عنوان الموضوع : الحلقة الثانية عشرة من رد الشبهات المثارة حول الأمير عبد القادر الجزائري
مقدم من طرف منتديات العندليب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الثانية عشرة
أريد أن أنبّه إلى شيء هام وهو أن الأخ الكاتب صاحب (فك الشفرة) لم يقف عند الطعن بالأمير عبد القادر وحده ، أو بحفيده الأمير سعيد ، وإنما تعدّاه إلى الطعن بذرية الأمير عبد القادر ، وإلى الطعن بكبار علماء الشام ومفتيها ومحدّثيها وأشرافها!!!
لقد اتّهم كبار رجالات الإسلام في الشام في ذلك العصر بالانخراط في سلك الماسونية معتمدًا على كلام المدعو شاهين مكاريوس ؛ منهم : الشريف الشيخ محمود الحمزاوي مفتي دمشق الشام ، والشيخ المحدّث سليم العطار ، والعلاّمة الشيخ محمد المنيني مفتي دمشق ، و المُحدّث وابن شيخ المحدّثين في الشام الشيخ أحمد مسلم بن عبد الرحمن الكزبري ، والعلاّمة الكبير الشيخ محمد الطنطاوي (جدُّ شيخنا العلامة علي الطنطاوي رحمه الله) ، ونقيب الأشراف بدمشق السيد حسن تقي الدين الحصني، وغيرهم ...
ونحن إذا عدنا إلى الكتب التي ترجمت لهؤلاء الرجال الكبار مثل (الأعلام) للزركلي ،و(حلية البشر) للبيطار ، و(روض البشر) للشطي ، و(منتخبات التواريخ) لأديب الحصني ، لوجدنا أنفسنا أمام شخصيات مرموقة نزيهة وصفها العلماء المعاصرون لها بالعلم والتقوى والديانة والفضيلة ، والعلماء الذين ترجموا لهم لم يكونوا يجاملون أو ينافقون لأحد ، وقد ذكروا بعض الأشياء التي ينتقدونها على بعض تلك الشخصيات ، وتعرّضوا كذلك إلى شيء من المؤاخذات ، ولكن ليس في شيء منها أي جرح في الإيمان والديانة ، ولو كانوا من الماسون لذكروا ذلك عنهم . ولكن فيما يبدو لا يعلم أحد أنهم من الماسون إلاّ مكاريوس هذا!!
وأمّا ذريّة الأمير فليس في كتب التراجم والتاريخ ما يقدح فيهم أو ينسبهم إلى الماسونية ، ولعلّ الأخ محمد المبارك استقى كلامه من مكاريوس أو أنه اغترَّ بمقال على الإنترنت لكاتبه: (أبوعبدالله همَّام بن محمد الجزائري) ، وفيه أتى بكلام لم يذكر مصدَرَه! وفيه أن أحد رجال الماسون وهو شاهين مكاريوس يزعم أنّ أبناء الأمير محمد ومحيي الدين وعلي وعمر كانوا من الماسون!! هكذا وبكل بساطة! وأنا أتعجّب من الإخوة الذين يكتبون المقالات وينشرونها في الإنترنت كيف يستسيغون الركون إلى كل من هبَّ ودبّ، وكتب وشغّب ، أوكان ماسونيًا أو يهوديّا؟!
أنتم تطعنون في رجال مسلمين لم تعاصروهم ولا تعرفونهم ولم تقرؤوا عنهم شيئًا ، ولم يسبقكم إلى الطعن فيهم أحدٌ من علماء المسلمين أو مؤرِّخيهم؟! واكتفيتم بكلام شخص ماسوني!!
أمّا الماسوني شاهين مكاريوس هذا فقد ترجم له الزركلي فقال : ((شاهين بن مكاريوس (1853-1910م): من مؤسسي جريدة (المقطّم) بمصر، وأحد أصحاب (المقتطف) ومنشئ جريدة (اللطائف) ولد في قرية "إبل السقي" من (مرج عيون - بلبنان) ونشأ في بيروت يتيمًا فقيرًا، قُتِلَ أبوه في حادثة سنة 1860م، وحملته أمه إلى بيروت حيث كانت تعوله من عملها في خدمة الدكتور فانديك، فتعلم فن الطباعة، وتولى إدارة مجلة المقتطف ببيروت سنة (1876م) ورحل إلى مصر مع زميليه يعقوب صرّوف وفارس نمر.
وخدم الماسونية بكتبه: (الجوهر المصون في مشاهير الماسون - ط) و(الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية - ط) و(الدر المكنون في غرائب الماسون - ط) و(الآداب الماسونية - ط).)).انتهى
إذن الرجل ماسوني، فَقَدَ والده بعدما قتله الدروز في لبنان في أحداث 1860م ، واضطرّت أمّه للعمل خادمةً لتتمكن من إعالته، فنشأ يتيمًا فقيرًا ناقمًا، وانخرط في الماسونيّة ، واستفرغ وسعه في الكتابة عنها والترويج لها.
ولمّا كان الفضل ـ في إنقاذ المسيحيين من مذبحة 1860م ـ لعلماء المسلمين وكبرائهم أمثال الأمير عبد القادر والشيخ الحمزاوي والعطار والمنيني.. وغيرهم ، ثقُلَ على أمثال ابن مكاريوس (الذي فقد أباه في تلك المذبحة) أن يشهدوا بالفضل لأصحابه لأنّهم من المسلمين! وغيرُ المسلمين لا يُطيقون أن يُنسَبَ الفضل والخير للمسلمين ، فما كان منهم إلاّ أن ألصقوا صفة الماسونية بكل من ساهم في إنقاذ وحماية المواطنين المسيحيين في بلاد الشام! ونحنُ لا نجد في كل ما كتبه الكتّاب المسيحيون عن مذبحة 1860م الغربيون منهم أو الشرقيون ؛ أيّ إشارة إلى فضل الشريعة الإسلامية التي طبّقها كبار رجال الإسلام في صيانة أعراض النصارى وحقن دمائهم ، وإنما أثنوا على أولئك الرجال وألحقوهم بالماسونية زورًا وبهتانًا!!
على كل حال فإنني سآتي على تفاصيل هذا الموضوع في الحلقات القادمة إن شاء الله ، ولكن لي هنا تعقيب سريع حول أبناء الأمير : فالأمير محمد باشا كان من الأعيان الفضلاء ، تلقى العلوم الشرعيّة واهتمّ بالتاريخ وكان مقرّبًا عند السلطان عبد الحميد خان وكان برتبة فريق في الجيش العثماني إلى وفاته بالأستانة سنة 1331هـ. وله عدّة رسائل ومؤلّفات منها : "عقد الأجياد في الصافنات الجياد"، ومختصره "نخبة عقد الأجياد" كلاهما في الخيل ومحاسنها وما قيل فيها، و(مجموع ثلاث رسائل) إحداها 1ـ (ذكرى ذوي الفضل في مطابقة أركان الإسلام للعقل) ، والثانية (كشف النقاب عن أسرار الاحتجاب) ، والثالثة (الفاروق والترياق في تعدد الزوجات والطلاق).
وكل ما ذُكر مطبوع.
وترجمته موجودة في عدة كتب منها [الأعلام ، والأعلام الشرقية ،وإيضاح المكنون]
وأما الأمير محيي الدين باشا ، فمن أهل العلم والأدب ، حفظ القرآن عن ظهر قلب وهو ابن تسع سنين ، وحفظ المتون وتفقّه على أيدي كبار العلماء في الجزائر والشام ، وكان مقرّبًا عند سلاطين آل عثمان ، وكان من رجال الدولة العثمانية ، ورقّاه السلطان عبد الحميد خان إلى رتبة (مير ميران) أي أمير الأمراء ، وفي سنة 1303هـ رقّاه إلى رتبة (روملي بيكلر بيكي) ، وعيّن له معاشًا شهريًا كبيرًا، حيث إنه رفض بعد وفاة أبيه معاش دولة فرنسا التي طلبت منه أن يكون من رعيّتها هو وإخوته. وفي سنة 1305هـ منحه السلطان عبد الحميد رتبة الفريقية مع الياورية العظمى (يعني جعله قائدًا لفرقة عسكرية ومساعدًا للسلطان) ، وفي سنة 1307هـ عيّنه السلطان عبد الحميد عضوًا في مجلس التفتيش العسكري . وكان مقرّبًا من العلماء ، وكان قد التحق بالمجاهدين في الجزائر وشارك في ثورة 1871م ؛ ومات في الأستانة سنة 1336هـ ، وقصّته مشهورة وقد فصّل القول فيها صديقه وخليله العلاّمة الشيخ عبد الرزاق البيطار في كتابه (حلية البشر) ، وأثنى عليه كثيرًا العلاّمة السلفي الدمشقي الشيخ محمد بهجة البيطار رحمه الله. وانظر ترجمته في (حلية البشر) ، و(الأعلام) ، و(تاريخ علماء دمشق).
وأمّا علي باشا ، فكان من رجال الدولة العثمانية المشاهير وهو الرئيس الثاني لمجلس الأمة العثماني، والنائب عن ولاية دمشق، وهو من أهل الدين والصلاح ومن الشجعان ، وهو عثماني النزعة ، وكان مبعوثًا من الحكومة العثمانية إلى ليبيا لدعم المجاهدين ، وكانت له جهود كبيرة ومشهودة في مقاتلة الجيوش الإيطالية هو وولده الأمير عبد القادر الحفيد! وكان من أشهر المدافعين عن الجامعة الإسلامية. ومما قاله فيه بعض أفاضل الكتّاب الذين وضعوا كتابًا خاصًّا لتاريخه : ((ولمّا كان الأمير علي باشا محبوبًا من أهالي طرابلس الغرب بصورة خاصة وكان له في قلوب أهالي مراكش وتونس والجزائر أكبر احترام ،أحبّت الدولة العثمانية أن تستخدم عاطفة هذا الحب في مصلحتها فأناطت بالأمير مشروع الاتحاد الإسلامي الإفريقي)).انتهى[تاريخ الأمير علي ص27].
وقالوا: ((وكانت حياته جهادًا في سبيل عظمة الخلافة الإسلامية والجامعة المحمّدية التي لا حياة للعالم الإسلامي المنتشر في أقطاع المسكونة بدونها ولا نشور لمجده إلا بالتمسك بها فإنها الجامعة الوثقى التي تنادي بالمسلم العربي إلى أشد وثاق المحبّة مع أخيه الهندي والصيني والجاوي والكردي وغير ذلك من بقية شعوب الإسلام..)).انتهى[تاريخ الأمير علي ص44]
وتوفي في الأستانة في الثاني من رجب سنة 1336هـ.[انظر ترجمته في (الأعلام) للزركلي ، وفي (تاريخ الأمير علي)]
وأمّا ابنه الأمير عبد القادر (الحفيد) ((فقد عاش بين القبائل الرُّحَّل الضاربة في البطحاء الجرداء يُماشي هذه القبائل الجموحة النافرة بأخلاقها وأذواقها ومشاعرها ..ويُحادث كل قبيلة بلسانها ولهجتها ويقدم على تحمّل حرّ الهاجرة والقيظ طروبًا مسرورًا فرحًا كأنما هو لا يشعر بلذة مثل هذه اللذة التي تنشأ فيه من عيش البداوة والقفر.... ترك القصر وضجيجه والبيت وعجيجه ونزل في هذه البطحاء)).انتهى[تاريخ الأمير علي ص173ـ175].
وقد ذكرت في الحلقة العاشرة بعضًا من مواقفه الإسلامية ، إلى أن اغتاله رجال الكولونيل البريطاني لورنس في دمشق!
وأمّا الأمير الهاشمي بن عبد القادر فغادر دمشق بعد وفاة أبيه ووصل إلى الجزائر وكان مصدر قلق للسلطات الفرنسية المحتلة ووضعوه في إقامة جبرية ، وكان لولده الأمير خالد الدور الأكبر في تأسيس حركة التحرر الوطنية الجزائرية وإظهارها إلى الوجود. [انظر الثورة الجزائرية في عامها الأول للدكتور محمد العربي الزبيري ص70]
وأمّا الأمير عبد المالك فقد التحق بالمجاهدين في المغرب وقُتِل هناك سنة 1343هـ = 1924م .
قال عنه الزركلي في الأعلام : ((عبد المالك بن عبد القادر بن محيي الدين الجزائري: مجاهد كان مع أبيه في المشرق. ورحل إلى المنطقة الخليفية بالمغرب، لمناوشة الدولتين الفرنسية والاسبانية.
وظل يقاوم ويحرض الناس على الجهاد إلى أن قتل في قبيلة "بني تنزين" من الريف برصاصة من بعض الأعداء ونقل إلى تطوان ودفن فيها)).انتهى [ترجمته في الأعلام ، والذيل التابع لإتحاف المطالع ـ خ]
وأمّا الأمير الشاب عمر فقد شنقه جمال باشا السفّاح لأنّه كان يُعارض سياسة التتريك ومحو اللسان العربي ، وينتقد جمعية الاتحاد والترقي وجماعة حزب تركيا الفتاة! وقد أثنى عليه العلاّمة السلفي محمد بهجة البيطار في جملة الذين شنقوا في ذلك اليوم.
كل هؤلاء ترجم لهم الأمير شكيب أرسلان ، وهو سياسي مخضرم ويعرف رجالات الماسون ويذكرهم ، ومع ذلك لم يصف أحدًا من أبناء الأمير بالماسونية!! والأمير شكيب على صلة قوية بأبناء الأمير. [انظر حاضر العالم الإسلامي 2/172] ؛ وكذلك ترجم لهم (عدا الهاشمي وعمر) المؤرّخ السياسي الكبير الزركلي في الأعلام ، ولم يذكر أنّهم انتسبوا إلى الماسونية! مع أنه في موسوعته يذكر المنتسبين إلى الماسونية.
وترجم لهم مؤرخون آخرون أيضًا ولم يذكروا عنهم مسألة الماسونية ، ونحن إذا نظرنا في سِيَرهم فلا نجد أي شيء ينسجم مع الفكر الماسوني!
وأمّا أحفاد الأمير فلم يُذكر أنّ أحدًا منهم انتسب إلى الماسونية سوى الأمير سعيد وليس الأمر كما يُظن وقد بيّنا شيئًا من سيرته فيما سبق وسيأتي المزيد عند حديثنا عن الماسونية . وقد سجّل لنا التاريخ رجالاً منهم كانوا من المجاهدين والشهداء أمثال الأمير عز الدين والأمير عبد القادر الحفيد ، وكان منهم علماء أمثال الأمير جعفر عضو المجمع العلمي بدمشق وقد أثنى عليه كثيرًا العلاّمة محمد كرد علي المشهور بطعنه في الماسونية ورجالها . وكذلك الأمير عبد المجيد أمين المكتبة الظاهرية. والحديث عن أحفاد الأمير وذريته يطول وليس هذا محلّه ، المهم أنّ الطعن فيهم واتهامهم بالماسونيّة دون دليل واضح أو برهان لا يجوز.
ثم يعود صاحب (فك الشفرة) ، فيقول :"وقد كان الأمير عبد القادر ـ خلال وجوده في الشام ـ دائما ما يفزع الى القنصلية الفرنسية عند تعذُّر بعض مهامه ، بل و كذلك في شئونه (كذا)الخاصة كما مرَّ بنا ، فقد كانت هناك علاقة وطيدة بينه وبين الدولة الفرنسية الاستعمارية".انتهى
وأقول : بعد هذا الاتهام الشنيع ، ألا يجد الأخ الكاتب نفسه بحاجة لإيراد دليل واحد على الأقل ليثبت صحة ما يدّعيه؟ فمن أين له أنّ الأمير كان يفزع إلى القنصلية الفرنسية لتحل له مهامه وشؤونه الخاصة أيضًا!
ثم يضرب لنا مثالاً على دعواه فيقول :"فقد تمت وساطة فرنسية لدى الباب العالي للسماح للأمير عبد القادر بالإقامة في الشام".انتهى
مرَّ معنا سابقًا قول صاحب (فك الشفرة) أن الأمير خرج من سجنه في فرنسا ليمر مرورًا باسطنبول في طريقه إلى دمشق . وبينتُ في حينها بطلان كلامه (فالأمير لم يكن في طريقه إلى دمشق ولم يكن هذا في باله ، وإنما اتجه من اسطنبول إلى بروسة وبقي فيها ثلاث سنوات) . وهو الآن يناقض نفسه فيقول إن هناك وساطة جرت لينتقل الأمير من تركيا إلى دمشق .
وقد بيّنتُ لكم سابقًا القصّة كاملة كما ذكرها المؤرخون الثقات وهي أنّ السلطان العثماني هو الذي تدخّل لدى إمبراطور فرنسا ليسمح بانتقال الأمير من "بروسة" في تركيا إلى دمشق وليس العكس . لأنّ السلطان هو الذي تكفّل بالأمير وكان الاتفاق بينه وبين نابليون الثالث على أن يقيم الأمير في "بروسة" ، فلمّا أراد السلطان أن ينتقل الأمير إلى دمشق ، أعلم نابليون بذلك وجرى الانتقال بعد موافقته.
ثم يضرب الكاتب مثالاً آخر فيقول :"فأثناء إقامته في منفاه في سوريا كان الأمير عبد القادر كثيراً ما يتدخل لانقاذ المسيحيين ((العملاء لفرنسا والجواسيس لها ضد المسلمين))".انتهى
وهنا أيضًا الاتهام دون أية بيّنة أو برهان! من أين يأتي بهذه الاتهامات؟ ولماذا لا يذكر لنا تلك الحوادث ومَنْ ذكرها؟ ومن هم الجواسيس والعملاء المسيحيين الذين أنقذهم الأمير؟
وهكذا نرى بوضوح سقوط هذه التهمة .
قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58]
ثم يعود الأخ الكاتب إلى التهمة القديمة التي بدأ بها مقاله ، وهي تهمة العمالة السافرة لفرنسا والعمل على تمزيق الدولة الإسلامية . وقد بينتُ سقوط هذه التهمة سابقًا فلا أطيل بشرحها ، ولكنني أكتفي بتذكير الإخوة القراء بأنّ الأمير هو الذي حافظ على كيان دولة الخلافة الإسلامية العثمانية وخرّب المخططات الأوربية لتفكيك تلك الدولة ، فهو الذي صدّ الأسطول الفرنسي الذي نزل بميناء بيروت سنة 1860م لاحتلال بلاد الشام وفصلها عن تركيا . فردّه الأمير بحنكته وصدق فعاله ، فعاد الأسطول الفرنسي خائبًا ذليلاً ، لكن ليعود مرّة أخرى لينفذ مخططه الماكر والخبيث ، وذلك سنة 1920م ، وبذلك يكون الأمير قد أخّر تمزيق الدولة العثمانية ستين سنة!! ؛ 23سنة في حياته و37 سنة بعد وفاته!! (وسيأتي معنا في الحلقة القادمة تفصيل ذلك كله وبيانه إن شاء الله).
ويستدل صاحب (فك الشفرة) على فرية العمالة لفرنسا بقول التميمي :((إننا لانعرف ولا وثيقة واحدة صادرة عن الأمير تشجع الحركات الانتفاضية في بلاده (الجزائر) ، أو على الأقل مساندته المعنوية لعدد من الزعماء الجزائريين الذين أبلو البلاء الحسن حتى آخر رمق من حياتهم. بل إن الأمير ذهب لاحترام وعده إلى حد التنكر لابنه محي الدين الذي تحول سراً إلى الجزائر لانقاذ البلاد من فرنسا سنة 1870)).انتهى
وأقول : إنّ الاعتماد على قول التميمي لا يرفع عن الكاتب المسؤولية .
إن التميمي مؤاخذٌ فيما يقول ـ وهو متحامل على الأمير ـ فإنّ عدم معرفته بأي وثيقة صادرة عن الأمير تشجع الثوّار ، لا يعني عدم وجود هذه الوثائق ، وإنما يعني جهله بها ، وإن عدم اطلاعه على حقيقة موقف الأمير من الحركات الانتفاضية في الجزائر لا يسمح له بالتدخل في باطن الرجل! وكان الأولى به أن يقف عند حدود معرفته لا أن يتخرّص ويُعرّض بالأمير!!
ثم عن أية وثائق يتحدث؟ والإدارة الاستعمارية الفرنسية لم تترك لنا أي وثيقة صحيحة يُرجع إليها!
وإنما هم يُفرِجون عن بعض الوثائق التي لا تخدم تاريخنا ، أو يروّجون لوثائق مزيفة ومزوّرة .
ولمن يريد الاضطلاع على شيء من هذا فأحيله على كتاب (المقاومة الجزائرية تحت لواء الأمير عبد القادر) للأستاذ إسماعيل العربي من الصفحة 150 إلى الصفحة 155 ؛حيث تحدث عن كيفية تزوير الفرنسيين للوثائق الجزائرية في الأرشيفات الفرنسية وذلك عندما كان في باريس يجري بعض أبحاثه سنة 1950م ؛ يعني قبل استقلال الجزائر!!
وللعلم فإن اسم الأمير ورد في عدّة وثائق تتعلق بثورة بلاد القبائل سنة 1857م ، وثورة أولاد سيدي الشيخ سنة 1864 و1881م ، وثورة 1871م ؛ وكانت السلطات الفرنسية في الجزائر تتوجس من الأمير خيفة وكانت تصرّح بأنه على صلة بأهل الجزائر من الثوار وغيرهم. [انظر (حياة الأمير عبد القادر) ترجمة سعد الله ص25] ، ولذلك كانت الحكومة الفرنسية مصرَّة على منع عودة الأمير إلى الجزائر إلى أن مات . ومع ذلك فإنّ الكتّاب الفرنسيين صاروا يروّجون أن الأمير لم يكن راضيًا عن بعض الثورات وخصوصًا ثورة 1871م ، لكي يوقفوا تأسّي الشعب الجزائري بسيرة ونضال الأمير عبد القادر الذي بقي اسمه ونضاله ومواقفه موردًا ينهل منه المقاومون الجزائريون وقوة معنوية تحفّز إرادتهم وهمّتهم ؛ كما يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله.[المرجع السابق ص25]
وعلى كل حال فإن الوثائق التي لم يطلع عليها التميمي اطلع عليها المؤرّخ الدكتور يحيى بوعزيز؛ ونشرها في كتابه (كفاح الجزائر من خلال الوثائق) ، ونجد فيها ما يردُّ على التميمي والمعتمدين على كلامه.
فمن ذلك أن الدكتور بوعزيز ذكر في كتابه السابق ص347 تحت عنوان : (وثائق جديدة عن موقف الأمير عبد القادر والدولة العثمانية من الثوار المقرانيين عام 1871م) وهو يرد على المزاعم الفرنسية التي تقول أن الأمير كان مستنكرًا لثورة المقرانيين . فقال ص349 : ((إننا لم نلاحظ ، فيما عثرنا عليه من رسائل الأمير ، على ما يدل على غضبه عن المقرانيين ، بل على العكس ، فإنه أبدى عطفه عليهم بعد محنتهم الكبرى عام 1871م وما بعده ، عندما هاجروا بجموع غفيرة إلى تونس . وهذا يعني عدم وجاهة آراء الفرنسيين تجاه موقف الأمير نحو زعماء ثورة 1871 ، خاصة المقرانيين منهم . والدليل على أنّ الأمير لم يكن ضدهم ، ولا يحقد عليهم ، هو قيامه بمراسلة السلطات التونسية ليستوصيها بهم خيرًا بعد أن هاجروا إلى هناك . ومما ذكره في رسالته إلى الوزير التونسي رستم ، قوله : (((فإنّ ولدنا الشريف الأثيل السيد الحاج محمد بوزيد المقراني ورَدَ علينا بالديار الدمشقية المحروسة ... ثم المأمول من السيادة أن تستوصوا خيرًا بولدنا المذكور ووالده وإخوته ، وأن تلاحظوهم بالمساعدة فيما يعرض لهم من الأمور وأن لا تقطعوا على المهاجرين كافّة ما تعوّدوه من إحسانكم وتواصل أفضالكم))) .
وفي رسالة أخرى إلى الوزير خير الدين قال له : ((( .. وإنه بلغنا وصول الفئة المقرانية وأولاد يلّس إلى الحاضرة ملتجئين إلى سطوتك التي هي أقوى ما يشد به الملتجئ أزره ، ويعضد أمره ، وهم في هذا لا شك مصيبون في اجتهادهم ظافرون بنجاح مرادهم وكيف لا وقد أمّوا دولةً لم تزل ولا تزال مأوى القاصد وملجأ الوارد .... ومع ذلك فلا نخلّي كتابنا هذا من تقديم الرجاء إلى مقامها الأسما والتوصية النافعة إلى جنابك الأسنى بأن تشملهم بلحظة تخلصهم من غوائل الدهر وتنقذهم من شرك الكدر والقهر))) ولم يكتف بهذا الاقتراح والتوصية فطلب منه ، فيما إذا كانت الظروف غير مناسبة بتونس ، قائلاً : ((( وإلاّ فأشيروا عليهم بالتوجه إلى هذه الأقطار عسى الله أن ييسر عليهم فيها بلوغ الأوطار))) ، واستوصاه خيرًا بعد ذلك بمن دعاه : (((عوض ولدنا السيد مصطفى العقبي))).
وفي رسالته إلى الوزير خزندار عبّر عن نفس الرغبة في الاعتناء بالفئة المقرانية ، وأولاد يلّس ، ورعاية عوض ولده مصطفى العقبي ، أو توجيههم جميعًا إلى الديار الدمشقية .
ويتابع الدكتور بوعزيز قائلاً : إن هذه الرسائل دليلٌ واضح على أنّ الأمير عبد القادر يعطف على المقرانيين ، وأن معارضته لابنه خلال ثورة هؤلاء لم تكن بسبب كرهه لهم أو مواقف بعضهم ضده خلال ثورته في صدر الاحتلال . وما أحوج تاريخ الجزائر إلى إبراز كل وثائقه الوطنية ونشرها من أجل تصحيح مثل هذه المواقف والآراء المتحيزة ، والمغرضة ، التي ما انفكّ الكتّاب الفرنسيون يبدونها ويسجلونها حتى مسخوا تاريخ الجزائر مسخًا لا نظير له في تاريخ الشعوب الأخرى ، وخاصة فترة الكفاح الوطني خلال القرن التاسع عشر)).انتهى [(كفاح الجزائر) ص349 ـ351]
وبهذا يظهر بوضوح سقوط التهمة التي يروج لها صاحب (فك الشفرة) بالاعتماد على كلام التميمي!
والوثائق التي كان يطالب بها قد ظهرت والحمد لله ، فهل سيرجع عن اتهامه للأمير؟
وأحب أن أضيف إلى تلك الوثائق وثائق أخرى هي في حوزتي ، وفيها بيان بالمرتبات الشهرية التي كان يخصصها الأمير لآل المقراني في دمشق وذلك بعد هجرتهم إليها بعد محنتهم وفشل ثورتهم في الجزائر ، فهل يُعقل أن يكون الأمير غير مؤيد لثورتهم ثم هو بعد ذلك يوصي بهم خيرا ، ليس هذا فحسب وإنما يلجؤون إليه ويلوذون به؟ ونحن على علاقات طيبة معهم إلى يومنا هذا.
وأمّا ما زعمه التميمي ونقله عنه كاتب (فك الشفرة) وغيره ، مِنْ تنكّر الأمير لذهاب ابنه محيي الدين للمشاركة في الثورة على فرنسة في الجزائر. فهو أيضًا غير صحيح. وما ذكرناه آنفًا من عطف الأمير على المقرانية ومساندته لهم وتوصية الوزراء في تونس بهم ، وهم الذين انضم إليهم ولده محيي الدين ، لأكبر دليل على أنّ الأمير ليس معارضًا للثورة ولا لمشاركة ابنه فيها من حيث المبدأ.
وتفاصيل القصّة رواها لنا العلاّمة عبد الرزاق البيطار في كتابه (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر) والبيطار صديقٌ حميم لمحيي الدين وفي الوقت نفسه هو من خواصّ الأمير عبد القادر ، إذن هو أدرى الناس بتفاصيل هذه القصّة . وهو لم يذكر أن الأمير استنكر ذهاب ابنه أو غضب عليه! ولم يلمح إلى ذلك أبدًا.
المهم في الموضوع أنّ العلاّمة البيطار بعد سرده لقصة توجه السيد محيي الدين إلى الجزائر ومشاركته في ثورة 1288هـ (1871م) ، وتمكن الجيوش الفرنسية في النهاية من السيطرة على الوضع قال : ((والتمست دولةُ فرانسا من حضرة والدِه إرسالَ أمرٍ ونصيحةٍ له)).انتهى
إذن فرنسا طلبت من الأمير أن ينصح ولده ويأمره بالعودة! وذلك تطبيقًا للمعاهدة التي بين الأمير ونابليون الثالث والتي تنصّ على عدم عودة الأمير أو أحد أبنائه إلى الجزائر للمشاركة في أي قتال.
ومن الوثائق التي أوردها الدكتور يحيى بوعزيز ، رسالة أرسلها الأمير عبد القادر إلى ابن عمّه الطيب بن مختار قاضي مدينة معسكر . وقد أثبت نصّها في كتابه كفاح الجزائر ص279، وإليكم النص :
(((الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم.
ابن عمّنا العلاّمة سيدي الطيب ابن المختار قاضي معسكر حفظكم الله ورعاكم ومن كل مكروه حماكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فقد وصلنا مكتوبكم المؤرّخ بأواخر ذي الحجة وحمدنا الله على عافيتكم وكمال الخصب في مواطنكم . ثم اعلمْ أنه بلغني أن محيي الدين ظهر في نواحي الصحراء الشرقية مع أنني لم آذن له إلاّ في الإسكندرية ونواحيها بقصد تغيير الهواء لما كان لازمه من أنواع الأمراض فاحذروا متابعته وحذروا الأحباب منه فإنه محضُ عبث ؛ والعاقل من اتعظ بغيره ، وتثبت في جميع أموره ، فقد ألقى بنفسه فيما يؤول به ما لا خير فيه. إنا لله وإنا إليه راجعون
يُغمى على المرء في أيّام محنته *** حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسنِ
والسلام . أخوكم عبد القادر في 20 محرم الحرام 1288))).انتهى
وأريد أن أنّبه إلى أمر هام وهو أنّ الكيفية التي اعتمدها الأستاذ بوعزيز لقَبول الوثائق هي ـ وياللأسف ـ كيفية لا تعتمد على أصول بحثية علمية في التوثيق (كمطابقة الخط وكشف التزوير ، ومعارضة الوقائع الصحيحة لها أو اتفاقها معها). لذلك علينا أن نكون حذرين من قبول أي معلومة فيها إذا لم تعضدها قرينة صحيحة.
ومع ذلك فإننا إذا نظرنا في هذه الرسالة نجدها منسجمة مع ما قاله البيطار من أن فرنسا طلبت من الأمير أن يرسل لولده طلب نصيحة وأمر بالعودة ، وكذلك نجد أن أسلوب الكلام فيها مشابه لأسلوب الأمير . ومضمونها : أنّ الأمير لم يأذن لولده بالذهاب إلى الجزائر ، وهو بذلك ينبّه إخوانه وأحبابه في الجزائر أنّ محيي الدين ليس أهلاً لاستلام قيادة حرب ، وأنّه مريض ، ولا خبرة له في القتال . (وهذا من حق الأمير أن يقوله ؛ تمامًا كما فعل والده من قبل سيدي محيي الدين بن مصطفى عندما أشار على الناس في الجزائر بمبايعة ابنه عبد القادر لما رأى فيه من القوة والحنكة والشجاعة). وليس في كلام الأمير أي اعتراض على محاربة فرنسة أو الثورة عليها! وإنما اعتراضه على جعل محيي الدين قائدًا لتلك الثورة . ولذلك يمكننا مبدئيًا تصديق هذه الرسالة ريثما يجري التحقق من ثبوتها .
في حين أنّ باقي الرسائل التي أثبتها الأستاذ بوعزيز لا يمكن القَبول بها أبدًا والتزوير فيها مُفتضح ، وظاهر كل الظهور. وفيها الوثيقة التي اعتمد عليها عبد الجليل التميمي في اتهامه للأمير بتأييد فرنسة والتخلي عن ابنه. وقد قال الدكتور أبو القاسم سعد الله عن هذه الوثيقة : ((والوثيقة المنسوبة إليه (يعني الأمير) قد تكون مزورة لخدمة أغراض داخلية)).انتهى [حياة الأمير ، ترجمة سعد الله ص25] .
ومن الأسباب التي تدعونا لرفض هذه الرسائل ، وتُثبت تزويرها :
1ـ هذه الرسائل موجهة إلى القناصل الفرنسيين بدمشق وطرابلس الغرب يُعْلِمُهم الأميرُ فيها أن ابنه محيي الدين قد توجّه إلى الجزائر .
وهذا خلاف المصادر التاريخية التي أثبتت أن القنصل الفرنسي هو الذي أبلغ الأمير بتوجه ابنه إلى الجزائر ، وأنّ الحكومة الفرنسية هي التي طلبت من الأمير أن يأمر ولده بالعودة.
2ـ إن مضمون تلك الرسائل فيه سبٌ ودعاء على ولده محيي الدين بل وفيها يتمنى موته ، ويتبرأ منه إلى درجة أن لا ينسبه إليه!!
3ـ الكلام في تلك الرسائل يوحي أن جميع القبائل الجزائرية كانت راضية بالحكم الفرنسي وأن محيي الدين هو الذي جاء ليؤلّبها على فرنسة! وطبعًا هذا غير صحيح. وإنما هو دليل على أنّ الكاتب لهذه الرسائل إنما هي الحكومة الفرنسية!
4ـ إن أسلوب الكلام في جميع تلك الرسائل عامّي ومفكك وفيه تعابير أوربية (فرنسية مترجمة) ، وإذا قارناه بأي رسالة ثابتة للأمير نجده لا يشبه أسلوب الأمير مطلقًا. بل ولا يرقى إليه ، وإنما صِيغ بقلم فرنسي مقيم في الجزائر.
5ـ في الرسالة الأخيرة نجد فيها أن الحكومة الفرنسية هي التي تتوسط لدى الأمير ليصفح عن ولده!!! وفيها معلومات غير صحيحة ومخالفة للواقع . (وتأمّلوا في هذه المهزلة صارت الحكومة الفرنسية هي التي ترجو من الأمير أن يسامح ابنه الذي ذهب للمشاركة في الثورة عليها ومجاهدتها ، يعني فرنسا راضية عن فعل محيي الدين والأمير هو الغاضب!أرأيتم إلى هذا السقوط في التزوير!!)
وإليكم بعض النماذج :
1ًـ في الرسالة المزعومة والموجهة إلى قنصل فرنسة بدمشق جاء فيها : ((...فإذا استحسنتم جنابكم تتخابرون(كذا) مع الوزير فإذا أحسن عنك (كذا) مساعدته (كذا) أكتب (كذا) مكاتيب خصوصية لكل قبيلة من القبائل الذين (كذا) مع المفسد (كذا) بعد أن يعرفوني (كذا) أين هو وأسماء القبائل هم (كذا) عندهم (كذا) ليتحقق الناس أنني بريء منه ومن عمله)). انتهى [كفاح الجزائر ص279]
أرأيتم إلى هذا النص المقطع الأشلاء والركيك. أيُعقل أن يكتب شخص عربي كلامًا كهذا؟
فما بالكم بالأمير العالم والأديب والشاعر؟
2ً ـ جاء في النداء المزعوم من الأمير إلى سكان الجزائر : ((إن ولدنا التعيس (كذا) محي(كذا) الدين قد تجاسر من مدة (كذا) وذهب ضد (كذا) إرادتنا إلى نواحي المغرب وبمقتضى (كذا) ما بلغنا أنه اتحد مع بعض الأشقياء وشرعوا في زرع الفساد وعمل الحركات في جهات (كذا) حكومية (كذا) قسنطينة التي من شأنها سلب راحة الأهالي ......وعليكم أن تردعوا جهالكم من موافقته وعدم المداخلة (كذا) في عمل أو هيجان (كذا) وأن تحرضوهم على الخضوع لأوامر الحكومة الفرنساوية التي تحسب (كذا) سيادتها قد وطدت الراحة التامة في بلادكم وكثرت ثروتكم ورفعتكم إلى أعلى درجة من المجد والترقي محترمة شرائعكم الدينية وعظمة نبيكم وكتابكم . والذين يتجاسرون على المساعدة في سلب الراحة وإلقاء البلاء بل (كذا) يستحقون غضب الله لأنه يكره الشر ويحب الخير..)) انتهى [كفاح الجزائر ص280]
وكأننا نقرأ كلمة لقسيس في كنيسة فرنسية في الجزائر ، سواء من جهة التراكيب الدينية أو التراكيب اللغوية ، أو من جهة إظهار فرنسة بأنها راعية للدين الإسلامي . ونحن نعلم كيف كانت الأوضاع في الجزائر في ذلك الوقت من هدم للمساجد أو تحويلها إلى مستودعات واصطبلات وكنائس ، ومحاربة الدين ونشر التنصير!! وهذه الرسالة لم تمهر بختم الأمير في النهاية!!! ولم يوضع لها تاريخ محدد كالعادة في سائر الرسائل!! وقد لاحظ الدكتور بوعزيز هذه الأشياء وأشار إلى بعضها في النص.
3ً ـ جاء في الرسالة المزعومة من الأمير إلى وكيل قنصل فرنسا بدمشق : ((فنقول إننا مصممين (كذا) ألا نراه مدة حياتنا قط (كذا) وذلك ليس فقط في بيت واحد بل كنا معتمدين(كذا) على أننا لا نوجد معه (كذا) في مدينة واحدة ولذلك أطردنا (كذا) من دارنا حريمه وأولاده!! ...... والحالة المزعجة الموجود هو بها الآن (كذا) عرفوه (كذا) جرم الجنون الذي ارتكبه ونتأمل أن يكون ذلك كفالة له في المستقبل (كذا) ، ولا حراعة (كذا) لنا لإطالة الشرح إذا (كذا) أننا مخجولين (كذا) من تصرف محي (كذا) الدين الخبيث ...)).انتهى [كفاح الجزائر ص281]
وهنا أيضًا نرى بوضوح التحطيم الإعرابي وسقامة النص العربي والأخطاء الإملائية . إضافة إلى المعلومات الخاطئة ففي الرسالة قرأنا أن الأمير يقول أنه طرد حريمَ وأولاد ابنه محيي الدين!!
وهذه سقطة كبيرة من مزوِّري هذه الرسائل ، بها انفضح أمرهم وانكشف باطلهم وتزويرهم وكذبهم؛ فمن المعلوم والثابت أن السيد محيي الدين لم يكن له أي زوجة أو أولاد عندما سافر إلى الجزائر ليلتحق بثورة 1871م ، وإنما تزوج بعد عودته!! وتأخّر إنجابه للأولاد.
ولكن غاب هذا عن المزورين ، ففضحهم الله!! وهذا أكبر دليل وبرهان على بطلان تلك الرسائل وسقوطها ، ولا يمكن أن تعدّ من الوثائق ولا يُبنى عليها حكم!
ثم إذا لم يستح مزوّر هذه الرسالة من قوله إن الأمير طرد زوجة ابنه وأولاده من داره؟! فكيف يقبل مؤرّخ جزائري مثل هذا الكلام؟! والأمير كان يصفح ويسامح الذين خانوه في الجزائر ويضمهم إلى جواره وينفق عليهم!
ويزعمون أنّ كل هذا الغضب من الأمير على ابنه لأنه ذهب وشارك في ثورة 1871م ، ومرَّ معنا آنفًا كيف كان الأمير يوصي الوزراء في تونس بآل المقراني خيرًا وهم الذي أشعلوا ثورة 1871م!!
وكذلك استضاف الأمير آل المقراني ؛ الذين هربوا من الجزائر بعد ثورتهم ؛ في دمشق وأكرمهم وكان ينفق عليهم! فما هذا التناقض؟ كيف يغضب الأمير على ابنه لمشاركته في الثورة ، ثمّ هو يكرم زعماء الثورة ويوصي بهم خيرًا ويكتب الرسائل والتوصيات ويرسلها ، دون أن يخشى من فرنسة وجواسيسها؟ أفلا تعقلون؟!!!!
أظن أنّ ما ذكرته فيه الكفاية لبيان سقوط تلك التهم . وأسأل الله تعالى أن يرزقنا السداد ويلهمنا الصواب.
لتحميل المشاركة على شكل ملف وورد : الحلقة الثانية عشرة من الرد على الشبهات
ولا حول ولا قوة إلا بالله
خلدون مكي الحسني
للبحث صِلة إن شاء الله
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
شكرا وبارك الله فيك اخي
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
جزاك الله كل خير عما قدمته من حجج وبراهين , أما العداء للأمير وآله فهو من العداء للوطنية وللجزائر , وكل هذه الرموز هي بالتأكيد أكبر بكثير من بعض البشر المغترين...
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد جزاك الله عنا كل خيرأُّخي فإن أمثال هذا شككو ا حتى في جمعية العلماء ونسبوا إليها ما لاينسب إلى جاهل وقل لهذا وأمثاله لن ترضى اليهود والنصرى حتى تتبع ملتهم وقل له إن عرض الأمير غالي لدى كل الجزائريين و المسلمين بل لدى كل المنصفين في العالم حتى تناله وأمثالك يا حثالة المأسونية إخسؤوا فلا قامت لكم قائمة يا أحفاد القردة والخنازير , حسبنا الله ونعم الوكيل , أخيرا إسمحوا لي فأنا لا أحسن الرد إلا بمثل هذا والسلا م عليكم ورحمة الله وبركاتة
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يا اخي الكريم جزاك الله عنا خير الجزاء.عن ردك للأباطيل التي كتبت ومازالت تكتب وتدس عن سيدي الأمير عبد القادر
وان مثل هذا الشخص هداه الله واصلح باله فهو من الذين قال فيهم ميترون اني تركت قنبلة موقوتة للجزائرين.وقد آن لهذه القنبلة ان تنفجر وهي اناس من بني جلدتنا ومع عدونا.ومعروف في تاريخ مقاومة الأمير الأقوام التي كان منها ماكان فلا داعي للذكر اسمائهم.
وللمعلومات وجدت رسالة عند شخص احضرها من متحف من اوروبا كتبها الجنرال الفرنسي الذي الق القبض على الأميرالى زوجته . وقد كتب في هذة الرسالة انهم القوا القبض على الأمير وساعدهم في ذلك اناس من بني جلدتنا سامحهم لا داعي لذكرهم وانهم موجودون به في منطقة الغزوات ومتجهين به الى وهران.
لذا يرجى من الإخوة من لديه القدرة على اظهار هذه الوثيقة وجلبها واظهار برائة الامير من هذه الأباطيل.والأمير عبد القادر انزه مني ومنك .من.....
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا ..............................