مقدمة
واجهت الثورة الجزائرية منذ اندلاعها مشكلة التسليح الذي تسبب نقصه في جعل الانطلاقة تكون متواضعة في معظم ولايات الوطن. وانطلاقاً من هذه الوضعية، كان الشغل الشاغل لقادة الثورة هو كيفية الحصول على السلاح حتى لا تختنق الثورة في مهدها.
يؤكد هذه الحقيقة محمد بوضياف الذي يذكر أنه التقى في مارس من عام 1955 م قائد الولاية الخامسة محمد العربي بن مهيدي عند وادي ملوية قرب الحدود المغربية، فألح عليه هذا الأخير في طلب الأسلحة قائلاً له: »السلاح وإلا اختنقنا«([1]).
من المؤكد أن السلاح هو عصب الثورة، وهو في كثير من الأحيان المحدد لنتائج المعارك ولمصير الأفراد والشعوب. وما كان هذا المشكل ليطرح لولا كثرة الملتحقين بالثورة، واتساع قاعدتها الجماهيرية. ومن خلال استعراض أرقام الملتحقين بالثورة، تتضح الحاجة الماسة إلى السلاح: فمن مئات المتطوعين في عام 1954 م أصبح عدد المجاهدين 3000 مع بداية 1955 م، ثم صار 40 ألفاً في عام 1956 م، ثم 100 ألف في سنة 1958 م، ليصل إلى 130 ألف مجاهد سنة 1959 م([2]).
لقد أصبحت مشكلة السلاح من المشاكل الملحة التي عملت جبهة التحرير الوطني في الداخل والخارج على إيجاد حل لها، وذلك بالعمل الجاد على توفير السلاح الذي يحتاج إليه المجاهدون. ومن أجل ذلك، لجأ قادة الثورة إلى كافة الوسائل للحصول عليه. ومن ثم نشطت عملية البحث عنه (السلاح) في جميع الجهات الصديقة والشقيقة، إضافة إلى البحث عنه في السوق الدولية للسلاح التي كانت عملية معقدة، لأن جميع صفقاتها كانت تتم في سرية تامة، وتتطلب أموالاً باهظة، إضافة إلى المخاطرة واحتمالات الفشل، وبالتالي الوقوع في أيدي السلطات الاستعمارية([3]).
على الرغم من الجهود المبذولة، فإن المشكل ظل قائماً. ويؤكد ذلك محمد بوضياف حيث يقول: »إن مشكل نقص الأسلحة بقي مطروحاً حتى نهاية الثورة، وبخاصة في الولايات الداخلية التي لا حدود لها مع الدول المجاورة حتى يسهل عليها الحصول على السلاح«([4]).
إن الولايات المجاورة لكل من تونس والمغرب الأقصى كان بإمكانها الحصول على السلاح لتلبية حاجاتها أولاً، ثم محاولة توفير السلاح للولايات الداخلية في مرحلة ثانية، وذلك نظراً للتسهيلات والمساعدات التي كانت هاتان الدولتان توفرانها لقادة الثورة ومجاهديها. ومن خلال هذه المقالة المتواضعة سأحاول تسليط بعض الأضواء على عملية تموين الثورة انطلاقاً من التراب المغربي، وبخاصة في عهد محمد الخامس الذي كان من أشد الداعمين للثورة الجزائرية. ويؤكد ذلك حرصه الشديد على استقلال الجزائر حتى يمكن تحقيق وحدة المغرب العربي.
تنظيم عملية التموين بالسلاح
إن معظم إمدادات السلاح القادمة إلى الحدود الشرقية للجزائر لم تكن تجد طريقها بسهولة إلى الولايات الداخلية المعزولة. لذلك، فإن قيادة الثورة قد نشطت في وضع الخطط، وتكوين شبكات تتولى مهمة الحصول على السلاح من أوربا، وإيصاله إلى المنطقة الغربية من البلاد. ولتحقيق هذا الهدف، أنشأت »إدارة الاتصالات الخاصة بالمعلومات«.
كانت هذه الإدارة تابعة للولاية الخامسة المتمركزة في مدينة وجدة المغربية، وهو ما يؤكد دعم المغرب للثورة الجزائرية. وقد عين على رأسها محمد الرويعي، وكانت مهمتها الأساسية منحصرة في البحث عن السلاح، وتهريبه إلى الداخل.
لم يكن الفرنسيون شديدي الحذر في بداية الثورة. ولذلك لم يتخذوا إجراءات مشددة في التفتيش والتدقيق عبر الحدود. ونتيجة لذلك، لم تتخذ »إدارة الاتصالات« الاحتياطات اللازمة أثناء القيام بعملية تهريب السلاح إلى الجزائر، وهو الأمر الذي أدى إلى اعتقال بعض أعضاء شبكة الاتصال، كما جعل الفرنسيين يلجأون إلى وسائل أكثر دقة وشدة في مراقبة الحدود.
على أثر ذلك، قررت »إدارة الاتصالات الخاصة بالمعلومات« إعادة تنظيم شبكة جديدة لتهريب السلاح والبريد والأموال إلى الداخل، واعتمدت في خطتها الجديدة على ما يلي:
1. تجنيد الجزائريين المتنقلين بين المغرب والجزائر؛
2. تجنيد بعض الأجانب الموثوق بهم؛
3. اعتماد وسائل مختلفة لتهريب السلاح وتنويع طرق التهريب([5]).
تمكنت »إدارة الاتصالات« بفضل هذا التنظيم الجديد من القيام بمهمتها خير قيام، وسجلت نجاحاً معتبراً في ميدان تهريب السلاح. وبذلك تمكن جيش التحرير الوطني من الحصول في السنة الأولى للثورة على بعض الأسلحة الحديثة التي جاءته من الخارج([6]).
كان معظم السلاح الآتي من الخارج إما عبارة عن مساعدات قدمتها الدول العربية الشقيقة، ومنها المغرب الأقصى، وبعض الدول الاشتراكية، وإما مشتريات من السوق السوداء. ومن مصادر التسليح أيضاً مصنع السلاح الخفيف والذخيرة الذي أقامه جيش التحرير الوطني في مدينة الدار البيضاء بالمغرب، وكان يشرف عليه فنيون أمريكيون وألمان متعاطفون مع الثورة الجزائرية مقابل مرتبات عالية. »والغريب في الأمر هو أن المخابرات الاستعمارية لم تكن على علم بوجود هذا المصنع«([7]). وهو إن دلّ على شيء، فإنما يدل على دقة التنظيم والسرية التامة التي كان يتحلى بها المجاهدون الذين نجحوا في تجنيد كل معارفهم وخبراتهم من أجل إنجاح المهمة التي أوكلت إليهم من جهة، والدعم والمساندة التي كانت الثورة تلقاها من السلطات الحاكمة بالمغرب الأقصى، وعلى رأسها محمد الخامس من جهة أخرى.
وسائل إيصال السلاح إلى داخل الحدود الجزائرية
1 - عن طريق البر: عملت شبكة الاتصالات على ابتكار وسائل متعددة بهدف إدخال السلاح إلى التراب الوطني. ومن أهمها ما يلي:
أ. صناديق الخضر: كانت شبكة الاتصالات تقوم بإعداد صناديق مخصصة لنقل الخضر، وهي ذات قعر مزدوج لا يثير الشبهة، ثم تضع بداخل القعر السفلي المسدسات وكميات من الذخيرة، وفي القعر الأعلى توضع الخضر المطلوبة، وتشحن الصناديق نحو الجزائر.
ب. البطيخ: استخدم البطيخ (الدلاح) في موسمه وسيلة لنقل الذخيرة كبيرة الحجم نسبياً مثل القنابل اليدوية وذخيرة الرشّاشات الثقيلة، حيث كان يفرغ جوفه، ثم يتم تعبئته بالذخيرة. وبعد ذلك، يعاد إغلاقه بطريقة محكمة بحيث لا يثير الشك إطلاقاً. ولتحقيق التمويه التام، كان يوضع بطيخ عادي فوق شحنة البطيخ المعبإ.
ج. قلل الفخار (الجرار الكبيرة): لم يقتصر الدعم المغربي للثورة على السلطات الحاكمة فقط، بل تعداه إلى المستوى الشعبي. ومثال ذلك أحد صنّاع الفخار بفاس الذي اتصلت به »إدارة الاتصالات«، وعرضت عليه فكرة تهريب الذخيرة داخل القلل. فاستجاب لذلك، وكان يصنع القلّة، ثم يضع في أسفلها قنبلة يدوية أو عدة رصاصات، ثم يغطيها بالطين حتى تجف، ثم تشحن القلل. وبكميات كبيرة في القطار المتوجه إلى وهران.
د. خزانات وقود السيارات: استخدمت هذه الوسيلة منذ البداية في السيارات السياحية والشاحنات، بحيث كان ينزع خزّان الوقود ويفتح، ثم يوضع في جوفه خزان صغير مليء بالأسلحة والذخيرة، ويترك حوله فراغ لتعبئة وقود يكفي لمسافة معقولة.
كان تقنيو شبكة الاتصال يضعون في الحسبان احتمال إدخال قضيب داخل الخزان لفحصه، ولذلك كانوا يضعون ماسورة - وهي أنبوب أجوف- طويلة تمتلئ مع جوانب الخزان الأصلي بالوقود، ويعيدون بعد ذلك تلحيم الخزان، ثم يقومون بدهنه وإعادته إلى مكانه بالسيارة؛ كما استخدموا أرضية السيارة لنفس الغرض بحيث كانت تجعل من طابقين، يتم وضع السلاح في الطابق السفلي منهما([8]).
نجح قادة الثورة بواسطة الوسائل المذكورة سابقاً، وبمساعدة السلطة المغربية ومواطنيها، في إيصال كميات هامة من السلاح والذخيرة لأفراد جيش التحرير الوطني العاملين في الجهة الغربية من الوطن.
2 - عن طريق البحر: إضافة إلى تموين الثورة بالسلاح والذخيرة عن طريق الخط البري، تمكنت الثورة أيضاً من استغلال الخط البحري الرابط بين إسبانيا وميناء وهران لإيصال كميات من السلاح والذخيرة الحربية مستعملة لتحقيق ذلك خزانات سرية في السيارات القادمة إلى وهران على متن البواخر، وقد قام بهذه المهمة عدد من الشخصيات الجزائرية التي لم تكن موضع شك من قبل السلطات الفرنسية مثل العقيد بن داود، وهو عقيد متقاعد في الجيش الفرنسي، ومقيم في أليكانت الإسبانية »قام بتنفيذ أربع مهمات«؛ والباشاغا شنتوف الذي كان ينقل أسبوعياً السلاح والذخيرة في مخبإ سري بسيارته؛ وكذلك الباشاغا حقيقي الذي كان عضواً في مجلس الشيوخ الفرنسي، وقد نفذ ثلاث مهمات تهريب سلاح.
جندت الثورة أيضاً عملاء فرنسيين لتحقيق المهمة نفسها، حيث تولى هؤلاء نقل السلاح إلى داخل الجزائر بسياراتهم الخاصة مقابل مبالغ مالية معينة، ومنهم شيروك شامبو الذي كان يتقاضى 5000 فرنك جديد عن كل شحنة سلاح يوصلها إلى الجزائر([9]).
إضافة إلى هذه المهمات المحدودة، نجحت قيادة الثورة في الخارج في إرسال شحنات كبيرة من الأسلحة على متن بواخر تابعة لدول شقيقة أو مؤجرة، ومنها باخرة عاهلة الأردن دينا التي أرسلت من مدينة الإسكندرية محملة بـ 16,5 طن من مختلف الأسلحة. وقد وصلت إلى أحد موانئ منطقة مليلية المغربية المحتلة في مارس 1955 م، وأفرغت هناك كميات من الأسلحة الحديثة، ومنها مدافع رشاشة ثقيلة، وبنادق رشاشة خفيفة من نوع طومسون، وبنادق عشرية 303 إنكَليزية الصنع وصناديق الذخيرة... ورافق هذه الشحنة من الأسلحة والذخيرة ضباط جزائريون نذكر منهم السادة هواري بومدين وعبد القادر شنوف وسي الصديق...([10]).
وقد كان لوصول هذه الشحنة من الأسلحة إلى المنطقة الغربية دور هام في تنشيط الكفاح المسلح بهذه المنطقة التي شهدت تأخراً في الانطلاقة، نظراً لقلة السلاح بها.
إضافة إلى اليخت دينا، وصلت الباخرة فاروق إلى مياه الناضور المغربي في جويليه سنة 1956 م محملة بمختلف الأسلحة التي أدخلت إلى الجزائر بواسطة قوارب الصيد وعلى ظهور البغال، وتم توزيعها على الولايتين الخامسة والرابعة([11]).
مراكز التموين بالسلاح على التراب المغربي
أنشأت »إدارة الاتصالات« عدة مراكز للتموين بالسلاح على التراب المغربي، ومنها:
- مركز الناضور، وهو مخصص للأسلحة والتموين؛
- مركز وجدة: تخزين الأسلحة وذخيرتها الحربية؛
- مركز فكَيكَ: تخزين الأسلحة وذخيرتها الحربية؛
- مركز بركان: تخزين الأسلحة؛
- مركز القنيطرة: تخزين الذخيرة الحربية؛
- مركز الرباط: التموين العامّ بالذخيرة الحربية؛
- مركز الدار البيضاء: استقبال الأسلحة وذخيرتها الحربية وتخزينها ونقلها للحدود الجزائرية؛
- مركز طنجة: استقبال الأسلحة وذخيرتها الحربية وتخزينها ونقلها للحدود الجزائرية؛
- مركز تطوان: تخزين الذخيرة الحربية([12]).
ردود الفعل الفرنسية
نظراً للخطر القادم من الحدود المغربية، أسرعت فرنسا إلى محاولة عزل الجزائر عن العالم الخارجي، وبخاصة عن المغرب الأقصى الذي كان الممون الرئيس للثورة الجزائرية بالأسلحة والذخيرة، سواء تعلق الأمر بتلك القادمة من الخارج، والتي تم إفراغ معظمها في الموانئ المغربية، أو تلك التي كانت تصنع فوق التراب المغربي، وتنقل إلى الجزائر عن طريق الحدود التي كانت همزة الوصل التي ربطت البلدين والشعبين إلى الأبد، وذلك من خلال الإجراءات التالية:
أ. إقامة الأسلاك الشائكة المكهربة والملغمة على طول الحدود الجزائرية المغربية من ميناء ساي [Port Say] (مرسى بن مهيدي حالياً) الواقع شمال الحدود المغربية الجزائرية إلى مدينة بشار جنوباً على مسافة طولها 750 كلم. وقد شرع في إنجاز هذا الخط بداية من سنة 1956 م من أجل تحقيق هدفين أساسيَّين هما:
1 - مراقبة تحركات المجاهدين وعمليات تهريب السلاح، والقيام بكل ما يمكن فعله لمنع ذلك؛
2 - حماية الخط الحديدي المحاذي للحدود، والذي يسمح بنقل المعادن ومعدات الحرب. ويتعلق الأمر هنا بخط السكة الحديدية الذي يربط وهران ببشار مروراً بمدينة المشرية. وقد انتهت أشغال هذا الخط المكهرب في سنة 1959 م([13])؛
ب. ضرب حصار بحري وجوي على السواحل المغربية الجزائرية بصفة خاصة، وعلى الجزء الغربي من البحر الأبيض المتوسط بصفة عامة. والهدف من ذلك هو مراقبة وتفتيش كل البواخر والسفن التجارية المتجهة إلى الجزائر أو المغرب، وذلك خوفاً من تسرب الأسلحة وذخيرتها الحربية إلى المجاهدين في الجزائر عن طريق المغرب.
ومن أجل تطبيق كل هذه الإجراءات، أصدرت السلطات الفرنسية تشريعات جديدة لتسهيل مهمة التفتيش البحري، ومنها:
1 - الأمر الصادر للأسطول الفرنسي بكامله من مجلس الوزراء الفرنسي في 21/ 10/ 1956 بأن يقوم بدوريات منتظمة للحيلولة دون وصول أيِّ شحنة من الأسلحة للجزائر؛
2 - يستند هذا الأمر إلى مرسوم نص على ما يلي:
- المادة الرابعة: خلافاً لأحكام المادة 44 من قانون الجمارك، يزداد حدّ منطقة التفتيش الجمركي على سواحل الجزائر للسفن التي تقل حمولتها عن 100 طن، بحيث يشمل 50 كلم بعد أن كان 20 كلم سابقاً.
- المادة الخامسة: إن سلطات تفتيش المراكب التي تقل حمولتها عن 100 طن، وهي المخولة بموجب القوانين النافذة لضباط وبحارة السفن البحرية الحربية تصبح فيما يتعلق بالمنطقة المعينة بالمادة الرابعة من صلاحيات ضباط وملاحي طائرات الهليكوبتر وغيرها من الطائرات البرمائية العسكرية، وكذلك تحول إلى كل جهاز من أجهزة البحرية الحربية يحتمل أن يعين لهذا الغرض([14]).
بعد إصدار هذه التشريعات، عمدت فرنسا إلى مطاردة الكثير من السفن وإيقافها. وقد أوردت "المجلة الفرنسية الحربية"، وهي مجلة شبه رسمية تصدر بباريس بمساعدة وزارة الحربية الفرنسية، بيانات تتضمن كل شهر لائحة بالعمليات التي تمت في هذا المجال. ومن ذلك قولها:
قامت قطعنا البحرية وطائراتنا خلال شهر أكتوبر 1956 م بالتحقق من هوية 600 مركب، وأوقفت 285، وزارت 69. وفي ما بين 3/ 12/ 1957 م
و10/ 01/ 1958 م، أمكن معرفة 300 باخرة، وأوقفت 40، وزيارة 30 تم اقتياد 10 منها إلى أحد الموانئ([15]).
ولم تكتف فرنسا بعمليات المراقبة والتفتيش فقط، بل وصلت إلى أبعد من ذلك. ويتذكر العالم ممن عاش أحداث ثورة التحرير الجزائرية الأعمال المثيرة التي قامت بها السلطات الاستعمارية، ومنها على وجه الخصوص:
ـ إيقاف الباخرة المصرية آثوس [Athos] في 16 أكتوبر 1956 م، وهي محملة بـ100 طن من الأسلحة والذخيرة (2500 بندقية، 39 رشاشاً، 50 بندقية رشاشة، 250 مسدساً رشاشاً، 72 مدفعاً، 5000 قنبلة، وأكثر من مليون خرطوشة) ([16])، وهي الباخرة الرابعة التي أرسلها الوفد الخارجي للجبهة من مصر بعد أن تمكنت البواخر الثلاث الأولى من الوصول إلى المغرب، وإنزال كميات هامة من الأسلحة التي نقلت بعد ذلك إلى داخل الجزائر. وهذه البواخر هي »اليخت دينا«، و»اليخت الانتصار«، و»اليخت فاروق«([17])؛
ـ حجز الباخرة اليوغسلافية »سلوفينيا« محملة بالأسلحة وهي في طريقها إلى إنزال حمولتها قرب وادي ملوية (18/ 01/ 1958 م)؛
ـ حجز الباخرة الدانماركية »قرانيتا« بمرفإِ سي (Port Say) قرب السعيدية (23/ 12/ 1958 م)؛
ـ حجز الباخرة الشكسلوفاكية »ليدسي«، وهي في طريقها إلى ميناء كبدانة المغربية (07/ 04/ 1959 م)؛
ـ حجز الباخرة البولندية »مونتي كاسينو« في جويليه 1959 م؛
ـ حجز الباخرة الألمانية »بيليا« قرب السواحل المغربية (05/ 11/ 1959 م)؛
ـ حجز الباخرة الهولندية بسواحل المنطقة الإسبانية قرب الناضور (12/12/1959 م)؛
ـ إيقاف الباخرة اليوغسلافية »سلوفينيا« للمرة الثانية (29/ 03/ 1960 م)؛
ـ إيقاف الباخرة اليوغسلافية »وجيا«، وهي في طريقها إلى مرفإ كبدانة المغربية (13/ 04/ 1960 م)؛
ـ حجز الباخرة الألمانية »لاس بالماس« في 9 جوان 1960 م؛
ـ إيقاف الباخرة اليوغسلافية »صربيا« في 5 جوان 1960 م([18]).
ـ وفي ديسمبر 1960 م، تم توقيف 17 مركباً ألمانياً في عرض البحر الأبيض المتوسط، مما أثار أزمة حادة في العلاقات الألمانية الفرنسية. ولقد تم إيقاف معظم هذه البواخر في عرض البحر، أو في المياه الإقليمية للمغرب([19])، وهو ما يؤكد الدور المغربي في تموين الثورة بالسلاح.
على الرغم من هذه الإجراءات المشددة التي فرضتها السلطات الاستعمارية على الحدود البرية والبحرية للجزائر، فإن تدفق الأسلحة بقي مستمراً. وما يؤكد ذلك هو التقرير الذي خرجت به اللجنة البرلمانية الفرنسية التي أوفدت للتحقيق في الجزائر بتاريخ 22 جويليه 1957 م. ومما جاء في التقرير ما يلي:
بينما يظهر الثوار الوطنيون، وهم أكثر تنظيماً، وأقوى مما كانوا عليه في العام الماضي، فإن الموقف العسكري للقوات الفرنسية هو أسوأ مما كان عليه... وتبلغ القوة القتالية الحالية للثوار 25 ألف رجل، ولديهم من الأسلحة ما يكفي لتجهيز 15 ألف منهم فقط. وقد تحسنت أسلحة الثوار كثيراً بالمقارنة مع ما كانت عليه في السنة الماضية. ويتلقى الثوار ما بين 700 و800 قطعة سلاح حديثة في الشهر، منها حوالي 500 من تونس، والباقي من المغرب([20]).
ويؤكد الجنرال سالان (Salan) الرأي نفسه حين يصرح في ندوة صحفية:
أن 1500 قطعة سلاح تدخل سرّاً إلى الجزائر منذ سنة 1957 في كل شهر، وأن ثلاثة أرباع هذا السلاح يأتي عن طريق تونس، والباقي من المغرب، ولا يتمكن الجيش الفرنسي إلا من استرجاع ثلث الأسلحة المهربة من الحدود([21]).
موقف الثورة الجزائرية من الإجراءات الفرنسية
أصبحت الأمور أكثر تعقيداً في عام 1958 م بسبب تكثيف الحواجز الاستعمارية وتدعيمها. ومع ذلك، كانت الأسلحة تدخل إلى أرض الوطن، وتصل إلى المجاهدين، ولكن بكميات غير كافية. ولقد عبرت لجنة التنسيق والتنفيذ عن ذلك في التقرير الذي أعدته حول وضعية الثورة في سبتمبر 1958م. فعند الكلام عن قضية التموين بالسلاح، قالت: »إن هذه العملية كانت دائماً دون الحاجة الملحة حتى في الوقت الذي كان فيه الطريق مفتوحاً«. لكنها لاحظت أن توقف عملية إدخال الأسلحة في المدة الأخيرة جعل الأمور أكثر خطورة، وبخاصة في المناطق الغربية، والذي نتج عنه النقص الواضح في العمليات العسكرية للمجاهدين.
وإزاء هذه الأوضاع، قررت اللجنة ما يلي:
بخصوص الحدود المغربية:
1 - محاولة إيجاد عملاء جدد، وبخاصة في إسبانيا؛
2 - استعمال كل الوسائل من أجل الحصول على الأسلحة والذخيرة، وذلك بالاعتماد على مخازن السلاح التابعة للفرنسيين والأمريكيين، والموجودة فوق التراب المغربي([22]).
تنفيذاً لهذه القرارات، تم إنجاز مصانع للأسلحة فوق التراب المغربي، وكانت موجودة في الأماكن التالية:
1 - تطوان (1958 م): صناعة القنابل من النوع الإنكَليزي والمتفجرات؛
2 - بوزنيقة (1959 م): صناعة قنابل من النوع الأمريكي والبنقالور والسلاح الأبيض؛
3 - تمارة (1960 م): صناعة الرشاشات الخفيفة 49 mat والسلاح الأبيض.
4 - الصخيرات (1960م): صناعة مدافع الهاون - عيار 45 والمتفجرات؛
5 - المحمدية (1960 م): صناعة مدافع الهاون عيار 60-80 والبنقالور والألغام؛
6 - الدار البيضاء (1960 م): صناعة البازوكَات والرشاشات 49 mat - المتفجرات - والألغام والسلاح الأبيض.
إضافة إلى هذه المصانع التي أنشأتها قيادة الثورة في المغرب الأقصى، شرع منذ سنة 1960 م في جلب الأسلحة نصف الثقيلة والثقيلة بمختلف أنواعها وذخيرتها الحربية من الخارج، ومن مختلف الدول الشرقية والغربية، ومنها خاصة مدافع الهاون والبازوكَات والمدافع المضادة للطائرات. وكانت هذه الأسلحة تأتي عن طريق المغرب، وفي غالب الأحيان باسم الحكومة المغربية([23]).
خاتمة
واجهت الثورة الجزائرية مشكلة حادة، تتمثل في قلة السلاح. ولذلك بذل قادة الثورة مجهودات جبارة من أجل إيجاد حل لهذه المعضلة، لأنهم كانوا يعتقدون أن إيجاد الحل لها يعني الوصول إلى تحقيق الهدف المنشود، ألا وهو تحقيق الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية. ولم يكن ذلك ممكناً لولا وقوف الدول الشقيقة والصديقة إلى جانب الثورة الجزائرية، وإمدادها بما تحتاج إليه، إضافة إلى قيام دول أخرى بتسهيل عملية نقل السلاح والذخيرة إلى داخل التراب الجزائري حتى يتمكن المجاهدون من الحصول على السلاح، وبالتالي مواجهة العدو وتحقيق أهداف الثورة.
وفي هذا الإطار، فإن الدور الذي أدَّاه المغرب الأقصى في عهد محمد الخامس كان حاسماً؛ إذ مكن الثوار من الحصول على الأسلحة والذخيرة التي كانوا في أمس الحاجة إليها، وبخاصة في الوقت الذي ازداد فيه عدد المنخرطين في صفوف جيش التحرير الوطني بداية من نهاية عام 1955 م.
إن المغرب الأقصى، بحكم موقعه الجغرافي من جهة، وعراقة العلاقة الأخوية التي تربطه بشقيقه الشعب الجزائري، كان في الموعد، وقدم ما كان المجاهدون بحاجة إليه، وبالتالي ساهم في دحر المستعمر الفرنسي، وإخراجه من التراب الجزائري.
([1]) عمار قليل، ملحمة الجزائر الجديدة، دار البعث، قسنطينة، ط. 1، 1412 هـ/ 1991 م، ج 1، ص. 234.
([2]) بسام العسلي، جيش التحرير الوطني الجزائري، دار النفائس، بيروت، ط. 2، 1406 هـ/ 1986 م، ص. 71.
([3]) عمار قليل، المرجع السابق، ج 1، ص. 259.
([4]) المرجع نفسه.
([5]) محمد صديقي، الطرق والوسائل السرية لإمداد الثوار الجزائريين بالسلاح، تعر يب أحمد الخطيب، دار الشهاب، باتنة، 1986، صص. 34-35.
([6]) بسام العسلي، المرجع السابق، ص. 71.
([7]) محمد صديقي، المرجع السابق، ص. 50.
([8]) المرجع نفسه، ص. 65.
([9]) المرجع نفسه، صص. 68-69.
([10]) عمار قليل، المرجع نفسه، ج 1، ص. 260.
([11]) محمد قنطاري، الثورة الجزائرية ونظمها السياسية والإدارية والعسكرية من 1954 إلى 1958 م، بحث لنيل دبلوم الدراسات المعمقة، معهد العلوم الاجتماعية، جامعة وهران، 1983، صص. 44-45.
([12]) المرجع نفسه؛ »الثورة الجزائرية وقواعدها الخلفية بالجبهة الغربية«، مجلة الذاكرة، المتحف الوطني للمجاهد، السنة الثانية، العدد الثالث، خريف 1415 هـ/ 1995 م، صص. 131-132.
([13]) Mohamed Teguia, L’Algérie en guerre, O.P.U, Alger 2ème, 1988, pp. 265-266.
([14]) مصطفى طلاس وبسام العسلي، الثورة الجزائرية، دار الشورى، بيروت، ط. 1، 1402 هـ/ 1982م، ص. 172.
([15]) المرجع نفسه، ص. 170.
([16]) M. Teguia, op. cit., p. 320.
([17]) Yves Courrière, La guerre d’Algérie, T. 2, Le temps des léopards, Librairie Arthème Fayard, 1969, pp. 458-460.
([18]) محمد قنطاري، مجلة الذاكرة، نفس العدد، صص. 124-125.
([19]) العماد طلاس، المرجع نفسه، ص. 171.
([20]) بسام العسلي، جيش التحرير الوطني الجزائري، ص. 99.
([21]) M. Teguia, op. cit., p. 322.
([22]) «Document CCE 1958. Rapport sur la situation actuelle», in Actualité de l’Emigration.Spécial, n° 187 du 26 oct. au 9 nov. 1989, pp. 42-43.
([23]) محمد قنطاري، مجلة الذاكرة، المرجع السابق، ص. 126.