ظاهرة هجرة الأدمغة تستنزف الاقتصاد الوطني: غياب التحفيزات يُبقى الكفاءات الجزائرية في الخارج
لاتزال ظاهرة هجرة الأدمغة في المجتمع الجزائري من أهم التحديات التي تواجه السلطات، حيث أشارت إحصائيات نشرتها صحيفة "لوفينانسيي" المتخصّصة في الشؤون الاقتصادية، إلى أن هجرة الأدمغة كلّفت الجزائر أكثر من 100 بليون دولار، خلال الثلاثين سنة الأخيرة، علما بأن تكلفة تكوين الكفاءة الواحدة تتعدّى أحيانا 100 ألف دولار وهي بهذا أحد مصادر الضّعف الذي يضرب الاقتصاد الجزائري في الوقت الراهن، والذي لم يتمكن من الاستفادة من هذه الخبرات التي ساهمت وبشكل كبير في تدعيم قطاعات حسّاسة خارج حدود الوطن، والأرقام في هذا المجال خير دليل، ففي مجال الطبّ مثلا يمثل الجزائريون 20 في المئة من الطاقم الفرنسي، بمجموع يفوق 6500 طبيب.
وفي المقابل، تشير الأرقام، التي أعلنت عنها وزارة التعليم العالي في فرنسا إلى أن طالبا من كل خمسة جزائريّ الجنسيّة، وأضاف تقرير حديث لذات الوزارة أن من بين 750 طالبا استفادوا من منحة دراسيّة في هذا البلد 50 فقط عادوا إلى الجزائر، رغم الإجراءات الرّدعية التي أقرّتها الحكومة الجزائرية في حقّهم، حيث أصدرت قانونا يطالبهم بالعودة الفورية إلى الوطن بمجرّد انتهاء دراستهم، لكن هذه الشريحة وتهرّبا من العودة أصبحت تلجأ إلى تمديد فترة دراستها وتوسيع مجالات اختصاصاتها، ولو على حسابها الخاصّ، حيث أن عددا كبيرا من الطلبة الجزائريين يعملون بالنظام الجزئي لتغطية مثل هذه المصاريف.
"لا يمكن أن نزرع ويحصد الآخرون"، هكذا خاطب رئيس الجمهورية الكفاءات الجزائرية، لا سيّما الذين يحصلون منهم على منح الدولة ويغادرون بلا رجعة.
ورغم إجبارهم على إمضاء تعهّد بالعودة إلى وطنهم، إلا أن ظاهرة النزيف لا تزال متواصلة فالجامعة الجزائرية، وحدها، خسرت 3000 مدرس ما بين 94 إلى اليوم.
وقصد الوقوف على أسباب استمرار هذه الظاهرة، اتصلت "نوميديا نيوز" ببعض الخبرات الجزائرية التي تعيش في الخارج وترفض العودة إلى أرض الوطن.
الأستاذ صمّود بوزيان: "ليس من السّهل التخلّي عن عشرين سنة من التميّز"
هاجر الدكتور بوزيان، المحاضر في علم البيولوجيا في جامعة ليل، إلى فرنسا منذ عشرين سنة، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، حيث تلقى رسائل تهديد بالقتل وفقد أعزّ زميل له "الأستاذ فار الذهب"، بسبب أيادي الغدر.
وفي اتصال "بنوميديا نيوز"، ذكر محدّثنا أنه لا ينوي العودة إلى الجزائر، سيّما بعد أن حقّق مسيرة مهنية متميّزة في فرنسا، حيث يشرف على مذكرات التخرّج ويؤطّر العديد من المشاريع العلمية المتميّزة. مضيفا أن عائلته وأبناءه الثلاثة تعوّدوا على نمط معيشيّ معيّن ولا يمكنهم في سن كهذه التأقلم في وسط سوسيو- ثقافي آخر.
وفي سياق آخر، انتقد العراقيل العديدة التي تواجه البحوث العلمية في الجزائر، وهو ما أرجعه إلى فشل نظام التسيير الإداري للدولة داخل الجامعات، والذي يحتاج إلى مراجعة استعجالية.
وأضاف: "يبدو أن السلطات الجزائرية فهمت أن مطالبة هذه الكفاءات بالعودة والاستقرار النهائي أمر شبه مستحيل. فبادرت إلى اتخاذ إجراءات جديدة تقوم على الاستعانة بها عن بعد، من خلال إدراجها في مجالس البحث العلمي لمراكز البحث والمختبرات الجزائرية وهي تشارك في لقاءات مجالس البحث العلمي الجزائرية بانتظام".
الدكتور مرسلي عبد الحقّ: "مستعدّ للعودة إن توفرت نفس التحفيزات"
الدكتور مرسلي عبد الحق طبيب مختص في الأورام، يعمل في ضاحية "نويي سور سين" الباريسية، تحصّل على منحة دراسية في فرنسا منذ 15 عشر سنة وأبى العودة بعد تحصله على شهادة الاختصاص، ولدى سؤالنا عن السبب أجاب بأنه مستعدّ للعودة، لكن إن توفّرت ذات الشروط والتحفيزات التي يحظى بها في الخارج، "لأن وضعية الطبيب الجزائري لا ترقى إلى مستوى تطلّعاته، وهو ما تدلّ عليه الإضرابات المتتالية التي يشهدها هذا القطاع الحسّاس، والتي لم تلق أية استجابة، لحدّ الآن...أجري الشهري يناهز 6 مرات أجر زميلي في المستشفيات الجزائرية، كما أنني أتلقى مبالغ محترمة نظير الساعات الإضافية التي أعملها، فضلا عن العديد من المزايا الأخرى، التي أدّى غيابها عندنا إلى تذمر واسع لدى هذه الشريحة".
المهندس عبّو سعيد: "التمييز في المعاملة وراء هجرتي"
رغم التحفيزات التي يحظى بها عمّال سوناطراك، اختار سعيد عبّو الهجرة إلى قطر والعمل في شركة بترولية هناك. وفي حديثه إلينا، أشار قائلا "هناك تمييز واضح في المعاملة بين العمال الجزائريين ونظرائهم الأجانب ممّن يتم التعاقد معهم من دول أخرى، حيث يحظون بأجور تضاعف أربع مرات أجورهم الشهرية فضلا عن سكنات ووسائل نقل، رغم أن معظمهم لا يتمتعون بالخبرة التي تتمتّع بها الكوادر الجزائرية التي أتبتث كفاءتها في كبريات الدول"، كما قال، مضيفا أنه ينوي الاستقرار نهائيًا في هذا البلد الخليجي.
عبد العزيز خيّاط: "العودة إلى الوطن ضرب من الانتحار"
عبد العزيز، جزائري يقيم في اليابان منذ أكثر من سبع سنوات، حائز على دكتوراه في الإعلام الآلي، وهو من الكفاءات الجزائرية الشّابة التي التقاها الرئيس بوتفليقة في طوكيو، وقال عنهم: "ما دام هناك جزائري يخترع رجلاً آليا في اليابان فالجزائر بخير". لكن خياط يعترف بأن العودة إلى الوطن أمر صعب إن لم يكن مستحيلاً: "سأنهي دراستي وأتمنّى لو أستطيع العودة للمساهمة في بناء وطني، إلا أن ذلك شبه مستحيل بل ضرب من الانتحار على الأقل في الوقت الراهن. فهناك فرق شاسع جدا في درجة تطوّر العلوم، كما لديّ عروض من ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وطبعا اليابان للاستقرار وأنا لم أتّخذ قراري بعد".
الجزائر: عبد الحميد أحمد