عنوان الموضوع : عبد الحميد بن باديس(المولد و النشأة) شخصية جزائرية
مقدم من طرف منتديات العندليب
عبد الحميد بن باديس(المولد و النشأة)
هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن المكي بن محمد كحول بن الحاج علي النوري بن محمد بن محمد بن عبد الرحمان بن بركات بن عبد الرحمان بن باديس الصنهاجي. ولد بمدينة قسنطينة يوم الأربعاء 11 ربيع الثاني 1307 هـ الموافق لـ 4 من ديسمبر 1889 م على الساعة الرابعة بعد الظهر، وسجل يوم الخميس 12 ربيع الثاني 1307 هـ الموافق لـ 5 ديسمبر 1889 م في سجلات الحالة المدنية التي أصبحت منظمة وفي أرقى صورة بالنسبة لذلك العهد كون الفرنسيين أتموا ضبطها سنة 1886 م.
كان عبد الحميد الابن الأكبر لوالديه، فأمه هي : السيدة زهيرة بنت محمد بن عبد الجليل بن جلول من أسرة مشهور بقسنطينة لمدة أربعة قرون على الأقل، وعائلة "ابن جلول من قبيلة "بني معاف" المشهورة في جبال الأوراس، انتقل أحد أفرادها إلى قسنطينة في عهد الأتراك العثمانيين وهناك تزوج أميرة تركية هي جدة الأسرة (ابن جلول) ولنسبها العريق تزوجها والده محمد بن مصطفى بن باديس (متوفى 1951 م) الذي شغل منصب مندوبا ماليا وعضوا في المجلس الأعلى وباش آغا شرفيا، ومستشارا بلديا بمدينة قسنطينة ووشحت فرنسا صدره بميدالية Chevalier de la légionla légion d’honneur، وقد احتل مكانة مرموقة بين جماعة الأشراف وكان ذوي الفضل والخلق الحميد ومن حفظة القرآن الكريم، ويعود إليه الفضل في إنقاذ سكان منطقة واد الزناتي من الإبادة الجماعية سنة 1945 م على إثر حوادث 8 ماي المشهورة، وقد اشتغل بالإضافة إلى ذلك بالفلاحة والتجارة، وأثرى فيهما.
أما اخوته الستة : الزبير المدعو المولود، العربي، سليم، عبد المليك، محمود وعبد الحق، والأختين نفيسة والبتول، فقد كانوا جميعا يحسنون اللغة الفرنسية باستثناء الأختين، وكان أخوه الزبير محاميا وناشرا صحفيا في صحيفة "صدى الأهالي" L'Echo Indigéne ما بين 1933 – 1934 م. كما تتلمذ الأستاذ عبد الحق على يد أخيه الشيخ عبد الحميد بالجامع الأخضر وحصل على الشهادة الأهلية في شهر جوان سنة 1940 م على يد الشيخ مبارك الميلي بعد وفاة الشيخ بن باديس بحوالي شهرين.
ومن أسلاف عبد الحميد المتأخرين جده لأبيه : الشيخ "المكي بن باديس" الذي كان قاضيا مشهورا بمدينة قسنطينة وعضوا في المجلس العام وفي اللجنة البلدية، وقد احتل مقاما محترما لدى السكان بعد المساعدات المالية التي قدمها لهم خاصة أثناء المجاعة التي حلت بالبلاد فيما بين 1862 – 1868 م ودعي إلى الاستشارة في الجزائر وباريس، وقد تقلد وساما من يد "نابليون الثالث" (تقلد رئاسة فرنسا من 1848-1852 م وإمبراطور من 1852-1870 م)، وعمه "حميدة بن باديس" النائب الشهير عن مدينة قسنطينة أواخر القرن التاسع عشر الذي اشترك مع ثلاثة من زملائه النواب في عام 1891 م في كتابة عريضة بأنواع المظالم والاضطهادات التي أصبح يعانيها الشعب الجزائري في أواخر القرن التاسع عشر الميلاد من الإدارة الاستعمارية والمستوطنين الأوروبيين الذي استحوذوا على الأراضي الخصبة من الجزائريين وتركوهم للفقر والجوع وقاموا بتقديمها إلى أحد أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي الذي حضر إلى الجزائر من أجل البحث وتقصي الأحوال فيها كي يقدمها بدوره إلى الحكومة الفرنسية وأعضاء البرلمان الفرنسي في باريس وذلك بتاريخ 10 أفريل سنة 1891 أي بعد ولادة عبد الحميد بن باديس بحوالي ثلاثة سنوات فقط.
أما من قبلهم من الأسلاف الذين تنتمي إليهم الأسرة الباديسية فكان منهم العلماء والأمراء والسلاطين، ويكفي أن نشير إلى أنهم ينتمون إلى أسرة عريقة في النسب كما يقول مؤلفا كتاب أعيان المغاربة المستشرقان Marthe et Edmond Gouvion والمنشور بمطبعة فوناتانا في الجزائر 1920, بأن ابن باديس ينتمي إلى بيت عريق في العلم والسؤدد ينتهي نسبه في سلسلة كعمود الصبح إلى بني باديس الذين جدهم الأعلى هو مناد بن مكنس الذي ظهرت علامات شرفه وسيطرته في وسط قبيلته في حدود القرن الرابع الهجري, وأصل هذه القبيلة كما يقول المستشرقان من ملكانة أو تلكانة وهي فرع من أمجاد القبيلة الصنهاجية العظيمة "البربرية" المشهورة في الجزائر والمغرب الإسلامي. ومن رجالات هذه الأسرة المشهورين في التاريخ الذين كان الشيخ عبد الحميد بن باديس يفتخر بهم كثيرا "المعز لدين الله بن باديس" (حكم: 406-454 هـ/1016-1062 م) الذي قاوم البدعة ودحرها، ونصر السنة وأظهرها، وأعلن مذهب أهل السنة والجماعة مذهبًا للدولة، مؤسس الدولة الصنهاجية وابن الأمير "باديس بن منصور" والى إفريقيا والمغرب الأوسط (حكم: 373-386 هـ/984-996 م) سليل الأمير "بلكين بن زيري بن مناد المكنى بأبي الفتوح والملقب سيف العزيز بالله الذي تولى الإمارة (361-373 هـ/971-984 م) إبان حكم الفاطمين.
وفي العهد العثماني برزت عدة شخصيات من بينها قاضي قسنطينة الشهير أبو العباس حميدة بن باديس (توفى سنة 969 هـ/1561 م) قال عنه شيخ الإسلام عبد الكريم الفكون : "هو من بيتات قسنطينة وأشرافها وممن له الريّاسة والقضاء والإمامة بجامع قصبتها، وخَلَفُ سلف صالحين علماء حازوا قصب السبق في الدراية والمعرفة والولاية، وناهيك بهم من دار صلاح وعلم وعمل". وأبو زكرياء يحيى بن باديس بن الفقيه القاضي أو العباس "كان حييا ذا خلق حسن، كثير التواضع، سالم الصدر من نفاق أهل عصره، كثير القراءة لدلائل الخيرات ذا تلاوة لكتاب الله".
وأبو الحسن علي بن باديس الذي اشتهر في مجال الأدب الصوفي بقسنطينة إبان القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي وهو صاحب القصيدة السينية التي نظمها في الشيخ "عبد القادر الجيلاني" مطلعها :
ألا سر إلى بغداد فهي مني النفس وحدق لهمت عمن ثوى باطن الرمس
والشيخ المفتي بركات بن باديس دفين مسجد سيدي قموش بقسنطينة في الفترة نفسها. وأبو عبد الله محمد بن باديس قال عنه الشيخ الفكون : "كان يقرأ معنا على الشيخ التواتي (محمد التواتي أصله من المغرب كانت شهرته بقسنطينة وبها انتشر علمه، كانت له بالنحو دراية ومعرفة حتى لقب بسيبويه زمانه، وله معرفة تامة بعلم القراءات) آخر أمره، وبعد ارتحاله استقل بالقراءة عليّا وهو من موثقي البلدة وممن يشار إليه". والشيخ أحمد بن باديس الذي كان إماما بقسنطينة أيام "الشيخ عبد الكريم الفكون" خلال القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادي.
من هذه الأسرة العريقة انحدر عبد الحميد بن باديس، وكان والده بارًا به يحبه حبا جما ويعطف عليه ويتوسم النباهة وهو الذي سهر على تربيته وتوجيهه التوجيه الذي يتلاءم مع فطرته ومع تطلعات العائلة، كما كان الابن من جهته يجل آباه ويقدره و يبره. والحق أن "عبد الحميد" يعترف هو نفسه في آخر حياته بفضل والده عليه منذ أن بصر النور وذلك في حفل ختم تفسير القرآن سنة 1938 م، أمام حشد كبير من المدعوين ثم نشر في مجلة "الشهاب"، فيقول : "إن الفضل يرجع أولاً إلى والدي الذي ربّاني تربية صالحة ووجهني وجهة صالحة، ورضي لي العلم طريقة أتبعها ومشرباً أرده، وقاتني وأعاشني وبراني كالسهم وحماني من المكاره صغيراً وكبيراً، وكفاني كلف الحياة... فلأشكرنه بلسانه ولسانكم ما وسعني الشكر. ولأكلُ ما عجزت عنه من ذلك للَّه الذي لا يضيع أجر المحسنين».
ابن باديس الفقهيه المجتهد :
مما عرف به ابن باديس أنه فقيه أصولي مجتهد, جامع لشروط الإمامة والفتوى, عالم بمذاهب أهل السنة والجماعة, عارف بمقتضيات الحياة, متطلع في المذهب المالكي, وفي معرفة أحوال مجتمعه, إذ لم يكن فقيها تقليديا يكتفي بالتعامل مع ظاهر النصوص, إنما كان يعمل فكره ويجتهد في تحليل القضايا التي تعرض لحياة الناس وفق الظروف التي يعيشونها.
وله عدة آراء اجتهادية في الدين تتمثل في :
أولا : رأيه في تجنس المسلم بالجنسية الفرنسية : تنص الفتوى بتكفير كل مسلم جزائري أو تونسي أو مغربي يتنازل عن قانون الأحوال الشخصية الإسلامية باختياره, وبتجنس بالجنسية الفرنسية للتمتع بالحقوق المدنية, قال ابن باديس : " ما أكثر ما سئلنا عن هذه المسألة, وطلب منا الجواب في الصحف, ومن السائلين رئيس المتجنسين الأستاذ التركي (الذي لم يجد من يفته في تونس) وكاتبنا برسالتين, فأدينا الواجب بهذه الفتوى :
بسم الله الرحمن الرحيم, وصلى الله على محمد وآله : التجنس بجنسية غير إسلامية يقتضي رفض أحكام الشريعة الإسلامية ومن رفض حكما واحد من أحكام الإسلام عدَّ مرتدا عن الإسلام بالإجماع, فالمتجنس مرتد بالإجماع, والمتجنس - بحكم القانون الفرنسي - يجري تجنسه على نسله, فيكون قد جنى عليه بإخراجه من حظيرة الإسلام, وتلك الجناية من شر الظلم وأقبحه, وإثمها متجدّد عليه ما بقي له نسل في الدنيا, خارجا عن شريعة الإسلام بسبب جنايته... والعلم عند الله..." خادم العلم وأهله "عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء" - البصائر عدد 95 بتاريخ 14/01/1938, جمادى الثاني 1356 هـ. نص الفتوى
ثانيا : رأيه في تزوج المسلم الجزائري بالفرنسية : بالرغم من أن الإسلام يبيح الزواج بالكتابية فد أفتى ابن باديس بحرمة زواج الجزائري المسلم بالفرنسية, وعلل ذلك بكون النتيجة التي تؤدي إليها هذا الزواج هي الخروج عن حظيرة الإسلام لأن القانون الفرنسي يقضي بأن أبناءه منها يتبعون جنسية أمهم في خروج نسله عن حظيرة الإسلام. فإن كان راضيا بذلك فهو مرتد عن الإسلام, جان على أبنائه, ظالم لهم, وإن كان غير راض لهم بذلك وإنما غلبته شهوته على الزواج فهو آثم بجايته عليهم, وظلمه لهم, لا يخلصه من إثمه هذا إلا إنقاذهم مما أوقعهم فيه.. -البصائر عدد 95 بتاريخ 14/01/1938, جمادى الثاني 1356 هـ.
ثالثا : رأيه في دفن ابناء المتجنسين في مقابر المسلمين : سأل أحد أهالي (ميشلي) من القبائل الكبري عن أبناء المتجنسين بالجنسية الفرنسية هل يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ؟ فكان جواب ابن باديس كما يلي : بعد الحمد لله والصلاة والتسليم على النبي وآله : قال : "فابن المطورني, أي (المتجنس) إذا كان مكلفا, ولم يُعْلَم منه إنكار ما صنع أبوه والبراءة منه, فهو مثل أبيه لا يصلى عليه, ولا يدفن في مقابر المسلمين, وإن كان صغيرا فهو مسلم على فطرة الإسلام, يدفن معنا ونصلي عليه" كتبه خادم العلم وأهله : عبد الحميد بن باديس - البصائر عدد 79 بتاريخ 20/08/1937, جمادى الثاني 1356 هـ.
رابعا : رايه في جواز مسح المرأة على شعرها عند الاغتسال : أفتى ابن باديس بالاكتفاء بالمسح على رؤوسهن في الغسل, كما يكتفى بالمسح على الخفين والجبائر في الوضوء, تسهيلا عليهن, ودفعا للكلفة والخسارة, والدين يسر.
خامسا : رأيه في بعض حالات طلاق الثلاث : وله عدة فتاوى حسب الحلات لأنه كان أعلم العلماء لجأ إليه العديد من الناس لحل مشاكلهم في هذا الامر.
الاتجاه الذي كان سائدا في عصر ابن باديس لم يكن يشجع تعليم البنت ولم يكن يتيح لها فرص التثقيف التي تؤهلها لوظيفتها الاجتماعية التي تنتظرها, بل كثيرا ما كانت الفرص التعليمية المتاحة خاصة بالبنين, ومقصورة عليهم في أغلب الحالات.
وهذا الأمر كان يقلق ابن باديس, لذلك أبدى اهتمامه بموضوع تعليم المرأة, لأنها شقيقة الرجل وتشكل نصف المجتمع, وهي الركن الركين الذي يقوم عليه بناء الأسرة, فاهمال تربيتها, وتركها جاهلة هو هدم لهذا الركن, وتفكيك لبنية الاسرة, واضعاف لقدرتها على الاضطلاع بسؤولتها التربوية والاجتماعية.
وكان موقف ابن باديس أن وجه جهوده الاصلاحية والتربوية المتطرفة التي حاولت سلخ المراة المسلمة من مقوماتها وتجريدها من خصوصياتها.
وهاجم بشدة الآراء الجامدة التي حاولت إبقاء المرأة متاعا مهملا, وكذلك الآراء المتطرفة التي حاولت سلخ المرأة المسلمة من مقوماتها وتجريدها من خصوصياتها.
ونبه العلماء وأولياء أمور البنات إلى أهمية تعليم البنت, ضمن الإطار الحضاري الإسلامي, لأن البنت المتعلمة تستطيع أن تبني اسرة منسجمة ومتماسكة, كما تستطيع أن تصور نفسها, وتحفظ كرامتها, وتضطلع بوظيفتها التربوية داخل الأسرة, وفي المجتمع اضطلاعا كاملا.
وقد بين في رده على دعاة تحرير المرأة أن التحرير الحقيقي الذي يجب أن نسعى إليه هو تحريرها من الجهل, فقال : " وإذا أرتم إصلاحها الحقيق فأرفعوا حجاب الجهل عن عقلها قبل أن ترفعوا حجاب الستر عن وجهها, فإن حجاب الجهل هو الذي أخرها, وأما حجاب الستر فإنه ما ضرها في زمان تقدمها, فقد بلغت بنات بغداد وبنات قرطبة وبنات بجاية مكانة عالية ما ضرّها في العلم وهنّ متحجبات" الشهاب, ج : 10, م 5 نوفمبر 1929.
بعد اللقاءات الممهدة التي كانت تتم بين ابن باديس والبشير الإبراهيمي, تارة في سطيف, وأخرى في قسنطينة, التي كانت تنصب على دراسة الوضع في الجزائر والبحث عن السبل الكفيلة بمعالجة هذا الوضع, فكر الشيخ عبد الحميد في أن يخطو خطوة عملية تكون تمهيدا مباشر للشروع في التحضر لتأسيس هذه الجمعية.
فتوالت الجهود الممهدة لإنشاء هذه الهيئة، ويذكر الشيخ خير الدين في مذكراته أنه في عام 1928 م دعا الشيخ عبد الحميد بن باديس الطلاب العائدين من جامع الزيتونة والمشرق العربي لندوة يدرسون فيها أوضاع الجزائر، وما يمكن عمله لإصلاح هذه الأوضاع، وكان ممن لبى الدعوة من يمكن تسميتهم بـ (رواد الإصلاح) أمثال : البشير الإبراهيمي، ومبارك الميلي، والعربي بن بلقاسم التبسي، ومحمد السعيد الواهري، ومحمد خير الدين، واجتمعوا برئاسة الشيخ عبد الحميد بمكتبه. وقد سطر في هذا الاجتماع برنامج يهدف إلى النهوض بالجمعية المزمع إنشاؤها، فكأن ابن باديس أراد أن يسبق الأحداث، فحدد محاور النشاط الإصلاحي، الذي تضطلع به الجمعية التي دعا إلى إنشائها.
وقد سطر في هذا الاجتماع برنامج يهدف إلى النهوض بالجمعية المزمع إنشاؤها, فكأن ابن باديس أراد أن يسبق الأحداث, فحدد محاور النشاط الإصلاحي, الذي تضطلع به الجمعية التي دعا إلى إنشائها, وفعلا كان ذلك هو البرنامج الذي اتبعته الجمعية بعد ميلادها.
وفي خلال الفترة بين عام 1926 م إلى عام 1930 م برز «نادي الترقي» وأصبح ذا ثقل ثقافي وتأثير جدي فكان ملتقى النخبة المفكرة سواء من كان منهم مقيماً بالعاصمة أو من كان وافداً عليها من الخارج. وكانت تلقى فيه المحاضرات والمسامرات، وتقام فيه الحفلات، وداوم عبد الحميد كلما جاء إلى الجزائر يحاضر فيه أو يسامر أو يجتمع فيه بالشباب الناهض المتوثب من طلبة العلم والمفكرين، فكان النادي بذرة صالحة للنهضة الجزائرية. ولقد تكونت لجنة تحضيرية فيه لتنبثق عنها الجمعية، وكان كاتب اللجنة الشيخ أحمد توفيق المدني ورئيسها السيد عمر إسماعيل.
الاتجاه الذي كان سائدا في عصر ابن باديس لم يكن يشجع تعليم البنت ولم يكن يتيح لها فرص التثقيف التي تؤهلها لوظيفتها الاجتماعية التي تنتظرها, بل كثيرا ما كانت الفرص التعليمية المتاحة خاصة بالبنين, ومقصورة عليهم في أغلب الحالات.
وهذا الأمر كان يقلق ابن باديس, لذلك أبدى اهتمامه بموضوع تعليم المرأة, لأنها شقيقة الرجل وتشكل نصف المجتمع, وهي الركن الركين الذي يقوم عليه بناء الأسرة, فاهمال تربيتها, وتركها جاهلة هو هدم لهذا الركن, وتفكيك لبنية الاسرة, واضعاف لقدرتها على الاضطلاع بسؤولتها التربوية والاجتماعية.
وكان موقف ابن باديس أن وجه جهوده الاصلاحية والتربوية المتطرفة التي حاولت سلخ المراة المسلمة من مقوماتها وتجريدها من خصوصياتها.
وهاجم بشدة الآراء الجامدة التي حاولت إبقاء المرأة متاعا مهملا, وكذلك الآراء المتطرفة التي حاولت سلخ المرأة المسلمة من مقوماتها وتجريدها من خصوصياتها.
ونبه العلماء وأولياء أمور البنات إلى أهمية تعليم البنت, ضمن الإطار الحضاري الإسلامي, لأن البنت المتعلمة تستطيع أن تبني اسرة منسجمة ومتماسكة, كما تستطيع أن تصور نفسها, وتحفظ كرامتها, وتضطلع بوظيفتها التربوية داخل الأسرة, وفي المجتمع اضطلاعا كاملا.
وقد بين في رده على دعاة تحرير المرأة أن التحرير الحقيقي الذي يجب أن نسعى إليه هو تحريرها من الجهل, فقال : " وإذا أرتم إصلاحها الحقيق فأرفعوا حجاب الجهل عن عقلها قبل أن ترفعوا حجاب الستر عن وجهها, فإن حجاب الجهل هو الذي أخرها, وأما حجاب الستر فإنه ما ضرها في زمان تقدمها, فقد بلغت بنات بغداد وبنات قرطبة وبنات بجاية مكانة عالية ما ضرّها في العلم وهنّ متحجبات" الشهاب, ج : 10, م 5 نوفمبر 1929.
بعد اللقاءات الممهدة التي كانت تتم بين ابن باديس والبشير الإبراهيمي, تارة في سطيف, وأخرى في قسنطينة, التي كانت تنصب على دراسة الوضع في الجزائر والبحث عن السبل الكفيلة بمعالجة هذا الوضع, فكر الشيخ عبد الحميد في أن يخطو خطوة عملية تكون تمهيدا مباشر للشروع في التحضر لتأسيس هذه الجمعية.
فتوالت الجهود الممهدة لإنشاء هذه الهيئة، ويذكر الشيخ خير الدين في مذكراته أنه في عام 1928 م دعا الشيخ عبد الحميد بن باديس الطلاب العائدين من جامع الزيتونة والمشرق العربي لندوة يدرسون فيها أوضاع الجزائر، وما يمكن عمله لإصلاح هذه الأوضاع، وكان ممن لبى الدعوة من يمكن تسميتهم بـ (رواد الإصلاح) أمثال : البشير الإبراهيمي، ومبارك الميلي، والعربي بن بلقاسم التبسي، ومحمد السعيد الواهري، ومحمد خير الدين، واجتمعوا برئاسة الشيخ عبد الحميد بمكتبه. وقد سطر في هذا الاجتماع برنامج يهدف إلى النهوض بالجمعية المزمع إنشاؤها، فكأن ابن باديس أراد أن يسبق الأحداث، فحدد محاور النشاط الإصلاحي، الذي تضطلع به الجمعية التي دعا إلى إنشائها.
وقد سطر في هذا الاجتماع برنامج يهدف إلى النهوض بالجمعية المزمع إنشاؤها, فكأن ابن باديس أراد أن يسبق الأحداث, فحدد محاور النشاط الإصلاحي, الذي تضطلع به الجمعية التي دعا إلى إنشائها, وفعلا كان ذلك هو البرنامج الذي اتبعته الجمعية بعد ميلادها.
وفي خلال الفترة بين عام 1926 م إلى عام 1930 م برز «نادي الترقي» وأصبح ذا ثقل ثقافي وتأثير جدي فكان ملتقى النخبة المفكرة سواء من كان منهم مقيماً بالعاصمة أو من كان وافداً عليها من الخارج. وكانت تلقى فيه المحاضرات والمسامرات، وتقام فيه الحفلات، وداوم عبد الحميد كلما جاء إلى الجزائر يحاضر فيه أو يسامر أو يجتمع فيه بالشباب الناهض المتوثب من طلبة العلم والمفكرين، فكان النادي بذرة صالحة للنهضة الجزائرية. ولقد تكونت لجنة تحضيرية فيه لتنبثق عنها الجمعية، وكان كاتب اللجنة الشيخ أحمد توفيق المدني ورئيسها السيد عمر إسماعيل.
الدعوة إلى تأسيس جمعية العلماء المسلمين
إن اللبنة الأولى لتأسيس "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" كانت سنة 1913 م، وذلك عندما كان الإمام ابن باديس مقيمًا بالمدينة المنورة مع رفيق الدرب العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي، حينما كانا يقضيان جلَّ وقتهما في البحث عن الوضع المتردي للجزائر، وسبيل النهوض بها من كبوتها. وفي ذلك يقول البشر الإبراهيمي : "وَأشْهِدُ الله على أن تلك الليالي من عام 1913 هي التي وضعت فيها الأسس الأولة لجمعية العلماء المسلمين والتي لم تبرز للوجود إلا عام 1931 م".
بعد عشر سنوات من رجوع ابن باديس من الحجاز عام 1913 بدأ تفكيره يتجه إلى توسيع الخطة الإصلاحية التي شرع في تنفيذها بتعليم الناس وإرشادهم وتصحيح أمور دينهم، واستنهاض همم العلماء، تأكد لديه أن معركة الدفاع عن الجزائر وعن مقوماتها لا يمكن أن يقوم بها شخص واحد، أو جماعة محدودة العدد، وبسلاح واحد، لذلك أخذ من سنة 1924 يتطلع إلى الدخول في مرحلة جديدة تتكامل فيها وسائل العمل النضالي ويوجه فيها جهد المخلصين من أبناء هذا الوطن للتصدّي لإفشال سياسة الاستعمار، والقيام بواجب خدمة الوطن والدين واللغة، وإصلاح الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية، والسعي إلى تحقيق يقظة فكرية، وبعث شعور قومي، ووعي سياسي وديني، يدفع الحركة الإصلاحية إلى الأمام. وكان من الطبيعي أن يتطلع ابن باديس إلى استكمال الأدوات التي تحتاج إليها الحركة الإصلاحية، وتأسيس الهيئات التي تشد عضده، وتعينه على أداء المهمة الثقيلة، فباشر بعقد اللقاءات مع الشيخ "محمد البشير الإبراهيمي" منذ 1920، تارة في سطيف، وأخرى في قسنطينة، التي كانت تنصب على دراسة الوضع في الجزائر والبحث عن السبل الكفيلة بمعالجة هذا الوضع، بعد هذه اللقاءات الممهدة فكر الشيخ عبد الحميد في أن يخطو خطوة عملية تكون تمهيدا مباشر للشروع في التحضر لتأسيس هذه الجمعية التي ظلت فكرة لم تجد طريقها للتنفيذ، وما يذكر في هذا الصدد قول الشيخ البشير الإبراهيمي : "زارني الأخ الأستاذ عبد الحميد بن باديس – وأنا بمدينة سطيف أقوم بعمل علمي – زيارة مستعجلة في سنة 1924 م، فيما أذكر. أخبرني بموجب الزيارة في أول جلسة وهو أنه عقد العزم على تأسيس جمعية باسم (الإخاء العلمي) يكون مركزها العام بمدينة قسنطينة العاصمة العلمية... تجمع شمل العلماء والطلبة وتوحد جهودهم، وتقارب بين مناحيهم في التعليم والتفكير، وتكون صلة تعارف بينهم، ومزيلة لأسباب التناكر والجفاء.
... وفي تلك الجلسة عهد إلّي الأخ الأستاذ أن أضع قانونها الأساسي فوضعته في ليلة وقرأته عليه في صباحها، فاغتبط به أيما اغتباط... ولما وصل إلى قسنطينة وعرض الفكرة على الجماعة الذين يجب تكوين المجلس منهم أيدوا الفكرة وقرروا القانون بعد تعديل قليل. ثم حدثت حوادث عطلت المشروع وأخبرني الأستاذ باديس بذلك فلم أستغرب لعلمي أن استعدادنا لمثل هذه الأعمال لم ينضج بعد...
من الأعمال ما يكون الفشل فيه أجدى من النجاح وهذا هو ما شاهدناه في تأسيس جمعية الإخاء العلمي فقد فشلنا في تأسيسها ظاهرا وفيما يبدو للناس، ولكن المحاولات لم تذهب بلا أثر في المجتمعات العلمية الجزائرية حتى كان من نتائجها بعد أعوام جمعية العلماء المسلمين".
وهكذا بدأت الفكرة تنمو وتختمر في أذهان الذين وصلت إليهم, ومن الأمور التي هيأت الجو الفكري لهذه الجمعية هو أن ابن باديس بادر بإنشاء الصحف التي تنشر الأفكار الإصلاحية والمبادئ التي تقوم عليها هذه الأفكار, حيث دعا ابن باديس في مختلف الصحف إلى اتحاد العلماء وتجمعهم, والاتفاق على خطة عمل لإصلاح الأوضاع الدينية والتعليمية والاجتماعية والسياسية, فهو يشير هنا إلى ضرورة إنشاء جمعية من العلماء.
العمل الجماعي في نظر ابن باديس:
إن ما وصلت إليه أوضاع الأمة الجزائرية من تدهور وتردي في ظل الاستعمار الفرنسي الغاشم، لم يترك للإمام ابن باديس من خيار سوى الانطلاق في دعوته، ولو بصفة فردية.
فقد اتخذ من الجامع الأخضر معهدًا لنشاطه العلمي والتعليمي والتربوي، معتقدًا بأن العلم هو وحده الإمام المتبع في الحياة، في الأقوال والأفعال والمعتقدات، ورغم الجهود الفردية المتواصلة التي كان يقوم بها ابن باديس في تلك الفترة، إلا أنه كان يؤمن بوجوب العمل الجماعي، وإنشاء حركة منظمة تتولى انتشال هذه الأمة من وهدة الجهل والتنصير والفرنسة.
وقد انسابت أشعة الفجر الجديد من تلك اللقاءات المباركة، التي جمعته بالأستاذ محمد البشير الإبراهيمي في المدينة المنورة، في موسم الحج سنة 1913م، حين وضعا البذور الأولى للنهضة، التي ما لبثت أن أيقظت الأصوات بعد سكوتها.. وحرّكت الهمم بعد سكونها، يصف لنــا الشيــخ الإبراهيمـــي تلك اللقــاءات المباركــة التي جمعتــه بالشيــخ ابن باديس، فيقول:
وكانت تلك الأسمار المتواصلة كلها، تدابير للوسائل التي تنهض بها الجزائر، ووضع البرامج المفصلة لتلك النهضات الشاملة، التي كانت كلها صورًا ذهنية تتراءى في مخيلتنا، وصحبها من حسن النية وتوفيق الله ما حققها في الخارج بعد بضع عشرة سنة.
وأشهد الله على أن تلك الليالي من عام 1913 ميلادية، هي التي وضعت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي لم تبرز للوجود إلا في عام 1931م.فتطابقت أفكار الرجلين على وجوب إنشاء حركة إصلاحية في الجزائر، فرسما لها منهاجًا بحكمة ومهارة.وعلى الرغم من الحصار الذي فرضه المستعمر على معاهد التعليم الإسلامي والكتاتيب القرآنية، إلا أن هذه الروح الجديدة والنفثات الهادئة، جعلتها تستمر في أداء رسالتها ومواصلة عطائها.
يصف لنا الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، تلك اليقظة فيقول:
لقد بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات ابن باديس، فكانت ساعة اليقظة، وبدأ الشعب الجزائري المخدّر يتحرك، ويالها من يقظة جميلة مباركة.
ولم تنقطع نداءات ابن باديس لجمع الطاقات وتوحيد الصفوف، وتكاتف الجهود، معتمدًا في ذلك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم اللذين هما الأساس لكل نهضة تتطلع لها الأمة، وفي هذا يقول إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوّة، وإنما تكون لهم قوة إذا كانت لهم جماعة منظمة، تفكّر وتدبّر، وتتشاور وتتآزر، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرّة، متساندة في العمل عن فكرة وعزيمة.
ورغم ما للأعمال الفردية من منافع ومزايا، إلا أنه لا ينهض بالأمم والشعوب من العمل إلا ما كان منه منظمًا، تتضافر فيه الجهود وتتآزر.وبعد عشر سنوات من شروعه في التعليم وظهور نتائج ذلك في النشء العلمي الذي كوّنه، حاول ابن باديس أن يعلن الدعوة العامة إلى الإسلام الخالص والعلم الصحيح.
ففيسنة1924م،تدارسمعالأستاذالبشيرالإبراهيميفكرةتأسيسجمعيةتكوننواةللعملالجماعي،تحتاسم: الإخاءالعلميتجمعشملالعلماءوالطلبة،وتوجّهجهودهم،وتقارببينمناحيهمفيالتعليموالتفكير،وتكونصلةتعارفبينهم،ومزيلةلأسبابالتناكروالجفاء.... ثمحدثتحوادثعطّلتالمشروعالذيكانلابدلهمنزمنأوسع،حتىيتخمّروتأنسإليهالنفوسالتيألفتالتفرقة.. بعدهاانصرفابنباديسإلىتأسيسالصحافةالإصلاحية،فكانتالمنتقدثم الشهاب التيكانلهافيسنتهاالثانيةوالثالثةدعوةإلىمثلتلكالجمعية،وكانكُتّاب الشهابإذذاكقدكتبوافيذلكالموضوع،وكانتتلكالأفكاروالأقوالتمهيدًاللعمل.
وتمهيدًالجمعشملالعلماءفيالجزائرتحتلواءالتنظيمالمنشود،بادرابنباديسإلىتأسيس: جمعيةالتربيةوالتعليمالإسلاميةبقسنطينة.
بيان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لتأييد الثورة التحريرية
عندما اندلعت الثورة الجزائرية المباركة (ثورة أول نوفمبر 1954) لم يتكلم أي حزب أو هيأة أو جمعية أو أي شخص ينتسب إلى أي منظمة جزائرية أبدا، بل الكل سكت وبقي يراقب الأحداث. ولم يعلن أي أحد في هذا الظرف تأييده للثورة. ما عدا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. التي بادرت في الحين بتأييد الثورة ومساندتها ومطالبة الشعب الجزائري بنصرتها ودعمها والانضمام إليها.
أوّل من أيد الثورة باسم العلماء الورتيلاني
أن أول من بارك الثورة وأعلن تأييده لها باسم جمعية العلماء، هو مندوب جمعية العلماء في القاهرة الشيخ الفضيل الورتيلاني، وذلك يوم 3 من نوفمبر 1954. إذ أصدر بيانا في الجرائد المصرية وغيرها. بعنوان (إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر اليوم حياة أو موت بقاء أو فناء) حياكم الله أيها الثائرون الأبطال، وبارك في جهادكم وأمدكم بنصره وتوفيقه. وكتب ميتكم في الشهداء الأبرار، وحيكم في عباده الأحرار. لقد أثبتم بثورتكم المقدسة هذه عدة حقائق.
الأولى أنكم سفهتم دعوى فرنسا المفترية التي تزعم أن الجزائر راضية مطمئنة فاريمتوها أن الرضى بالاستعمار كفر، وأن الاطمئنان لحكمه ذل. وأن الثورة على ظلمها فرض.
الثانية أنكم شددتم عضد إخوانكم المجاهدين في تونس ومراكش. وقويتم آمالهم في النصر، وثبتم عزائمهم في النضال...
الثالثة أنكم وصلتم بثورتكم هذه حلقات الجهاد ضد المعتدين الظالمين. الذي كان طبيعة دائمة في الجزائر منذ كان. وكشفتم عن حقيقة الرائعة في أباء الضيم والموت في سبيل العزة, وجلوتم عن نفسيته الجبارة ما علق بها في السنين الأخيرة من صداء الفتور.
الرابعة أنكم بيضتم وجوها، وأقررتم عيونا، وسررتم نفوسا، مملوءة بحبكم معجبة بصفحاتكم القديمة في الجهاد رائية لحالتكم الحاضرة.
أيها المجاهدون الأحرار، إن فرنسا لم تترك لا دينا ولا دنيا إلى أن يقول : اعلموا أن الجهاد للخلاص من هذا الاستعباد. قد أصبح اليوم واجبا عاما مقدسا، فرضه عليكم دينكم, وفرضته قوميتكم. وفرضته رجولتكم. وفرضهُ ظلم الاستعمار الغاشم الذي شملكم, ثم فرضته أخيرا مصلحة بقائكم. لأنكم اليوم أمام أمرين، إما الحياة أو الموت. إما بقاء كريم أو فناء شريف
تفكير الإمام المصلح عبد الحميد بن باديس
لا نريد الخوض في حقيقة تفكير ابن باديس : أهو تفكير ذو طابع ديني أم هو تفكير سياسي، أم تفكير فلسفي...؟
أيا كانت الإجابة فالمعروف عن ابن باديس أنه عالم ديني، ومصلح اجتماعي ومفكر سياسي، و أستاذ مرب، وكاتب مجيد، وصحافي قدير.
ومن الكتاب من يعتبره إلى جانب ذلك فيلسوفا، ومنهم من لا يريد أن ينسبه إلى الفلسفة باعتبار الفلسفة بناء فكريا نظريا، نتائجه ظنية احتمالية، ولأن البحث الفلسفي ينطلق من تصورات مجردة، ويقوم على الجدل العقلي الذي ليست له غاية نفعية يستفيد منها عموم الناس، وفلسفة بهذا المفهوم لا تنسجم مع طبيعة ابن باديس، ولا مع تفكيره العملي.
ولهذا لا نستطيع أن نصفه ضمن قائمة الفلاسفة الذين كرسوا حياتهم وأبحاثهم للخوض في المسائل الفلسفية التجريدية، التي لا تنزل إلى واقع الناس، ولا تعالج مشكلاتهم ولا نستطيع كذلك أن نجرده من التفكير الفلسفي الذي يتناسب مع روحه الدينية و اتجاهه الوطني، وبرنامجه الإصلاحي، وانشغلاته السياسية والاجتماعية .
والعلم في نظر ابن باديس:المعرفة
المعرفة التي اهتم بها ابن باديس ودعا إلى تلقينها للناس باعتبارها مادة التربية واداة التثقيف والتهذيب هي المعرفة التي ترسخ الإيمان وتعصم الاعتقادات من الانحراف, والأخلاق من الفساد, والفكر من الضلال, وتفيد الإنسان في حياته الدينية والدنيوية.
وقد يتصور البعض أن المعرفة التي انشغل بها ابن باديس واعتبر تعليمها واجبا دينيا, وضرورة اجتماعية هي المعرفة المتعلقة بالعلوم الشرعية, وما يخدم هذه العلوم وبعين على فهمها, وما عدا ذلك فلا يندرج ضمن اهتماماته, شأنه في ذلك شأن الفقهاء التقليديين الذين يحصرون المعارف الواجب تعليمها في الفقه والعقائد والأصول, والحقيقة غير ذلك, فهو يعتبر إهمال العلوم المتعلقة بالحياة سببا من أسباب تأخرنا وانحطاطنا, لذلك كان يعيب على العلماء الذين أهملوا هذه العلوم التي أوصلت أوربا إلى ما هي عليه.
الإنسان الذي جعله ابن باديس محور خطته التربوية وغايتها, ليس الإنسان المطلق الذي اهتمت به الفلسفة القديمة, الإنسان المجرد عن الزمان والمكان, الذي لا نستطيع أن نجد نماذج منه في حياتنا, ولا الإنسان الذي اعتمت به بعض التيارات الفكرية الحديثة التي تقول بحرية المطلقة وبأنه سيد نفسه وتنكر وجود قيم ثابتة تحرك سلوك الإنسان, وليس الإنسان الذي طمست حقيقته المذاهب الفلسفية المادية التي تنكر أهمية الجانب الوجداني في الإنسان, والقيم الروحية التي تحركه, إنما الإنسان الذي اهتم به ابن باديس وجعله أساس نشاطه هو الإنسان الذي يعيش في واقعنا, ويتفاعل مع أحداث عصرنا, الإنسان الذي استخلفه الله في هذه الارض ومكنه من استثمار قدراته, لتحقيق الإزدهار العمراني, والتقدم الحضاري, الذي يعود عليه وعلى أمته بالخير والسعادة.
فنظرة ابن باديس إلى الإنسان نظرة واقعية لا تجزئ حقيقة الإنسان, ولا تختصرها في بعد واحد من الأبعاد المكونة لهذه الحقيقة, بل تشمل جميع ما يكون به الإنسان إنسانا مثل الفكر والروح والدوافع (الغرائز) والاعتقادات التي تحصل عن طريق العلم وأعمال الفكر, وكذلك الأعمال التي هي عنوان معبر عن حقيقة الإنسان, والتي تترجم ما عنده من أفكار وعقائد ومشاعر, والتي بها يتشكل وجوده الإنساني وتتحقق إنسانيته, لأن الإنسان - في نظر ابن باديس - كل متكامل فكر وغريزة وعقيدة وعمل, ويوضح هذا المعنى فيقول : "إن الإنسان إنما هو إنسان بفكره وغرائزه وعقائده وأعماله المودعة كلها في جزئة المحسوس الفاني (وهو الجسد) وفي جزئه المعقول الباقي (وهو الروح) وبهذه الأصول الأربعة ينهض الإنسان أو يسقط".
أثار الإمام عبد الحميد بن باديسمن
ترك الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس آثارا كثيرا كانت حصيلة نضاله الذي دام أزيد من عشرين عاما، والملاحظ أن الشيخ ابن باديس لم يركّز كثيرًا على الكتابة والتأليف، فقد كان يرى حين تصدّر للتفسير مثلاً : (أن في تفسيره بالكتابة مشغلة عن العمل المقدّم، لذلك آثر البدء بتفسيره درسًا تسمعه الجماهير)، وكان -رحمه الله- مشغولاً مع ذلك بإنقاذ جيل ولد وترعرع في أحضان الاستعمار، وتربية أمة حوربت في دينها ومقدساتها، ومكافحة أمية طغت على أفراد الأمة. وكان الإمام ابن باديس يؤمن بأن بناء الإنسان أصعب، ولكنه أجدى للأمة، من تأليف الكتب، وأن غرس الفكرة البنّاءة في صدر الإنسان، إيقاد لشمعة تنير الدجى للسالكين فمعظم أعماله لم يخلفها في شكل مصنفات، فلقد تركها متناثرة في مختلف الجرائد والمجلات إلاّ القليل منها، ولله الحمد أن سخر له أحبابا جمعوا تلك الأعمال ونشرة، هي :
1 ـ رسالة جواب عن سوء مقال : هي عبارة عن رسالة نافعة صغيرة في الذب عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تزيد عن سبع عشرة صفحة، ألفها ردّا على أحمد بن عليوة المستغانمي صاحب الطريقة العليوية، الذي تَجَرَّأَ على مقام النبوة الكريم فَفَاهَ بِجُمَلٍ سَخِيفَةِ الْمَعْنَى في أبيات باللّسان العَامِّيِّ الوارد في السؤال التي نشرها في ديوانه المطبوع في تونس عام 1920 م، المشحون بالدعوة إلى مبدأ الحلول وحدة الوجود. تحتوي على مقدّمة وأربعة فصول وخاتمة، حَشَدَ فيها ابن باديس خير الأدلة، من الكتاب الكريم والسنّة الصحيحة وآثار السلف، بأسلوب علمي متين ولسان عربي مبين. فرغ من تحريرها صبيحة الثلاثاء 27 ذي الحجة عام 1340ﻫ الموافق لعام 1922 م، طبعها ونشرها في نفس العام، وأرسل بها إلى كبار مشايخه بتونس وإلى أفاضل العلماء والمفتين بالجزائر والمغرب ومصر، فاطّلعوا عليها وقرّظوها وأرسلوا إليه بتقريظهم تباعا، نشرها في الجزء الأخير من الرسالة بأسماء العلماء المقرظين مع بيان وظائفهم وبلدانهم. واعتبروها من العمل المبرور والصنيع المشكور، وضلّلوا من فاه بتلك الأبيات، لما حوته من ترّهات"!
2 ـ العواصم من القواصم : حقق الإمام ابن باديس كتاب "العواصم من القواصم" للقاضي أبو بكر بن العربي إمام من أئمة المسلمين، ويعتبره فقهاء مذهب الإمام مالك أحد أئمتهم المقتدى بأحكامهم، وهو من شيوخ القاضي عياض مؤلف كتاب "الشفا في التعريف بحقوق المصطف"، ومن شيوخ ابن رشد العالم الفقيه والد أبي الوليد الفيلسوف.. وكتابه (العواصم من القواصم) من خيرة كتبه، ألفه سنة 536 وهو في دور النضوج الكامل، بعد أن امتلأت الأمصار بمؤلفاته وبتلاميذه الذين صاروا في عصرهم أئمة يهتدى بهم. وهذا الكتاب في جزأين متوسطي الحجم، قدمهما الإمام ابن باديس وطبعهما سنة 1347 هـ/1928م بالمطبعة الجزائرية الإسلامية في مدينة قسنطينة.
3 ـ تفسير ابن باديس : كتاب جامع لدروس تفسير القرآن الكريم التي ظل يلقيها على طلبته والعامة لمدة خمسة وعشرين عامًا، بدأه في ربيع سنة 1332هـ/1914م، وختمه في 13 من ربيع الثاني 1357هـ الموافق لـ 12 جوان 1938م، وقد بين فيه الإمام ابن باديس مختلف نواحي القيم الإسلامية الواجب اتّباعها، مركز على مقاصد القرآن الكريم التي يمكن تلخيصها بما يلي : أولاً : الناحية العقيدية التي تتناول الجانب الإيماني بالله والرسل والملائكة واليوم الآخر. ثانياً : الناحية الأخلاقية التي يدعو القرآن إلى التلبّس بها لتهذيب النفوس وتزكيتها. ثالثاً : الناحية الحياتية العملية، وهي التي تتناول الأحكام التي تنظم علاقة الفرد بربّه وبنفسه وبغيره من الأفراد وبمجتمعه ككلّ. ولكنه لم يكتب منه إلا قليلاً، فلم يكن الشيخ يكتب من التفسير ما يلقيه، ولم تكن آلات التسجيل شائعة الاستعمال، متيسّرة الوجود، ولم يتح له من يسجل ما يقول، ولكن الله أبى أن يضيّع فضله وعمله، فألهمه كتابة مجالس معدودة من تلك الدروس كان ينشرها فواتح لأعداد مجلة "الشهاب"، ويسمّيها (مجالس التذكير)، وقد تنسى للأستاذين : محمد الصالح وتوفيق محمد نشره نقلاً عن (مجالس التذكير) الذي طبعه أحمد بوشمال بعد وفاة الإمام ابن باديس بثماني سنوات ونشره سنة 1948 م.
4- مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير : طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر، سنة 1402 هـ/1982م. وعلى غرار ما نشر له في تفسيره، تضمن الكتاب تمهيد وتصدير للعلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، قدم بها العدد الخاص بختم تفسير القرآن من مجلة "الشهاب" سنة 1938 م، ومقالات افتتاحية كتبها الإمام ابن باديس بمجلة الشهاب حول الذكر والتذكير وأفضل الأذكار قدمها بين يدي دروس تفسيره التي سماها مجالس التذكير.
5 ـ مجالس التذكير من حديث البشير النذير : طبعته وزارة الشؤون الدينية بالجزائر، سنة 1403 هـ/1983م. تضمن الأحاديث النبوية المشروحة وغيرها من الآثار المتعلقة بالسنة وصاحبها صلى الله عليه وسلم، التي نشرت في مجلة "الشهاب"، وفي غيرها من جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. بالإضافة إلى درس ختم موطأ الإمام مالك ومناسبة الاحتفال بختم شرحه الذي أقيم أواسط ربيع الثاني عام 1358هـ (جوان 1939م) أي بعد عام على ختمه لتفسير القرآن العظيم،.
6 ـ العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية : هي عبارة عن عدة دروس دينية، مما كان يلقيه الإمام ابن باديس على تلامذته في الجامع الأخضر بمدينة قسنطينة في أصول العقائد الإسلامية وأدلتها من القرآن والسنة النبوية على الطريقة السلفية، وقد جمعها وعلق عليها تلميذه البار الأستاذ محمد الصالح رمضان الذي تلقها عن الإمام ابن باديس إملاءً مباشرة في حلق دراسية مسجدية في الفترة ما بين 16 رجب 1353 هـ/أكتوبر 1934 م و25 صفر 1354 هـ/ماي 1935 م، بنسبة حصة واحدة في الأسبوع لا تتجاوز الثلاثين دقيقة، ولأهمية تلك الدروس ثم نشرها في كتاب سنة 1963 م ثم أعيد طبعها مرتين عامي 1966 م و1990 م، كما نشرها الشيخ محمد الحسن فضلاء سنة 1984 م.
7- مبادئ الأصول : هو رسالة في علم الأصول من إملاء الإمام ابن باديس على طلبته، عبارة عن مقدّمة للمصنّفات المفصّلة وإقليد للمطوّلات، يمتاز بأسلوب سهل وبسيط، بعيد عن التعقيد اللفظي، مع رقّة الفهم، ودقّة في العبارة، مخالف للعديد من الرسائل والمختصرات من علم الأصول التي تحاول أن تؤدي معاني كثيرة في عبارة مُقتضبة، الأمر الذي لا يعين على فهمها إلاّ بصعوبة بالغة. هذا، والمؤلف قسم رسالته إلى أربعة أبواب:
- الباب الأول: تناول أفعال المكلّفين، وحقيقته ما هو سوى تقرير للمحكوم فيه، وهو فعل المكلّف الذي أعاده في مقتضيات الحكم.
- الباب الثاني: تناول أحكام الله تعالى، وبيّن فيه الأحكام التكليفية والوضعية، وأقام الفرق بينهما، ثمّ تعرّض إلى مقتضيات الحكم مبيّنا الحاكم، والمحكوم فيه، والمحكوم عليه وهو المكلّف والمخاطب بالأحكام.
- الباب الثالث: تناول أدلّة الأحكام من الكتاب، موضّحا أنّه، أصل الأدلّة، وعمدة الشريعة، وأوّل مصادر التشريع وكلّها ترجع إليه. ثمّ بيّن الدليل الثاني وهو السّنّة، باعتبار ذاتها، ثمّ باعتبار علاقتها بالقرآن، وقسّمها إلى سنّة مبيّنة ومستقلة ، أخّر السّنّة من حيث ثبوتها إلى آخر الرسالة في تنبيه ثان. ثمّ بيّن الدليل الثالث، وهو الإجماع، وبيّن حجّته، وقسّمه إلى: إجماع عمليّ وآخر نظريّ، واعتبر أنّ معرفته متعذّرة مع إمكان وقوعه، لانتشار المجتهدين في الآفاق وكثرة عددهم، واستثنى من ذلك إجماع الصحابة. ثمّ تناول القياس مكتفيا بالتعريف والتمثيل لقياس العلّة.
- الباب الرابع : تناول القواعد الأصولية وقسّم فيها الأدلة إلى تفصيلية، وهي آيات وأحاديث الأحكام، ومرجعها إلى الكتاب والسّنّة، وأدلّة إجمالية، وهي القواعد الأصولية ومرجعها كتب الأصول، ثمّ بيّن القواعد التي تخصّ النصوص القولية من الكتاب والسنّة متّعرضا إلى القواعد التالية: حمل اللفظ، الأمر، النهي، الأخذ بالمأمور به، المفهوم والمنطوق، مبيّنا أن المفهوم على قسمين: موافقة ومخالفة، وقسّم مفهوم الموافقة إلى مفهوم مساو وأولوي، وبيّن أنواع مفهوم المخالفة وشروط العمل به، ثمّ تعرّض لقاعدة النصّ والظاهر والمؤوّل والمبَّين والمجمل والمبيِّن.
وانتقل بعدها إلى قاعدة العامّ وبيّن صيّغه وفُرَقه، ثم بيّن التخصيص وقسميه، وأعقبه بالمطلق والمقيّد، وقاعدة حمل المطلق على المقيد، ثمّ المحكوم والمنسوخ والناسخ والنسخ، ثمّ وجوه النسخ وأقسامه مع بيان مورده ومتى يحكم بالنسخ، وأخيرا تعرّض للقواعد التي تخصّ فعله صلى الله عليه وسلم وتقريره، وذيّل رسالته بخاتمة ذكر فيها الاجتهاد والتقليد والاتّباع.
وقد اقتصرت الرسالة غالبا على التعريف من غير التعرّض لأدلّة ثبوت هذه القواعد إلاّ قليلا، وظهرت اختياراته الأصولية موافِقة لِما عليه مذهب الجمهور، بما في ذلك مذهب المالكية، إلاّ في مسألة معرفة الإجماع، فقد خالف مذهب الجمهور، كما أن المصنّف لم يتعرّض إلى مباحث أصولية كثيرة، كالأدلّة المختلف فيها، والعموم العقلي والعرفي ونحو ذلك، وكان معظم الأمثلة والتعريفات والتقسيمات الواردة في مباحث الإجمال والعموم والمطلق والمقيّد وغيرها مأخوذة ومقتبسة من"مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول"لأبي عبد الله محمّد بن أحمد الشريف التلمساني المتوفى سنة (771هـ). وقد قام الشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس بدراسة وتحقيق الرسالة، وقدمها للطبع والنشر سنة 2016 م بعنوان "الفتح المأمول في شرح مبادئ الأصول".
8 ـ رجال السلف ونساؤه: هي مجموعة من المقالات - ثلاثة عشر (13) مقالا - ترجم فيها الإمام ابن باديس لبعض الشخصيات البارزة من الصحابة والصحابيات رضوان الله عليهم، وما لهم من صفات اكتسبوها من الإسلام، وما كان من أعمالهم في سبيله، نشر تلك التراجم في مجلة (الشهاب)، جمعت ونشرها الأستاذان محمد الصالح رمضان وتوفيق محمد شاهين سنة 1966 م.
9 ـ تراجم أعلام : رسالة تشمل عشرين (20) مقالا، تتناول في مجموعها بعض الشخصيات الإصلاحية ممن عاصروا الإمام ابن باديس أو سبقوه بقليل منهم "عبد العزيز جاويش"، "رمضان حمود"، "عمر المختار"، "الشيخ عبد العزيز الثعالبي"، والشاعران "شوقي" و"حافظ".
الجانبالفلسفي في تفكير ابن باديس
و من هنا يمكننا القول إن الفلسفة التي نستطيع أن ننسبها إلى ابن باديس ليست الفلسفة التي يجنح فيها العقل إلى التصورات المجردة، والتأملات الحاملة، والمسائل النظرية البحتة، التي لا تتصل بواقع مجتمعه ولا تسهم في حل مشكلا ت واقع هدا المجتمع، وإنما الفلفسة التيس نستطيع أن ننسبها إليه، ونجعلها جانبا من تفكيره هي الفلسفة العملية، التي يستطيع أن يترجمها الإنسان إلى واقع الحياة، و يعيش حقائقه؛ الفلفسة التي يتطابق فيها القول مع الفعل،و الاعتقاد مع السلوك ،و يتكامل فيها التصور النظري مع الممارسات العملية، الفلسفة التي تبحث في الحقائق التي يعيشها الإنسان، ويكون منطلقها واقع المجتمع، وأساسها روح الإسلام وأصوله، وغايتها تحرير المجتمع من كل أشكال الظلم والتخلف والتسيب، والتي تستهدف في مناهجها إعادة تشكيل الشخصية الجزائرية، التي أصبها الوهم، نتيجة ظروف الانحطاط، وسياسة الاستعمار .
إن الفلسفة التي تطبع تفكير ابن باديس فلسفة واقعية تنبع من تفكير إنسان واع، مرتبط بوطنه، وملتزم بحقائق دينه، مستوعب أسباب معناة بلاده، متطلع إلى معايشة عصره، فلسفة تلح على تمتين الصلة بين الفكر والعمل، والمزواجة بين النظرية والتطبيق، هده بعض سمات التفكير الباديسي، إن سمات تمتزج فيها الجوانب الدينية والسياسية، والأخلاقية والعلمية والوجدانية والعقلية، ولكن السمة البارزة في هدا التفكير هي السمة الدينية المطعمة بالنزعة العقلية ، باعتبار العقل " ميزة الإنسان و أداة عمله " كما يقول ابن باديس، والعقل من ناحية أخرى هو القوى الروحية التي بها يكون التفكير والنظر
وتجدر الإشارة إلى الطابع المميز لتفكير ابن باديس تجسده آراؤه وأفكاره ومواقفه، التي صار عليها في حياته ،و بنى على أساسها مشاريعه الاصلاحية،و شكل منها منهجا اعتمده في معالجة أوضاع مجتمعه و برنامجه التعليمي، و هي كما نرى فلسفة عملية أكثر منها نظرية، لأنها لا تنظر إلى السماء بقدر ما تنظر إلى الأرض و تعالج الأمور التي استحودت على تفكير الإنسان بمنطق الواقعية ،لأنها فلسفة تستمد روحها من روح الإسلام وأصوله ،و تجعل هدفها تجسيد هذه الأصول و تقريبها من الناس، و الاستفادة منها، وتصحيح المفاهيم، والاعتقادات، وتهديب السلوك الفردي والاجتماعي، ودفع الناس إلى الإسهام في تغيير واقعهم، وتحسين ظروفهم، ليكونوا أهلا للاستخلاف الذي استخلفه الله في أرضه.
السمات المميزة لتفكير ابن باديس:
إن المتتبع لأراء ابن باديس في الدين و السياسة و الأخلاق و العلم و التربية، وفي القضايا الوطنية والثقافية التي ترك لنا فيها آثار مكتوبة يجد أنها آراء نابعة من فكر إنسان ملتزم بحقائق دينه و تاريخ أمته، ونهج سلفه، ومتفاعل مع واقع مجتمعه وحقائق عصره، ومتفتح على أفكار غيره ، حريص على بعث يقظة فكرية و سياسية في نفوس الأجيال ، تعيد للأمة عزتها و للعروبة والإسلام مجدهما، وللوطن كرامته وحريته، و تبعث في الشباب روح العزم على التغيير وإرادة البناء لتخليص الوطن من المحن التي أصابته.
إن القراءة المتمعنة في هذه الآراء تقودنا إلى استخلاص السمات المميزة للتفكير الباديسي، تلك السمات التي تبين لنا أن تفكير ابن باديس تفكير عقلاني متفتح من جهة، و سلفي ملتزم من جهة ثانية، والسلفية عنده لا تعني تقليدا أعمى للأوائل ولا تقديسا للماضي من حيث هو ماض، وإنما تعني اتباعا للنهج الذي رسمه الإسلام، وسار عليه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم النهج الذي اتبعه الأئمة المجتهدون الذين فهموا حقائق الإسلام، واستلهموها في اجتهاداتهم وأحكامهم، وفي معالجة الأمور التي طرأت على مجتمعاتهم.
السلفية عنده لا ترفض معايشة العصر، والتفتح على علومه، والاستفادة من كل ما يمكن المجتمع من مسايرة الركب الحضاري كما لا ترفض الرجوع إلى العقل في معالجة الأمور دون أن يكون في ذلك ما يمس جوهر العقيدة و يتضارب مع حقائق الإسلام، وفي هذا الصدد يذكر ابن باديس أنه كان في فترة الدراسة متبرما بأساليب المفسرين وإدخالهم التأويلات الجدلية في كلام الله... ضيق الصدر من اختلافهم فيما لا اختلاف فيه من القرآن، و كانت على ذهنه بقية غشاوة من التقاليد ...ثم يقول: و ذكرت يوما الشيخ النخلي فيما أجده في نفسي من التبرم والقلق، فقال لي : أجعل ذهنك مصفاة لهذه الأساليب المعقدة، وهذه الأحوال المختلفة، و هذه الآراء المضطربة يسقط الساقط ويبقى الصحيح وتستريح .يقول ابن باديس بعد ذلك : فوالله لقد فتح بخذخ الكلمة القليلة عن ذهني آفاقا واسعة لا عهد له بها، هكذا زالت الحيرة التي كان فيها ابن باديس بعد أن اهتدى إلى طريق اليقين الذي فتح عينيه على الطريق الذي ينبغي أن يتبعه المفكر، وهو أن يعتمد عقله دليله في الاهتداء إلى التمييز بين الآراء الصحيحة والآراء السقيمة.
هذا التزاوج في تفكير ابن باديس بين التفتح العقلي على الحياة المعاصرة والالتزام بالأصول الدينية الصحيحة هو تزاوج مستمد من تفكير إسلامي كما أسلفنا.
لأن التفكير الإسلامي الأصيل يقوم على التوازن والتكامل بين الجوانب العقلية التي وظيفتها التدبر والتأمل والاستدلال, وبين الجوانب الروحية الوجدانية التي وظيفتها الإيمان والامتثال والالتزام, إذ البحث العقلي واجب الإنسان المسلم, وقد شرح ابن رشد هذا التواؤم بين العقل والدين, أو بين الحكمة والشريعة في كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" وأوضح أن ما يؤدي إليه البحث العقلي لا يخالف ما قرره الشرع يقول : "غذا كانت الشريعة حقا, وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق, فإن الحق لا يضاد الحق, بل يوافقه ويشهد له" وكل ما في الأمر أنه يجب على المفكر الذي يتصدى إلى البحث في العقائد وأمور الدين... أن يستوفي شروط البحث من ذكاء الفطرة, والعدالة الشرعية... وأن يكون فيما يتعلق بظاهرة الدين الذي يحتاج إلى تأويل من أهل التأويل وصياغة البرهان.
وفي هذا الصدد يقول ابن تيمية : "المعقول الصريح لا يخالف المنقول الصحيح".
هذا هو النهج الذي استلهمه ابن باديس في بناء اتجاهه الفلسفي, ومن هنا نتبين أن تفكير ابن باديس كما يصفه محمد الميلي كان تفكيرا أصيلا, يجمع إلى العقلانية المتحررة الإيمان بالقيم الإسلامية.
وقد يبدو هذا الاتجاه غريبا بالنظر إلى ثقافته التقليدية وقراءاته الدينية, والبيئة العائلية المحافظة التي نشأ فيها, لولا أن هناك عوامل أسهمت في بروز هذا الاتجاه, وقد أشار الأستاذ محمد الميلي إلى بعضها وهي كما يلي :
1- معايشة ابن باديس الأوساط المحتكة بالتيار الثقافي الغربي, مما جعله يلاحظ عن كثب العوامل التي كانت سببا في تفرق الغرب وتقدمه, ولعل هذا هو الذي جعله لا يتردد في الدعوة إلى الأخذ بأسباب التقدم وطلب المعرفة بأية لغة, ومن أي مصدر.
2- التأثير المزدوج في ثقافته والذي يرجع إلى دراسته في تونس : تأثير التيار العصري التاريخي ممثلا في (الشيخ البشير صفر), أحد مشايخه, وتأثير التيار الإسلامي التقليدي الإصلاحي ممثلا في (الشيخ محمد النخلي), الذي كان له الفضل في توجيه عقله فيما يقرأ, وزوال الغشاوة التي كانت على ذهنه من التقليد.
3- الآثار التي تركتها أفكار الأفغاني وشكيب أرسلان والكواكبي, وغيرهم ممن كان لهم فضل في بعث اليقظة الفكرية في الشرق العربي, التي انتقلت آثارها بشكل غير مباشر إلى المغرب العربي, وأثرت في علمائه, وفي اتجاهات الغصلاح عندنا.
لقد كان ابن باديس ورفاقه أعضاء جمعية العلماء، من الحصافة بمكان، حيث أبدوا أشياء وأضمروا أخرى، مكتفين في تصريحاتهم الرسمية بإعلان الدعوة إلى الإصلاح الديني والتعليمي حذرًا. فقد جاء على لسان رئيسها: (أن الجمعية يجب أن لا تكون إلا جمعية هداية وإرشاد، لترقية الشعب من وهنت الجهل والسقوط الأخلاقي، إلى أَوْج العلم ومكارم الأخلاق، في نطاق دينها الذهبي وبهداية نبيها الأمي، الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، عليه وآله الصلاة والسلام، ولا يجوز بحال أن يكون لها بالسياسة وكل ما يتصل بالسياسة أدنى اتصال، بعيدة عن التفريق وأسباب التفريق...).
ويضيف ابن باديس قائلاً: (إن المسلمين هم السواد الأعظم في وطنهم، فإذا تثقفوا بالعلم، وتحلوا بالآداب، وأُشْرِبُوا حبّ العمل، وانبعثت فيهم روح النشاط، كان منهم كل خير لهذا الوطن وسكانه على العموم، بما يُسرّ به الحاكم والمحكوم).
ويختصر لنا الشيخ محمد البشير الإبراهيمي مهمة الجمعية بقوله: (إن المهمة التي تقوم جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بأدائها، وهي السير بهذه الأمة إلى الحياة عن طريق العلم والدين، هي أقوم الطرق وأمثلها وأوفقها لمزاج الأمة...).
والحقيقة أن جمعية العلماء المسلمين، أدركت بوضوح أن العلة في بقاء الاستعمار جاثمًا على صدر الأمة دهـرًا طويلاً، تكمـن في ما يسمى بالقابلية للاستعمار، والتي مردها إلى ما طرأ على الشعب من انحراف في عقيدته وفكره، وأن العلاج الصحيح يتمثل في إزالة تلك العلة من أساسها، وهو ما يعبّر عنه الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، بقوله: (إن القضية عندنا منوطة أولاً بتخلصنا مما يستغله الاستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته). أو كما قال أحد الصالحين: (أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم). وذلك مصداقًا لقول الحق تبارك وتعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )(الرعد:11).
ويمكننا القول: بأن الجمعية ركّزت في مراحلها الأولى على الأهداف التالية:
1 ـ إصلاح عقيدة الشعب الجزائري، وتنقيتها من الخرافات والبدع، وتطهيرها من مظاهر التخاذل والتواكل التي تغذيها الطرق الصوفية المنحرفة.
2 ـ محاربة الجهل بتثقيف العقول، والرجـوع بها إلى القــرآن والسنــة الصحيحة، عن طريق التربية والتعليم.
3 ـ المحافظة على الشخصيـــة العربيــة الإسلاميــة للشعـب الجزائـــري، بمقاومة سياسة التنصير والفرنسة التي تتبعها سلطات الاحتلال.
والشيء الذي تجدر الإشارة إليه في هذا المجال، هو أنه رغم أن الفصل الثالث من القانون الأساس للجمعية، يحرّم عليها الخوض في المسائل السياسية، إلا أن هذه الأخيرة قد تركت لأعضائها كامل الحرية للخوض في السياسة، بصفتهم الشخصية لا بوصفهم أعضاء فيها، حفاظًا على كيان الجمعية واستمرار مسيرتها.
تأسيس جمعية العلماء المسلمين
تأسست (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) بعد الاحتفال بمضي قرن على احتلال الجزائر فكان ذلك رداً عملياً على المحتفلين الذين كانت أصواتهم تردد الجزائر فرنسية وكان شعار العلماء المصلحين "الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا"، وقد ظهر هذا الشعار أول ما ظهر مكتوباً على كتاب الجزائر للشيخ أحمد توفيق، ثم تناولته الألسنة والأقلام ولقن لطلبة العلم وذلك يوم الثلاثاء 17 من شهر ذي الحجة عام 1349 هـ الموافق لـ الخامس من ماي 1931 في (نادي الترقي) بالعاصمة إثر دعوة وجهت إلى كل عالم من علماء الإسلام في الجزائر, من طرف (هيئة مؤسسة) مؤلفة من أشخاص حياديين ينتمون إلى نادي الترقي غير معروفين بالتطرف, لا يثير ذكرهم حساسية أو شكوكا لدى الحكومة, ولا عند الطرقيين. أعلنوا : أن الجمعية دينية تهذيبية تسعى لخدمة الدين والمجتمع, لا تتدخل في السياسة ولا تشتغل بها.
لبّى الدعوة وحضر الاجتماع التأسيسي أكثر من سبعين عالما, ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية : (مالكيين واباضيين, مصلحين وطرقيين, موظفين وغير موظفين), كما حضر الاجتماع طلبة العلم من مختلف جهات الوطن.
والجدير بالذكر أن ابن باديس لم يحضر الاجتماع التأسيسي للجمعية من الأول, وكان وراء ذلك هدف يوضحه الشيخ خير الدين أحد المؤسسين الذي حضر الجلسات العامة والخاصة لتأسيس الجمعية, يقول : "كنت أنا والشيخ مبارك الميلي في مكتب ابن باديس بقسنطينة يوم دعا الشيخ أحد المصلحين (محمد عبابسة الأخضري) وطلب إليه أن يقوم بالدعوة إلى تأسيس (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في العاصمة وكلفه أن يختار ثلة من (جماعة نادي الترقي) الذين لا يثير ذكر أسمائهم شكوك الحكومة, أو مخاوف أصحاب الزوايا, وتتولى هذه الجماعة توجيه الدعوة إلى العلماء لتأسيس الجمعية (في نادي الترقي بالعاصمة) حتى يتم الاجتماع في هدوء وسلام, وتتحقق الغاية المرجوة من نجاح التأسيس. ويقول الشيخ خير الدين : "وأسر إلينا ابن باديس أنه سوف لا يلبي دعوة الاجتماع ولا يحضر يومه الأول حتى يقرر المجتمعون استدعاءه ثانية بصفة رسمية, لحضور الاجتماع العام, فيكون بذلك مدعوا لا داعيا, وبذلك يتجنب ما سيكون من ردود فعل السلطة الفرنسية وأصحاب الزوايا, ومن يتحرجون من كل عمل يقوم به ابن باديس".
بعد الاجتماع العام الذي انطلق على الساعة الثامنة صادق الجميع بعد التشاور على مشروع القانون الأساسي للجمعية، وفي اليوم الموالي – يوم الأربعاء – على الساعة الثانية بعد الزوال عقد اجتماع بقصد انتخاب الهيئة الإدارية، فاقترحت عليها جماعة فوقع الإجماع على اختيارها، وانفضت الجلسة في الساعة الخامسة مساءا. ثم اجتمع المجلس الإداري عند الثامنة من مساء اليوم نفسه وانتخب الشيخ ابن باديس رئيسا للجمعية وتم استدعائه، كونه كان غائباً حيث لم يحضر معهم في اليوم الأول ولا في اليوم الثان ، وفي اليوم الثالث جاء إلى الاجتماع وألقى كلمة جاء فيها :
"إخواني، إنني قد تخلفت عن جمعكم العظيم اليوم الأول والثاني فحرمت خيراً كثيراً، وتحملت إثماً كبيراً، ولعلكم تعذرونني لما لحقت في اليوم الثالث، وأذكر لحضراتكم ما تعلمونه من قصة أبي خيثمة الأنصاري لما تخلف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ثم لحقه فقال الناس هذا راكب يرفعه الإل ويضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كن أبا خيثمة ، فقالوا : هو أبو خيثمة، فاعتذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبل عذره ودعا له بخير. ومثلكم من كان له في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة." هكذا كان يستلهم أقواله وأفعاله من السنة النبوية.
وألقى خطاباً آخر في ذلك الاجتماع عندما باشر مهام الرئاسة، هذا نصه :
"الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. إخواني، إنني ما كنت أعد نفسي أهلاً للرئاسة لو كنتُ حاضراً يوم الاجتماع الأول، فكيف تخطر لي بالبال وأنا غائب ؟ لكنكم بتواضعكم وسلامة صدوركم وسمو أنظاركم جئتم بخلاف اعتقادي في الأمرين فانتخبتموني للرئاسة.
إخواني، كنت أعد نفسي ملكاً للجزائر أما اليوم فقد زدتم في عنقي ملكية أخرى ، فاللهَ أسأل أن يقدرني على القيام بالحق الواجب.
إخواني إنني أراكم في علمكم واستقامة تفكيركم لم تنتخبوني لشخصي، وإنما أردتم أن تشيروا بانتخابي إلى وصفين عرف بهما أخوكم الضعيف هذا: الأول إنني قَصَرْتُ وقتي على التعليم فلا شغل لي سواه فأردتم أن ترمزوا إلى تكريم التعليم إظهاراً لمقصد من أعظم مقاصد الجمعية وحثاً لجميع الأعضاء على العناية به كل بجهده، الثاني : أن هذا العبد له فكرة معروفة، وهو لن يحيد عنها ولكنها يبلغها بالتي هي أحسن، فمن قبلها فهو أخ في الله، ومن ردها فهو أخ في الله، فالأخوّة في الله فوق ما يقبل وما يرد، فأردتم أن ترمزوا بانتخابي إلى هذا الأصل، وهو أن الاختلاف في الشيء الخاص لا يمس روح الأخوة في الأمر العام."
وهكذا تأسست الجمعية, وتشكل مجلسها الإداري المنبثق عن الاجتماع العام, على النحو التالي :
1- الرئيس : عبد الحميد بن باديس
2- نائب الرئيس : محمد البشير الإبراهيمي
3- الكاتب العام : محمد الأمين العمودي
4- نائب الكاتب العام : الطيب العقبي
5- أمين المال : مبارك الميلي
6- نائب أمين المال : إبراهيم بيوض
أعضاء مستشارين :
1- المولود الحافظي
2- الطيب المهاجي
3- مولاي بن شريف
4- السعيد اليجري
5- حسن الطرابلسي
6- عبد القادر القاسمي
7- محمد الفضيل اليراتني
ونظرا لكون أغلب أعضاء المجلس يتواجدون بعيدا عن العاصمة بحكم ظروفهم السكنية، تقرر تعيين لجنة دائمة يكون أفرادها ممن يقيمون بالعاصمة, تتألف من خمسة أعضاء, تكون على اتصال دائما برئيس الجمعية بقسنطينة، وتتولى التنسيق بين الأعضاء, وتحفظ الوثائق, وتضبط الميزانية, وتحضر للاجتماعات الدورية للمجلس الإداري، وقد شُكلت على الوجه التالي :
1- عمر إسماعيل رئيسا.
2- محمد المهدي كاتبا.
3- آيت سي أحمد عبد العزيز أمينا للمال.
4- محمد الزميلي عضوا
5- الحاج عمر العنق عضوا
شهد العام الثاني من تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بداية ميلادها الحقيقي ومساهمتها في الحركة الإصلاحية في بلادنا، فقد كان هذا العام 1932 حدا فاصلا بين عهدين، ومرحلة انتقال من الفوضى والاضطرابات إلى التنظيم والعمل الدقيق، فقد خابت مؤمرات أعداء المصلحين، وردّ الله كيهم من نحورهم، وتأسس المجلس الثاني من رجال جمعت بينهم الرغبة الصادقة في الإصلاح والتعاون على البر والتقوى، لم يدّخروا جهدا في سبيل تحقيق غايتهم النبيلة وسادت بينهم مبادئ الأخوة الصادقة فحقق الله على أيديهم خيرًا كبيرًا للعباد والبلاد وقد ضم المجلس الإداري لجمعية العلماء في عامها الثاني الأسماء التالية :
1- ابن باديس رئيسا
2- البشير الإبراهيمي نائبه
3- محمد الأمين العمودي كاتبا عاما
4- العربي التبسي نائبه
5- مبارك الميلي أمين عام
6- أبو اليقظان نائبه
الأعضاء المستشارون :
1- الطيب العقبي
2- السعيد الزاهري
3- محمد خير الدين
4- علي أبو الخيار
5- يحي حمودي
6- قدور الحلوي
7- عبد القادر بن زيان
لجنة العمل الدائمة :
1- أبو يعلا الزواوي رئيسا
2- رودوس محمود كاتبا
3- محمد بن مرابط أمين المال
4- رشيد بطحوش مستشارا
5- محمد بن الباي مستشارا
وحتى يسهل الإشراف على متابعة العمل الإصلاحي, وتنشيط العمل التربوي, الذي يقدم في المدراس الحرة, التي بدأت تنتشر في أرجاء القطر, كلف الإمام عبد الحميد بن باديس باقتراح من الجمعية الشيخ الطيب العقبي بأن يتولى الإشراف على العمل الذي يجري في العاصمة وما جاورها, وكلف الشيخ البشير الإبراهيمي بأن يتولى العمل الذي يجري بالجهة الغربية من البلاد, انطلاقا من تلمسان, وأبقى بقسنطينة وما جاورها تحت إشرافه شخصيا, وهكذا تقاسم الثلاثة العمل في القطر كله.
وتنفيذا لما تضمنه القانون الأساسي للجمعية تم إحداث فروع لها (شعب) في جهات مختلفة من القطر, ففي السنة الأولى تم تأسيس 22 شعبة, وفي سنة 1936 كان عدد الشعب 33 شعبة, أما في سنة 1938 فقد تطور العدد إلى 58 شعبة, واستمر هذا الجهد التعليمي والإصلاحي رغم العراقيل والاضطهادات التي كان العلماء والمعلمون عرضة لها, ولكن الملاحظة التي يجب تسجيلها هنا هي أن الشعب أقبل على التعليم الحر بكيفية خارقة للعادة, لذلك انتشرت المدارس في جميع مدن الجزائر وقراها.
وبعد مضي ست سنوات من عمر الجمعية, بادر الإمام عبد الحميد بن باديس بوضع إطار حرّ وشامل للجمعية وهو أشبه بميثاق أو دستور وضعه لتسير على هديه الجمعية في نشاطها الإصلاحي والتعليمي, فحدد من خلال هذا الإطار ما اسماه "بدعوة جمعية العلماء وأصولها" ونشره في مجلة الشهاب العدد الرابع, المجلد الثالث عشر في جوان 1937 ثم طبع ووزع على العموم
فيحياة الشيخ الإمام عبد الحميد ابن باديس
(1940 1889)
1889- ولدعبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس في أسرة قسنطينيةمشهورةبالعلم والثراء والجاه، وكان يفتخر بجده الأعلى المعز بن باديس، الذي حاربفرقالشيعة في افريقيا من اسماعيليين وفاطميين.
1894- التحقبالكتاب (يسمى في الجزائر المسيد) لتعلم القرآن، وأتم حفظهفيالسنة الثالثة عشر من عمره، ثم تتلمذ على الشيخ حمد بن لونيسي وتلقى على يديهمبادئالعلوم العربية والإسلامية.
1908- سافرإلى تونس لمتابعة تعليمه العالي في جامع الزيتونة فنال عام 1912 شهادة "التطويع" وكعادة الخريجين في ذلك الوقت كان عليه أن يدرس في جامعالزيتونةعاما واحدا.
1913- عادإلى قسنطينة وشرع لتوه في العمل التربوي. ثمعاد عشيةالحربالعالمية الأولى إلى تونس حيث تابع تحصيله العلمي لبعض الوقت، لكنه سرعان ماانتقلإلى الحجاز بغرض الحج، وهناك تعرف على الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وبلورامعبعض الأسس الأولى للعمل الإصلاحي والدعوي في الجزائر وكما يقول الشيخ البشيرالإبراهيميأن تلك الجلسات التي دامت ستة أشهر شهدت وضع لبنات جمعية العلماءالمسلمينالجزائريين.
ومنالحجاز زار عدة بلدان في المشرق الإسلامي مثل دمشقولبنانثم زار مصر وهناك اتصل بالشيخ "بخيت" زميل الشيخ محمد عبده وحامل أفكارهالإصلاحية،واستفاد منه كثيرا.
1917- عادابن باديس إلى قسنطينة للمرة الثانية، واستأنف فيها نشاطهالتربوي،فأسس مدرسة عصرية في مبنى مسجد سيدي بومعزة، ثم انتقلت بعد اشتداد الإقبالعليهاإلى مبنى الجمعية الخيرية الإسلامية. ثم توسع نشاطه التعليمي في عدة مساجد فيقسنطينةقبل أن يستقر به المقام في الجامع الأخضر الذي شهد إقبال الطلبة من جميعنواحيالجزائر، ومن هناك كانت ولادة النهضة الإصلاحية في القطر الجزائري.
1925- أصدرأول جريدة له باسم "المنتقد" وكان شعارها "الحق فوق كل أحد،والوطنقبل كل شيء". وكما يدل عليها اسمها فقد كانت ثورة على كل المظاهر المنحرفةفيالمجتمع الجزائري الذي كان يرزح تحت نير الاستعمار، بهدف تنبيه المجتمع إلىمواطنالخلل. وركزت على نقد الطرق الصوفية التي كانت تمثل الإسلام بصورة مشوهةوكانتتوجه أتباعها من خلال المقولة الخطيرة "اعتقد ولا تنتقد" فكان ابن باديس رحمهاللهيردد "انتقد ولا تعتقد".
1926- أصدرمجلة "الشهاب" بعد إيقاف "المنتقد"، وكان لها شعاران واحدإصلاحيتربوي يتضمن مقولة الإمام مالك رحمه الله "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بماصلحبه أولها" وثان سياسي عملي "جميع الحقوق لمن قاموا بجميع الواجبات".. وبمثل هذهالشعاراتكان الشيخ ابن باديس يرسخ المفاهيم الإصلاحية في أذهان القراء، وكان كلشعاريعكس المرحلة والطور الذي تمر به الدعوة الإصلاحية. كماساهم الشيخ ابنباديسفي إصدار العديد من الجرائد والمجلات الأخرى منها: السنة، الصراط، الشريعةوالبصائر.
1927- زاولنشاطه الإصلاحي ضمن ناد الترقي الذي أسسه نخبة من المثقفين،وقدلعب هذا النادي بعد ذلك دورا مهما في ولادة الجمعية.
1931- أسسمع ما يزيد من مائة من علماء الجزائر جمعية العلماء المسلمينالجزائريين،وانتخب رئيسا لها غيابيا. وقد رسمت الجمعية أهدافها لتكون إصلاحيةووطنية. ففي المجال الديني كانت الجمعية تهدف إلى تطهير الدين الإسلامي مما علق بهمنشوائب البدع والخرافات والعودة به إلى أصوله الأولى. وفي المجال التربوي كانتغايتهاتنشئة جيل جزائري جديد، مسلح بثقافة وطنية وفكر إسلامي ليكون أهلا لإحرازالنصر.
1935- بلغعدد المدارس التي أسستها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين 70 مدرسة تعليمية في أنحاء الوطن ويقدر عدد تلامذة هذه المدارس بحوالي 30 ألف تلميذبينصبي وفتاة.
1936- كانابن باديس أول من أطلق الدعوة إلى عقد المؤتمر الإسلاميالجزائريالذي برز فيه توجه جمعية العلماء نحو المشاركة السياسية، وفيه دعا إلىضرورةتحديد النظام السياسي للمسلمين في الجزائر. وفي السنة نفسها شارك ابن باديسمعالشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ الطيب العقبي مع نخبة من السياسيين الجزائريينفيالوفد الجزائري الذي زار باريس للتفاوض باسم الشعب الجزائري مع الحكومةالفرنسية.
1939- استمرت "الشهاب" حتى هذا العام حيث أوقفها ابن باديس بنفسه عشيةإعلانالحرب العالمية الثانية لأنه رفض لها أن تكون أداة في يد الإدارة الفرنسيةالتيوضعت الصحف تحت إشرافها المباشر بموجب قوانين الحرب.
16 أفريل 1940- توفيالشيخ عبد الحميد ابن باديس في مسقط رأسه بقسنطينةعنعمر يناهز 51 عاما. وقد اعتمد هذا التاريخ رسميا بعد الاستقلال ليصبح مناسبةوطنيةرسمية سميت بـ "يوم العلم" احتفاء بابن باديس رائد النهضة العلمية والإصلاحيةفيالجزائر.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
طويل جداااااااااااااااااااااااااااااااااااا ممكن تلخصواااا
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
بارك الله فيك
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
بارك الله فيك و شكرا
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
طويل جدا ممكن تقسيمه إلى حلقات؟
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
مشكووووووووووووووووور الشكر الجزيل