عنوان الموضوع : أنشودة الغرب.. "الإسلاميون قادمون"
مقدم من طرف منتديات العندليب
منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، استضفتُ في مدينة "جورج تاون" تونسيًّا مهيبًا ذا لحية تجمع بين الأبيض والأسود، وقد حاول إقناعي بأن الدمج بين تعاليم الإسلام ومعتقدات الديموقراطية يمكنه أن يخلق حكومات قابلة للحياة في الشرق الأوسط. كما أصر على أن الاندماج لا مفر منه وأنه جيد كذلك بالنسبة للغرب.
وقال لي التونسي "راشد الغنوشي" - أستاذ الفلسفة السابق وزعيم المعارضة الإسلامية في تونس -: إن "الإسلام يحتضن التنوع والتعددية وكذلك التعايش الثقافي".
وهو ما كان من الصعب الاقتناع به آنذاك. فقد كانت معظم الحركات الإسلامية - بداية من الجماعة الإسلامية في مصر مرورًا بحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وجماعة "حزب الله" في لبنان - لديها إما سجل مؤسف أو غير فاعل أو عنيف.
أما في الوقت الراهن، فإن الغنوشي فعليًّا لديه فرصة لإثبات وجهة نظره، ففي أول انتخابات حرة في تونس والتي أجريت الشهر الماضي - وهي الانتخابات الأولى أيضًا في الربيع العربي - هَزم "حزب النهضة" الذي ينتمي له الغنوشي مائة حزب آخر ليفوز بـ 40% من الأصوات وبالأحقية في قيادة الحكومة المقبلة.
ويبرز الإسلام حاليًا كقوة فاعلة على قدم المساواة مع الديموقراطية في تحديد النظام الجديد في الشرق الأوسط، فمن المتوقع أن تحقق جماعة الإخوان المسلمين في مصر نتائج جيدة في الانتخابات التي من المقرر إجراؤها هذا الشهر، وكذلك فقد دعا مؤخرًا الزعيم الليبي الانتقالي إلى قوانين متوافقة مع الشريعة الإسلامية تتضمن رفع القيود عن حق تعدد الزوجات. كما أن جزءًا من المعارضة في سوريا واليمن وغيرهما هم حركات ذات توجهات إسلامية متعددة.
وربما كانت الأنشودة التي تتردد الآن في العواصم الغربية هي: "الإسلاميون قادمون، الإسلاميون قادمون"، وحتى الآفاق الانتخابية للإسلاميين قد أطلقت في بعض الأوساط نوعًا من الأسى لدى قدامى الحكام الديكتاتوريين العلمانيين، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك تضارب بين السياسات الديموقراطية والاعتقاد الديني، حتى بالنسبة لغير المتدينين.
ولا شك أن الأحزاب الإسلامية في الوقت الراهن أكثر فعالية وطموحًا عن ذي قبل، ونعم فإن العقد القادم سيكون أكثر اضطرابًا بكثير لمن في الداخل والخارج عن العقد الفائت، وإن كان سيرجع ذلك غالبًا إلى تحديات اقتصادية أكثر منه نتيجة لسياسات الإسلاميين، وإني لأشفق على ورثة الأنظمة السياسية والاقتصادية المنهارة في العالم العربي أيًّا ما كانوا.
ولقد تطور الانبعاث الإسلامي منذ حقبة السبعينيات، ودخلت سياسات الإسلاميين إلى التيار الرئيس بعد مشاغبات "إسرائيل" مع العرب في حرب 1973 وثورة إيران في عام 1979؛ والتي أطاحت بــ 2500 عامًا من حكم العائلات، أما حقبة الثمانينيات فقد شهدت صعود التطرف والعنف الجماعي بين الشيعة في البداية ثم السنة لاحقًا. إلا أنه في حقبة التسعينيات بدأ الاتجاه في التحول من الرصاص إلى صناديق الاقتراع - أو مزيج بينهما - مع عمل الأحزاب الإسلامية داخل الأنظمة السياسية، وليس فقط محاولة الإضرار بها من الخارج، أما في مطلع القرن الحادي والعشرين لاسيما بينما اتسعت دائرة التشدد في مجتمعاتهم، بدأت شعوب الشرق الأوسط في تحدي كلٍّ من الأنظمة المستبدة والتطرف بأساليب جديدة ومبتكرة، وقد دشنت الانتفاضات العربية التي انطلقت من مشاهد غير مسبوقة من العصيان المدني السلمي في المنطقة الأكثر توترًا في العالم، لحقبة خامسة.
ويتميز الإسلام السياسي اليوم بطيف متصاعد الاتساع ولكن لا تهيمن عليه رؤية واحدة، وفي الواقع، فإن تنوع الإسلاميين غير مسبوق.
فأحزاب اللاعنف تقع في ثلاثة محاور أساسية على الطيف، ويقف في أحد أطرافها أحزاب العدالة والتنمية (والتي تحمل نفس الاسم) في تركيا والمغرب وترفض التسمية الإسلامية وتعترف بحق "إسرائيل" في الوجود؛ وهي مقياس للتعايش أو التعددية في الممارسة العملية.
أما حزب النهضة في تونس فلديه القدرة على أن يكون نموذجًا إذا ما مضى قدمًا في تشكيل ائتلاف مع اثنين من الأحزاب العلمانية وأقر احترام حقوق المرأة.
وعندما التقيتُ الغنوشي تحدث طويلاً عن العقلانية، وهي تعني "الواقعية" أو التفكير المنطقي"، وأوضح لي أن العقلانية تتسم بالديناميكية ومتطورة باستمرار، وأن المسلمين في حاجة إلى توازن أفضل بين النصوص المقدسة والحقائق الإنسانية.
ويقف في منتصف هذا الطيف جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي أنجبت 86 فرعًا لها في أنحاء العالم الإسلامي منذ فترة العشرينيات وأعلنت نبذها للعنف في السبعينيات، وقد كان للجماعة 88 نائبًا في البرلمان أثناء ولاية آخر حكومات الرئيس السابق "حسني مبارك"، وتعد مواقفهم من المرأة والأقباط في السياسة ومن "إسرائيل" كجارة قد عفا عليها الزمن؛ وبالمثل الاختيار غير الديموقراطي للقيادات الخاصة بالجماعة، لكن تلك السياسات قد تسببت نفسها في عزلة أعضائها.
وقد أفرزت العوامل التي ولدت الانتفاضات الشعبية - من كتلة شبابية وتعليم ووسائل تكنولوجية - أساليب متنوعة من التفكير بين شباب الإسلاميين أيضًا، وشخصية مثل "إبراهيم الهضيبي" كان جده وجده الأكبر كلاهما من كبار قيادات الإخوان المسلمين، وقد صار الهضيبي في عام 2016 أشهر مدون للجماعة، لكنه دافع أيضًا عن البراجماتية والديموقراطية الداخلية والشفافية والتسامح الديني وحقوق المرأة.
وقال لي الهضيبي: "كان لي الكثير من المناقشات مع جدي.. أحدها كانت بشأن من يأتي أولاً: الحرية أم الشريعة. وقال جدي: إن الشريعة تؤدي إلى الحرية. لكن حجتي جاءت من القرآن الكريم الذي يقول: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فقلت: إن الحرية تأتي أولاً". وقد استقال إبراهيم من الإخوان في نهاية المطاف بسبب خلافات سياسية عملية.
أما الأوراق الجامحة في نهاية الطيف فهم السلفيون؛ وهم محافظون متشددون متأثرون بالمذهب الوهابي في المملكة العربية السعودية، وفي مصر، بدأت الجماعة الإسلامية في نبذ العنف خلال حقبة التسعينيات كجزء من صفقة مع الحكومة للإفراج عن أعضائها المسجونين، بل شن بعضهم حملة شعواء على تكتيكات جهادية كانوا يومًا مؤيدين لها، بالرغم من ذلك، فإن رغبتهم في مشاركة السلطة ليست مقنعة نظرًا لمواقفهم المتزمتة في كل شيء بداية من الشريعة الإسلامية والمرأة وصولاً إلى "إسرائيل".
و"عبود الزمر" على سبيل المثال كان قد وفر ذخائر قتل الرئيس المصري السابق "أنور السادات" عام 1981، وقد سجن على مدى ثلاثة عقود وأطلق سراحه في أعقاب الإطاحة بالرئيس المخلوع "حسني مبارك"، وكان الزمر قد صرح لصحيفة "نيويورك تايمز" في وقت سابق هذا العام قائلاً: "لم يعد هناك حاجة بالنسبة لي لاستخدام العنف ضد من منحونا حريتنا وسمحوا لنا أن نكون جزءًا من الحياة السياسية"، إلا أن طموح الزمر في إقامة دولة دينية صارمة لم يتغير؛ وهو ما لا يبعث على الثقة في قدرة الحركة على تقديم تنازلات.
ويعكس الطيف الجديد مبدءًا أساسيًّا وهو أنه: على مدار العقد المقبل، ستكون المناقشات الأكثر ديناميكية بين الإسلاميين متعددي الاتجاهات أنفسهم وليس بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية، وستتواصل تلك التوترات السياسية بينما يتبارون من أجل تحديد دور الإسلام في الدساتير الجديدة؛ ثم تطبيقه بعد ذلك في الحياة اليومية.
ولا ينبغي أن تأتي هذه الاتجاهات مثيرة للدهشة: فالعديد من المسلمين يتفقون في القيم المحافظة حتى أثناء كفاحهم من أجل الحريات، ويرى المسلمون أن حق الكرامة الإنسانية هي منحة إلهية؛ وهي الرؤية نفسها التي اعتنقها "توماس جيفرسون" ونقشت على جدران نصبه التذكاري، إن قيم دينهم هي نقطة الانطلاق لجميع مناحي الحياة.
ويرى "ضياء رشوان" وهو خبير متخصص في الإسلام السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أنه: "بدون الإسلام، لن يكون لدينا تقدم حقيقي"، ويوضح ذلك بقوله: "عندما شيدت الدول الغربية تقدمها الخاص بها، فإنهم لم يتخلوا عن تاريخهم المعرفي والثقافي، فاليابان لا تزال تعيش في ثقافة الساموراي ولكن بنهج حديث، والصينيون لا يزالون يعيشون التقاليد التي أوجدتها الكونفوشيوسية.. ومن ثم فلماذا نتخلى عن تاريخنا؟"
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :