عنوان الموضوع : مشروع الحكم الذاتي وحقوق الإنسان في الصحراء اخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب
مشروع الحكم الذاتي وحقوق الإنسان في الصحراء
د. إدريس لكريني
09/12/2016
شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة حركية مهمة، استهدفت تعزيز حقوق الإنسان، في سياق تفاعل إيجابي مع المتغيرات المحلية المرتبطة بتنامي مطالب المجتمعين السياسي والمدني في هذا الاتجاه، ومع التحولات الدولية الكبرى التي أفرزها انهيار المعسكر الشرقي وما رافق ذلك من تزايد للاهتمام الدولي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وهكذا وفي سياق تكييف المنظومة القانونية والمؤسساتية الداخلية مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان الذي نصت عليه ديباجة الدستور المغربي لسنة 1996، تم إحداث مجموعة من المؤسسات (المحاكم الإدارية، المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وزارة خاصة بحقوق الإنسان، مؤسسة الوسيط، والي المظالم وهيئة التحكيم، لجنة الإنصاف والمصالحة). وصدرت العديد من النصوص والتشريعات القانونية التي تصب في هذا الاتجاه كمدونة الشغل ومدونة الأسرة.
وفي ظل هذه الظرفية أيضا، قامت السلطات المغربية بالتصديق على مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المرتبطة بهذا الشأن، وباتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات التي استهدفت الحسم مع ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدها المغرب منذ استقلاله، حيث تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسمح للعديد من المنفيين بالعودة إلى أرض الوطن. وقد كان لهذه التحولات أثر إيجابي على مستوى تعزيز ودعم حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، حيث عرفت هذه المنطقة بروز عدد من فعاليات المجتمع المدني المهتمة بالمجال الحقوقي، وتنامي الوعي بهذه الحقوق..
ومن جهة ثانية؛ جاء مشروع الحكم الذاتي ليعزز مستوى هذه الحقوق من خلال تأكيده على مجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتاحة للسكان؛ ضمن ممارسة ديمقراطية لشؤونهم المحلية، وبخاصة وأن تطبيق هذا المشروع في ضوء الحقائق والوقائع التي تجسدت في المنطقة على امتداد أكثر من ثلاثين سنة؛ سيجسد مظهرا إيجابيا من مظاهر حق تقرير المصير.
أولا- سكان الصحراء في ظل الانفتاح السياسي
كما هو الشأن بالنسبة للمواطنين في مختلف الأقاليم المغربية؛ استفاد سكان الصحراء من جو الانفتاح الديمقراطي والتوسع الحاصل على مستوى هامش الحقوق والحريات الذي شهده المغرب؛ فقد شهدت المنطقة بروز عدد من الجمعيات المحلية المهتمة بحقوق الإنسان(النوادي الجهوية للصحافة، جمعيات المعطلين الصحراويين؛ فروع الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب؛ جمعية المحتجزين والمفقودين المغاربة؛ جمعية العائدين للدفاع عن حقوق الإنسان؛ فروع الجمعيات الحقوقية الوطنية..)؛ كما شهدت تنظيم عدد من الاحتجاجات الاجتماعية المرتبطة بمطلب التشغيل وتعزيز البنيات التحتية الصحية والتعليمية وغيرها.
فيما حرصت هيئات المجتمع المدني الوطنية المرتبطة بحقوق الإنسان على تأسيس فروع لها بالمنطقة؛ ومتابعة الأوضاع الاجتماعية والحقوقية فيها أسوة بباقي المناطق؛ مما جعل شؤون السكان الصحراويين تحظى باهتمام بالغ ضمن تقاريرها الدورية والسنوية.
فقد ورد في التقرير السنوي حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب خلال سنة 2016، الذي أصدرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛ لائحة تضم عددا من الأشخاص المنحدرين من الأقاليم الصحراوية الذين تعرضوا لبعض الانتهاكات والمعتقلين السياسيين لسنة 2016 وطالبت بإطلاق سراحهم وإعمال التسوية النهائية والعادلة لأوضاع المفرج عنهم..
'' وفي إطار عمل الجمعية لتحديد وقائع الأحداث التي عرفتها مدينة العيون خلال نهاية شهرايار/ مايو 2016، من خلال بعثة تقصي الحقائق المنتدبة من طرف مكتبها'المركزي؛ تم التأكيد على أهمية الحق في تأسيس الجمعيات وفي حرية الرأي والتعبير، ورفض استعمال العنف من طرف القوات العمومية.. كما تم التأكيد أيضا على أهمية الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسكان الإقليم، والحرص على عدم'التمييز بين المواطنين، وتغليب عنصر الكفاءة عند ولوج' العمل واستبعاد المقاربة الأمنية في تدبيرها للاحتجاجات في المنطقة.
ومن جهتها تابعت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان منذ تأسيسها أوضاع حقوق الإنسان في المنطقة؛ فأنجزت سنة 1999 تحقيقا حول أحداث العيون؛ كما قامت بتحقيق ثان لأحداث السمارة سنة 2016، وأصدرت عدة بيانات من بينها بيان حول إيقاف فرع المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وحول الموقف الجزائري الداعي إلى تقسيم المنطقة الصحراوية، وحول المحتجزين في تندوف، كما راسلت رئيس المفوضية السامية للاجئين للقيام بتحقيق حول تعذيب مواطنين مغاربة بتندوف.
وفي حزيران/يونيو من سنة 2016 قرر المكتب الوطني للمنظمة إيفاد لجنة للتقصي حول الأحداث التي وقعت في مدينة العيون في شهر ايار/ مايو 2016، حيث أصدرت إثر ذلك مجموعة من التوصيات التي تقضي بضرورة احترام حقوق الإنسان وضمان المحاكمة العادلة، والتصدي للقضايا الاجتماعية المستعجلة بالمنطقة؛ والتخلي عن سياسة التمييز لفائدة 'الأعيان والوجهاء' في ولوج الوظائف والحصول على الرخص؛ وإيلاء الاهتمام للثقافة المحلية ورفع القيود عن تحرك المجتمع المدني..
إن نشاط هذه الفعاليات الحقوقية في المنطقة مكن من الوقوف على عدد من حاجيات السكان ومطالبهم وأسهم في الضغط باتجاه تلبيتها، كما كان له دور هام في تعزيز تدبير الملف من خلال التوصيات الهامة التي ترد في تقاريرها؛ هذا بالإضافة إلى الجهود التي تبذلها على مستوى التحسيس بمعاناة اللاجئين في مخيمات تندوف؛ حيث انخرطت بجدية كبيرة في فضح الانتهاكات والخروقات التي تطال السكان الصحراويين هناك؛ من خلال الوقوف على معاناة الأطفال والنساء والتجاوزات المرتكبة في حقهم جراء التفريق بين الأسر؛ وحرمانهم من حقهم في التعبير. وبعد إحداث المجلس الاستشاري الملكي لشؤون الصحراء كهيئة استشارية وإطار تمثيلي للسكان امتدادا لتعزيز هذه الحقوق بالمنطقة؛ وبخاصة وأنه يضم في تشكيلته مختلف التنظيمات والأطياف القبلية والسياسية. الصحراوية من مقاومين وأعضاء جيش التحرير وأعضاء منظمات وأحزاب محلية تاريخية وممثلي هيئات المجتمع المدني وأعضاء سابقين في قيادة البوليزاريو وشيوخ القبائل ومنتخبين في البرلمان والمجالس المحلية والإقليمية.
ثانيا- حقوق الإنسان ضمن مشروع الحكم الذاتي
يشكل مشروع الحكم الذاتي في الصحراء الذي تقدم به المغرب؛ مدخلا ملائما لبلورة حل عادل ومناسب؛ كفيل بإغلاق هذا الملف الذي عمر طويلا، وبخاصة وأنه سيمكن السكان في الأقاليم الجنوبية من تدبير مختلف شؤونهم المحلية في إطار ديمقراطي.
ومما لاشك فيه أن خيار الجهوية الذي تبناه المغرب منذ سنوات، سيعزز من أهمية وفعالية هذا المقترح.
فهو يعبر في مضمونه عن رغبة وإرادة حقيقيتين لطي هذا الملف، وبخاصة وأنه اقترح صيغة حاولت المواءمة بين مختلف المصالح؛ وتضمن مجموعة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية المكفولة للسكان، ولذلك فقد لقي استحسانا كبيرا من قبل مجموعة من دول العالم؛ بما فيها القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا.
وبإلقاء نظرة على مضمون هذا المشروع؛ يتبين أنه تضمن عددا من الركائز والمقتضيات التي تحرص على صيانة حقوق وحريات السكان، وتضمن ممارستها بشكل ديمقراطي.
فبموجب الفقرة الخامسة والعشرين من هذه المبادرة؛ 'يتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور في مجال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا'.
وتؤكد الفقرة الثالثة منه على أن المبادرة في مجملها تندرج في 'إطار بناء مجتمع ديمقراطي حداثي، يرتكز على مقومات القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي مبادرة واعدة بانبثاق مستقبل أفضل لسكان الجهة، فضلا عن أن من شأنها أن تضع حدا للمعاناة من الفراق والنفي، وأن تساعد على تحقيق المصالحة'.
فيما تحدثت الفقرة الرابعة منه على أن المملكة المغربية تكفل 'من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين سواء الموجودين في الداخل أو الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء'.
ومن جهة أخرى؛ تم التأكيد على أن المبادرة ستخول السكان إمكانية تدبير شؤونهم بأنفسهم بواسطة هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية داخل حدود الجهة، تتمتع باختصاصات حصرية عدة، نذكر من بينها القطاعات الاجتماعية: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية والتنمية الثقافية بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني.
كما ستوفر المبادرة للسكان مختلف الإمكانيات المالية الضرورية اللازمة لتنمية الجهة في كافة المجالات(الفقرتين 5 و12 من المشروع).
وتقديرا لحق السكان في التعبير عن رأيهم إزاء هذه المبادرة؛ أكدت الفقرة الثامنة منها على أن نظام الحكم الذاتي، الذي سيتمخض عن المفاوضات، 'يخضع لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدأ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة'.
وعلى مستوى تعزيز المشاركة السياسية والإسهام في صناعة القرارات الوطنية، جاء في الفقرة الثامنة عشر من المشروع؛ على أنه: 'يمثل سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء في البرلمان وبباقي المؤسسات الوطنية، ويشاركون في كافة الانتخابات الوطنية'.
وبالإضافة إلى ذلك؛ سيتم بموجب هذا المشروع؛ إحداث برلمان للحكم الذاتي بالصحراء؛ يتكون من 'أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة'(الفقرة 18 من المشروع).
واقتناعا بأهمية النهوض بأوضاع المرأة في المنطقة باعتباره مدخلا لمعالجة مختلف الإشكالات والمعضلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى؛ أشار المشروع إلى أنه 'يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي نسبة ملائمة للنساء'(الفقرة 19 من المشروع).
ونال موضوع السكان المحتجزين واللاجئين في مخيمات تندوف أو الصحراويين المتواجدين في مناطق أخرى والعائدين إلى أرض الوطن؛ عناية واهتماما من قبل المشروع الذي سعى إلى إعادة الاعتبار إليهم وسعى لضمان كرامتهم وسلامتهم كمواطنين؛ حيث نصت الفقرة الثلاثون منه على أنه: 'تتخذ المملكة المغربية كافة الإجراءات اللازمة من أجل إدماج الأشخاص الذين تتم عودتهم إلى الوطن، إدماجا تاما في حظيرته، وذلك في ظل ظروف تكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم'. ولهذه الغاية تصدر المملكة بالخصوص عفوا شاملا يستبعد أي متابعة أو توقيف، أو اعتقال أو حبس أو أي شكل من أشكال الترهيب، يبنى على وقائع مشمولة بهذا العفو(الفقرة 31 من المشروع).
' اكاديمي وباحث مغربي
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
الجزائر اعتذرت ومصر لم تتجاوب!
خضير بوقايلة
09/12/2009
لا شيء يوحي بأن جذوة الحرب الشعبية بين الجزائر ومصر ستنطفئ قريبا، مثلما أن بوادر استعارها ليست واضحة تماما. فقد نقلت وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية عن الرئيس المصري حسني مبارك قوله إن علاقات مصر مع الجزائر (لا تهزها بعض الأحداث العارضة)، وقيل إنه أمر زبانية الفضائيات والصحف المصرية بكف ألسنتهم عن شتم الجزائر والجزائريين ووقف الحملة الشرسة التي صعّدوها مباشرة بعد مباراة أم درمان التي أقصي فيها المنتخب المصري من المشاركة في نهائيات كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا.
تزامن ذلك مع زيارة لوزير الطاقة الجزائري شكيب خليل إلى القاهرة للمشاركة في اجتماع للدول العربية المصدرة للنفط وأعلن فيها عن توقيع اتفاق لتأسيس شركة مختلطة مصرية جزائرية للتنقيب عن النفط والغاز في مصر والجزائر وفي بلدان أخرى، باستثمارات قد تناهز مبالغها 15 مليار دولار. وأكد خليل أن الأحداث الأخيرة لن تكون سببا فى قطع العلاقات التاريخية بين مصر والجزائر. وقال الوزير من العاصمة المصرية، إن العلاقات بالفعل بدأت تتحسن وليس هناك دليل على ذلك أكثر من وجودي هنا في القاهرة.
من جهته قال وزير الدولة المصري للشؤون القانونية والمجالس النيابية مفيد شهاب إنه ليس من المصلحة قطع العلاقات الدبلوماسية بين بلاده والجزائر، لكنه مع ذلك أكد أن القاهرة لن تعيد سفيرها، الذي استدعته من الجزائر في عز الحملة الهمجية، إلا بعد اعتذار الجزائر لشقيقتها الكبرى والتعويض عن الخسائر التي لحقت بالمصريين من مصالح وأفراد، مضيفا أن مصر قدمت ملفا تفصيليا عن أحداث مباراة أم درمان للفيفا، كما أنها أعدت ملفا شاملا بحجم الخسائر، التي لحقت بالمصريين والمصالح المصرية في الجزائر، وستطالب بالتعويض الكامل عنها بمختلف الوسائل القانونية، من خلال القنوات الدبلوماسية والقضائية. لم يقل لنا معالي الوزير عن ماذا يريد أن تعتذر الحكومة الجزائرية، عن الهدف الذي سجله عنتر يحيى في شباك الحضري وأقصى بموجبه منتخب مصر من المونديال وخلط أوراق مخطط التوريث، أم عن قرارها إقامة جسر جوي يحمل أنصار المنتخب الجزائري إلى الخرطوم، أم عن رفض رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم محمد روراوة مصافحة نظيره المصري في العاصمة السودانية أم عن مظاهرات الفرح والاحتفالات التي عمت مدن وقرى الجزائر احتفاء بتأهل (الخُضر) إلى نهائيات كأس العالم وأيضا نكاية في (المصريين) الذين أهانوا ضيوفهم في القاهرة؟
الجزائر، يا معالي الوزير، قد اعتذرت لكم، أو على الأقل هذا ما فهمه كثير من الجزائريين من تنقل وزير الطاقة المقرب من الرئيس بوتفليقة إلى القاهرة وإعلانه هناك عن مشروع الشراكة الجزائرية المصرية الجديدة في مجال التنقيب عن النفط. اعتذار لم يجد ترحيبا لدى كثير من الجزائريين الذين يعتقدون أن الاعتذار (إذا كانت هناك ضرورة لأي اعتذار) يجب أن يصدر عن الجانب المصري، خاصة من زبانية الفضائيات الذين سمحوا لمن هبّ ودبّ بشتم ذاكرة الجزائريين وتاريخهم وشرفهم. الجزائريون غضبوا من مبادرة وزيرهم، ومع ذلك يبدو أن معالي الوزير ومن لف لفه لم يفهموا لغة الاعتذار تلك ولا إعلان الوزير الأول الجزائري استعداد بلاده، عن طريق شركات التأمين، دفع تعويضات للشركات المصرية المتضررة من تخريب المتظاهرين الجزائريين لها.
ومثلما أن مفيد شهاب لم يفهم لغة الاعتذار الجزائرية لشقيقتها الكبرى، فإن الجزائريين الغاضبين من وزيرهم شكيب خليل لا يريدون أن يفهموا أن كل ما جرى من شحن وتجاوزات من هذا الطرف أو ذاك لا يعدو أن يكون استغلالا سياسيا بشعا من نظامي الحكم في القاهرة والجزائر لشعبين لم يجدا شيئا يمكن أن يدخل عليهما البهجة والفرح إلا أقدام لاعبي كرة القدم. حكومتان عاجزتان عن توفير أبسط وسائل العيش الكريم لشعبيهما، تفطّنتا إلى أن في تصفيات كأس العالم بصيص أمل في تحويل أنظار المقهورين والمساكين والمحرومين والمغتصَبين عن الأضرار الجسيمة التي ألحقتاها بهم.
حكومتان لا تهمهما ضخامة الأذى الذي لحق بشعبين شقيقين بسبب مباراة سياسية خالصة. حكومتان ورئيسان يرفضان لحد الآن مخاطبة شعبيهما مباشرة وإعلان خطوات تهدئة حقيقية بعيدا عن حسابات السياسة السياسوية. ولعل أخطر ما سمعنا وقرأنا أن الجزائريين باتوا أناسا غير مرغوب فيهم في مدن وجامعات وفنادق مصر، تماما مثلما أن المصريين لم يعد مرحبا بهم في مصانع الجزائر ومؤسساتها الاقتصادية. لا يهم إن كان الجزائري أو المصري له علاقة بكرة القدم أو بما جرى في القاهرة أو في الجزائر بعدها، بل المهم أن يكون ابن هذا البلد أو ذاك.
وقد نقلت صحيفة (الخبر) الجزائرية أمس أن جزائريين منعوا أو رفضوا عودة عمال مصريين إلى مصانعهم بعد ان غادروا البلد خوفا على حياتهم أو تأثرا بالحملات العنصرية التي شنها زبانية الفضائيات المصرية. كما تداولت الصحف الجزائرية وبعض وسائل الإعلام المصرية أخبارا عن مطاردة الطلبة الجزائريين في جامعات مصرية وتنقل كثير منهم، برعاية السفارة الجزائرية في القاهرة، إلى الجزائر هربا من حملات المطاردة العنصرية التي تستهدفهم. أخبار يندى لها الجبين ويهتز لها عرش الرحمن، ومع ذلك فإن السياسيين هنا وهناك فضلوا أن يتحدثوا عن مصلحة البلدين بعيدا عن مصالح الشعبين، ولم تتجاوز محاولات التهدئة الخطب السياسية. لم نقرأ ولم نسمع فخامة الرئيس حسني مبارك أو أحد وزرائه ولا حتى وريث عرشه يزورون أو يستقبلون مواطنين جزائريين مقيمين في مصر لطمأنتهم ودعوتهم إلى البقاء ومواصلة ما جاءوا من أجله إلى ذلك البلد. ولم يصدر ذلك أيضا من الطرف الرسمي الجزائري. بل كل ما شاهدناه هو أن سفير مصر هرب من الجزائر فاتحا الباب لمواطني بلده الذين تركهم يواجهون أسوأ المخاطر لوحدهم وزبانية القاهرة يصبون الزيت على النار. لم يتجرأ أي وزير في حكومة بوتفليقة ولا حتى فخامته شخصيا على التدخل وإبلاغ المقيمين المصريين في الجزائر والجزائريين أيضا أن هؤلاء العمال والموظفين مقيمون شرعيون وحماية أرواحهم وممتلكاتهم هي من مسؤولية الدولة والشعب الجزائري.
وكأن الحكومة الجزائرية أيضا كانت فرحة لهروب طلبتها من الجامعات المصرية، وبدلا من إجبار الحكومة المصرية على حمايتهم تحت طائلة الاتفاقيات الدولية، سارعت إلى فتح جسر جوي لعودتهم إلى الجزائر ووعدتهم بتسهيل إدماجهم في الجامعات الجزائرية.
مبادرات لا تعبر إلا عن قصور في الرؤية وبحث عن الحلول السهلة بعيدا عن شعارات الأخوة والقومية والتضامن الفارغة التي طالما تغنى بها البلدان. مبادرات ظاهرها حماية كل حكومة لشعبها وسعيها للحفاظ على كرامته، وباطنها إذكاء الفتنة والفرقة والمساهمة في تعميق شرخ العداوة بين شعبين ما يجمعهما من آمال وأحلام وهموم أكثر مما يفرقهما.
' كاتب وصحافي جزائري
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :