عنوان الموضوع : الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية للجزائر خلال العهد العثماني 1707-1827م تاريخ جزائري
مقدم من طرف منتديات العندليب

[align=center]الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية للجزائر خلال العهد العثماني 1707-1827م

د. محمد مكحلي [1]

قسم التاريخ- كلية الآداب و العلوم الإنسانية- جامعة الجيلالي اليابس / سيدي بلعباس / الجزائر

تقديم:

بتعيين خير الدين بيلرياي " أصبحت الجزائر إحدى الولايات الثلاث للإمبراطورية العثمانية وأصبح لبايلر باي الجزائر بمقتضى هذا التعيين حق التصرف المطلق في الجزائر مع الإشراف على إقليمي تونس و طرابلس، لكن هذا الإشراف لم يدم طويلا فقد ألغى العثمانيون نظام البايلر باي سنة 1588م خوفا من أن يفكر هؤلاء الولاة في الإنفصال فأصبحت الجزائر ولاية عادية يعين على رأسها باشا تغيره الأستانة كل ثلاث سنوات[2].

لم يهتم الباشوات بشؤون الرعية بل انصرف همهم إلى جمع اكبر قسط من الأموال في انتظار مدة الولاية، وبذلك انتقلت السلطة من أيديهم إلى ضباط الجيش الذين بدأ نفوذهم يتعاظم تدريجيا مع بداية سنة 1659م، وأصبح حكام الجزائر العثمانية يعينون من بينهم ضابطا برتبة أغا كحاكم فعلي على الولايات غير أن هذه المرحلة لم تطل مدتها و ذلك لأن الأغا لم يكن يستقر في منصبه أكثر من شهرين نتيجة للتنافس الشديد بين الضباط على الحكم[3].

فكانت الجزائر خلال الفترة من 1518-1671م إيالة عثمانية تتلقى المساعدة المالية و العسكرية من الخلافة و قد اهتم الحكام في هذه المرحلة بتوحيد الجزائر سياسيا و ذلك بالقضاء على الإمارات المستقلة وإخضاعها لسلطة مركزية مقرها مدينة الجزائر كما وجهوا جهودهم لتحرير موانئ البلاد من السيطرة الإسبانية وفرض سيطرة الأسطول على الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط.

مع بداية سنة 1671م دخلت الجزائر مرحلة جديدة تميزت بتولي طائفة رياس البحر السلطة، و هم ضباط البحر الذين نصبوا نظاما جديدا يتمثل في تعيين حاكم للبلاد يلقب بالداي.

و قد التزم الدايات بحفظ الإرتباط مع الدولة العثمانية باعتبارها خلافة إسلامية، لكنهم سلكوا سياسة مستقلة فيما يتعلق بالشؤون الخاصة للبلاد ، فالداي هو الذي :

§ يعقد الإتفاقيات الدولية

§ يستقبل البعثات الدبلوماسية ( القناصل)

§ يعلن الحرب و يبرم معاهدات السلام

لما استقر نظام الدايات تكون في مدينة الجزائر ديوان مستقل هو أشبه بمجلس الوزراء، فهناك وكيل الخرج المختص بشؤون البحرية، و البيت مالجي المختص بالشؤون المالية و رئيس أمين مدينة الجزائر و خوجة الخيل الذي كان يشكل حلقة إتصال بين الجزائريين و الحكومة.[/align]



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

مخطط للنظام السياسي و الإداري للجزائر العثمانية في عهد الدايات




و قسمت الجزائر من الناحية الإدارية إلى أربعة أقاليم رئيسية هي:

1- دار السلطان: كانت تضم مدينة الجزائر و ضواحيها

2- بايلك الغرب: كانت عاصمته مازونة ثم معسكر و أخيرا وهران بعد جلاء الإسبان عنها عام 1792م

3- بايلك التيطري، ضم المناطق الوسطى و مناطق جنوب دار السلطان و كانت عاصمته المدية.

4- بايلك الشرق: يقع من شرقي من دار السلطان و بايلك التيطري كان أكبر المقاطعات و الأقاليم ، و كانت عاصمته قسنطينة.

كانت هذه المقاطعات مقسمة إلى قيادات و على رأس كل منها شيخ قبيلة و كان الجهاز الإداري جهازا لامركزيا حيث أن اية علاقة للحكومة برعاياها كانت علاقة غير مباشرة، تعتمد على استعمال الزعماء المحليين لجمع الشرائب و فرض الأمن يمكن استنتاج أهم الخصائص التي ميزت الدولة الجزائرية أنذاك كمايلي:

1- لم يعد تعيين رجال الحكم قائم على الإنتخاب من طرف ممثلي الشعب فلم يكن النظام السياسي ملكيا وراثيا ولكنه لم يرتق إلى نظام جمهوري..

2- حافظ النظام الإداري على التقسيمات القبلية و الزعامات المحلية فلم تتبلور الصفة العصرية للدولة[4].

3- لم تختلف وضعية الجزائر كما كانت عليه لقبه العالم الإسلامي و لكنها كانت مختلفة كما كان يحدث و العالم الأوربي الذي تكونت فيه دول ذات حكومات مركزية أخذت تتأهب لفرض سيطرتها على العالم[5].

الحياة الإجتماعية و الإقتصادية:

عند دراسة أوجه النشاط الإقتصادي و الحياة الإجتماعية للجزائر العثمانية يلاحظ الطابع الزراعي و الرعوي الذي تمركز أساسا في الارياف و أطراف المدن هذا في حين أن الحواضر تكاد تنفرد بالنشاط الحرفي لو لا وجود قدر قليل من نشاط حرفي متواضع يهدف إلى تلبية الضرورات المنزلية و يقوم على الإكتفاء الذاتي في الأرياف. و إلى جانب ذلك لعبت التجارة الخارجية و الداخلية دورا مهما داخل البنية الإقتصادية للمجتمع الجزائري عموما و البنية الحضرية بشكل خاص[6].

لقد هيمن النشاط الإقتصادي في الأرياف الجزائرية و بخاصة النشاط الزراعي و الرعوي[7]، و فيما يخص أشكال الإنتاج، فإنها كانت موزعة على أربعة مجالات طبيعية تتمثل في المرتفعات الجبلية و التلال و السهوب و أطراف الحواضر تشكل في مجملها كلا إجتماعيا و إقتصاديا يمز الريف الجزائري والإمتدادات الريفية التابعة للحواضر.

بالرغم من تنوع هذه المناطق التي تنتحل هذا النمط من العيش فإن الإنتماء إلى الجماعة العمرانية (Communaut&#233 يشكل الشرط الضروري لاستمرار الحياة الإجتماعية ففي كنف هذا التجمع تتحقق ملكية العضو لشروط العمل و الإنتاج أي أن إنتماء الفرد للجماعة شرط تحقيق وجوده فهي تتوسط العلاقة فيما بينه و بين الأرض و وسائل العمل، و هكذا فإن العائلة الممتدة تشرف في المرتفعات الجبلية و بشكل نسبي على الملكية الصغيرة التي تعتبر مجالها واضحا و بين حرائق الجيران و هي (أي الأسرة الممتدة) تمثل الأسرة النووية ( الصغيرة) وجودها ضمنها[8].

و تعتبر "التويزا" « Touiza » أكثر اشكال التضامن القروي شهرة و هي كثيرا ما تجد الفرصة للظهور في أراضي الأوقاف و يلاحظ أن الأب أو الأخ الأكبر في كل أسرة هو الذي يمثل أفراد أسرته في احتفالات القرية و ينوب عنها في التجمعات التي تعقد في المسجد[9].

و من أجل تأمين إعادة انتاجها فإن الأسرة تضيف إلى أنشطتها المعروفة بعض الصناعات الحرفية المرتبطة باستغلالها و التي أحيانا ما يوجه بعضها نحو السوق. أم الملكية غير المنقولة التي تتحقق من خلال الهيبة أو الميراث فرغم كونها ملكية خاصة إلا أنها تبقى تندرج تحت استحواذ العائلة.

إن وضعية الأراضي الزراعية في الجزائر خلال العهد العثماني أصبحت تتصف بمظاهر الصراع الخفي و الإحتكاك المستمر بين أسلوبين من الإنتاج، و نمطين من المعيشة مختلفين أحدهما يرتكز على الإرتباط بالأرض و حيازتها و الأخر يمتهن الرعي و العزوف عن خدمة الأرض[10].

و هكذا لم يبق من الأقاليم المحتفظة بطابعه الزراعي المتمسكة بتقاليده الفلاحية سوى فحوص المدن الكبرى و بلاد القبائل ، و شمال قسنطينة و التيطري و سهل متيجة و سهل غريس[11].

و الجدير بالملاحظة أن العثمانيين قد عملوا جاهدين على الإحتفاظ بالأوضاع السائدة، فأبقوا في غالب الأحيان ملاك الأراضي و أقروا العشائر المتعاملة معهم على الأراضي التي

ت استحوذوا عليها بغية الحصول على تأييد شيوخ القبائل و مساندة رؤساء الزوايا لهم و لم يهتموا بصفة خاصة إلا بما تذره الأرض من إنتاج و ما توفره من جبايات[12].

إن التطور الذي انتهت إليه وضعية الأرض من ناحية الإنتاج لم يكن نتيجة لسياسة معينة من طرف الحكام العثمانيين و إنما كان نتيجة تحول بطيء فرضته الأحوال الإقتصادية و ساهمت فيه الأوضاع الإجتماعية و تسببت فيه حاجة الحكام إلى موارد البلاد "إثر تزايد" الضغط الأوربي على السواحل و إنفتاح البلاد على التجارة الأوربية.

لقد نتج عن كثرة المطالب المالية وقلة الجبايات على الأراضي الزراعية وتعدد المغارم،إهمال الزراعة و تحول قسم من السكان من الإشتغال بالفلاحة إلى مزاولة حرفة الرعي وفي بعض الأحيان اضطر المزارعون إلى الثورة على الحكام و قد انعكس هذا الوضع على الحياة السياسية[13]، إذ أن تحول السلطة إلى الدايات أدى إلى تضررالزراعة، وتحول كثير من الأراضي المنتجة للحبوب إلى ملكيات للبايلك أو مزارع مشاعة بين أفراد القبائل الحليفة "قبائل المخزن" أو العشائر الخاضعة "قبائل الرعية" بعد أن انقطع سيل الهجرة الأندلسية، و تسببت الحملات العسكرية التي كانت تنطلق من مراكز البايلك لجمع الضرائب و أخذ المغارم في الحلاق أضرار فادحة بأهالي الريف و غالبا ما تمكن المحلة أو الفرقة العسكرية مدة طويلة قد تصل على ستة أشهر تتحول أثناءها الأرياف و توجب الضرائب و يعاقب العقاب الممتنعون فمحلة بايلك الشرق تنطلق من قسنطينة و تنقسم إلى فيلقين أحدهما يجوب الهضاب العليا و التل الجنوبي و الأخرى تقصد مناطق التل الشمالية المتاخمة لساحل البحر، أما محلة بايلك البيطري فتتوجه من مدينتي الجزائر والمدية نحو سهل عريب و بني سليمان و البرواقية، بينما محلة بايلك الغرب تخرج من مازونة أو معسكر نحو سهول غريس و وادي مينا وجهات السرسو و تاهرت[14].

وبظهور دايات أقوياء وأكفاء و استقرار نظام الحكم على توسع أراضي الدولة بمواطن العشائر التي ثم إخضاعها،في الوقت الذي استقرت في أوضاع الملكيات المشاعة، وبدأ قسم من الملكيات الخاصة يتحول بفحوص المدن إلى أوقاف أهلية يعود ربحها بعد انقراض عقب محبسها على المؤسسات الدينية و المشاريع الخيرية.

كما هو الحال بفحوص مدن الجزائر و البليدة و القليعة[15].

وبعد مـوت الـداي محمد عثمان باشا تولى مقاليد الحكم الداي باشا حسان (1791-1798مـ) و الداي مصطفى باشا (1798-1805مـ) اللذان انتهجا سياسة جديدة، قوامها تصدير المزيد من المحاصيل الزراعية إلى خارج البلاد عن طريق الشركات الأوربية و المحتكرين اليهود أمثال بكري و بوشناق ، في الوقت الذي كانت فيه البلاد معرضة للمجاعة نتيجة القحط الذي أضر بالزراعة في السنوات التالية 1788 و 1779 و 1800 و 1807م و1816 و 1819[16]، ويلاحظ أن السماسرة اليهود كانوا يصدرون كميات كبيرة من الحبوب أثناء هذه الفترة.

ففي عام 1793م و مثل على ذلك تم شحن مائة سفينة من ميناء وهران قدرت حمولتها بـ 75000 قتطار من القمح و 6000 قنطار من الشعير مما تسبب في حدوث اضطرابات في جهاز الحكم فاغتيل ستة دايات من مجموع ثمانية في مدة قصيرة[17].

لقد أدى الضغط المتزايد على الأرياف إلى قلة الإنتاج و إهمال الزراعة وإعلان العصيان و حدثت سلسلة من الثورات في جميع الجهات مثل منطقة جرجرة (1804-1810-1823م) و شمال قسنطينة (1804م) و الغرب الجزائري (1803-1809م) و مناطق النمامشة و الأوراس ، ووادي سوف( 1818-1823).

و قد شملت الثورات مناطق الحبوب حيث أعلنت التيجانية العصبان سنة 1818 م، هذا في الوقت الذي كان فيه الصراع محتدما مع حكام تونس من 1806م إلى غاية 1817[18]، مما أدى إلى هجرة جزء من السكان هربا من الإنتقام و تجنب لبطش الحملات العسكرية، و لم يعد الحكام يسيطرون بالفعل إلا على سدس أراضي التل الخصبة حبس بعض التقديرات[19]، حيث اصبحت ملكيات أو الدولة هي السائدة في الأرياف في الوقت الذي تركزت فيه الملكيات الخاصة بالمناطق الجبلية الممتنعة عن الحكام، و الملكيات المشاعة في السهوب الداخلية حيث تربى المواشي ولا تزرع الأرض إلا من أجل الحصول على الضروري من الأقوات و نظرا لهذه الأوضاع السيئة و الظروف الصعبة فقد فقد الفلاح الجزائري الرغبة في العمل حتى أنه، في سنة 1786م لم يجد ملاك الأراضي بسهل عنابة الخصيب من يقوم بحصاد حقولهم فاضطروا إلى التنازل عن نصف الإنتاج لمن يقوم بحصـاد القمح بعد أن تخوف كثير من الفلاحين من انتشار الوباء و فاضطروا إلى قبول الحصول على خمس المحصول بينما استحوذ عمال البايلك و الملاك المقيمون بالمدن على أربعة أخماس المحصول بدون مجهود و عليه فقد تقلصت الأراضي الزراعية وتناقصت المساحات المستغلة حتى أصبحت عشية الإحتلال الفرنسي 1830م لا تتجاوز359040 هكتارا[20].

أما النظام الجبائي المطبق على الأراضي الفلاحية فإنه لم يخرج في أساسه عن مبدأ الجباية في الإسلام[21]، و حاول الحكام رفع الإنتاج الزراعي بالإلتجاء إلى الحملات العسكرية لإرغام السكان على تقديم المزيد من المحاصيل الزراعية وباحتكار تجارة الحبوب و تسخير الفلاحين بالأرياف لخدمة أراضي الدولة لإنتاج المزيد من المحاصيل، و قد أنشأوا لهذا الغرض العديد من المظاهر العامة في مراكز الحاميات، و أقيمت المطاحن الهوائية بالقرب من المدن حيث كان قياد البايلك يكلفون بإحصاء المحاصيل الزراعية، و مراقبة مواشي البايلك، و تحديد مقدار الضرائب التي كانت تتقاضاه الدولة عن تلك المحاصيل و المواشي.


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

الصناعة و التجارة:

لقد شهد النشاط الصناعي خلال فترة الدراسة 1707-1827 ثلاثة اشكال من النشاط وهي الشكل الحرفي للإنتاج و شكل البايلك للإنتاج (التابع للسلطة أو البايلك) والشكل السابق للتصنيع « Forme pré facturière »

1- الشكل الحرفي للإنتاج:

يظهر هذا النموذج من خلال الصناعة المنزلية فقد أدى إلى تطور إنتاجية النشاط الزراعي الرعوي إلى بدايات لتخصيص جزء من سكان الريف في بعض الصناعات مثل صناعة الأحذية و اللباس أو بعض عمال الحرارة مع بقائهم في بعض الأحيان مرتبطين بالنشاط الزراعي الرعوي كما كان الأمر في المرتفعات الجبلية.

بعد إزدهار النشاط التجاري توسيع التجارة و اتساع المدن خلال اندماج التشكيلة الإجتماعية في المجال الإقتصادي للخلافة العثمانية نشطت الصناعات وامتدت حتى أصبحت لا يخلو إقليم من الأقاليم من بعضها[22].

و كانت هذه الحرف تستجيب للمتطلبات المحلية للمدن أو المناطق المجاورة وكان بعضها يصدر إلى الخارج، كما كانت هذه الحرف تعرف تنظيما اجتماعيا محكما و توزيعا اجتماعيا للعمل له قواعده و حدوده فكل فـرقة كـانت لـها نقاباتها أي أن هذه الصناعات التقليدية لها تنظيمات مهنية حيث كان لمختلف الحرف فكان تنظيمات للدباغين الإسكافيين لصانعي البرادع وتنظيمات لحائكي الصوف و القطن و الحرير و المطرازين و الصباغين البراميا وللنجارين و للحدادين و لصانعي الأسلحة و صانعي المجوهرات[23].

و كذلك كان لكل حرفة نظامها الخاص و مسؤولها الذي يشرف عليها الذي يطلق عليه "الأمين" أو "النقيب" و كان ينتخب يختار بأغلبية أصوات الحرفيين و هو يلتزم بالدفاع عن ممثليه أما السلطات و يعتبر النقيب إضافة إلى إشرافه على البيع والشراء الأمر و الموجه للتعاونية وفق قواعد العزف و هو أيضا يراقب جودة المنتوج و يفك النزاعات التي نشأ بين المعلم و الصناع أو بين رؤساء الورشات ويقوم بتعليم المبتدئين أصول الحرفة و العمل.

و من الناحية الإجتماعية كان النشاط الحرفي يشهد تمايزا اجتماعيا يستند في أغلبه إلى العامل العرقي فكل حرفة كانت خاضعة لجماعة عرقية كما كان لكل حرفة شاركها فيهود الجزائر و قسنطينة مثلا كانوا يحتكرون الصناعات الخاصة بالمعادن الثمينة في الوقت الذي كانت فيه السلطة تحتكر بعض البضائع و المشاغل و كانت عملية الإحتكار التي تمارسها السلطة العثمانية عاملا في إعاقة و منع تطور الحرفيين الأثرياء إلى شكل صناعي أكثر تطورا[24].

و عليه فالسلطة العثمانية و الجزائر كانت تحتكر جزءا من النشاط الصناعي مثل صناعة السفن و مسابك المدافع و مطاحن الدقيق و المحاجر وهذه الصناعات الإستخراجية كانت تمثل مجموعة الضروريات التي تستند إليها قوة البايلك[25]،وقد أدى هذا الوضع إلى تدعيم سلطة الداي الإقتصادية و السياسية على هذا النحو و احتكار الدولة للتجارة الخارجية و كذا اشتداد المنافسة الأوروبية للمنتجات المحلية إلى إفشال تحول البرجوازية الجزائرية إلى برجوازية تحويلية على غرار البرجوازية الأوربية التي وضعت الحرف تحت تصرفها و لم تضيق عليها مجال الإستثمار في هذا المجال.

إن المتمعن في هرم القوة في المجتمع يلاحظ على رأسه الأقلية التركية الحاكمة التي استأثرت بمقاليد الحكم والصناعات الكبرى، و تستحوذ على 1,5 مليون هكتار من الملكية العقارية إلى جانب ما تدر عليها عوائد الضرائب و التجارة و حسب البعض فإن السيطرة التركية بلغت ذورة شرعيتها مع ظهور فكرة الحدود و السيادة الإقليمية[26] و ذلك منذ القرن السادس عشر (16مـ) وقد تمكنت بعد فترة وجيزة من تكوين جيش بحري مكنها من السيطرة على غرب البحر الأبيض المتوسط حيث استمرت هذه السيطرة زهاد ثلاثة قرون و بفضلها عاشت الجزائر إلى غاية مطلع القرن التاسع عشر (19): يذكر أجيرون شارل روبير « Agéron Charles Robert » أن مدينة الجزائر اشتهرت بمحاربتها إلى حد أن سبع دول كانت تدفع للداي حربه منتظمة كما كانت هناك ثماني دول منها إنجلترا يقدم إليه الهدايا النقدية و العينية حتى تتجنب التعرض لقرصانها[27].

و قد أورد يحيي بوعزيز[28] نقلا عن "هنري فارو" مبلغ ما تدفعه دول أوربا و مدنها للجزائر من الضرائب و صنفها على النحو التالي:

§ الولايات المتحدة، هولندا، البرتغال، نابولي، السويد، النرويج، الدانمارك، تدفع ضريبة كل عامين .

§ الدانمارك و النرويج و السويد، تدفع ضرائب أخرى في شكل اسلحة و حبال وصواري و دخيرة البارود و رصاص و حديد تقدر قيمتها بمبلغ 25 ألف فرنك.

§ إسبانيا و فرنسا و إنجلترا و هانوفر و سردينيا و الطوسكان و دافوس والبندقية تدفع هدايا دورية للدايات و الباشوات و أعضاء الديوان عند إبرام المعاهدات و تعيين القناصل لها بالجزائر.

§ هامبورغ و بريم تدفعان أدوات الحرب و التمونيات الحربية النمسا و روسيا لا تدفعان الضرائب و لكن تدفعان أموالا طائلة لفداء أسراها الكثيرين بالجزائر و يضيف أيضا نقلا عن ليون فالبير « Leon Valiber » تسيء من التفصيل عن ما تدفعه دول أوربا إلى الجزائر .

§ مملكة الصقيليتين:تدفع مبلغ 44 ألف بياستير سنويا منها 24 ألف نقد والباقي في شكل بضائع.

§ ممكلة الطوسكان :تدفع 23 ألف بياشر كلها قدم حددت قنصلها بالجزائر

§ مملكة سردينيا :تدفع مبلغا كبيرا من المال كلما جددت قنصلها بالجزائر .

§ البرتغال تدفع نفس ما تدفع نفس ما تدفعه الصقليتان

§ إسبانيا : تدفع مبالغ مالية كلما حددت قنصلها

§ النمسا تدفع هدايا دورية مباشرة و عن طريق الدولة العثمانية

§ إنجلترا تدفع 600 جنيه إسترلينن كلما جددت قنصلها

§ هولندا تدفع نفس مبلغ إنجلترا

§ أمريكا تدفع نفس مبلغ بريطانيا

§ هانوفر، بريم الألمانيتان: تدفعان مبالغ مالية كبيرة كلما حددت قناصلها.

§ السويد و الدانمارك تدفعان مبالغ مالية كبيرة سنوية في شكل مواد حربية قيمتها 400 بياستر.

أدت القوة العسكرية على الخارجي كذا الداخلي إلى تحول المجموعة العسكرية تدريجيا إلى وضع شبه إقطاعي[29] في الداخل و استنادا إلى هذه الشرعية راحت هذه القوى تدعم نفوذها بواسطة بعض الشرائح الإجتماعية في مواجهة قوة القبائل التي لا تعترف بالولاء الديني و لا تدفع الضرائب إلا تحت أسنة الرمــاح و من بين هذه الشرائح الإجتماعية الكراغلة[30] و الذين يرون أنهم ينتمون إلى العائلات الكبيرة «Les familles des grandes tentes» و إلى جانب الكراغلة نجد الأندلسين الموريسكيين المطرودين من الاندلس الذين لعبوا دورا هاما في إعادة إحياء النشاط الحرفي و إلى جانب هؤلاء نجد القبائل التابعة للسلطة و تدعى قبائل المخزن التي تلعب دور الشرطي أما القبائل المنشقة و هي يستغل أٍراضي البايلك و يتمتع بتفويضها بجباية الضرائب من القبائل الأخرى[31].

لقد كشفت عملية التداول التجاري عن وجود تبادل سلعي بسيط و تداول سلعي لراسمال وقد عرفت الجزائر نموذجين لهذا الشكل الأخير للتجارة (التداول السلعي ) يتمثلان في تجارة القوافل الكبرى و التجارة مع أوربا.

تبين عملية التبادل السلعي البسيط الداخلي عن وجود تقسيم نسبي للعمل بين المدن و القرى، يقتصرغالبا على المقايضة سواء بالنسبة للتبادل الحاصل بين الشمال و الجنوب (تمور-مقابل حبوب) أو ذلك الذي يتم بين السهول و المناطق حيث تتم مقايضة الخضار و الفواكه و الزيت و منتجات الحرف مقابل الحبوب بينما يدل النوع الثاني من أشكال التجارة على توافر الصلات بين إفريقيا و أوربا.

و منذ القرن التاسع عشر بدأت الحرف و مختلف الانشطة التقليدية الجزائرية و العهد العثماني و معها الإقتصاد الحضري في التدهور لصالح المنتجات الأوربية ثم لم يقتصر الأمر على الحواضر حين إمتد هذا التأثير إلى داخل الأرياف[32] .


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

أ-الوضع الصحي:

1- إنتشار الأمراض و الأوبئة:

شهدت الجزائر العثمانية تقهقرا إقتصاديا و اضمحلالا اجتماعيا واكبه سوء الأحوال الصحية و المعاشية خلال القرنين الرابع عشر (14مـ) والخـامس عشر (15مـ) بعد الحروب الطويلة و ما نجم عنها من خراب للمدن و عمال يقول ناصر الدين سعيدوني اصبحت دلس و هنين مجرد خرائب[33] ثم ما لبثت. أن تحسنت أوضاع البلاد طيلة القرن السادس عشر (16) و النصف الاول من القرن السابع عشر بعد قدوم الموريسكيين واستقرارهم بالجهات الساحلية يستصلحون أراضيها ويعمرون مدنها و قراها وتوسع عمران مدن الجزائر و دلس و تنس و شرشال والقليعة و البليدة و عنابة وقسنطينة و وهران و تلمسان و مستغانم و قلعة بني راشد و مازونة و المدية ومليانة و زمورة و غيرها و انتشرت إلى القرى والعمارة الريفية القريبة منها[34] .

لم يطل هذا التحسن كثيرا إذ عرفت البلاد ركودا اقتصاديا و انكماشا عمرانيا طيلة النصف الثاني من القرن السابع عشر (17مـ) و النصف الأول من القرن الثامن عشر (18مـ) بعد ذلك ساءت الأوضاع الإقتصادية و أقفرت الأرياف والمدن من سكانها و تكاثرت الأعراض و الأوبئة الفتأكة مما أثر سلبا على حالة السكان الصحية و المعاشية و ترك آثارا سيئة على أوضاعهم الإجتماعية[35].

إبتداءا من أواخر القرن الثامن عشر (18مـ) تضاءل عدد سكان المدن وتناقص سكان الأرياف مما تسبب في ضعف قوة الأوجاق[36] أدى هذا الوضع إلى تناقص عدد التجار و قدرة الحرفيين و الصناع و إفتقار الأرياف إلى اليد العامة الزراعية.

و الظاهر أن ذلك التدهور يرجع إلى إنتقال العدوى و إنتشار الأمراض من الأقطار المجاورة بسبب صلة الجزائر ببلدان البحر الابيض المتوسط و انفتاحها على أقاليم السودان و علاقتها التجارية مع أوربا و ارتباطها الروحي بالمشرق الإسلامي[37].

مما ساعد على إنتشار هذه الأمراض واستيطانها في البلاد انتشار المستنقعات بالسهول الساحلية وحول المدن الكبرى وبالرجوع إلى المعلومات التي أكـدها كل من هايدو « Haédo » و شاو « Show » و لوجي دوتاسي « Laugy Detassy » أو شالر « Shaler ».

تستنج أن الأدوية و العقاقير المحضرة كانت غير متوفرة و حتى الصيدلية الوحدة لمدينة الجزائر كانت لا تتوفر إلا على بعض العقاقير و الحشائش و كان الباش خراح "القائم" عليها يجهل مواصفاتها و فوائدها الطبية[38].

الطاعون:

شكل الطاعون أخطر مرض عانت منه كل الفئات الإجتماعية بالجزائر خلال العهد العثماني، كما تعرضت إلى ضرباته الحادة كل العناصر الاجنبية المقيمة بالبلاد لقد تكرر ظهوره في شكل تواتر حلقات متعاقبة مع الأوبئة المستوطنة بالمنطقة تسببت في إنهيار ديمغرافي و أدت إلى تدهور الوضع الصحي الذي اثر بدوره سلبا على إقتصاديات البلاد تاركا تشوهات خطيرة في البيئة الإجتماعية[39].

لقد أثر وباء للطاعون على الأوضاع الصحية للجزائر العثمانية و ارتبط بالعوامل الأخرى التي أثرت على الوضع الصحي للسكان مثل الإضطربات الجوية والتدبدبات المناخية و فترات الجفاف و الفياضانات بالإضافة إلى إجتياح الجراد وما نتج عنه من الزلازل و الحرائق و ما ترتب عنها من تخريب و تدمير[40].

و مما زاد الأحوال الصحية سوءا أن الحكام العثمانيين لم يهتموا بميدان الصحة و لم يعطوها الأهمية التي تستحقها فمن ذلك أنهم ولم يتخذوا أي إجراء وقائي ضد تنامي هذه الأمراض[41]، أما أماكن العلاج فكانت محصورة حول بعض المصحات و الملاجيء مثل زنقة الهواء و ملجأ الأمراض العقلية المخصص للأتراك بالإضافة إلى مارستانات[42] رجال الدين المسحيين التي كانت تنفق عليها الدول الأوربية[43].

و ما يمكن ملاحظته أن الأوبئة كانت تتكرر كل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاما وأنها في بعض الأحيان استمرت لبضع سنوات كما حدث خلال أعوام 1784-1798 كما مني القرن السابع عشر ( 17مـ) بانتشار الأوبئة في مختلف جهات البلاد مدة حوالي 39سنة أما القرن الثامن عشر (18مـ) فقد ظهرت أثناءه الأوبئة[44] طيلة السنوات التالية:

1700-1728-1732-1738-1740-1744-1749-1784-1785-1786-1793-1794-1797-1798-1799.

كما اشتدت حدة الأمراض و عمت جميع أرجاء البلاد من 1804- إلى 1808 و من 1818 إلى 1822. وكان الطاعون سنة 1740مـ، و دام ثلاث سنوات و قضى خلالها على 10000 نسمة ، و كان يهلك في الشهر الأول ما بين 300 و 400 نسمة في اليوم.

كما أدى وباء 1786-1787م إلى هلاك 16721 نسمة بمدينة الجزائر فتناقص عدد سكانها إلى 50000 نسمة كما تسبب في موت ثلثي سكان مدينة عنابة.

أما وباء عامي –1792 1798 فإنه أضر بجميع الجهات لاسيما وهران والجزائر وقسنطينة. وفي سنتي 1817-1818 انتشر الوباء في الجزائر و قضى على أكثر من 14000[45].

و هكذا اصبح وباء الطاعون[46] من مظاهر البيئة الجزائرية فتكرر ظهوره بها بإستمرار و قد كان مرتبطا بحركة الأسطول الجزائري و إحتكاكه الدائم بموانئ المشرق التي كانـ مصدرا لمختلف أوبئة الطاعون، حتى عدت الجزائر من مراكزه الدائمة و بيئاته المفضلة و هذا ما عبر عنه "بنزاك" « Panzac » بقوله :وباء الطاعون من الظواهر المستمرة و الدائمة في الجزائر العثمانية « La peste est une constante de l'Algérie ottomane »[47].

لقد اصبحت عدوى الطاعون تنتقل بسرعة في جميع جهات البلاد، و مسافة انتشاره قدرت بـحوالي 200 إلى 400 كلم سنويا وقد يستغرق إنتقالها أحيانا أسابيع قليلة لإجتياح منطقة ما تبعا لشدته و للكثافة السكانية في المنطقة التي تتعرض له[48].

و مع بداية القرن السابع عشر (17مـ) تميز الطاعون بتواتره "للتكراري" إذ نعاقب بصورة مثيرة للدهشة، عانت خلالها إيالة الجزائر من إجتياح المرض أكثر من إيالة تونس التي تضررت هي الأخرى من جراء انتشار الأوبئة بنسبة 26 سنة معدية.

بينما كان نصيب المغرب من الطاعون فترة لا تتجاوز 12 سنة[49].

أما في القرن الثامن عشر (18مـ) فقد تكرر وباء الطاعون و بلغ مجموع السنوات التي انتشر خلالها الطاعون أثناء هذا القرن 63 سنة في مدينة الجزائر وحدها و قد توزعت كمايلي:

§ سنوات 1717-1718-1723-1730-1731-1732

§ سنوات 1738 إلى 1758، انتشرت إلى مناطق بعيدة كالقالة و عنابة قدرت نسبة الوفيات في مدينة الجزائر، سنة 1740 ما بين 200 و 400 وفاة يوميا.

§ سنوات 1778 إلى 1804 ، انتشر وباء الطاعون في جميع الجهات و كان شديد الوطأة على السكان.

§ 1805-1815، زاد في حدته حدوث المجاعات التي تعتبر أثارها الديمغرافية أخطر من بعض الحروب.

لقد كانت أوبئة القرنين السابع عشر (17مـ) و الثامن عشر (18مـ) أكثر حدة و شدة من التي إجتاحت الجزائر أثناء القرن السادس عشر (16مـ)، إذ تشير العديد من التقارير العسكرية و المراسلات القنصلية إلى إستمرار "الوباء الفتاك" أو "الوباء الخطير جدا" [50]لفترات متعاقبة تناهز الواحدة منها 15 إلى 20 سنة وتعقبها عادة فترة خمود لا تتجاوز الست سنوات[51].


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

ب- الكوارث الطبيعية
1-الزلازل:

لقد رافق إشتداد الطاعون و إنتشاره بالقطر الجزائري خلال العهد العثماني سلسلة من الهزات الأرضية العنيفة و الشديدة و التي تسببت في تخريب وتحطيم بعض المدن، و اسفر عنها في أحيان كثيرة خسائر في الأرواح و الممتلكات كزلزال مدينتي الجزائر و المدية سنة 1632، و الذي قالت بشأنه بعض الروايات أنه أهلك جل سكان مدينة الجزائر، و زلزال عام 1665 و الذي صاحبه خسوف الشمس وتأثرت به حتى السواحل الأوربية بالإضافة إلى زلزال 1676 الذي دام عدة أشهر ، و تسبب في الثورة ضد الداي الذي نقم عليه الأهالي و اتهموه بسوء الطالع[52].

أهم الزلازل:

لقد تعرضت السواحل الجزائرية إلى عدة زلازل عنيفة و قوية خلفت عددي القتلى و خسائر جسيمة فمنها.

1- زلزال 1716: الذي تخربت من جرائه مدن شرشال و بجاية و مدينة الجزائر و تكررت نتيجة هزات إرتدادية طيلة ايام الثالث (3) و الخامس (5) والسادس و العشرين (26) من شهر فبراير و قد هلك من سكان الجزائر تحت الأنقاض ما لا يقل عن 20000 نسمة حسب بعض المصادر[53].

نظرا لاشتداد حدة الزلازل اضطر الاهالي للخروج إلى ضواحي المدن ومنها ضواحي مدينة الجزائر بعد أن تهدمت منازلهم، مما جعل الداي يصر على معاقبة اللصوص، و القضاء على أعمال الفوضى التي صاحبته هذه الزلازل ثم تكرر حدوث الزلازل بمدن مليانة و عنابة و الجزائر أعوام 1723-1724 و تضررت شرشال من جراء زلازل 1735.

2-زلزال 1755:

يقال عنه زلزال لشبونة[54] و هو زلزال قوي شمل الحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط فلم يبق منزل لم يتأثر بحدثه في مدينة الجزائر، و قد أدى هذا الزلزال إلى إنقطاع المياه و تهدم الخبايا، و قد صاحبه ظهور الحرائق للبعض الأحياء و شيوع أعمال النهب و الفوضى لمدة شهرين استمر فيها تكرر الهزات الإرتدادية الارضية.

3-زلزال 1760:

كسابقيه كان شديدا و عنيفا خرب مدينة البليدة[55] و اضر ضررا بالغا بمدينة الجزائر الامر الذي أدى حدا بالسكان إلى الإلتجاء إلى الحرائق و البساتين.

4-زلزال 1790:

حدث هذا الزلزال بوهران و كان دا فائدة على الجيش الجزائري الذي كان يحاصر المدينة تمهيدا لاسترجاعها من أيدي الإسبان[56].

5-زلازل 1818 و 1825:

تكررت الزلازل في الجزائر بحيث عمت أغلب المدن الساحلية و المناطق القريبة من مدينة الجزائر، منها الزلازل الذي ضرب الأطلس البليدي و أدى إلى هدم الدور و المساكن و خراب مدينة البليدة[57] والذي استمرت هزات من 2 إلى 6 ماي 1825 و أدت إلى هلاك أكثر من 7000 قتيل[58].

و قد تركت هذه الكوارث الطبيعية نتائج سلبية على الوضع الديمغرافي للبلاد و على الحالة الصحية ، كما اثرت في نفوس الأاهالي و أدت بهم إلى النقمة من الحكام و الثورة عليهم محملين إياهم سب البلاوي و المأساة.

2- الفيضانات و الحرائق:

اعتبرت الفياضانات و الحرائق من أهم الآفات و الكوراث التي أضرت بالجزائر خلال العهد العثماني، بحيث تسببت في حدوث مجاعات و إختفاء الأقوات وموت الكثير من السكان.

لقد اعتاد الناس حدوث المجاعات إثر سنوات القحط و الجفاف و في أعقاب زحف الجراد الأمر الذي كان يؤدي إلى إنتشار الأمراض و تكاثر الأوبئة .

و من الفيضانات التي عرفتها الجزائر خلال فترة الدراسة تلك التي تميزت بفداحة خطرها و ذلك خلال سنوات 1727-1731-1733-1734-1736-1740-1753-1755-1757-1791-1812-1816[59].

نتيجة لهذا تضررت أوضاع الجزائر الإقتصادية و مما زاد في الطين بلة سوء تصرف الحكام و إنعدام الأمن و شيوع الإصطراب الذي إرتبط بظهور الأمراض الفتاكة والحوادث الطبيعية المدمرة، الأمر الذي أدى إلى تشتت و هلاك كثير من سكان الجزائر و إشتداد الضائقة الإقتصادية بفعل غلاء الأاسعار وشح الأقوات و إتلاف المزروعات[60] و بذلك تناقص عدد سكان و بقيت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية غير مستغلة و تحول جزء من هذه الملكيات إلى مؤسسة الأوقاف[61].

3- الجراد و الجفاف:

مع الزلازل و الفيضانات عرفت الجزائر آفات أخرى تمثلت في غزو الجراد و إ،تشار الجفاف مما أضر أيما ضرر بالجزائر إبان العهد العثماني إجتماعيا و صحيا و إقتصاديا وتسبب في إختفاء الأقوات و هلاك كثير من السكان .

أما سنوات زحف الجراد فمن أكثرها ضرر خلال أعوام فترة الدراسة 1710-1716-1724-1725-1760-1778-1779-1780.

وأما السنوات التي عرفت فيها البلاد إنتشار الجفاف فكانت في الفترات الممتدة من 1734 إلى 1737 و من عام 1778 إلى 1779 و كذلك سنة 1800 وأعوام 1800-1807-1816-1819[62].

4- المجاعات:

عرفت الجزائر خلال العهد العثماني عدة مجاعات كان أثرها وخيما على الوضع الإجتماعي و الصحي و الإقتصادي للبلاد منها مجاعة 1778 و 1779م والتي قيل عنها أن الناس كانوا يموتون بالمئات في شوارع مدينتي الجزائر و قسنطينة[63] و كذلك الشأن بالنسبة لمجاعة 1787 و 1789م التي كان من أسبابها الجراد مع الوباء و كذلك أيضا يمكن الاشارة إلى مجاعة 1794 التي اتسمت فيها الأوضاع بالتردي والفوضى و غلاء الأسعار و غياب الأقوات[64].

و يـذكر عبد الرحمن الجيلالي أن الـجزائر ما كـادت تنتهي و تـستريح من ويـلات الحرب المحزنة حتى فـاجـاها الجدب والـقحط بكامل الـبلاد وأصبحت تعاني من أزمة مجاعة حادة و خانقة ارتفعت فيها الأسعار و غلا المعاش غلاءا فاحشا، حتى بلغ يومئد سعر الصاع الجزائري و هو ما يزن 34 كيلو تقريبا من البر فمات الناس جوعا و استمر للحال على ذلك بضع سنين و كان محمد الكبير باي وهران يأتي بالقمح من بلاد أوربا و يوزعه على الأهالي مجانا، و أعفى المزارعين و الفلاحين من دفع الضرائب و الخراج عن أراضيهم[65].

جـ-الوضع البشري:

فيما يخص الإحصائيات مجموع سكان الجزائر يلاحظ اختلاف ملحوظ عند المؤلفين و المتخصصين بهذا المجال و بخاصة من حيث العدد و الكثافة و هذا يعود إلى الأوضاع الصحية و الأحوال المعاشية و الظروف الطبيعية.

و الظاهر أن التعداد الإجمالي لسكان الإيالة الجزائرية كان يبلغ في نهاية الحكم العثماني حوالي ثلاثة ملايين نسمة إذا أخذنا بعين الإعتبار كل الإحتمالات الواردة و التقديرات الإعتباطية أو الإحصاءات المفرطة و استبعدنا قول حمدان خوجة بأن سكان الجزائر كان يبلغ العشرة ملايين نسمة (10 م ن)[66].

و اذا اعتبرنا الوضع الديمغرافي للمدن الجزائرية خلال العهد العثماني استطعنا الوقوف على تعداد سكان مدينة الجزائر الذي كان يتراوح حسب ما أورده "شاو" Show » بالنسبة سنة 1724 ما بين 40.000 و 180.000 .

أما تقديرات "فنتور دوبارادي" « Venture de paradis » لسنة 1789م فلم تتجاوز الخمسين ألف نسمة و مع نهاية العهد العثماني لم يكن يتجاوز عدد سكان مدينة الجزائر خمسة و ثلاثين ألف نسمة[67] و رغم ما يلاحظ من التناقص والإنكماش الذي أصبحت عليه مدينة الجزائر فإن كل الإحصائيات تؤكد أنها كانت في طليعة المدن و بعد هذا الجرد يمكننا التعرف على الخارطة السكانية للجزائر خلال فترة الدراسة.


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

إن البنية الإجتماعية للمجتمع الجزائري كانت تتميز بنوعيتها القبلية خارج المراكز الحضرية و تنوعيتها الطائفية داخلها.

أهمها:

1- الأتراك:

كان عددهم غداة الإحتلال الفرنسي يتراوح بين حوالي عشرة آلاف و ثلاثين ألف نسمة من الأصليين و المندمجين[68].

2- الكراغلة:

هم المنحدرون من آباء أتراك أصلا بالمهنة من الإنكشاريين و الراس و أمهات جزائيات في "حالة الجزائر" و كان عددهم يبلغ خمسة آلاف نسمة عام 1808 حسب تقديرات بوتان (Boutin) و أكثر من 16000 نسمة مقابل 14000 نسمة تركيا بمدينة الجزائر في القرن الثامن عشر (18مـ).

3-البرانية و الدخلاء:

هم الأهالي للحديثو الإستيطان بالمدن[69].

4-الحضر أو البلدية:

يتكونون أساسا من الموريسكيين الأندلسيين الذين فروا من الإضطهاد والإبادة الجماعية (محاكم التفتيش) بالإضافة إلى بقية الأهالي من المستوطنين القدماء في هذه المدن.

5- اليهود:

هم الذين كانوا موجودين بكثرة في قطاع التجارة و في مختلف القطاعات السياسية للمتعاقبة على رقم قلتهم و قد جاء بعضهم من أوربا في القرن الثامن عشر (18مـ) و استوطنوا مدينة الجزائر كما ارتفع عددهم نسبيا مع هجرة الموريسكيين طمعا في حماية المسلمين لهم و بخاصة في مدينتي الجزائر و قسنطينة التي بلغ عددهم فيها قرابة عشر سكانها.

هذا بالإضافة إلى أقليات مسيحية أوربية (فرنسيين، مالطيين، إيطاليين ، إسبان..) و كان مجموع هذه الفئات لا يمثل حسب بعض المصادر أزيد من 6 بالمئة في أحسن الأحوال من مجموع سكان الجزائر، أما خارج المدن و الحواضر الكبرى، فكان عمق الجزائر و سوادها عبارة عن أرياف ذات بنية قبلية تمثل حوالي 94 بالمئة الباقية[70].

و عليه فيمكن تصنيف سكان الريف في الجزائر إبان العهد العثماني تبعا لعلاقاتهم بالحكم البيلكي إلى الأنواع القبلية التالية:

1- قبائل الرعية:

تسود فيما كان يسمى بـ "الأوطان" و هي مناطق محيطة بالمدن خاضعة للبايلك

2- قبائل المخزن:

هي قبائل أعوان للسلطة في إخضاع قبائل الرعية تمثل دورها في جمع الضرائب، و كان بعض قادتها أتراكا[71].

3- القبائل الاحلاف:

هي القبائل التي كانت تتبادل الخدمات و المصالح مع السلطة و كانت موجودة أساسا بين قبائل الرعية و القبائل المستقلة مشكلة مناطق عازلة و أحزمة وقائية للسلطة.

4- القبائل المستقلة:

كانت موجودة أساس بالمناطق الجبلية[72] (الظهرة، الونشريس، قسنطينة) وبشمال الصحراء و هي مناطق يقع معظمها في شرق الجزائر و بخاصة منه ما كان يعرف ببايلك الشرق.[73]