عنوان الموضوع : العدالة المفقودة في الانظمة القضائية المعاصرة اخبار الجزائر
مقدم من طرف منتديات العندليب
العدالة المفقودة في الانظمة القضائية المعاصرة د. سعيد الشهابي20/01/2016 برغم الحديث عن 'العدالة' وضرورتها لارساء أسس المجتمعات واقامة الدولة العصرية الحديثة التي لا تظلم أحدا، فان القليل من الناس يعتقد بان هذا المطلب قد تحقق فعلا، او ان العدالة اصبحت ظاهرة عامة لاجهزة القضاء في هذه البلدان. مع ذلك فهناك اعتراف عام بوجود 'عدالة نسبية' وليست مطلقة في البلدان التي فصلت بين السلطات الثلاث.ولكن ثمة تشكيكا حول مرجعية العدالة او تعريفها، فما هو 'العدل'؟ وما شروطه؟ وكيف يمكن تحقيقه؟ هل هو قيمة مطلقة ام مرتبطة بالزمان والمكان؟ هل هي قيمة واضحة في اذهان من يجلس على كرسي القضاء؟ ام انها تستمد معناها من 'القانون'؟ ما مدى عدالة القانون؟ المشكلة تنبع من ثقافة المجتمع المعاصر الذي يسعى للتخلي عما يعتبر 'ثوابت' في التشريعات الدينية، ويخضع تلك المفاهيم والقيم للتجربة البشرية، وبالتالي يصعب اصدار احكام مطلقة على مدى 'انسانية' هذه القيم، لان تعريف الانسانية نفسه اصبح خاضعا للاجتهاد البشري. والامر هنا شبيه بالمصطلحات الاخرى التي اصبحت تمثل جانبا من هموم المجتمع المعاصر. فما هو 'الارهاب' مثلا؟ هل له تعريف مطلق؟ ام انه يخضع لاعتبارات سياسية وايديولوجية مرتبطة بالزمان والمكان اللذين تعالج فيهما؟ هذا السجال ينطبق كذلك على مقولة 'الديمقراطية' و'حقوق الانسان' وغيرها من مقومات المجتمع المعاصر الذي تتم صياغته وفق منظومة الحضارة الغربية السائدة. هذه الحضارة تخضع بقدر كبير للتغيرات الفكرية والايديولوجية في المجتمعات الغربية، ويمكن القول انها اصبحت محكومة الى حد كبير بمقولات 'ما بعد الحداثة' التي تجعل التجربة البشرية اساسا للتصورات والمفاهيم والقيم. ان خضوع (او إخضاع) الانظمة القضائية للتطورات الفكرية التي لا تنفصل عن التطورات الفكرية والثقافية لتلك المجتمعات يقلل من وهج الادعاء بالاستقلال التام لنظام القضاء. فما دام العنصر البشري مشتركا ومتداخلا بين السلطات الثلاث، فمن غير المعقول القول بامكان الفصل الكامل بينها. وثمة مفارقة مهمة تتصل بالحديث عن العدالة في المجتمع المعاصر. ففي الوقت الذي يتسابق الغربيون فيه للتباهي بالتطورات في الانظمة القضائية، فان هذه 'العدالة' نفسها اصبحت ضحية للتطورات المذكورة، وما تزال تخضع للتدخلات السياسية بشكل فاضح. فمثلا اتخذت بريطانيا في الاسابيع الاخيرة قرارا باجراء محاكمات تقتصر على القضاة وحدهم، ولا تعتمد على وجود هيئة محلفين كما هو سائد. هذا التطور هو الاخطر منذ بدء العمل بالنظام القضائي المعتمد على وجود افراد من المواطنين العاديين في المحاكم الجنائية مهمتهم الاساسية تدين المتهم او تقوم بتبرئته. كما ان هناك جنوحا لدى القضاء البريطاني للسماح للادعاء بتقديم ادلة مستوحاة من التصنت على الهواتف او عن طريق بقية اشكال التجسس. وبذلك تصبح هذه 'العدالة' التي تستحوذ على نصيب الاسد من الموازنات العامة، خاضعة ليس لمرجعية ثابتة تحدد اطرها، بل للتجربة البشرية المتغيرة، بما فيها اساليب التجسس والتنصت وكافة اشكال التعامل غير المتفق على مدى شرعيتها او انسانيتها. وعلى سبيل المثال، يتفق كثير من خبراء القضاء والمحاماة على ان خالد الشيخ محمد، المتهم بالتخطيط لحوادث 11 ايلول/سبتمبر، سوف يفلت من الادانة فيما لو قدم امام محكمة مدنية عادية على الاراضي الامريكية، لسبب واحد، وهو ان بعض الاعترافات التي سوف يقدمها الادعاء ضده قد انتزع باستعمال شكل من التعذيب يوحي للضحية بالغرق وذلك بصب الماء على فمه وانفه بشكل متواصل حتى يكاد يفقد انفاسه. فما دامت 'الاعترافات' مسحوبة تحت التعذيب فانها ليست مرفوضة فحسب، بل تستدعي محاكمة مرتكبي جريمة التعذيب. ولذلك تمر السنوات بدون تقديم هؤلاء للمحاكمة. فأين العدالة هنا؟ واذا كان الرئيس الامريكي، باراك اوباما، قد خاض حملته الانتخابية بتقديم وعود باعادة الممارسات الامريكية الى جادة الطريق واحترام حقوق الانسان والحفاظ على عدالة القضاء، فانه لا يبدو اليوم اقرب الى تنفيذ تلك الوعود عما كان عليه يوم اطلقها. فاذا كانت الليبرالية الامريكية قد عجزت عن تقنين منع التعذيب بشكل حاسم، وسمحت لنفسها بممارسته عمليا على مدى سنوات، وأنشأت سجونا سرية في ثلاثين بلدا، ونظمت رحلات سرية للسجناء المخطوفين من بلدان شتى، فانها قادرة ايضا على التكيف مع نظام قضائي هدفه خدمة النظام السياسي بالاضافة الى الفصل في الخصومات والنزاعات بين الناس ضمن الاطار السياسي الحاكم في البلاد.في مطلع الشهر اصدرت محكمة امريكية حكما ببراءة موظفي شركة بلاكووتر الذين قتلوا في 2016 عددا من العراقيين. فقد رفض قاض أمريكي كل التهم الموجهة لخمسة حراس من شركة بلاك ووتر الأمنية الأمريكية في جريمة القتل المذكورة. واعتبر القاضي أن الحكومة الأمريكية 'انتهكت باستخفاف الحقوق الدستورية للمتهمين'، وأن المدعين 'استخدموا خطأ أقوالا أدلى بها الحراس لمحققي وزارة الخارجية تحت تهديد فقدان وظائفهم'.وكان حراس بلاك ووتر قد أطلقوا النار في ساحة النسور ببغداد أثناء مرافقتهم موكب دبلوماسي في 16 ايلول/سبتمبر 2016 مما أدى إلى مقتل 14 مدنيا وإصابة عشرين على الأقل، بينهم نساء وأطفال. هذا الحكم كان بمثابة الصاعقة على اسماع العراقيين الذين لم يشكوا يوما في فداحة الجرم الذي ارتكبه موظفو تلك الشركة بحق ابنائهم. وقال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إن تبرئة عناصر شركة بلاك ووتر الأمريكية فيه إجحاف كبير بحق العراق والعراقيين والشهداء الذين قتلوا بأيدي العصابة التي مارست عملية القتل بطريقة بشعة. وأضاف: ' قمنا بما ينبغي علينا لحماية أرواح المواطنين وأخذ الحق من الذين ارتكبوا الجريمة وشكلنا لجانا وسنقيم دعوى على شركة بلاك ووتر وسنطاردها سواء فى أمريكا أو نقيمها هنا فى العراق ولن نتنازل عن أخذ الحق من هذه الشركة'. وهنا تبرز تساؤلات جوهرية حول مدى تأثير النظام السياسي على مجرى العدالة، وما اذا كان هناك نظام قضائي لا يخضع للنظام السياسي. فمهما كانت دعاوى القائلين بامكان الفصل بين السلطات، فان ما يجري في قاعات المحاكمات في الدول الغربية مرتبط بالمرجعية الفكرية للنظام الحاكم، وبالتالي فالقضاء انما هو مكمل للسلطة التنفيذية التي هي الاخرى غير منفصلة تماما عن السلطة التشريعية. فما دام اعضاء الحكومة افرادا يتم اختيارهم من بين الاعضاء المنتخبين للبرلمانات، فان حلقة التواصل بين الجهتين لا يمكن تجاوزها. انه تداخل حقيقي بين السلطات لا بد ان يترك آثاره على سير كل منها. فوزير العدل في الدول الديمقراطية غالبا من يكون عضوا برلمانيا منتخبا ينتمي للحزب او التحالف الحاكم. وهنا لا بد من الاشارة الى حقيقة متصلة بالقضاء والعدالة، وهي الرفض الامريكي المستمر عبر العقود لاخضاع المواطنين الامريكيين لانظمة القضاء في البلدان الاخرى. هذا المبدأ كان واحدا من اسباب الخلاف بين الحكومتين العراقية والامريكية العام الماضي ازاء الاتفاقية الامنية المعروفة بـ 'سوفا'. فمن بين القضايا التي كانت موضع خلاف بين الطرفين اصرار الجانب الامريكي على رفض مثول المسؤولين والجنود الامريكيين للقضاء العراقي، الامر الذي رفضه العراقيون، حتى توصلوا الى حل وسط يحفظ ماء وجه الطرفين. بل يمكن القول بان هذا الموقف الامريكي لعب دورا في التأسيس للثورة الاسلامية في ايران. ففي تشرين الاول /نوفمبر 1963 وقع الشاه اتفاقية 'سوفا' مع الولايات المتحدة، التي تنص على محاكمة الجنود الامريكيين امام محاكم امريكية في الثكنات العسكرية وليس امام المحاكم الايرانية. وبعد ان اقر البرلمان الايراني هذه الاتفاقية ثار الامام الخميني ضد تلك الاتفاقية، فاعتقل ونفي لاحقا الى تركيا، وتواصل عمله ضد نظام الشاه حتى سقط لاحقا. ان اصرار امريكا على رفض مقاضاة مواطنيها امام محاكم الدول الاخرى يعكس عددا من الامور: اولها حالة الغرور والاستكبار لدى الولايات المتحدة في مقابل دول العالم وشعوبه، ثانيها: اعتبار الانظمة القضائية لدى الدول الاخرى دون المستوى الذي يحقق 'العدالة' من منظورها. ثالثها: الاصرار الامريكي على حماية الجنود والمسؤولين المجرمين من طائلة القانون. هذه مفارقة يصعب احيانا اعطاء تفسير مناسب لها، خصوصا في ضوء نظام قضائي يشجع مواطنيه على رفع الشكاوى لاتفه الاسباب. فما اكثر القضايا التي رفعت امام القضاء ضد مطاعم او مقاه بسبب الحرارة المرتفعة لأكواب الشاي والقهوة، او انسكاب مشروب على الثياب. هذا فضلا عن القضايا التي تقام على اساس تشويه السمعة او الاعتداء الكلامي او الاتهام الخاطىء. ربما يكون ذلك كله مشروعا، ولكن الامر الذي يصعب فهمه، رفض محاكمة الامريكيين من قبل الجهات الدولية الاخرى. والا فما هذا الاصرار على رفض توقيع البروتوكولات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية التي وقع عليها ثلثا دول العالم؟ هذا مع العلم ان امريكا هي اكثر الدول التي يخوض جنودها غمار الحروب ويرتكبون ابشع الفظاعات بحق الآخرين سواء بسبب اخطائهم الفنية ام نوازعهم الذاتية نحو الاجرام. وفي بلد تتراوح التقديرات حول عدد قطع الاسلحة التي يملكها المواطنون فيه ما بين 200 و300 مليون قطعة، فان احتمالات ارتكاب جرائم قتل واعتداء داخل امريكا وخارجها امر وارد جدا، ومن الضروري ان يكون للقانون مجراه للسيطرة على الامر وحماية ارواح البشر. الامر الواضح هنا ان ما يدفع الولايات المتحدة لاملاء شروطها على البلدان الاخرى انما هو الشعور بالقوة او النصر. فالمحاكم التي يشكلها المنتصرون او الاقوياء تفتقر عادة الى عنصر 'العدالة' وكثيرا ما يطلق عليها مصطلح 'عدالة المنتصر' للاشارة الى غياب تلك العدالة. ويسميها بعض المنظمات الحقوقية الدولية 'انتقام المنتصر'. فعندما تحسم المعركة لصالح احد طرفي النزاع، فكثيرا ما يلجأ للانتقام في الحالات السيئة او المحاكمات الصورية في الحالات الاقل سوءا. وفي الحالتين فان الطرف الاضعف في المعادلة مطالب بدفع ثمن خسارته في صورة محاكمات جائرة يفرضها الطرف الاقوى. ان 'عدالة المنتصر' من بين أسوأ ما خلفته الحرب العالمية الثانية. فبرغم المحاكمات التي اجريت في نورومبرغ، التي ابتدأت بـ 'محاكمة مجرمي الحرب الكبار' في صيف 1945 ثم محاكمات 'الاطباء' و'القضاة' فثمة اجماع على وصف احكامها بـ 'عدالة المنتصر' التي تنطوي على افتقارها العناصر الاساسية للعدالة.هذه المحاكمات تجرى نظائرها في اغلب دول العالم، فعندما يقدم المعارضون لمحاكمات امن الدولة، فانهم نادرا ما يحظون بأدنى مستلزمات العدالة. فهذه المحاكمات تدافع عن النظام السياسي وتعتبر مناوئيه اشرارا او مجرمين. ولذلك ترفض الحكومات العربية الاعتراف بوجود 'سجناء سياسيين' وذلك من منطلق ان معارضة النظام 'جريمة' يعتبر من يمارسها 'مجرما'، وكذلك من يختلف مع النظام الحاكم في سياساته ومواقفه وايديولوجيته. ان العدالة تغيب عادة من هذه المحاكمات التي كثيرا ما تكون صورية وتعتمد على الافادات التي تنتزع تحت طائلة التعذيب، تماما كما تغيب عندما يجبر النظام على محاكمة شخص مسؤول. ومن ذلك محاكمة عيسى بن زايد بتهمة تعذيب احد مستخدميه. تلك المحاكمة التي اجريت بضغط من الولايات المتحدة الامريكية برأت المتهم مما نسب اليه بشكل احدث ردة فعل سلبية لدى المنظمات الحقوقية الدولية. وقد علقت منظمة 'هيومان رايتس ووتش' المعنية بمراقبة حقوق الإنسان، على الحكم بالقول إن على الحكومة الإماراتية القيام بخطوات أكثر من مجرد محاكمة الشيخ عيسى، 'إن أرادت استعادة الثقة بنظامها القضائي.' ودعت المنظمة الإمارات إلى إنشاء جهاز مستقل للتحقيق في التعديات وأعمال العنف المنسوبة إلى شخصيات أمنية وعسكرية.فاذا كان اصرار العراقيين على رفض توقيع اتفاقية 'سوفا' قد دفع الطرفين للتوصل الى حلول وسط، وذلك بتشكيل لجان مشتركة عندما يتهم الجنود الامريكيون بارتكاب جرائم، فان الدول الاخرى التي وقعت اتفاقات دفاع مشترك مع الولايات المتحدة لم تجرؤ على المطالبة باخضاع الامريكيين للقضاء المحلي. وقد وقعت جميع دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقات دفاعية مع واشنطن، ولم تعترض على البنود التي توفر حصانة للجنود الامريكيين. لا شك ان العدل اساس الملك، وان الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم، وبالتالي فان غياب ظاهرة 'عولمة العدالة' مؤشر سلبي للواقع السياسي الدولي اليوم، واصلاح هذا الخلل الكبير يتطلب جهودا كبيرة وتنازلات ما تزال الدول الكبرى غير مستعدة لها، ليس لانها مستحيلة التنفيذ، بل لانها تهدف لاقرار مبدأ المساواة امام القانون، بين الغني والفقير، والضعيف والقوي، بين المنتصر والمهزوم عسكريا، وبين الامريكي وغيره، وهذا ما لم تتوفر الارادة لتنفيذه حتى الآن. ان غياب ظاهرة العدالة المطلقة عن النظام القضائي الدولي يبعث على القلق والشعور بخيبة الامل. مطلوب تنقيح مفاهيم 'العدالة' والسعي لعولمتها، والابتعاد عن الانتقائية والتمييز بين البشر امام القانون. فالناس متساوون ولا فضل لأحد على أحد، وهذه المساواة يجب ان تتجسد امام القانون وعند تحديد الحقوق والواجبات في الدساتير والقوانين. وبدونها سيظل العالم يئن تحت وطأة الظلم، وهو آفة المجتمعات والامم.' كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
سلام عليكم بارك الله فيك ومشكور على الموضوع
اخي لا عدل الا عدل الله
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
بارك الله فيك ..
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
سلام عليكم هدي الحقيقه التى لازال ينكرها كتير من خلق الله ولا يطبقها كتير من المسلمون ويا للاسف
نسال الله الهداية لامتنا الحبيبه امة محمد صلى الله عليه وسلم
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :