عنوان الموضوع : العربية في عهد بوتفليقة عرفت أسوأ فتراتها في تاريخ الجزائر تاريخ الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب
الدكتور عثمان سعدي يواصل شهادته لـ"الشروق":
العربية في عهد بوتفليقة عرفت أسوأ فتراتها في تاريخ الجزائر
عرفت بن بلة عن قرب في القاهرة وهو من عيّنك أمينا دائما لمكتب جيش التحرير بالقاهرة سنة 1956. كيف كانت علاقتك به؟
كنت طالبا بجامعة القاهرة، وفي سنة 1955 تدربت على السلاح في معسكر "أنشاص" مقررا الدخول كمجاهد. لكني فوجئت بأحمد بن بلة يقول لي: "من يحمل السلاح كثيرون، أنت صاحب قلم، الجزائر في حاجة إلى قلمك هنا بالمشرق العربي"، ثم عيَّنني الأمين الدائم لمكتب جيش التحرير بالقاهرة الذي كان مكتبا سريا، تقلدت هذا المنصب إلى سنة 1957، كنت أستقبل الشبان الآتين من الجزائر للتدرب على السلاح، فوجئت بابن بلة في يوم من الأيام يستدعيني ويقول لي "حضر شاب اسمه ابن أحمد تطوع في الثورة كان مستخدما في بلدية وهران، اجعله يقيم معك في غرفة واحدة أدرسه وقدم لي تقريرا عنه"، فأقام معي ابن أحمد في غرفة واحدة مدة أسبوعين وقدمت عنه تقريرا لبن بلة بيّنت فيه رأيي بأنه شاب متحمس صادق، وهو المسمى عبد الغني الذي صار فيما بعد وزيرا للداخلية ورئيسا للحكومة، واستقبلت الكثير من هؤلاء الشبان ومنهم العقيد مصطفى هشماوي أطال الله في عمره.
وهل فعلا كان يتلقى التعليمات من جمال عبد الناصر؟ وهل هذا هو سبب انقلاب بومدين عليه؟
لا نقاش حول وطنية بن بلة الذي أكنّ له كل الحب والاحترام. ولا يمكن في نفس الوقت إنكار ارتكابه لبعض الأخطاء، أضرّه المصريون كثيرا وتمادوا في تدخلهم في بعض الشؤون الداخلية. أنا شخصيا وقع لي معه حادث لازلت أذكر تفاصيله إلى اليوم، فقد عينني عام 1963 لأترأس أول بعثة ديبلوماسية في الكويت، وكان قد أمم الأنبوب الثالث: أنبوب حوض الحمراء ـ أرزيو، وأصر على أن تتحمل الجزائر تكاليف بنائه والتي بلغت أكثر من 120 مليون دولار رغم محاربة الدنيا كلها لقراره، مول الكويتيون بناء هذا الأنبوب.
شاءت الصدف أني التقيت ياسر عرفات في الكويت بعد أن قدمت أوراق اعتمادي، فأعطاني رسالة بها 500 دولار لأسلمها لأبو جهاد "خليل الوزير" مسؤول أول مكتب منظمة التحرير "فتح" في الجزائر. استدعيت أبو جهاد وقلت له: أبو عمار أعطاني هذه الأمانة وهي لك، فقال لي "بن بلة أمرَ بغلق المكتب في الجزائر، فما فائدة هذه النقود؟".
بن بلة أغلق مكتب "فتح" حسب تعليمات المخابرات المصرية
في نفس تلك الليلة، وبينما كنت "أتعشى" في فيلا "جولي" مع بن بلة بعد أن قدمت له شيك القرض الذي طلبه من الكويت حتى يدفع مرتبات الموظفين. سألته عن حكاية الفلسطينيين وغلق المكتب؟ فأخبرني أن المصريين أخبروه أنهم عملاء للمخابرات البريطانية، فقلت له "ألا يوجد جزائريون بإمكانهم أن يعطوك المعلومات بدل أن تأخذها من "علي خشبة" ضابط المخابرات سفير مصر في الجزائر؟
عندها سألني إن كنت أعرف هؤلاء الفلسطينيين جيدا؟ وعندما أكدت أنني أعرف ياسر عرفات وغيره من هؤلاء الشبان المخلصين لقضية وطنهم "وأضمنهم بقطع الرقبة كما يقال". طُلب مني أن أكتب له عنهم تقريرا مفصلا، وفي اليوم الموالي، التقيت أبو جهاد، فقال لي "البارحة في حدود الثانية بعد منتصف الليل جاءني وزير الدولة عبد الرحمن شريف وأعطاني مفاتيح المكتب وسحب مني تذكرة السفر". وتشاء الصدف أن أتسبَّب في منع فضيحة كبرى تتمثل في غلق مكتب فلسطين بالجزائر.
ما رأيك في بعض التحليلات التي تربط بين تشكيل الحكومة المؤقتة ومجيء دوغول؟
هذا ربط غير بريء وغير صحيح، جماعة البيان مثلا وعلى رأسهم فرحات عباس اكتشفوا فيما بعد أنهم كانوا مخطئين وأن الجزائر لا يحررها إلا السلاح وأن ما أخذته فرنسا الاستعمارية بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، فالتحق فرحات عباس بالقاهرة واستقبله بن بلة بحفاوة وقدّمه للصحافة.
وكيف عشت فترة الصراع بين بومدين "جيش الحدود" والحكومة المؤقتة في القاهرة؟
لديّ دراسة منشورة عنوانها "صفاء الثورة الجزائرية في سنواتها الثلاث الأولى" وفيها تحدثت بعمق عن الصراع الذي بدأ بعد مرور ثلاث سنوات على الثورة حيث دخلتْ التيارات الفرنكفونية وتيارات أخرى .. والحمد لله أنها انتهت بسلام. أما جيش الحدود فلا أحد ينكر دوره الهام في حماية الوطن والحفاظ على الدولة.
ومعظم جنود جيش الحدود من الداخل. ونصت اتفاقيات ايفيان مثلا على أن جيش الحدود يسلم سلاحه في الحدود، لكن بومدين أعطى الأوامر بدخول الجيش مسلحا. الموضوع شائك ومعقد والتفاصيل طويلة وهذه هي الثورات في كل العالم.
قلت إن ميلاد نواة إدارة الدولة الجزائرية الفرنكفونية كان في الحكومة المؤقتة بالقاهرة على يد المناضلين الفرنكوفونيين، إذن لماذا يحمّل بومدين الجزء الأكبر من المسؤولية في مسألة التعريب؟
بالنسبة للتعريب مثلا أقنع بومدين المحيطين به أنه من غير الممكن أن يتم دفعة واحدة وإنما على مراحل. وبومدين لم يكن مثل "هوشي مينه" الذي آمن بالفتْنمة الفورية والشاملة.
روى لي سفيرٌ صيني أن بومدين عندما زار بكين أحضروا له مترجما باللغة الفرنسية، فاستغرب بومدين وعلق "يبدو أن الرفاق الصينيين لا زالوا يتصورون أننا ما زلنا مستعمَرين؟" وأحضر على الفور مترجماً باللغة العربية.
بومدين سُمِّم في الجزائر واتِّهام صدام بذلك مجرد افتراء
وعند لقائه مع الرئيس الأمريكي نيكسون، كان المترجم بالبيت الأبيض شقيق زميلي سفير لبنان بالعراق وروى أن أخاه قال له "لم أعتز برئيس دولة عربي مثل اعتزازي ببومدين فقد كان في مستوى الرجال العظماء". للأسف رحل باكرا ووافته المنية قبل أن يواصل مشاريعه.
على ذكر الموت المفاجئ لبومدين وباعتبار علاقتك بصدام حسين أيام كنت سفيرا في بغداد. ما رأيك في فرضية تسميمه هناك؟
أعوذ بالله.. هذا كلامٌ فارغ صدر من السخيف وزير الدفاع السوري مصطفى طلاس، فهو من روَّج لهذه الإشاعة ثم نشرها الكويتيون وصحفيٌ جزائري ألَّف حولها كتاباً. بومدين إذا كان فعلا اغتيل ولم تكن وفاته طبيعية فالمتهم الرئيسي هي فرنسا وأمريكا.
بالعكس عندما كنت سفيرا في العراق، سعيت إلى ربط علاقة صداقة بين صدام حسين وهواري بومدين. وفعلا تحقق ذلك وزار صدام الجزائر في جوان 1974. وتوطدت العلاقة بينهما وأحب صدام الجزائر وقرر أن يقضي عطلته الصيفية مستقبلا بالجزائر مع عائلته، إذا كان بومدين قد قُتل فلقد تم قتله في الجزائر. أذكر أنه في آخر جلسة لي مع بومدين قلت له "يروّج أن بعض المسؤولين في الدولة كوّنوا ثروات خاصة؟" فقال لي: "الملفات موجودة وقريباً سيُكشف كل شيء وسيطفو كالزيت فوق الماء"، ثم نظر إلي وقال "عثمان رد بالك الحيوط بوذانها" يعني هذا لا يبث.. كان رحمه الله مقبلا على محاسبة من استغل وظيفته وأثرى، كان يردد دائما "الثورة تتناقض مع الثروة".
تحدثنا عن واقع التعريب في عهد بن بلة وبومدين ثم في فترة الشاذلي بن جديد، كيف تعامل بوضياف مع هذا الملف؟ وماذا قدّمت الجمعية للدفاع عن اللغة العربية عمليا وهي التي تأسست سنة 1990؟
كل إنجازات الجمعية ومواقفها وثّقت ونُشرت في كتاب سنة 2016 عنوانه (الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية 15 سنة من النضال في خدمة اللغة العربية) لقد أرّخ الكتاب لكل التجاوزات التي ارتكبت في حق اللغة العربية ووثّقها.
أوقفوا الدعم عن جمعية الدفاع عن العربية وأغلقوا مكاتبها لأننا رفضنا التدجين
الجمعية عندها سمعة طيبة وصيتٌ والدليل أنني تلقيت دعوة من أشهر جامعة في العالم هي جامعة "هارفارد" بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث ألقيت محاضرة هناك عن (المسألة اللغوية في العالم العربي وفي إفريقيا جنوب الصحراء) وذلك سنة 2016.
نعود إلى الرئيس الراحل محمد بوضياف وسرُّ موقفه المعادي للغة العربية؟
كما قلت لك الكتاب وثق لكل الأحداث، من بينها ما دار من حديث بين نائب رئيس الجمعية محمد الطاهر عدواني وهو أستاذ في الجامعة وبين بوضياف عندما استقبلهم كأساتذة جامعات، فقد سأله قائلا "سيدي الرئيس ما هو برنامجك حول مسألة اللغة العربية؟" فأجابه غاضبا "جمعية العلماء نتاعكم ميش هي اللي جابت الاستقلال"، فرد عليه عدواني "العربية يا سيادة الرئيس لغة سائر الجزائريين وليست لغة جمعية العلماء المسلمين فقط". وعندما غادر الأساتذة صافحهم بوضياف جميعا ما عدا محمد الطاهر عدواني.
وهو من اقترح تجميد التعريب الذي أمضاه علي كافي؟
قرار تجميد قانون تعميم استعمال اللغة العربية أعدّه رضا مالك لكي يوقعه بوضياف، لكنه توفي وعُيِّن خلفاً له علي كافي فوقعه. وعلي كافي معرّب ووالده علَّم العشرات من الجزائريين اللغة العربية في مدينة الحروش بسكيكدة. أولاد بوضياف من الزوجة المسيلية يجيدون اللغة العربية لكن أولاده من الزوجة الثانية لا يعرفون اللغة العربية وهم مفرنسون، عندما كان يعيش بالمغرب وضعهم في مدارس البعثة الفرنسية وليس في المدارس المغربية. بن بلة مفرنس لكنه كان يحب اللغة العربية.
وضع اللغة الفرنسية في الجزائر المستقلة محافظ عليه وأصبحت اللغة الرسمية في خطابات وزرائنا وندوات مسؤولينا؟
ينبغي التوضيح أن اللغة الفرنسية المستعملة في الجزائر هي فرنسية لاكوست وليست فرنسية فولتير، نحن لسنا ضد حضور الفرنسية كأي لغة أخرى أجنبية وإنما ضد هيمنتها على حساب وضع اللغة العربية. دوغول عندما عاد للحكم سنة 1958 عقد اجتماعا سريا مع رجال السياسة وقال لهم: اعتبروا الجزائر مستقلة، ينبغي التفكير في الطريقة التي نضمن بها بقاء الجزائر المستقلة في الفلك الفرنسي كيف يكون ذلك، قال أحدهم: بالقواعد العسكرية؟ فرد عليه قائلا: لقد تجاوزها الزمن.
بومدين وعدني قبل وفاته بكشف حقائق مدوّية عن الفاسدين
فقال الآخر: بربط مشروع قسنطينة الاقتصادي باقتصاد فرنسا، وحسم دوغول النقاش فقال: "حافظوا على بقاء اللغة الفرنسية بالجزائر تحافظون على بقاء الجزائر المستقلة في الفلك الفرنسي" ثم أمر بتكوين شبان جزائريين في مراكز الإدارة الفرنسية لكي يخلفوا "الأقدام السوداء" في الإدارة الجزائرية فتكوّن 35000 شاب في مراكز دفعة لاكوست. وتكوّنت الحكومة المؤقتة الجزائرية في القاهرة في نفس سنة عودة دوغول فبدل أن تعدَّ خطة مواجهة لخطة دوغول كونت عملا مكمِّلا لها، كوّنت بالقاهرة نواة فرنكفونية لإدارة الدولة الجزائرية المستقلة، بل كان مسؤول هام في هذه الحكومة لا ينكر احتقاره للغة العربية وهو مبروك بلحسين الذي كان يسمى باحتقار العربيةvermicelles la langue des أي "لغة الدويدة".
ولما جاء اليامين زروال، الرجل الوطني الطيب، إلى الحكم، وقع قرارا بإلغاء التجميد عن قانون تعميم استعمال اللغة العربية، عندما ترأس الدولة طلبنا منه إلغاء تجميد القانون فوعدنا بأنه سيفعل. وفعلا ألغاه وأسس المجلس الأعلى للغة العربية المكلف بتطبيقه. وأنهيت مهامه كرئيس لأنه تجاوز الخط الأحمر المتمثل في المساس بوضع الفرنسية في الجزائر.
مجيء بوتفليقة كرَّس الجزائر الفرونكوفونية أم أنصف التعريب؟ وماذا حلّ بالدور الأساسي للمجلس الأعلى للغة العربية وهو تطبيق قرار التعميم الذي فعله زروال؟
في شهر مايو 1999 ألقى بوتفليقة خطابا أمام الطلبة بقصر الشعب اعتبر فيه أن اللغة العربية لا تصلح لتعليم العلم. فردت عليه جمعيتُنا برسالة مفتوحة، بعد مدة قال في خطاب ببشار: "جمعية فيها خمسة قِطط تفرض عليّ اللغة التي يجب أن أستعملها؟". علما بأنه سبق أن أعطى حديثا لجريدة "الشرق الأوسط" بلندن عدد 7558 قال فيه "اثنان بالجزائر وهما من الأمازيغ خدما اللغة العربية عبد الحميد بن باديس وعثمان سعدي".
بوتفليقة لم يجمِّد قانون التعريب وإنَّما "نوَّمه" ووضعه في درج وأغلق عليه، وحوَّل المجلس الأعلى للغة العربية الذي مهمته تطبيق القانون إلى مهام أخرى بعيدة عن الغاية من تأسيسه. أسَّس مجمَّع اللغة العربية تأسيساً غريباً فهو مجمَّع اللغة الوحيد في العالم الذي يتأسس من رئيسه فقط.. أما عن وضع اللغة العربية الحالي فهو أسوأ وضع عرفته لغة البلاد والعباد في تاريخها بالجزائر.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
نعم صدقت ابدء بما ختمت به
فترة بوتفليقة هي الأسوء على الإطلاق
و ما يزال بعض المتشدقين يصرون على كونها اللأفضل و لا أدري بأي منظار يرون
و ينادون بعهدة رابعة
الله يلطف بنا فيما تجري به المقادير
موضوعين أثلجا صدري رغم المرارة لكنها الحقيقة
شكرا جزيلا
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
أستسمحك فـي أن أقتبس جزءا من الموضوع و أضيفه الى توقيعي
مع رابط الموضوع
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الكـ الطيبة ـلمة
أستسمحك فـي أن أقتبس جزءا من الموضوع و أضيفه الى توقيعي
مع رابط الموضوع
لك ذلك اختي الكريمة......والموضوع للدكتور عثمان سعدي و هو ينشر على حلقات على صفحات الشروق..............احيي فيك غيرتك على اللغة العربية.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
نعم صدقت فترة حكم بوتفليقة هي الأسوأ على الاطلاق في ما يخص مستقبل اللغة العربية في الجزائر فكل المجهودات التي بذلها السيد اليامين زروال لتعريب الادارة تم القضاء عليها
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
ليس فقط أنه لم يكن أي اجتهاد للتشجيع على ممارسة اللغة العربية في أنظمة الدولة، بل تم تسجيل تهجمات و استفزازات و إهانات لها. لنتمعن فقط كلام الدكتور عثمان سعدي.