عنوان الموضوع : علي عزت بيجوفيتش وكتابه «الإسلام بين الشرق والغرب» خبر عاجل
مقدم من طرف منتديات العندليب
علي عزت بيجوفيتش وكتابه «الإسلام بين الشرق والغرب»
محمد يوسف عدس [1] ـ مصر
ملاحظة / المقال كتب بعد عام فقط أو يزيد من الحرب على «البوسنة والهرسك»
1- علي عزت بيجوفيتش.. الرئيس المجاهد
على مدى عام أو يزيد ابتداءً من يولية 1992 ومأسة البوسنة والهرسك تستأثر بأولوية في الإعلام العالمي، فمن منّا لم يسمع بأهوال العدوان الصربي الوحشي على شعب البوسنة الأعزل؟ ومن منا لم يسمع بأعمال التطهير العرقي واغتصاب الأرض والعرض.. ومعسكرات التعذيب؟ ومع ذلك نادراً ما كنا نشاهد «علي عزت بيجوفيتش» يظهر على شاشة التلفزيون وهو رئيس الدولة المُغتصبة وقائد المقاومة المستميتة. وعندما يظهر الرجل ـ لحظات خاطفة ـ في نشرات الأخبار نلمح إنساناً مثقلاً كأنه يحمل على عاتقه جبلاً من الهموم. ولكننا لا نملك إلاّ أنْ نعجب كيف أنّه لا يزال قوياً متماسكاً لم يتحطم.. لقد عاش المآسي والكوارث التي تنقضُّ على شعبه ووطنه ليلَ نهار، وهو نفسه محاصر في مدينة سراييفو بمدفعية الصرب وقنّاصتهم يحدّقون بالمدينة على قمم الجبال، وقد تمزقت المدينة وتقطعت فيها شرايين الحياة فلا طعام ولا ماء ولا كهرباء. وتحول استاد سراييفو ـ الذي احتضن الألعاب الاولمبية الشتوية يوماً ـ إلى مقبرة كبرى تضم رفات آلاف الضحايا من المسلمين الذين سقطوا صرعى في المجازر الصربية الهمجية.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
* صلابة علي عزت
كان للرجل أمل في أن ينهض المجتمع الدولي بواجبه في انقاذ شعبه الاعزل أو على الاقل يرفع عنه حظر التسلح حتى يتمكن من الحصول على سلاح يدافع به عن نفسه ضد الغزو والعدوان، ولكن يطول انتظاره ولا يأتيه من الاخبار في كل يوم الا أسوأها: فموقف الامم المتحدة هزيل مُخز، وموقف الولايات المتحدة سلسلة من التشنجات والتراجعات المهينة. وأما موقف أوربا. فأقل ما يوصل به انّه موقف متحيز خسيس. فالماساة تقع في قلب اوربا والحقائق تقع امامها صارخة مزلزلة.. ولكن اوربا لا تحرك ساكنا لرد العدوان، وانما تتوالى تصريحات ساستها بأن دولهم لن تتدخل في الصراع وكأنهم يقولون للصرب: افعلوا اذن ما يحلو لكم.
قاومت بريطانيا مستميتة كل دعوة أو مبادرة لتسليح المسلمين بحجة أن ذلك يطيل امد الحرب ويزيد من اراقة الدماء.. وكانها تقول: دع المسلمين عُزلا من السلاح يائسين حتى يتم قتلهم بسرعة وسهولة، فاذا اُبيدوا ينتهي الصراع وتزول المشكلة. وهكذا تقف الحضارة الغربية عارية مجردة من كل مزاعمها الإنسانيّة والاخلاقية، وينكشف وجهها القبيح امام الالم.
إن (علي عزت) لا يعيش فقط ماساة شعبه الدامية ولا تحاصره مشاعر الإحباط المتصل بسبب المواقف الدولية المتخاذلة تجاه قضية بلاده العادلة، ولكن بالاضافة إلى كل ذلك يتعرض لمحاولات تستهدف تحطيم شخصيته وتمزيق نسيجه النفسي وسحق صلابته وشموخه واعتزازه بفكره ودينه وشعبه. وللأسف الشديد لا تأتيه هذه المحاولات من قبل أعدائه الظاهريين من الصرب والكروات فحسب وإنما تأتيه بصفة خاصة من خلال المفاوضات في قصر الامم المتحدة، وبواسطة خبراء في المكر السياسي والدبلوماسي من أمثال لورد «كارنجتون» ولورد «أوين» وغيرها، وهم أناس جعلوا أكبر همهم أن يروا علي عزت ينهار مستسلماً لضغوطهم فيوقّع على وثيقة موته ونهاية دولته وتحويل شعبه إلى شراذم من اللاجئين المشردين. وعندئذ تنحل عقدة المجتمع الدولي ودول أوربا بصفة خاصة.. فلن تكون في حاجة إلى سحب اعترافها السابق بدولة البوسنة والهرسك التي لم يعد لها وجود.
كانت هذه الظروف المأساوية جديرة بتحطيم أقوى الرجال، ولكن علي عزت ظل صامدا متماسكاً متوازن العقل صحيح النفس، وهو أمر يثير الدهشة ويبعث على التساؤل.. ولكن لعل دهشتنا تزول إذا عرفنا طرفا من حياة الرجل وفكره كما يتمثل في كتابه «الإسلام بين الشرق والغرب»، فهذا الكتاب يمدنا برؤية داخلية كاشفة لشخصية مؤلفه وسماته النفسية والأخلاقية.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب»
كان علي عزت يدرك منذ وقت مبكر المخاطر المحدقة بالأجيال الجديدة وقد حرموا من أي تعليم إسلامي في مجتمع دينه الرسمي الإلحاد كان يعتبر اقتناء المسلم لمصحف جريمة يستحق عليها العقاب، لذلك كان علي عزت معنياً بتوفير أدوات مناسبة عصرية لتعميق الفكر الاسلامي عند الشباب المسلم فعكف على بحث وتأليف كتابه «الإسلام بين الشرق والغرب» كان الهدف منه كما ذكر في مقدمته: «محاولة ترجمة الإسلام إلى اللغة التي يتحدث بها الجيل الجديد ويفهمها» وعندما أوشك على إنهاء الكتاب أودع السجن كما سبق أن أشرنا فلم يتمكن من نشره آنذاك. ولكن استطاع صديق له هو «حسن كراجيتش» أن يهرّب أصول الكتاب خارج يوغسلافيا حيث قام باستكمال الاستشهادات المرجعية للكتاب وترجمته إلى اللغة الانجليزية، ونشر أول طبعة له في الولايات المتحدة سنة 1984، ثم أعيد طبع الكتاب مرة أخرى سنة 1989 وهي الطبعة التي قمنا بترجمتها إلى العربية.
ليس كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب» كتاباً بسيطاً يمكن للقارىء أن يتناوله مسترخياً أو يقتحمه من أي موضع فيقرأ صفحة هنا وصفحة هناك ثم يظن أنّه قد فهم شيئاً، إنما على القارىء الجاد أن يحتشد له ويتهيأ للدخول في عالم فكري واضح الثراء متميز بمنهج تحليلي دقيق، فالمؤلف يضع كل فكره تحت مجهره الفاحص، وهو في ذلك دائب السعي للوصول إلى حقائق الأشياء وجوهرها. والكتاب إلى جانب ذلك يتمتع بأسلوب أخّاذ وقوّة منطق تعكس ثقافة مؤلفه العميقة. فمؤلف الكتاب متمكن من الثقافتين الإسلامية والغربية معاً. ولا ننسى أنّه أوروبي بالمولد والنشأة والتعليم، ساعدته قدراته اللغوية أن ينفذ إلى أعماق الفكر الغربي في لغاته الأصلية (الألمانية والإنجليزية والفرنسية) إلى جانب لغته البوسنية (الصربوكرواتية).
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
* التمييز بين الثقافة والحضارة
يبدو من دراسة علي عزت لموضوع الثقافة والحاضرة أن هناك تصادماً بينهما، وأن الحضارة الرأسمالية والحضارة الشيوعية كلاهما معاد للثقافة بطبيعتهما وبدرجات مختلفة ذلك أن الثقافة في جذورها الأولى صدرت من أصل ديني، وأن هذه الجذور تمتد من الماضي السحيق إلى ما يسميه علي عزت «بالتمهيد السماوي»، ويشير إلى ذلك السناريو القرآني الذي جمع الله فيه الأرواح التي قُدر لها أن تولد ـ (كما يقول الفلاسفة المسلمون «في عالم الذرّ») ـ وسألهم: «ألست بربكم.. قالوا بلى..» هنالك علم الإنسان أنّه مختلف عن بقية الكائنات وأنّه صاحب مسؤولية وأنّه حر الاختيار.
ويطوّر المؤلف موضوع الصدام بين الثقافة والحضارة بطرق مختلفة. فالثقافة عنده «هي تأثير الدين على الإنسان وتأثير الإنسان على الإنسان، بينما الحضارة هي تأثير العقل على الطبيعة.. تعني الثقافة الفن الذي يكون به الإنسان إنسانا أما الحضارة فهي فن يتعلق بالوظيفة والسيطرة وصناعة الأشياء تامة الكمال.. الحضارة هي استمرارية التقدم التقني وليس التقدم الروحي.. كما أن التطور الداروني هو استمرارية للتقدم البيولوجي وليس التقدم الإنساني.
الثقافة شعور دائم الحضور بالاختيار وتعبير عن الحرية الإنسانيّة وخلافا لما تذهب إليه الحكمة الإسلامية بضرورة كبح الشهوات، يحكم الحضارة منطق آخر جعلها ترفع شعاراً مضاداً «أخلق شهوات جديدة دائماً وابداً». الحضارة تُعلِّم أما الثقافة فتنوِّر، تحتاج الأولى إلى تعليم والثانية إلى التأمّل.
تملك الثقافة الفن وتملك الحضارة العلم. تقف الثقافة بمعنى من المعاني خارج إطار الزمن والتاريخ، فهي معنية بموضوع واحد هو: لِمَ نحيا؟ أما الحضارة فهي إجابة على سؤال آخر دائم التغير وهو: كيف نحيا؟. وفي هذا المجال «يمكن تمثيل الحضارة بخط صاعد دائماً يبدأ من اكتشاف الإنسان للنار ماراً خلال طواحين الماء ثم عصر الحديد والكتابة، والآلة البخارية، حتى عصر الطاقة الذرية ورحلات الفضاء. أما الثقافة فهي بحث دائب يعود إلى الوراء ويبدأ من جديد. الإنسان هو موضوع الثقافة بأخطائه التي لا تتغير وفضائله وشكوكه وضلالاته.. وكلما تعمقنا في الوجود الداخلي للإنسان نرى معضلة دائمة تسعى إلى حل مستحيل».
هذه هي مجمل المجالات التي ناقش فيها علي عزت موضوع الاختلاف بين الثقافة والحضارة حيث ينتهي من مناقشاته وتحليلاته إلى أن الحضارة الحديثة قد أخفقت إخفاقاً بيّناً في سعيها لتحقيق السعادة الإنسانيّة المنشودة من خلال العلم والقوة والثروة. ويؤكد أنّه لابد من فهم هذه الحقيقة والاعتراف بها حتى يتسنى لنا مراجعة أفكارنا الأساسية التي لا تزال موضع قبول عام إلى الآن.. ويرى أن «أول فكرة يجب مراجعتها هي فكرة العلم الخاطئة عن الإنسان».
ولكن يحذرنا علي عزت أن نفهم أن نقده للحضارة دعوة لرفضها والانعزال عنها فالحضارة على حد قوله «لا يمكن رفضها حتى لو رغبنا في ذلك.. إنما الشيء الوحيد والضروري والممكن فهو أن نحطم الأسطورة التي تحيط بها.. فإن تحطيم الأسطورة سيؤدي إلى مزيد من أنْسنة هذا العالم.. وهي مهمة تنتمي بطبيعتها إلى الثقافة».
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
* إخفاق الأيديولوجيات الكبرى
ويُرجع المؤلف إخفاق الأيديولوجيات الكبرى في العالم إلى نظرتها إلى الإنسان والحياة نظرة أحادية الجانب شطرت العالم شطرين متصادمين بين مادية ملحدة وكاثوليكية مغرقة في الأسرار «ينكر كل منهما الآخر ويدينه بلا أمل في لقاء»، وهكذا وجدنا الحضارة القائمة على العلم المادي من جانب، والدين القائم على الغيبيات من جانب آخر مضاد. ولكن الإسلام ـ كما يعرضه علي عزت ـ لا يخضع لهذه القسمة الجائرة. وتلك هي القضية الكبرى التي يعالجها علي عزت في كتابه «الإسلام بين الشرق والغرب» حيث خصص لها القسم الثاني من هذا الكتاب.
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
* الإسلام وحدة ثنائية القطب
يرى علي عزت أنّه يستحيل تطبيق الإسلام تطبيقاً صحيحاً في مجتمع متخلف ففي اللحظة التي يتم فيها التطبيق الحقيقي للاسلام في مجتمع ما يكون هذا المجتمع قد بدأ يتخلى عن تخلفه ويدخل في مجال الحضارة.
ومن ثم يؤكد القرآن أن الله خلق الإنسان ليكون سيداً في الارض وخليفة الله عليها.. وأن الإنسان في إمكانه تسخير الطبيعة والعالم من خلال العلم والعمل. ويقول علي عزت في موضع آخر: «إن إصرار القرآن على حق محاربة الشر والظلم ليس من قبيل التدين بمعناه الضيق، فمبادىء اللاعنف واللامقاومة اقرب إلى الدين المجرد.. وعندما أقر القرآن القتال بل أمر به بدلاً من الرضوخ للظلم والمعاناة لم يكن يقرر مبادىء دين مجرد أو أخلاق وإنما كان يضع قواعد سياسية واجتماعية». ويعلق على تحريم الخمر في الإسلام بقوله: «كان تحريم الخمر بالدرجة الأولى معالجة لشر اجتماعي وليس في الدين المجرد شيء ضد الخمر بل أن بعض الأديان استخدمت الكحول كعامل صناعي لاستحضار النشوة الروحية.. كالاظلام والبخور المعطّرة، وكلها وسائل تؤدي إلى هذا النوع من الخدر المطلب للتأمل الخالص.. ولكن الإسلام عندما حرّم الخمر سلك مسلك العلم لا مسلك الدين المجرد».