عنوان الموضوع : شهادة تعذيب المواطن”صديق دعدي” ضحية الجلاّد خالد نزّار اخبار الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب

في ضيافة رجال الشرطة | شهادة تعذيب المواطن”صديق دعدي” ضحية الجلاّد خالد نزّار

هذه قصة من بين الاف الوقائع والاحداث المماثلة



شهادة “صديق دعدي “التي تم جمعها من قبل ألجيريا – ووتش ، يناير 2016
أول اعتقال

في 17 فبراير 1993 توقفت سيارتان من نوع 505 بيضاء أمام المبنى رقم 05/03 الواقع بشارع محمد نايلي بسيدي أمحمد (الجزائر العاصمة) حيث كان مقر سكني. كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا. صعد إلى الطابق السادس ثمانية رجال ملثمين يرتدون بزات زرقاء ، مسلحين ببنادق كلاشنيكوف و”بريتات “Baretta ، ومجهزين بأجهزة لاسلكي .قاموا بدق الجرس في البداية ثم اخذوا بخبط و ركل الباب بقبضات أيديهم و أقدامهم .وبمجرد أن فتح الباب اندفعوا داخل الشقة :
- أين هو “الصديق دعدي”؟
لم يكن لديهم مذكرة تفتيش. اختبأت خلف باب غرفتي . دخل أحدهم الغرفة و كان يطلق عليه اسم “الفار” و امرني بالخروج. ارتديت ملابسي .حاول اخو زوجتي أن يستفـسرهم عن سبب توقيفي فلم يتلق منهم غير السب و الشتم و التحذير من مغبة عدم السكوت . كادوا يلقون القبض عليه أيضا لولا تدخل والدته. كانوا جميعا يرتدون أقنعة .لا يبدو من وجوههم غير العينين والفم. لم أكن اشعر بشيء سوى الخوف من الموت.

اقتادوني إلى أسفل المبنى. كان عددهم ثمانية . و عندما خرجوا بي إلى الشارع أشاروا بأسلحتهم في اتجاهي وأمروني بالإسراع . اعتقدت أنهم يريدون إطلاق النار علي .أخيرا وضعوا على رأسي كيسا و أدخلوني داخل صندوق السيارة و هم يشتمون ويصيحون قائلين “نحن مظليين ولسنا شرطة. سوف نقتل “ربك” . سوف تموت اليوم ”
. سمعت صوت أخت زوجتي : “يا صديق ، الله معك ” و انهارت زوجتي ساقطة على الأرض . لقد أغمي عليها . كان لدي طفلان صهيب و مصعب من مواليد عام 1991 و 1992.

غادرنا المكان . توجهت السيارة إلى الضواحي في اتجاهات مختلفة . لم أكن أعرف أين أنا. و في لحظة ما كنا في مكان يقع في حي ” رويسو” فتوقفوا.
كانوا يبحثون عن شخص آخر لكنهم لم يعثروا عليه . وتحدث إلي أحد الضباط :

– ماذا فعلت؟

– لا شيء.

– أين المسدس ؟

– أي مسدس ؟

– اليوم سوف نقتلك.

– الموت واحد !!.

– هل هذه هي الطريقة التي تتحدث بها إلى رجال الشرطة؟

ثم سكت . وجاء رجل آخر ملثم ، وقال لي:

–........ انزل راسك و إلا سأفعل بك كذا و كذا (إهانة للدين لا أستطيع أن أتلفظ بها )

واصلنا الطريق مرة أخرى حتى وصلنا إلى “كافينياك” Cavaignac وهو مركز متخصص في التعذيب على يد الشرطة في وسط الجزائر العاصمة . أخذوني إلى الطابق السفلي. وبعد أن جردوني من ملابسي مددوني على مقعد بطول رجل وقيدوني بالأشرطة والأصفاد. ثم تقدم احدهم يبدو انه رئيسهم وقال لهم : “اعتقد أن هذا سيتكلم دون حاجة إلى التعذيب “. ففصلوا عني القيود و اقتادوني إلى الطابق الأول في مكتب رئيسهم و هو ضابط يصفونه بشارل برونسون . كان يرتدي سترة خاصة بالشرطة و سروالا أصفر. كنت أطلق عليه اسم ” القبايلي” لأنه كانت لديه لكنة مميزة. كان جالسا خلف مكتبه والقلم و الورقة بيده ، وبدأ يستجوبني :

– تكلم

– ماذا؟

– سأحرق راسك (إهانة عاصميه) ، تكلم !

– تريد أن أقص عليك قصة حياتي؟

قام بسبي و شتمي ثم أمر رجاله أن يعيدوا إنزالي إلى الطابق السفلي دون ملابس حيث غرفة التعذيب. ربطوني مرة أخرى على مقعد التعذيب . وضعوا عصابة سوداء أو زرقاء على عيني . كان عدد الجلادين 10 ، كانوا مقنعين و يرتدون زيا خاص بالشرطة يدعى لباس “النينجا”.

كانت الغرفة كبيرة . مساحتها حوالي 55 إلى 60 متر مربع، من دون ضوء أو بلاط. وكانت الأرض مغطاة بالرمل. كان هناك سلم ، و حنفية ماء ، و سطل كبير و مماسح “منشفات خاصة”. كانت الجدران تقطر. لقد كانت الغرفة باردة ورطبة.

بداية التعذيب :

.................
وضعوا على وجهي منشفة مبللة ثم اخذوا بإدخالها بقوة في حلقي . رأيت الموت أمام عيني . كانوا يضربونني بقضيب حديدي أسفل قدمي على طريقة ” الفلاقة”.
جلس احدهم على مستوى ركبتي ثم سدد لي ضربة ناحية ........ . كان آخر يضربني بسوط على صدري حتى افقد وعيي . و في كل مرة افقد الوعي كانوا يعيدونني إلى وعيي ثم يستأنفون عملية التعذيب مرة أخرى . عندما لا أكون فاقدا للوعي أصرخ بأعلى صوتي من شدة الألم. كلما صرخت أكثر كانوا يقبلون علي أكثر كأنهم وحوش ضارية . اخبروني انه علي أن ارفع إصبعي في حالة ما إذا قررت أن أتكلم .
كانوا عندما يتوقفون عن التعذيب يدخنون سجائرهم ثم يطفئونها على صدري .
خلال هذا التعذيب – وأنا أخجل من قول ما فعلوه معي – ولكني يجب أن أقوله للتاريخ :

لقد قاموا باغتصابي !!

لقد أدخلوا عصا في شرجي . تسبب ذلك في نزيف في فتحة الشرج ، لقد تطلب مني الأمر القيام بعملية عام 2016 لعلاجي . بعض الإخوة الآخرين تعرضوا لنفس الشيء ولكن ليس بعصا بل بزجاجات مكسورة العنق.

كان بين الجلادين من كان في حالة سكر ، لقد شممت رائحة الكحول. و استمرت الألفاظ النابية والشتائم.

ارتفعت الحمى بجسمي من كثرة التعذيب ، قاموا بإلقائي على الأرض و رشي بالماء البارد. أقسم بالله إنني لم اشعر في حياتي ببرد كالذي شعرت به حينها.

ثم قاموا بربطي على باب حديدي في الممر .كان هناك أبواب أخرى من نفس النوع . كان السجان الذي كان يمشي في الممر جيئة و وذهابا يضربني أحيانا بقدميه و أحيانا بقضيب حديدي . كلما حاولت أن ارفع راسي كان يأمرني أن اخفض رأسي مطلقا عبارات السب و الشتم . انه لا يريد لي أن أراه. لم يسمح لي باستخدام الحمام ، لم يكن بإمكاني قضاء حاجتي إلا على نفسي.

بعد فترة وجيزة ، تم نقلي إلى غرفة للتعذيب مرة أخرى ، تم تقييدي على المقعد من جديد .كنت مقتنعا أنني سأموت لا محالة . قرأت الشهادة رافعا إصبعي اليمنى من تحت المقعد. و انتبه احد الجلادين لإصبعي فشتمني واصفا ايايا “بابن العاهرة” و تقدم نحوي محاولا كسر إصبعي.
على الرغم من التعذيب ، شعرت برغبة شديدة في الضحك على هذا الغباء.
و تساءلت بيني و بين نفسي : إن كانت هذه هي الدولة و إن كان هؤلاء هم من يمثلونها !
و وصلت إلى قناعة و يقين أن هذه الدولة البوليسية لن يكون لها وجود في المستقبل ، وسوف يكون مصيرها حتما إلى عالم النسيان.

كان الجلادون من سكان العاصمة. كان من بينهم طبيب على ما اعتقد أو شخص ما يراقبني بانتظام لمعرفة إن كنت لا أزال على قيد الحياة و أن الجلادين لم يتجاوزوا الحد المطلوب.
قال لي : ” لقد حطموك فهل تقاوم التعذيب ?”

عندما أغمي علي مرة أخرى ، قاموا بتوجيه الشعلة الناريةChalumeau” ” نحو باطن قدمي..و كلما حاولت تحريك ساقي زادوا علي بالعذاب.

كانوا يكررون علي نفس الأسئلة : “أين هي الأسلحة؟ ” ” أين هو عبد القادر فقير؟ “،” عند من يختبئ ؟ “” أين أصدقائك؟ ”

كان عبد القادر فقير من الحراس المقربين لعباسي مدني. كنت اعرفه جيدا بحكم أني كنت أمارس الكاراتيه فقد كان يتصل بي للمشاركة في حماية الشيوخ أثناء مسيرات الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
واعتقل عبد القادر قبلي بأربعة أشهر . و عندما علمت بخبر اعتقاله اختبأت لعلمي أن الدور سيأتي علي لا محالة.
و الواقع أنهم كانوا يبحثون عني منذ سبتمبر 1992. كنت مفتش النظافة والصرف الصحي في دائرة سيدي أمحمد التي كانت تحت سيطرة ” الفيس” قبل انقلاب جانفي 1992. وكنت أيضا مسئولا عن SIT (الاتحاد الإسلامي للعمل) على مستوى نفس الدائرة. وهذا يعني أن السلطات تعرفني. لذلك اضطررت للاختباء بعد إلقاء القبض على ” فقير”. لقد كنت أغير مكان إقامتي باستمرار ولكن لم يكن لدي أي نية للصعود للجبل. كنت مع النضال السياسي و لبس المسلح.
لاحقا في السجن ، أراد بعضهم إقناعي بالصعود للجبل لكنني رفضت لأني كنت مقتنعا انه لم يكن ذلك هو الطريق الصحيح.

عندما اقتنع الجلادون أني لا املك أي سلاح ، استأنفوا التعذيب ، 3-4-5 مرات ، ثم كرروا علي نفس الأسئلة : “من يملك السلاح؟ “،” هل تعرف شخصا عنده أسلحة؟ “،” هل تعرف جماعة مسلحة؟

و عندما أدركوا أنني لا اعرف أحدا ، اخذوا يسألونني : “، هل تعرف شخصا يعرفهم؟ “،” شخص يتكلم عنهم و يتعاطف معهم؟ “،” هل تعرف شخصا يوزع منشورات؟ ”

و عندما لا يكون لدي أي شيء أقوله ، يزيدون علي في التعذيب. كنت أشعر بحاجة ملحة للنوم ، لقد قضيت ثلاثة أيام من دون نوم .
في اليوم الرابع ، كنت لا ادري إن كنت أحلم أم أنني أصبت بالجنون. وكنت أسمع صرخات تعذيب أخرى ، مما جعلني أشعر بالجنون أكثر فأكثر.

في اليوم الرابع ،حبسوني في الزنزانة رقم 1 التي لم تكن تتجاوز مساحتها 6 متر مربع.. وكانت مزدحمة بثلاثة عشر سجينا من سكان شارع Nounou Nacera ببلكور .
نزعوا ملابسي المبللة لتجفيفها و ألبسوني ملابسهم.
هؤلاء السجناء كانوا معتقلين بسبب احتجاجهم على تعيين احد الأئمة من قبل وزارة الشؤون الدينية بالمسجد الواقع بالشارع الذي يقيمون فيه . حيث بعد صلاة (العشاء) وصلت الشرطة وألقت القبض على بعض الشباب .
كان بينهم: عبد القادر إمام الزنزانة ، عبد الحق و هو شاب بدين يلقب “البوشي” . لأنه كان بائع لحوم . وحميد وأيضا شخص آخر كان يدعى ” بوسبع أرواح”. هل تدرون لما سمي بهذا الاسم؟ لقد رفع قميصه وأراني صدره حيث لا زالت آثار أربع رصاصات يعود تاريخها لأحداث أكتوبر 1988 لا تزال بادية للعيان . ولا واحدة من تلك الرصاصات تمكنت من القضاء عليه. و أيضا كان هناك” سمير”. لقد كان كثير الخوف . كلما سمع صوتا بالقرب من باب الزنزانة ، كان يتبول في سرواله. أصيب بصدمة شديدة بسبب ما عاناه من تعذيب رهيب.

في الزنزانة كان هناك مرحاض مكشوف . فإذا أراد احدنا قضاء حاجته كان على الآخرين أن يتوجهوا بأنظارهم إلى الناحية الأخرى.
فوق حفرة المرحاض بقليل كان هناك أنبوب حديدي يتدفق منه الماء الذي نشرب منه .لم يكن هناك سوى 15 دقيقة من الماء يوميا. كان هناك مصباح واحد يطلق ضوءا ضعيفا خافتا يجعل الزنزانة تشعرك بجو من الخوف. و لم يكونوا يشعلونه إلا من وقت لآخر.كانوا يعطوننا قطعة من الخبز يوميا لتكون مشتركة بين 14 شخصا. في احد الأيام أعطونا حبة من الحلوى قمنا بتقسيمها إلى 14 سهم.

للتخلص من التعذيب.

أمضيت 12 يوما في هذه الزنزانة ، 12 يوما من التعذيب ، أي 4 أيام من التعذيب المستمر ثم تعذيب يومي مع استراحة لعدة ساعات بين حصة تعذيب و أخرى. بعض إفراد الشرطة كانوا يلقبونني بالعربي بن مهيدي يسبب عبارة “لا اعرف” التي كنت ارددها . من كثرة ما تعرضت له من تعذيب و سمعته من شتائم قررت أن اخترع لهم اسما و ليكن ” لحسن” و اخترعت لهم عنوانا وهميا. و بعدها كان علي أن أوجههم إلى ذلك العنوان.
قلت لهم تحت وطأة التعذيب أن هذا الشخص يسكن في الطابق الثاني و أن باب شقته يقع على اليمين. و الواقع أنني لم أكن أعرف حتى كيف كانت وضعية الأبواب في تلك العمارة.

و لكي ادلهم على المكان ، أخذوني ترافقني سيارتان بيضاوان من طراز 505 . كنت عاري الصدر حافي القدمين. كان عددهم تسعة رجال ملثمين ومسلحين تسليحا كاملا يرافقهم رئيسهم “القبايلي” من الخلف.
صعدنا إلى الطابق الثاني من المبنى الذي ذكرته لهم . كنت أدعو الله ألا نقع على شقة لأحد الإخوة. و عندما وصلنا إلى أعلى قلت لهم : “هذا هو المكان الذي كنا ننظم فيه اجتماعاتنا ونخبئ أسلحتنا”. فبدءوا يطرقون الباب بأحذيتهم :
– افتح ، نحن الشرطة!
دخل منهم أربعة أو خمسة إلى الشقة . سمعت صرخات امرأة ، ثم اخرجوا رجلا جاثما على ركبتيه. وجهوا مصابيحهم اليدوية باتجاه وجهه و سالني احدهم أن كان هذا هو الشخص المطلوب، فأجبت بالإيجاب. و عندما سألوه عن اسمه قال :اسمي ……. حسين.

أخذونا إلى مركز التعذيب. وقاموا بضربه .
خلال مواجهتنا وجها لوجه ، طلبوا مني التحدث إليه. فقلت له : “يا حسين ، يجب أن تقول الحقيقة، سوف يلحقون بك أذى كبيرا”

قالوا له أن اسمك الحقيق هو ” لحسن” و ليس “حسين”.
كان الرجل يبكي و يصرخ :
– أقسم بالله أن اسمي حسين.
و لكنه من كثرة الضرب اضطر الرجل أن بقول:
– نعم . اسمي لحسن .
إلا انه عندما ألقي عليه القبض في منزله كان يتناول الكحول و لذلك كانت الشرطة تشك في الموضوع.

أخذونا إلى “باب الجديد” بمركز الشرطة هناك و ثم وضع كل واحد منا في زنزانة. شعرت نحوه بالشفقة . أقسم أنني لم أعرفه في حياتي.
قلت له :
– يا أخي .
و لكنه لم يرد علي .
– يا حسين ، قل لهم كل ما يرغبون بسماعه ، و عندما تقف أمام قاضي التحقيق اخبره بالحقيقة. فلم يرد.
و في الصباح أخذونا مرة أخرى إلى” كافينياك”.و قاموا بتعذيبه أمامي.
قالوا لي :
– يا دعدي سنقوم بقتل حسين ، تصرف ، فأنت مسئول عن مصيره .
قلت :
– انه هو ، اقتلوه .
اخذ حسين في البكاء. ثم اعترف لهم بكل ما قلته .
غير أني تراجعت أخيرا عن كلامي معترفا باني لا اعرفه .فافرجوا عنه.
كنت أود أن أجد فرصة للاعتذار له . لكنه قبل خروجه ، هدد بقتلي إذا رآني يوما. لذا فضلت عدم زيارته في بيته.

عبثا

واستمر التعذيب : “أين هي الأسلحة؟ “قلت أخيرا أنها في مسجد “البلاطو” .
ذهبوا وكسروا كل شيء ولكن لم يجدوا شيئا. وارتفعت حدة التعذيب. و لكن واحدا منهم قال لهم أخيرا “اتركوه انه يقول أي شيء” .
تركوني في الزنزانة بضعة أيام ثم أصعدوني إلى الطابق الأول للاستجواب. تم سماعي من طرف ضابط شرطة أسود البشرة لن أنساه أبدا. اخرج سلاحه و ضغط به على صدغي و قال لي :إذا لم نعثر على الأسلحة ، سوف أقتلك!
و ادعى أنهم قتلوا والدي وأخي.
ثم ضربني على صدري . لقد بقيت مدة عامين اشعر بالألم في ذلك المكان من صدري.

أنزلوني إلى الطابق السفلي . وكرر علي:
– سوف أقتلك اليوم . اخلع ملابسك .
و لكن تدخل “زبير الفار” لوقفه.
أخذوني مرة أخرى إلى الطابق العلوي لمواصلة الاستجواب. و بعد كتابة التقرير : الاسم والعنوان والحالة الاجتماعية ، والعمل ، وما إلى ذلك. كان علي أن أوقع.

بعد اثني عشر يوما نقلوني إلى مكان آخر. لا أعرف أين. كنت معصوب العينين ، تعرضت للضرب على رأسي و وجهي و ثم إلقائي من أعلى الدرج.
ما تعرضت له من ضرب في هذا المكان أكثر مما تعرضت له في أي مكان أخر.
وضعوني في زنزانة . و سألتهم أين أنا ، قيل لي : أنت في “السنترال”.
كانت الزنزانات كبيرة و مضيئة و لكن كانت باردة جدا. وكان الأكل أفضل من “كافينياك”.
ادخلوا علي معتقلا آخر في زنزانتي قال انه كان في الطابق السفلي. و اخبرني بما رآه هناك :
– هناك أشخاص مصابون بطلقات نارية ، نسمعهم يعانون ، لا يعطى لهم أكل ولا شرب .
كان هذا الشخص قد اعتقل في ولاية جيجل في الجبل. رأيته في وقت لاحق في سجن الحراش.

قضيت ثماني أيام في “السنترال”و في اليوم التاسع اقتادوني معصوب العينين إلى مكان لا اعرفه. شعرت بالخوف. و كان الطقس باردا ، كنا في شهر رمضان المبارك.
أمروني أن أنزل رأسي . شعرت أني امشي عبر ممر طويل ، سمعت صوت الآلة الراقنة. ثم أدخلوني أحد المكاتب.
كان على أن ابقي معصوب العينين ، مقيد اليدين ، وللمرة الألف سئلت الأسئلة نفسها : الاسم؟ اللقب؟ من هو والدك ؟ من هم إخوتك ؟ وأخواتك ؟ هل هم متزوجون؟ ما هي أسماء أزواجهن؟ ماذا يعمل أزواجهن ؟ ما هي عناوينهم؟ ما اسم زوجتك ؟ أشقائها ؟ شقيقاتها؟ هل هن متزوجات ؟ أين تعيش عائلاتهم ؟ …وهلم جرا.
كم من مرة غادرت الجزائر؟ أين اتجهت ؟ مع من؟ ماذا درست ؟ وأين؟ الابتدائي ؟ الثانوي؟ ما هو عملك؟ ما هي الرياضة المفضلة لديك ؟ إلى أي حزب سياسي تنتسب ؟ هل تصلي؟ كم عدد أعمامك ؟ ما هي أسمائهم؟ مهنهم؟ عناوينهم؟ كم عدد بنات أعمامك ؟ ما هي أسمائهم؟ عناوينهم؟ وهلم جرا.
الأسئلة ذاتها ، مرارا وتكرارا ، إلى ما لا نهاية.

أخيرا ، أزالوا العصابة من عيني ، رأيت أنني كنت في أحد المكاتب. ولكن ممنوع على أن ارفع رأسي . أمضوني على ست أو سبع أوراق. ثم سألوني إن كنت اعرف الشخص الظاهر في الصورة إلى جانب عباسي مدني وعلي بن حاج؟. فأجبتهم :
– نعم . إنه عبد القادر فقير. فهو الرجل الذي اتهمني بتزوير جواز سفره و أنا بريء من هذا.
في الواقع كان ” فقير” قد اضطر لتغيير صورة جواز سفره بصورة أخرى بدون لحية لتفادي المضايقات اليومية التي كان يتعرض لها. غير أنني لم أشارك في هذا التزوير.

وقد سئلت أيضا حول “عليوي بوعلام” الذي لم أكن أعرفه. ثم حول “عيسى اقديف” الذي كنت اعلم انه في السجن.

أخذوني مرة أخرى إلى الطابق السفلي . قاموا بتصويري من الأمام و من الجانب، اخذوا بصمات أصابعي و مقاس يدي و قدمي و أذني ووضعوني في زنزانة.

في اليوم العاشر نادوا علي . وتم تقييدي بالسلاسل من قبل شخصين. وغادرنا المبنى.
كان المطر و الضباب بالخارج . أدخلوني في شاحنة مغلقة مظلمة جدا لم يكن بداخلها غيري رفقة رجال الشرطة.
وصلت الشاحنة إلى محكمة زيغود يوسف و مرة أخرى أغلقوا علي داخل زنزانة. كنت بدون حذاء و كانت قدماي وصدري مصابان بحروق و لحيتي شعثاء و قميصي ممزق. كانت رائحتي كريهة .
أصعدوني إلى الطابق الخامس على سلالم خشبية حيث الممر ضيق ومظلم ثم أدخلوني الزنزانة مكبل اليدين.

و أخيرا مثلت أمام قاضي التحقيق في غرفة رقم 10 من دون قيود في يدي .
كان قاضي التحقيق رجلا نحيفا يميل لونه إلى الصفرة يلبس نظارات. قلت له على الفور :
– انه تم تعذيبي !!
فأجاب :
– نعم ، نعم.
قام بقراءة التقرير المدون من قبل الشرطة. فقلت له إن هذه الأقوال الواردة فيه ليست أقوالي بخصوص هذه الاتهامات (تزوير وثائق . الانتماء إلى منظمة إرهابية ، الخ) . لم يتم استجوابي أصلا حول هذا ، كل ما في الأمر أنني وقعت على الأوراق التي قدمت لي.

– نعم ، نعم.

طلبت أن يثم فحصي من قبل الطبيب.

– “من بعد..من بعد”

طلب مني الانتظار في الخارج. وعلى الفور و ضعوا القيود في يدي و أدخلوني أحد المكاتب حيث كان هناك شخصان . كان احدهما في سني و الثاني في العشرين من عمره.
انتظرنا نحو ساعة أو ساعتين ثم بعد ذلك و عند حوالي الساعة الرابعة مساءا قاموا بشحننا نحن الثلاثة في نفس الشاحنة و اتجهوا بنا إلى مكان مجهول.

كان ذلك يوم 7 مارس 1993 على الساعة 17:30 من شهر رمضان .
توقفت الشاحنة و سألت أين نحن ؟ فقيل لي : سجن الجزائر (الحراش).
أخرجوني ثم فكوا القيود من يدي واقتادوني إلى أحد المكاتب حيث جردوني من كل شيء ما عدا حافظتي مع بطاقة هويتي.
أخذوا اسمي و بصمات أصابعي و سلموا لي “أمر بالحبس” رقم 2262.
قادني أحد الحراس الذي كان يرتدي الزى الرسمي الأزرق ويحمل بيده العصا إلى إحدى القاعات حيث تمت حلاقتي ثم إلى قاعة أخرى كبيرة حيث أعطيت لي بطانية وفرشة.
مررنا من باب كبير ، ثم آخر ، ثم ثالث . كان علي أن أسير قرابة 700م لأصل إلى باب آخر من الحديد.
وصلت أخيرا إلى قاعة تدعى : “الغربة” (المنفى) القاعة رقم 4.
كانت مساحتها 10م على 50م. و كنا حوالي 150 شخصا.
كانت بها أسرة متراكبة و نوافذ غير زجاجية مما جعلها باردة للغاية.
كان بها أيضا أربعة مراحيض و سبع حنفيات .
كانت لكل قاعة ساحة خاصة بمساحة 30 متر مربع.
في المساء ، يتم غلق القاعات و لا تفتح إلا في الصباح مهما حدث . ومهما كانت المشكلة التي يواجهها السجين. كان بيننا أيضا سجناء ” الحقوق العامة”. و كان المعتقلون السياسيون يتعرضون للضرب من قبل الحراس .و لم نكن نرتاح كثيرا لسجناء “الحقوق العامة” فقد كان من بينهم مخبرون.
كان لنا الحق في الاستحمام كل 15 يوما ولمدة من 3 إلى 4 دقائق.

إفراج لم يدم إلا 10 اشهر فقط.

أطلق سراحي في 23 أغسطس “أوت” 1993 يوم محاكمتي . كان يفترض أن يفرج عني قبل ذلك بكثير لأنه حكم علي بالسجن سنة واحدة مع وقف التنفيذ . ولكن بما أن مذكرة توقيف أخرى كانت قد صدرت بحقي أثناء ذلك كان علي انتظار المحاكمة الثانية في أغسطس قبل الاستفادة من عدم ثبوت الدعوى و إطلاق سراحي.
أطلق سراح ” فقير” في اليوم التالي . لتتم تصفيته في عام 1995 عندما لجأ عند عائلته في “مفتاح”.
و الحقيقة انه حتى بعد الإفراج عنا كنا نتعرض باستمرار للمضايقة والملاحقة القضائية.
أما فيما يخصني فقد لجأت في البداية إلى “واد شايح” لكنني لم امكث هناك طويلا.
تنقلت بين بيوت عديدة من عائلتي . كنت مسجلا في كل مراكز الشرطة . فقد كنت اعتبر “عنصرا خطيرا” و يتم توقيفي باستمرار لساعات و أحيانا لأيام عند كل عملية مراقبة وثائق الهوية في الشارع .
في عام 1993 سافرت لمدة شهرين إلى سويسرا . وعند عودتي ، قبض علي وسجنت لمدة ثمانية أيام . مرة أخرى تعرضت للتعذيب. وادعت الشرطة أني كنت في ألمانيا للقاء رابح كبير .

في 13 يونيو 1994 ، بينما كنت على متن سيارة مع اثنين من أصدقائي في” واد شايح” ، أوقفتنا قوات الشرطة الخاصة (النينجا) . تعرفت على بعض منهم .
كان احدهم يسكن بجواري .يدعى ” عمر ميلودي” كان برتبة “حافظ أول للنظام العمومي ” “”Brigadier-chef بمديرية امن “باب الزوار” عندما غادرت الجزائر في عام 2016 .
أما الثاني فقد كان اسمه ” دراجي” و كان في عام 2016 ضابط شرطة بمقر الأمن الواقع بالمقاطعة التاسعة .
أما الثالث ، و اسمه عز الدين ، كان برتبة “حافظ نظام عمومي” Brigadier بمقر الأمن الواقع بالمقاطعة 14،.
في المكان الذي تم توقيفنا فيه كان قد قتل اثنان من رجال الشرطة . أمروني بالخروج من السيارة و أرادوا اتهامي أنني كنت في الجبل . شعرت حينها إنهم سوف يقتلونني.
توجه بعضهم إلى محل قريب هناك كان صاحبه يدعى “كمال شراف” فقاموا بسرقة خزنة الأموال و تكسير المحل.
أما أنا فقد اركبوني في سيارة 505 بجانب الخزنة و توجهوا بي نحو مقر الأمن الواقع بالمقاطعة 25 ” باش جراح” حيث اخذوا مني بطاقة تعريفي التي لم يعيدوها لي إلى الآن .

انتظرت في إحدى القاعات حيث كنت مغطى الرأس . ثم اركبوني مرة أخرى في سيارة.
توقفت السيارة أمام احد المباني وثم اقتيادي إلى داخل المبنى تحت الضرب والإهانات و كان الممر يردد صدى أصواتهم .
ألقوا بي من اعلي الدرج و كانوا قد غطوا وجهي بالمنشفة .
وأخيرا قيدوني بإحدى الطاولات و هم ينعتونني بالإرهابي والقاتل. و بعدها اقتادوني إلى المرحاض لتكبيل يدي .
قال لي السجان الذي كان يراقبني :
– إذا التزمت الهدوء سنضعك بالزنزانة. و فعلا هذا ما حدث. حيث ألقوا بي في الزنزانة التي كانت ممتلئة بالسجناء.
و هنا علمت بأنني في “حسين داي”. كان علينا أن نضع العصابات على أعيننا كلما فتح باب الزنزانة.
و هنا رأيت ” يوسف جعفر ” الذي كان صديقا لي. ولكني تظاهرت و كأني لا أعرفه ، لأنني خشيت أن يكون بيننا مخبرين في الزنزانة ، و إذا اكتشفوا أننا نعرف بعضنا فسيضر ذلك بنا معا.
التفت إلي وقال لي :
– لكننا نعرف بعضنا .
فلم استجب له.
بعد نحو ثلاثين دقيقة بعدها ، أخذه الضابطان عمر ميلودي و الدراجي خارج الزنزانة و لم يره احد بعدها . فهو الآن من عداد المفقودين.

أمضيت 43 يوما في حسين داي فقدت خلالها 14 كيلوغراما من وزني. فقد كنا في ظروف كارثية وغير إنسانية . جميعنا تعرض للتعذيب . حيث كانت هناك غرفة مخصصة لذلك.
و مرة أخرى تعرضت للعذاب بالمنشفة ، والفلقة ، والحرق بالشعلة وبالطبع الضرب بالعصي.
و لحسن الحظ أني التقيت بأحد السجناء من نفس الحي الذي اسكن فيه حيث كان سيفرج عنه فطلبت منه أن يخبر عائلتي عن مكاني.
لم يكونوا يعلمون شيئا عن مصيري و لم يتم تسجيلي في سجل مقر الأمن الذي احتجزني ، مما يعني أنه ليس هناك أي دليل رسمي بأنني كنت هناك. أخيرا أطلق سراحي في 25 يوليو 1994 بعد 43 يوما من احتجازي السري .

مضايقات مستمرة

ها أنا حر مرة أخرى . قررت أن أذهب إلى سوريا هربا من المضايقات المستمرة.
قضيت هناك ثلاث سنوات. ولكن عند عودتي إلى الجزائر ، تم اعتقالي مرة أخرى عند وصولي إلى المطار،و نقلت إلى “السنترال”.
و مرة أخرى تعرضت للتعذيب و الاستنطاق حول اتصالاتي وأنشطتي في سورية . و من هناك أخذت داخل صندوق سيارة إلى بن عكنون في فيلا قديمة حيث وضعت في زنزانة نظيفة بها سرير حيث عوملت بشكل جيد. لمدة ثلاثة أيام قابلت و تكلمت مع ضباط كانوا محترمين جدا. كنا نناقش الوضع في البلاد وفي العالم و يهتمون لسماع وجهة نظري .
و بعد ثلاثة أيام أدخلت داخل صندوق السيارة مرة أخرى حيث نقلت إلى “السنترال” ليتم الإفراج عني بعد ذلك.

لكن معاناتي لم تتوقف بعدها. كان يتم استدعائي باستمرار لمختلف مراكز الشرطة ومراكز الدرك. كلما انفجرت قنبلة أو حدث هجوم ما ، كان من الممكن إحضاري من طرف الشرطة أو الدرك لاستجوابي لبضع ساعات بحثا عن معلومات حول مرتكبي هذا الهجوم.
كانت أجهزة الأمن تعتبرني كمشتبه به.
عند كل تحقيق معي كانوا يتهمونني بالصعود للجبل . و الغريب أنهم كانوا على معرفة تامة بأي مكان أتواجد فيه.
و بمساعدة من الأصدقاء تمكنت من العثور على عمل و إعالة عائلتي . فلم يكن يتسنى لي العمل في القطاع العام ولا في القطاع الخاص . كانوا يرفضونني بسبب سوابقي.
تمكنت من فتح وكالة عقارات باسم زوجتي ، ولكن على الفور تم استدعائي و حققوا معي عن مصدر الأموال. لم يكن بإمكاني أن أعيش حياة طبيعية ولا يريدون إعطائي الفرصة لذلك.

في عام 2016 قبل وقت قصير من الإفراج عن علي بن حاج ، حضر إلى بيتي رجال من مديرية الاستعلامات و الأمن DRS، لكنهم لم يعثروا علي .
نصحني بعض الأصدقاء بمغادرة الجزائر. إذ طالما أن المضايقات كانت من الشرطة فان إمكانية الإفلات حيا من مخالبهم تبقى واردة . أما و قد تعلق الأمر بمديرية الاستعلامات والأمن فالامر مختلف.
أراد أن أعود إلى سوريا ولكن الحرب ضد العراق قد بدأت ، فخشيت أن يكون لهذا اثر سلبي على وضعي . لذا قررت الفرار إلى سويسرا.
أنا الآن في سويسرا منذ عام 2016. أقوم بمتابعة العلاج مما لحق بي من جراء التعذيب سواء على المستوى النفسي أو الجسدي على حد سواء. لا زلت أعاني الألم والنزيف على مستوى الدبر بسبب ما تعرضت له عام 1993. حيث تطلب مني الأمر عملية جراحية في عام 2016.

بدأت بالكاد أتعافى ،لم اعد أرى الكوابيس يوميا كما كنت.
كل ما آمله بعون الله أن يسقط نظام الجلادين قريبا. لقد ادعوا نشر الوئام والتسامح بقانون المصالحة الوطنية . ولكن ماذا يمكننا أن نغفر؟ أنهم حطموا حياتي و حياة زوجتي ، لقد اضروا بعائلتي وأولادي ، لقد اختطفوا عمي “مولود دعدي” في عام 1995 واختفى منذ ذلك الحين.
عليهم أولا أن يعترفوا بما ارتكبوه في حقنا ، يجب أن يقدم المسئولون عن ذلك إلى المحاكمة ومن ثم ، ربما ، قد نغفر .
https://www.algeriachannel.net/?p=6844




>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :