عنوان الموضوع : المؤتمر القومي العربي و'المشروع النهضوي العربي' خبر جزائري
مقدم من طرف منتديات العندليب

المؤتمر القومي العربي و'المشروع النهضوي العربي'
علاء الدين الأعرجي


4/15/2016


1ـ يعتبر المؤتمر القومي العربي الوليد الشرعي لمركز دراسات الوحدة العربية، نظرا لأنه انبثق من رَحِمِهِ، كما أنه كان وما يزال، يستمد منه منطلقاته الفكرية، ويؤسس على بحوثه النظرية والعملية الثرَّة - التي قاربت 750 كتاباً في مختلف فروع المعرفة، و374 عددا من مجلة 'المستقبل العربي'،(200-300 ص) الدَسِمَة، التي تشكل بمجملها موسوعة حضارية عربية: سياسية، اقتصادية، سوسيولجية، علمية، نقدية، لغوية جامعة - أقول يؤسس من كل تلك الثروة الثقافية؛ البنى التحتية لدراساته، (ولاسيما التقرير السنوي لـ'حال الأمة') ومناقشاته وتوصياته ومقرراته، خلال السنوات العشرين الماضية. ومن أهم المشاريع التي أنجزها المركز هو مشروع 'استشراف مستقبل الوطن العربي'، عام 1988. ومن خلاله، ظهرت الحاجة إلى مشروع نهضوي. لذلك فإن المؤتمر القومي العربي، منذ إنشائه في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وضع نصب عينيه تحقيق أهم هدف من أهدافه وهو 'الإسهام في شحذ الوعي العربي بأهداف الأمة المتمثلة في مشروعها الحضاري الذي يتألف من ستة عناصر متكاملة: وهي: الوحدة العربية والتجدد الحضاري، والديمقراطية، والتنمية المستقلة، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني والقومي.(المادة الثانية من النظام الأساسي للمؤتمر)
2ـ وقد خضعت حيثيات هذا المشروع في عناصره الستة وتفرعاتها، للبحث والمناقشة والتمحيص من جانب مئات المفكرين والأكاديميين والسياسيين خلال العقدين السابقين. وصدرت بشأنه ثلاث مسوَّدات، عُممت على أعضاء المؤتمر لبيان ملاحظاتهم . كما عقد مركز دراسات الوحدة العربية حلقة نقاشية في القاهرة في عام 1997. وفي عام 2016، عقد المركز أهم ندوة فكرية لمناقشة المشروع في مدينة 'فاس' التاريخية في المغرب، اشترك فيها أكثر من مئة باحث ومفكر من كافة التيارات الفكرية.
3ـ وقد عُرضت ونوقشت آراء متضاربة حول طرح المشروع النهضوي العربي أصلا ، منذ ذلك الحين. فقيل إن الأوضاع العربية المتردية لا تسمح بكثير من الإدعاء والمكابرة بالحديث عن مشروع حضاري نهضوي بينما تعيش الأمة أسوأ أيامها. وإذا قيل هذا في ذلك الوقت، فإن هذا القول سينطبق على الفترة الراهنة من باب أولى، بل يصبح أكثر انطباقا وصدقا عشرات المرات، لأننا قطعنا أشواطا أبعد وأعمق في التردي في هاوية لم يظهر قرارها بعد . أي إن التساؤلات الواردة أعلاه لها ما يبررها ويدعمها اليوم على نحو أكبر. ومع ذلك عُـرضت آراء معارضة لهذه الحجة منذ ذلك الوقت، من عام 2016-2016 ، تقول : بأن ظروف التراجع والانكسار هي أمثل الظروف لطرح السؤال عن البدائل الشاملة، والبحث عن البوصلة الضائعة التي تهتدي بها الأمة للخروج من متاهة الإبحار في الضياع ، وبأن حاجة الأمة اليوم أكثر ما تكون إلى مشروع كبير لا إلى حلول سياسية توفيقية.(خيرالدين حسيب، مدير عام مركز دراسات الوحدة العربية، في تقديم مجلد' نحو مشروع حضاري نهضوي عربي'، الذي تمخض عن الندوة الفكرية التي نظمها المركز في فاس، 2016، ص 55 ).
4ـ وبعد تمحيص هذين الرأيين من جانب أجهزة 'مركز دراسات الوحدة العربية'، وإجراء مشاورات بين أعضائه، تقرر أن يخوض المركز في معترك التحدي 'متسلحا بإيمان راسخ بان الأمة قادرة على مغالبة محنتها واستعادة عافيتها، كما كان أمرها في سوابق التاريخ، وبأن حاجتها قوية إلى رؤية شاملة تعتصم بها وتسترشد في سعيها إلى تحقيق يقظة جديدة تستعيد بها توازنها وتسترجع قدرتها على ضخ الحيوية والدينامية في فاعليتها الحضارية. ومع ذلك ظل متسلحا بالحذر العلمي ضد استسهال مهمة صناعة هذه الرؤية، وضد السقوط في شراك الادعاء والمكابرة'(خير الدين حسيب، المرجع نفسه). وفي مقدمة غنية بالشواهد التاريخية الموثقة يعرض الدكتور عبد الإله بلقزيز الحجج التي تثبت أن بعضا من أهم المشاريع النهضوية قد تحققت أثناء الكبوة والانكسار مما 'يحمل الوعي على خوض مغامرة الابداع بحثا عن أجوبة كبرى عن معضلات الهزيمة والتراجع في تجارب الأمم والشعوب'(بلقزيز، مقدمة مجلد' نحو مشروع حضاري نهضوي عربي'، ص)
5ـ ومع ذلك يظل السؤال الحائر: هل أن المؤتمر القومي العربي، يستطيع بإمكاناته المحدودة، 'خوض مغامرة الإبداع' ومعالجة هذه الكوارث التي أصابت الأمة وربما قد تتفاقم أكثر في المستقبل، بالنفاذ إلى أسبابها الجذرية من خلال المشروع الحضاري النهضوي العربي الذي طرحه مركز دراسات الوحدة العربية، وتبناه المؤتمر في المادة الثانية من نظامه الأساسي؟ وهل الحلول الآنية والسطحية البديلة مجدية أكثر، أم تعتبر خادعة أومضللة، بل هي جرعات دوائية مسكنة، في أفضل الأحوال؟
6ـ ربما تجيب العبارة التالية المقتبسة من المشروع النهضوي العربي عن هذه التساؤلات:' قد تصاب الأمة في لحظة من تاريخها بالكبـْو، فتنتكس حركة التراكم والتقدم فيها، وربما تنقلب على الأعقاب . لكن الفكرة العليا التي صنعت الأمة وصنعت لها حضارة وسلطانا في التاريخ تظل - مع ذلك كله- حية في أذهان قسم ولو قليل من أبنائها فتدفعه إلى الحنين إلى استدعائها .. وتدفعه إلى التوسل بها مادة يبني عليها وبها طموحا أو مشروعا للانتهاض من جديد من أجل اللحاق بغيره ممن اقتحم آفاق التاريخ وذهب بعيدا في مغامرة التقدم والبناء الحضاري'. (من وثيقة 'المشروع النهضوي العربي' النهائية، ص13-14) وبعد أن تستعرض الوثيقة الحركات النهضوية التي انبثقت بعد الهزات، التي أصابت الأمة، منذ أواسط القرن الماضي وانتهاء بالغزوة الأمريكية للمنطقة يقول ' إن لحظة التراجع العربي العام التي بلغت ذروتها في الوضع العراقي الراهن ،(بل أقول: بلغت ذروتها في فلسطين المنهوبة) ستشكل البيئة الموضوعية الطبيعية للرد بمشروع نهضوي تستأنف به الأمة مسيرتها نحو الانتماء إلى التاريخ '.(ص15 المرجع نفسه)
مداخلة
إذنً يرى المؤتمر- ومركز الدراسات- أن النكبات والتراجعات يمكن أن تشكل حافزا لانبثاق وعي جديد بأهمية النهوض بل ضرورته الملحة، لذلك تتطلع الأمة إلى مشروع نهضوي قابل للحياة.
- 8 وهنا يمكن أن نلجأ إلى نظرية المفكر والمؤرخ الكبير أرنولد توينبي، A.Toynbee (بريطاني، 1889-1975)، الشهيرة في' التحدي والاستجابة'، Challenge and response ، التي يفسر بها أحداث التاريخ الكبرى، بل يفسر بها ظهور الحضارات واندثارها. ويرى أن هناك نوعين من التحديات: أولا: الطبيعية ولاسيما المناخية والطبوغراtية، وثانيا:البشرية. ونرى أن الأخيرة تنطبق على الأمة العربية منذ مطلع القرن التاسع عشر حتى اليوم. لأنها تتعرض لغزو خارجي متواصل.(انظر علاء الدين الأعرجي،'أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي' أرنولد توينبي ، ص50-56) ومع أن توينبي اعتبر، في مؤلفاته الرئيسية الأولى، ومنها موسوعته التاريخية الشهيرة'دراسة للتاريخ'، Study of History، (في 12مجلدا) اعتبر الحركات التحررية في الوطن العربي لم تكن كافية لمواجهة التحديات الخارجية، وأن الحضارة العربية الإسلامية في طريقها إلى الانقراض، غير أنه أصبح متفائلا أكثر لدى زيارته المنطقة العربية في الستينيات من القرن الماضي، حين أشار ، في كتابه 'من النيجر إلى النيل'، إلى 'أن الوحدة العربية آتية'، ولكنه اشترط وضع الثروات العربية بسلة واحدة واستثمارها بكفاءة عالية، وأوصى باستزراع الأراضي الشاسعة، وإقامة صناعات متقدمة. كما أشار في كتابه 'العالم والغرب' على بلدان العالم الثالث، بما فيها البلدان العربية والإسلامية، أن تحارب الغرب بنفس أسلحته، ويقصد بها العلم والتكنولوجيا، وتطبيقاتها الصناعية والفنية والعسكرية. ولكن العرب لم يستمعوا إليه بل ظلوا ماضين في غيـّهم فوصلوا إلى هذا الحضيض. وهكذا فإن هذه التوقعات المتفائلة لم تتحقق، وربما لن تتحقق، لأسباب ذاتية وخارجية. بل ما برحنا نبتعد أكثر فأكثر عن تحقيقها ، خصوصا بسبب ما يحدث اليوم في السودان وفي اليمن، وفي العراق من نزاعات دينية ومذهبية وطائفية قد تنتهي بتقسيمها.(أنظر مثلا مقالتي في صحيفة 'القدس العربي' : هل سيصبح العراق في ذمة التاريخ؟ قريبا سنيستان وشيعيستان وكردستان ؛12/11/2016).
9 ـ نعود إلى نظرية توينبي وإلى وثيقة المشروع النهضوي العربي، إذ يمكن أن يُستنتج من هذه الوثيقة، التي عممها مركز دراسات الوحدة العربية على أعضاء المؤتمر القومي العربي، أن هذه التحديات البشرية الخارجية(المتمثـــلة بالغزو الخارجي)، التي تحدث عنها توينبي، أسفرت، مــــنذ مطلع القــــرن التاسع عشر، عن حركة حضارية رفع رايتها خاصة محمد علي باشا في مصر ثم خير الدين التونسي في تونس، تلتها نهضة فكــــرية، تحققت في أعمال عدد من المفكرين منهم رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وجمال الأفغاني والكواكبي وقاسم أمين وشبلي شميل وسلامة موسى وغيرهم وصولا إلى طه حسين ورفاقه. كما أسفرت عن ظهور حركات الاستقلال الوطني في مصر(1952) والعراق(1958) وبقية البلدان العربية. ولكننا نلاحظ أن النتائج النهائية لهذه النهضة وهذه الحركات لم تتمكن من تحقيق الأهداف المرجوة منها.
10ـ وأضيف إلى ذلك كله، أن هذا المشروع الحضاري النهضوي يجسد، على الأرجح، تطلعات نخبة واسعة من المثقفين العرب، مدعومة من جانب معظم شرائح المجتمع العربي، التي تتطلع إلى غد أفضل. هذه النخبة ما تزال تصر على السعي لإنقاذ هذه الأمة من هذه الغمة، ثم رفعها، على الأقل، إلى مصاف الأمم التي نهضت خلال الثلث الأخير من القرن الماضي وحققت إنجازات مهمة من أمثال الهند وماليزيا وأندونيسيا والصين وغيرها.
11ـ إن البديل عن هذه المحاولة الجادة المدعومة بخطوات عملية مهمة، خصوصا في الفصل الأخير من الوثيقة، هو الصمت والانعزال واليأس، في وقت تلعلع فيه أصوات القوى الإمبريالية، بما فيها أصوات وأفعال نتنياهو، من جهة، وأصوات وأفعال القوى الرجعية السلفية التكفيرية من جهة أخرى. وهنا تصبح القضية مصيرية؛ أي مسألة اختيار بين إرادة البقاء أو مواجهة الفناء. ويُفهم تماما من حديث نتنياهو في كتابه' 'مكان تحت الشمس' أن إسرائيل تهدف أولا إلى إخلاء الضفة الغربية وغزة من الفلسطينين،( أعلنت الحكومة الإسرائيلية يوم ،11/4/2016،عن وجوب ترحيل 70 ألف فلسطيني من الضفة الغربية) لأن كل فلسطين هي أرض لليهود وأن العرب المسلمين احتلوها في زمن عمر بن الخطاب، وأستولوا على جميع الأراضي التابعة لليهود، حيث حل العرب محلهم. لذلك يجب عليهم الرحيل منها، فهم دخلاء على الأرض التي منحها الإله 'يهوه' لليهود منذ 3000 ســــنة،(انظـــــر مواضـــع عدة في العهد القديم منها سفر تثنية الاشتراع، الفصل السادس،10 و 11) كما صرح بذلك مؤخرا عن القدس التي بناهــا اليهود حينئذ. ويهدف ثانيا إلى السيطرة على كل العرب بالقوة التي يسميها قوة 'الردع'، حتى بعد التطبيع، لان العرب لا يحفظون عهدا 'فابسلهم إبسالا ً . لا تقطع معهم عهدا ولا تأخذك بهم رأفة'(تثنية الاشتراع، السابع، 2)(ترجمة الكتاب المقدس المعتمدة بإشراف ابراهيم اليازجي)
12ـ فما دام الصراع بيننا وبين الآخر صراع وجود وليس صراع حدود، لذا يجب أن يظل المؤتمر القومي، مدعوما بمبادرات وأبحاث مركز دراسات الوحدة العربية، على الأقل، صوتا عربيا قوميا حضاريا مجلجلا، بل الصوت العربي الشعبي الوحيد، الذي تمثله هذه النخبة المثقفة المتميزة، والذي يعبر عن طموحات وتطلعات جماهير الشعوب العربية، من المحيط إلى الخليج، ولاسيما تطلعات الشعب الفلسطيني الصامد والمكافح، في سبيل قضيته العادلة. فبدل أن نظل نلعن الظلام لنشعل ولو شمعة واحدة.
13ـ ومع ذلك أرى أن لا يـُنتظر من المؤتمر القومي العربي أن يحل معضلات الأمة العربية بعصا سحرية، وذلك لأنه لا يمثل سلطة سياسية أو حزبية، بل هو مجرد مرجعية فكرية، قومية وشعبية، في القضايا المصيرية التي تواجهها الأمة، مما يشكل قوة ضغط سياسية وفكرية ، غير مباشرة، تعمل من خلال جهود أعضاء المؤتمر( قرابة 800 عضو) المنتشرين في جميع أرجاء الوطن العربي والمهجــر. ومعظمهم ناشطون ككتاب وباحثين ومفكرين وممارسين.
14ـ ومع ذلك يجب الاعتراف بأن المؤتمر بحاجة إلى عملية جرد ونقد، أي عملية تقويم السلبيات والإيجابيات، بمنهجية موضوعية ونقدية صارمة، ومن خلال إنشاء جهاز مخصص، ينظر في منجزات المؤتمر وإخفاقاته فضلا عن وسائل تطويره وتفعيله. ومنذ دعوتي للاشتراك في عضوية المؤتمر في دورته الثامنة عام 1998، اقترحت تشكيل هذا الجهاز، كما اقترحت إنشاء 'جامعة عربية شعبية'، تمثل إرادة الشعوب، وتتحدى هذه الجامعة العربية الكسيحة القائمة التي تمثل إرادة الانظمة العربية التابعة والخاضعة. ولئن وافق المؤتمر أخيرا ً على النظر في الاقتراح الأخير، في دورته العشرين السابقة، إلا أنه لم ينظر أصلا ً في اقتراحي الأول. ومع تقديري الكبير لتقارير الأخ الدكتور خير الدين حسيب الدورية في تقويم أعمال المؤتمر، إلا أنني كنت وما أزال أطمح إلى أكثر من ذلك. ولاسيما إشراك مفكرين، وجـِهات من خارج المؤتمر. فعملية جرد حسابات الشركات تجريها شركات أخرى مستقلة. والحديث يطول مما لايتسع له المقام.

' كاتب عربي من العراق


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

مشكور أخي على هذا المجهود الطيب...........


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

سلام عليكم شكرا على الموضوع

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :