عنوان الموضوع : الهجرة اللاشرعية في الجزائر.. حكومة في غيبوبة وشباب منهك للجزئار
مقدم من طرف منتديات العندليب
الهجرة اللاشرعية في الجزائر.. حكومة في غيبوبة وشباب منهك
خضير بوقايلة
19/08/2016
السلطات الجزائرية تحاول أن تفتك قصب السبق في محاربة الهجرة غير الشرعية وهي من يوم إلى آخر تبدع في هذا المجال ولا أحد يعلم إلى أي حد ستصل بها عبقريتها. شباب الجزائر اليائس يزداد يوما بعد يوم شوقا إلى مغادرة بلده نحو الفردوس الأوروبي مع أنه يعلم علم اليقين أن الطريق إلى هناك ليس محفوفا بالورود وأن هناك احتمالا كبيرا أن يجد هؤلاء الشبان (هناك أيضا شيوخ ونساء وأطفال) أنفسهم في قبضة ملك الموت أو في معتقل المهاجرين غير الشرعيين في إحدى دول الضفة الشمالية للبحر المتوسط.
لا أدري إن كانت الحكومة الجزائرية قد فعلت ذلك أم لا، لكني أحثها على أن تطلب من أحد معاهد استطلاعات الرأي أن يسأل عينة من الشباب هذا السؤال: (إذا أتيحت لك فرصة الهجرة والعيش خارج البلد هل ستفعل؟)، أنا شخصيا لا أنتظر نتيجة الاستطلاع لأعرف الجواب، لكني أريد من الحكومة أن تعرفه إن كانت لم تفعل بعد. فقط نريد منها أن تعرف، ولا نطلب منها بعد ذلك أن تتصرف وفقا لذلك، لا نريد منها أن تعلن عن إجراءات تحفيزية للشباب لحثهم على البقاء في وطنهم وإقناعهم أن مستقبل البلد في أيديهم وعليهم أن يكونوا في مستوى التطلعات، لا نريد من هذه الحكومة أن تعقد ندوات ومؤتمرات من أجل تحسيس الشباب بخطورة وحرمة التفكير في الهجرة غير الشرعية، ولا نريد منها أيضا أن تعلن أمام الرأي العام عجزها وفشلها في تطويق ظاهرة تنخر خزان البلد البشري، ولا نريد منها مجرد التفكير في الاستقالة وفسح المجال لطبقة سياسية جديدة تتولى شؤون الحكم في البلد، معاذ الله!
هل سألت حكومتنا الموقرة نفسها يوما، أو هل تجرأ كبيرها أو أحد من أعضائها يوما على طلب إدراج بند الهجرة غير الشرعية في اجتماع مجلس الوزراء وفتح نقاش صريح حول الظاهرة؟ هل تساءل رئيس الدولة أو رئيس وزرائه يوما عن هذا (الفيروس) الذي أصاب شباب الجزائر حتى صاروا يبيعون ما يملكون وما لا يملكون من أجل قطع تذكرة ذهاب على متن قارب خشبي أو مطاطي يغادر بهم بلدهم إلى غير رجعة ويبعدهم عن أعز الناس إليهم؟ هل فكر أي وزير في الحكومة الجزائرية يوما في استدعاء مجموعة من الشباب الذي سبق لهم أن خاضوا تجربة السفر على قوارب الموت (وما أكثرهم) حول مائدة غداء والاستماع إلى تجاربهم وإلى الأسباب التي تجعلهم يختارون الموت في عرض البحر على العيش بين ذويهم وفي أحضان جمهوريتهم المستقلة الديمقراطية الشعبية؟ هل تساءل أحدهم يوما لماذا هذا الإصرار على التحدي رغم خطر الموت ورغم القوانين الردعية التي اهتدت إليها الحكومة والتي تصل إلى السجن عشر سنوات ورغم الفتاوى الشرعية التي تحرم الهجرة غير الشرعية وتعتبر الساعين إليها في منزلة الذين يلقون بأيديهم إلى التهلكة؟
مأساة حقيقية أحاطت بالبلد ونزيف داخلي ينخر الجزائر وسط صمت إجرامي رسمي عام. النظام الحاكم لا يهمه موت شاب أو ألف شاب أو هروبهم من البلد ولا حتى موت بلد بأكمله بقدر ما يهمه أن يبقى مهيمنا وجاثما على كرسيه، المهم بالنسبة إليه هو أن لا تنضب خيرات البلد ونفطها، أما أهل البلد والبلد كله فإلى حيث يريد. قد يقول قائل إن هناك تناقضا في كل هذا الكلام، إذ ليس معقولا أن نتهم النظام أو السلطة أو الحكومة (كلها أوصاف لكيان واحد) بعدم المبالاة وتجاهل ظاهرة الهجرة غير الشرعية واختفاء الشباب بالمئات أو الآلاف كل عام في رحلات الموت البحرية، بينما الواقع يؤكد أن عين هذه السلطات ساهرة من أجل إفشال محاولات هذه الهجرة من خلال تكثيف دوريات حرس السواحل وتعزيز إمكانيات عملهم بوسائل تقنية حديثة وأيضا من خلال الترهيب الديني وتحديث المنظومة القانونية. سيكون هذا صحيحا لو كان الغرض منه هو الخوف على شباب الجزائر والحرص على مستقبله وليس تقديم خدمة مجانية للدول الأوروبية ومساعداتها على الحد من ظاهرة التسلل غير الشرعي إليها، والاتفاقيات الكثيرة المبرمة بين دول الشمال والجنوب تؤكد هذا.
والآن نرى أن الأمر لم يعد لعبة قط وفأر بين الشباب الهارب من جحيم بلده وبين قوات الأمن وحرس الحدود المائية على وجه الخصوص، وما جرى الأسبوع الماضي في عرض مياه عنابة (شرق الجزائر) يدعو إلى قلق كبير. مطاردة لمجموعة من الشباب انتهت باعتقال أغلبهم وموت واحد أو اثنين. الخبر هكذا عادي لأنها ليست المرة الأولى التي تخرج فيها دورية لحرس السواحل في مطاردة قوارب لمهاجرين غير شرعيين، وليست المرة الأولى التي تحبط فيها محاولة هجرة غير شرعية، كما أنها ليس المرة الأولى التي يقارب فيها عدد الشباب الهارب في سفرية واحدة مائة شخص، وهي ليست المرة الأولى أيضا التي تسفر فيها العملية عن حالات وفاة. الأخطر في هذه الرحلة الفاشلة من أحد شواطئ عنابة الجزائرية إلى جزيرة سردينيا الإيطالية هو ما أوردته تقارير بعض الصحف المحلية. وأكتفي هنا بما نقلته صحيفة 'الشروق'. فقد ذكر التقرير الأول نقلا عن جهات رسمية أن وحدتين بحريتين من حرس الحدود رصدتا ثلاثة قوارب خشبية في حالة خروج غير شرعي من المياه الإقليمية الجزائرية فسارعتا إلى مطاردتها وكان على متن هذه القوارب الثلاثة 81 شخصا، وعندما أحاطت القوات الجزائرية بالقوارب رفض اثنان منهما الاستسلام فقرر من فيهما أن ينفذا عملية انتحارية ضد العائمتين البحريتين التابعتين لخفر السواحل، فكانت النتيجة تحطم القاربين وغرق من فيهما ولم يكن أمام حرس السواحل إلا الإسراع في انتشال الغرقى وقد توفيّ واحد منهم. ثم تبين في ما بعد (وفقا للرواية الأولى دائما) أن القاربين قرّرا مهاجمة العائمتين من أجل السماح للقارب الثالث بالفرار وإكمال الرحلة، لكنه سرعان ما حوصر هو الآخر وأعيد جميع من فيهم سالمين إلى عنابة في انتظار تقديمهم أمام المحكمة وتكرار بعض منهم محاولة أخرى للهرب. وقد صرح مسؤول في الوحدة البحرية التي أحبطت المحاولة أن ملاك القوارب الذين يشتغلون في التهريب هم الذين قرروا إغراق القاربين محاولة للنجاة من محاكمتهم وهم في العادة (والكلام للمسؤول) لا يعبؤون بحياة عملائهم بقدر ما تهمهم النجاة ومواصلة نشاطهم.
أما الرواية الثانية التي نقلها مراسل الصحيفة في عنابة فجاءت على لسان أحد الناجين في تلك المحاولة (اسمه هبير عبد المجيد وعمره 23 سنة)، وفيها يؤكد أن الشباب تعرض لاعتداء حرس السواحل والقاربان تحطما على أيدي هؤلاء وأن هناك شابين قُتلا خلال تدخل حرس السواحل جثة أحدهما لا تزال في البحر. يقول عبد المجيد في شهادته إن (عناصر البحرية وجّهوا لنا سيلا من السب والشتائم، ثم رمونا بالماء الساخن، لإرغامنا على التوقف، وطالبونا برفع أيدينا، ثم قذفونا بقطع حديدية وقضبان من مختلف المعادن، قبل أن يطفئوا الأضواء، لتتجه العائمة صوبنا مباشرة مما أدى إلى تحطيم القارب كلية، وسقوطنا في عرض البحر)، ويضيف، وفق ما ورد في الصحيفة، أنه وقبل ارتطام العائمة بالقارب، رشقوه وشابا من الجزائر العاصمة يدعى (إسلام) كان يحاول تصوير وقائع الحادثة بالهاتف النقال، على مستوى الرأس، مما أدى إلى إصابة (عبد المجيد) بجروح خطيرة على مستوى جبهته، في حين أصيب (إسلام) على مستوى الأذن اليمنى، مما تسبّب في وفاته بعين المكان، قائلا أنا من أغمضت له عينيه وقرأت عليه الشهادة، مضيفا بأسى وحسرة شديدين لما أخذونا على متن العائمة البحرية، كان (إسلام) والضحية (إكرام حمزة) قد سقطا في الماء، وتمّ انتشال (حمزة) في حين لم تنتشل جثة إسلام، فأشعرت عناصر البحرية بالقضية، هناك قتيل آخر في عرض البحر، وتدخل ابن خالته 'حضارات إنه وليد خالتي، لا تتركوه، لقد كان معي على متن القارب' إلا أن المؤسف، يقول عبد المجيد 'ان قيادة العائمة لم تول اهتماما لصرختنا، مضيفا أن (عناصر البحرية استعملوا معنا العنف، وختم حديثه قائلا 'انقلوا شهادتي كما هي وأنا سأتحمّل مسؤوليتي، لن أسكت عن الذي وقع، سنرفع دعوى قضائية، ضد المتسببين والقيام بحركة احتجاجية وتنديدية، لأن من لم يمت منا أصيب بعاهات مستديمة، هناك من قصم ظهره، ومن بترت رجلاه، وغيرها من الصور التي يندى لها الجبين'.
كلام يندى له الجبين فعلا. وسواء كانت الرواية الرسمية صحيحة أي أن القاربين هما اللذان اصطدما بإرادتهما بعائمتين حرس السواحل البحريتين أم رواية شاهد العيان، فإن الأمر يبقى في غاية الخطورة. أن يصل الوضع إلى تفضيل الانتحار على العودة إلى البلد أو إلى قتل شباب لم يحاول الثورة والانقلاب على حكومته ولم يلحق أذى بأحد إلا بنفسه، فذلك هو أسوأ شيء يمكن أن نتوقعه في مسلسل القطيعة الشاملة بين شعب يائس ونظام ختم على قلبه وسمعه وعلى بصره غشاوة.
ولن نستغرب يوما إذا سمعنا أن الحكومة الجزائرية الموقرة قررت أن تقيم على طول حدودها البرية والبحرية حائطا يشبه حائط برلين المنهار أو حاجزا من الأسلاك الكهربائية مثل خطي شال وموريس اللذين زرعهما الاستعمار الفرنسي على الحدود الشرقية والغربية للجزائرية منعا لتنقل مجاهدين ثورة التحرير ولتهريب السلاح إلى الجزائر من بلدان الجوار. الحكومة فكرت في كل الحلول الردعية والترغيبية ولا غرابة أن تفكر في مثل هذا الحل الاستئصالي، ما دامت عاجزة عن التفكير في حل لأسباب الظاهرة وجذورها.
كاتب وصحافي جزائري
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :