>>>> الرد الأول :
بارك الله فيك على هذه المبادرة الطيبة
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي
بقلم الشيخ مشهور حسن آل سلمان
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهذه سطور في التعريف بإمام من أئمة الدعّوة السّلفية، نفع الله به كثيراً، وعالج العديد من المسائل والأمور في شتى ميادين الحياة، وأصَّل مبادئ دعويّة كثيرة، وتكلم عن قضايا منهجيّة هي الآن حديث السّاعة، وأثارت نزاعاً شديداً بين طلبة العلم، ومرادنا من هذه السطور التعريف بهذا العلم من النّاحية الشخصيّة إلقاء الضوء على شخصيّته الدّعويّة من خلال تعرّضه للأمور التّاليّة:
أولاً: الدعوة السّلفيّة والسّياسة وفقه الواقع.
ثانياً: الدعوة السّلفيّة والانتخابات.
ثالثاً: الدعوة السّلفيّة والعلم.
* شخصيّة محمد البشير الإبراهيمي:
- ولد الشيخ قسنطينة بالجزائر عام 1306 هجرية في الثالث عشر من شهر شوال، الموافق سنة 1889 ميلاديّة.
- وهو سليل قبيلة أولاد إبراهيم بن يحيى بن مُساهلالتي يرتفع فيها إلى إدريس بن عبد الله الجدّ الأول للأشراف الأدراسة، ويدعى إدريس الأكبر مؤسس دولة الأدارسة في المغرب الأقصى، وترجع إليه أنساب الأشراف الحسنيِّين في المغربين الأقصى والأوسط.
- اتجه -رحمه الله- إلى الدراسة الدينيّة، وكان يتمتع بحافظة عجيبة وذاكرة قويّة، أكمل حفظ القرآن وهو في سن التاسعة، وتعلّم في هذه السِّن قواعد النحو والبلاغة، ودرس الفقه والعلوم الشرعيّة في سن مبكِّرة،
وعندما بلغ العشرين من العمر هاجر على المدينة النبويّة ملتحقاً بأبيه، ومرَّ بالقاهرة ومكث فيها ثلاثة أشهر كان يتردّد أثناءها على الدرس بالأزهر الشريف، سافر بعد ذلك على المدينة النبويّة، وفيها درس على أيدي مشايخ الحرم النبوي الشريف، وكان يقوم بتدريس الفقه واللغة والأدب.
- عند قيام الحرب العالميّة الأولى استوطن مع والده دمشق، بعد أن أرغمته الدولة العثمانيةّ على الخروج من المدينة، وهناك اشتغل بالتّعليم الحر، ثمّ عُيّنَ أُستاذاً للآداب العربيّة في المدرسة السلطانيّة الأولى، وبعد انتهاء الحرب عاد إلى الجزائر وعمل بالتدريس أيضاً.
- قام في الجزائر مع الشيخ عبد الحميد بن باديس بوضع مخطّط لمحاربة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وأنشأ جمعيّة علماء الجزائر سنة 1931م في الجزائر العاصمة.
- كان يهدف بهذه الجمعيّة إلى نشر تعاليم الإسلام الصّحيح المصفّى من البدع والخرافات، وإحياء اللغة العربيّة.
- كان -رحمه الله- خطيباً مفوّهاً، يتحدّث ببلاغة وصراحة وجرأة، وكان مجاهداً، صاحب همّة عالية لا تعرف الملل، وعالماً لا يخشى في الحقّ لومة لائم، كان يحفظ من عيون الشعر والأدب الأندلسي والمغربي، ويُلقي أُمّات القصائد عن ظهر قلب، وكان عالماً في مصطلح الحديث والفقه والنحو والصرف والمنطق والأصول وغيرها من العلوم.
- لم يكن الشيخ الإبراهيمي إقليمياً يناضل من أجل حريّة واستقلال بلاده الجزائر فقط، إنّما كان شخصيّة إسلاميّة معروفة في العالم الإسلامي بجهاده وكفاحه من أجل نشر الإسلام.
- كان -رحمه الله- سيفاً مصلتاً على المشعوذين، وبقايا السمسارين؛ الذين يتاجرون بالدّين، وتميّز --رحمه الله- بصراحته في الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، والالتزام بالكتاب والسنّة، ومنهج السّلف الصّالح.
- توفي الشيخفي التاسع عشر من أيار سنة (1965م) -رحمه الله تعالى-، وأسكنه فسيح جنّاته.
* سلفيّة الشيخ محمد الإبراهيمي -رحمه الله تعالى-:
نستطيع أن نلخص الركائز التي قامت عليها دعوة الشيخ الإبراهيمي في النقاط التالية:
أولاً: إصلاح عقيدة الجزائريّين
فقد كانت جمعيّة العلماء تركز عملها بصفة عامّة على مقاومة الخرافات والبدع التي شوَّهت عقيدة المسلمين، وتطهير عقيدتهم من مظاهر الشرك، سواء العلني منها أو الخفي.
كان -رحمه الله- يرى أن العقائد السليمة هي قاعدة الإصلاح في المجتمع، وهو ينادي بأن حالة التدهور العام التي وصل إليها المسلمون في القرون الأخيرة إنّما تعود إلى تدهور العقيدة لدى الفرد المسلم وتطرُّق الشرك الخفي إليها.
ثانياً: مقاومة الصوفيّة المبتدعة.
ترتبط مقاومة الصّوفيّة المبتدعة بإصلاح العقيدة ارتباطاً وثيقاً، وقد كشف الإبراهيمي -رحمه الله- عن مخازي هؤلاء وحاربهم بشدّة، وعاملهم بما يستحقّون لأنهم تاجروا باسم الدّين، وزجّت بهم فرنسا في أتون المعركة، فأصغ إليه وهو يقول: «في أيام الحملة الكبرى على الحكومة الفرنسيّة ظهر هؤلاء بمظهر مناقض للدّين، فكشفوا الستر عن حقيقتهم المستوردة، ووقفوا في صفِّ الحكومة مؤيِّدين لها، خاذلين لدينهم وللمدافعين عن حريّته مطالبين بتأييد استعباده، عاملين بكل جهدهم على بقائه بيد حكومة مسيحية تخرِّبه بأيديهم، وتشوّه حقائقه بألسنتهم، وتلوث محاربيه ومنابره بضلالتهم»،
ويقول: «وقد أخذوا في الزمن الأخير ببعض مظاهر العصر، وتسلّموا بعض أسلحتهم بإملاء من الحكومة للدفاع عن الباطل، فكوّنوا جمعيّة، وأنشأوا مجلة، وجهّزوا كتيبة من الكتاب يقودها أعمى -خذلاناً من الله- ليشنرك عاقلهم وسفيههم في هذه المخزيات، وبحكم العموميّة في الجمعيّة، والاشتراك في المجلّة، ولو في دائرته الضيّقة ومن أهله وجيرانه... دافعناهم -عندما ظهروا بذلك المظهر- بالحق فركبوا رؤوسهم، فتسامحنا قليلاً إبقاءً على حرمة (المحراب) و (المنبر) التي انتهكوها، فشدّدوا إبقاء على حرمة (الخبزة)!! فكشفنا عن بعضنا الحقائق المستورة فلجّوا وخاضوا، وثاروا وخاروا، فلمّا عتوا من أمر ربهم رميناهم بالآبدة... وهي أنّ الصلاة خلفهم باطلة، لأنَّ إمامتهم باطلة... لأنهم جواسيس»!!
وقد عدّ الشيخ الإبراهيمي الصّوفية داءً عضالاً يجب التخلص منه، لتحرّر عقيدة المسلم من التّشويش، وتطلق لعقله العنان في التَّشيُّع وفهم الشريعة،
فتراه يصرح بقوله: «إننا علمنا حقّ العلم بعد التّروي والتّثبت ودراسة أحوال الأمّة ومناشئ أمراضها أن هذه الطرق المبتدعة في الإسلام هي سبب تفرُّق المسلمين، ونعلم أننا حين نقاومها نقاوم كلّ شر، إنّ هذه الطرق لم تسلم منها بقعة من بقاع الإسلام، وإنَّها تختلف في التّعاليم والرّسوم والمظاهر كثيراً، ولا تختلف في الآثار النّفسيّة إلا قليلاً، وتجتمع كلها في نقطة واحدة وهي التّخدير والإلهاء عن الدّين والدّنيا».
ويتابع شارحاً مخاطر الطرقيّة وبدعها، حيث تعلٌّ كثيرٌ من المسلمين بطقوس طريقتهم، وبطروحات مشايخهم، ولم يعودوا على اتّصال مباشر مع الكتاب وصحيح السّنّة، بل أصبحت هذه الطرق حاجزاً بينهم وبين مصادر الشريعة، وكأنها دين جديد، لقد أصبحت بعض الطرق -كما يرى الإبراهيمي- في بلاد العرب والمسلمين، وفي الجزائر بخاصّة، إضافة جديدة إلى محاولات الدّس التي قان بها أعداء كثيرون للإسلام، إن كان بنحل الأحاديث، أو بالتّأويلات المزوِّرة للحقيقة، أو ما شاع عند العديد من الحركات الباطنيّة، ولكن يعود ليؤكد أن هذه كان خطره أقل بكثير من خطر هذه الطَّريقة،
فيقول: «أما والله ما بلغ الوضّاعون للحديث، ولا بلغت الجمعيّات السريّة ولا العلنيّة الكائدة للإسلام من هذا الدّين عشر معشار ما بلغته من هذه الطُّريق المشؤومة... إنّ هذه الهوَّة العميقة التي أصبحت حاجزة بين الأمّة وقرآنها هي من صنع أيدي الطرقيّين».
ويقول مقرِّعاً الصوفيّة والطّرقيَّة وفهمهم الخاطئ للإسلام: «... فكل راقص صوفي، وكل ضارب بالطبل صوفي، وكل عابث بأحكام الله صوفي، وكل ماجن خليع صوفي، وكل مسلوب العقل صوفي، وكل آكلٍ للدّنيا بالدّين صوفي، وهلُّم سحباً، أفَيَجْمُلُ بجنود الإصلاح أن يدعوا هذه القلعة تحمي الضُّلال وتؤويه، أم يجب عليهم أن يَحملوا عليها حملةً صادقةً شعارهم: (لا صوفيّة في الإسلام) حتى يدكُّوها دكّاً، وينسفوها نسفاً، ويذروها خاوية على عروشها».
وقد كان -رحمه الله تعالى- في محاربته للصوفية وخرافاتهم وترَّهاتهم متأثراً بتعاليم حركة الشيخ محمد عبد الوهاب الإصلاحيّة، ويتضح ذلك عندما نراه يعلل هجوم المتاجرين بالدّين على هذه الدّعوة السُّنّية الإصلاحيّة في البلاد الحجازيّة التي سمَّاها خصومها بـ (الوهَّابية) -تنفيراً وتشويهاً- لأنها قضت على بدعهم، وحاربت خرافاتهم،
فيقول: «إنهم موتورون لهذه الوهَّابية التي هدمت أنصابهم، ومحت بدعها فيما وقع تحت سلطانها من أرض الله، وقد ضجَّ مبتدعة الحجاز فضجّض هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسة، فليس ما نسمعه هنا من ترديد كلمة (وهابي) تُقذف في وجه كل داعٍ إلى الحقّ إلا نواحاً مردّداً على البدع التي ذهبت صرعى هذه الوهَّابية».
يتبع
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
ثالثاً: محاربة الفهم الخاطئ للإسلام:
يرى الشيخ الإبراهيمي أن المتاجرين باسم الدين كان لهم أسوأ الأثر على عقول النّاس، حيث خدّروها بالأوهام، وملأوها بالخرافات والإدّعاءات التي ليست من الدين الحنيف في شيء، فكان فعلهم مشوّشاً للإيمان عند العامّة مانعاً للتّفاعل الرّوحي المتعقّل من تعاليم الإسلام.
ومكمن خطر هؤلاء أنّ رأس مالهم التدجيل والتحريف، وبضاعتهم في هذه الأمّة المسكينة التي أحكموا الحيلة في تخديرها بالرؤى والمنامات، وزعزعوا عقيدتها بالله بما أثبتوه لأنفسهم من التّصرف في الكون أحياءً وأمواتاً، ومن مشارك الخالق فيما تفرُّد به من الأمر والخلق، وأفسدوا فطرتها الدينيّة بما ابتدعوه لها من عبادات (ميكانيكيّة) هي إمّا زيادة في الدين أو نقص فيه.
وظهرت آثار هذه المحاربة في التّركيز أولاً على إصلاح عقيدة النّاس، وعلى محاربة الصوفيّة المبتدعة التي كانت منتشرة آنذاك.
ومن آثارها أيضاً:
محاربة التّعصب المذهبي المقيت:
وكان الإبراهيمي يركز على هذا أشدّ التركيز، وكان يعدّث التعصب المذهبي سبباً من أسباب تفرُّق المسلمين، فها هو يقول وهو يتكلم بهذا الصدّد: «هذه العصبيّة العمياء التي حدثت بعدهم -أي: الفقهاء والأئمة الأربعة على وجه الخصوص- للمذهب والتي نعتقد أنهم لو بُعثوا من جديد لأنكروها على أتباعهم.
ويقول: «وقد طغت شرور العصبيّة للمذاهب الفقهيّة في جميع الأقطار الإسلاميّة، وكان لها أوسوأ الأثر في تفريق كلمة المسلمين، وإن في وجه التّاريخ الإسلامي منها لندوباً».
ويرى شيخنا الإبراهيمي أنّ سبب الوحدة الحقيقي هو الدّين، وأن ما يجتمع عليه النّاس من غيره آفاق ضيّقة!
فها هو يقول: «الأوطان تجمع الأبدان، واللغات تجمع الألسنة، وإنما الذي يجمع الأرواح ويؤلِّفها ويصل بين نكرات القلوب فيعرفها هو الدّين، فلا تلتمسوا الوحدة في الآفاق الضيّقة، ولكن التمسوها في الدّين، والتمسوها في القرآن، تجدوا الأفق الأوسع، والدّار أجمع، والعديد أكثر، والقوى أوفر».
ويرى الشيخ الإبراهيمي أيضاً أنّ ابتعاد النّاس عن المفهوم الحقيقي للإسلام يجلب لهم لا محالة التّفرق والتشرذم، ومن مستلزمات ذلك الاعتماد على أسس ما أنزل الله بها من سلطان، فتجد هؤلاء المبتدعين يعتمدون تارة على علم الكلام، ويقدّسون (العقل)، وتجد بعهم الآخر ينخلع تماماً عن ذلك، ويغرق في الكلام عن الرّوح، فها هو يصرح بأن الجدل وعلم الكلام: «هو مبدأ التفرق الحقيقي في الدّين، لأن المتكلمين يزعمون أن علومهم هي أساس الإسلام، والصوفيّة يقولون: أن علومهم هي لباب الشريعة وحقيقتها».
فهو -رحمه الله تعالى- عالج جميع الأسباب التي يجتمع عليها فئات من النّاس، ويتّخذونها أساساً فيما بينهم على الالتقاء على شارة ما، أو اسم معين، أو مذهب فقهيّ، أو عقليّ، أو روحيّ ، ولذا ترى عنده من السّماحة، وبُعد الأفق؛ وسعة الصّدر، ما هو حقيقٌ بمثله، بحيث كان مصلحاً حقّاً، بعيداً عن التّعصُّبات المقيتة، نابذاً القوالب الحزبيّة الضيّقة، فهو لا يعمل لاسمٍ أو رسمٍ، وإنّما للإسلام ذات الإسلام بفهم سلف الأمّة الصالحين.
وكان -رحمه الله تعالى- إيجابيّاً في دعوته، انطلق من أسس راسخة في الإصلاح، وأوجز مهام هذا بقوله: «إيصال النّفع والخير إلى الأمّة، ورفع الأميّة والجهل عنها، وحثّها على العمل وتنفيرها من البطالة والكسل، وتصحيح فهمها للحياة وتنظيف أفكارها وعقولها من التّخريف، وتنظيم التّعاون بين أفرادها وتمتين الصّلة والثّقة بين العامة والخاصّة منها، وتعليمهم معاني الخير والرّحمة والإحسان لجميع الخلق».
شبكة المنهاج الاسلامية
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
السلام عليكم
جزيت خيرا أخي طه على هذه المبادرة الجميلة والطيّبة ونسأل الله أن تكون خالصة لوجهه ، وأرجو أن لا يكون خلط في هذه الصفحات .
ترجمة الشيخ : أبي عبد المعزّ محمّد علي فركوس
ترجمة الشيخ بخط أبي الوليد خالد بن صالح تواتي الجزائري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمــالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هدي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُهَا الذِينَ آمَنوُا اتَقُوا اللهَ حَقَ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَ إِلاَ وَأََنْتُمْ مُسْلِمُونْ﴾[آل عمران ۱۰۲]
﴿
يَا أَيُهَا النَاسُ اْتًقُوا رَبَكُمْ الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَـالاً كَثِيراً وَنِسَـاءً، وَاْتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام إِنَ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾[النساء ۱]
﴿يَا أَيُهَا الذِينَ آمَنوُا اْتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنوُبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾[الأحزاب ٧١-٧٢].
أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بـدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فقد ورد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية في العديد من المواضع بيان فضل العلم والعلماء، فمن القرآن الكريم، قوله تعالى
﴿يَرْفَعِ اللهَ الذِينَ آمَنوُا مِنْكمْ وَ الذِينَ أُوْتوُا العِلْمَ دَرَجَات﴾[ المجادلة ۱۰]، وقوله ﴿(
قـُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذِينَ يَعْلَمُونَ وَالذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[الزمر ٨]، وقوله ﴿إ
ِنَمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاء﴾[فاطر ۲۷].
ومن السنة، قوله صلى الله عليه وسلم (
العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ولكن ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)(١).
أهل العلم هم الذين أحرزوا قصبات السبق إلى وراثة الأنبياء لعلمهم بفقه الكتاب والسنة وبهدي نبي هذه الأمة صلى الله عليه وسلم ، فلا شرف فوق شرف وارث ميراث النبوة، نسأل الله تعالى أن يكون شيخنا أبو عبد المعز ممن نالوا تلك المرتبة إذ يعد حفظه الله تعالى حلقة وصل لمن مضى من سلف هذه الأمة المتبعين للدعوة المحمدية حقا: معتقدا ومنهجا وفقها وعلما، فهو منذ أن حاز نصيبا من العلوم الشرعية ونبغ فيها قام بالدعوة إلى الله، داعيا إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وفق منهج سلف هذه الأمة، لا يحابي في الحق أحدا، ولا يوالي على الباطل قريبا ولا بعيدا، جمع بين علمي النقل والعقل، يؤصــل الأجوبة ويستدل لهـا ويحقق المسائل دون تقليد لغير الدليل، ويدعو إلى السنة ويحارب البدعة بلسانه وقلمه، له تآليف وشروحات وتعليقات بلغت الغاية في الدقة والتحرير، فجزاه الله تعالى عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
هذا وقد طلبت من شيخنا أن يزودني ببعض المعلومات حتى أترجم له، فوافق جزاه الله خيرا، فقمت بإعداد هذه النبذة عن حياة شيخنا الطيبة وذلك في سطور، وسميتها بعد استشارة شيخنا "ترجمة شيخنا الأعز أبي عبد المعز". فأقول وبالله التوفيق
۱
- اسم شيخنا ونسبه ومولده:
هوشيخنا أبوعبد المعز محمد علي بن بوزيد بن علي فركوس القبي، نسبة إلى القبة القديمة بالجزائر (العاصمة) التي كانت مسقط رأسه بتاريخ: يوم الخميس ٢٩ ربيع الأول ١٣٧٤ﻫ المـوافق لـ: ٢٥ نوفمبر ١٩٥٤م في شهر وسنة اندلاع الثورة التحريرية في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم.
٢ - نشأة شيخنا العلمية:
تدرج شيخنا أبو عبد المعز في تحصيل مدارك العلوم بالدراسة -أولا- على الطريقة التقليدية فأخذ نصيبه من القرآن الكريم وشيئا من العلوم الأساسية في مدرسة قرآنية على يد الشيخ محمد الصغير معلم، ثم التحق بالمدارس النظامية الحديثة التي أتم فيها المرحلة الثــانوية، وبالنظر إلى عدم وجود كليات ومعاهد عليا في العلوم الشرعية في ذلك الوقت كانت أقرب كلية تدرس فيها جملة من المواد الشرعية كلية الحقوق العلوم الإدارية التي أنهى دراسته بها، ولا تزال - طيلة مرحلته الجامعية - تشده رغبة أكيـدة وميول شديد للاستزادة من العلوم الشرعية والنبوغ فيها، فأكرمه الله تعالى بالقبول في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فاستطاع أن يجد ضالته في هذا البلد الأمين، وقد استفاد أثناء مرحلته الدراسية من أساتذة وعلماء كرام -سواء في الجامعة الإسلامية وفي المسجد النبوي الشريف- ملازمة ومجالسة وحضورا، أمثال : الشيخ عطية بن محمد سالم -رحمه الله- القاضي بالمحكمة الكبرى بالمدينة النبوية في موطأ مالك -رحمه الله- والشيخ عبد القادر بن شيبة الحمد، أستاذ الفقه والأصول في كليـة الشريعة، والشيخ أبوبكر جابر الجزائري الواعظ بالمسجد النبوي، وأستاذ التفسير بكلية الشريعة، والشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله- أستاذ التفسير بكلية الشريعة، ومدرس كتب السنة بالمسجد النبوي، والشيخ عبد الرؤوف اللبدي أستاذ اللغـة (نحو وصرف) بكلية الشريعة، وأمثالهم، كما استفاد من المناقشات العلمية للرسائل الجامعية التي كان يناقشها الأسـاتذة والمشايخ، وكذا المحاضرات التي كان يلقيها فحول العلماء أمثال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- والشيخ حماد بن محمد الأنصاري -رحمه الله- وغيرهم. ثم عاد إلى الجزائر سنة ١٤٠٢ﻫ/١٩٨٢م ، فكان من أوائل الأساتذة الذين التحقوا بمعهد العلوم الإسلامية الذي اعتُمد رسميا في تلك السنة، وتعين فيه بعد ذلك مديرا للدراسات والبرمجة، ثم انتقل إلى جامعة محمد الخامس بالرباط -المغرب- قصد التفرغ لاستكمال أطروحة الدكتوراه التي حولها بعد ذلك إلى الجزائر العاصمة، فكانت أول رسالة دكتوراه الدولة التي نوقشت بالجزائر العاصمة في مجال العلوم الإسلامية، وهولا يزال بنفس الكلية يستفيد منه طلبة العلم داخل الجامعة وخارجها.
۳
- صفات شيخنا الخلقية والخلقية :
وشيخنا أبو عبد المعز _حفظه الله_ يتمتع بما وهبه الله من صفات بدنية وقوة جسمية منيعة، تظهر صفاته الخلقية من خلالها من كمال الهيئة وحسن السمت وجمال الوجه والمظهر، وهو قريب الشبه في شكله وصورته وصوته للشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله تعالى- كمـا شهد بذلك من رآهما.
كما توجت سيرة شيخنا أبي عبد المعز الذاتية والعلمية بجملة من مكارم الأخلاق التي يعرفها طلبة العلم عنه، وهو على جانب كبير من التواضع وطيب الطبع وحسن الألفة والمعاشرة وجمال الخلق، يتوخى في دعوته أسلوب اللين بالحكمة والموعظة الحسنة، يدعو للحق سالكا منهج أهل السنة والجماعة، راكنا إلى أهلها يحبهم ويميل إليهم ويواليهم ويشــد على من يبغضهم ويعادي من يدعو على خلافهم، وهو قائم بالعدل، منصف مع الغير، يعظم العلم، يقبل النصيحة في الحق ويرجع إليه، ولا ينصر العامة على العلمـاء، ولا يجرئهم على التجاسر، ويشفق عليهم وهو رحيم بهم، ومن صفاته حسن الاستقبال والعشرة وعلو الهمة.
يتبع ....
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
٤ - مؤلفات شيخنا العلمية :
هذا ولشيخنا أبي عبد المعز _حفظه الله_ مؤلفات علمية صدرت مطبوعة من دور النشر خارج الجزائر وداخلها وسلسلتين في الفقه، وتمتاز كتبه ورسائله بالدقة في الأسلوب الممتزج بين الأسلوب الأصولي والأدبي، وعباراته علمية دقيقة مسلسلة، بعيدة عن التعقيد اللفظي والتعصب المذهبي.
ومن مؤلفاته ورسائله:
١. تقريب الوصول إلى علم الأصول لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي المتوفى سنة ٧٤١ هـ، دار الأقصى _ القاهرة ١٤١٠ هـ.
٢. ذوو الأرحام في فقه المواريث _دار تحصيل العلوم ١٤٠۷هـ الموافق لـ ۱٩۸۷ م.
۳. الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل للإمام أبي الوليد الباجي المتوفى سنة ٤۷٤ هـ _ المكتبة المكية السعودية _
٤. مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ويليه كتاب مثارات الغلط في الأدلة للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني التلمساني ۷۷۱هـ/۱۳۰۷ م _ مؤسسة الريان، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ/ ١٩٩١م، دار تحصيل العلوم ١٤٢٠هـ / ۱۹۹۹م.
٥. مختارات من نصوص حديثية في فقه المعاملات المالية _ دار الرغائب والنفائس ١٤١٩هـ / ١٩٩٨م .
٦. الفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول للشيخ عبد الحميد بن باديس المتوفى سنة ١٣٥٩هـ _ دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى: ١٤٢١هـ / ٢٠٠٠م.
سلسلة فقه أحاديث الصيام
۷/۱. حديث تبييت النية _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ / ١٩٩٩م
٨/٢. حديث النهي عن صوم يوم الشك _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى ١٤١٩هـ / ١٩٩٩م.
۹/۳. حديث الأمر بالصوم والإفطار لرؤية الهلال _ دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى١٤٢٢هـ / ٢٠٠١م.
۱۰/٤. حديث حكم صيام المسافر ومدى أفضليته في السفر _دار الرغـائب والنفائس، الطبعة الأولى ١٤٢٢هـ / ۲٠٠۲م.
سلسلة ليتفقهوا في الدين
۱/١١. طريق الاهتداء إلى حكم الائتمام والاقتداء _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الثانية ١٤١٩هـ / ١٩٩٨م.
١٢/٢. المنية في توضيح ما أشكل من الرقية _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الثانية ١٤١٩هـ / ١٩٩٩م.
٣/۱۳. فرائد القواعد لحل معاقد المساجد _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الثانية ١٤٢٣هـ/ ٢٠٠٢م.
١٤/٤. محاسن العبارة في تجلية مقفلات الطهارة _دار الرغائب والنفائس، الطبعة الأولى١٤٢٠هـ/ ١٩٩٩م.
١٥/٥. الإرشاد إلى مسائل الأصول والاجتهاد _ مكتبة دار الريان، الطبعة الأولى ١٤٢٠هـ / ٢٠٠٠ م.
١٦/٦. مجالس تذكيرية على مسائل منهجية _ دار الرغائب والنفائس، ١٤٢٤هـ / ٢٠٠٣م.
١٧/٧. 40 سؤال في أحكام المولود _ دار الرغائب والنفائس، ١٤٢٥هـ / ٢٠٠٤م.
١٨/٨. العادات الجارية في الأعراس الجزائرية _ دار الرغائب والنفائس، ١٤٢٦هـ / ٢٠٠٥م.
١٩. مقال في مجلة "الرسالة" الصادرة من وزارة الشؤون الدينية تحت عنوان [حكم التسعير: هل التسعير واجب أم ضرورة في الشريعة الإسلامية؟].
٢٠. مقالة في مجلة "الموافقات" الصادرة من المعهد الوطني العالي لأصول الدين بالخروبة تحت عنوان [حكم بيع العينة]
٢١. مقالة في مجلة "منابر الهدى" تحت عنوان [إعتبار إختلاف المطالع في ثبوت الأهلّة وآراء الفقهـاء فيه]
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
مؤلفات قيد الإصدار :
١. من سلسلة ليتفقهوا في الدين العدد التاسع (حول مسائل الحج).
٢. الإنارة في التعليق على كتاب الإشارة.
٣. شرح وتعليق على العقائد الإسلامية للشيخ عبد الحميد بن باديس المتوفى سنة ١٣٥٩هـ.
ولشيخنا أبي عبد المعز _ حفظه الله _ مقالات نشرت ضمن أعداد من مجلة منابر الهدى وله إجابات عن أسئلة وردت عليه من مختلف جهات بلدنا الجزائر ومن غيره، منها المكتوب بخطه ومنها المسجل في أشرطة، فهي فتـاوى متنوعة ومؤصلة في العقيدة والمنهج وفي الفقه وأصوله، مما يدل على سعة مداركه العلمية.
هذا وليعلم أن الذي نكتبه عن شيخنا هو القليل من حياته العلمية، وإنا مما نشهد على مـا رأيناه من شيخنا حفظه الله تعالى: هو حسن أخلاقه وسمته وتواضعه مع طلبة العلم، ورحمته بهم كالوالد مع ولده، فهويقربهم إليه ويبسط لهم المسائل ويؤصلها لهم، ويعلمهم الكيفية المثلى في الإجابة، ويعقد لهم المجالس الخاصة فضلا عن العامة، في البيت والمسجد والجامعة، كما أنه يتعاهدهم ويسأل عنهم ويساعدهم على قضاء حوائجهم المادية فإن لم يستطع فبالتوجيه والكلمة الطيبة، كما أنه ينصحهم بما يفيدهم في دينهم ودنياهم، ويرغبهم في التكتل على الحق واتباع منهج النبوة، ويرهبهم من التكتل على الباطل واتباع منهج الضلال، فهو الشيخ الفقيه بدينه الفقيه بواقعه، فجزاه الله تعالى عن المسلمين خير الجزاء، وأثابه وإيانا الثواب الجزيل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
في سنة ١٤٢٤- ١٤٢٥ هـ / ٢٠٠٤ م .