عنوان الموضوع : مصر والجزائر: باعة الوهم والشعوبية الجديدة؟ اخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب

مصر والجزائر: باعة الوهم والشعوبية الجديدة؟
مسعود ديلمي


04/12/2016

خلقت المباراة الكروية بين مصر والجزائر، والتي سماها بعض الإعلاميين أم المعارك، عند المشجعين هستيريا كان ضحيتها الروح الرياضية، والناس البسطاء، فكرست قافلة التشرذم العربي، وأحدثت شرخا في العلاقات الجزائرية المصرية. لقد لعب فيها بعض إعلاميي كلا البلدين، قبل الأنصار، دورا لا يشرف الإعلام ولا يخدم الأوطان، فكانوا المحرك للحقد والعنف إلى حد لا يطاق. لقد شحنوا الجمهور حتى أصبح كل صوت ينادي للتعقل هو صوت لا يسمع، وربما يوصف بأنه خيانة.
ولا يختلف إثنان في استفادة النظامين الجزائري والمصري، من هذه المقابلة بصرف نظر شعبيهما عن القضايا الحقيقية وتوجيه اهتمامات المواطنين لأمر ثانوي فأصبحنا أضحوكة العالم. ففي الجزائر مثلا كان هناك إضراب أساتذة التعليم الثانوي والأساسي، وإضراب أساتذة الجامعة، مرا في صمت رغم أن التعليم يحدد مستقبل ومصير الأمة. كما أبان الشعوبيون الجدد عن كرههم لكل ما هو عربي، بالخلط بين الحكومة المصرية والشعب المصري الأصيل، فتلاحقت صحف ناطقة بالعربية وأخرى بالفرنسية على نشر مقالات مسمومة تزرع الفرقة إلى حد المزايدة بوقائع التاريخ والمس بحرمة الشهداء. وهاهي صحيفة 'الشروق 'التي تدعي الدفاع عن العروبة والإسلام، بين عشية وضحاها تنقلب على عقبيها فتضع أخلاقيات المهنة جانبا لتمارس الدعاية المقيتة مثل نشرها صور أشخاص على أنهم ضحايا ماتوا نتيجة اعتداء أنصار الفريق المصري عليهم والشيء الذي كذبته وزارة الخارجية الجزائرية في ما بعد. وخرج علينا أحد نواب جهة التحرير مطالبا بقطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين. إن هذا الصوت وأمثاله يعبر عن نخـــبة سياســـية غـــير راشدة لكــــي لا نقول فاسدة... كل هذا الشحن دفع مجموعات مهيجة، -ربما بتحريض ما،- بتدمير ونهب وحرق مقر شركة الخطوط الجوية المصرية، وكذلك المقر العام لشركة جيزي فرع الجزائر لشركة أوراسكوم المصرية للاتصالات وبعض فروعه في الولايات؛ إنه عمل إجرامي لا يشرِّف الجزائر حكومة وشعبا، وضربة للاستثمار الأجنبي. وينسى الذين قاموا بهذا الفعل أن أغلب عمالها هم جزائريون. ناهيك أن شركات التأمين التابعة للدولة ربما هي التي تدفع هذه الخسارة بأموال الشعب. وقد لا يتذكر البعض أيضا أن شركة جيزي هي التي أحدثت حركية في ميدان الاتصالات الهاتفية بالجزائر وكسرت الاحتكار الذي كانت تفرضه الدولة ممثلة في الشركة الوطنية الجزائرية للاتصالات بعدما فُتح المجال للتنافس بين الشركات الأجنبية والمحلية. وربما نسي بعض الجزائريين استحالة الحصول على خط هاتفي محمول قبل بدأ شركة جيزي في العمل بالجزائر دون اللجوء إلى وساطة شخصية نافذة في الحكم، تتوسط له لدى الشركة الوطنية، وبدفع أثمان باهظة.
ترى كم كلفت خزينة الدولة هذه المقابلة وما رافقها من احتفالات؟ قد لا نعرف الأرقام ما دامت الأموال هي ريوع وليس بمقدور الشعب مراقبة مجال صرفها، لأن الشعب في نظر الحكام قاصر ومجرد رعايا. فكم من مريض عاجز عن شراء الدواء للاستشفاء؟ وكم من طفل يحتاج إلى التدفئة في قسمه بأرياف الجزائر؟ وكم من كبير في السن لا يجد إعانة يكمل بها أيامه بكرامة؟ وكم من رب عائلة لا يجد مأوى يستر فيه فلذات أكباده بأحياء ديار الشمس وغيرها في كامل المدن الجزائرية... ؟
وفي باريس، أقام بعض الجزائريين الموائد احتفالا ب'النصر' بينما في شهر رمضان يقلَّ كرمهم، فكم من طالب وطالبة علم بدون منحة، وهم صائمون، لم يجدوا من يتذكرهم في ذلك الشهر الكريم؟ وبعضهم لم ير أهله منذ سنوات لأن ليس بمقدوره شراء تذكرة سفر... بينما ينقل الأنصار بسعر رمزي للخرطوم... قد يرى البعض في هذا حكما عاما، لكنه في نظرنا عينة للفوضى الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي يحياها البلد، وتعبر عن مدى انقلاب سُلَّم القيم عند شرائح واسعة من الشعب. إن النخبة التي تتصرف بهذه الطريقة ربما نقيم عليها صلاة الجنازة، وننتظر لعل الله يعطينا خلفا جديدا يعرف ما هي الأولويات التي تهم الأمة، ويرسم حدودا بين الجد والهزل... إن الانتصار الذي نحتفل به هو انجازات حقيقية في العلم والاقتصاد والثقافة، والقضاء على الفقر...
وإذا كانت الجرائد الخاصة زادت من مبيعاتها، فإن التلفزيون الرسمي من جهته لا نعتقد أنه كسب احترام ووِدّ المشاهدين بمجرد أن لبس مقدمو نشرات الأخبار العلم الوطني، بينما لا يقومون بعملهم كما ينبغي المتمثل في تقديم مادة إخبارية صادقة وموضوعية للمشاهد... إن التغني بالوطنية الضيقة في زمن العولمة والانفتاح على حساب الحق والعدل يعبر عن إيديولوجية مريضة مقتنع بها الكثير من الجزائريين.
إن الجزائر التي نحب هي الجزائر التي كانت ملتقى الأحرار، ورمزا لمقاومة الظلم، والتي تعلو فيها المبادئ الإنسانية على قيم التعصب الأعمى لبقعة جغرافية. والجزائر التي نهوى هي الجزائر الني تحترم فيها المؤسسات الدستورية، والتي يكون فيها القانون مطبق على الجميع، وليست جزائر الانتخابات المزورة، وسرقة أموال الشعب، وعبادة الأشخاص... والجزائر التي نعشق هي التي يكتب فيها الصحافي بلا خوف أن يسجن أو يغدر به لأنه يقول الحقيقة؛ ويكون فيها القاضي عادلا لا يخضع لأوامر سياسية فوقية بل فقط للحق... ولا يمارس فيها صاحب سلطة ما الطغيان ويتجبر على الضعفاء، بل مكلف بمهمة في خدمة الشعب قد يحاسب على تقصيره... ولا يكون أغنياؤها إقطاعيون و'كولون' جدد بل مستثمرون يخلقون وظائف ولا يرشون أحد... والجزائر التي نحلم بها هي الجزائر الوفية للمبادئ التي ضحى من أجلها بن مهيدي، و ديدوش، و عبان، و لطفي، و عميروش، و بوقرة، و زيغود... فعندما نرى هذه الجزائر تتحقق يومئذ نفرح ونقيم لمن يساهم في تجسيد هذه الأماني تماثيل في قلوبنا.
أما عن الجانب المصري فلا نزيد عما كتبه الكثير من شرفاء وأحرار مصر الذين رفضوا الصورة السيئة التي يعطيها عن بلدهم جزء كبير من إعلامهم ومن ورائه النظام المصري بأهدافه غير بريئة، فنقول لهم: إن لشعب مصر الأصيل الذي احتضن المصلحين والمقومين ورجال الفكر والأدب والفن من جميع البلاد العربية والإسلامية، الشعب الذي أنجب محمد عبده، وحسن البنا، وعلي عبد الرازق، وطه حسين، وحافظ ابراهيم، والعقاد وأحمد شوقي، ومحمد الغزالي، ونجيب محفوظ، وأم كلثوم، وعبد الحليم، وفاروق الباز، وسعد الدين إبراهيم...حبكم في قلوبنا لا تزعزعه مقالة كاتب مأجور وصحافي طالب شهرة، أو كلام جاهل... ونعتز بمصر لأنها ليست ملك آل مبارك وإقطاعيي الحزب الوطني الحاكم أمثال هشام طلعت... ولا يمثلها عمرو أديب وأمثاله... فالفجر آت تخطه أقلام أبناء مصر المرابطون الذين يناضلون من أجل قيم الحرية والعدالة وحقوق جميع المظلومين، والذين يدافعون عن عروبة مصر الحقيقية، وليست مصر المنكفئة عن ذاتها لأن لها حضارة عمرها الاف السنين. تلك الحضارة التي هي ملك للإنسانية جمعاء، فالذي يطرح ما هو مساهمتنا كعرب جميعا اليوم في الحضارة الحالية؟
إن بعض أنصار الفريقين الجزائري والمصري، وهم قلّة، ليسوا ملائكة فهم يسيئون للرياضة ولشعبيهما بتصرفاتهم غير الحضارية في الملعب وخارجه، فلذا يجب التنديد بهم، وفتح تحقيقات في كل الحوادث التي وقعت في الجزائر وفي القاهرة وفي الخرطوم، ومحاكمة كل من ثبت تورطه لكي يكونوا عبرة وإحقاقا للحق. ولا ينبغي استثناء من نادى إلى العنف واستعمل عبارات الشتم والعنصرية تلفظا أو كتابة من الطرفين. هذا هو الصلح الحقيقي، وخدمة للقيم الرياضية، وحفظا للأخوة العربية... ويا ليت يتعلم هؤلاء المناصرون من الآخرين، لقد رأينا كيف كان أنصار الفريقين الفرنسي والايرلندي قبل المقابلة المصيرية لفريقيهما في شوارع باريس يأخذان صورا تذكارية مع بعضهم البعض في صداقة تامة وروح رياضية عالية. كما أن الصحافة الفرنسية لم تقم بتعبئة الجماهير قبل المقابلة على الطريقة التي قامت بها نظيرتيها في الجزائر ومصر. هذه المقابلة جرت في جو رياضي عالرغم أن الهدف المؤهل لفرنسا كان بلمسة يد. فكان احتجاج اللاعبين رياضيا، فلم يعتدوا على الحكم مثل ما يحدث في ملاعبنا لأنهم من شعوب تحترم القانون. وغادر الأنصار باريس دون أن يحدثوا فيها شغب. وبعد المقابلة ركزت الصحافة الفرنسية بكل موضوعية على أن التأهل بتلك الطريقة المغشوشة لا يشرف الرياضة الفرنسية، وبين استطلاع للرأي أن 81' من الفرنسيين أن بلدهم لا يستأهل التأهل للمونديال، مما دفع بمسجل الهدف عميد المنتخب الفرنسي تيري هنري إلى طلب إعادة المقابلة. هذه هي الرياضة التي نريدها في بلداننا العربية، متعة وأخلاق، تجمع ولا تُفرِّق، حتى نستطيع كسب احترام الغير لنا.
وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نشكر تلك الأصوات والأقلام الحرة في كلا البلدين وفي باقي البلاد العربية التي حاولت تنبه إلى خطر وعواقب هذه السلوكيات المنافية لأصالتنا العربية، والبعيدة عن أخلاقنا الإسلامية، ولا تمت بأي صلة إلى الوطنية الحقيقية، وتعاكس كل القيم الإنسانية. والأكيد، ستكتشف الشعوب يوما أنها كانت مخدوعة من قبل الأنظمة وتلك الأبواق الإعلامية، والتي لا تمثل في جميع الأحوال الشعبين في مصر وفي الجزائر، بعد ما حوَّلت الرياضة، التي أوجدت للترفيه والتقريب بين الشعوب، إلى وسيلة لتحقيق مصالح آنية، وأداة لتخدير الشباب الضائع قصد إبعاده عن الوعي الحقيقي لبناء ديمقراطية حقيقية، وحمل هموم القضايا المصيرية للأمة.

' كاتب من الجزائر مقيم بباريس


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :