عنوان الموضوع : مدارس جمعية العلماء المسلمين التاريخ الجزائري
مقدم من طرف منتديات العندليب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مدارس جمعية العلماء المسلمين
تعتبر المؤسسات التعليمية على اختلاف مراحلها وأشكالها، ذات تأثير بالغ في بناء الفرد والمجتمع، فمن خلالها يتشرّب المبادئ والقيم التي يؤمن بها، والسلوك والأخلاق التي يتعامل بها. ولعظم دورها سعى الإستدمار الفرنسي في الجزائر جاهدا على أن تكون فرصة التعليم الوحيدة المتاحة للجزائريين، تنحصر في الالتحاق بمدارسه الحكومية التي أنشأها، وعين على رأسها مديرين من تلامذة وأفراخ المستشرقين الحاقدين، كما كلف بالتدريس والتعليم فيها فيها مدرسين من أذنابه والمسبحين بفضله، الخاضعين لأوامره وتعليماته، وفي المقابل ضيق الإستدمار على ما تبقى من المدارس العربية، والكتاتيب التي يشتم منها خدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد أدركت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المقاصد الخبيثة للمستدمر وأعوانه، فركّزت على التعليم الإسلامي العربي، بإنشاء المدارس الحرة في جميع أنحاء القطر الجزائري، وحثّت الأمة وشجعت الشعب على إرسال أبنائه إلى مدارسها، بغية تعليم وتثقيف أكبر عدد ممكن من أبناء المسلمين.
كما وجّهت الجمعية اهتمامها إلى التعليم المسجدي، إدراكًا منها بأن (المسجد والتعليم صنوان في الإسلام من يوم ظهر الإسلام...وعليه فقد سطرت وطبقت برامج واسعة لنشر التعليم الشرعي، واللغة العربية للصغار المبتدئين، وتكميل معلومات من درسوا باللسان الأجنبي، كما لم تحرم الكبار من دروس الوعظ والإرشاد ومحو الأمية، فشيّدت لذلك المدارس وفتحت النوادي لإلقاء المحاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة.
وسأعرف إخواني وأخواتي ببعض المدارس التي أسستها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
مدرسة دار الحديث
توجد هذه المدرسة في مدينة تلمسان بالغرب الجزائري، وهي المدينة العريقة في التاريخ والحضارة، وقد تشرفت بزيارة الأستاذ عبد الحميد بن باديس في سنة 1932م برغبة ملحة من أهلها، الذين رحبوا به وهرعوا عن بكرة أبيهم للاحتفال به، والاقتباس من نور علمه وواسع اطلاعه
"... فألقى درسا أحدث به دويا كبيرا، وتأسف الكثير من الذين لم يتسع المكان لحضورهم لسماعه، فأعلن أنه سيلقي محاضرة في المساء، فقام أهل تلمسان فألقى درسا أحدث به دويا كبيرا، وتأسف الكثير من الذين لم يتسع المكان لحضورهم لسماعه، فأعلن أنه سيلقي محاضرة في المساء، فقام أهل تلمسان، وهيئوا رحب المكان في قاعة الأفراح، فما كادت تصل الساعة المحددة حتى كان المكان المهيئ غاصا بالجماهير التي أقبلت لسماع ابن باديس لأول مرة في حياتهم وفي مدينتهم، فأعجب الجميع (العام والخاص والصديق والعدو) لفصاحة لسانه وبيانه، وواسع علمه واطلاعه، ودام في محاضرته نحو الساعة والنصف لم يتوقف أثناءها وقفة، ولم يجر وراء شاردة، ولما انتهى من محاضرته نزل ضيفا في ديار احد المصلحين أين قضى ليلته، فاحتفت به جماعة من علية القوم ووجهاء البلد، وأنصار الحركة الإصلاحية، فدار حديثهم معه على من عسى يكون قائد الحركة العلمية والفكرية، فوعدهم بأنه سيعمل على إرسال من تتوفر فيه كل الشروط لتلمسان، دون أن يعلن عن اسم الأستاذ الإبراهيمي.
وفعلا فقد وفى بوعده، فعندما عاد إلى قسنطينة عرج على أخيه ورفيقه في الكفاح الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي، وألقى إليه رغبته في الالتحاق بتلمسان ليكوّن به مركزا إشعاع الحركة الإصلاحية، والنهضة العلمية والأدبية في الغرب الجزائري كله.
فاستجاب الأستاذ الإبراهيمي لهذه الميزة التي خصه بها الأستاذ ابن باديس والتحق – دون إبطاء – بتلمسان وكان ذلك في أوائل سنة 1933م ، فما إن نزل بها حتى احتفى به أهل تلمسان كبيرهم وصغيرهم يستفيدون من علمه وخبرته وإطلاعه، وشرع في أداء الرسالة التي جاء من اجلها، فنظم دروسا كثيرة يبدؤها بدرس الحديث بعد صلاة الصبح، وينهيها بدرس التفسير بعد صلاة العشاء، علاوة على محاضرات كان يلقيها على الشباب والطلبة في النوادي التي تأسست آنذاك، مثل النادي الإسلامي، ونادي الشبيبة ونادي السعادة ونادي زقاق الرمان.، وفي مراكز جمعيات ثقافية، وفي أحواش وبساتين السكان التلمسانيين التي استحالت كلها مدارس
ومجالس التجمعات لسماع دروس العلم والوعظ والإرشاد، وقد ضم إليه الشاعر الأديب الأستاذ الهادي السنوسي لمساعدته في تعليم الصغار بأحد هذه النوادي.
... ولما كان عمل الأستاذ الإبراهيمي قد احدث – في مدة قصيرة – انقلابا مدهشا في العقيدة، وتطورا سريعا في العلم والأفكار، وكون أرضية صلبة وخصبة، وعقولا نيرة كان لا بد من إحداث مشروع يضم هذه الحركة المتسعة التي انبثقت عنها مسؤوليات جسام، اتفق الجميع على بناء مدرسة تضم شتات التلاميذ والتلميذات والشباب، ومسجد يأوي إليه كبار الناس لأداء شعائرهم، ولسماع دروس الوعظ والإرشاد." [1]
وقد اجتمع رجال العلم والإصلاح والبر وهيئوا أرضا تسع لبناء المسجد والمدرسة، وكلفوا المعماري ابن مدينة تلمسان ابن قلفاط بتصميم المخططات ورسمها، وبعد إنجازها في ظرف قياسي هبت مدينة تلمسان بشبابها وشيوخها تساهم في إنجاز هذا المشروع المبارك، ولأدع الإمام عبد الحميد بن باديس يصف لنا بقلمه كما جاء في " افتتاحية البصائر السنة الرابعة عدد 142، الصادرة بتاريخ 10 شوال 1357هـ/ 2 ديسمبر 1938م ما شاهده وعاينه، يقول: " حضرت تلمسان أيام بنائها والتلمسانيون في نشوة من الفرح والنشاط عجيبة،يبذلون في نفقات البناء بسخاء، ويتسابقون في مشاركة العملة والصناع، فتغبر أيديهم وأرجلهم وثيابهم في سبيل الله، بعيني رأيت الشيوخ المتقدمين في السن من أهل تلمسان يأتون فيعملون، وهل أنسى ذلك الشيخ المعماري الفنان ابن قلفاط وهو يعمل وينظم ليل نهار جادا محتسبا؟
... أربعمائة ألف فرنك أنفقت على تشييدها، عشرات الأيدي الجزائرية - بثمن وبدون ثمن - عملت فيها..."
وخلال سنة واحدة إكتمل بنائها على نسق هندسي أندلسي أصيل، لتكون بإذن الله مركز إشعاع ديني وعلمي وثقافي في أرض الجزائر الطاهرة.
افتتاح دار الحديث:
فكر الإبراهيمي في إقامة احتفال كبير بمناسبة إفتتاحها، فقام بدعوة علماء ووفود من المغرب وتونس، أما من الجزائر فقد حضر الإحتفال الألوف من أبنائها البررة يتقدمهم كل أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الإداريين والعاملين والمؤيدين، وكذا العاملين بمعظم المؤسسات التعليمية التربوية والجمعيات الدينية والثقافية الجزائرية.
"... لقد كان افتتاحها في يوم الاثنين 21 رجب 1356 هـ الموافق ليوم 27 سبتمبر 1937م، أي بعد سنة من الشروع في بنائها، وعندما تدخل من باب (دار الحديث) تواجهك لوحة رخامية مثبتة على الحائط تقرأ عليها ما يلي:
" تأسست مدرسة دار الحديث على يد العلامة الفاضل الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بمساعدة شعب تلمسان، وقد افتتحها صاحب الفضيلة الإمام عبد الحميد ابن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يوم الاثنين 21 رجب 1356 هـ الموافق ليوم 27 سبتمبر 1937م"
وقد أسند شرف فتح المدرسة إلى الإمام عبد الحميد ابن باديس، الذي قام بقطع الشريط الحريري، و "... تقدم إلى الباب يحف به إخوانه العلماء، وأفاضل الأمة لتلمسانية وعدد كبير من المعلمين والأساتذة والشعراء، وبجانب الباب وقف الأستاذ الإبراهيمي فسلم مفتاح المدرسة للشيخ الرئيس ابن باديس قائلا: " أخي الأستاذ الرئيس، لو علمت في العالم الإسلامي رجلا في مثل حالتك له يد على العلم مثل يديكم، وفضل على الناشئة نثب فضلكم، لأثرته دونكم بفتح هذه المدرسة، ولكني لم أجد.
فباسم تلمسان، وباسم الجمعية الدينية بالخصوص أناولكم المفتاح، فهل لهذه المدرسة أن تتشرف بذلك؟"
تسلم الأستاذ ابن باديس المفتاح من يده قائلا: " بسم الله الرحمن الرحيم، ثم على اسم الإسلام والعروبة، والعلم والفضيلة أفتح دار مدرسة دار الحديث، { رَبِّ أَنزلْنِي مُنزلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزلِينَ } [المؤمنون:29] {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا () وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }) [ الإسراء: 80 – 81 ]"
ثم يتقدم إلى الباب فيفتحه ويدخل، وتدخل معه الهيئة الإدارية لجمعية العلماء ثم تلتها الوفود والأساتذة والمعلمون ، فانتشروا في رحابها وأقسامها والابتهاج والسرور يعلو محياهم وعندما وقف الأستاذ عبد الحميد بن باديس مع المجلس الإداري لجمعية العلماء على شرفة المدرسة وجه خطابه للجماهير المحتشدة المتعطشة لسماعه قائلا: " يا أبناء تلمسان، أبناء الجزائر إن العروبة من عهد الفتح إلى اليوم تحييكم، وأن الإسلام من يوم محمد صلى الله عليه وسلم إلى اليوم يحييكم، وأن أجيال الجزائر من هذا اليوم إلى يوم القيامة تشكركم وتذكر صنيعكم الجميل، يا أبناء تلمسان كانت عندكم أمانة بين تاريخنا المجيد فأدّيتموها فنعم الأمناء أنتم، فجزاكم الله جزاء الأمناء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته " [ 2]
وتشتمل البناية على مسجد في الطابق الارضي لإقامة الصلوات ودروس الوعظ والارشاد، وعلى قاعة المحاضرات بمنصتها مع ادارة المدرسة التي تحمل قلب لبناية في الطابق الثاني، وعلى ستة أقسام ومخزن في الطابق الثالث.
لا يمكنني أن أتعرض إلى ما قاله لخطباء في هذا الحدث العظيم من تاريخ الامة التلمسانية وحسبي ان اشير الى قصيدة الاستاذ محمد العد التي القاها في هذا الحفل ومطلعها:
أحيي بالرضا حرما يزار... ودارا تستظل بها الديار
وروض مستجد الغرس نضرا ... أربضا زهر الأدب النضار
حل الضيوف الوافدون من الشرق الجزائري والوسط والغرب في ديار الأكرمين من الأمة التلمسانية طيلة أيام إقامتهم، وقد دامت ثلاثة أيام كلها أعراس وأفراح بلياليها، وأعياد لم تألفها الأمة التلمسانية إلا في العهود التاريخي الزاهرة، تتجلى دار الدار كعروس تختال في أبهتها وبهجتها وعظمتها.
وبتلك البهجة والأبهة والعظمة انطلقت تبني وتؤلف الرجال والنساء، وتعلم العربية وتنشر الاسلام والفضيلة في عزة وكرامة، فكان الأستاذ الابراهيمي المدير والموجه والمرشد بمساعدة الأستاذ ( بن عودة بوعياد) الذي عينه مدير إداريا فنيا.
وتعرضت مدرسة دار الحديث لكل ما تتعرض له مدارس جعية العلماء من مضايقات واتهامات وإغلاق ومحاكمة، فأغلقت بأمر من رئيس الدائرة ( السوبريفي) في سنة 1938م،لقد أثار قرار غلقها غضبا شعبيا عارما صورته لنا جريدة البصائر في العدد 100 لشهر فبراير سنة 1938 م. على النحو التالي: " ...من المصائب (الاستثنائية) على هذه الأمة أن القوانين تفرض عليها: أن تفرح بمقدار و أن تحزن بمقدار ، لقد اجتمع الموجبان ( موجب الفرح و موجب الحزن ) حول مدرسة دار الحديث فتحناها فاحتشد في تلمسان عشرون ألفا من أبناء هذه الأمة في حفلة ضاحكة يعلوها جلال العلم ، ووقار الدين و سكينة التقوى و روعة النظام و تجمعها جامعة الابتهاج بأعظم معهد علمي ديني شيد بأموال الأمة في الجزائر الحديثة و في أول يناير صدر قرار بإغلاقها... فلا حول و لا قوة إلا بالله العظيم "
وظلت مغلقة إلى أن أعيد فتحها بعد شهور قليلة، وهذا [ بفضل الله ] وبفضل المساعي الحميدة التي قام بها الأستاذ الإبراهيمي والأمة التلمسانية والنواب المسلمون ودفاع جمعية العلماء الذي يتمثل في رئيسها الذي قدم احتجاجا تلو الآخر إلى الدوائر المسؤولة، ونشر في البصائر والشهاب فضائحهم ومكائدهم.
ونشبت الحرب العالمية الثانية فكان لا بد للمدرسة أن تتوقف وخاصة عندما نفي الأستاذ الإبراهيمي في 04 أوت 1939م إلى آفلو الذي قضى في منفاه ثلاثة أعوام.
ثم فتحت المدرسة بعد إطلاق سراح الأستاذ الإبراهيمي في سنة 1943م فاستأنفت نشاطها ولم تتوقف إلا في 29 ماي 1956م حيث أغلقت من طرف السلطات الفرنسية وجيشها كبقية المدارس في الغرب الجزائري.
أما الأساتذة والمديرون الذين عملوا فيها فاذكر منهم ما توصلت إليه: محمد الصالح رمضان، محمد بابا أحمد، أحمد الشاوي، عبد الله أبو عنان، المختار الصبان، محمد ملوكة، مصطفى بن ثابت، عبد المجيد مزيان، محمد بن يلس، الجلالي حجاج، عبد الوهاب بن منصور، بن عودة بوعياد، محمد بن عقيلة، حمزة بلعيد، صالح زروق، سليمان بشنون، عبد العزيز قروف، مولاي الحسن البغدادي.
وأما المعلمات فأذكر من بينهن الأوانس: خديجة بن ديمراد، ربيعة بن الأحبيب، زليخة كراري، فتيحة قورصو، خديجة خلدون، زليخة إبراهيم عثمان، خيرة إبراهيم عثمان، ربيعة بن ثابت، زبيدة بوصالح، كنزة بلخوجة، فضيلة سلعاجي، زاهية عبورة، فاتحة أمراد بودية، رشيدة بن ديمراد
وكلهن من طالبات دار الحديث ومعلمات فيها وفي مدرسة عائشة المجاورة.
وأذكر بمزيد من الفخر والإعجاب الطالبة زليخة كوار – وهي المكفوفة – قد تحدت العمى من صغرها، وأخذت تعليمها عن طريق السمع والتلقين، وخاضت امتحان الشهادة الابتدائية العربية الذي نظمته جمعية العلماء فنالت الشهادة بتفوق.[3]
تلاميذ دار الحديث شهداء حرب التحرير :
انضم عدد كبير من تلاميذ دار الحديث إلى الثورة التحريرية، وكانوا من جنودها الأوفياء، وهذه قائمة الشهداء الذين وقعوا في ميادين البطولة والشرف خلال فترة الحرب التحريرية ضد المستدمر الفرنسي ( 1954 – 1962م) تواجهك أسماؤهم على لوحة رخامية في مدخل دار الحديث:
01 – مليحة حميدو
02 – عويشة حاج سليمان
03- كمال قورصو
04 – جمال أباجي
05- عبد الرزاق أباجي
06- عثمان محمد إبراهيم
07- عز الدين الصبان
08- مصطفى بابا أحمد
09- شرقي أحمد يحياوي
10- عبد الرزاق بختي
11- محمد الصغير برحيل
12- حاج حناوي
13- محمد حساين بوفردة
14- علي خديم
15- سيد أحمد مازوي خياط
16- بن علي بودغن ( العقيد لطفي قائد الولاية الخامسة التاريخية)
17- عبد الحفيظ بوذراع ( من عائلتنا الكريمة: أبو مريم الجزائري)
18- منير ديب
19- محمد ولد أحمد رمضان
20- عبد الحميد بالسعود
21- حسن شحمي
22- مصطفى بن شعرة
23- عبد الكريم بن شعرة
24- عبد الله كرزابي
25- قادة مرزوق
26- منير مغيلي
27- جلالي دالي يوسف
28- قويدر مهاجي
29- أحمد بن شقرة
30- محمد شقرون
31- جلالي صاري
32- عبد الرزاق صاري
33- حسين علالي
34- شكري علالي
35- عبد الكريم بوعياد
36- مختار غزلاوي
37- جلول غزلاوي
38- محمد غزلاوي
39- رشيد رضا قارة تركي
40- نور الدين ؟ [كذا]
41- محمد قادة قلوش
42- محمد خير الدين قروزان
43- عبد الحميد قرطي
44- حسين قوار
45- منير قوار
46- محمد الكبير كاهية ثاني
47- محمد بن يحي.
الهوامش:
[1] و [2] و [3] من كتاب " المسيرة الرائدة للتعليم العربي الحر بالجزائر " ج 3
للأديب محمد الحسن فضلاء - رحمه الله -
شركة دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع – الجزائر
الطبعة الأولى - أفريل 1999م.
يتبع إن شاء الله
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أخي وأحسن الله إليك ، في إنتظار التتمة ولنا عودة إلى موضوعك إن شاء الله تعالى
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
شكرا على المعلومات القيمة أخي في إنتظار التتمة
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الخطاب الذي انقله عن مجلة الشهاب لجمعية العلماء المسلمين التي نشرته لأحد رجالات الإصلاح بمدينة تلمسان نموذج للمسلم الجزائري الوطني رغم ثقافته الفرنسية، وإشتغاله لدى المحاكم التي كانت تحت سيطرة المستدمر الفرنسي
خطاب السيد طالب عبد السلام رئيس الجمعية الدينية التلمسانية، والنائب المالي عن تلمسان في حفلة افتتاح دار الحديث
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
سادتي:
بصفتي رئيسا للجمعية الدينية الإسلامية واحد أبناء بلاد الجدار العاصمة التاريخية أحييكم، كما أحييكم أيها العلماء الحاضرون تحية تليق بمقامكم السامي وبمكانتكم العلمية وأرحب بكم، وبقدومكم وأرجو لكم إقامة سعيدة بين أظهرنا.
سادتي
لقد من اله علينا ولله الحمد ومزيد الشكر بتأسيس هذه المدرسة وإبرازها من حيز الخيال إلى عالم الظهور وهي كما ترونها لطيفة الشكل جميلة المنظر خيوطها موشاة بالزليج وهو فراش أرضها ولها طاقات مزوقة بالنقوش والزخاريف، تواصل البيوت مع بعضها بعضا فإذا أراد الداخل الولوج فيها القي قبالته بابا من الخشب الثمين المغطى بالقطع النحاسية المنقوشة من أعجب ما يرى الناظر فان زاد في الولوج القي قاعة متسعة وهي معدة لإقامة الشعيرة الدينية وتأدية الصلاة المفروضة، وفوق هذه القاعة قاعة المسامرات وإلقاء المحاضرات وهي هذه وبأعلى هذا البناء بناء يحتوي على أربع بيوت متقابلات تزاول فيها دروس العلم وبهذه الطبقة صحن ووسط مع المافع [كذا]والمرافق المتوقفة عليها الطهارة دينا وعصرا وبالجملة فقد بنيت هذه المدرسة على الضخامة والجمال وعلى أحسن هندام من نوع البناء التلمساني القديم الذي اقبر أو كاد أن يقبر.
وقد جاء هذا المعهد العلمي وبني في حومة لها أهمية لا تقل عن اهميتة، وذلك لمجاورته من جهة للإمام البراذعي صاحب التهذيب، ومن جهة للإمام محمد بن احمد بن صعد الذي غنته شعراء الاندلس، قال شاعرهم محمد بن العربي الغرناطي:
وإذا جئت لتلمسان ... فقل لصنديدها ابن صعد
علمك فاق كل علم ... ومجدك فاق كل مجد
ومن اخرى لدار الولاية في عهد الدولة التركية، ومن جهة للمدرسة الثانوية للمعارف الفرنسوية ولهذا صار موقعها من أحسن المواضع، ومركزها من ابرك المراكز.
وقد انضم لهذا الحسن حسن لطيف وهو ما يقرأه القارئ على بابها من الكتابة بخط جميل " دار الحديث " فقد ذكرتنا هذه التسمية بالمدرسة الدمشقية المسماة بهذا الاسم والتي أسست على تقوى وكانت محط رجال العلم مثل المحدث الكبير الإمام النووي والإمام ابن السبكي وأضرابهما، فمدرسة هذا شأنها جديرة بان يسمى عليها رجاء في إحياء اسمها وإحياء علم الحديث الذي هو احد المنبعين للدين الإسلامي ، قال إمام دار الهجرة مولانا مالك لو صرت من العلوم في غاية ومن الفهوم في نهاية ما خرجت عن أصلين كتاب الله وسنة رسوله [ صلى الله عليه وسلم] ولا سبيل إليهما إلا بمعرفة اللسان العربي .
اللسان العربي كما هو مشاهد في حضرنا وبادينا لا زال التقدم فيه بطيئا بالنسبة إلى السواد الأعظم لا نحسن التلفظ به ولا الكتابة ويجمل بنا أن نقف أمام هذه الحالة السوء موقف المتفرج بل يجب علينا استعمال الفكر فيما يخرجنا من هذه الورطة لان حياة امتنا بحياته ودوام موتها بدوام موته ، ولا يكون إحياؤه إلا بإحياء المدارس على الوجه العصري.
إخوتي التلمسانيون ان هذه الوليمة العلمية يومها عندنا عظيم يبقى تاريخه منقوشا في أعماق قلوبنا لا يمحيه زمان ولا بعد أوان فيه تظاهرت الحياة العامة التلمسانية وفكرتنا بأعيادها الغابرة في عهدها الزاهر حكى التاريخ لنا وان السلطان ابا حمد موسى الثالث بنى مدرسة للعالم الإفريقي أبي عبد الله محمد بن احمد الشريف التلمساني وسماها بالمدرسة اليعقوبية وحضر دروسها الافتتاحية تعظيما منه لجانب العلم الذي يرفع بيوتا لا عمد لها وبه يعبد الله ويمجد.
ولقد شعرتم بمجدكم وتاريخكم أيها التلمسانيون وأعنتم على تشييد هذا البناء الضخم بكل ما في وسعكم وطاقتكم فجزاكم الله عن العلم والدين خيرا ولا ننسى المجهودات التي قام بها ذلك الأستاذ الأكبر الشيخ البشير الإبراهيمي لتحقيق هذه الأمنية ولا ننسى غيرته الدينية التي جعلتنا نديم شكره ونخلد طيب ذكره فاسأله تعالى أن يكافيه بنعيم الدنيا والآخرة ويبقيه ملجأ في كل مهمة.
وفي الختام أهنئ من صميم الفؤاد ابن قلفاط محمد الشهير ومحبوب عاشور بن محمد الرباطي، وعبد القادر السنوسي ، والمهندس بوشامة، واثني عليهم وعلى ما أتاهم الله من إحكام في صنعهم ونبوغ في مهنتهم.
هذه كلمتي أملاها علي الابتهاج بهذا العيد العلمي، فلتحي الجزائر العلمية ولتحي تلمسان وليحي العلم ومحبوه.
طالب عبد السلام المحامي الشرعي
ورئيس الجمعية الدينية بتلمسان
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما دمنا نتحدث عن دار الحديث، فها هي مراسلة مراسل ( مُكاتب مجلة الشهاب كما كان يسمى ) من مكدينة تلمسان تنشر له المجلة هذه المراسلة التي تتبع فيها اطوار الافتتاح
الاحــتــفــال الرائــع
بافتتـاح مدرسة "دار الحديـث" بتلمسان
**************
لم تشهد تلمسان في تاريخها الحديث يوما أبهج ولا أروع ولا أجمل ولا أمتع، من يوم 22 رجب من هذه السنة، ذلك اليوم الذي تقاطرت فيه وفود القطر من كل ناحية لشهود افتتاح مدرسة "دار الحديث" التي قامت على جهود أخينا الأستاذ محمد البشير الإبراهيمي وعلى كرم أهالي تلمسان خصوصا وجود الأمة الجزائرية دوما.
حقا لقد كان ذلك رائعا، وقد كان ـ والله ـ جميلا جليلا، وحسبه إن تجلت فيه الروح الاسلامية الكامنة في نفوس أبناء هذا الشعب الطاهر الكريم في أبدع صورة وأروعها وحسبه أن كان مظهرا عظيما كشف به جانب جانب القومية العربية الاسلامية القوية الخالدة، وحسبه أن أرغم أنوفا، وطأطأ رؤوسا، وخفض جباها، طالما تشامخت احتقارا وترفعت كبرا، وتقطبت ظلما وعتوا. وحسبه أن فتح عيونا ونبع عقولا، وفتح قلوبا كانت عمياء لم تبصر السبيل، وذاهلة لم تدرك الدليل وبليدة لم تفقه الحكمة. وحسبه أن أقحم الجاحد، وأرغم المعاند، وهزم المستبد، وأذل الظالم.
أتدرون ما هي انشودة ذلك اليوم؟ لقد كانت أنشودته.
أنــا الإســـلام
جئت بسيف الحجة والبرهان، لا بآية السيف والسنان لنفتح القلوب للتقوى والإيمان، لا لنستعبد البشر وننزع الأوطان. ها أنا الإسلام القوي لا أخرج من ارض دخلتها ولا من قلوب عمــرتها. هـا أنــا الإسـلام القــوي إلـى الأبــد، الثابت إلـى قيــام الساعــة فاحزنوا يا خصوم، وافرحوا يا أنصار.
أنـا العربـيـة
جئت كريمة على هذا الوطن فاحتضنني، وأخذت عليه العهد أن لا يتركني فكان منه الوفاء، وكان مني الكفاء، وهاهم جنودي، أسود وأشبال، نساء ورجال، يتسابقون إلى تكريمي، ويبالغون في احترامي، ويحنون إلي كأم رؤوم، وأعتز بهم كأبناء بررة أقوياء. فما أسعدني بهم وأسعدهم بي.
أنـا القوميــة
أنا القومية الجزائرية بما فيها من لغة ودين وتاريخ ومجد، وذكريات زعماء أبطال، وجهابذة في العلم مثالا للكمال، وحاليات بالصلاح من وراء الجبال، وهاهم حراسي الأمناء يكتنفونني، يسلمون الأرواح ولا يسلمونني.
الله أكبر ما أعظمني من يوم وما أجمل واقوي ما في من حياة.
لندع ذلك اليوم يردد أنشودته فإنها خالدة مثله. ولنحافظ على ذكراه في القلوب ولنردد معه الأنشودة من حين لحين.
فـي المحطة والطريـق...
في الساعة العاشرة ونصف من صباح يوم الاثنين 22 رجب 1356 وصل المجلس الإداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلى محطة تلمسان فوجد في انتظاره داخل المحطة الأستاذ الإبراهيمي ومعه جم غفير من أبناء تلمسان وبعد تبادل التحية تقدم أطفال ثلاثة بباقات الزهر الذكي فسلموا إحداها للأستاذ رئيس الجمعية وأخرى للأستاذ أمين مالها، والثالثة للأستاذ كاتبها العام ثم تقدم الطفل النبيه محمد الإبراهيمي وألقى بين يدي الــرئيـس خطــابا لطـــيفـا رقــيـقـا عــــبـر فـــيـه عـــــن
شعوره وشعور أهالي تلمسان الطيب نحو جمعية العلماء ومجلسها الإداري، ثمّ خرج المجلس من المحطة يتقدمه الرئيس وكان في خارجها صفان كالجبلين من الخلايق إن حزرتهما بالآلاف كنت مقصرا، وإن عددتهما بعشرات الآلاف لم تكن مبالغا. فسار المجلس ووراءه الضيوف بين الصفين اللذين كانا على غاية من التنسيق وكانت أصوات الحامدين المسبحين المكبرين لله رب العالمين تصل إلى أعماق القلوب فتزيدها إيمانا واطمئنانا، وكانت عجائز النساء يخللن هذه المظاهرات بالولولة والزغاريد. فما أحمق هذا اليوم بما سماه به الأستاذ الإبراهيمي "العرس العلمي".
عند باب المدرسة
وواصل الضيوف سيرهم حتى وقفوا على باب المدرسة فوقف الأستاذ الإبراهيمي يخاطب الأستاذ رئيس الجمعية وهو يناوله المفتاح بهذه الكلمات البليغة:" أخي الأستاذ الرئيس لو علمت في القطر الجزائري بل في العالم الإسلامي رجلا في مثل حالتك له يد على العلم مثل يدكم، وفضل على الناشئة مثل فضلكم، لا ترثه دونكم بفتح هذه المدرسة ولكني لم أجد، فباسم تلمسان وباسم الجمعية الدينية بالخصوص أناولكم المفتاح فهل لهذه المدرسة أن تتشرف بذلك؟"
فتناول الأستاذ الرئيس المفتاح وقال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم على اسم الإسلام والعروبة، والعلم والفضيلة، أفتح مدرسة "دار الحديث" ربنا أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين، ربنا أدخلنا مدخل صدق وأخرجنا مخرج صدق واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا. جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا."
ثم فتح الباب ودخل، ودخل معه العلماء والضيوف الذين جاءوا من جميع نــواحي القـطر، فتفرجوا على داخـل المدرسة سفليها ثــم علويها، وكـان مـا حـول المدرسة قد اكتظ بالخلائق فخرج عليهم الأستاذ الإبراهيمي وأشار عليهم بالانصراف فصاحوا بصوت واحد: الرئيس ابن باديس، فأطل عليهم هو والعلماء من (البالكون) وخاطبهم بالكلمات الآتية :
" يا أبناء تلمسان يا أبناء الجزائر إن العروبة من عهد تبع إلى اليوم تحييكم، وإن الإسلام من يوم محمد إلى اليوم يحييكم، وان أجيال الجزائر من اليوم إلى يوم القيامة تشكركم وتذكر صنيعكم بالجميل.
يا أبناء تلمسان كانت عندكم أمانة من تاريخنا المجيد فأديتموها فنعم الأمناء أنتم، فجزاكم الله جزاء الأمناء والسلام عليكم ورحمة الله."
ثم افترقت الجموع الحاشدة وذهب الضيوف لتناول طعام الغداء في بيوت التلمسانيين الكرام.
في العشية
وفي الساعة الرابعة عشية رجع العلماء للمدرسة حيث كان الخلائق ينتظرون سماع الخطب والدروس، فصعدوا للسدة يتقدمهم رئيسهم فلما استقل كل منهم بكرسيه قام الأستاذ الإبراهيمي وتقدم من مضخم الصوت وقد الأستاذ طالب عبد السلام رئيس الجمعية الدينية ليتلو خطاب الترحب باسمها. فتقدم هذا وتلا خطابا رحب فيه بالضيوف وبين فضل العلماء على النهضة الجزائرية الحديثة وذكر من مجد تلمسان ووصف المدرسة وشكر جهود منشئيها وختم بالهتاف بحياة الجزائر الإسلامية وتلمسان ثم قام الأستاذ الإبراهيمي وارتجل خطابا ساحرا عرض فيه بإسهاب المؤسسات العلمية في تلمسان وتاريخها وذكر من أسماء العلماء الذين رفعوا رأس تلمسان عاليا وكانوا السبب في ربطها من الناحية العلمية بالشرق والتعريف بها في عواصمه، ثم عرج على ذكر مدرسة "دار الحديث" المحتفل بفتحها فقال: " الفضل في إنشاء هــذه المدرسة العظيمة لا يـــرجع لأحد غير جمــعية العلمـــاء المســلمين الجزائريين، فكل فضل لهذا العاجز هو قطرة من بحر فضل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين."
ثم حي العلماء وشكرهم وذكر من خدمتهم للعلم والدين ومن سعيهم الجدي لتخليص المساجد من يد الحكومة المستبدة بها غير مراعية في ذلك ما تعهدت به من التباعد عن كل تدخل في أمور المسلمين الدينية وقال: لابد من يوم يأتي نحتل فيه مساجدنا ونتمتع بحريتنا التامة فيها، فاستعدوا لهذا اليوم.
ثم حث على تأسيس المدارس وقال: يجب أن نتدارك بها الإسلام والعربية في ناشئتنا المقبلة.
وهنا تلا برقيتين وردت عليه إحداهما من زعيم المغرب الأستاذ علال الفاسي وأخرى من الأستاذ عباس فرحات من سطيف أبدى كلاهما شعوره الطيب ومشاركته الروحية الصادقة معتذرا عن الحضور.
ثم ندد بأعمال الجور والظلم التي حبست عددا عظيما من إخواننا المغاربة في وجدة وافتكت منهم رخصهم وقد كانوا عازمين على المشاركة في الاحتفال، ثم احتج بكل شدة ضد هذه المعاملة القاسية في عصر يسمونه عصر الديمقراطية والحرية.
وختم بشكر الحاضرين وعرفهم بأن الأستاذ الرئيس سيفتح الكلام في "دار الحديث" بدرس يلقيه في الحديث.
درس الرئيس
كان الرئيس جالسا على كرسيه أمام (الميكرو) وقد ظهر عليه وقار العلم وفضيلة المعرفة في أجلى صورهما، وكان الناس من السكينة والوقار كان على رؤوسهم الطير.
فافتتح بحمد الله وبالصلاة على نبيه [صلى الله عليه وسلم] ثم روى حديثا بالسند المتصل بالبخاري ومسلم وهو قوله [صلى الله عليه وسلم]: " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم الحديث "
و ليعذرني القراء إذا فوت عليهم خلاصة هذا الدرس فإنه ليس من الدروس أو الخطب التي تكثر فيها الألفاظ وتقل المعاني فيكتفي في نقله بالبعض عن الكل وبالخلاصة عن جميع ما قيل، لا ـ والله ـ أن هذا الدرس كانت ألفاظه على قدر معانيه ومعانيه لا تستغني عن قليل من ألفاظه. وكان آية في متانة الأسلوب وحسن البيان. فإذا كانت خسارة القراء فيه لا تعوض فلست المسؤول فلقد ـ والله ـ حاولت نقله فخانني الجهل بفن الاختزال.
وفي أثناء كلام الرئيس على قوله [صلى الله عليه وسلم] من علم وعلم أخرج من جيبه خمسمائة فرنك إعانة للمدرسة ليكون قدوة للناس. وفي ختام الدرس وقف ودعا بدعاء حار مقتبس من القرآن العظيم وحديث النبي الكريم [صلى الله عليه وسلم]، وتلا الفاتحة.
وبإئر ذلك قام السيد الحاج أحمد بن خليل ودعا الناس لإعانة المدرسة وابتدأ هو بدفع ثلاثمائة فرنك للقدوة فتبارى الناس بعده في البذل أحسن الله جزاءهم آمين.
ثمّ افترقت الجموع الحاشدة وذهب الضيوف لتناول طعام العشاء في بيوت التلمسانيين الكرام.
في الليل
وفي الساعة التاسعة ليلا عاد الناس للاستفادة وعاد العلماء للإفادة، وكان المتعين للدرس الأستاذان الشيخ مبارك الميلي، والشيخ العربي التبسي. فألقى الأول درسا في حديث " إنما الأعمال بالنيات..." وألقى الثاني درسا في قوله تعالى: { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ...} [آل عمران: 180] فكان درساهما من الطراز العالي الذي يذكر بكبار علماء السلف، وكانا كأنهما أرادا أن يذكرا الناس بأساليب الدروس لا بمجرد الحكمة التي في الدروس.
وعلـى أثـرهما قـام الأستـاذ الرئيس [ يقصد ابن باديس] متحمسا و قـال: على ذكر الهجرة، في حديث " إنما الأعمال بالنيات " أذكر أني لما زرت المدينة المنورة واتصلت فيها بشيخي الأستاذ حمدان الونيسي المهاجر الجزائري وشيخي حسين أحمد الهندي أشار علي الأول بالهجرة إلى المدينة وقطع كل علاقة لي بالوطن، وأشار علي الثاني ـ وكان عالما حكيما ـ بالعودة إلى الوطن وخدمة الإسلام فيه والعربية بقدر الجهد، فحقق الله رأي الشيخ الثاني ورجعنا للوطن بقصد خدمته، فنحن لا نهاجر، نحن حراس الإسلام والعربية والقومية بجميع مدعماتها في هذا الوطن، فعلا الهتاف والتصفيق بحياة الإسلام والعربية.
ثمّ تقدم الأستاذ الشيخ محمد العيد(شاعر شمال إفريقيا) وألقى قصيدة كلها عيون وغرر، فعرض فيها من ماض أمتنا وحاضرها عرضا شعريا بليغا ملك القلوب وسحر العواطف، ومطلع القصيدة
أحي بالرضى حرما يزار ... ودارا تستضل بها الديار
وبعد الانتهاء من إنشادها افترق الناس على أن يرجعوا صباح الغد لسماع بقية الخطباء والشعراء.
صباح اليوم الثاني
كان المقرر في صباح اليوم الثاني أن يسمع الناس خطاب الأستاذ الفضيل الورتلاني عن سير الحركة العلمية التي تغذيها جمعية العلماء بفرنسا وما كان الوقت المحدد حتى اكتضت رحاب المدرسة بالخلائق وصعد العلماء على السدة، وتقدم الأستاذ الفضيل من (الميكرو) وألقى خطابا طويلا عرض فيه بفصاحته الخلابة، وبيانه الساحر، ما تم من الأعمال العلمية على يد رجال جمعية العلماء في فرنسا فقوطع بالتصفيق والهتاف بحياة العاملين مرارا، وقد أخذ من الوقت ما يقرب من ساعتين.
ثم تقدم الأستاذ محمد العيد وألقى قصيدة استنهاضية عامرة أثارت إعجاب الحاضرين بالشاعر، وأطلقت ألسنتهم بالدعاء ببقائه، ومطلعها
دعاك الأمل ... لخير العمل
ثمّ تقدّم الشيخ الشاعر الأستاذ أبو اليقظان فألقى قصيدة عصماء بعد أن قدم لها مقدمة بليغة ومطلعها.
تلمسان تيهي بهذا الفخار ... وباهي العواصم بين البشر
وبهذه القصيدة ختمت حفلة الصباح.
مأدبة في البساتين
خرج الضيوف من المدرسة تقلهم السيارات إلى بساتين السيد ابن قلفاط حيث أقيمت لهم مأدبة غذاء وعشاء اشتركت فيها أكثر الجمعيات والنوادي التلمسانية جلس الضيوف تحت ظل الأشجار الضليل وحول عيون الماء العذب السلسبيل، فتناولوا ما لذّ وطاب من الطعام ثمّ شربوا الشاي، مزيجا بنغمات الناي، على الطريقة الأندلسية التي كان يقوم بها المطرب الشهير الشيخ العربي وفرقته.
ثمّ ركب بعض الضيوف سيارات ذهبت بهم إلى المنصورة فوقفوا على آثارها معتبرين بتصرفات الدهر، وتقلبات الأيام. ثم رجعوا إلى البساتين حيث تناولوا مع بقية الضيوف طعام العشاء وسمعوا الألحان الأندلسية ممتعة من فرقة الشيخ العربي. وفي الاعة السابقة تمت الحفلة الرسمية.
في نادي السعادة
دعا نادي السعادة هيأة العلماء ومن بقي من الضيوف لحفلة شاي تكريمية فقبلت دعوته وذهب الضيوف للنادي تقلهم السيارات فوجدوه غاصا بأحباب العلماء و أنصارهم ، وما أخذ الضيوف أماكنهم حتى قام الشيخ ابن علي بوعياد وألقى خطابا بليغا في الترحيب بالضيوف ثم طلبت الكلمة من الأستاذ فرحات بن الدراجي ثم من كاتب هاته السطور ثم من الأستاذ الفضيل الورتلاني فتكلم كل بما يناسب المقام، وانتهت الحفلة بسلام.
شكر الله كرم أهالي تلمسان وأعانهم على صالح الأعمال
الجزائر27 رجب 1356 مصطفى بن حلوش
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
من الاعضاء البارزيين في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين