عنوان الموضوع : حزيرانات الربيع العربي اخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب

حزيرانات الربيع العربي
احمد عبد الحق
\12q-0.htm



لم يكن بشار الاسد قد بلغ الفطام بعد، عندما كان صوت احمد سعيد يصم آذاننا وهو يلعلع ويزمجر عبر اثير 'صوت العرب' ممنيا اسماك المتوسط بوجبة دسمة من جثث الاعداء، الذين ستلقيهم جحافل الجيوش العربية الى قلب البحر. ولان 'لا صوت يعلو فوق صوت المعركة'، فقد بلعنا طُعم حزيران وزغردنا لقتلانا الذين احتسبناهم 'احياء عند ربهم يرزقون'. صفقنا للمهزومين وقبّلنا الارض تحت اقدامهم، ادخلناهم الى مخادع نسائنا وسبّحنا بحمدهم آناء الليل واطراف النهار. غدت الحرية، في زمن الصمود والتصدي، ترفا والفقر مطلبا، ولم تجد العدالة مكانا لها في قاموس النضال .
وكان بشار الاسد لم يزل صبيا غضا عندما انكسرت رماح تشرين وخبا بريق النصر وبهت وهج التحرير. لكن الحرب لم تنته، او هكذا قيل لنا. ولما كان صوت المعركة هو الصوت الذي لا صوت يعلو عليه، فقد خفتت كل الاصوات . فطوال عقود اربعة كتم 'الصمود' انفاسنا وجثم 'التصدي' على صدورنا. كل الاصوات نشاز الاّ صوت المعركة، نسمع لها قعقعة ولا نرى طحنا، وباسم الممانعة حُرمنا لقمة العيش وتحت عنوان المقاومة انتُهكت حرماتنا واستُبيحت اعراضنا واغتيل البريق في عيون اطفالنا، ودفاعا عن آخر قلاع الصمود العربي تعايشنا مع البطالة والفقر وكبت الحريات ورفعنا عقيرتنا بالهتاف الازلي 'لا صوت فوق صوت المعركة'.
كان يمكن لصفحات حزيران وتشرين ان تطوى الى الابد، لو خرجت سورية من عتمة التفرد والظلم الى فضاء الحرية والعدالة. وبدت الفرصة سانحة اثر وفاة الاسد الاب، وبدأت بعض ملامح التغيير تظهر تدريجيا، فقد استطاع الاسد الابن، طبيب العيون العائد من لندن والمتسلح بقبول شعبي لتولي سدة الرئاسة، ان يتجاوز غصة التوريث في بلد من المفترض ان تحكمه الايديولوجيا لا العائلة، فاعاد ترتيب البيت الداخلي بفاتورة دفعها خدام، وحاز ثقة الممولين فنجح في استقطاب استثمارات خدماتية وصناعية غير مسبوقة، وبدا ان الحرس القديم يفشل في محاولة منع البلاد من اللحاق بمركب الحداثة والعصرنة، وظهرت صور الرئيس على الاغلفة المصقولة للمجلات الاوروبية شابا وسيما وقريبا من القلب. اما سياسيا فقد تمكن من الوقوف في وجه الهزات اللبنانية المتعاقبة وزلازل الوضع الاقليمي المتقلب. وغدت دمشق رقما صعبا، ومزارا يُحج اليها ولا تحج لاحد، فبالاضافة الى ساسة لبنان ورجالاتها، تقاطر اليها الفاعلون في السياسة الاقليمية من حوزات ايران الى انفاق غزة الى مآذن اسطنبول. وعلى مدى عشرة اعوام ظلت عاصمة الامويين ساكنة مطمئنة الى ان هبت الرياح البوعزيزية في قلب حوران واجتاحت طول البلاد وعرضها لتشكل، وللمرة الاولى، تحديا حقيقيا بدا وكأنه مفاجأة غير متوقعة.
كانت مظاهرات درعا، ابتداء، حراكا مطلبيا مسالما يمكن الاستجابة اليه عبر سلسلة من الاجراءات الفاعلة والمقنعة والحاسمة الكفيلة بوضع الاصلاح السياسي والاقتصادي موضع التنفيذ. لكن التعامل الرسمي مع هذا الحراك السلمي وقع في العديد من المطبات، اولها اغفاله لديناميكية العصر، واعتماده، في هذا المجال، مسلكا مثيرا للشفقة، فقد تميز الاداء الرسمي بالبطء الشديد والاستخفاف غير المفهوم بهموم الناس. وللتدليل على ذلك فقد احتاج المرسوم الرئاسي بالغاء حــالة الطوارئ الى اكثر من شهر ليوقعه رئيس الجمهورية، في زمن استطاع فيه متظاهرو ميدان التحرير الاطاحة بحســـني مبارك في غضون ثلاثة اسابيع.
وثاني هذه المطبات تمسّك السلطات السورية بخطاب اعلامي بائس يتكئ اولا، على مقولة ان سورية ليست تونس او مصر وهو ادعاء يفتقر الى ابسط مقومات الحقيقة بغياب البرهان والدليل. ويلجأ ثانيا، الى مقولة المؤامرة والعدو الخارجي، مستثمرا الدور القومي لسورية. وهذا الخطاب الموروث استخرج من علب التبريد العائدة لعصر الستينات من القرن الماضي ولم يعد احد مضطرا الى الاصغاء لهذا الهذر في زمن العولمة وسيطرة التكنولوجيا. ويعمد ثالثا، الى تجنيد العديد من رموز الاعلام والفن والادب والشخصيات المعروفة للدفاع عن النظام واجهزته والتنديد بكل من تسول له نفسه الحديث عن الفساد وغياب الحريات وسيطرة الفرد.
اما ثالثة الاثافي فهي لجوء السلطة الى العنف في تعاملها مع الاحتجاجات السلمية. فالاحصائيات المتحفظة تشير الى سقوط اكثر من ثمانمئة شهيد منذ اندلاع الانتفاضة قبل ثمانية اسابيع، وتظهر اشرطة مرئية مسجلة، تمكن مستخدمو الشبكة العنكبوتية من تحميلها، لقطات بشعة تقشعر لها الابدان. ولا يمكن تبرير هذه الدموية تحت اي عنوان.
لم تفلح سنوات لندن وجامعاتها في تليين عقلية الفرد الموروثة. وفشلت ثورة الاتصالات في تغيير المفهوم السائد للاعلام. لا زلنا نهتف لظل الله في الارض، ونعطل شريان الحياة بانتظار معركة تأتي ولا تأتي وكأن المقاومة والصمود صنوان للفساد والقمع والظلم .
الغيورون على قلب العروبة النابض، لا يريدون لمسرح دمشق سيناريوهات لبنانية ولا فصولا ليبية أو نهايات عراقية. الغيورون على سورية ينحازون للعروبة والممانعة وفلسطين، ويتصدون لمحاولة كسر شوكة المقاومة والصمود، ولكن انحيازهم الاول والاخير لا يكون الا للحرية والعدالة، وليس في الانحيازين تعارض. فمعركة المستعبَدين هزيمة ومعركة الاحرار انتصار.

' كاتب اردني


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :