عنوان الموضوع : الحلقة الثامنة من: ردّ الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري من تاريخ الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثامنة
انتقل الأخ محمد مبارك في مقاله (فك الشفرة) بعد كل تلك المقدمات عن تصوف الأمير وتقديس ابن عربي وغيره ، إلى الحديث عن ابن عربي ذاته . ولا يهمني الآن ما ذكره الأخ الكاتب عن ابن عربي فليس هو موضوع بحثي ؛ وكلُّ كلامٍ صدر من ابن عربي أو غيره ، فيه مخالفة للشريعة أو استخفاف بأصول الدين وقطعيّاته فهو مردود ومرفوض ، وأما شخص ابن عربي فقد تحدّث عنه علماء الإسلام الأثبات المعاصرين له أمثال الإمام العز ابن عبد السلام ، ومن جاء بعدهم ، وقد أوردتُ بعضًا من كلامهم في كتابي [إلى أين أيها الحبيب الجفري؟!]، ولكن الذي يهمني هو النتيجة التي خرج بها الكاتب بعد حديثه عن ابن عربي .
لقد استنتج أن عقيدة وحدة الوجود عند ابن عربي تصحح عقيدة وحدة الأديان التي يكثر الحديث عنها اليوم وتتلاقى مع الماسونية!
وطبعًا هذا كلام غير دقيق . والكاتب لم يفرّق بين هذه المسميات في مقاله ، لذلك نجد أنها متداخلة، والقارئ سيفهم أن الحلول يقابل وحدة الوجود ، ووحدة الوجود تقابل الماسونية ، والماسونية تقابل وحدة الأديان ، ووحدة الأديان تقابل وحدة الوجود!
نعم إنّ بعض هذه المسميات يتقاطع مع بعضها الآخر في جزء من الأجزاء من الناحية الفلسفية ولكن ليس ضمن المفاهيم المستقرّة اليوم والتي يجري التعامل مع تلك المسميات وفقًا لها.
يقول الكاتب: ((ونظرية وحدة الوجود تقول بأن الله عز و جل موجود ـ و العياذ بالله ـ في كل مكان ، و بذلك تصحِّح نظرية وحدة الأديان الذي أسماه ابن عربي (دين الحب) أيما تصحيح ، بحيث تنضوي تحته كل عقيدة)).انتهى
تعريف وحدة الوجود عند الكاتب غير دقيق! وما ذكره هو عقيدة ومذهب الجهميّة!
وأنا لا أريد الخوض في تفاصيل هذا الموضوع حتى لا نشتت القرّاء ولكن سأنبّه على أشياء منه .
أولاً ، الحلول: ((مذهبٌ يعتقد أصحابه أنّ الله تعالى حالٌّ في كل شيء ، وفي كل جزء من كل شيء متحدٌ به ، حتى صار يصح أن يطلق على كل شيء أنه الله ، تغليبًا للاهوت على الناسوت.
والعقيدة الحلولية نجدها عند فرقة من المتصوّفة ، وهي ليس وقفًا عليهم ، وإنما لها جذورها في الديانات المجوسية والهندية واليهودية والنصرانيّة . فاليعاقبة ، من النصارى القائلين بحلول الله سبحانه في جسد المسيح عليه السلام:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72]
وعقيدة الحلول الموجودة عند المتصوفة تخالف المعتقدات الإسلامية ؛ لأنهم يقصدون بها أن روح الله تعالى حلّت في بعض الأجسام التي اصطفاها واختارها ، فانقلبت هذه الأجسام البشرية إلى آلهة تسير على الأرض وتعيش بين الناس.
أشهر القائلين بالحلول (الحلاّج) ، وقد شرح عقيدة الحلول بقوله:"مَنْ هذَّبَ نفسه في الطاعة ، وصبر على اللذات والشهوات ، ارتقى إلى مقام المقرّبين ، ثم لا يزال يصفو ويرتقي في درجات المصافاة حتى يصفو عن البشرية ، فإذا لم يبق فيه من البشرية حظّ حلَّ فيه روح الإله الذي حلَّ في عيسى ابن مريم ، ولم يُرِدْ حينئذ شيئًا إلاّ كان كما أراد ، وكان جميع فعله فعل الله تعالى"
وكذلك (أبو يزيد البسطامي) ، فقد روي عنه أنه دخل مدينة فتبعه فيها خلقٌ كثير ، فالتفت إليهم وقال :{إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدون}. فقال الناس: "جُنَّ أبو يزيد" وتركوه.
وتُشبه عقيدة الحلول عند المتصوفة عقيدة التجلّي ، إذ يكون فيها تجلي الذات الإلهية باسمٍ أو صفة. يقول (عبد الكريم الجيلي):"ومنهم من تجلّى الله عليه بصفة السمع ، فيسمع نُطقَ الجمادات والنباتات والحيوانات وكلام الملائكة واختلاف اللغات... وفي هذا التجلّي سمعتُ علم الرحمانية من الرحمن ، فتعلمت قراءة القرآن ، فكنتُ الرطل وكان الميزان ، وهذا لا يفهمه إلاّ أهل القرآن"
من أشهر الفرق القائلة بالحلول ، الحلاّجيّة والعذاقرة ، إذ تعتقد الأولى أنّ روح الله حلّت في الحلاّج، والأخرى أنها حلّت في محمد بن السلمقاني الملقّب بأبي العذاقرة.
وقد أفتى الفقهاء بكفر هذه الفرق ، وقالوا إنّ غايتها إفساد عقيدة التوحيد عند المسلمين ، فالله مُنَزَّهٌ عن أن يحلَّ بشيء أو يحل به شيء)).انتهى[الموسوعة الإسلامية الميسّرة 5/936]
ثانيًا ؛ إنّ وحدة الوجود: (مذهب فلسفي يوحِّد بين الله والعالم ،ولا يُقِر إلاّ بوجود واحد هو الله ، وكل ما عداه أعراضٌ له . وقد نشأت هذه الفكرة عن أصل ديني صدر عن البراهمة ، وعن آراء علميّة ترمي إلى تفسير التغير والثبوت في العالم ، وقد قال هذا إكسانوفان والرّواقيون ، وظهر في الأفلاطونيّة الحديثة والفلسفة الحديثة إذ مَثّله سبينوزا ، وتجلّت آثاره في مثاليّة نيتشه وهيغل.
أمّا المسلمون فقد ظهر هذا المذهب بتوضيح جديد عندهم ، ذكره الشيخ محيي الدين ابن عربي وابن سبعين وسواهما ، وقد حاولوا شرحه بما لا يناقض عقيدتهم ، فصعب الأمر ، ووقعوا في إشكالات عجزوا عن تأييدها . ولذا جاء غير هؤلاء ليتحدّث عن وحدة الشهود بديلاً عن وحدة الوجود ، بأن يُشاهد العارف هذه الحقيقة (وحدة الوجود) في ذات الله سبحانه وتعالى ، واتفق الجميع على ضرورة التركيز على وحدة المعبود ، وهذا الأسلم والأوضح ، وقد دعا إلى هذا الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام)).انتهى[الموسوعة الإسلاميّة الميسّرة 10/2194]
وأقول: إن وحدة الوجود هي عقيدة ونظرية ظهرت قبل الإسلام وكان يقول بها كثير من الفلاسفة ، والمصيبة الكبرى أن الذين خاضوا في الفلسفة من الصوفية اعتمدوا هذه النظرية . وبدأت هذه النظرية عندما ظنّ الفلاسفة أن الإله ـ الذي أثبتوا وحدانيّته بدايةً ـ لمّا أراد أن يوجد الخلق أوجَدَه من ذاته أي فصله عن ذاته ، فالخلق كلّه جزء من الإله!! وهكذا راحت تكبر هذه النظرية وتحوّل الفلاسفة المثبتون للوحدانية بالأمس إلى ملاحدة ومشركين . وهذه النظرية لا ترى وجودًا لشيء اسمه أديان أصلاً .فهي لا تثبت ربًا ولا تثبت عبدًا فالكل واحد!! (والعياذ بالله)
ثالثًا ، وأما وحدة الأديان فالمعروف أن أصحاب هذه الدعوة اليوم يزعمون أنّ جميع الأديان متفقة على الجوهر والكل يعبد الإله الواحد ، فلا داعي للتصادم بين أهل تلك الأديان ، وعليهم أن يتعايشوا وينسوا الفوارق بينهم ليحيوا بسلام. وهم لا ينطلقون من مفهوم وحدة الوجود أبدًا ، وأصحاب هذه الدعوة اليوم يتمثلون في بعض الجمعيات الاجتماعية والإنسانية الموجودة في أوربة.
رابعًا ، إن وحدة الوجود ووحدة الأديان لا علاقة لها بالحلول والاتحاد. الذي هو حلول الإله في مخلوقاته واتحاده معها! (عياذًا بالله)
خامسًا ، إنّ الماسونية التي اتخذ المجمع الفقهي الإسلامي قراره الشرعي حولها في دورته 15/7/1978م =10/شعبان/1398هـ ، كما جاء في البند السابع لقرار المجمع هي:"في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور ، ويهودية الإدارة العليا العالمية السرية ، وصهيونية النشاط".انتهى
والكل بات يعلم اليوم أنها دعوة لمحو الدين الإسلامي والديانة المسيحية وجعل الديانة اليهودية هي الوحيدة التي تحكم العالم ، فالشعب اليهودي هو الذي يمثل الإنسان الكامل وهو الوحيد الذي يستحق الحياة ، وأما ما سواه فهم خدم أو بهائم! ولذلك هم يسعون لإعادة بناء هيكل سليمان فوق كامل المسجد الأقصى. إذن فهم لا يقولون بوحدة الأديان أبدًا ، ولا شأن لهم بوحدة الوجود ، وإنما هم يهودٌ فحسب يؤمنون بكتبهم التي وضعوها وبنبوآتهم ، وينتظرون مليكهم الأعور الدجال! ومن هذه الحيثية (أي الديانة اليهودية) يكون لعقيدة الحلول مدخلٌ في الماسونية ، لا لكونها تدعوا للقضاء على الأديان الأخرى وإنما لأن العقيدة اليهودية فيها مفهوم حلول الرب في العبد!
هذه أهم التعاريف باختصار وإجمال.
ولنرجع إلى ما يقوله الكاتب :"و بالتالي فإن الوجودية والماسونية يدوران في فلكٍ واحد ".انتهى
لقد أورد الكاتب بدايةً خلال حديثه عن ابن عربي أقوالاً له تثبت اعتقاده بوحدة الوجود ، ثم استنتج أن وحدة الوجود والماسونية يدوران في فلك واحد .
وقد تبيّن لكم الفرق الكبير بين نظرية وحدة الوجود وبين الماسونية ، فالربط بينهما بعيد وغير مقبول!
يقول الكاتب : ((و بالتالي فإن الوجودية و الماسونية يدوران في فلكٍ واحد ، و لذلك لم يكُن بِدعاً من الرأي أن ينتهج الأمير الخط الماسوني بعد المذهب الوحدوي لكونه بذلك لم يخرج عن نفس المسار ، و إنَّما انتقل من مدار إلى مدار)).انتهى
إن طريقة إثبات التُّهم بالاستدلال النظري مرفوضة ، فكيف إذا كان هذا الاستدلال غير صحيح؟!
وكان الأولى بالكاتب أن يبرهن على دعوى انتهاج الأمير للمذهب الوحدوي ، وأن يبرهن على انضمام الأمير إلى الماسونية ، ثم بعد ذلك يتابع استنتاجاته!
مع العلم أنّ الطريقة التي يتّبعها الأخ الكاتب في حديثه عن الأمير إنما هي طريقة وضع النظريات ، والاستدلال لها بالظنون والأشياء البعيدة أو بكلام غير ثابت ، ثم يجعلها من الثوابت المبرهن عليها!!!
وهذا شيء لا يمت للدراسات العلمية بصلة عمومًا، فكيف إذا كان الموضوع يتعلّق بإطلاق حكم الكفر والردة على رجل مسلم مشهود له بالعلم والتديّن والجهاد؟!!
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
ثم قال الكاتب الأخ محمد المبارك :"وقد يقال أن ناحية التصوف كانت ناحية فلسفية بحتة عند الأمير ولكن ذلك ليس بصحيح ، فنجد أن الجزائري يعتقد بمخاريق وكرامات الصوفية".انتهى
إن رأي الكثير من الأساتذة المتخصصين والدارسين لفكر الأمير عبد القادر هو أنّ كلام الأمير في مسائل التصوف التنظيري كان من ناحية فلسفية فحسب ، وذلك لأنّه كان ملتزمًا بالفتوى على المذهب المالكي ، ولم يوجد في سلوكه حتى موته أي مظهر من مظاهر اعتقاد تلك الفلسفات ، مثلما وُجد في سلوك غيره من أمثال ابن سبعين والتلمساني وابن هود الأندلسي وغيرهم ممن كانوا في زمن الأمير أيضًا وقد ذكرتُ سيرة أحدهم في الحلقات السابقة!!
ورأيُ أولئك الأساتذة ـ وهم من مشارب وأديان مختلفة ـ مبني على قواعد وأدلة وبراهين عرضوها في كتبهم ودراساتهم. ولكن الأخ محمد المبارك رفض هذا الرأي وقال عنه إنه غير صحيح دون أن يأتينا ببرهان أو دليل؟! وإنما اكتفى بقوله :" ولكن ذلك ليس بصحيح ، فنجد أن الجزائري يعتقد بمخاريق وكرامات الصوفية".انتهى!!
طبعًا هو يقصد خوارق وكرامات ، لأنّ المخاريق هي المناديل ، أو الخِرَق المفتولة ، أو السيوف ، أو السياط!!
وما أغرب هذا الاستدلال! هل الاعتقاد بالكرامات أو الخوارق التي قد تقع لبعض الصالحين ويجريها الله لهم أو على أيديهم هو الدليل على أنّ صاحب هذا الاعتقاد يكون ضرورة من القائلين بالفكر الصوفي المنحرف؟! إذن ما أكثرهم إذا لم نقل بأنهم جمهور المسلمين. وهذا كلام غير مقبول أن يُتّهم جمهور المسلمين بالانحراف لأجل الاعتقاد بالكرامات!
لقد ساق الأخ الكاتب قصّة يستدل بها على الكرامات والخوارق التي كان يعتقدها الأمير ، وهي قصّة وقوف الأمير عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم . روى الكاتب نقلاً عن النبهاني أنّ الأمير قال :"…لما بلغت المدينة طيبة ، وقفت تجاه الوجه الشريف بعد السلام عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى صاحبيه الذين شرفهم الله تعالى بمصاحبته ؛حياةً وبرزخًا ؛ وقلت : يارسول الله ، عبدك ببابك، يارسول الله ،كلبك بأعتابك (في المواقف كليمك!) ، يارسول الله ، نظرة منك تغنيني ، يارسول الله، عطفة منك تكفيني ، فسمعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لي : ((أنت ولدي ، ومقبول عندي))، بهذه السجعة المباركة. وما عرفتُ هل المراد ولادة الصلب ،أو ولادة القلب ، والأمل من فضل الله أنهما مرادان معًا، فحمدتُ الله تعالى".انتهى النقل الذي أورده الكاتب. مع أنّ القصّة لم تنته ولها تتمة طويلة، سأكتفي بنقل الجزء المباشر لقوله فحمدتُ الله تعالى . قال الأمير :"ثمّ قلتُ في ذلك الموقف : اللهم حقق هذا السماع برؤية الشخص الشريف ، فإنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضمِنَ العصمة في الرؤية فقال : ((من رآني فقد رأى الحق ، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي)). وما ضَمِنَ العصمة في سماع الكلام. ثم جلستُ تجاه القدمين الشريفين ، معتمدًا على حائط المسجد الشرقي ، أذكرُ الله تعالى فصعقت وغبت عن العالم وعن الأصوات المرتفعة في المسجد بالتلاوة والأذكار والأدعية وعن نفسي، فسمعتُ قائلاً يقول : هذا سيدنا التّهامي ، فرفعتُ بصري في حال الغيبة ؛ فاجتمع به بصري ، وهو خارج من شباك الحديد ، من جهة القدمين الشريفين . ثمّ تقدَّم إلى الشباك الآخر ، وخَرَقَه إلى جهتي؛ فرأيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخمًا مفخّمًا بادنًا متماسكًا ، غيرَ أنّ شيبه الشريف أكثر، وحُمرة وجهه أشدّ مما ذكَرَه أصحاب الشمائل . فلمّا دنا منِّي ، رجعتُ إلى حسّي ، فحمدتُ الله تعالى".انتهى [المواقف1/16]
وهذه القصّة أوردها الأمير ضمن حديثه على قوله تعالى {وأمّا بنعمة ربّك فحدّث} ، وأنا لا أجد فيها شيئًا من الخوارق أو العجائب ، كل ما في الأمر أن الرجل دفعه شوقه وحبّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكلّم بتلك الكلمات أمام واجهة القبر الشريف ، فظنّ أنه سمع جوابًا ولكنّه لفقهه ومعرفته بأصول الدين أقرّ بأنّ هذا السماع قد يكون توهمًا أو شيطانيًا ، فقال :" اللهم حقق هذا السماع برؤية الشخص الشريف ، فإنّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضمِنَ العصمة في الرؤية فقال : ((من رآني فقد رأى الحق ، فإن الشيطان لا يتمثل بصورتي)). وما ضَمِنَ العصمة في سماع الكلام"
فهل هذا كلام الخرافيين أو أدعياء الكرامات؟
وبعد أن حصلت له الرؤية المناميّة لشخص النبيّ صلى الله عليه وسلم ، نجده صادقًا مع نفسه ومع الآخرين عندما قال :" فرأيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخمًا مفخّمًا بادنًا متماسكًا ، غيرَ أنّ شيبه الشريف أكثر، وحُمرة وجهه أشدّ مما ذكَرَه أصحاب الشمائل"
وهذا أيضًا دليل على علمه واطلاعه وصدقه .
وهذه القصّة لا تقدّم ولا تؤخّر وليس فيها أي مستند لمن يريد أن يثبت أن الفكر الصوفي للأمير هو على طريقة المنحرفين ، فضلاً عن جعلها حجة في رفض قول الباحثين إن الناحية الصوفية كانت عند الأمير ناحية فلسفية بحتة.
تنبيه : بعض المتسرّعين جعل من هذه القصّة دليلاً على ادّعاء الأمير للنسب الشريف! وهذا عجيب منهم فليس فيها ما يساعد على هذا الاستنتاج . وربما قالوا ذلك لعدم فهمهم المقصود من القصة. فنسب الأمير مشهور ومستفيض قبل هذه القصة بل وقبل ولادة الأمير ، فآباؤه وأجداده من المشاهير والكبراء في المغرب العربي ونسبهم معروف وهو من أثبت الأنساب وأشهرها ، فليس هناك ما يدفع الأمير لادعاء النسب .
ولو كان هذا المقصود لقال الأمير هذا دليلٌ على نسبي الشريف ، لكنه لم يفعل وإنما قال :" وما عرفتُ هل المراد ولادة الصلب ،أو ولادة القلب" والسبب أن ولادة الصلب معروفة ومتحققة ، والمهم عنده هو ولادة القلب ـ أي يكون بذلك وارثًا محمّديًا ـ ولصدقه وأمانته لم يتحكّم في تأويل الكلام وإنما أبقاه على إطلاقه وعمومه .
وأنا هنا أتعامل مع هذا القصص والأحوال بتجرّد وأضعها ضمن سياقها الصحيح وأشرحها ضمن مصطلح أهلها .
وماذا سيقول الأخ محمد المبارك عن الإمام ابن قدامة المقدسي الحنبلي (541ـ620هـ) فقد قال في كتابه الكبير "المغني" : ((وقال أحمد ، في رواية عبد الله ، عن يزيد بن قُسَيْط ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما من أحد يسلم عليَّ عند قبري ، إلا ردَّ الله عليّ روحي ، حتى أرُدَّ عليه السلام) . قال : وإذا حج الذي لم يحجَّ قطُّ ـ يعني من غير طريق الشام ـ لا يأْخُذُ على طريق المدينة ، لأني أخاف أن يحدُثَ به حَدَثٌ ، فينبغي أن يقصد مكة من أقصر الطرق ، ولا يتشاغل بغيره .ويروى عن العتبي ، قال : كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيٌّ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعتُ الله يقول :{ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا} وقد جئتك مستغفرًا لذنبي ، مستشفعًا بك إلى ربي ، ثم أنشأ يقول:
يا خيرَ من دُفِنَت بالقاعِ أعْظُمُهُ **** فطابَ مِنْ طيبهِنَّ القاعُ والأَكَمُ
نفسي الفداءُ لِقَبْرٍ أنت سَاكِنُه **** فيه العفافُ وفيه الجودُ والكَرَمُ
ثم انصرف الأعرابي ، فحَمَلَتْنِي عيني ، فنمتُ ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال : يا عُتبيُّ ، الْحَقِ الأعرابيَّ ، فبشِّرْهُ أن الله قد غفرَ له)).انتهى [المغني 5/465]، وقد أورد هذه القصّة أيضًا صاحب الشرح الكبير الإمام عبد الرحمن المقدسي الحنبلي (682هـ) 3/494 ؛ وكذلك الإمام ابن كثير في تفسيره .
فهل سيقول الكاتب عن هؤلاء الأئمّة أنهم يعتقدون بكرامات وخوارق الصوفية ، إذن فهم من المنحرفين أصحاب العقائد الباطلة؟!
مع العلم أنّ هؤلاء أوردوا هذه الحكاية معتقدين بها ، بدليل أن الإمام ابن قدامة قال خلال حديثه عن آداب زيارة القبر الشريف والأدعية التي يستحب ذكرها : ((اللهم إنك قلت وقولك الحق :{ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابًا رحيمًا} وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي، مستشفعًا بك إلى ربي ، فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة ، كما أوجبتها لمن أتاه في حياته، اللهم اجعله أول الشافعين ، وأنجح السائلين ، وأكرم الآخرين والأولين ، برحمتك يا أرحم الراحمين)).انتهى [المغني 5/467]
فما قول الأخ الكاتب؟ وأنا أسوق هذه القصّة لوجه التشابه مع قصة الأمير.
وماذا سيقول إذا قرأ قول عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل ؛ قال "سمعتُ أبي يقول : حججتُ خمس حجج منها ثنتين [راكبًا] وثلاثة ماشيًا ، أو ثنتين ماشيًا وثلاثة راكبًا ، فضللتُ الطريق في حجة ، وكنتُ ماشيًا فجعلتُ أقول : يا عباد الله دلّونا على الطريق ؛ فلم أزل أقول ذلك حتى وقعتُ على الطريق!!!، أو كما قال".انتهى [مسائل الإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله ص245]
وماذا سيقول إذا قرأ كلام الإمام ابن القيّم؟ قال ابن القيّم : ((فصل: ومن الرُّقى التي ترُدُّ العين ما ذكر عن أبي عبد الله الساجي ، أنه كان في بعض أسفاره للحج أو الغزو على ناقة فَارِهة ، وكان في الرفقة رجلٌ عائن ، قَلَّما نظر إلى شيء إلا أتلفه ، فقيل لأبي عبد الله : احفَظْ ناقَتك من العائن ، فقال: ليس له إلى ناقتي سبيل ، فأُخْبِرَ العائِنُ بقوله ، فتحيَّن غيبة أبي عبد الله ، فجاء إلى رحْله ، فنظر إلى الناقة ، فاضطربت وسقطت ، فجاء أبو عبد الله فأُخْبِرَ أن العائنَ قد عانها ، وهي كما ترى ، فقال دلُّوني عليه ، فدُل ، فوقف عليه ، وقال: بسم الله ، حَبْسٌ حَابسٌ ، وحَجَرٌ يابِسٌ ، وشِهابٌ قابسٌ ، رَدَدْتُ عينَ العائن عليه ، وعلى أحبِّ الناس إليه!!! ، {فارجعِ البصرَ هل ترى من فُطور ، ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئًا وهو حسير} فخرجتْ حدقتا العائن!!! ، وقامت الناقةُ لا بأس بها)).انتهى [زاد المعاد 4/174]
إنّ هذه القصص (وهناك الكثير من مثلها) أغرب بكثير من القصّة التي ساقها الأخ الكاتب عن الأمير ، وعلى طريقة الاستنتاج التي يعتمدها الكاتب يمكن للبعض أن يصف هؤلاء العلماء بالانحراف والاعتماد على الخرافة والأوهام ، وتبني عقائد باطلة!!
إنّ عدم قبول الكثير من العلماء لأمثال هذه القصص لم يحملهم على الطعن برواتها أو القائلين بها ، وإنما اكتفوا بنقدها وعدم الرضا بحجيتها ، مع الاعتذار للعلماء الذين احتجوا بها أو رووها.
وعلينا ملاحظة أنّ القصّة السالفة المروية عن الإمام أحمد سندها صحيح وهي في غاية الغرابة ، فمن يُنادي؟ وبمن يستعين؟ ومع ذلك لا نجد أحدًا يطعن في توحيد الإمام أحمد أو في معتقده لأجل هذه القصة.
والأغرب منها قصّة ابن القيّم رحمه الله ، فهي تشتمل على مخالفات شرعية إضافة إلى أسطوريتها وخرافيتها!! ومع ذلك فنحن نلتمس العذر للإمام وذلك من باب حسن الظن به ، ولدينه وعلمه.
والغرض من كل ما سبق أن الباحث الذي يريد أن يتكلّم في الرجال وفي التاريخ يجب عليه أن يلتزم منهجًا ثابتًا وميزانًا واحدًا ، وإذا كان من المسلمين فإنّ دينه يحتّم عليه ذلك لأنّ الدين هو تقوى الله وهو العدل والإنصاف ، فمن غير المقبول أن يطعن في رجل بسبب قصّة ما ، ولا يطعن بآخر يعتقد القصة نفسها. لأنه إذا كان الإنسان يتعامل مع الأشياء بعدل وتجرد بعيدًا عن التعصب والأهواء فإنّ حكمه سيبقى واحدًا لا يتغير مع تغير الأشخاص المحكوم عليهم.
فإمّا أن يكون الحكم منصرفًا إلى القصّة بحد ذاتها فيُقال عنها قصة باطلة أو غير صحيحة أو لا تجوز شرعًا ، دون التعرض للأشخاص المحتجين بها . وإما أن يُحكم على الأشخاص بسببها حكمًا واحد لا يتغيّر بتغيرهم.
لتحميل المشاركة على شكل ملف وورد : الحلقة الثامنة من الرد على الشبهات
والحمد لله ربّ العالمين
خلدون مكّي الحسني
للبحث صِلة إن شاء الله
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله على سلامتك أخي أبو إدريس ...أهلا و سهلا بك مرة أخرى بين أهلك و ذويك
تقبل الله منا و منكم صالح الأعمال
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
السلام عليكم ؛ أشكر أخي أبا إبراهيم على مشاركاته الطيبة
وأرجو من الجميع أن يستثمروا هذه الحلقات والبحوث والمناقشات في سبيل التصدي للحملات الغربية
التي تهدف إلى تشويه تاريخنا الإسلامي
ومحو ذاكرة الأمة
وفرض ثقافة الغرب علينا ليسهل عليهم فيما بعد استعمار أمتنا من جديد ولكن هذه المرة بأيدي أبناء الأمة أنفسهم!!
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
السلام عليكم
نعم الجزائر بلدنا ومن أجلها نسعى إلى تنقية تاريخها الذي يحاول الغرب العبث به وتشويهه
ولكن ويا للأسف فإن من يساهم في هذا التشويه هم من أبناء الجزائر نفسها!!
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
السلام عليكم
الاخ الكريم خلدون بن مكي اضنك اعلم من بتاريخ جدكم الامير عبد القادر لهذا اسمح لي ان اطلب منك المساعدة انا و حسب معلوماتي المتواضعة اعرف ان الامير عبد القادر و سكان تلمسان لم يبايعو الملك المغربي لكن هنا بالمنتدى يوجد احد الاعضاء و يقول عكس هذا فأرجو من حضرتكم توضيح الامر للجميع و انت مشكور مسبقا