المشاركة الأصلية كتبت بواسطة justme
مزاعـــم الوطنية بين الفـــداء وريع النظـــــام | محمود حمانة
من القضايا التى تشغل الرأي العام بعد المظاهرات والإحتجاجات التى تعرفها جهات كثيرة من الوطن وخاصة بالجنوب والتى تلهب جبهة إجتماعية على حافة الإنفجار,قضية ملف المجاهدين ال13 الف الذي تعكف اللجان على دراسته لعرضه على الجهات الرسمية لإعتماده لتدرج اسماؤهم في القائمة المفتوحة لكل من يرغب في الإستفادة المشروطة من ريع النظام.
هذه القضية التى غفل عنها المواطن فلم يضعها في سياقها الصحيح في حينها لأنه كان ابعد ما يكون عن التفكير فيما يمكن ان تؤول اليه لأنه كان يرى بأن الأمر طبيعي في دولة تسعى بعد الإستقلال للتكفل بمن ضحوا في سبيلها اسوة بأي دولة اخرى واعية بتضحيات الشرفاء من ابنائها.ولكن هذه القضية تطورت بالتقادم الى ظاهرة مثيرة للجدل ولأكثر من سؤال لا من حيث اسلوب التعامل مع الملف المذكور فحسب بل من حيث المستفيدين من العملية ذاتهم بحكم تزايد عددهم كل عام في حين أن كل الدول اغلقت هذا الملف سنة او سنتين بعد نيلها إستقلالها بعد ان احصت ضحاياها من ذوى الحقوق بصورة نهائية.
المشكلة لم تعد في نظر المواطن هذه الشريحة من المواطنين التى تستغل بصورة بشعة من اجل إستنزاف طاقات البلاد وتبديد اموال الشعب لفائدة فئة باغية لا تتورع في توظيف كل ما من شأنه زيادة مصالحها.
فقد ثبت بما لم يعد يدع مجالا للشك بأن الجهات التى تقف وراء هذا الملف تتعمد الإبقاء عليه مفتوحا كمصدر من مصادر الثراء الغير مشروع من خلال تضخيم عدد المجاهدين كما حدث مع الشهداء إذ أتضح أن الرقم التاريخي الذي طالما تغنينا به ليس اكثر من اكذوبة كبيرة من اكاذيب النظام الذي جاء بمصطلح “الأسرة الثورية” للعزف على وتر الوطنية لدى المواطن الساذج الذي إنطلت عليه هذه الخديعة فكان ضحية إبتزاز دام قرابة نصف قرن من الزمان الى أن افاق على هذه الحقيقة المرة بعد ان باتت مظاهر الثراء الفاحش بادية على اصحابها بل الإزدواجية في التعامل مع الطبقات الإجتماعية الأخرى بإنتقائية صارخة توحي بأن هناك نية مبيتة لتكريس شكلا جديدا من اشكال الصراع الطبقي الذي عجزت فرنسا على تحقيقه على مدى ما يزيد على قرن وربع من الأحتلال لأنه من المفروض أن هؤلاء ليس لهم ما يميزهم عن غيرهم من المواطنين بهذا الشكل و الذين كانوا هم ايضا من صناع التحرير دون إستثناء وهذا بموجب الويلات والمعاناة التى قاسوها والضريبة التى كانت مفروضة على الجميع لتمويل المجهود الحربي للثورة والذين ما زالوا يتطلعون الى التوزيع العادل للثروات رغم أن كل الدلائل تشير الى إنسداد الأفق في وجه الطبقات الكادحة التى تنظر بعين السخط والحسرة الى الفساد الذي عم البلاد والفقر المدقع الذي يعيشه اكثر من 90 بالمئة منهم وبضخ هذه الفئة التى تعيش في كنف السلطان. التركيز على المجاهدين بالذات له ثلاثة اهداف:
1- الظهور بمظهر الحرس على هؤلاء الذين دفعوا ارواحهم قربانا للحرية من المجاهدين المزعومين بكل تأكيد لينالوا بذلك عطف الشارع مما يسمح لهم بمزيد من نهب المال في حين أن واقع المجاهدين المخلصين يحكي مأساة لا تقل عن المأساة التى يكابدها غيرهم.
2- السماح لمزيد من الخونة بإكتساب مجد لا يستحقونه يمكنهم من التغلغل في دواليب الدولة لتشكيل جبهة اخرى تعزز جبهة الطغمة العسكرية الحاكمة التى باتت تخشى على مصيرها بعد الحراك الجماهيري الذي هز ثقتها في نفسها وادخل معطيات جديدة في معادلة الصراع مع النظام اربكت كل حساباته ونسفت توقعاته بعد ان توهمت بأن الشعب بلغ مرحلة من اليأس والإنكسارلم تعد تمكنه من النهوض. لذا,نجد أن النظام يغدق على هذه الفئة بسخاء لضمان ولائها من خلال تحريك” الحس الوطنى” لديها عند الحاجة كدرع وقاية من الغضب الجماهيري.وهذا ما يفسر كبف ان هذه الفئة تحصل على حقوقها كاملة تلقائيا بمبادرة من السلطة نفسها دون الحاجة للتظاهر شأنها شأن الفئآت الأخرى التى يدرك مدى تأثيرها على الشارع.
ولهذا ايضا عمد الى أن يكون تأسيس “الأسرة الثورية” هاته غير متجانسة و مكونة من الدخلاء الذين لا علاقة لهم بالثورة عدا إنتمائهم المزعوم لها بطرق التدليس والكذب وتشويه الحقائق والعيش في جلباب المقاتلين الأحرار الذين قضوا نحبهم نتيجة الوشايات التى تعرضوا لها والذين لا يكاد يرد ذكرهم في كتب التاريخ إلا من خلال الصورة التى رسمها المغرضون لهم. هذا النموذج من التعامل مع هذا الملف لا نكاد نلمسه حتى لدى اكثر النظم إقطاعا التى تعتبر أن الخديعة والدعاية المغرضة هي انسب السبل للوصول الى عقول الجماهير ومخاطبة وجدانهم بأقل التكاليف مع جنى اقصى الفوائد متمثلة في تعطيل الفكر لديها بغية بسط هيمنتها كونه صناعة جزائرية خالصة .
3- دفع الرأي العام الى القناعة بان جيل الثورة اصبح يشكل عقبة في سبيل التحرر من القيود ونهضة البلاد.
وقد نجحوا الى حد كبير في هذا المسعى على ضوء موقف العامة من هذا الجيل الذين تأكدوا بأن الأوضاع لن تستقيم إلا برحيله ليتحرر العقل الجزائري من العبودية الفكرية لأن النظام يكون في هذه الحال قد إستنفذ كل معداته والقى بكامل اوراقه على الطاولة, وهذا ليس من باب إنكار فضله وما قدمه للوطن ولكن كونه اصبح كلمة حق يراد بها باطلا لأن كلمة مجاهد التى كانت ترمز في زمن ما الى كل ما هو شهم ونبيل اضحت عنوانا للرداءة وللوصولية والخيانة والإنتهازية وعدم الذمة والخلو من المروءة وذلك كفصل من اجندة المستعمر لإحكام قبضته على الجزائر. وإذ آلت الأمور الى هذا المستنقع,فبسبب المخلصين من الثوار الذين آثروا الصمت-كما آثرت النخب المثقفة الصمت على ما جرى من تجاوزات واحداث دامية غداة الإنفصال عن فرنسا- حماية في تصورهم للوحدة الوطنية وتجنيب الوطن ويلات الحرب الأهلية في صورة ما إذا اقدموا على كشف المستور. وهو مبرر واه إذا ما قيس بألآثار الهدامة المترتبة عن سكوتهم عن قول الحقيقة دون مواربة او مجاملة حفاظا على ذكرة الأمة من الأباطيل كون أن الد مار الذي لحق بالبلاد نتيجة هذا الموقف لا تضاهيه اية حرب اهلية المحدودة الزمان والمكان, لأن آثار الخراب الذي اصاب العقول قبل الأجساد ستظل تمتد لأجيال وأجيال.
محمود حمانه |