عنوان الموضوع : إلياذة الجزائر شخصية جزائرية
مقدم من طرف منتديات العندليب
الفونس إتيان ديني " .. هذا اسمه الأول .. حوّلته واحة بوسعادة الجميلة .. إلى اسم آخر .. " ناصر الدين ديني " ..اسـم فني عالمي.. ترك آثارا كثيرة ومتعاظمة من اللوحات الخالدة التي رسمت معالم حياة واحد دخل في ديـن الله الإسـلام .. أسلم طبعا ..بعدما وجد ذاته وقد انغمست في سحر تلك الشخوص الطبيعيــة والإنسانية التي ألهمته مناعة في أن يكون ضمن هذا الفضاء الطبيـعي الخلاب الذي يحيل عـلى الحب والدهشة والعطاءات الفنية .. من هو إتيان ديني : ولد " ألفونس إتيان ديني " بباريس في 28 مارس 1861 من عائلة يرجع أصلها إلى مقاطعة " لوارييه " وكان أبوه محاميا لدى محكمة " السان " ..وكان جده المهندس ابن وكيل الملك في " فونتان بلو " أما أمه " لويز ماري أدل بوشيه " ..فقد كانت أيضا بنت محامي مشهور .. بعد الدراسة الثانوية التي توجت بحصوله على الباكالوريا تم قبوله في مدرسة الفنون الجميلة بباريس ولدى تخرجه من المدرسة لقي عمله الأول " الأم كلوتيد " اهتماما كبيرا في أوساط النقاد في صالون عام 1882 بباريس.. ويمثل هذا العمل صورة فلاحة مسنة بقبعتها البيضاء الخاصة بالنساء الريفيات .. في عام 1883 تحصل على لوحة الشرف من خلال لوحته " صخـرة صاموا" عندئذ قام برحلته الأولى إلى الجزائر ، في عام 1884 منحه صالون قصر الصناعة وساما ثالثا كما أعطاه بمناسبة هذا التتويج منحة اتاحت له في أن يقوم برحلة ثانية إلى الجزائر .. وفي سفرية طويلة إلى الجزائر وصل إلى ورقلة والأغواط وهناك وجد ضالتـه المنشودة إذ تركـت فيه المناظر الخلابة التي رآها في الجنـوب الجزائري أثرا عميقا في حيـاته ..ومن ضمن اللوحات الرائعة التي استوحاها من الجنوب لوحة " سطوح الأغواط " المعروضة الآن في متحف الفنون الجميلة بالجزائر .. وفي عام 1889 منح الوسام الفضي في المعرض العالمي المقام بباريس وتعرف ناصر الدين ديني على شاب جزائري يدعى سليمان بن إبراهيم باعامر فاشتدت روابط الصداقة و الوفاء بينهما، ومنذ ذلك الحين صار ابن إبراهيم يشاركه في كل مجالات حياته الفنية والفكرية .. واعتبارا من عام 1905 استقــر دينيه نهائيا في بوسعادة مع قيامه في نفس الوقت برحلات مستمرة إلى فرنسا و كان يعيش في بيت متواضع سقفه من التراب و القصب و هذا السقف مدعم بالعارضات التقليدية من العرعر و في هذا البيت بالذات يوجد الآن متحف سمي باسمه ( متحف ناصر الدين ديني في حي الموامين ببوسعادة ) . كان دينيه على اتصال مباشر بصديقه سليمان إبراهيم يرشده في كل مكان و هكذا قام بالعديد من الرحلات عبر الصحراء حيث تعلم النطق العربي و فهم النفسية و العادات و التقاليد الجزائرية و أحب الدين الإسلامي حتى اهتدى بهديه و اتخذه دينا عام 1913 و تقلد الإسم الجديد ناصر الدين و يذلك صدق قول ولي منطقة بوسعادة " سيدي ثامر " رحمه الله الذي قال قولته المأثـورة:" إن الله يبارك كل من يعيش في بوسعادة أكثر من أربعين يوما.. " ..و قد أثار اعتناقه الإسلام حملة خفية من الافتراءات و اشتدت خاصة عندما أصر على إسلامه .. لقد وصفه الأوربيون بأنه "خائن الغرب " و مع ذلك كان اختياره هذا نابع عن إيمان منطقي و عميق و دراية تامة بمسعاه الجديد حيث كان جادا و مخلصا في اختياره هذا.. فقد جسد ما يمليه عليه ضميره فاتبع المبادئ بكل دقة و إحكام .. كان رسمه يحظى بالتقدير عن عالم الفن ، حتى أن متاحف عدد من العواصـم الكبرى اشترت أثار ناصر الدين مثل ( متاحف برلـين ، باريس ، و سيدني و طوكيو ) و في شهر ماي 1929 ، و عن عمر يناهز 68 سنة ، عزم ناصر الدين على إتمام شطر دينه بالحج إلى مكة المكرمة و هذا بالرغم من تخوفاته و خشيته بأن لا يتمكن من التغلب على التعب و على مشاق هذه الرحلة الطويلة .. و قد كتب من مدينة جدة يقول :"هذه الرحلة تركت في نفسي انطباعات لم أشعر بما هو أسمى منها في كل حياتي . فلا أحد في العالم يمكنه أن يعطي فكرة عما شاهدته من جوانب هذه العقيدة الوحدانية من حيث المساواة و الاخوة بين حوالي 250.000 من الناس من مختلف الأجناس كانوا مزدحمين الواحد بجانب الآخر في صحراء موحشة " .. و بالفعل و بعد وقت قصير من رجوعه من الديار المقدسـة في 24 ديسمبر 1929 ..رزح الحاج نصر الدين دينيه تحت نوبة مرضية كانت قاضية على حياته و هكذا أقيمت له صلاة الجنازة في مسجد باريس و حسب أمنيته فقد نقل جثمانه بعدها إلى بوسعادة حيث دفن في 12 جانفي 1930 مشيعا بعدد كبير من الأصدقاء حيث يرقد الآن رحمه الله مع صديقه المرحوم سليمان بن ابـراهيم بمقبرة حـــي " الدشرة القبلية " بمدينة بوسعادة . وصية ناصر الدين دينيه.. في الخامس من شهر ديسمبر 1913 ترك لنا الرسام الشهيرناصر الدين دينيه وصيته الخالدة تلك الوصية التي أعلن فيها رسميا دخوله الدين الإسلامي حينما قال : "هذه رغباتي الأخيرة فيما يخص جنازتي يجب أن تشيع جنازتي طبقا للتعاليم الإسلامية ، لأنني اعتنقت الإسلام بكل إخلاص منذ عدة سنوات و كرست كل منجزاتي و مجهوداتي لتمجيد الإسلام .. يجب أن تدفن جثتي في المقبرة الإسلامية بمدينة بوسعادة التي أنجزت فيها القسم الأعظم من لوحاتي ، إذا كانت وفاتي في بلاد أخرى فيجب أن تعاد جثتي إلى بوسعادة و تكون تكاليف النقل من تركتي و إذا وافاني الأجل في باريس و لم يتواجد أي مسلم لإقامة صلاة الجنازة ، فإن جنازتي يجب أن تكون مدنية فقط ريثما تشيع جنازتي حسب التعاليم الإسلامية في بوسعادة ...إن هذا التصريح يلغي جميع القرارات التي ربما كنت قد اتخذتها في تاريخ سابق باريـس 05/12/1913 إ .دينيه فنان ـ رسام نصر الدين دينيه العالم المؤمن : لم يقتصر نصر الدين على ميدان الرسم فقط ، فقد كان مولعا بالبحث عن الحقيقة و المطالعة و هكذا فقد أنتج عددا من المؤلفات ذات الصبغة الأدبية و الدينية.. إن الكتابات الأدبية و التاريخية التي نشرها لوحده أو مع صاحبه سليمـان بن ابراهيم تشهد على رغبته تصحيح آراء معاصريه فيما يتصل بنظرتهم الخاطئة إلى الإسلام.. لقد تصدى في كتابه الشرق في نظر الغرب للرد على عدد كبير مــن المستشرقين الغربيين الذين كانوا يتهجمون على الدين الإسلامي عن جهل أو عن فهم سقيم . و بعد عدة شهور من وفاته صدر له كتابه الشهير " الحج إلى بيت الله الحرام " و هو أكبر شاهد على ورعه و تقاه وعلى سعة إطلاعه . علما أنه ترك لنا أيضا كتابه الشهير " محمد رسول الله " الذي من ترجمة كل من الدكتور عبد الحليم محمود و كذا الدكتور محمد عبد الحليم و كان قد وضع مقدمة هذا الكتاب الشهير.. شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود في مارس 1956 و مما قاله في مقدمته : " لقد عاش فنانا بطبعه ..كان مرهف الحس.. رقيق الشعور ..جياش العاطفة ..و كان صاحب طبيعة متدينة أيضا ..كان كثير التفكير.. جم التأمل ..يسرح بخياله في ملكوت السماوات و الأرض.. يريد أن يخترق حجبه و يكشف عن مساتيره.." حينما توفي ناصر الدين كتب عنه الأستاذ المعروف " راشد رستم " مقالا في جريدة الأهرام بتاريخ 19/12/1929 وكان على صلة به :" أحب المسيو دينيه حياة العرب.. و هو ذلك الفنان الكبير ..فاتخذ له بينهم مقاما محمودا في بــلاد الجزائر.. في تلك الواحة الهادئة الجميلة ..هو من كبار أهل الفن و رجال التصوير و صاحب اللوحات الكبيرة النفيسة القيمة تزدان بها جدران المعارض الفنية و تحتفظ بها المتاحف الفرنسية و غيرها من المتاحف العالمية في طوكيو و سيدني ..و جميع صوره تدل على القدرة الفنية الكبيرة في رسم الصحراء ..كما تدل على دقة التعبير عن الحالات النفسية المختلفة .." .. قالوا في إتيان دينيه : "و مهما حاولنا ..فلم نوفي دينيه حقه من التنويه بشجاعته حين كشف الأغلاط الفادحة التي ارتكبها بعض المستشرقين في تفسيرهم وفي ترجمتهم لبعض النصوص العربية و كذلك فقد ندد بظلم السلطات الاستعمارية و نجح أحيانا في إدانتها " محمد راسم الجزائر 1974 "إن فنه و إن كان عصره قد تخطاه ، إلا أنه يعتبر مرحلة من مراحل الإستشراق الإفريقي ..بل يعتبر صفحة مشرفة من صفحاته ..و مما لا شك فيه أن لدينيه المكانة التي يستحقها عن جدارة في الرسم ". جان لونوا وهران 1962 "استطاع دينيه أن يصور الجمال أروع تصوير و أن يستخرجه من الحقيقة التي لا توجد حقيقة سواها ". لويس بينيديت محافظ متحف لوكسمبورغ "و أثبت بريشته في مواطن كثيرة ما كشف به قناع الوهم عن العيون و ما تمكن به من إثبات الحنو كأنه بهذا أو ذاك يشاطر القوم السراء و الضراء " .. مجلة الشهاب 11 نوفمبر 1927 "إننا نرى من الواجب أن نشيد بذكر هذا الرسام العظيم الذي ساهمت لوحاته البديعة في إثراء متاحفنا و في تزيين العديد من المباني الرسمية .." الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الجزائر 1975 "لن نكون من المنصفين إذا نحن قلنا بأن دينيه وقع في الابتذال وراح يبحث عن المناظر الغريبة في الصحراء الساحرة ..لقد آمن دينيه بالديانة الإسلامية إيمانا صادقا ودخل فيها عن دراية واقتناع " . ج .اوديزيو " إن مواهبه كفنان نادرة وأما بخصوص اعتناقه للدين الإسلامي فهذا أمر لا يمكن لعقليتنا الغربية العريقة والدينية أن تقبله وهذا ما جعله إنسانا فريدا .." الكاتب ج .دينيه .رولانس. 1938 كلمة كريستالية : لم تكن هذه الكلمات سوى إشارات من تشكيل حالم رسم كينونته الرسـام العالمي ناصر الدين ديني الذي أحب الجزائر ودخل في الدين الإسلامي لأجل سيمفونية فنية عايشها عبر رحلاته الأولى إلى الجزائر ..بوسعادة الجميلة هي التي ألهمته رؤى من تشكيل يليق بمقام شخوص فضـــاء يملك كل الأدوات الفنية الخلابـة ..أتصور أن بوسعادة ساهمت في تشكيل الرجل من جديد.. لبسته عبر عبقها الذي يغري القلوب.. بوسعادة شهادة حية على تطعيم القلوب بحب يرسم الخلاص ..لولا بوسعادة لما دخل هذا الفنان في ردهات الحياة الساحرة ..بوسعادة التي أعرفها وعشت فيها أياما سحرتني وجعلتني ـ حتى أنا ـ ارسم لنفسي توليفة الإضافة في واقع لا يخون القلوب ..من مدينة عرفت كيف تؤسس للعالمية الفنية عبر ناصر الدين ديني .. وبه هو أيضا نكون قد أفلحنا في الجزائر إلى جر أكبر فنان في العالم عبر موسوعة مكانية غسلت القلب والذات ورسمت اللغة الحضارية لمن كانوا يتصورون أنفسهم حضارة ..عندما أكون في بوسعادة .. أرى نفسي وقد تصالحت مع التاريخ الفني ..يرسم لي لوحة أخرى على مثل شاكلة لوحات ديني الخالدة وكأنني رسمت بدوري لوحات " سحرة الثعابــين " و " الفتيــات العربيات " و" المتربصون " و " والزوجة المهجورة " ..وصورة ديني نفسها يطل من نافذة بيته القديم .. ناصر الدين حضارة .. بوسعادة واحة من عشق تلهم الكبار والصغار عشقا حضاريا.. وإتيان ديني نمط حضاري لا يمكن للجحود أو النسيان أن يجعله ذاتا غارقة في وحل اللعنة ..رحم الله " إتيان ديني " الفنان الكبير في قبره بحي " الدشرة القبلية" العريق ..ولنا فيه وفي بوسعادة ألف عبرة .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
رمضًــــآن كــَريـــمَ *_* (( ^_^ ))
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :