عنوان الموضوع : شهادة تاريخية تبرء الاتراك وتدين الارمن مدفونة في أضابير قسم الوثائق الأمريكية اخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب
هذه الشهادة عبارة عن تقرير لرجلين لم يكونا متعاطفين مع العثمانيين المسلمين بل كانا متعصبين للأرمن وجاءا إلى المنطقة على خلفية جاهزة سلفاً أن الأرمن شعب مستضعف ارتكب المسلمون مجازر جماعية بحقه حسب المعلومات المستقاة من وسائل الإعلام الغربية المضللة!، ومن المبشرين البروتستانت الأمريكيين الذين لم يكونوا جديرين بالثقة كلياً كشهود على معاناة المسلمين حيث كانوا بارعين في تدوين أعمال ضد الأرمن بتفصيل كبير، ولم يكونوا كذلك في تدوين أعمال عنف ضد المسلمين كما ذكر ذلك بعض المؤرخين! فمن هما هذان الشاهدان اللذان رجع إلى أميركا بغير الوجه الذي ذهبا به إلى شرقي الأناضول؟
إنهما النقيب إموري نيلز Emory Noles، وآرثر سذرلاند Arthur Sutherland حيث أمرتهما حكومة الولايات المتحدة الأمريكية باستقصاء الوضع في شرقي الأناضول. ونزل منطقة الأناضول وتجولا في جميع أنحاء المنطقة وسمعا شهادة الطرفين وفوجئا بحجم التزوير والتلفيق الذي اقترفه الأرمن وصعقا من هول معاناة المسلمين ومن الجرائم الفظيعة التي ارتكبها الأرمن بحق المسلمين! ولما لم يرق التقرير الحكومة الأمريكية تم استبعاده، ولهذا السبب لم يضمن تقريرهما وثائق لجنة التحقيق الأمريكية ومن فضل الله تعالى أنها لم تتلف بل كانت مخبأة ومدفونة في مواضيع لها صلة بملف الحرب العالمية الأولى في شرقي الأناضول! وقد قام كارثي بنشر هذا التقرير عام 1994م ثم نشره في كتابه (المسلمون والأقليات)! وأعاد نشره في كتابه (الطرد والإبادة) ولله الحمد والمنة!
أما عن تقرير (نايلز وسذرلاند):
جاء في تقريرهما: "المنطقة الممتدة من (بتليس) عبر (وان) إلى (بايزيد) أُخبرنا بأن الضرر والتدمير في كل هذه المنطقة كانا من فعل الأرمن الذين استمروا في احتلال البلد بعد أن انسحب الروس، والذين دمروا كل شئ يخص المسلمين مع تقدم الجيش التركي. علاوة على ذلك، اتُهم الأرمن بارتكاب أعمال قتل واغتصاب وإحراق عمد للممتلكات وأعمال وحشية رهيبة من كل وصف ضد السكان الأصليين. كنا في البداية في ريب كبير بشأن تلك الروايات، لكننا توصلنا في النهاية إلى تصديقها، لأن الشهادات كانت بالإجماع بكل ما في الكلمة من معنى وجرى تأييدها بالأدلة المادية. على سبيل المثال كانت الأحياء الوحيدة التي ظلت سليمة في مدينتي بتليس ووان أحياءً أرمينية، كما كان جلياً من الكنائس والكتابات على البيوت، بينما كانت الأحياء المسلمة مدمرة على نحو كامل. لا تزال القرى التي قيل إنها كانت أرمينية قائمة، بينما كانت القرى المسلمة مدمرة كاملة" أهـ (مكارثي: الطرد والإبادة ص250).
وجاء في تقريرهما أيضاً:
"إن الوضع العرقي في هذه المنطقة [بايزيد-أرضروم] متفاقم بشدة بسبب قرب جبهة أرمينية التي يأتي اللاجئون منها بروايات عن مجازر ووحشية وفظاعات ترتكبها الحكومة الأرمينية والجيش والشعب ضد السكان المسلمين. ومع أن بضع مئات من الأرمن يعيشون فعلاً في إقليم (وان)، إلا أنه من المستحيل أن يستطيع الأرمن العيش في المناطق الريفية لإقليم أرضروم، حيث يبدي الجميع ذروة الكراهية لهم. وهنا أيضاً خرب الأرمن القرى قبل أن ينسحبوا وارتكبوا المجازر وكل أنواع الأعمال الوحشية ضد المسلمين، وأعمال الأرمن هذه على الجانب الآخر من الجبهة تُبقي الكراهية للأرمن حية ومؤثرة، كراهية تبدو أنها على الأقل تُرغي وتُزبد في منطقة (وان). أكّد على وجود فوضى وجرائم في أرمينية لاجئون من جميع مناطق أرمينية وضباط بريطانيون في أرضروم" أهـ (مكارثي: ص251).
وقدم نايلز وسذرلاند في تقريرهما إحصائية؛ تعداد القرى والبيوت المسلمة الناجية من جحيم الحرب حول مدينتي (وان) و (بتليس) فقط وعلى سبيل المثال حيث أثبت أن الأرمن دمروا أكثر بيوت المسلمين ولم يبق أي أثر لجميع المباني والمنشآت الدينية الإسلامية! كما هو موضح في الجدول التالي:
الدمار في مدينتي وان وبتليس
مدينة وان قبل الحرب بعد الحرب 1919
منازل المسلمين 3400 3
منازل الأرمن 3100 1170
مدينة بتليس قبل الحرب بعد الحرب 1919
منازل المسلمين 6500 لا شئ
منازل الأرمن 1500 1000
أما عن القرى في إقليم وان وسنجق وبايزيد قبل الحرب والاحتلال الأرمني وبعدهما فجاء في إحصائية نايلز وسذرلاند: أن تعداد منازل المسلمين قبل الحرب في قرى إقليم وان كان (1373) منزلاً وانخفض بعد الحرب في 1919م إلى 350 منزلاً!! بينما كانت منازل الأرمن 112 منزلاً قبل الحرب فزادت بعد الحرب إلى 200 منزلاً! وفي قرى إقليم بايزيد كان عدد منازل المسلمين قبل الحرب 448 منزلاً صارت بعد الحرب في عام 1919م 243 منزلاً! بينما منازل الأرمن كانت قبل الحرب 33 منزلاً ظلت كما هي بعد الحرب 33 منزلاً!
وقد لخص نايلز وسذرلاند تاريخ مسلمي شرق الأناضول بدقة في ختام تقريرهما:
"ومع أنها لا تقع ضمن مجال تحقيقنا تماماً، إلا أن إحدى أبرز الحقائق التي أثرت فينا في كل بقعة من بتليس إلى طربزون هي أن الأرمن ارتكبوا ضد الأتراك في المنطقة التي اجتزناها كل أنواع الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الأتراك في مناطق أخرى ضد الأرمن. كنا نشك في البداية إلى حد بعيد بالروايات التي أخبرنا بها، لكن إجماع الشهود جميعهم، واللهفة الجلية التي تحدثوا بها عن الأعمال الشريرة التي ارتكبها الأتراك في مناطق أخرى ضد الأرمن. كنا نشك في البداية إلى حد بعيد بالروايات التي أخبرنا بها، لكن إجماع الشهود جميعهم، واللهفة الجلية التي تحدثوا بها عن الأعمال الشريرة التي ارتكبت بحقهم، وكراهيتهم الواضحة للأرمن، والأقوى من ذلك كله الأدلة المادية على الأرض نفسها، جعلنا نقتنع بصحة الحقائق على نحو عام، أولاً إن الأرمن قتلوا مسلمين على نطاق واسع وبتفنن كثير في أسلوب الوحشية، وثانياً إن الأرمن مسؤولون عن أكثر التدمير للمدن والقرى. احتل الروس والأرمن البلاد فترة طويلة في عام 1915م وعام 1916م ويبدو أنه خلال تلك الفترة كانت الفوضى محدودة، مع أن الروس من غير ريب تسببوا بأضرار. في عام 1917م انحل الجيش الروسي تاركاً السلطة في أيدي الأرمن وحدهم. في تلك الفترة طافت على البلاد عصابات من الجيش الأرمني فنهبت وقتلت السكان المدنيين المسلمين. حين زحف الجيش التركي إلى أرزجان وأرضروم ووان، تفكك الجيش الأرمني وارتكب جميع الجنود النظاميين وغير النظاميين على تدمير ممتلكات المسلمين وارتكاب الأعمال الوحشية ضد السكان المسلمين. كانت النتيجة بلداً مدمراً كاملاً يحتوي على ربع عدد سكانه السابقين وثُمن مبانيه السابقة، وكراهية مريرة إلى حد بعيد من المسلمين للأرمن، ما يجعل عيش هذين العنصرين معاً مستحيلاً في الوقت الحاضر. أعلن المسلمون أنهم إذا أجبروا على العيش في ظل حكومة أرمينية فإنهم سيقاتلون، ويبدو لنا أنهم ربما ينفذون هذا التهديد. يشاركنا في هذا الرأي الضباط الأتراك والبريطانيون والأمريكيون الذين قابلناهم" أهـ (مكارثي: ص253، ص254).
هذه مجرد شهادة عن المجازر التي ارتكبها الأرمن ضد المسلمين خلال الحرب العالمية الأولى من 1914م إلى 1918م في إقليمي (وان) و(بتليس) شرق الأناضول فما بالنا لو تكلمنا عن نقصان عدد السكان المسلمين في الأقاليم العثمانية الشرقية مجتمعة مثل أرضروم وبتليس وديار بكر ومعمورة العزيز وسيواس وحلب وأطنة طرابزون من عام 1912م إلى عام 1922م سنجد أن أكثر 62% من مسلمي إقليم (وان) قد فقدوا! وفقد 42% من مسلمي بتليس، وفقد 31% من مسلمي أرضروم!! وأكثر من 60% قد فقدوا من مسلمي القفقاس!! أما في أقاليم غربي الأناضول مثل آيدين، وخداوندكار، وبيغا، وإذميد.. حيث قام الحلفاء بطرد اللاجئين الأتراك من البلقان التي كانوا يقيمون فيها وأعطوا ممتلكاتهم إلى اليونانيين! وتركوهم من دون مأوى! في أكبر سرقة جماعية علانية في التاريخ!! لقد كانت جريمة قتل عمد جماعي مع سبق الإصرار والترصد ضد المسلمين في القفقاس والأناضول والبلقان بمباركة قوى الاستكبار العالمي في تلك الحقبة الكئيبة والنهاية المأساوية للخلافة العثمانية التي ظلت شمسها تشرق في سماء العالم على مدار ستة قرون!!
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
(المشروع البريطاني لتأسيس المملكة العربية السعودية)
(المشروع البريطاني لتأسيس المملكة العربية السعودية)
بقلم د حاكم المطيري
شكرا اليك د حاكم المطيري
نجحت بريطانيا في إقامة المملكة العربية السعودية كمشروع تجزئة على أنقاض مشروع الشريف حسين وثورته العربية في مكة التي وعدته بريطانيا أن تقيم له مقابل وقوفه معها ضد الخلافة العثمانية (المملكة العربية المتحدة)التي تضم جزيرة العرب والعراق والشام، وهو ما رأت بريطانيا خطورة تحقيقه بعد سقوط الخلافة العثمانية، فكان مشروع (المملكة العربية السعودية) البديل البريطاني لمشروع (المملكة العربية المتحدة) لتقسيم المنطقة وتسهيل مهمة السيطرة عليها والتحكم بها!
لقد دعمت بريطانيا ابن سعود - الذي خرج من الكويت بعد أن أصبحت تحت الحماية البريطانية المباشرة، وبدعم كامل من بريطانيا ماديا وعسكريا عن طريق مبارك الصباح الذي التزم بموجب معاهدة الحماية أن يلتزم في شئونه الخارجية بالسياسة البريطانية - وقد كان عبد العزيز (ينظر إلى شبه الجزيرة بكاملها باعتبارها من الممتلكات السابقة لعائلته، وأنه يتحتم عليه استعادة كل هذه الأملاك، وقد أوضح ابن سعود هذه الحقيقة للريحاني عندما قال: لا نطلب غير ما كان لآبائنا وأجدادنا قبلنا، ليعلم ذلك أصحابنا الإنجليز وليعلم ذلك الشريف وأولاده)[1].
وفي الوقت الذي يؤمن ابن سعود بأن نجدا ملك له فقد(كان البدو - كما يقول جون س - لا ينتمون إلا إلى أنفسهم، كما كانت الصحراء بكاملها موطنا لهم ... فلم يكن لهم موطن أو أرض) [2].
لقد كانت بريطانيا (تراقب تلك القوة الجديدة، وفي الوقت ذاته تساعدها سرا عن طريق الكويت، لكونها الحليف غير المباشر لبريطانيا ضد الأتراك، وكان ابن سعود بدوره يخطب ود الإنجليز ويرسل لهم في نفس الفترة - سنة 1906 - مبعوثا من قبله للتفاوض مع الكابتن بريد وكس المعتمد السياسي في البحرين، طالبا مساعدة بريطانيا للتخلص من الأتراك في الإحساء، ومؤكدا رغبته في عقد معاهدة معهم، وعلى تواجد معتمد إنجليزي في الإحساء والقطيف)، وقد توقعت بريطانيا بأن ابن سعود سيواجه القراصنة في الخليج العربي، وسيساعد بريطانيا على التخلص منهم[3].
ولهذا لجأ ابن سعود بعد قيام حركة الأخوان النجدية الجديدة إلى تقدمها وقيادتها (بصفته زعيما دينيا(إماما) وبصفته أيضا سلطانا).[4]
ولا يمكن التوفيق بين هاتين النظريتين بل العقيدتين - عقيدة ابن سعود من جهة، حيث يؤمن بأن الأرض ملك له ورثها عن آبائه وأجداده، وعقيدة عرب الصحراء من جهة أخرى الذين يؤمنون بأن الصحراء كلها وطن لهم لا يمنعهم منها أحد - إلا بإعادة طرح مفهوم الإمامة الدينية التي تسمح بتحقيق هدف ابن سعود باستعادة ملك آبائه من خلال عرب الصحراء أنفسهم الذين يؤمنون بأن الأرض لهم!
ظهور حركة الأخوان في نجد:
لقد انبعثت الحركة الدينية الجديدة في نجد على يد الشيخ عبد الكريم المغربي الذي كان من كبار علماء البصرة في حضرة شيخ المنتفق فالح السعدون، وبعده صار مع الشيخ مزعل السعدون، ثم رحل إلى نجد وكان متأثرا بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقام بإحيائها من جديد بعد أن استقر بالأرطاوية - قبل أن تصبح هجرة رئيسية من هجر الأخوان بعد ذلك - ونشر دعوته في حدود سنة 1899م، وبالتأكيد - كما يقول دكسون - لم يكن لابن سعود - ولا لعلماء نجد - أي يد في ظهور هذه الحركة، ولم يلتفت إليها ابن سعود إلا بعد أن احتل الإحساء سنة 1913م[5].
أي أن ظهور حركة الأخوان وانبعاثها من جديد كان قبل خروج ابن سعود من الكويت واحتلال الرياض، فلم يكن له ولا للوهابيين في نجد دور في إحيائها، بل كان مجددها هو الشيخ عبد الكريم المغربي الأصل البصري البلد!
ولا يبعد أن يكون السلطان عبد الحميد قد أوعز للسعدون بذلك، إذ كان مشروعه للجامعة الإسلامية، وحركة الإحياء الديني، قد بدأ في هذه الفترة تقريبا، وكان يولي عناية بإحياء الدعوة الدينية في كل إقليم بحسب مذهب كل بلد، وهو ما أشارت له بعض التقارير البريطانية كما سيأتي!
لقد قدر لحركة الأخوان هذه كما يقول فرومكين (أن تغير طبيعة الأمور السياسية في شبه الجزيرة العربية لمصلحة ابن سعود، فقد بدأ رجال القبائل يبيعون جمالهم وممتلكاتهم، كي يستقروا في تجمعات زراعية وتعاونية، ويعيشوا حياة دينية وهابية، وعلى الفور وضع ابن سعود نفسه على رأس هذه الحركة، التي وفرت له جيشا من البدو، أعظم المحاربين في شبه الجزيرة العربية، وأخذت تتقلص سلطة شيوخ كل قبيلة ضمن حركة الأخوان، ويتقلص معها الانفصال بين القبائل، بينما أخذت تنموا سلطة ابن سعود) [6].
لقد حاولت بريطانيا بعد ذلك معرفة كل تفاصيل حياة الأخوان الجدد، وأفكارهم، وغاياتهم (وفي الوقت الذي بدأت تتسرب فيه الأخبار عن حركة الأخوان، كانت هذه الأخبار قد تشوهت، إما عن طريق المبالغة في رواية هذه الأخبار، أو عن طريق تحريفها عن قصد، أو عن طريق التضليل)[7].
وقد قال عنهم دكسون نفسه:
(برغم ما كتب عن قسوة الأخوان ورعبهم لا بد أن أسجل الرأي الذي يقول إن كل ذلك كانت تجري المبالغة فيه بحذق وعناية خدمة لأهداف سياسية في ذلك الوقت، كنت أكن للأخوان دائما إعجابا حاقدا، ويحتمل أن يكون السبب في ذلك هو أن هناك سحرا عجيبا يحيط بهؤلاء الرجال الصادقين، المؤمنين بالله حقا، وأنا أعترف بأني ما تعرفت على أحد هؤلاء الأخوان حتى اكتشفت أن الفرق بينهم وبين الأنواع الطيبة من العرب البدو في الأماكن الأخرى يسير جدا)[8].
وهذا ما أكده الوكيل السياسي البريطاني في البحرين في تقرير رسمي بتاريخ 7/6/1920م عن الشائعات حول قتل الدويش للنساء والأطفال بعد معركة حمض بين مطير وابن صباح:
(أما فيما يتعلق بالروايات الواردة بشأن مقتل النساء والأطفال على يد مطير، فقد ظهر أنها كما كان متوقعا قصة لا أساس لها من الصحة مطلقا، والواقع أن امرأة وطفلين قتلا مصادفة برصاصة طائشة، وأنا شخصيا لم أصدق ما قيل عن وقوع مذبحة للنساء، فهذا أمر لا يفعله العرب مطلقا، وحتى في عملية نهب كربلاء سنة 1801م التي قام بها سعود الكبير، لم تمس امرأة واحدة وهذا أمر موثق رسميا) [9].
لقد بدأت حركة الأخوان في سنة 1898م تقريبا، وفي سنة 1912م ، وكما يقول جون س(نشأت أول هجرة في الأرطاوية، وبعدها بوقت قصير أنشئت الهجرة الثانية في الغطغط، وقد أدى شيوع صيت هاتين الهجرتين اللتين كانتا تسكنهما أقوى قبيلتين في نجد مطير وعتيبة إلى بدأ سباق قامت به قبائل نجد الأخرى ليكون لكل منها هجرته) [10].
وقد تحولت الأرطاوية في وقت قصير إلى مدينة يقطنها نحو 35000 نسمة من الأخوان وأسرهم[11].
وبقيام الأرطاوية في شمال شرق الرياض، والغطغط في الجنوب الغربي لها، كمدن عسكرية جهادية تؤمن بفكرة الأخوان العقائدية والسياسية التي تقوم على التوحيد المطلق دينيا وسياسيا، بتوحيد الدين لله، وتوحيد الأمة في دولة واحدة، حدثت التحولات الكبرى المعاصرة في تاريخ نجد والحجاز (فمن وجهة النظر السياسية العسكرية - كما يقول جون - فإن ذلك الالتزام من قبل فيصل الدويش، العدو التقليدي لعائلة الرشيد، قلل من أهمية قدرات ابن رشيد في مواجهة ابن سعود، والسبب في ذلك أن قبيلة مطير بدأت تضع ثقلها في مواجهة عاصمة بن رشيد في حائل، وبنفس الطريقة فإن قبيلة عتيبة تحت قيادة سلطان بن بجاد في الغطغط راحت تحمي الجناح الغربي من الهجمات التي يحتمل أن تأتي من الحجاز، هذان المركزان بحكم موقعهما الاستراتيجي، كانا بمثابة منارتين تصدر عنهما إشارات الصحوة الإسلامية مصحوبة بكل حماس الحركة العسكرية الفتية الناجحة... وخلال عقد ونصف من تأسيس أول هجرتين تم إنشاء ما يزيد عن مائتي هجرة) [12].
وقد بلغ عدد سكان تلك الهجر أربعين ألفا في هجر قبيلة مطير، وثلاثين ألفا في هجر قبيلة حرب، واثنين وعشرين ألفا في هجر قبيلة عتيبة، وخمسة عشر ألفا في هجر قبيلة العجمان، وكذا مثله في هجر قبيلة العوازم، وكذا بلغ عدد سكان هجر قبيلة شمر خمسة عشر ألف نسمة أيضا، وعشرة آلاف في هجر قبيلة المرة[13].
وبلغ عدد المقاتلين في هذه الهجر التي استوطنها الأخوان من كل قبيلة كما في تقارير جون س كالآتي :
قبيلة مطير نحو( 13000) مقاتل، وعتيبة نحو(12000)، وحرب نحو (10000)، وقحطان نحو( 8000 )، والعجمان نحو( 6000)، وشمر نحو (5000)، والعوازم( 4000)، ويام نحو( 4000)، والدواسر نحو(3000)، والمرة والهواجر نحو( 3000) [14].
وهذه أعداد المقاتلين من القبائل التي أمكن تقدير عدد مقاتليها، وهناك قبائل أخرى كان لها نشاط في هذه الحركة الفكرية ولها هجر خاصة بها كقبيلة السهول، وعنزة، والظفير، وسبيع، وبني خالد[15].
وقد قدرت قوات الأخوان في الجزيرة العربية في أوج قوتها بنحو ثلاثمائة ألف مقاتل[16].
وسيكون لهذه الحركة فيما بعد الدور الرئيسي في توحيد وسط الجزيرة العربية وضم المدن الرئيسية فيها، فقد نجح الدويش وقبيلة مطير في حصار حائل عاصمة ابن رشيد وضمها، وكذا نجح الدويش في محاصرة المدينة المنورة وانتزاعها من الشريف، كما نجح سلطان بن بجاد بقبيلة عتيبة في حصار مكة عاصمة الشريف وضمها.
وقد كان أول مشاركة للأخوان كقوة عسكرية مؤثرة في سنة 1914م في معركة جراب بين ابن سعود وابن رشيد، وكان ذلك أول ظهور لهم بشكل عسكري (الذي أدى بعد ذلك إلى تغيير ميزان القوى في شبه الجزيرة بأكملها) [17].
وقد كان أبرز زعماء الأخوان هم فيصل الدويش - أبرز شيوخ قبيلة مطير الذي كان بمثابة القائد العسكري الأعلى لهذه الحركة - وسلطان بن بجاد وهو أبرز شيوخ قبيلة عتيبة، ومحسن الفرم وهو من أبرز شيوخ قبيلة حرب، وضيدان بن حثلين أبرز شيوخ العجمان[18].
وفي الوقت نفسه وفي 26 كانون الأول عام 1915م كما يقول جاك بيربي (وقع عبد العزيز مع بريطانيا معاهدة مشابهة لتلك التي تربط كلا من البحرين والكويت بإنجلترا، وهو الأمر الذي يجهله على العموم، أو يغفل عن ذكره كثير من المؤرخين، إذ أنه مقابل مساعدة مالية شهرية قدرها خمسة آلاف جنيه إسترليني، اعترف سلطان نجد للبريطانيين بحق الإشراف على علاقاته الخارجية، وتعهد عبد العزيز بألا يتنازل عن أي شبر من أراضيه وألا يقيم علاقات مع أي دولة إلا بعد الحصول على موافقة الحكومة البريطانية على ذلك، وتعهدت بريطانيا من جانبها بحماية ابن سعود من كل اعتداء خارجي مهما كانت الظروف) [19].
التخوف البريطاني من حركة الأخوان :
وقد أبدى المسئولون البريطانيون تخوفهم من هذه الحركة حيث كتب المندوب السامي البريطاني في مصر ريجينالد وينجات إلى آرثر جيمس ميلر في أكتوبر سنة 1918م تقريرا حول هذا الموضوع جاء فيه:
(ليست لدي معلومات كافية عن قوة الأخوان وأهدافهم، ولكني تعلمت من تجربتي في السودان مدى الخطر الذي يشكله تنظيم سري يعمل تحت عباءة الدين بين سكان غير متحضرين، ففي وقت الشدة يلجأ هذا المسلم إلى الدين مثلما يلجأ بعض أفراد النصرانية إلى الخمر، ويكون المسلم أكثر تعرضا لالتقاط الشرارة الأولى من شرر التشدد الذي يتحول إلى حريق إذا ما أذكاه زعيم غير حصيف أو مضلل أو يستحيل السيطرة عليه بأي حال من الأحوال)[20].
وقد كانت السلطات البريطانية تخشى أن تكون الدولة العثمانية وراء قيام هذه الحركة في نجد لمواجهة بريطانيا في المنطقة بإذكاء الروح الإسلامية التي ترفض الوجود الأجنبي، غير أن السلطات البريطانية رجحت أن تكون الحركة ردة فعل على الاضطراب السياسي الذي تعيشه الجزيرة العربية منذ عقود[21].
وقد كتب ريجينالد أيضا رسالة إلى جمس بلفور بناء على تقارير فلبي إليه جاء فيها:
(إن هناك اضطرابا دينيا كبيرا في بعض أجزاء وسط الجزيرة العربية يجري فيه تحريض الناس على إخوانهم الذين باعوا أنفسهم للنصارى، وبخاصة ضد الملك حسين - شريف مكة الذي قام بالثورة العربية ووقف مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية -) [22]
وقد وصف الضابط السياسي البريطاني في بغداد في مايو سنة 1918م حركة الأخوان بقوله:
(إنها حركة اشتراكية بمعنى أن الأغنياء يتعين عليهم أن يقتسموا بضاعتهم وسلعهم مع عامة الناس، وقد وردت حالات كثيرة لمشايخ تعين عليهم أن يسلموا ما لديهم من إبل إلى أتباعهم) [23].
لقد تحولت قوة الأخوان إلى شبح يخيف السلطات البريطانية التي كثرت تقارير ضباطها السياسيين التي تؤكد أن ابن سعود ليست له أي سيطرة على هذه القوة (كما تزايد عدد الإنذارات - من الضباط البريطانيين - بالقياس إلى قوة الأخوان العسكرية) [24].
وبدأ القلق البريطاني يزداد من تلك القوة التي بدأت تتطلع إلى ما وراء الخطوط الحمراء البريطانية في العراق والشام، والتي كان ابن سعود لا يطمح إليها وليست في رأيه من ملك آبائه وأجداده، كما أنها تحت سيطرة بريطانيا التي هو تحت حمايتها، بينما كان الأخوان يرون توحيدها ضمن دولة واحدة هو هدف استراتيجي وأصل عقائدي يقوم على الإيمان بالتوحيد الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ووحد به العرب دينيا وسياسيا في الجزيرة العربية!
هجوم الأخوان على الشريف وهزيمته في تربة:
لقد واجه الأخوان الشريف عبد الله بن حسين في تربة 25/ 5/1919م (وكان على رأس حملة قوامها خمسة آلاف رجل من الجيش الحجازي المدرب، ومعه الأسلحة الحديثة التي زوده بها البريطانيون خلال الحرب العالمية الأولى، ووصلت قوة من الأخوان قوامها 1100 رجل، من الهجانة، انطلقت قبل تحرك قوات ابن سعود بعملية استكشافية، فهاجمت معسكر عبد الله بالسيوف، والرماح، والبنادق القديمة، وكانت هزيمة قوات الشريف حسين هزيمة كاملة، مما استدعى مجيء بريطانيا لإنقاذه، فأرسلت طائرات بريطانية للحجاز، وأرسلت إنذارات إلى ابن سعود، الذي تفادى المجابهة، وتظاهر بالنزول على رغبات بريطانيا، مدعيا أنه يبذل قصارى جهده لضبط الأخوان، وتمكنت من عقد هدنة بينهما في شهر 8 سنة 1920م).
وقد صرح مسئول في الخارجية البريطانية مدافعا عن سياسة الوقوف مع الشريف، في مواجهة ابن سعود الذي هو حليفهم أيضا، فقالسنبدو كلنا حمقى إذا ما هزم صنيعتنا بمثل هذه السهولة) [25].
لقد كان بوسع بريطانيا أن تضبط حركة حليفيها، لولا الصراع الخفي بين حكومة الهند البريطانية التي تشرف على شرق الجزيرة العربية وتدعم ابن سعود، والمكتب العربي للمندوب السامي البريطاني في القاهرة الذي يشرف على شئون غرب الجزيرة العربية ويدعم الشريف حسين!
إلا إن دخول الأخوان كحركة دينية للمسرح السياسي والعسكري، سيرجح كفة ابن سعود، بعد أن تخلت بريطانيا تماما بعد ذلك عن الشريف، الذي فشل في مواجهة جيوش الأخوان التي (جعلت قوات الملك حسين عاجزة عن حماية الطائف، ومكة، والمدينة، وجدة، لقد استعمل حسين الطائرات التي يقودها المرتزقة في مواجهة هؤلاء الأخوان ... كما جعلت القوات العراقية جيدة التدريب والتي كان يقودها ضباط بريطانيون عاجزة عن مسايرة أولئك الأخوان حتى في مرحلة ما بعد غارات الطائرات والمركبات المدرعة والحملات الميكانيكية على هؤلاء الأخوان ... إن القوات جيدة التدريب في الأردن عجزت هي الأخرى عن التعامل مع الأخوان، ورضيت بالتنسيق بين كل من ابن سعود والبريطانيين في كل من الأردن والعراق لإخضاع الأخوان) [26].
لقد نجحت تلك الحركة باعتراف الضباط والسياسيين البريطانيين بتحقيق الأمن والسلم في كل المناطق التي سيطرت عليها وعلى حد قول جون س: (إن الأخوان كانوا جنودا متشددين لا يخشون الموت ولا ينشدون متع الحياة وإنهم بقدر ما كانوا يدخلون الرعب في قلوب أعدائهم كانوا يعيدون السلام والأمن للمناطق المضطربة) [27].
وقد كتب فلبي في يناير سنة 1929م عن ذلك فقال:
(في كل أنحاء الجزيرة العربية الوهابية بطولها وعرضها يسود الآن جو من السلام والأمن لم تشهده البلاد في أية مرحلة من المراحل السابقة... فقد امتد ظلال الجيش الوهابي المخبأ في مستقرات الأخوان إلى كل أنحاء الصحراء، وأصبحت تغمر الجزيرة العربية كلها، كما أن الجيش هو الذي يزرع خضرواته وتموره وحبوبه في مستقراته وقت السلم) [28].
إلا أن ذلك كله لن يشفع لهذه الحركة عند بريطانيا، حيث قررت بعد ذلك ضرورة القضاء عليها، وعلى كل القوى المسلحة في الجزيرة العربية، ليبدأ فصل جديد من عصر العبودية في ظل دويلات الطوائف، ومازلنا مع (الحرية وأزمة الهوية في الخليج والجزيرة العربية)!
[1] الأخوان السعوديون لجون س 52 .
[2] الأخوان السعوديون لجون س 46 .
[3] قصة السيطرة البريطانية لمي الخليفة ص 357 .والقراصنة اصطلاح بريطاني يطلق آنذاك على كل من كان يقاوم الوجود الاستعماري في المنطقة، وهو كمصطلح إرهابيين الذي يطلق اليوم على كل من يقاوم الحملة الصليبية على العالم الإسلامي أو ويرفض الاحتلال الأجنبي!
[4] الأخوان السعوديون لجون س 53 .
[5] الكويت وجاراتها لدكسون 1/143 .
[6] ولادة الشرق لديفيد فرومكين ص 474 .
[7] الأخوان السعوديون لجون س 61 .
[8] الكويت وجاراتها 1/142، والأخوان السعوديون لجون 61 .
[9] الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية 5/320 .
[10] الأخوان السعوديون لجون س 95.
[11] الأخوان السعوديون لجون س 99.
[12] الأخوان السعوديون لجون س 108 .
[13] الأخوان السعوديون لجون س 132 .
[14] الأخوان السعوديون لجون س 295 الجدول التاسع .
[15] الأخوان السعوديون لجون س 283 الجدول الثامن .
[16] الأخوان السعوديون لجون س 133 .
[17] الأخوان السعوديون لجون س 117 .
[18] الأخوان السعوديون لجون س 128 .
[19] جزيرة العرب لجان جاك بيربي 53 .
[20] الأخوان السعوديون لجون س 62 .
[21] الأخوان السعوديون لجون س 63 .
[22] الأخوان السعوديون لجون س 65 .
[23] الأخوان السعوديون لجون س 64 .
[24] الأخوان السعوديون لجون س 115 .
[25] ولادة الشرق 475 .
[26] الأخوان السعوديون لجون س .ص138 .
[27] الأخوان السعوديون لجون س 140 .
[28] الأخوان السعوديون لجون س 140.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
(الدعم البريطاني للرياض لاحتلال حائل والحجاز)
بدأت قبضة بريطانيا على وسط جزيرة العرب تزداد بازدياد نفوذ ابن سعود وكما يقول جاك بيربي لقد (بدت شبه الجزيرة العربية، منذ سنة 1919م، أنها من بين كل أراضي الشرق الأوسط منطقة محظورة على غير البريطانيين، فسواحلها البحرية الطويلة يسهل على الأسطول البريطاني أن يسيطر عليها، واثنان من سادتها الرئيسيين، الشريف حسين في الغرب، وابن سعود في الوسط والشرق، هما بحماية بريطانيا، ويتلقيان دعما ماليا كبيرا منتظما من الحكومة البريطانية، لقد بقيت الساحة خالية لبريطانيا) [1].
لقد كانت السياسة البريطانية- كما يقول جون س - تقوم في شبه الجزيرة العربية على عدة اعتبارات تغيرت مع تغير الأوضاع الدولية هي كالآتي :
أولا: قبل الحرب العالمية كان مفروضا على السياسة البريطانية أن تعترف بسيطرة الدولة العثمانية على الجزيرة العربية، وألا تفعل ما يخالف هذه السياسة.
ثانيا: أثناء الحرب العالمية الأولى كان هناك تخطيط بريطاني لقيام ثورة عربية في الجزيرة العربية ضد الدولة العثمانية في الحجاز يقوم بها الشريف حسين، وحرب ضد حليف الدولة العثمانية ابن رشيد في حائل يقوم بها ابن سعود.
ثالثا: بعد انتهاء الحرب العالمية وسقوط الخلافة العثمانية تغير الموقف من ابن رشيد، إذ أصبح وجوده يعيد توازن القوى التي تحافظ بريطانيا على استمراره في المنطقة حتى لا تستفرد قوة واحدة عليها مما قد يهدد مصالح بريطانيا.
الخلاف بين حكومة الهند ولندن في دعم ابن سعود والشريف حسين:
وقد زاد من تعقيد الوضع أن الضباط والسياسيين البريطانيين في الجزيرة العربية انقسموا في مواقفهم إلى قسمين بحسب الجهات التي يتبعونها، فبينما كانت حكومة الهند البريطانية تدعم ابن سعود وتشرف على الجهة الشرقية من الجزيرة العربية، حيث كان فلبي وولسن يؤيدان ابن سعود، كان المندوب السامي البريطاني في مصر ريجينالد وينغيت، ولورنس العرب في مكتب بغداد التابع للخارجية البريطانية في لندن، التي تشرف على شئون الحجاز، يقفان مع الشريف حسين[2].
وقد زادت حدة الصراع بين الشريف وابن سعود خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (حتى اضطر مجلس الوزراء البريطاني للاعتراف بأن سياسته في شبه جزيرة العرب قد اختلت، فالخصومة بين حليفي بريطانيا، الشريف حسين الذي يتلقى 12 ألف جنيه شهريا من الدعم البريطاني، وابن سعود الذي يتلقى بدوره خمسة آلاف جنيه، كانت على أشدها) [3].
وعلى حد قول جون س لقد (كانت الحكومة البريطانية تستغل كلا من الملك حسين وابن سعود لتحقيق أهدافها الحربية في شبه الجزيرة العربية، وخاصة احتواء القوة التركية في المنطقة، وإشغال القوات التركية الموجودة على الجبهة في الجزيرة العربية حتى لا تتفرغ للعمل على الجبهتين الأوربية وجبهة الهلال الخصيب اللتين لهما طابع استراتيجي أكثر من الجزيرة العربية، وما إن تحقق هذا الهدف وبعد هزيمة الأتراك مباشرة، قررت الحكومة البريطانية السماح بانغماس الملك حسين وابن سعود في التطورات الداخلية، وذلك طبقا للتعليمات التي أرسلت للسير ريجينالد وينجات بعد استسلام المدينة - لقوات الشريف حسين التي كانت تحت إشراف الضباط البريطانيين ودعمهم العسكري حيث خرج الجيش العثماني الذي كان يدافع عن المدينة النبوية - وبناء على تغير الظروف واستسلام حامية المدينة فلن تجني الحكومة البريطانية شيئا من التدخل في النزاع الدائر بين ابن سعود والملك حسين - كما ورد في التعليمات- وقد ألغيت التعليمات الخاصة بتوجيه إنذار إلى ابن سعود) [4].
لقد احتل البريطانيون المدينة النبوية ونجحوا في إخراج الحامية العثمانية منها بواسطة قوات الشريف حسين، كما احتلت بريطانيا القدس بدعم قوات الشريف فيصل بن الحسين!
وقد كتب ابن سعود بتاريخ2/8/ 1920م رسالة إلى بريطانيا - التي كانت تمده بخمسة آلاف جنيه إسترليني شهريا، وبترسانة من الأسلحة والذخيرة - قال فيها:
(ساندوني وأنا أضمن ألا أسمح برواج المؤامرات المضادة لبريطانيا بين العرب، إنكم تسبغون على أصدقائكم الخونة الألقاب - يعني الملك حسين - وتمنحونهم الأراضي الخصبة- يعني الشام والعراق - وأنا صديقكم المخلص أظل أفقر مما كنت عليه من قبل! أرجوكم أن تطلبوا إلى حكومة صاحبة الجلالة زيادة إعانتي وأن تزيد من مساعداتها المالية لي، أنا لا أستطيع الاستمرار، ردوا علي، علموني كيف أقاوم وأتحمل)[5].
لقد كانت المشكلة الرئيسية التي واجهها ابن سعود هي في إصرار الأخوان بقيادة فيصل الدويش على البدء بقتال الشريف حسين لكفره في نظرهم بتحالفه مع بريطانيا والنصارى، بينما كان ابن سعود بتوجيه بريطاني يحاول صرف أنظارهم عن الشريف حسين رجل بريطانيا في غرب الجزيرة العربية، وتوجيههم نحو حائل وابن رشيد الذي كان حليفا للدولة العثمانية وعدوا لبريطانيا، وقد عقد ابن سعود مؤتمرا عاما في مدينة شقراء، حضره الزعماء من البدو والحضر، وقد أعلن ابن سعود عن موقفه بضرورة قتال ابن رشيد بدعوى أنه أضعف عسكريا من الشريف حسين وكما يقول جون س من خلال الوثائق:
(طالبت المعارضة بزعامة فيصل الدويش شيخ قبائل مطير والناطق باسم الأخوان أن يقوم الأخوان بالهجوم على الإنجليز، والملك حسين، الذي سلحه الإنجليز والذي يهدد إخواننا في العقيدة في الخرمة) [6].
ولم يستطع ابن سعود الاعتراض على هذه الحجة - بإعلان أن المشكلة ليست مع الإنجليز ولا بتحالف حسين مع الإنجليز، إذ كان هو نفسه حليفا لهم، وتحت حمايتهم، ويستقبل دعمهم - بل برر تحفظه على مثل هذا الرأي الذي يطالبه به الأخوان والدويش بحجة أن الشريف أقوى عسكريا، وأن حائل أشد خطرا، وقد نجح في آخر المؤتمر في إقناع المعارضة(وأن يثبت ولاءه للبريطانيين مع تقوية أمن ممتلكاته في آن واحد) [7].
وفي الوقت الذي يدور النزاع بين ابن سعود والشريف في الحجاز تحت إشراف بريطاني في جهة الغرب وقع صراع آخر شرقا وكما يقول جون س:
( نشب الخلاف ـ بين الأخوان وسالم الصباح ـ عندما أرسل سالم قوة من رجاله لإجبار الإخوان من قبيلة مطير في موقع اسمه قرية على تركها من منطلق أنها أراضي كويتية، وأعقب ذلك نشوب العديد من المعارك التي كان أشهرها معركة الجهراء في اكتوبر1920م، بقيادة فيصل الدويش الذي خرج منها منتصرا، وقد أدت حشود الكويتيين وربما الهجوم الضاري الذي قام به الأخوان على مدينة الكويت نفسها إلى إرسال بعض سفن المدفعية البريطانية، إلى المياه الكويتية لوضع الطيران في موضع الاستعداد، في إشارة قوية من بريطانيا إلى التزامها بالدفاع عن محميتها والحفاظ عليها، وقد أدت عمليات الأخوان العسكرية هذه إلى إخلاء تلك المنطقة وإلى الأبد من الرعاة الكويتيين وقطعانهم، كما نتج عنها أن أصبحت تلك الأراضي جزء لا يتجزأ من نجد، ومعترفا به دوليا، بناء على اتفاقية الحدود النجدية الكويتية التي أبرمت في العقير في 7/12/ 1920م)[8].
سقوط حائل وضمها للمشروع البريطاني:
منذ بداية الحرب العالمية الأولى ووقوف حائل ضد الحملة الصليبية على الدولة الإسلامية العثمانية، قررت بريطانيا إسقاطها واحتلالها على يد عبد العزيز بن سعود، وقد خطط وليم شكسبير لهذا الهدف، وقد قتل في معركة جراب بين ابن سعود وابن رشيد سنة 1915م، ثم واصل الكولونيل هاملتون مهمة شكسبير وزار الرياض سنة 1917م لتنفيذ هذا المخطط، ثم حل مكانه فيلبي الذي وصل قادما من بغداد إلى الرياض في 30 تشرين الثاني سنة 1917م لتحقيق هدفين الأول إسقاط حائل وضمها للرياض، والثاني توثيق التحالف بين ابن سعود والشريف حسين في مكة لمواجهة الدولة العثمانية التي ما تزال حاميتها العسكرية تسيطر على المدينة المنورة، وقد قدر فيلبي احتياجات ابن سعود لينفذ المهمة في حرب ابن رشيد بخمسة عشر ألف رجل مسلح، وعشرة آلاف رجل احتياطي، وخمسين ألف جنيه نفقات شهرية، وعشر آلاف بندقية، وأربعة مدافع ميدان، وعشرين ألف جنيه للمواد الغذائية، وكتب فليبي هذا التقرير لحكومته وأكد على ضرورة زيادة الدعم لضمان نجاح ابن سعود في مهمته[9].
وقد تحفظ المندوب السامي البريطاني في القاهرة ريجينالد وينغيت على زيادة الدعم خشية أن يستخدم الأخوان هذا الدعم في مهاجمة الشريف في الحجاز الذي كان يتبع في شئونه المندوب البريطاني في القاهرة، بينما أكد كوكس المقيم البريطاني في بغداد الذي يتبع حكومة الهند البريطانية ضرورة زيادة الدعم خاصة وأن ابن سعود قد أصبح تحت الحماية البريطانية بمعاهدة رسمية سنة 1915م في دارين، وأن الهدف الذي تسعى إليه بريطانيا(ينصب على رؤية نهاية سريعة لابن رشيد، والإبقاء على ابن سعود والشريف كقوتين سياسيتين في وسط وغربي الجزيرة العربية، لما يشكلانه من ثقل في السياسة البريطانية في تلك المنطقة) [10].
وبعد هزيمة الدولة العثمانية، وانتهاء الحرب العالمية سنة 1918م، خففت حكومة الهند من اندفاعها فكتب كوكس إلى مرؤوسيه في لندن (إننا لا نريد أن ندفع ابن سعود الذي لا يعتبر عبقريا عسكريا في عمليات خطيرة مثل محاصرة حائل)[11].
إلا إن فيلبي ظل متمسكا بضرورة دعم احتلال ابن سعود لحائل، إذ (سيساهم ذلك - كما جاء في تقرير فيلبي - في تعزيز سلطة ابن سعود في قلب الجزيرة العربية، ومن ثم يخلق توازنا بين حليفي بريطانيا الحسين وابن سعود) [12].
وقد أكد دكسون الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في تقرير له عن رغبته في احتلال ابن سعود لحائل بالوسائل الدبلوماسية حيث كتب في تقريره:
(إن حكومته تحبذ رؤية ابن سعود سيدا على قلب الجزيرة العربية، وأن قوة ابن سعود ستزيد من هيمنة بريطانيا على الساحل الشرقي للجزيرة العربية، مما يجعل المشيخات هناك في ذعر دائم من ابن سعود، وسترنو دائما نحو بريطانيا لحمايتها)[13].
وقد توجه فيصل الدويش ومعه2000 مقاتل من قبيلة مطير من الأخوان نحو حائل، وجرت بينه وبين قوات محمد بن طلال ابن رشيد معركة عنيفة في الجثامية على بعد خمسة أميال من حائل كان النصر فيها حليف الأخوان، وتراجع بعدها ابن رشيد إلى عاصمته، وتمت محاصرته، وطلب الصلح من ابن سعود الذي اشترط عليه الدخول في حلف مع بريطانيا[14].
لقد أصبحت حايل بعد سقوط الخلافة العثمانية محصورة بين فكي الكماشة ففرنسا في الشام وبريطانيا في العراق والرياض والحجاز وكما يقول المستشرق النمساوي المسلم محمد أسد الذي كان بمعية ابن سعود وعاصر تلك الأحداث:
(وإذ فقد ابن رشيد مؤازرة الأتراك وأصبح محصورا في الشمال بالأراضي التي كانت تديرها بريطانيا وفرنسا، فإنه لم يعد يستطيع أن يبدي أي مقاومة فعالة ضد ابن سعود، واستطاعت قوى الملك بقيادة فيصل الدويش الذي كان في ذلك الحين أعظم قواد ابن سعود أن تستولي على حايل في عام 1921م). [15]
وكما يقول جوس س :
(في 20/ 11/1921م سقطت حائل في يد ابن سعود بعد حصار دام خمسة وخمسين يوما، وكان لفيصل الدويش وقبيلة مطير اليد الطولى في حصارها وفتحها، وبذلك سقطت عاصمة نجد الشمالية أمام جيوش الأخوان التي سيطرت على المنطقة الشمالية إلى حدود الشام وعمان، وهي الخطوط الحمراء، حيث يرابط البريطانيون والفرنسيون، وقد قام البريطانيون بمواجهة قوة منهم تقدر بألف وخمسمائة مقاتل وقصفتهم بالطيران، وقتلت أكثرهم، وحينها أيقن الأخوان كما يقول جون س (أن المسيحيين موجودون في كل مكان، فهم يحمون سالم الصباح، وهم الذين أنقذوه من العقاب العادل على أيديهم، وهم الآن على أعتاب شرق الأردن حماة عسكريين للأمير عبد الله الذي أنزلوا به الهزيمة بالأمس في تربة) [16].
مشروع المملكة العربية تحت النفوذ البريطاني:
لقد كان المشروع البريطاني كما رسمه كيتشنر في مذكرته التي رفعها إلى مجلس الوزراء البريطاني بتاريخ 14/ 3/ 1915م يقوم على النحو التالي:
(خلق مملكة مستقلة في شبه الجزيرة العربية تشتمل على مكة والمدينة، على أن تكون تحت رعاية بريطانيا، فقد كان أمرا جوهريا أن تكون كذلك لتتحقق لبريطانيا السيطرة على القيادة الروحية للعالم الإسلامي) [17].
وفي ربيع سنة 1917م تم (تخلي مسئولين بريطانيين عن حماستهم زمن الحرب لحاكم مكة، مقابل وضع منافسه عبد العزيز بن سعود، الذي دعمته حكومة الهند البريطانية طوال الوقت) [18].
كما تراجع المسئولون البريطانيون في مطلع سنة 1918م، عن تشجيعهم للشريف حسين بإعلان نفسه خليفة للمسلمين، بل وحذروه من خطورة هذه الخطوة، تلك الخطوة التي شجعوه عليها سابقا، إيمانا منهم بأن (القوة في الشرق لا تعني شيئا، وإن الدين هو كل شيء) [19].
لقد قرر البريطانيون التخلص من الشريف حسين كزعيم للقضية العربية، لصالح ابنه فيصل الذي صار يدور في الفلك البريطاني، والذي انقطع عن والده وأسرته في الحجاز، طمعا في حكم الشام، مما جعل والده يتهمه بالخيانة له، ولأمته، وشرفه[20].
لقد حضرت بريطانيا مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919م، بعد توقف الحرب العالمية، وهي تسيطر(على مشيخات الخليج العربي، التي جرى تنظيمها خلال الحرب، ولها وضع متميز في الجزيرة العربية، الذي ضمنه تحالف بريطانيا مع الحسين وابن سعود، وقد جعل منهما هذا التحالف حاكمين مشمولين بحمايتها)[21].
لقد قررت بريطانيا التخلص من الشريف حسين وإنهاء نفوذه بالحجاز بعد إلحاحه على بريطانيا تنفيذ وعودها لها بإقامة(المملكة العربية المتحده) في الجزيرة والشام والعراق ليكون خليفة عليها، وبدأ التوجه البريطاني لحسم الموقف لصالح ابن سعود خاصة بعد تحرك فيصل بن الحسين للإعلان عن الجهاد لمواجهة فرنسا في الشام وهو الخط الأحمر الذي لن تقبل به بريطانيا نفسها، إذ إسقاط الخلافة ومنع عودة فكرة الجهاد أهم أسباب القضاء على الخلافة العثمانية!
وفي سنة 1920م بعد أن أدرك الشريف فيصل بن الحسين أبعاد اتفاقية سايكس بيكو وأن سوريا قد أصبحت تحت الاحتلال الفرنسي قام بالدعوة إلى الثورة وإعلان الجهاد، وكتب إلى ابن سعود بذلك، وقد أخبر ابن سعود دكسون في لقاء تم بينهما في الأحساء بتاريخ 15 فبراير بما يلي :
عن توجيه دعوة له لإعلان الجهاد ضد المسيحيين، وأن شعبه يؤيد هذه الدعوة، وأن أفضل حل لمواجهة هذه الدعوة التي يقودها فيصل ووالده في الحجاز يكون بدعم بريطانيا له هو، وأنه سيقف أمام علماء بلده بكل قوة إذا ما قرروا الوقوف مع الجهاد ضد الحلفاء[22].
تخلي بريطانيا عن الشريف وضم الأخوان للحجاز:
وبعد إعلان شريف مكة نفسه خليفة للمسلمين - وهو ما سبق أن حذرته منه بريطانيا التي دعمته ضد الدولة العثمانية- قامت بريطانيا التي كانت وراء فكرة القضاء على الخلافة بإسقاط الشريف، وكما قال دكسون:
(كان الملك حسين ملك الحجاز بعناده ورعونته يكتب نهايته بيده فعندما زار شرق الأردن وأعلن نفسه هناك خليفة في العالم الإسلامي أعلن ابن سعود عليه الحرب) [23].
وإنما كانت تلك الحرب بتوجيه بريطاني بعد أن تجاوز الشريف حسين الخط الأحمر المحظور على العالم الإسلامي كله وهو إعادة الخلافة فكان يخط نهايته ونهاية حكمه ووجوده بيده بمثل ذلك الإعلان!
لقد تم بعد ذلك الإعلان الذي قام به الشريف حسين في شرق الأردن بإعادة الخلافة عقد مؤتمر في الرياض في 5/6/1924م جمع كبار رؤساء القبائل من الأخوان، وعلماء الدين، وترأسه عبد الرحمن بن فيصل والد عبد العزيز بن سعود، وقد أصدر المؤتمر بيانا أشار فيه إلى (الاستفزاز الذي تمثل في تعيين الملك حسين نفسه خليفة)، وتحركت قوات الأخوان نحو الحجاز، واحتلت الطائف في شهر 9/1924م، وتقدم الأخوان الذين كان جلهم من قبيلة عتيبة بقيادة سلطان بن بجاد نحو مكة، ودخلوها بلا كبير مقاومة، ودون إطلاق طلقة واحدة، حيث انسحب الشريف من مكة إلى جدة (وكان يخوض حربا خاسرة فقد استطاع أن يصمد لحصار جدة ولكن سقوط المدينة المنورة بأيدي قوات الأخوان بقيادة فيصل الدويش في سنة 1925 أدى إلى تنازله عن العرش) [24].
كما نجح الأخوان بعد حصار جدة سنة كاملة من السيطرة عليها، وقد بدأ الأخوان حين سيطروا على الحجاز يفاوضون القنصل البريطاني والإيطالي والهولندي والإيراني في جدة ويتعهدون لهم بضمان الأمن لهم ولرعاياهم، وكما يقول جون س :
لقد (كان الأخوان يسيطرون على الموقف تماما، فقد كان هؤلاء البدو غير المتحضرين يتعاملون بالفعل مع أعيان الحجاز وممثلي الدول الكبرى قبل وصول زعيمهم إلى المدينة)، في الوقت الذي كان ابن سعود في الرياض لم يتصور سرعة سقوط مكة على هذا النحو، وقد جاء من الرياض ليدخلها دخول الفاتحين في نصر كان (الأخوان هم الذين مكنوه من تحقيقه، ولكنهم لم يأخذوا مقابل ذلك سوى القليل، إن لم يكن شيئا على الإطلاق، ومع ذلك لو فشل الأخوان لكان من السهل على ابن سعود الذي كان لا يزال في الرياض، أن يزعم أنهم هجموا على الطائف ومكة دون إذن منه أو علم له بذلك، وما داموا قد فعلوا ذلك فإن الله لم ينصرهم، وربما كان ذلك العذر مقبولا أيضا لدى أصدقائه البريطانيين، وقد استشعر الأخوان - كما يقول جون - فيما بعد أن ابن سعود لم يعترف على الملأ قط بالدور الذي لعبه الأخوان في الاستيلاء على الحجاز، وقد غضب الأخوان من المزاعم التي تقول إن ابن سعود وأسرته والقرويين من غير الأخوان هم الذين استولوا على الحجاز، مع أن هاتين المعركتين - الطائف ومكة - لم يشارك فيهما قروي واحد من القرويين المستقرين، والتسجيلات المدونة تؤكد ذلك)[25].
ومازلنا مع (الحرية وأزمة الهوية في الخليج والجزيرة العربية)وللحديث بقية!
[1] ولادة الشرق لديفيد فرومكين 473 .
[2] الأخوان السعوديون لجون س 156 .
[3] ولادة الشرق 473 .
[4] الأخوان السعوديون لجون س 167 بتصرف.
[5] الأخوان السعوديون لجون س 150.
[6] الأخوان السعوديون لجون س 151 .
[7] الأخوان السعوديون لجون س ص 152 .
[8] الأخوان السعوديون لجون س 183 .
[9] عبد العزيز وبريطانيا ص 108-109 .
[10] عبد العزيز وبريطانيا ص 109-110، نقلا عن الوثائق البريطانية .
[11] عبد العزيز وبريطانيا ص210 .
[12] عبد العزيز وبريطانيا ص210 .
[13] عبد العزيز وبريطانيا ص211 نقلا عن الوثائق البريطانية.
[14] عبد العزيز وبريطانيا ص 212 .
[15] الطريق إلى مكة (إلى الإسلام) ص 180 .
[16] الأخوان السعوديون لجون س 186 .
[17] ولادة الشرق 155 .
[18] ولادة الشرق 363 .
[19] ولادة الشرق 364 .
[20] ولادة الشرق 366 .
[21] ولادة الشرق 442 .
[22] الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية 5/119-123 تقرير دكسون حول المقابلة.
[23] الكويت وجاراتها1/293 .
[24] الكويت وجاراتها1/294 .
[25] الأخوان السعوديون لجون س ص194-
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
(الترتيبات البريطانية للقضاء على حركة الأخوان النجدية)
[لخلاف بين الأخوان وابن سعود:
بدأت الفجوة تتسع - بعد ضم حائل والحجاز - بين الأخوان وابن سعود أكثر فأكثر(لقد بدءوا يشعرون بالضيق منه لزيادة اتصالاته بالإنجليز) [1].
ولم يكن الأخوان يعلمون أنه كان تحت الحماية البريطانية وفق معاهدة رسمية منذ سنة 1915م، واتفاقية سرية منذ سنة 1911م مع حكومة الهند البريطانية، كما كان تحت إشرافهم منذ خرج من الكويت إلى الرياض سنة 1900م، وقد بدأ شكهم في علاقاته مع الإنجليز يزداد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، حيث كتب النقيب نورمان - الذي كان يتابع الوضع عن قرب إلى حكومة الهند البريطانية سنة 1919م - يقول:
(ابن سعود غير متأكد من وضعه الخاص وهو خائف من النتائج، لقد أعاد تأسيس الأخوان ليوفر لنفسه وسيلة للدفاع عن النفس ضد الهجوم).
وبعد سنوات كتب ألويس ميوسيل تقريرا جاء فيه:
(إن الأخوان وقائدهم - فيصل الدويش - سيكونون أول من يرفض ابن سعود إذا ما أخفق في إتباع مبادئ المذهب الذي يتبعونه، إنهم الآن يتهمونه باعتداله الشديد، وبطاعته المفرطة للأوربيين) [2].
الإجراءات البريطانية السعودية للسيطرة على حركة الأخوان:
1- المواجهة الفكرية والثقافية:
لقد كانت الإجراءات والترتيبات التي اتبعتها بريطانيا لمواجهة حركة الأخوان بالتنسيق مع ابن سعود في سنة 1919م تتمثل في إيفاده جماعة من العلماء والدعاة ليقولوا للإخوان:
(إن الزراعة والحرف والتجارة والصناعة لا تتعارض مع الإسلام، وأن المسلم القوي خير من المسلم الضعيف، وأن الإسلام يشجع على جمع الثروة والممتلكات عن طريق العمل، وفي النهاية سلم الأخوان بهذا التفسير، وقد فاقت مستقرات الأخوان من حيث الزراعة والصناعة المدن والقرى المستقرة القديمة صاحبة الخبرة الأكبر) [3].
كما عقد العلماء في الرياض بأمر من ابن سعود مؤتمرا توصلوا فيه إلى أن الهجرة ليست واجبة على البدو الذين لم يستقروا بعد كالإخوان، وأعيد تفسير كلام محمد بن عبد الوهاب حول وجوب الهجرة من أرض الشرك إلى أرض الإسلام - بما يتناسب مع تطور الأحداث الجديدة في المنطقة بوحي من الإنجليز - وقد تم طباعة فتاوى علماء المؤتمر ونشرها على الإخوان في كل مكان[4].
وطباعة الفتاوى ونشرها أسلوب بريطاني لا عهد للمنطقة به قبل ذلك، فقد حدث في نفس الفترة سنة 1921 - كما ذكر دكسون في كتابه الكويت وجاراتها - أن قام الطيران البريطاني بقصف مسجد الإمام علي وضريحه بالكوفة، فانتشر الخبر، وثار الشيعة في كل مكان في العالم الإسلامي، فتوجه دكسون بأمر كوكس إلى المرجع الشيعي الأعلى كاظم اليزدي الذي كان دكسون يستشيره كثيرا، وطلب منه المساعدة على تهدئة ثورة الشيعة، واعتذر دكسون عن وقوع الحادث وأنه تم بالخطأ غير المقصود، وفاجأه كاظم اليزدي حين قال له: ومن قال إن المسجد قد قصف؟ هذه كذبة يراد منها تشويه سمعة بريطانيا!
فطلب دكسون منه إصدار فتوى بذلك لطباعتها ونشرها على الشيعة في كل مكان في الهند وإيران، وتم له ذلك وهدأت ثورة الشيعة بحيلة كاظم اليزدي وفتواه وطباعة بريطانيا لها ونشرها! [5]
لقد أشكل على الأخوان - الذين كانوا يحسنون الظن بالعلماء - كيف وجبت عليهم الهجرة ابتداء من البدو إلى الهجر حيث يتعلمون الدين والتوحيد، بينما لا تجب على البدو الذين ما زالوا كذلك في نجد والعراق والشام وأطراف الجزيرة العربية؟!
وما الذي يجعل محاولات فتح حائل وغيرها من المدن واجبا وجهادا في سبيل الله وطريقا إلى الجنة، بينما يحرم عليهم فتح العراق والشام وضمها إلى بلد التوحيد؟!
لقد كان الأخوان يستلهمون أهدافهم من مبادئهم التي اعتنقوها، والأصول العقائدية التي حفظوها، دون أن يعلموا بأن السلطة في الرياض تتبع للتاج البريطاني، وتحت الحماية البريطانية رسميا، وملتزمة بمعاهدة سرية مع بريطانيا، تقضي بأن تكون شئونها الخارجية تحت إشرافها!
وقد اطلع بعض المؤرخين النجديين على بعض تفاصيل تلك المعاهدة مبكرا حيث ذكرها ابن بسام في تاريخه، في حوادث سنة 1329هـ - 1911م فقال:
(وفيها عقدت معاهدة بين الإمام والإنجليز على أن يحتل الإمام الإحساء والقطيف ودارين والعقير، ويمنعون عنه الإنجليز أي دولة تأتيه من البحر، ولقاء ذلك يكون تابعا لهم، ولا يحدث محاربات دون علمهم ولا يحارب بدون إذنهم، ولهم حق التفتيش على المعادن في جزيرة العرب واستخراج ذلك، وإذا أراد الإنجليز أن يسير لحرب أي جهة يسير لها وهي تمده). [6]
وهذه الاتفاقية هي قطعا قبل معاهدة سنة 1915م، فهي تتحدث عن احتلال الإحساء الذي تم سنة 1913م، والاتفاقية كانت قبل ذلك بسنتين وقد أرخها ابن بسام في سنة 1911م، بينما الاتفاقية الرسمية كانت سنة 1915م وهي اتفاقية دارين التي جعلت بريطانيا بعدها من ابن سعود (واحدا من الشيوخ الخاضعين لحمايتها والمرتبطين معها بمعاهدات مانعة، وكانت المعاهدة تشمل معظم المواد التي ذكرت في المعاهدات المانعة التي عقدتها بريطانيا مع شيوخ الخليج مثل عدم التنازل وعدم التأجير أو الرهن لأي قسم من أراضيه إلا بموافقة الحكومة البريطانية، وكذلك عدم الاتصال بالحكومات الأجنبية، وحماية ابن سعود من أي اعتداء يقع عليه من أي دولة أخرى) [7].
وما ذكره ابن بسام هو المعاهدة السرية التي على أساسها احتل ابن سعود الإحساء سنة 1913م، ثم تم توقيع الاتفاقية الرسمية سنة 1915م.
2- المواجهة البريطانية المسلحة لقوات الأخوان:
وقد واصل الأخوان سنة 1923م إرسال دعاتهم الدينيين قبل وصول مجاهديهم - كما هي عادتهم - إلى دمشق وسيناء، مما أثار تشرشل الذي كان حينها وزيرا للمستعمرات، فطلب من اللنبي ووزارة الخارجية تقريرا حول الموضوع وعن حجم انتشار حركة الأخوان وأفكارهم في المنطقة، وقد أمر اللنبي القوات البريطانية والمصرية باستخدام القوة ضد الأخوان وقواتهم التي تتقدم نحو الشمال، مما أسفر عن اتفاق بريطاني نجدي بشأن تحديد الحدود بشكل رسمي في العقير، ثم تم بشكل نهائي في اجتماع الهدا بتاريخ 8/11/ 1925م[8].
وقد عبر الأخوان إلى شرق الأردن، لمهاجمة عبد الله في سنة 1922م، وقد تصدت لهم الطائرات والمصفحات البريطانية[9].
وبعد رسم الحدود مع الكويت، والعراق، والشام - وفق الإرادة البريطانية، وما تقتضيه مصالحها في المنطقة، ودون أن يكون لشعب المنطقة العربي أي دور في ذلك التقسيم لجزيرتهم العربية، الذي هو الأول من نوعه في تاريخها كله، ودون رضا الأخوان الذين ما يزالون يؤمنون بضرورة وإمكانية توحيد الجزيرة العربية والشام والعراق - لم يبق أمام ابن سعود إلا الحجاز (باعتباره إرثا شرعيا وقد أوضح عن ذلك في الكثير من تصريحاته العامة والخاصة، وكان كل ما يحتاجه هو مجرد سبب من الأسباب الداعية للحرب).[10]
وقد ساعد ابن سعود على تحقيق ذلك تحول السياسة البريطانية بحسب ما تقتضيه مصالحها (من سياسة موالية للشريف حسين، إلى موقف محايد من النزاع بين ابن سعود والملك حسين الذي كان كل منهما صديقا للتاج البريطاني) [11].
وهو ما لم يكن يعلم عنه الأخوان الذين كانوا يخوضون حرب تحرير وتوحيد ضد الإنجليز، وضد الشريف وابن صباح اللذين تحالفا مع بريطانيا، ولم يدركوا أنهم هم أنفسهم يتبعون سلطة تقع تحت حماية بريطانية ودعم عسكري ومالي منها! وهو الخلل الخطير الذي ستكون نتائجه دموية ومأساوية على النحو الذي سيحصل بعد سنوات قريبة من استكمال بريطانيا وابن سعود لمشروعيهما من جهة، وتطلع الأخوان لاستكمال مشروعهم بتوحيد الجزيرة والشام والعراق وتحريرها من الإنجليز من جهة أخرى!
المخطط البريطاني السعودي للقضاء على الأخوان:
لقد رأت بريطانيا ضرورة القضاء على حركة الأخوان، فلم تعد هناك مبررات لوجودها كقوة عسكرية قد تهدد الوجود البريطاني في المنطقة، وكما يقول جون س:
(وبعد وصول الأخوان إلى البحر الأحمر انتهت قصتهم البطولية عنده، لقد وصلوا الذروة وانتهى مبرر وجودهم، ولم يبق لهم إلا أن يستعرضوا أنفسهم على مسرح التاريخ، فقد بدءوا يتسببون في إحراج ابن سعود، وبعد أن حقق ابن سعود حلمه، أراد إعادة الأخوان إلى نجد اعترافا بجميلهم، ومعهم مكافآت مجزية من المعاشات والأراضي، وكل هذه الغنائم لم يكن الأخوان يريدونها، بل كانوا يريدون ويتطلعون إلى ما لم يكن بوسع ابن سعود أن يأذن لهم به، لقد كانوا يريدون استمرار المسيرة الدينية، ولكن المسيرة إلى أين بعد أن وصلوا فعلا إلى حدود التوسع المسموح لهم به؟ وكان إمامهم قد وضع توقيعه على ترسيم الحدود الذي يتعين عليه أن يحترمه، أو أن تفرض عليه القوة العسكرية التابعة للتاج البريطاني هذا الاحترام، وسرعان ما أدرك الأخوان أنهم غير مرغوب فيهم في الحجاز، وبعد أن حرموا من ثمار انتصارهم الأخير في دخول المدينة وجدة، اكتشفوا أن علماء نجد الوهابيين قد حلوا محلهم، وأصبحوا ذراع ابن سعود اليمنى).[12]
إعلان الأخوان الجهاد على بريطانيا وابن سعود :
لقد أدرك قادة الأخوان بذكائهم الفطري بأن بريطانيا وراء كل هذه الترتيبات، وكما يقول جون س أيضا(لقد كان من بين أكثر الأخوان استياء فيصل الدويش قائد الحملة على المدينة، الشيخ الأعلى في قبيلة مطير القوية، وقد حث فيصل الدويش سلطان بن حميد الشيخ الأعلى لقبيلة عتيبة، وضيدان بن حثلين الشيخ الأعلى لقبيلة العجمان على قسم اليمين لمساندة بعضهم بعض، وقد قام فيصل الدويش بحملة دعائية واسعة النطاق ضد ابن سعود مشيرا إلى أن وجود المراكز على الحدود مع العراق دليل على أن ابن سعود قد باع حقوق بلاده إلى البريطانيين، وقد فعلت حملة فيصل فعلها، فبدأت القبائل تستحث بعضها على الجهاد)[13].
ولم يكن الأخوان في نجد يعرفون أبعاد الصراع بين ابن سعود والشريف حسين، وأنه صراع بين حكومة الهند البريطانية التي تشرف على شئون نجد والعراق وشرق الجزيرة من جهة، والخارجية البريطانية التي تشرف على شئون الحجاز وغرب الجزيرة العربية من جهة أخرى، وكما يقول فرومكين:
(وقد بدا واضحا أكثر فأكثر أن في لندن قوتين متنافستين، تصارع إحداهما الأخرى، من أجل حصة من الإمبراطورية العثمانية، وهاتان القوتان هما المندوب السامي البريطاني في القاهرة، ونائب الملك البريطاني في الهند) [14].
وكما عبر عن تلك الأزمة بين حكومة الهند البريطانية وحكومة لندن الضابط البريطاني في العراق برترام توماس في مذكراته حيث يقول عن أثر الصراع بين الجهتين (جاءت النتيجة بأن مسرحي الفعاليات الحربية أصبح من مسئولية دائرتين أجنبيتين مختلفتين.. وعندما انتهت الحرب كانتا هناك وجهتا نظر حول السياسة التي يجب أن تتبع في البلاد العربية). [15]
إقامة دولة دينية في الحجاز تحت التاج البريطاني:
كما لم يكن الأخوان يعلمون بأن بريطانيا قد قررت تعويض المسلمين - بعد إسقاط الخلافة الإسلامية، التي تمثل وحدة العالم الإسلامي - بإقامة دويلة إسلامية مستقلة تحافظ على مكة والمدينة تحت سيطرة بريطانيا، لا سيطرة أي جهة أخرى حتى وإن كانوا الأخوان الذين قاموا بالاستيلاء عليهما وحمايتهما!
لقد كانت بنود الاتفاقية السرية البريطانية الروسية في 12 مارس سنة 1915م تجعل لروسيا حق السيطرة على اسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية، وهو ما سيؤدي إلى ثورة المسلمين في الهند ضد بريطانيا إذا عرفوا بالاتفاقية السرية، وعلموا أن بريطانيا شاركت في تدمير آخر دولة إسلامية مستقلة ذات أهمية وقد كان رئيس الوزراء البريطاني قد كتب عند بدأ الحرب العثمانية يقول :
(قليلة هي الأشياء التي تمنحني سرورا أكبر من سروري برؤية الإمبراطورية العثمانية وهي تختفي نهائيا من أوربا، ورؤية القسطنطينية وقد أصبحت روسية، وهذا ما أظن أنه قدرها المناسب)، وفي مارس 1915م أكد موافقته على طلب روسيا ضم القسطنطينية (أسطنبول) إلى روسيا مقابل دخولها في الحرب بصف بريطانيا وفرنسا، ضد ألمانيا والدولة العثمانية[16].
ذلك الاتفاق الذي طال نقاشه في مجلس الوزراء البريطاني حين بحثوا مستقبل أقاليم الدولة العثمانية بعد سقوطها حتى وصف رئيس الوزراء البريطاني نفسه تلك المناقشات بأنها (أشبه بما يدور بين عصبة من القراصنة)[17].
لقد حرص المسئولون البريطانيون على أن يبقى الاتفاق سرا(وعلى بريطانيا أن تعوض المسلمين عن تدمير الإمبراطورية العثمانية بإقامة دولة إسلامية في مكان آخر، وأنه من وجهة نظر دينية، ولوجود مكة والمدينة، لا يمكن التفكير في إقامة هذه الدولة سوى في شبه الجزيرة العربية)[18].
لقد كانت بريطانيا تعالج آثار كارثة إسقاط الخلافة على العالم الإسلامي نفسيا وروحيا بإيجاد دويلة في الجزيرة العربية ذات طبيعة دينية تحت الحماية البريطانية شبيهة بدولة الفاتكان تحت السيادة الإيطالية!
لقد قام اللورد كتشنر القائد العام في الهند بعد الحرب العالمية الأولى (بالاتصال بذوي النفوذ في تراث الخلافة الإسلامية ومن خلال المسلمين الهنود، وفي مصر من خلال حركة القومية العربية، ورأى إمكانية إعادة الخلافة، وسيسمح ذوو النفوذ في المنطقة لبريطانيا أن تفد إليهم بعد أن يعلنوا الجهاد)! [19]
وقد انتهى كل ذلك بعد سيطرة بريطانيا على المنطقة، وإنهاء وجود الشريف حسين نفسه، بعد تمرده على بريطانيا، وجاء الدور على الأخوان ليتم التخلص منهم بعد أن أدوا المهمة التي كان يطمح ابن سعود إلى تحقيقها منذ ربع قرن وكما يقول جون س:
(ها هم يعودون إلى نجد يحملون معهم استياءهم من ابن سعود والبريطانيين ... وليس من الغرابة أن تتفجر تلك القوة الديناميكية على شكل تمرد بعد أن أعيدت إلى نجد وهي في ذروة قوتها ونجاحها) [20].
لقد انتهى الدور الذي أرادت بريطانيا مع ابن سعود أن يقوم به الأخوان من حيث لا يشعرون، كما يجري اليوم في أفغانستان حين رأت الولايات المتحدة وباكستان أن حركة طالبان الدينية قد قامت بالمهمة، حتى إذا نجحت في السيطرة على أفغانستان وقضت على منافسيها تم القضاء عليها من قبل الولايات المتحدة وباكستان وحلفائها العرب لترسم فصول مشهد جديد يتكرر في العالم الإسلامي منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى اليوم!
بداية ثورة الأخوان في نجد:
لقد كان الأخوان وقادتهم يعيشون حالة من الزهو بانتصاراتهم التي حققوها باسم الإسلام وكان فيصل الدويش كما يقول أسد (استولى على حايل سنة 1921م وفي عام 1925م أخذ المدينة المنورة ولعب دورا حاسما في فتح جدة، والآن في صيف 1927م كان يجلس على أكاليل مجده في هجرته الأرطاوية غير بعيد عن حدود العراق). [21]
إلا أن هذا الابتهاج بالنصر لن يدوم، كما يقول جون س: (لقد شعر الأخوان - بعد عودتهم إلى نجد سنة 1925م - بقيادة فيصل الدويش وابن بجاد أنهم هم المسئولون عن الانتصارات العسكرية الكبيرة التي أوصلت ابن سعود إلى مركز السلطة، ولولاهم لما احتفظ بسلطته وسيطرته على الجزيرة العربية ... وعندما عاد الدويش إلى نجد مرة ثانية معززا بالسلطة والنفوذ اللذين كان يحظى بهما في قبيلة مطير، وبروز الأرطاوية، والمركز المرموق الذي يحتله باعتباره الذراع اليمنى لابن سعود، ومما لا شك فيه أن فيصل الدويش قد أصبح أسطورة بين الأخوان، والقبائل الرعوية المرتحلة (البدو) والمستقرة (الحضر)، وعاد سلطان بن بجاد العتيبي عودة الأبطال أيضا فقد خلص الأخوان التابعين له الكثير من مناطق الحجاز من أيدي الملك حسين، وسرعان ما بدأ ضيدان بن حثلين شيخ قبيلة العجمان المضطربة يشعر بالسخط بتحريض من الدويش وابن بجاد، وكان يتحين الفرصة ليثأر من ابن سعود للقمع الذي مارسه على قبيلة العجمان في الإحساء)[22].
مؤتمر الأخوان في الأرطاوية سنة 1926م:
وفي سنة 1926م عقد الأخوان مؤتمرهم في الأرطاوية وحضره شيوخ قبيلة مطير وعتيبة والعجمان وكانت أبرز اعتراضاتهم على ابن سعود :
أولا :علاقته مع الإنجليز وإرسال ولده فيصل إلى لندن .
ثانيا:الضرائب الموجودة في الحجاز ونجد.
ثالثا:المنع الذي فرضه ابن سعود على التجارة مع الكويت.
هجوم الأخوان على القوات البريطانية في العراق :
لقد قرر الأخوان مواجهة بريطانيا، ورأوا بأن أقرب قاعدة لها هي قاعدة الشعيبة الجوية في البصرة، فقرروا مهاجمتها دون علم ابن سعود الموجود في الحجاز، وقد عاد ابن سعود من الحجاز وكان الوضع السياسي قد تغير كما يقول غلوب باشا(وقد تحقق لدى الأخوان بأنهم هم الذين اقتحموا الحجاز، وليس ابن سعود الذي لم يكن له جيش نظامي، وفي شتاء سنة 1926 - 1927 قام الأخوان بغارات مكثفة وقد وصلت إحدى هذه الغارات إلى نقطة لا تبعد سوى خمسة وعشرين ميلا عن محطة القوة الجوية البريطانية في الشعيبة خارج البصرة، والحقيقة أن الأخوان لو واصلوا غزوهم لاستطاعوا أن يدمروا تلك المحطة برمتها، لقد فشلت القوة الجوية البريطانية فشلا ذريعا في معالجة هذه المشكلة)[23].
مؤتمر الأخوان في الرياض سنة 1927م:
وفي مطلع سنة 1927م تم عقد اجتماع في الرياض حضره ثلاثة آلاف شيخ وقائد من شيوخ الأخوان وقادتهم من قبيلة مطير، وعتيبة، والعجمان، وقحطان، وشمر، وحرب، وعنزة، والهواجر، والمرة، والدواسر، وسبيع، والسهول[24].
وقد تم مناقشة الاعتراضات، وتم توجيه الأسئلة للعلماء النجديين، الذين أجابوا عن كل الأسئلة المطروحة، إلا قضية العلاقة بالإنجليز، التي لم يجب عنها العلماء النجديين، ولم يكن العلماء ولا الأخوان يعلمون عن أساس هذه العلاقة التي تتمثل في معاهدة الحماية التي تجعل من نجد محمية ومستعمرة بريطانية!
وقد انتهى المؤتمر بتجديد ابن سعود تعهداته للجميع بالعمل بالشريعة المطهرة والحكم بها، وتم تجديد البيعة له.
كما تم الاتفاق ثانية بين ابن سعود وزعماء المعارضة الثلاثة (الدويش - ابن حميد - ابن حثلين) لعقد مؤتمر في مدينة بريدة، وعندما حان موعد اللقاء تم (تأجيل الاجتماع حتى يتمكن ابن سعود من التباحث مع البريطانيين في خلافاته مع الأخوان) [25].
فقد كثرت التقارير البريطانية عن خطورة الوضع وقد كان جون جلوب (غلوب باشا) (لا يتردد في التعبير عن كراهيته الشديدة للإخوان فقد كان متعاطفا مع ابن سعود) [26].
إعلان فيصل الدويش للجهاد ضد الإنجليز وابن سعود :
وقد بدأت حركة التمرد الفعلي على سلطة ابن سعود، وكانت هذه الحركة بقيادة فيصل الدويش، وكانت تستهدف استكمال مهمة الجهاد - ولو أدى إلى المواجهة مع الوجود البريطاني في الكويت والعراق والأردن - والذي التزم ابن سعود في معاهداته مع بريطانيا بإيقافه، وقد امتد نطاق التمرد حيث هاجم تراحيب بن شقير الدويش وابن لامي الكويت، وتقدم فيصل الدويش بقواته وعبر الحدود العراقية وكما يقول دكسون(إن المعلومات الموثوقة المتوفرة حتى نهاية سنة 1927 تشير إلى أن قبيلة مطير وحدها كانت خارجة عن السيطرة) [27].
الطيران البريطاني في مواجهة حركة المعارضة :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
وفي يناير سنة 1928م وقعت معركة الرقعي - وهي ثالث معركة تقع بين مدينة الكويت وقبيلة مطير بعد حمض والجهراء - حيث هاجم الكويت بقواته علي بن عشوان من شيوخ العبيات من قبيلة مطير ومعه نحو أربعمائة من الأخوان، وقد طاردتهم السيارات المسلحة وخرجت من الكويت في أثرهم، وقد قتل في تلك المواجهات علي السالم الصباح، وأصيب قائد القوة علي الخليفة الصباح بجراح خطيرة، وقد نجح الطيران البريطاني في تتبع قوات ابن عشوان وقصفها، وبعد مدة تصدى الطيران البريطاني عدة مرات لعدد من مجموعات الأخوان القتالية وقصفها على الحدود العراقية السعودية الكويتية، وقد نجح الأخوان في إسقاط طائرة بريطانية وقتل قائدها، وقد أسقط الطيران البريطاني قنابله أحيانا على مخيمات البدو[28].
لقد تم التصدي لهجوم ابن عشوان وأتباعه (وتعرضت قواتهم لهجوم قاس من سلاح الطيران الجوي البريطاني الذي اتخذ من الكويت قاعدة له مؤقتة، كما وضعت ثلاثة طرادات حربية على سواحل الكويت، ومع ذلك فقد أوضحت الحكومة البريطانية أنه على الرغم من اتخاذها جميع وسائل الحماية إلا إنها مع ذلك ليست ملزمة بمسئولية الدفاع عن الكويت أكثر مما كان قد تقرر لها سنة 1914م) [29].
أي لا تتجاوز الحماية حدود أسوار المدينة، إذ لم يكن يطلق آنذاك على ما وراء الأسوار اسم الكويت، بينما المعاهدة قد تمت سنة 1899م قبل أن يمتد نفوذ مبارك خارج مدينة الكويت، وقبل أن يطلق على صحرائها اسم الكويت، إذ لم يتقرر ذلك إلا بعد المعاهدة البريطانية العثمانية سنة 1913م.
المجاز البريطانية الوحشية ضد القبائل العربية :
لقد مارس الطيران البريطاني وحشية مفرطة في قصفه وضربه خيام البدو دون تمييز ودون إدراك للأزمة التي تعيشها القبائل العربية وهي تتعرض لخطر يهدد صميم وجودهم جراء الوضع الجديد وتحديد الحدود على أرض آبائهم وأجدادهم لخدمة المشروع الاستعماري البريطاني للمنطقة وعلى حد قول محمد أسد (لقد كانت تلك الحدود مسرحا لغارات البدو المستمرة الناشئة عن هجرات العشائر طلبا للعشب والماء، وفي سلسلة من الاتفاقات بين ابن سعود والبريطانيين كمسئولين عن العراق تقرر عدم إقامة أية عراقيل في وجه تلك الهجرات إلا أن الحكومة العراقية في صيف سنة 1927م قامت ببناء القلاع على طول الحدود وسرت موجة من القلق بين القبائل في شمال نجد إذ وجدوا أنفسهم مهددين في صميم وجودهم معزولين عن الآبار التي كانوا يعتمدون عليها الاعتماد كله).[30]
لقد كانت بريطانيا تعد العدة لمحاصرة القبائل وقطع طرق تحركها والسيطرة على آبار المياه التي ترد عليها بهدف إخضاعها كلية للحكومات الجديدة، وهو ما رفضته القبائل وقامت بالهجوم على القلاع الحدودية مما حدا ببريطانيا للتدخل وكما يقول محمد أسد (فقد أعلم المندوب السامي البريطاني ابن سعود بأنه سيرسل فرقة جوية حيوية لمعاقبة الأخوان من قبيلة الدويش لإجبارهم على طاعة ملكهم.. واجتازت فرقة جوية بريطانية الحدود وألقت قنابلها على الأراضي النجدية فأنزلت الدمار بمضارب خيام مطير وقتلت دون تمييز الرجال والنساء والأطفال والمواشي).[31]
وفي هذه الفترة من التاريخ في سنة 1928 - 1930م الذي تحاول بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى إخضاع حركة الأخوان الدينية والقبائل في الجزيرة العربية لمشروعها بقوة الطيران البريطاني، كانت إيطاليا هي أيضا تمارس الحرب الإجرامية نفسها ضد الحركة السنوسية الدينية والقبائل العربية في ليبيا، وكما يقول محمد أسد وهو شاهد عيان على تلك الأحداث وقد ذهب في مهمة لمساعدة عمر المختار سنة 1930م :
(كان الموقف في برقة كما يلي كانت جميع المدن الساحلية في قبضة الإيطاليين، وكانوا يسيّرون بين هذه النقاط المحصنة دوريات مستمرة من السيارات المصفحة وعددا كبيرا من المشاة تدعمها أسراب جوية، كانت تقوم بغارات متكررة على الأرياف، وكان البدو الذين يشكلون نواة المقاومة السنوسية غير قادرين على أن يتحركوا دون أن يكتشفوا حالا، وتفتح عليهم النار من الجو، وكثيرا ما أن طائرة استطلاعية أبرقت إلى أقرب مركز إليها بوجود مخيم للبدو بينما كانت مدافع الطائرة الرشاشة تمنع الناس من التفرق كانت السيارات المصفحة تندفع جارفة في طريقها بيوت الشعر والجمال والناس، فتقتل دون تمييز كل ما يعترض طريقها من النساء والأطفال والمواشي، وما تبقى من الناس والمواشي كان يساق نحو المعسكرات). [32]
ونجحت إيطاليا من محاصرة الثوار في ليبيا عن طريق قطع الإمداد عنهم من طريق مصر، وهو ما سهل لها القضاء على عمر المختار وقواته المجاهدة حيث سيتم إعدامه كخارج على القانون، وهو ما سيحدث مثله وفي السنة نفسها لحركة الأخوان في نجد وللقبائل العربية فيها على يد الجيش البريطاني، غير أن الثورة الليبية والجرائم الإيطالية وجدت من يفضحها ويكشف للعالم كله مدى بشاعة جرائمها بحق الشعب الليبي، بينما ظلت جرائم بريطانيا الوحشية بحق القبائل العربية في الجزيرة طي الكتمان إلى اليوم!
ومازلنا مع (الحرية وأزمة الهوية في الخليج والجزيرة العربية)!
[1] الأخوان السعوديون لجون س 144 .
[2] الأخوان السعوديون لجون س ص 144-145 .
[3] الأخوان السعوديون لجون س 145 .فبريطانيا كقوة استعمارية ترفض وجود قوة عسكرية قد تقف ضدها، فعملت على تجريدها من قوتها العسكرية، تماما كما تفعل في العراق اليوم حيث تم حل الجيش العراقي وتفكيكه، وكما تم إلغاء التجنيد الإجباري في الكويت، وتهميش درع الجزيرة في نفس الفترة، إذ يرفض الاستعمار الأجنبي أن يتدرب الشعب الذي يقع تحت سيطرته على حمل السلاح! ولهذا بدأت الترتيبات من جديد لعودة التجنيد الإلزامي في الكويت، والاهتمام من جديد بدرع الجزيرة لتحل محل القوات الأمريكية التي ستنسحب من العراق، لتقوم الشعوب الخليجية نفسها لا بحماية أوطانها وحريتها وكرامتها، بل بحماية الأنظمة الاستبدادية التي أقامها الاحتلال لتكريس وجوده ومشروعه في السيطرة على المنطقة بيد شعوبها!
[4] الأخوان السعوديون لجون س 147 .
[5] الكويت وجاراتها 1/268 .
[6] تحفة المشتاق ص 410 .
[7] تاريخ الخليج العربي لزكريا 3/34 .
[8] الأخوان السعوديون لجون س 186 .
[9] ولادة الشرق 577 .
[10] الأخوان السعوديون لجون س 187 .
[11] الأخوان السعوديون لجون س 187 .
[12] الأخوان السعوديون لجون س 196 .
[13] الكويت وجاراتها لدكسون 1/295.
[14] ولادة الشرق 155. وهذا يذكر بالصراع بين وزارة الخارجية الأمريكية بقيادة كولن باول ووزارة الدفاع بقيادة رامسفلد حول من يدير شئون العراق بعد احتلاله سنة 2003؟!
[15] مخاطر ورحلات في الجزيرة العربية ص 73 .
[16] ولادة الشرق 152 .
[17] ولادة الشرق 156 .
[18] ولادة الشرق 154 .
[19] مخاطر ورحلات في الجزيرة العربية ص 73 .
[20] الأخوان السعوديون لجون س 198.
[21] الطريق إلى مكة (إلى الإسلام) ص 214.
[22] الأخوان السعوديون لجون س 202 .
[23] مذكرات غلوب باشا 159 .
[24] الأخوان السعوديون لجون س 204 .
[25] الأخوان السعوديون لجون س 212 .
[26] الأخوان السعوديون لجون س 210 .
[27] الكويت وجاراتها لدكسون 1/300 .
[28] الكويت وجاراتها لدكسون 1/300-302 ، ومازال بعض كبار السن يذكرون تلك الحوادث التي تعرضت لها القبائل لقصف من الطيران البريطاني العشوائي لترويضها للمشروع البريطاني!
[29] تاريخ الخليج العربي لزكريا 3/88 .
[30] الطريق إلى مكة (إلى الإسلام) ص 214 .
[31] الطريق إلى مكة (إلى الإسلام) ص 215.
[32] الطريق إلى مكة (إلى الإسلام) ص 281
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
تركيا تأسف لوقف دول الخليج مفاوضات التجارة الحرة
أعربت تركيا عن استغرابها من تجميد دول الخليج المفاوضات معها بشأن التجارة الحرة. وأبلغ ”الاقتصادية” ظفر جاغلايان وزير الاقتصاد التركي، أن دول الخليج جمّدت مفاوضات التجارة الحرة مع تركيا في الوقت الحالي دون أن يفصح عن الأسباب لذلك، واصفاً المفاوضات التي تقوم بها تركيا مع دول مجلس التعاون الخليجي بالجرح الدامي بالنسبة لهم، مشدداً على أن تركيا كانت جاهزة بالأمس للتوقيع، وهي تنتظر حالياً موقف دول الخليج.
وأكد الوزير أن الدول الخليجية تخسر بهذا الإجراء، مشيراً إلى أن النفط قد يؤدي إلى غنى وقتي، لكنه لن يكون مستداماً، وأن دول الخليج وعلى رأسها السعودية في حاجة إلى استثمارات صناعية ضخمة لا تتحقق إلا من خلال توقيع اتفاقيات التجارة الحرة.في مايلي مزيد من التفاصيل:أكد لـ ”الاقتصادية” ظفر جاغلايان وزير الاقتصاد التركي، أن دول الخليج جمدت مفاوضات التجارة الحرة مع تركيا في الوقت الحالي دون أن يفصح عن الأسباب لذلك، واصفاً المفاوضات التي تقوم بها تركيا مع دول مجلس التعاون الخليجي بالجرح الدامي بالنسبة لهم، مشدداً على أن تركيا كانت جاهزة بالأمس للتوقيع، وهي تنتظر حالياً موقف دول الخليج.وأكد وزير الاقتصاد التركي أن الدول الخليجية تخسر بهذا الإجراء، مشيراً إلى أن النفط قد يؤدي إلى غنى وقتي، لكنه لن يكون مستداماً، وأن دول الخليج وعلى رأسها السعودية في حاجة إلى استثمارات صناعية ضخمة لا تتحقق إلا من خلال توقيع اتفاقيات التجارة الحرة.وبيّن ظفر جاغلايان عقب افتتاحه البارحة الملحقية التجارية التركية بمركز جميل سكوير بشارع التحلية بجدة أن هناك 57 دولة إسلامية أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، يمثلون ثلث سكان العالم يعيشون، وتغطي منطقتنا ثلث مساحة العالم، وأضاف 7 في المائة فقط حصة هذه الدولة من التجارة العالمية، وهذا يساوي 1.2 تريليون دولار، تركيا حققت وحدها 10 في المائة من هذا الرقم، الناتج القومي لهذه الدول منخفضة جدا مقارنة بدول العالم، حيث يساوي 4.5 تريليون دولار، وعندما ننظر لكل هذه الأرقام نجد أن 17 في المائة فقط تجارة بينية بين الدول الإسلامية، هذا الرقم في الاتحاد الأوروبي يصل إلى 75 ـــ 80 في المائة”.وتابع ”نحن في تجارتنا مع الدول الإسلامية تبلغ 25 في المائة والآن نريد زيادة هذا الرقم، الطريقة من أجل ذلك يجب أن تكون عبر اتفاقيات التجارة الحرة، واتفاقيات الأفضليات التجارية، ولكن مع الأسف ست دول خليجية جمدت هذه المفاوضات الآن مع تركيا ليس فقط تركيا وإنما مع كل الدول”.لقطة تذكارية خلال انطلاق فعاليات منتدى الأعمال الدولي الإقليمي في جدة أمس. « الاقتصادية»وأردف وزير الاقتصاد التركي مخاطباً الخليجيين ”الآن أعتقد بأنكم تخسرون، دون شك أن النفط يؤدي إلى غنى إلى حد ما، إذا كانت الأسعار مرتفعة فأنتم أغنياء، وإذا انخفض السعر فأنتم فقراء، ومعلوم أن تركيا بلد فقير نفطياً، ولكن صادراتها الآن قوية، دول الخليج وعلى رأسها السعودية طبعاً في حاجة إلى استثمارات صناعية، ويتحقق ذلك عن طريق توقيع اتفاقيات التجارة الحرة، كنا بالأمس جاهزين للتوقيع، ونحن الآن ننتظر موقف الدول الخليجية”.وبلغت صادرات المملكة إلى السوق العالمية ذروتها في عام 2008م لتصل إلى أكثر من 300 مليار دولار على خلفية الزيادة الكبيرة في أسعار النفط، كذلك بلغت الصادرات التركية ذروتها في العام نفسه أيضاً لتصل إلى 132 مليار دولار بسبب ارتفاع الصادرات الزراعية والإلكترونيات الاستهلاكية والمنسوجات، علماً بأن عام 2008م كان في منتصفه عام الأزمة الاقتصادية العالمية.وأكد الوزير التركي أن القطاع الصناعي التركي هو صُلب العلاقات التجارية السعودية – التركية حيث إن 88 في المائة من صادرات تركيا إلى المملكة هي منتجات صناعية، بينما تعتمد السوق التركية على نظيرتها السعودية في تأمين احتياجاتها من النفط والبتروكيماويات.كما أعلن عن فرص للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين المملكة وتركيا في المرحلة القادمة وخصوصاً في مجال التشييد والبناء، والزراعة، والغذاء، والسياحة، والخدمات، وسط تطلعات البلدين إلى رفع حجم التبادل التجاري بينهما لـ 20 مليار دولار في المرحلة القادمة.إلى ذلك أكد صالح كامل رئيس غرفة جدة أن لقاء وزير الاقتصاد التركي سيرسم مسارا جديدا لبناء استثمارات مشتركة ترقى لمستوى العلاقة المميزة التاريخية بين المملكة وتركيا في المجالات كافة، وخصوصا فيما يتعلق منها بالشأن الاقتصادي، حيث سيكون اللقاء بمثابة فرصة مثالية للبحث عن أفق تعاون جديدة، وإقامة منظومة متميزة للمشاريع المشتركة بين البلدين.وأضاف كامل أن الوفد التركي الذي يحمل توجهات في المجالات المصرفية والمالية، ومشاريع البنى التحتية، بما في ذلك العقارات والإنشاءات والمبادرات الزراعية والسياحة والتجارة والاستثمار في القطاعات الصناعية الرئيسة، يعبر عن صياغة التوجه الذي تسلكه العلاقات الاقتصادية السعودية – التركية ومقدرتها على الصعود بالاستثمارات المشتركة إلى أعلى المستويات.ولفت كامل إلى أن الاقتصاد التركي شهد إصلاحات في البيئة الاستثمارية، ألغت الفوارق بحيث لم يعد هناك تفضيل بين المستثمر الأجنبي والمحلي، وهذا مطمع لأصحاب الأعمال السعوديين للاستثمار في تركيا في مجالات مختلفة.وبين أن تركيا تملك إمكانات استثمارية ضخمة في مجال الاستثمار الزراعي، علاوة على البيئة الاستثمارية الجاذبة، فقد أصبحت تركيا إحدى الدول المستهدفة للاستثمار من قبل دول العالم.من جانبه، استعرض الدكتور أحمد محمد علي رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية المشاريع الاستثمارية المشتركة بين المملكة وجمهورية تركيا، ودور مجموعة البنك في دعم التبادل التجاري بين البلدين.واعتبر المنتدى بمثابة فرصة لدعوة كل أصحاب الأعمال في كل من المملكة وتركيا للتعرف على أعضاء مجموعة البنك الإسلامي للتنمية وما تقدمه من خدمات ودعم لتعزيز التعاون بين دول منظمة التعاون الإسلامي، مستعرضاً المؤسسات التابعة للمجموعة ومنها المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة itfc والمؤسسة الإسلامية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات iciec، والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص icd وما تقوم به هذه المؤسسات من تمويل المشاريع المختلفة.وأفاد بمتابعة مجموعة البنك بكل اهتمام نتائج أعمال هذا المنتدى، ومساهمتها بكل فاعلية في تنفيذ ما يتوصل إليه المنتدى من توصيات بغية تعزيز التجارة البينية وتبادل الاستثمارات لتحقيق الشراكة التنموية والاستراتيجية بين المملكة والجمهورية التركية بشكل خاص، والدول الإسلامية عموماً.من جهته، تحدث عمر جهاد فاردان رئيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين (الموسياد) حول الفائدة التي قد تجنى من مثل هذه اللقاءات والمنتديات للتشاور مع أصحاب الأعمال في البلدين، وعلى وجه الخصوص في المقاولات والخدمات والأغذية والقطاع التجاري.وأبان أن هذا اللقاء يأتي في فترة حساسة للغاية وسط الأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم بغية المساهمة للإصلاح وبدء التنمية الاقتصادية، وطرح أفكار جديدة لتطوير التبادلات الثنائية في مجالات الاستثمارات المختلفة بين الدول الإسلامية، وفتح صفحة جديدة للتعامل وفق القيم والأخلاق المنبثقة عن تعاليم الدين الإسلامي، فالعالم الإسلامي يملك تاريخا كبيرا، ويمكن أن يطور العالم بحضارته.وزاد ”إن الدول العربية بما لديها من إمكانات، وما تحمله من مكانة ستوجد نموذجا اقتصاديا راقيا لتكون كدول إسلامية سوقا قوية في الاقتصاد والصناعة، ورفع مستوى الاستثمارات، وإعداد أرضية لتطوير التكنولوجيا والعلوم المعرفية المختلفة”.وفي السياق ذاته، رحب مازن بترجي نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في جدة بوزير الاقتصاد التركي الذي يشهد افتتاح فعاليات منتدى الأعمال الدولي الإقليمي ibf بمشاركة أكثر من 200 شخصية اقتصادية من مسؤولي الشركات التركية وممثلي القطاع الخاص الذي يوثق العلاقة والتعاون الثنائي بين البلدين الصديقين، والتي تؤكدها الرغبة المخلصة بين أصحاب الأعمال.وعبّر عن أمله في أن يتم خلال هذا التواجد الوصول إلى استكشاف العديد من فرص التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين المملكة وتركيا في المرحلة القادمة وخصوصاً في مجال التشييد والبناء، والزراعة والغذاء، والسياحة والخدمات، بالصورة التي تلبي تطلعات بلدينا في رفع حجم التبادل التجاري إلى أرقام قياسية – إن شاء الله – خدمة لمستقبل اقتصاد بلدينا الزاهر.وتابع ”إن المملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا حققا كعضوين مهمين في مجموعة العشرين نمواً سريعاً في الآونة الأخيرة، ولهما ثقل اقتصادي كأكبر الاقتصادات في منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا بالمرونة العالية في مواجهة الأزمة المالية العالمية بفضل السياسة الاقتصادية المتخذة من البلدين.وأشار إلى أن هذا المنتدى ما هو إلا تعبير عن صياغة التوجه الذي تسلكه العلاقات الاقتصادية السعودية – التركية، ومقدرتها على الصعود بالاستثمارات المشتركة إلى أعلى المستويات”.ونوه إلى أن المملكة العربية السعودية وجمهورية تركيا تعتبران دولتين مهمتين في العالمين العربي والإسلامي نظراً لما بينها من علاقات تاريخية.وهناك مساع حثيثة للحفاظ على رتم هذه العلاقة، فهناك تطوير وتنمية للعلاقات المختلفة من خلال توقيع الكثير من الاتفاقيات خلال الزيارات التي قامت بها قيادة البلدين مما أسهم في نمو العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والاجتماعية، ووصولها إلى أرقام قياسية وصلت لدرجة يمكن وصفها بالمتينة جداً، وبالذات خلال السنوات القليلة الأخيرة تحفز بصورة كبيرة للمضي قدماً لقطف ثمارها من خلال زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين.الاقتصاد