القيادة الجماعية للجيش
Collegial Commandment
إن ما يميز أسلوب قيادة الجيش الجزائري هو القرار الجماعي. حيث يلتقي عادة الضباط الكبار، يتناقشون ويتخاصمون ويعرضون وجهات نظرهم المختلفة وينهون اجتماعاتهم بالتصويت على أن يلتزموا بما تم الاختيار عليه. لا يوجد ضابط واحد قاد الجيش الجزائري قيادة هرمية مطلقة. فهذا الجيش، لأسباب تاريخية، لم يتخلص بعد من القيادة الأفقية التى تحكم خياراته الكبرى. وهو ما يفسر غياب الانقلابات العسكرية. فقيادته غير منسجمة وتعكس توازنات جهوية، إثنية وثقافية والأهم من ذلك اختلاف وجهات النظر. خالد نزار(أصبح يطلق عليه في الجزائر لقب الجنرال المواطن أو الجنرال الصحفي) اعترف أخيرا في مقال له يرد فيه على بيان الرئيس اليمين زروال التحذيري بأنه لم يخرج من القيادة العسكرية بسبب المرض كما روج وإنما لأسباب سياسية سيرويها لاحقا حينما تسنح الفرصة. هذه حجة على أنه لم يكن قائد الجيش القوي كما اعتقد. نفس الشىء بالنسبة إلى قائد الأركان الحالي الجنرال محمد العماري الذي يبدو أن وجوده على القيادة يعكس التوازنات أكثر منه نفوذا حقيقيا علي الجيش. لا بد من فهم أن المؤسسة العسكرية الجزائرية مستقلة عن الأفراد. وقوتها تكمن في كونها المؤسسة التي أنشأت الدولة الجزائرية ووحدت مؤسساتها وضمنت بقاءها. هذه المؤسسة، مثلها مثل المجتمع نفسه، لا تقبل بزعيم مطلق يقودها بدون منازع" .
لكننا في المقابل من الممكن أن نتحدث عن هيمنة بعض الضباط على كامل المؤسسة. ما يمكن أن نسميهم بالجنرالات الأربعة. تكمن القوة الأساسية لهذا التحالف بين "الأربعة" في كونه يسيطر سيطرة كاملة على قيادة الجيش العملياتية.
أشهر هؤلاء الجنرالات على الإطلاق هو محمد مدين.
الجنرال محمد مدين
الجنرال محمد مدين وكنيته "سي توفيق" من عائلة قبايلية سكنت في الشرق الجزائري. لم يتخرج من وزارة الارتباطات والاتصالات والتسليح مثل معظم رفاقه الذي تولوا مسؤوليات في جهاز الأمن العسكري. إنه ينتمي إلى دفعة "السجاد الأحمر" التي أرسلتها الثورة إلى الاتحاد السوفياتي لتحصل على خبراتها في مدرسة الكا جي بي. تكوينه الاستخباراتي إذن هو تكوين على الطريقة السوفياتية البحتة. وهو ما سينعكس في أسلوبه في العمل.
عمل في بداية حياته العسكرية برتبة ملازم في الناحية العسكرية الثانية تحت قيادة العقيد الشاذلي بن جديد. عمله كضابط أمن عسكري كان هاما باعتباره يعمل على الحدود المغربية المتوترة دائما مع الجزائر. وهناك تعرف على ميل له برتبة رائد سرعان ما أصبح صديقه. لقد تعرف على العربي بلخير، قائد هيئة أركان الناحية العسكرية الثانية.
وعندما أوكلت قيادة الأمن العسكري لمحجوب لكحل عياط، لم يتلاطف معه هذا الأخير فأبعده عن الجهاز وأرسله كملحق عسكري في طرابلس سنة 1983. وعندما عاد إلى الجزائر كلف لبضع الوقت رئيسا للإدارة المركزية للهندسة العسكرية. سنة 1986 أصبح رئيسا لقسم الدفاع والأمن برئاسة الجمهورية. وفي نفس الوقت كان العربي بالخير يشغل موقع مدير ديوان الرئيس الشاذلي بن جديد. وعندما تم إنشاء الوكالة العسكرية للوقاية والأمن D.G.P.S.في شهر مايو / أيار 1987، أصبح فيها مديرا لأمن الجيش SA ، الشرطة السياسية للجيش الوطني الشعبي. وعندما تم حل هذه الأخيرة على إثر أحداث أكتوبر 1988، تم إنشاء جهاز جديد اسمه وكالة الاستخبارات والأمن DRS حيث عهد إليه بقيادته منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.
بدأ نجمه في السطوع عمليا منذ إجبار الشاذلي بن جديد على الاستقالة في شهر يناير 1992 والصدام العنيف الذي حدث مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ. حيث أصبح رئيسا فعلا لأجهزة الأمن الداخلي، التجسس الخارجي، وأمن الجيش. سي توفيق لا يحب الظهور في الأماكن العامة وبخاصة في وسائل الإعلام المحلية أو الدولية التي لا تعرف حتى صورته. يحب تدخين السجار الكوبي الفاخر. يعد الرجل الأول الذي أدار الصراع داخل السلطة أو ضد الإسلاميين طيلة العقد الأخير. من بعض خصاله الوفاء. حيث حمى الشاذلي بن جديد بعد أن استقال ورغم أن أعداء الرئيس السابق الذين أرادوا تصفية حسابهم معه عندما سقط، كثيرون، فمحمد مدين لم يسمح بذلك. حتى الرئيس بوتفليقة الذي يكن ثأرا شخصيا لبن جديد الذي حرمه من الرئاسة ذات يوم. بوتفليقة هاجم بن جديد في البداية لكنه سرعان ما توقف والعارفون بأمور الجزائر يقولون أن محمد مدين أفهمه أن بن جديد في حمايته. كذلك لم يخدع مدني مزراق، قائد الجيش الإسلامي للإنقاذ حيث طبق الاتفاق الذي تم بينهما بحذافيره دون مراوغة. هو الرجل الأقوى اليوم في الجزائر. فقد تمكنت أجهزته من اختراق الجميع. الأحزاب المعارضة ووسائل الإعلام، وحتى الجماعات الإسلامية المسلحة. مساعده الأول اسماعيل العماري.
الجنرال اسماعيل العماري
ولد إسماعيل العماري بمنطقة "الحراش" في ضواحي الجزائر العاصمة. تدرب وعمل وارتقى في قسم العمليات داخل جهاز الأمن العسكري، ثم إدارة الاستخبارات والأمن الحالية. يرأس منذ سنة 1992 إدارة الأمن الداخلي DSI وهو مختص في إدارة الصراع مع الإسلاميين وفي عمليات مكافحة التجسس. أهم عمل قام به على الإطلاق يتمثل في اختراقه للجماعات الإسلامية المسلحة في الداخل والخارج ثم في إبرام اتفاق الهدنة مع مدني مزراق التي انتهت إلى حل تنظيم الجيش الإسلامي للإنقاذ. وهو يعد رجلا يجمع بين صفتي الاستخبارات والعمليات في الآن نفسه. كما تميز بعلاقاته المتطورة مع الاستخبارات الفرنسية حيث تربطه برئيسها الجنرال فيليب روندو علاقات خاصة. كما تولى إسماعيل العماري ملفات الجماعة الإسلامية المسلحة والإسلاميين المنفيين في أروبا.
الجنرال محمد العماري
هو قائد هيئة الأركان. إذ تقع تحت إمرته المباشرة فرق التدخل العسكري المشتركة المكلفة بمحاربة الإرهاب. يستفيد من عدة عوامل ساعدته على ترسيخ مواقعه وإحكامه القبضة على تطور الصراع. أصله من منطقة القبايل. يبلغ عمره حاليا حوالي 60 سنة. يعد من "ضباط الجيش الفرنسي" الذين عملوا قبل ثورة نوفمبر/تشرين الثاني 1954 في الجيش الفرنسي. ثم التحق بالجيش الوطني الشعبي الجزائري بعد الاستقلال. ارتقى بسرعة في السلم العسكري في عهد الشاذلي بن جديد. عمل قائدا للوحدات الخاصة قبل ترقيته ليصبح قائدا لهيئة الأركان. يتميز بمعاداته الشديدة للجبهة الإسلامية ومن يلف في دائرتها كما يتميز بحرصه الشديد على وحدة المؤسسة العسكرية. كتب في شهر أكتوبر/تشرين الأول 1997 مقالا في مجلة "الجيش" الجزائرية ينفي فيه بحدة "الإشاعات التي تدور حول انقسام الجيش" وأبدى رفضه الكامل للتصنيفات التي تميز بين الضباط فتقسمهم إلى "محاورين واستئصاليين، إسلاميين ولائكيين". تكمن قوته في وجوده في هرم القيادة العسكرية العملياتية، أي تلك التي تتحكم في تحرك القوات اليومي. يعتبر شريف فضيل قائد الوحدات العاملة ضد الإرهاب ذراعه الأيمن. أما الجنرال محمد مدين، المكنى، بسي توفيق، وقائد إدارة الأمن والإرشاد ما كان يعرف سابقا بالأمن العسكري (Direction des Renseignements et de Sécurité) فيمثل بمفرده ومن خلال جهازه النافذ كتلة مستقلة بذاتها. تم إزاحته مؤخرا من قبل عبد العزيز بوتفليقة متحالفا مع الجنرال محمد مدين وترك مكانه للجنرال قايد أحمد صالح. وهو ما يعد أكبر تجول جذري شهدته المؤسسة العسكرية منذ اندلاع أزمة 1991. وهو ما يؤكد نظرية بدء الجيل الشاب في استيلام مقاليد الجيش.
الجنرال شريف فوضيل
إذا كان اسم إسماعيل العماري قد ارتبط باسم الجنرال توفيق، فإن اسم شريف فوضيل قد ارتبط عضويا باسم الجنرال محمد العماري. وهو اليوم يتولى منصبا جديدا : قائد الناحية العسكرية الأولى بعد أن كان رئيسا لدائرة الاستعمال والتحضير لأركان الجيش (الذراع الأيمن للواء محمد العماري)، حيث خلفه في موقعه السابق الجنرال محمد بعزيز. يعد واحد من مهندسي الهدنة مع مدني مزراق قائد الجيش الإسلامي للإنقاذ المنحل. حيث أبرم معه آخر اتفاق تم بموجبه تفكيك التنظيم .
نجح كل هؤلاء الجنرالات الأربعة في فرض مجموعة من التحويرات على المؤسسة العسكرية لصالح نفوذهم