عنوان الموضوع : مصطلح شجرة النسب آدابه وأحكامه للانساب
مقدم من طرف منتديات العندليب
مصطلح شجرة النسب آدابه وأحكامهمصطلح شجرة النسب : آدابه وأحكامه
بسم الله الرحمن الرحيم
مصطلح شجرة النسب : آدابه وأحكامه
مجلة العرب التاريخ : 9/18/2016
حفظ النسب من مقاصد الشرع الشريف، وقد تنوّعت طُرقه في إثبات الأنساب، وحمايتها من عوامل الضياع والادعاء . والناظر في أحوال الناس يجد أنهم يحفظون أنسابهم بعدة وسائل وطرائق، فهناك من اكتفى بالروايات، وهناك من نحت اسمه منسوبًا إلى قبيلته على أحجار المقابر والشواهد، وهناك من ذكر المآثر والأجداد العظام في قصائد الشعر، وهناك من كتب وصنّف في أنساب قومه . ومن الوسائل القديمة وسيلة : " صنع شجرة النسب ". ما هي " شجرة النسب " ؟ وما معنى " الشجرة " في الاصطلاح ؟ ومن أول من صنع الشجرة ؟ وما آدابها وأحكامها ؟
هذه المقالة المختصرة تجيب عن شيء من تلك التساؤلات، ويحاول كاتبها من خلال جُمَلِها التأصيل لمصطلح " شجرة النسب ". وقد كانت على النحو الآتي :-
- الأصل اللغوي .
- المعاني الاصطلاحية للفظ " الشجرة ".
- الشجرة وما يرادفها عند النسابين .
- أولية التشجير في النسب لمن ؟
- التشجير صنعة لها آداب .
- آداب وأحكام في صنع الشجرة .
- خطوات عمل الشجرة .
- الفروق بين المبسوط والمشجر في النسب .
- حكم العمل بالشجرات ؟
- الأصل اللغوي :-
جاء في القرآن الكريم : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ْ . وقوله : لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، وقوله : وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ، وغير ذلك من المواضع .
قال / ابن فارس : " الشين والجيم والراء أصلان متداخلان، يقرب بعضهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخل الشيء بعضه في بعض، ومن علو في شيء وارتفاع " أهـ (1).
وفي لسان العرب : " ويقال : فلان من شجرة مباركة، أي من أصل مبارك " (2). وفيه أيضًا : " والمشجَّر من التصاوير : ما كان على هيئة الشجر؛ وديباجٌ مشجّر : نقشه على هيئة الشجر ". أهـ (3).
وورد في السنّة المشرّفة ما يدلّ على تمثيل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم للإنسان بالخط على الأرض، ودليل ذلك ما رواه / البخاري في صحيحه عن / عبدالله بن مسعود قال : " خطّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلّم خطًّا مربّعًا، وخطّ خطًّا في الوسط خارجًا منه، وخطّ خططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال : " هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أو : قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا " (4).
وورد في السنّة المطهّرة أيضًا ما يدلّ على تشبيه الإنسان ببعض أنواع الشجر، فورد تمثيل المؤمن بـ " النخلة "، و " خامة الزرع "، وورد تمثيل الكافر والمنافق بـ " شجرة الأرز "، و " الريحان "، وغير ذلك من الآثار .
وذكر / أحمد تيمور في معجم الألفاظ العامية أنّ العامة، تقول للشجرة : " سجرة، ولكنها تطلق الشجرة على الحشيش كناية، ويقولون : فلان بيشجَّر، أي : يدخّن الحشيش؛ كأنهم جعلوه اسمًا بالغلبة " (5).
- المعاني الاصطلاحية للفظ " الشجرة " :-
توارد جمع من أرباب الفنون والمعارف على استخدام هذا اللفظ وما يقاربه، ليدللوا به على معانٍ تخصهم . من أولئكم : معاشر النسابين، والشعراء، والصوفية، والأطباء . والاستعمال عندهم لمصطلح " شجرة النسب " على النحو الآتي :-
1- مفهوم " الشجرة "، و " المشجر " عند النسابين :-
تقدّم أن " ش ج ر " أصلان متداخلان يدلاّن على : تداخل، وارتفاع . ومن هنا حكى بعضهم أنّ مأخذ " التشجير " مأخوذ من : " السبط "، وهو : ضربٌ من الشجر، فجعل الأب الذي يجمعهم كالشجر الذي يتفرع عنه الأغصان الكثيرة، ولذلك ينقش شكل الشجر في الأنساب "، قاله / ابن فندق البيهقي (6).
ومع أنّ الشجرة تستخدم في ألفاظ وكلام النسّابين كثيرًا، إلا أنني لم أعثر على مَن عرّفها تعريفًا اصطلاحيًّا، فكأنهم اكتفوا بما هو متقرر من معناها اللغوي . ويمكن للمرء أن يقول " شجرة النسب " : ورقة مفردة في نسب قوم ما دون غيرهم، منسوبين إلى رجل واحد، فرعت أنسابهم من أعلى أو أسفل على هيئة شجرة أو ما يشبهها، يتبين من النظر فيها اسم كل فرد وعقبه، وكيفية اتصال نسبه بذلك الرجل المنسوبين إليه .
وقد يطلق على " الشجرة " أنها : " كتاب "، كما وقع في كلام / أبي حامد الغزالي في فضائح الباطنية (7)، وكما في اللباب (8) لــ / ابن الأثير، حيث نصّا على : " كتاب الشجرة "، لما ذكرا نسب / إسماعيل بن جعفر، وربما قصدا " المشجر "؛ لأنه على هيئة كتاب، وسيأتي الحديث عنه بعد قليل .
وقال بعضهم : إنّ طريقة أهل الشام والحجاز في كتابة الشجرة من أعلى إلى أسفل، وأهل العراق بالعكس (9). والمعروف من عادة أهل الحجاز في شجراتهم القديمة والحديثة أنها من أسفل إلى أعلى . وقد اطلعت على بعض الشجرات الحديثة لأهل فلسطين وغيرها من بلاد الشام، فرأيتها من أعلى إلى أسفل، فيبدو أنّ هذا من عادة أهل الشام فحسب، على أنها مخالفة للأصل اللغوي لمادة " شجر "، إذ الشجر ينبت من أصل إلى أعلى لا العكس .
تنبيه : المقصود من الشجرة عند معاشر النسّابين وصل الأسماء من أسفل على أعلى بـ : " ابن "، ثم يذكرون الأسماء، هذا هو المتبادر، وهو الذي يوجد في شجرات النسابة، كشجرة أبي قناع، وشجرات الزبيدي وغيرهما، ولا يرسمون أوراق الشجر مجردة، ويضعون فيها الأسماء، كما هي عادة كثير من العصريين؛ فهذا خلاف عمل المتقدمين، والأَولى متابعة مَن تقدّم، فإنّ إثبات لفظ " ابن " مِن سُنن العرب، وترْكها من عادة العجم، فلا ينبغي ترْكها في كتابة الأنساب .
وبسبر كلام متقدّمي النسابين نجد ألفاظًا مقاربة للفظ " الشجرة "، وهي تحتاج إلى تبيين وتوضيح لضرورة ضبط الاصطلاح . فمن ذلك :-
1- جريدة النسب : كقولهم - مثلاً - في جرائد العلوية (10) : " جريدة الري "، و " جريدة نيسابور "، و " جريدة طبرستان "، و " جريدة أصفهان "، و " جريدة الكوفة العتيقة " (11)، و " جريدة البصرة العتيقة " (12)، و " جريدة شيراز " (13)، و "جريدة بغداد " (14). واستعمل هذا اللفظ حتى أصبح للحمام : " دفاتر بأنسابها، كأنساب العرب ". وقد بالغ العبيديون القرامطة في العناية بالحمام حتى " أفردوا له ديوانًا وجرائد بالأنساب ".
وهذه الجرد يحتمل أن تكون على هيئة " الديوان " - إذا اعتبرنا الأصل اللغوي لمادة " جرد " - فهي إثبات مجرد لأسماء من ينتسب إلى فلان وأسماء آبائهم كما في " ديوان الجند "، و " ديوان عمر "، ونحو ذلك . وفي كلام بعضهم ما يشير إلى أنّ هناك فرقًا بين " الجريدة "، و " الشجرة " (15). وهذا هو المناسب لمعنى مادة " جرد "، فإنّ " الجيم والراء والدال أصل واحد، وهو بدو ظاهر الشيء حيث لا يستره ساتر ... " (16)، فتكون " جريدة النسب " إذًا كالديوان الذي تسجّل فيه الأسماء ظاهرة، فتعرف من أولها، فلا تحتاج إلى نظر خاص، كما يحصل لمن ينظر في " الشجرة "، فإنه يحتاج أن ينظر في الأصول والبطون ويتابع تسلسلها لمعرفة مكان شخص ما فيها .
ولهذا يذكر النسّابون في " جرائدهم " بعض أسماء مَن لا يتحققون أمره، لكنهم لا يثبتونه في " المشجرات " (17).
وقد يسمّي بعض النسابة مشجراتهم بديوان النسب، وهم إنما يعنون " الشجرة "، ولكن هذا قليل فيهم، ولم أجده إلاّ لــ / أبي القاسم علي بن الحسن بن محمد بن علي بن أبي جعفر محمد بن علي المرتضى، فإنه ألّف مشجرة سمّاها : " ديوان النسب "، نقله / ابن عنبة عن / ابن معية في عمدة الطالب (18).
2- مُشَجَّر النسب : يحلى باللام أحيانًا، فيقال : " المشجر في النسب ". وهو إما أن يكون تأليفه ابتداءً على هيئة مشجّر، أو أن يعمد أحد النسابين إلى كتاب مبسوط في النسب، فشجره (19).
وجرت العادة عندهم أن يكون - الشجر - على هيئة كتاب، حتى ربما وصل إلى مجلدات، يتصل الخط فيها، في أعلى أول صفحة بالصفحات التي تليها حتى يصل إلى آخر الكتاب . قال / ابن الطقطقي : " المشجر الضابط فيه أن يكون بـ : " ابن " متصلة بالنون كيف تقلبت بها الحال في جهاتها الست (20)؛ وربما امتدت الخطة الواحدة في مجلدات كثيرة فما سلم اتصالها بالنون فليس بضائر اختلاف أحوالها ... " أهـ .
3- المبسوط : وهو كتاب منثور في النسب، كـنسب قريش للزبيري، ونسب ابن الكلبي، وجمهرة النسب لابن حزم، وعمدة الطالب لابن عنبة، وأمثال ذلك . وسيأتي الفرق بينه وبين المشجّر .
وقد انتفع بطريقة التشجير هذه، فألَّف الشيخ / أحمد أبو الخير المكي مشجّرًا سمّاه : مشجّر الأسانيد، قال الكتاني عنه : " ذكر فيه أسانيد الكتب الستة والموطأ ومسند الدارمي والشمائل، وتنوّع أسانيده لابن حجر والحجار وابن البخاري والدمياطي والتنوخي والبلقيني وابن الجزري وغيرهم من كبار المسندين، وهو مشجّر عجيب على نسق غريب جعله دوائر، وكل دائرة يكتب فيها اسم راوٍ، ويصلها بأخرى يكتب داخلها اسم الراوي عنه، وهكذا إلى اسم جامعه الشيخ / أحمد أبي الخير، وهو عندي بخط جامعه، وهبنيه بمكة المكرمة، جزاه الله خيرًا، أرويه عنه ". أهـ (21).
وكانت من طرائق الشيخ العلاّمة المحدّث / محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله إبان تدريسه للحديث في الجامعة الإسلامية كتابته للأسانيد والمتابعات وبيان الطرق على هيئة التشجير .
2- المشجّر عند الشعراء :-
تطلق كلمة " المشجّر " (22)، ويراد بها تشجير أبيات الشعر، وهو أن يُقطّع أحرفَ اسمٍ ما على أوائل كل بيت من القصيدة، فإذا جمعت هذه الأحرف خرج لك منها الاسم المراد . وقد كثر استعماله عند المتأخرين من الأدباء والشعراء، كما هو مبثوث في كتب التراجم للقرون المتأخرة كالحادي عشر والثاني عشر .
3- لفظ " الشجرة "، و " المشجّر " عند الصوفية :-
تطلق لفظة " الشجرة " في كتب الصوفية وتصانيفهم بمعنى خاص لا يوجد عند غيرهم . وخلاصة اصطلاحهم في هذا اللفظ تعود إلى مفهوم " الحقيقة المحمدية "، ومعنى " الإنسان الكامل "، وهي بهذا المعنى من آثار الباطنية، وزنادقة الصوفية . وقد قالوا في تعريف " الشجرة "، هي : " الإنسان الكامل، مدبر هيكل الجسم الكلي، فإنه جامع الحقيقة، منتشر الدقائق إلى كل شيء، فهو شجرة وسطية، لا شرقية وُجُوبية، ولا غربية إمكانية، بل أمرٌ بين الأمرين، أصلها ثابتٌ في الأرض السفلى، وفرعها في السماوات العلى، أبعاضها الجسمية عروقها، وحقائقها الروحانية فروعها، والتجلي الذاتي المخصوص بأحدية جمع حقيقتها الناتج فيها بسر : " إني أنا الله ربّ العالمين " ثمرتها . كذا في " الجرجاني " (23). وهو كلام أقرب إلى الألغاز منه للتعريف .
ولهذا يشيع عندهم هذا الاسم في التصانيف؛ فلابن عربي - صاحب وحدة الوجود -: " شجرة الكون "، و " شجرة الوجود والبحر المورود "، و " الشجرة النعمانية " (24). ولمحمد بن يوسف بن سعادة المرسي المتوفى سنة 565 " شجرة الوهم المترقية إلى ذروة الفهم "، ولابن فتحون " شجرة الحكمة ".
وإذا أمكن إدراك ذلك، أمكن فهم سبب استعمال بعض الناس لمصطلح " شجرة النسب " في قراءة الحظ ومتابعة النصيب، زعموا، وهو من آثار وبلايا المتصوفة .
4- مصطلح " شجرة النسب " عند الأطباء :-
جدّ عند أهل الطب في الزمن الحديث استعمال مصطلح " شجرة النسب "، وهي من نوازل العصر، ويقصدون بها متابعة أمراض الدم والوراثة، ويمكنهم ذلك من تتبّع " الأنماط الجينية ". وتوجد مجالات كثيرة عندهم لاستخدامه، من أهمها : المجال الجنائي، ومجال إثبات النسب (25).
- أولية التشجير في النسب :-
ذكر بعض النسّابين أنّ الإمام / الشافعي هو أول من وضع المشجر في النسب، ويحكون حكاية غريبة دلالة الصنعة عليها ظاهرة أنه أهدى كتابًا إلى / هارون الرشيد، وعلى أوله ما صورته : " أهديت إليك يا ابن سيد البطحاء شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وأنا أشفع إليك في ضعفاء الحاج من ركب الريح ومصع الرشيح، وكتبه / محمد بن إدريس " (26).
والظاهر أنّ هذه القصة مفتعلة على الإمام / الشافعي رحمه الله تعالى، ولقياه بــ / هارون الرشيد قد افتعل حولها كثير من القصص المكذوبة، فلتكن هذه نغمة في ذلك الطنبور .
وقد نقل / الهمداني في الإكليل " أنّ / دغفلاً السدوسي النسابة (27) ( توفي سنة 65هـ وقيل : 70هـ ) كان له كتاب التشجير " (28). ومن المشهور أنّ الإمام / محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ( 58 - 124هـ ) كان معه كتاب فيه نسب قومه . والظاهر أنه على جهة البسط كما يدلّ عليه صنيع الزبيري في النقل عنه في مقدمة نسب قريش (29)، والله أعلم .
والظاهر أنّ أولية التشجير في النسب لا تنسب لأحد، ولهذا قال / ابن الطقطقي: " فأما المشجر :-
فلم أدر من ألقى عليه رداءه
= ولكنه قد سلَّ من ماجد محض
قلت ذلك لأني لا أعرف من وضعه واخترعه ". أهـ (30).
- التشجير صنعة لها آداب :-
الأصل جواز عمل الشجرات والمشجرات في النسب بأسماء بني آدم، لأدلة منها :-
1- أنّ الأصل هو الإباحة .
2- اندراجه ضمن حفظ الضرورات الخمس التي منها حفظ النسب .
ويشترط لعملها شروط وآداب، ستأتي عند " آداب وضع الشجرات ". قال / ابن الطقطقي في كتاب الأصيلي في الأنساب : " والتشجير صنعة مستقلة، مهر فيها قوم، وتخلّف آخرون(31). فمن الحذاق فيها الشريف / قثم بن طلحة الزينبي (32) النسابة, كان فاضلاً يكتب خطًّا جيّدًا؛ قال : " شجرت المبسوط، وبسطت المشجر "، وذلك هو النهاية في ملك رقاب هذا الفن . ومن حذاق المشجرين / عبدالحميد الأول بن عبدالله بن أسامة، النسابة الكوفي، كتب خطًّا أحسن من خط العذار، وشجر تشجيرًا أحسن من الأشجار، حفت بأنواع الثمار . ومن حذاقهم / ابن عبد السميع الخطيب النسابة، صنّف الكتاب الحاوي لأنساب الناس، مشجرًا في مجلدات، يتجاوز العشرة على قلب النصف؛ قرأتُ بخطه رقعة كتبها إلى بعض الخلفاء يقول فيها : " وقد جمع العبد من المشجرات والأنساب والأخبار ما لا ينهض به جمل بازل ".
[و] المشجر الضابط فيه أن يكون بـ : " ابن " متصلة بالنون كيف تقلبت بها الحال في جهاتها الست؛ وربما امتدت الخطة الواحدة في مجلدات كثيرة فما سلم اتصالها بالنون فليس بضائر اختلاف أحوالها، ولا يجوز تراكب الخطط … ". أهـ (33).
وقال في صفات المشجر : " ومن صفاته المستحسنة، أن يكون جيّد الخط، فإنّ التشجير لا يليق به إلاّ الخطّ الحسن " (34).
وهناك فرق بين الاعتناء بالنسب وبين العلم بالنسب، فليس كل من اعتنى بالنسب، ولو لخاصة أهله، يقبل كلامه فيهم، بل لا بد أن يكون ذلك الاعتناء مما يوجب العلم بالنسب بالوسائل الشرعية . وقديمًا قيل في بعضهم : إنه كان جمّاعًا للنسب، ولكنه : " لا يحسن التشجير " (35). وقال / جمال الدين بن عنبة لما تعرّض لذكر الشريف / أبي المظفر محمد الشاعر النسابة الحسيني : " … وقفت له على مشجرة ألّفها لنقيب النقباء قطب الدين / محمد الشيرازي الرسي المعروف بـ " أبي زرعة "، فوجدت فيها أغلاطًا فاحشة، وخطًّا منكرًا، لا يغلط بمثله عالم . وذلك مثل أنه نقل عن كتاب المجدي لأبي الحسن علي بن محمد العمري : أنّ عيسى الأزرق الرومي العريضي أولد اثني عشر ولدًا ذكورًا لم يعقبوا . ثم جزم على أنّ النقيب عيسى الأزرق بن محمد العريضي منقرض لا عقب له . ولا شك أنّ الذي نقله عن المجدي صحيح، ولكن العمري ذكر هناك في عقب هذا الكلام بعد أن ذكر الاثني عشر غير المعقبين وعدّدهم، [ عدَّ ] بعدهم الجماعة الذين أعقبوا من بني عيسى النقيب، وليت شعري كيف لم يطالع الكلام إلى آخره، ويسلم من الطعن في قبيلة كثيرة من العلويين بمجرد الخطأ !! والعجب أنه يزعم قرأ المجدي على النقيب الطاهر رضي الدين علي بن علي بن الطاوس الحسني، وكيف يشذّ عنه ما هو مسطور في كتاب قرأه ؟ بل كيف يتجرأ مسلم على مثل هذا، وينفي قبيلة عظيمة من آل أبي طالب ؟ " أهـ (36).
إذا علمت ذلك، فكن على خبر أننا في زمن سوء، تروج فيه ثقافة الاستهلاك، ومنها استهلاك الأنساب، حتى ترى شجرات الأنساب تباع وتشترى، وترى التحوّل عن الأنساب والتجوّل في أعمدتها من علامات العصر، فقد فتح الباب على مصراعيه، وأصبحت صناعة شجرات النسب تجارة رابحة .
آداب وأحكام في صنع الشجرات :-
ينبغي أن يكون من آداب كتابة " الشجرات " :-
1- إخلاص النية لله في هذا العمل، فإنما الأعمال بالنيات . وقديمًا قال السلف : " كل ما لا يراد به وجه الله يضمحل ". ومَن كان حظه ومقصوده مِن كتابة الأنساب غير وجه الله تعالى لم ينتفع بعلمه وبما كتب .
2- تسمية الشجرة بوضع عنوان يدلّ عليها .
3- ما في الشجرة خبر وليس رواية، فيجب فيه الصدق والصحة، وإلاّ كان كذبًا .
4- عدم التفريع لنسب غيره في نسب قبيلته؛ لأنّ هذا مدعاة للاختلاف، وليس هو راوٍ ههنا بل هو مخبر .
5- كتابة اسم جامعها كاملاً بيّنًا واضحًا، فإن كان أكثر من واحد، نص على عمل كل واحد منهم فيها، ولا يساق ذِكْرهم على جهة الإجمال .
6- كتابة بدء سنة الجمع والتحرير .
7- التشجير لا يليق به إلاّ الخط الحسن والمداد الواضح .
8- وصل الأسماء فيها بـ : " ابن "؛ لأنّ هذا مِن سنّة العرب، وهو مما يدلّ عليه الشرع، وتركها من عادة الأعاجم . وقد درجت كثير من الشجرات الحديثة على إهمال هذا المعنى .
9- ذكر اسم كاتب الشجرة إن لم يكن هو جامعها .
10- ضرورة نظر الجامع لها في كتابة الكاتب وتصحيح ما يشكل عليه أو يغلط فيه . وقد وقع بسبب إهمال هذا الأمر تحريف في الأسماء أو زيادة أو نقصان في الأعمدة، ومن أقوالهم المشهورة : " أسماء الناس لا يدخلها القياس ".
11- نص النسابة على عدم جواز تراكب خطوط التشجير؛ لأنه مدعاة للالتباس .
12- ذِكر تاريخ طبع الشجرة، وبيان رقم الطبعة .
13- بيان المصادر التي اعتمد عليها في جمعها، فإن كانت مخطوطة نص عليها وعيّنها، وإن كانت مطبوعة دلّ القارئ عليها، وإن كانت شهادات استفاضة أو روايات وأخبار، أو وثائق أو مصادر تاريخية وجغرافية أو كتابة على حجج وقف أو عقود بيوع وشراء أو صكوك وعقود نكاح، أو كتابة ونقش على حجارة، يبين ذلك كله، بالإحالة عليه في هامش الشجرة .
14- لا يجوز تغيير ما في الشجرات الصحيحة القديمة في الشجرات الحديثة .
15- الزيادة في الشجرة القديمة الصحيحة إن كانت بغير خط الأصل، فلا قيمة لها إلاّ عند واضعها .
16- لا يزاد على الشجرة الصحيحة إلاّ بدليل .
17- لا يقبل ادعاء الزيادة في الشجرات الصحيحة إلاّ بدليل .
18- ليست مصادر جمع النسب على درجة سواء، فمنها ما هو شرعي رباني، ومنها ما هو نفساني شيطاني، ومنها ما هو بين ذلك .
19- إقرار كل " خامس " أو بطن بما فيها من أنسابهم إقرارًا شرعيًّا، خاصة إذا كبرت بطون وفخوذ القبيلة . ويجعل هذا في خاتمة وحاشية الشجرة .
20- تجنّب التعبير بالألقاب القبيحة، اللهم إلاّ أن يكون المرء لا يعرف إلاّ بها، فلا بأس من ذِكرها حينئذ، وليس هذا من الغيبة . فإن كانت هناك مفسدة من وضعها، كتحرّج بعض الذرية مثلاً، فالأَولى تركها .
21- ذِكر مصطلحات النسابين فيها، كقولهم : درج، وانقرض، ونحو ذلك .
22- لا يستحسن تبديل مصطلحات النسابين بذِكر بعض الرموز والإشارات التي لا تعرف إلاّ عند صاحب الشجرة، فالمحافظة على الاصطلاح مما يعصم به العلم، والنسب من جملة العلوم، فمن جهله تعلمه .
23- يستحب تعيين ما يدلّ على مواضع الديار والسكنى خاصة إذا انتشر العقب جدًّا، لفائدته في عدم الالتباس مع طول الزمن .
24- ذِكر سني الولادة والوفاة تحت كل اسم لما فيه من الفائدة .
25- الإشهاد عليها من قِبل العدول مِن أهل المعرفة بالنسب .
26- توثيقها وتسجيلها في دوائر الحفظ الوثائق .
27- العادة محكمة في كتابة أسماء النساء في الشجرات .
28- كتابتها على هيئة البسط لمزيد الحفظ والاحتياط .
29- الأَولى عدم تدبيجها بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، لئلا يؤدّي إلى الامتهان والابتذال . فإن كان فاعلاً، فليلتزم في الحديث الصحة، وليخرج مَن رواه، ومن صححه؛ إذ العناية بذلك أهم من العناية بالنسب، وإلاّ كتب عليه وزر الكذب على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
30- لا بأس من تعليقها على جدران المجالس؛ لأنه من التحديث بنعمة الله، وفيه تعليم لأهل البيت والأقارب والصغار للنسب، وهذا أمر مشروع؛ فإن جرّ ذلك إلى محاذير شرعية كالفخر أو العجب أو العصبية، فالمتعيّن المنع والتحريم .
31- لا يجوز وضع الصور فيها .
32- لا بأس من استخدام الوسائل الحديثة في حفظ الأنساب كبرامج الحاسب الآلي المعدّة في صنع شجرات العائلة .
33- وضع الشجرة وصنعها فرع من العلم بالنسب، والعلم به شعبة من شعب علم الحديث، وقديمًا قالوا : " علم الحديث لا يحبه إلا الذكور "، فلا بد من كبر نفس من يعاني علم النسب، وعدم ضجره من أول الطريق، فيجب الصبر على ما يواجه فيه حتى يفتح الله له أو يعذر من نفسه .
خطوات عمل " الشجرة " :-
أولاً : جمع المعلومات التي تحتاجها " الشجرة "، كالأجداد والآباء الأقربين، ومعرفة وجه الصلة فيما بينهم، وفرز أعمدة النسب . وهي معرفة مجردة بالأخبار . ومن ذلك معرفة أحوال وعادات من يجمع أنسابهم، وكيفية جريان الأسماء والألقاب عندهم، ونحو ذلك؛ فإنّ هذا مما يعين في وضع الشجرة . وهذا يحتاج إلى وقت طويل، وإلى مرنة عند الجامع للنسب، يحصل بهما الاطمئنان إلى ما يورده من معلومات وأخبار .
ثانيًا : الاعتماد على الطرق الشرعية والوسائل الموضوعية في إثبات الصلة بين تلك المعلومات. وهذا أيضًا يحتاج إلى وقت طويل في التحليل والمقارنة . وقد دلّ الشرع والعقل على عدد من القواعد المهمة في هذا الباب تحتاج إلى جمع وتأصيل .
ثالثًا : توثيقها وحفظها عند الجهات المعتبرة .
- الفروق بين المشجرات والمبسوطات في النسب :-
قال في الأصيلي : " الفروق الظاهرة بينهما كثيرة، وإنما الفرق المهم (37) هو أنّ المشجر يبتدأ فيه بالبطن الأسفل ثم يترقّى أبًا فأبًا إلى البطن الأعلى . والمبسوط : يبتدأ فيه بالبطن الأعلى ثم ينحط ابنًا فابنًا إلى البطن الأسفل . وخلاصة ذلك أنّ المشجر فيه الابن على الأب؛ والمبسوط عكسه، يقدّم فيه الأب على الابن ". أهـ (38).
ومن الفروق الظاهرة :-
- أنّ القراءة في المبسوط أيسر منها في المشجر، وأدعى للحفظ. ولذلك لما طلب / الفخر الرازي من / إسماعيل المروزي الحسيني أن يصنّف له كتابًا في أنساب الطالبية فضّل أن يكون على هيئة المبسوط لا التشجير، وقال له : " المشجر لا ينضبط بالحفظ، وأنا أريد شيئًا أحفظه ... " (39).
وبالجملة، فمن جرت عادته بالقراءة في كتب العلم، يَسُر عليه أمر المبسوط بخلاف المشجر، ومَن لم يعرف من القراءة في النسب إلاّ ما في المشجرات، يسر عليه أمرها .
- التصنيف في المبسوط أيسر منه في " المشجر "؛ ولهذا كثرت تصانيف الناس فيه . والناس اليوم على الضد من هذا !!
- كثرة فوائد المبسوط، وذلك لأنّ الكتابة فيه على سنن التصنيف والترتيب، فتجد ما يطرقه النسابة متسلسلاً، يورد البطون من أعلى إلى أسفل، ويذكر الألقاب والوقائع والأشعار، وتواريخ الولادة والوفاة، وهو في فسحة وسعة، وذلك بخلاف المشجر؛ فكم مِن ورقة ضاقت على نسّاب حجبت دفعًا لشبهة، أو تقريرًا لوجه غمز وطعن ببطلان نسب ونكارته، أو ربما فوتت ذِكر سنة ولادة أو وفاة يحتاجها المتأخر في بحث أو مقارنة .
- ومن الفروق بينهما أنّ المشجر توضع فيه رموز لعلامات الطعن والقدح ونحو ذلك، وتكتب أحيانًا بالحمرة أو السواد، بينما المبسوط لا تذكر فيه الرموز، ولكنهم يحكون الحال في أثناء النسب، وربما رمزوا ببعض الاصطلاحات، فكتبوا في المشجر والمبسوط : " في صح " (40).
- بقاء المبسوط وتعميره أكثر من المشجر، وهي مسألة نسبية .
- الوضع والزيادة في الشجرات أسهل وأيسر من المبسوطات .
ما حكم العمل بما في " الشجرات " ؟
ورد إلى الشيخ / علي بن عمر العرشان اليمني سؤال هو : هل يجوز اعتماد القاضي والمفتي والشاهد على كُتب الشجرة المحررة المعتبرة إذا كان من صنّفها مِن الثقات أم لا ؟ أجاب بقوله : " نعم يجوز للحاكم الحكم بما فيها، وللمفتي أن يعتمد عليها إذا حصل بها العلم، وكذلك للشاهد أن يشهد بما فيها إذا حصل بها الجزم، من غير أن يسند ذلك إليها، كالاستفاضة ". أهـ (41).
وللشخ / عبدالرحمن بن عبدالله بلفقيه فتوى في " حكم الشجرة والحكم بها والاعتماد عليها ". وذكر / عمر بن سالم العطاس في رسالته في أنساب باعلوي المطبوعة سنة 1317هـ أنّ الشيخ / عبدالله بلفقيه أفتى وأجاب عنها، وأنّ العلم إذا تحقق بها كان للإنسان أن يشهد بما فيها (42).
الهوامش :-
* جدة، المملكة العربية السعودية .
(1) معجم مقاييس اللغة (ص549)، تح . شهاب الدين أبو عمرو .
(2) لسان العرب، 4/398، ط. صادر . (3) لسان العرب، 4/396.
(4) صحيح البخاري (رقم 6417)، الفتح (11/235-236).
(5) انظر : معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية (4/179).
(6) لباب الألباب، لابن فندق البيهقي، 1/199.
(7) فضائح الباطنية، 12. (8) اللباب، 1/59 .
(9) جريدة الرياض، عدد رقم 12565 بتاريخ 10/9/1423هـ ( مقابلة مع أحد النسابين من حمص ).
(10) انظر : لباب الألباب لابن فندق البيهقي، 2/720-721.
(11) المجدي للعمري، 168. (12) المرجع نفسه، 168-169.
(13) عمدة الطالب، لابن عنبة، ط. الكمالية . (14) المرجع نفسه، 315.
(15) انظر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للطهراني، 5/97.
(16) معجم مقاييس اللغة، 213. (17) انظر : عمدة الطالب، 222.
(18) انظر: ص300. ويوجد كتاب قريب من هذا العنوان من مقتنيات ابن الطاوس الحسني .
(19) من عجائب المشتغلة بالنسب في هذا الزمان تشجيرهم لأعمدة النسب، ثم يسمون ذلك بـ " مبسوط النسب " ؟! انظر : طبعة عمدة الطالب بتصوير جمل الليل، 45-50،59 .
(20) على سطح الكتاب لا توجد ست جهات، بل الجهات الأربع وما بينها .
(21) فهرس الفهارس للكتاني، 2/588-589 .
(22) كشاف اصطلاح الفنون، 2/732 للتهانوي . وفيه أيضًا : " المشجر : المطير بالياء المثناة التحتانية ".
(23) كشاف اصطلاح الفنون، 2/732.
(24) موجود بمكتبة جاريت رقم 2103 ضمن مجموع . نسخت سنة 684. تقع في 43 ورقة . وانظر : برن، ليدن، 1904م . ( كذا في فهرس جاريت ). وانظر أيضًا : برلين، 5/4214، والقاهرة Vii صفحة 552 .
(25) البصمة الوراثية ومدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية، للشيخ / عمر بن محمد السبيل، رحمه الله تعالى، 14.
(26) انظر : الأصيلي في الأنساب لابن الطقطقي، المخطوط، 4-5، والمطبوع، 31.
(27) انظر : الأعلام، 2/340؛ وطبقات النسابين لبكر أبوزيد، 24-25.
(28) الإكليل، 158. (29) انظر : نسب قريش، 3. (30) الأصيلي المطبوع، 31.
(31) قلت : إذا كان يقول هذا في أهل زمانه، فما بالك بأهل هذا الزمان ؟
(32) في المخطوط : " الزيدي "، والصواب ما أثبته، وهو الشريف النقيب قثم بن طلحة الزينبي العباسي، والله أعلم .
(33) الأصيلي لابن الطقطقي، مخطوط (4). ما بين القوسين زيادة ليتسق الكلام .
(34) الأصيلي المطبوع، 43. (35) المجدي، 180. (36) عمدة الطالب، 428، ط. الكمالية .
(37) في المخطوط كلمة ليست واضحة، ولعل ما أثبته هو الصواب، والله أعلم .
(38) الأصيلي، مخطوط، 5 .
(39) معجم الأدباء لياقوت الحموي، 6/149. (40) الأصيلي المطبوع، 41-42 .
(41) انظر : رسالة العطاس في أنساب باعلوي، 13. (42) المصدر السابق . هذا والله يحفظكم ويرعاكم منقول مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
شكرا .بارك الله فيك
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
شكرا على الردود الله ايخليكم
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
شكرا جزيلا
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
جزاكم الله خيرا