سهوت على نفسي وأنا بصدد محاورة دكتورة مصرية شاركت في ندوة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة التي انعقدت بسطيف، سهوت على نفسي ورحت أكلمها بلهجة جزائرية "خالصة" ولم انتبه إلى حجم "خطئي " إلا وهي تقول لي وعلامات التعجب ترتسم على وجهها: "نعم"؟!.. "إيه"... فاعتذرت* منها* ورحت* أخاطبها* بالفصحى* وفي* داخلي* سؤال* مسكون* بالاحتجاج*: *"لماذا* أفهم* لهجتها* ولا* تفهم* لهجتي*"؟*!*.
وأدركت خلال المحاضرات التي قدمت في إطار هذه الندوة من طرف دكاترة جزائريين ومصريين وسعوديين، كم هي "محڤورة" لهجتنا الجزائرية، لدرجة أننا صرنا "نستعّر" منها أمام "الأغراب"، حيث كان الجمهور الحاضر متجاوبا مع المصريين والسعوديين، أكثر مما كان متجاوبا مع الجزائريين الذين سيطرت لهجتهم الجزائرية على مخارج الكلام، على عكس بعض الدكاترة الجزائريين الذين أرغموا الحضور على مراجعة سيرهم الذاتية المدونة في برنامج الندوة، ليتأكدوا إذا كانوا فعلا جزائريين أم مشارقة، لأنهم كانوا يتمتعون بأصوات رخيمة وفصحى قوية تنافس فصحى المتنبي،* خاصة* أولئك* الذين* قدّموا* محاضرات* حول* الإعجاز* في* بعض* آيات* القرآن* والأحاديث* النبوية*.
* عفوا* ...* لم* أفهمك*
وتبدو اللهجة الجزائرية غريبة وهجينة أكثر عندما نسافر بها خارج الجزائر، على غرار ما يحدث مع الحجاج والمعتمرين خاصة كبار السن الذين لا يتقنون الفصحى، حيث يجدون صعوبة في التواصل مع الحجاج من الدول العربية الأخرى، أو مع الباعة في الأسواق والمتاجر، وهو ما يستدعي "مترجما" جزائريا لحل مشكلة التواصل، بينما لا يجد المذيعون في القنوات الفضائيات التي يتصل بها الجزائريون للمشاركة في برامجها سوى إرخاء السمع بطريقة توحي أن المذيع يحاول فك "طلاسم" الكلام في ذهنه، قبل أن يعتذر المذيع من المتصل الجزائري بأنه لم يفهم لهجته، ويحاول أن ينهي الكلام معه بطريقة مهذبة احتراما لمشاعره، غير أن بعض المذيعين لا يتوانون عن التهكم بالمتصلين الجزائريين بطريقة مكشوفة تستفز المشاعر، مثلما حدث في إحدى البرامج المصرية، حيث وجدت المذيعة في اتصال إحدى الجزائريات فرصة للتهكم على لهجة الجزائريين رفقة* المطرب* هاني* شاكر* الذي* شاركها* "مهمة*" الإساءة* للجزائريين،* وهو* الأمر* الذي* يسبب* حرجا* للمشاهدين* الجزائريين* الذين* يسارعون* إلى* تغيير* القناة* لتجنب* المزيد* من* الحرج* و*"تصبّب* العرق*"*.*
تقول حياة في هذا الصدد: "أنا وزوجي نتابع القنوات الدينية التي تعرف مشاركة قوية من طرف الجزائريين، ولكننا أحيانا نقوم بتغيير القناة، ذلك لأن أكثر الجزائريين، إما يتحدثون باللهجة الجزائرية التي لا يفهمها العرب، أو يتحدثون بالفصحى الممزوجة باللهجة الجزائرية وهو* ما* يسبّب* حرجا* كبيرا* للمشاهد* الجزائري*"*.
* كل* اللهجات* إلا* الجزائرية*...
وكثيرا ما يستاء الواحد منا، لكون جميع اللهجات العربية تقريبا مفهومة ومستعملة في وسائل الإعلام المرئية، وتعرف تجاوبا كبيرا من طرف المشاهد العربي في مختلف الأقطار، بينما تظل اللهجة الجزائرية "كاليتيمة" التي لا يتلفت إليها أحد، ولا يرغب فيها احد، على غرار احد المشاهدين العرب الذي احتج على استقدام محلل جزائري في قناة "آرتي" الرياضية، حيث قال: "بذلت قصارى جهدي لفهم كلمة واحدة من هذا المحلل الجزائري لمباريات دوري أبطال أوروبا، ولكني لم أفهم منه كلمة واحدة". ويضيف: "انه لا يستطيع أن ينشئ جملة واحدة صحيحة، لذلك أتمنى* أن* يقوم* بتحليل* الدوري* الجزائري*" ولم* يخف* هذا* المشاهد* رغبته* في* استقدام* محلل* مصري*.
ولأن بعض الجزائريين شعروا بعقدة النقص تجاه لهجتهم، فاستبدلوها باللهجة المصرية أو اللبنانية للمشاركة في بعض البرامج التلفزيونية، غير انه وقع لهم ما وقع للغراب الذي نسي مشيته عندما أراد أن يقلّد مشية الحمامة، وكان حريا بهؤلاء الجزائريين -من باب الحفاظ على الهوية* الجزائرية*- أن* يتحدثوا* بالفصحى* طالما* أن* اللهجة* الجزائرية* غير* مفهومة* على* مستوى* الأقطار* العربية*.
هي* الأقرب* إلى* الفصحى* ولكن*...
والغريب في الأمر أن اللهجة الجزائرية هي اقرب اللهجات إلى اللغة العربية، ومفرداتها هي الابنة الشرعية للفصحى، فمثلا كلمة "طاقة" بالدارجة والتي تعني "نافذة"، هي من الفصحى التي استعملها بديع الهمذاني في مقاماته، وكلمة "غدوة" التي تعني "غدا" و"العجّاج" التي تعني الغبار المثار بسبب الرياح، هي من الكلمات عالية الفصاحة، وغيرها من الكلمات الدارجة التي خرجت من رحم الفصحى، ولكن لأسباب كثيرة ظلت في دائرة الظل، وتعتبر البوادي ومناطق الجنوب الجزائري أكثر استعمالا للهجة القريبة جدا من الفصحى، بينما تنأى المدن الكبرى بلهجتها الممزوجة بالفرنسية عن اللغة العربية، وهو الأمر الذي أثار استياء بوتفليقة عندما قال: "عندما يسمعون احدهم يمزج البربرية والعربية والفرنسية يقولون عنه جزائري". وأعرب عن أمله في أن يرى الجزائريين يتحدثون لغة عربية أحسن، وينحي بعض الجزائريين باللائمة على وسائل الإعلام الجزائرية، التي عجزت عن إيصال اللهجة الجزائرية إلى العالم العربي بأسره، على غرار اللبنانية والسورية والخليجية والمصرية، هذه الأخيرة التي تكاد تتحول إلى لهجة "عالمية" لما لاقته من انتشار واسع واجتهاد كبير من أبنائها لجعلها "لغة" تتكلم بها العرب، ومن بين مجهوداتها في هذا الإطار دبلجة الرسوم المتحركة وإعداد برامج دينية وسياسية وثقافية باللهجة المصرية. فأين هي مجهوداتنا لإنقاذ لهجتنا الجزائرية القريبة من الفصحى من الانقراض أو من تهكم المتهكمين؟!.
بقلم : سمية سعادة جريدة الشروق
2011.07.27
وأنا أتصحف جريدة الشروق أعجبني هذا المقال ورأيت أن نتشارك الأراء حول هذا الموضوع المهم
فهل اللهجة الجزائرية غير فعالة في عملية التواصل خاصة مع الأجانب ؟؟؟؟
أم العيب فينا بحيث استسلمنا للهجات الأخرى ( كالمصرية , والخليجية )وتبنيناها , وتبرأنا من لهجتنا؟؟؟؟
كما أرجو من المشرفين على المنتدى أن يفردوا قسما خاصا لما قالته الصحف للمناقشة والتحليل