا عن قول الباطل.

إنّ الذي يمكن أن يُغري الجزائريّين بالمشاركة المكثّفة في الانتخابات هو إفضاؤها إلى تغيير السياسات لا مجرّد تغيير الحكومات والأشخاص، فكيف وقد جرّبوا اكثر من مرّة تغيير الرؤساء و" العهود " من غير ان تتغيّر الحكومات ولا الأشخاص؟
ما الذي تغيّر منذ بادرت السلطة إلى تبنّي مطالب التغيير قبل سنة من الزمن لسحب البساط تحت دعاة الربيع العربي في الجزائر ؟
إنّه فقط اعتماد عدد لا يكاد يُحصى من الأحزاب التي لا برامج لها ولا قوة ولا تأثير، ليؤدي ذلك إلى تفتيت الأصوات لصالح أحزاب السلطة المتمرسّة في الانتخابات " الحرّة والنزيهة " منذ الاستقلال وخاصّة منذ رئاسيات 1995،

والحقيقة أنّ غياب البرامج البديلة ليس سمة النظام الحاكم وحده بل هو قاسم مشترك مع الأغلبية الساحقة من الأحزاب التي تسوّق جميعها نفس الوعود والكلام الأدبي المجتر لعلمها انّ المشكلة لا تكمن في البرامج إطلاقا ولكن في فرص تطبيقها المنعدمة في ظلّ سلطة تخلف نفسها باستمرار بشتّى الوسائل، وهذه حقيقة فهمها كلّ الناس ما عدا الأطراف المشاركة في العملية الانتخابية التي تبشّر بالقطيعة والتجديد والتغيير وهي تعلم - أو ينبغي ان تعلم - أنّها لن تُحرز في أحسن الحوال سوى على مقاعد جانبية لا تقدّم ولا تِؤخّر في مشهد متكرّر منذ أمد بعيد تظلّله دعاوى الإصلاح، وما زلنا نتذكّر أن رئيس الدولة قد استهلّ حكمه في 1999 بحملة ضخمة من لجان الاصلاح انكبّت على التربية والعدالة والصحة، بل وشكّل لجنة مهمتها " إصلاح الدولة " ، فماذا كانت النتيجة؟ بقيت الأوضاع على حالها بل زادت تفاقما كما لا يخفى على مراقب منصف، لأن هذ الكمّ الهائل من اللجان لا يُحدث بالضورة التغيير، بل علّمتنا التجارب السياسية عبر الزمان والمكان ان تشكيل اللجان هو احسن طريقة لإماتة القضايا.

إنّ الجزائريّين في حاجة إلى ثقافة مجتمعية جديدة ملؤها الصدق والاخلاص والتفاني في خدمة الصالح العام والبناء العميق لإقامة نظام المؤسسات بدل تغيير الوجوه، وهذا يحتاج إلى إعادة إنتاج الثقة في الدولة ومكوّناتها والاحتكام إلى القانون، وما لم ير الشعب توجّها صادقا إلى هذا المنحى فإنه لن ينقاد لأية جهة،
كما يخطئ من يدعو الجزائريّين إلى انتفاضة عارمة مثل ما حدث في بلدان الربيع العربي لأن الجزائريين سئموا الموت والدموع والخراب، وأخذوا مع الأسف النصيب الأوفى من ذلك منذ أكتوبر 1988،
فبقي أن تنزل قوى التغيير بقوة إليهم تُعيد تأسيس الفكر النضالي وتحيي الثقة في النفوس وتُبرهن على صدقها في الواقع، فهذا أفضل من إهدار الطاقات في عملية فوقية يحاور فيها النظام نفسه وتحرق فيها قوى التغيير أوراقها من أجل تمثيل باهت في غرفة تسجيل أثبتت الف مرّة انها جسم فارغ يصلح للعمل الدعائي وإعطاء المصداقية لديمقراطية الواجهة وتجديد الدماء في جسم السلطة التنفيذية بعيدا عن هموم الشعب وطموحاته وبعيدا عن وعود الحملات الانتخابية، والشعب لا ينسى ولا يلدغ من نفس الجحر مرّة تلو الخرى.

هل هذا الكلام تثبيط وبثّ لبذور اليأس؟
لا أبدا، فالشعب مثبّط أصلا وقد أصابه اليأس منذ زمن ولم يعد يؤمن بالقبوع في قاعة الانتظار حتى يأتي المخلّص، لذلك يحسن بدعاة القطيعة والتغيير أن يتركوا الحلول المعلّبة فوقيا وينزلوا إلى الأمّة يحاورونها ويستخلصون مشروعا واقعيا يعتمد على الوعي والتحرّك الدعوي والسياسي والاعلامي والجواري بنفَس طويل وصبر وثبات إلى حين تتبلور قاعدة صلبة تحلّ محلّ النظام القائم عبر آليات التغيير الحضاري المنسجم مع السنن وقوانين النفس والمجتمع، بهذا يمكنهم استرجاع ثقة الشعب والانطلاق في إعادة بناء الدولة .


عبد العزيز كحيل


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :