عنوان الموضوع : خطر المشروع الإيراني المجوسي على الأمة الإسلامية
مقدم من طرف منتديات العندليب

بسم الله الرحمن الرحيم

أمة في خطر
(2)
المشروع الإيراني الصفوي

د. أكرم حجازي
صحف- 3/6/2016


قبل الحديث عن فتنة سنية شيعية يلزم القول أن الذين يحذرون من مشروع صفوي ضد السنة حيثما كانوا هم أولئك الذين يتشاركون العيش تاريخيا في الحيز الجغرافي مع نسبة لا بأس بها من الشيعة كما هو الحال في السعودية والعراق ولبنان والكويت والبحرين واليمن والباكستان وأفغانستان ومناطق أخرى مشابهة. لكن، وفيما عدا نفر محدود جدا عبّروا عن مخاوف جدية لديهم، بعد احتلال العراق، مما أسموه بخطر التمدد الشيعي فإن مواقف عامة السنة في بلدان مثل مصر والشام والمغرب العربي، تبدو أبعد ما تكون عن الاعتقاد بأية فتنة أو الشعور بخطر شيعي يتهدد معتقداتها، والأصح أن بعضها أبدى تعاطفا أشد سواء مع إيران فيما يتعلق بحقها في امتلاك السلاح النووي أو مع حزب الله كرمز للمقاومة التي رفعت، بالنسبة إليهم، رأس العرب عاليا.

وهكذا يكون السنة على طرفي نقيض فيما يتعلق بالموقف مما يسمى بالمشروع الصفوي، فثمة طرف يشكو بمرارة ما يتعرض له السنة على أيدي الشيعة في العراق وأفغانستان بالدرجة الأساس ودونهما في إيران ولبنان وطرف يشكل الغالبية الساحقة لا يأبه لأي موقف نقدي أو عدائي ضد إيران أو حزب الله بما أنهما يخوضان صراعا مع من يفترض أنهم أعداء الأمة ... بطبيعة الحال العربية وليس الإسلامية، بل تراه ينقضّ بشراسة على أبناء طائفته منددا بمواقفهم ومستنكرا أفعالهم لكونهم يصطفون في خندق العداء للمقاومة، بقصد أو بدون قصد. ولكن بما أنه لا خلاف، نظريا على الأقل أو حتى إعلاميا، بين وجهتي النظر على اعتبار المشروع الأمريكي – الغربي – الصهيوني هو مشروع احتلال وتسلط وحرب على الإسلام والمسلمين سواء في المنطقة العربية أو في العالم؛ فما هي مبررات العداء للمشروع الإيراني؟ وهل هو حقيقة مشروع مقاومة وتحرير يستحق المراهنة عليه؟ أم أنه مشروع صفوي يستهدف العقيدة؟

الحقيقة أن تصريحات د. أيمن الظواهري حين أشار إلى جدية الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، وكذا تصريحات بن لادن وهو يصف حرب تموز في لبنان بين إسرائيل وحزب الله بأنها حرب للدفاع عن النفس لا أكثر ولا أقل، هي تصريحات بالغة الأهمية كونها: (1) تُسقط المشروع الإيراني كمشروع مقاومة على مستوى الأمة وتَعرِض لفكرة جديرة بالاهتمام حين ترى بأن (2) كِلا المشروعين الأمريكي – الغربي والإيراني، بالأساس، منفصلين عن بعضهما، وكل ما في الأمر أنهما يتساكنان ويتصارعان على (وليس في) مناطق نفوذ واحدة، وأن (3) تقاطعهما في مواضع عدة ليس سوى تعبير عن الحاجة إلى تبادل المنافع التي قد تتمظهر، بحسب الحاجة، في صيغة تحالف علني تارة أو بغض الطرف تارة أخرى. لكن إن لم يكن المشروع الإيراني مشروع مقاومة فماذا سيكون؟

مَنْ هو عدو إيران؟

إن أفضل تقييم لملف التسلح الإيراني ينبغي أن تكون مصادره من داخل إيران ذاتها كي نتجنب محاولات التضليل أو التضخيم للقوة الإيرانية كما سبق وحصل بالنسبة للعراق حينما صنفت المصادر الغربية العراق بوصفه يمتلك رابع أقوى جيش في العالم لتبرير تدميره وإزالة خطره على المحيط والعالم. لكن بالنسبة لإيران فالمهمة سهلة بما أن الإعلام ومسؤولي الدولة هم أنفسهم من يصرح ببعض ما تمتلكه إيران من قوة وتكنولوجيا عسكرية أو مدنية. أما لماذا يفعلون ذلك فلأنهم يرسلون رسائل التعبير عن القوة الفعلية لديهم للحيلولة دون مهاجمة إيران التي باتت تمتلك تكنولوجيا عسكرية فضلا عما لديها من تكنولوجيا مدنية، وبالتالي على الغرب أن يفهم جيدا أن: (1) أي هجوم يستهدف إيران سيكون بالغ الخطورة على أمن العالم برمته وليس فقط على منطقة الخليج العربي، وأن يفهم أيضا أن (2) لإيران الحق في امتلاك التكنولوجيا وليس استيرادها ولا الوصاية عليها بما في ذلك التكنولوجيا النووية على وجه الخصوص.

في هذا السياق بالضبط تنشط الدبلوماسية الإيرانية دوليا مثلما نشطت وما تزال، إعلاميا، في الكشف عن بعض مصادر القوة العسكرية لديها برا وبحرا وجوا، فقد أدهشت إيران الخبراء العسكريين في أكثر من استعراض لقدراتها في تكنولوجيا التسلح سواء في صناعة الطائرات والرادارات والصواريخ البحرية المضادة للسفن والقوارب الطيارة أو في مجال صناعة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى أو في القدرة على إنتاج القضبان النووية وتخصيب اليورانيوم فضلا عن بعض مشاهد إذلال البحرية البريطانية والفرنسية في مياه الخليج.

لا شك إذن أن إيران دولة تراهن، ليس فقط، على العلم والمعرفة، بل، وعلى امتلاك التكنولوجيا واستخدامها والدخول في منافسة محمومة حتى مع الدول الكبرى بخلاف الدول العربية وأغلب الدول الإسلامية التي أضاعت حتى لغتها الوطنية وأخرجت المراهنة على العلم من حيز التفكير والاهتمام لتجعل منه القيمة الأدنى في سلم القيم الاجتماعي، ويكفي تصور ما لدى إيران من قدرات علمية ملاحظة تصريحات سعيد سركار مدير لجنه الكوادر الإنسانية في هيئه تكنولوجيا النانو أن بلاده انتقلت من المرتبة 36 عالميا سنة 2016 إلى المرتبة 32 في هذا النوع من التكنولوجيا، أما على المستوى الإسلامي فقد احتلت إيران المرتبة الأولى متفوقة بذلك على تركيا النشطة في هذا الحقل العلمي، وأشار سركار إلى أن إيران، إذا ما استمرت بذات السرعة فستقفز إلى المرتبة 24 عالميا، وستكون قادرة على بلوغ المرتبة ‪ 15 بحلول العام 2015. والمدهش أن تَوجُّه إيران نحو هذه التكنولوجيا بدأ فقط في شهر سبتمبر سنة 2016 حين أعلنت إيران عن تأسيس اللجنة الخاصة لتطوير تكنولوجيا النانو بإشراف مباشر من رئيس الجمهورية.

وفيما يخص البحث العلمي فقد كشف النقاب عن 1400 متخصص يعملون في هذا الحقل حاليا في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، وأن إيران أحرزت تقدما لافتا على صعيد نشر المقالات العلمية في المجلات العالمية المعتمدة حيث بلغت 250مقالة خلال العام 2016 بينما كانت لا تتجاوز 53 مقالة خلال سنة 2016، وأوضح سركار أن متوسط الرجوع إلى المقالات الإيرانية العلمية في هذا الحقل تفوق المتوسط العالمي حاليا حيث تبلغ ‪22 لكل مقالة بينما يبلغ المتوسط العالمي 2 لكل مقالة.

وعلى الصعيد الاقتصادي لتكنولوجيا النانو تنشط في إيران‪ 40 شركة. وبالنظر إلى تطبيقاتها الواسعة فإن حجم الصادرات الإيرانية سيبلغ 20 مليار دولار لغاية عام ‪2015 فيما لو استطاعت البلاد حيازة 1% فقط من حصة السوق العالمية مشيرا إلى أن إيران أبرمت عقدا مع روسيا في تحضير العقاقير الطبية الذكية.

من الطبيعي أن يكون لإيران ولغيرها من البلدان كل الحق في امتلاك ناصية العلم أو بعضه والدفاع عن نفسها، وما من أحد له الحق في أن ينازعها في ذلك أو يضيق عليها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان من المألوف أن يكون لكل الدول في العالم وكل الأمم أعداء وأصدقاء؛ وإذا كان المسلمون من ضمن الأصدقاء؛ فمن هو العدو بالنسبة لإيران؟

إننا نطرح السؤال على فرض أن المشروع الإيراني هو مشروع مقاومة أو على الأقل داعما لها مما يستدعي تمييزا صارما بين الأصدقاء والأعداء، أما لو طرحناه في سياق مصير الأمة فسيكون على إيران أن توضح أكثر فيما يتعلق بالعدو الاستراتيجي ناهيك عن سلسلة الأعداء المحتملين ومدى ما يشكله كل عدو من مخاطر وما إذا كان من الممكن احتواءه والتعايش معه أو الحذر منه ووجوب مواجهته عند اللزوم. لكن حتى الآن لم تجب إيران بوضوح قاطع عن هوية العدو خاصة وأنها تراجعت رسميا وعلى أعلى المستويات عن كون الولايات المتحدة هي الشيطان الأكبر، فضلا عما اعترفت به إيران من خدمات جليلة قدمتها لواشنطن في أفغانستان والعراق. وعليه فمن العبث الركون إلى التخمينات مثلما هو من العبث القول أن التسلح التكنولوجي عامة ومحاولات التسلح النووي خاصة والتطور العلمي السريع هو غاية بحد ذاتها أو هواية بلا هدف.

لهذا فإن قطاعات السنة الغاضبة من إيران أظهرت قدرا كبيرا من الشك والريبة وهي تشعر أن الولايات المتحدة غضت الطرف فعليا عن التسلح الإيراني وهي تعلم به، لكنها لم تفعل الشيء ذاته فيما يتعلق بالعراق لما سمحت بالمقابل بتدمير مفاعله النووي سنة 1981ودعمت جواسيسها في تدمير بعض مجمعات التصنيع العسكري فيه منتصف الثمانينات من القرن العشرين ثم ورطته باحتلال الكويت وأخضعته لحصار انتهى ليس بإسقاط النظام بل بتدمير البلد برمته. ومن باب التساؤل: لمّا يكون الأمريكيون يعترفون بأنهم كانوا على علم بخطورة التسلح الإيراني فلماذا لم يهاجموا إيران كما هاجموا العراق؟ ولماذا تنجو إيران وتوجهاتها وترساناتها وتكنولوجيتها من أية تهديدات أمريكية أو إسرائيلية حقيقية فيما لم ينج السلاح العراقي ولا حتى العراق ولا سنته من التدمير والقتل والتشريد مثلما لم تنج أفغانستان من السحق؟ أليس من المفارقات أن يكون السنة في العراق وأفغانستان هدفا مباشرا فيما يكون الشيعة حلفاء؟

إذا كان من البديهيات القول أن المراهنة على العلم وامتلاك التقنية تتطلب استقرارا طويل المدى وابتعادا عن الحروب والتوتر غير المبرر، فالأولى من ذلك التسليم بأن إيران ليست موضوعيا بوارد أية مواجهة لا مع الولايات المتحدة ولا مع إسرائيل ولا مع الغرب الذي ينأى بنفسه حتى عن تهديد إيران بعقوبات اقتصادية ودبلوماسية. وعليه ففي أي سياق يمكن توصيف المشروع الإيراني بأنه مشروع مقاومة وتحرير؟ وفي أي سياق من العقل يمكن المراهنة على أن إيران يمكن أن تغامر بما لديها من قوة ونفوذ بمصالحها وإنجازاتها من أجل العرب والفلسطينيين؟ وفي أي سياق يمكن تفسير العلاقات الأمريكية الإيرانية وهي تبدو حتى قبل هجمات 11 سبتمبر والعراق على وفاق تام تجاه ما ما يتراءى للكثيرين كما لو أنه العدو المشترك للجانبين؟ وفي أي سياق يمكن فهم صفقات التسلح الإيراني مع إسرائيل فيما عرف آنذاك بفضيحة إيران غيت؟

مؤشرات صفوية

حتى الآن ترفض إيران رفضا قاطعا الاعتراف بعروبة الخليج العربي أو بحقوق عربية فيه، لذا يبقى السؤال عن عدو إيران مبررا، وكذلك الأمر فيما يتصل بالتسلح الإيراني بأسلحة دمار شامل، لكن السؤال الثاني الذي لا يقل أهمية عن هوية العدو هو: لأية أهداف تتسلح إيران؟

هنا بالضبط يكمن جانب آخر من المخاوف السنية المعارضة للنهج الإيراني. فقد يكون مفهوما أن يتوسع نفوذ الدول ويصبح لها تطلعات إقليمية أو دولية، وتسعى جاهدة إلى المطالبة بمزيد من الحقوق والمكاسب وتقاسم النفوذ بما يتناسب وقدراتها العلمية أو حجم القوة العسكرية والاقتصادية، لكن ما ليس مفهوما هو التمدد الإيراني خارج الحدود بصورة تبعث على الريبة المصحوبة بقلق كبير. فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق، بدأت مؤشرات التمدد خارج الحدود أبعد ما تكون عن المصالح السياسية، والأهم أنها مؤشرات شمولية الشكل وبمضمون عقدي ظهر معه السنة كمخدوعين طوال عقود وهم يحاولون الظن، عبثا، بأن إيران تخلت عن مبدأ تصدير الثورة منذ سنة 1984، والحقيقة أن الإيرانيين أجلوا العمل به، لينطلق مجددا مع الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، ولينشط في كافة البلدان العربية بلا استثناء. ومن هنا بالضبط بدأ الحديث عن مشروع صفوي مجوسي.
مع ذلك فقد لا يبدو غريبا أن يتقاطع المشروع الصفوي مع المشروع الأمريكي، فكثيرا ما تتقاطع المصالح في السياسة وهذا ليس معيبا، لكنه من المثير حقا أن يتقاطع المشروعين ليس في مستوى المصالح بقدر ما يتقاطعان فعليا في مستوى الأهداف، فكلاهما يستهدف السنة وكلاهما يسعى إلى التبشير بمعتقداته وكلاهما يمتلك القوة والأدوات لتحقيق أهدافه وكلاهما ذو طابع احتلالي وكلاهما يقدم تنازلات للآخر كلما دعت الضرورة. ومما لا شك فيه أن ما من شيء يخيف السنة كما يخيفهم التشيع حتى أنهم باتوا يعبرون عن ترقيتهم لهذا الخوف فيما يقيمونه من مقارنات بين خطر الشيعة وخطر اليهود والغرب على الإسلام والمسلمين مستعينين في ذلك بتراثهم العقدي في كتب الأولين وفتاوى بعض العلماء المعاصرين وهم يقدمون الخطر الشيعي على ما عداه من أخطار، فما الذي يبرر كل هذه المخاوف؟

لو حاولنا التفتيش عن جذور المخاوف فليس صعبا العثور عليها سواء في التاريخ الشيعي أو في المحتوى العقدي أو في التحالفات العجيبة لهم مع أعداء الأمة. وليس صحيحا أن السنة والشيعة عاشوا بوئام طوال قرون، فالكوارث أكثر من الشواهد على سوء علاقة ابتدأت من فجر الإسلام وليس من عند ظهور الدولة الفاطمية ولا الدولة الصفوية علاوة على ما يراه السنة من غدر وخيانة لعبوه بامتياز حين الغزو التتري لديار المسلمين لا يقل عن دورهم الراهن في العراق. أما الدولة الصفوية التي أزعجت الدولة العثمانية وتحالف مع الفاتيكان الذي استنجد بها لفك الحصار الإسلامي عن أسوار العاصمة النمساوية قائدة العالم المسيحي آنذاك، فقد امتازت بكونها دولة توسعية في شتى الاتجاهات، ولم يكن لها من هدف غير التشييع، وعن تحالفاتهم فقد أثبتت على مدار التاريخ أنهم ما كانوا في يوم ما إلا في صف أعداء الأمة، ومع ذلك فقد يقال أن من السنة من هم حلفاء أمريكا وحتى اليهود في عصرنا الراهن وهذا صحيح نسبيا، لكن حدة المخاوف والعداء من المشروع الصفوي ليست واقعة فقط في إطار الخيانة التاريخية للشيعة وغدرهم وتحالفهم مع أعداء الأمة إلا إذا تم وضع كل السلوك السياسي الشيعي في سلة العقيدة؛ عندها يمكن تلمس المخاوف السنية على حقيقتها وفي جواهرها.

فالمشكلة عند السنة إذن تقع في مستوى العقيدة أولا وليس في مستوى الفعل التاريخي للشيعة الذي يمكن اعتباره أحد إفرازات الشعور بالاضطهاد تماما كعقدة اليهود وهذه مشكلتهم وليس السنة مسؤولين عنها. فالسنة يتحدثون عما يسمونه بعقيدة كفرية ليست من الإسلام في شيء خاصة وأنها تقع على النقيض تماما من أية أصول عقدية؛ وليس فروع كما يروج حلفاء الشيعة من السنة، وفي السياق من المثير الاطلاع على نموذج من تصورات العقيدة الشيعية وردت عبر تصريحات سابقة للرئيس الإيراني أحمد نجاد أوردها الموقع الرسمي لأهل السنة والجماعة نقلا عن وكالة مهر للأنباء وهي تعبر عن ذروة الانحراف العقدي لدى الشيعة:

إن فاطمة الزهراء كانت أسوة لجميع الأنبياء والأئمة والصالحين، وأضاف: إن الله تعالي مع أسمائه قد تجلّي في صورة فاطمة الزهراء وإنه تعالي يعرّف نفسه إلي العالمين عن طريق فاطمة. وتابع قائلاً: إن مصير العالم والكون في اختيار فاطمة وهي التي تتصرف في العالم كيف تشاء. وأكد أحمدي نجاد علي أن العالم لم يتحمل مصيبة مثل مصيبة فاطمة، وأن الأشقياء هم الذين ظلموها، لأنها خلاصة الكون. وأضاف بالقول: إن الذين ظلموها هم الذين لا يؤمنون بالنبي ولا بالرسالة ولا بالإمامة ولا بالله تعالي، والظلم بالنسبة إلي فاطمة ظلم إلي الله تعالي!

لا شك أن مثل هذه المعتقدات تثير الفزع لدى السنة كلما أوغل الشيعة في علاقاتهم مع أعداء الأمة وتمددوا باتجاه حصون السنة، فهم لم يتحركوا بهذه القسوة إلا حين نشط المشروع الغربي في استهداف الإسلام السني بالتحديد والذي يصفه الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي بأنه بحر الإسلام الهادر. فما الذي يدعو الشيعة للخروج من حدودهم باتجاه العراق وسوريا والجزيرة العربية وشمال أفريقيا ومصر والسودان وأفغانستان وباكستان وحتى جورجيا؟ ولأية أهداف؟

يغلب الظن على الكثيرين من أهل السنة أن جذر المشكلة يقع في نطاق المشروع الغربي الذي يستفيد من المشروع الإيراني في إثارة الفتنة بين السنة والشيعة محققا اختراقا ملحوظا. وهذا صحيح بدرجة كبيرة. أما الإيرانيون فيستفيدون أيضا من المشروع الأمريكي عبر تخويف السنة وتقديم أنفسهم كمشروع مقاومة للأمة ضد الخطر الصهيوني مستغلين في ذلك حالة انعدام الوزن في العالم العربي. لكن المسألة تشبه بالضبط حالة الصورة في المرآة، وهي تبدو حقيقية، إلا أنها في الواقع معاكسة تماما. إذ يستحيل على العقل أن يتقبل المنطق الإيراني في لبنان بينما هو على النقيض منه في العراق وأفغانستان، علما أن العدو من المفترض أنه ذاته هنا أو هناك. فكيف يمكن تفسير العلاقات الحميمة بين إيران مع الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان بينما تكون ذات العلاقات عدائية في لبنان؟

لعل إيران كالغرب تشعر أنها ذات قوة تكفي للدعوة إلى التشيع ونشر المذهب على أوسع نطاق بما يمكنها من قيادة العالم الإسلامي، إذ من الصعب فهم التمدد الإيراني، على محدوديته، خارج هذا السياق. وكل المؤشرات الآن تدل على نجاح إيران في خداع السنة المناصرة لها مستغلة القضية الفلسطينية بالتحديد للتعمية شبه التامة على ما ترتكبه القوى الموالية لها من جرائم بحق السنة في العراق وأفغانستان، فبرزت حاضنة لمشروع المقاومة. بل أنها دفعت السنة، بدهاء، إلى الاختيار بين المقاومة والعقيدة من حيث يدرون أو لا يدرون.

هكذا يبدو السنة على طرفي نقيض فيما يتعلق بالموقف من إيران ومشروعها متجاوزين بذلك مرحلة التوافق، فالمجتمعات العربية الخالية من التواجد الشيعي، والتي لم تعاني من (أو تشعر بأية) مخاطر فارسية اختارت المقاومة على العقيدة اعتقادا منها بأنها تنأى بنفسها عن الاصطفاف في خانة المشروع الغربي الصهيوني، أما المجتمعات الحاضنة للطائفة الشيعية فقد اختارت العقيدة اعتقادا منها أنها مستهدفة في عقيدتها وفي مصيرها إذا ما نجح المشروع الصفوي في الاستيطان بين جنباتها، وحجة هذه الأخيرة أن الغرب واليهود قلما نجحوا في التأثير على عقيدة الأمة، والثابت أن اليهود مثلا طوال قرن من الزمن نجحوا في تهويد الأرض لكنهم لم ينجحوا قط في تهويد البشر ولم يكن لهم هدفا من هذا النوع.
أما لماذا يخسر السنة فيما يكسب الشيعة؟ فلأن السنة كالشيعة في تحالفاتهم، كلاهما اختار عدو الأمة طوعا أو كرها، لكن الفرق يكمن في أن السنة عملوا ضد المذهب وضيقوا على العقيدة وأوكلوا أمرها للحاكم بينما الشيعة عملوا، من أعلى المستويات السياسية والدينية إلى أدناها، في خدمة المذهب وسخروا له كافة إمكانياتهم وطاقاتهم. ولما يتجرأ بعض العلماء على التحذير من المشروع الصفوي ويدعون لمحاربته فغالبا ما يواجهون بالتشكيك وعدم الثقة كونهم تجرؤوا على المشروع الصفوي وجاهروا في التحذير منه والتصدي له لكنهم لم يتجرؤوا على التشريع للجهاد بذات الحماسة فضلا عن أن بعضهم ينكره من الأصل؟ إذ كيف يمكن التوفيق بين وجوب مقاومة المشروع الإيراني وإغفال المشروع الأمريكي؟ سؤال استنكاري ولا شك. لكن لو سألنا بصيغة أخرى لقلنا: بغض النظر مؤقتا عن مخاطر التقاطع مع المشروع الأمريكي؛ كيف السبيل لإحداث ثقة في خطاب العلماء غير المتوازن في صراحته تجاه المشروعين بحيث يدرك السنة أن ملاذهم يكمن في العقيدة الأقدر على مواجهة شتى صنوف المخاطر وليس المقاومة ذات الحسابات السياسية؟

آليات المشروع الصفوي

يتبع ....


كتبها د. أكرم حجازي في 04:21 مساءً ::



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

أمة في خطر

آليات المشروع الصفوي

(3)

د. أكرم حجازي
6/6/2008





... هكذا إذن ثمة مشروعين يتهددان الأمة والمنطقة ويسعيان إلى التسلط عليها أو على الأقل تقاسم النفوذ فيهما، ولأننا بصدد معالجة بقايا المشروع الإيراني يمكن ملاحظة أن الشواهد على صفوية المشروع أكثر من الشواهد على كونه مشروع مقاومة. ولمزيد من المعاينة والتثبت يمكن التوقف عند بعض الآليات المستعملة في بناء ما يسمى بأكثر من "الهلال الشيعي".

أولا: تأسيس أدوات ضاربة

فالإيرانيون، في تأسيسهم، للحرس الثوري جعلوا منه كتلة عسكرية وأمنية ومالية ذات صلاحيات وامتدادات واسعة في شتى أنحاء العالم. ولا شك أن المطلعين على بنية هذه المؤسسة يدركون حتما أنها قوة تفوق قوة الجيش الإيراني ذاته خاصة وأنها تتكفل بمهمات حماية الثورة والقدرة على التدخل والحسم فضلا عن الأذرع الأمنية والتجسسية العاملة في أسخن المناطق وأبردها. هذه المؤسسة تكفلت، مبكرا ، في تأسيس قوى سياسية وعسكرية ضاربة لإيران في أكثر من منطقة خاصة تلك التي يتواجد فيها ديمغرافيا شيعية، مثل حزب الدعوة وقوات بدر وميليشيات جيش المهدي في العراق وحزب الله في لبنان وجماعة بدر الدين الحوثي في اليمن بالإضافة إلى هزارة أفغانستان وشيعة الباكستان وغيرها. فما الذي تريده إيران من هذه القوى؟

الحوثي في اليمن

ففي اليمن لم يكن المذهب الزيدي شيعيا إلا في كونه يقدم حب آل البيت على ما عداهم دون أن يمس من إيمان الصحابة ومكانتهم أو يروج لأية معتقدات مغايرة لما عليه أهل السنة، ولم يتغير هذا الحال ابدأ إلا حين تدخلت إيران بوسائل مختلفة تجلت أخيرا في صورة تحريفات واضحة في الزيدية تمخض عنها صدامات بين الدولة وما يعرف بجماعة بدر الدين الحوثي. ومعروف أن الصراعات القبلية في اليمن مع الدولة وقعت جميعها على خلفية مطالب اجتماعية واقتصادية وخدمات غالبا ما كانت تنتهي بالمصالحة ما أن تحصل القبائل على بعض المطالب، لكن مع جماعة الحوثي فقد تكررت الصدامات الدموية عدة مرات بحيث صار السؤال المطروح هو: إذا كانت جماعة الحوثي حركة احتجاج سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي فلماذا لم تحظ بمناصرة بقية القطاعات الاجتماعية؟ ومن أين تستمد قدرتها على الاستمرارية خاصة وأن أحداثا من هذا النوع تحتاج ولاشك إلى جهة داعمة لها ماليا وعسكريا وإلا ما كان لها أن تصمد في أكثر من جولة دامية؟ أما السؤال الأكثر أهمية فهو: لما يكون علماء الزيدية أنفسهم قد نبذوا حركة الحوثي ونزعوا عنها أي غطاء ديني، فلأية أهداف تقاتل؟ ولمصلحة من؟

الحقيقة أن الإيرانيين يعرفون أن حركة الحوثي ليست حركة انقلابية ولا استئصالية لنظام سياسي واجتماعي ينخره الفساد من رأسه حتى أخمص قدميه، فالذي يعرف البلاد يدرك أن الفساد في اليمن، بخلاف الغالبية الساحقة من الدول التي تعاني منه، ضرب المجتمع والدولة على حد سواء، وبالتالي فحركة الحوثي ليست حركة احتجاجية ولا إصلاحية بقدر ما هي أداة لا أكثر ولا أقل. لكن لمصلحة من؟ ولأية أهداف؟

الأرجح أن الهدف الإيراني من مشروع الحوثي هو خلخلة التصور الزيدي وتحويره من الأساس ليصير جزء من التصور الشيعي. بمعنى أن الإيرانيين الذي استطاعوا اختراق الزيدية يجهدون اليوم، عبر جماعة الحوثي، في تثبيت فكرة أن الزيدية في اليمن هي بذرة صالحة للتحوير يمكن البناء عليها لاحقا بحيث تصير طائفة شيعية في خدمة المشروع الصفوي ونقطة ارتكاز حاسمة في محاصرة الجزيرة العربية من الجنوب.

حزب الله في لبنان

بعيدا عن الملف العراقي الذي لم يعد خافيا حجم المشروع الصفوي فيه فإن حزب الله في لبنان يلعب دورا مثيرا بوصفه رأس الحربة في إصابة القسم الأعظم من السنة بفيروس الصمم عبر ما يسمى بمشروع المقاومة. لكن الواقع يقول أنه لا إيران ولا حزب الله يمثلان خيارا سنيا على مستوى الأمة، أما على مستوى لبنان فالمسألة عويصة خاصة وان انقسامات السنة تجاه الموقف من حزب الله، فيما عدا بعض القوى السلفية أو ذات الطابع السلفي، أفرادا وجماعات، تبعث على العجب. إذ نجد:

• فئات سنية من بينها الجماعة الإسلامية بقيادة فتحي يكن، وأغلب الشخصيات السنية البارزة تقع في نطاق محور الحريري – السنيورة – جعجع. وميزته امتلاك المال. ويحظى بدعم عربي ويراهن على الموقف الأمريكي. أما أهدافه فهي وضع حد لسلاح حزب الله بوصفه سلاح يقع فوق سلطة الدولة وليس تحتها.

• فئات سنية حليفة لمحور حزب الله – حركة أمل - ميشيل عون. وهو محور يرفع شعار المقاومة ويحظى فقط بالدعم الإيراني والسوري. وقد يبدو ضعيفا من الناحية السياسية لكنه، ميدانيا، هو الأقوى على الإطلاق.

ففي التاسع من شهر أيار/مايو الماضي كانت بيروت الغربية مسرحا لتدخل عنيف من حزب الله، تبعها في اليومين اللاحقين إحكام القبضة على المدينة والتوجه نحو حصار منطقة الجبل حيث يتحصن وليد جنبلاط ومقاتلو الحزب التقدمي الاشتراكي. وقد تفجرت الأوضاع على خلفية قرارين اتخذتهما حكومة فؤاد السنيورة "بناء على نصيحة خاطئة" كما يقول السنيورة دون أن يحدد الجهة المعنية. أما القرارين فيتعلق أحدهما بشبكة الاتصالات الهاتفية لحزب الله والتي تشمل لبنان وتضم نحو 90 ألف خط خارج سيطرة الدولة، والآخر يتعلق بإقالة رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير من مركزه.
ومَن تابع وقائع الأحداث لا بد وأنه لاحظ عبارات من نوع حزب الله: "يجتاح بيروت" أو "يسيطر على بيروت" أو "يغتال بيروت" أو "يحتل بيروت" أو "سقوط بيروت"، وكل واحدة من هذه العبارات وأمثالها تعكس في الحقيقة جزء من الصورة، وفي المقابل سادت عبارات من جانب الحزب أو المؤيدين له من نوع: "انتصار المقاومة" أو "هزيمة العملاء" أو عبارات طائفية تحمل شحنة عاتية من الاستفزاز للسنة مثل: "ناموا على عمر وأصبحوا على علي". ولا شك أن السنة أصيبوا بالإحباط من السرعة التي جرت بها الأحداث وتمخضت عن حسم الموقف لصالح حزب الله. لكن هل هذا النجاح عائد لضعف الأداء السني؟ أم لقوة الحزب على الأرض؟

لا أحد ينكر الدور العربي وخاصة السعودي في إنشاء وتعزيز محور الحريري الذي استطاع في فترة وجيزة تحقيق سيطرة سياسية على بيروت وغالبيتها السنية فيما عدا الضاحية الجنوبية ذات الكثافة الشيعية، ناهيك عن التمدد نحو بيروت الشرقية حيث الغالبية المسيحية من السكان. وفي الحقيقة فإن النفوذ الحريري في لبنان بلغ مبلغا قويا سواء في مدينة صيدا الجنوبية أو طرابلس شمالا وحتى البقاع شرقا. ومع ذلك فقد هزم التيار المسمى الآن قوى 14 آذار شر هزيمة في بضع ساعات. واستسلم عناصره أو فروا أو سلموا أسلحتهم للجيش اللبناني. أما لماذا؟

• فلأن التحشيد والاستقطاب وقع، شكليا، على أساس طائفي بينما حقيقة المراهنات السنية على التيار الحريري لم تكن كذلك ولم تكن حتى سياسية بقدر ما كانت مصالح ومكاسب مالية وانتهازية.

• ولأن الجيش اللبناني تواطأ مع حزب الله مما يشير إلى اختراقات واسعة النطاق ليس في صفوف المسلمين منه بل في صفوف المسيحيين على وجه الخصوص. وهذا الأمر بالذات أثار غضب السنة الذين راهنوا على الجيش والدولة في حمايتهم من الشيعة.

• ولأن تيار الحريري لا يمكن له، بأي حال، أن يشكل مشروعا للسنة فضلا عن أنه لا يمتلك أية توجهات إسلامية أو عربية أو حتى وطنية! بل أن السنة أنفسهم لا يمتلكون أي مشروع كان سوى الاصطفاف، بلا هدف، مع هذه القوة أو تلك.

• ولأن الاستقواء بالأمريكيين والأوروبيين كان علنيا ورسميا واستفزازيا وغارقا في لعب أدوار مشبوهة حتى مع إسرائيل ذاتها، الأمر الذي أدى إلى فقدانه أية مشروعية من أي نوع.

• ولأن الغالبية الساحقة من سنة لبنان نموا وترعرعوا في بيئة علمانية طائفية معقدة، ووسط خليط من الثقافات الدهرية الأبعد ما تكون عن أية صلات بالعقيدة أو حتى الوطنية، وعليه فليس غريبا أبدا أن يكون الجيش اللبناني بنظر الكثير منهم صمام أمان الوحدة الوطنية! ويحظى بالتكريم البالغ سواء استضاف مئات الجنود في ثكنة مرجعيون خلال حرب تموز 2006 أو دمر مخيم نهر البارد ومن قبله عديد المخيمات أو فتك بالكثير من الطوائف خلال سنوات الحرب الأهلية.

والأطرف فيما حدث أن القوى الحليفة والداعمة لتيار الحريري تخلت عنه بشكل سافر ابتداء من الأمريكيين وانتهاء بعدد من الشخصيات القريبة من التيار والتي اكتشف الكثير منها مدى هشاشة التيار ونفاق التحالفات الدولية التي حرضت على مواجهة حاسمة دون أن تتحرك ساكنا حين وقوعها. وكم كان مضحكا تصريح الرئيس الأمريكي وهو يعقب على الأحداث مطالبا حزب الله بأن يختار في أن يكون حزبا سياسيا أو قوة مسلحة لأن الاثنين معا أمر غير مقبول! هذا في وقت كان فيه سعد الحريري، الذي ظهر كسير النفس في خطابه، محاصرا في قصره فيما يعلن جنبلاط أنه لن يغادر منزله! والسنيورة يتأتئ لا يلوي على شيء وجعجع يغوص عميقا ليكتشف استحالة حكم لبنان دون توافق.

بل أن الأحداث أثبتت بالقطع أنه لا الولايات المتحدة ولا الأوروبيون على استعداد لخوض حرب في لبنان من أجل الحريري والسنيورة وجعجع. وأثبتت أن القوة على الأرض هي صاحبة القول الفصل في الأحداث الساخنة، وأثبتت أن التيارات السياسية المبنية على تحالفات مشبوهة، بلا أية عقيدة أو مشروعية أيديولوجية أو وطنية أو حتى سياسية، ليست سوى أداة مرشحة للخسارة أكثر مما هي مرشحة لتحقيق أية مكاسب بما أنها أصلا خارج القدرة على إدارة الأحداث وحسم المواقف. وبالتالي لا يمكن أن تكون رقما في المعادلة حتى لو حظيت بشتى أنواع الدعم السياسي والأمني والعسكري. فإذا كان لحزب الله قضية أو عقيدة يدافع عنها فما هي قضية تيار الحريري؟ ومن هم مناصروه؟ وما هو مشروعهم؟

لقد كانت التصريحات الإسرائيلية هي الأكثر دقة في التعقيب على الأحداث، وبصريح العبارة قال رئيس الحكومة الإسرائيلية أولمرت: "لم نستغرب ذلك، فقد كنا نعلم أن باستطاعة حزب الله السيطرة على بيروت بسهولة". أما لماذا بـ "سهولة" وليس بـ "بصعوبة" فلأن حزب الله كان يعمل فيما سنة لبنان مشغولون إما: (1) بإغراءات المال أو (2) بدنيا سوبر ستار وستار أكاديمي فرحين بما آتاهم الحريري من ملاهي وملذات جعلت من لبنان بلدا لطلب المتعة أو (3) بنشوة النصر الذي حققه الجيش على مقاتلي فتح الإسلام في مخيم نهر البارد بتواطؤ من رموز السنة أنفسهم. هذه هي الحقيقة. لكن كيف استطاع حزب الله أن يحسم الموقف سريعا وبصورة مذهلة؟

ثانيا: آليات التشييع

في التاسع عشر من الشهر الماضي أطلق الشيخ ناصر العمر من مسجد خالد بن الوليد بحي الروضة في العاصمة السعودية (الرياض) تحذيرا مما أسماه بـ: "مخطط ثالوثي تتضافر فيه الجهود الصهيونية والصليبية والشيعية ... يجري تنفيذه بسرعة لتطويق المملكة العربية السعودية عن طريق الاضطرابات الطائفية التي باتت تحيط البلاد من كل جانب" مشيرا إلى: "النفوذ النامي في صعدة للحوثيين وأحداث نجران والاضطرابات الشيعية وأعمال الشغب في البحرين، والسيطرة الشيعة على العراق، واستيلاء حزب الله على بيروت الغربية". لكن المثير في تصريح العمر هو حديثه عن الآليات التي يستعملها الشيعة في اختراق المناطق السنية، مشبها إياها: "بما كان يفعله اليهود في فلسطين الذين اشتروا أراضي الفلسطينيين بأضعاف أسعارها حتى تمكنوا في الأخير من الاستيلاء على فلسطين"، أما الأكثر إثارة فيتعلق بـ: "انتباه المسؤولين إلى هذا الأمر بعدما زادت الشكوى منه". فما الذي يجري في السعودية؟

يقول د. العمر إن: "مشروع شيعي يجري تنفيذه داخل المملكة يقضي بشراء مخططات سكنية بأضعاف أسعارها بغية التوطين في أماكن استراتيجية بالبلاد، ودلل على ذلك بشهادات وردت إليه تتحدث عن أن أسعار بعض المخططات العمرانية التي لا تزيد أسعارها ـ مثلاً ـ عن عشرين مليون ريال، يضاعف التجار الشيعة أسعارها لتتجاوز سقف الأربعين مليون ريال أحياناً"، ويضيف العمر: "إذا أخفقت مساعيهم في شرائها يوعزون إلى ضعاف النفوس من أهل السنة للقيام بدور الوسيط في ذلك عبر شرائها وإعادة بيعها إليهم".
تُرى، منْ سيتوقف عند تصريحات العمر من حلفاء الشيعة دون أن يتهمها بـ "تصريحات الوهابيين" أو يطعن بها أو يهمشها أو يتجاهلها؟ لكنها أهم الآليات التي يجري استعمالها على نطاق واسع في شتى مناطق التدخل الإيراني، بل وأشدها خطرا على مستقبل السنة إنْ هم تجاهلوها. إذ أن ما جرى في لبنان ويجري حتى اللحظة هو بالضبط ما يجري في السعودية ومناطق التواجد الشيعي. والاختراق، عبر المال، يجري ثقافيا وإعلاميا وسياسيا وتجاريا واقتصاديا وديمغرافيا وحتى عسكريا وفي مناطق حساسة توفر القدرة على المراقبة وإحكام السيطرة حين تدعو الحاجة كما حصل في بيروت بسرعة قياسية.

وفي مناطق أخرى كسوريا مثلا يجري التركيز على الطائفة العلوية خصوصا حيث نجحوا في نقل أزيد من الخمسين ألفا إلى المذهب الجعفري الإثنى عشري، ومؤخرا صدر كتاب عن المعهد الدولي للدراسات السورية بعنوان: "البعث الشيعي في سوريا 1919-2007) يرصد حركة التشيع بدقة إحصائيا وجغرافيا وبين مختلف الطوائف، حيث يبلغ عدد المتشيعين في طائفة العلويين 52700 بنسبة 70% و 16 ألف في أوساط السنة بنسبة 21% ولدى الإسماعيلية 7400 بنسبة 9%. وميزة النشاط الشيعي في الساحة السورية يكمن في كون الطائفة العلوية هي الحاكمة، لذا يشير الكتاب إلى نوعية المتشعيين والدور الذي يلعبوه وسط تكون عشرات الحوزات العلمية علاوة على الدور السياسي والأمني.
لا شك أن هناك آليات أخرى تستعمل عبر العودة إلى جذور العائلات لمعرفة أصولها المذهبية والتحرك باتجاه إعادة تشييع من تسنن منها فيما مضى من الزمن، وثمة وسيلة قديمة جديدة باستخدام رؤوس حربة من السنة يجري تشييعهم وإسقاطهم بشكل تام عبر دفعهم إلى تأليف كتب يتحدثون فيها عن سيرتهم في التشيع بحيث يقطعوا عليهم خط الرجعة بعد أن يكونوا قد ولجوا في الطائفة وثقافتها حتى النخاع، وفي هذا السياق يمكن ملاحظة أكثر من نموذج يجري الترويج له مثل كتب التونسي محمد التيجاني وأشهرها كتاب "ثم اهتديت"، وكتاب الأردني مروان صلاح خليفات "وركبت السفينة"، وكتب المصري صالح الورداني خاصة كتابه "الخدعة: رحلتي من السنة إلى الشيعة"، والكاتب السوداني عبد المنعم حسن "بنور فاطمة عليها السلام اهتديت".

و من بين الوسائل التي يستعملونها في نشر التشيع إنشاء المؤسسات كالمكتبات ودور النشر وجمعيات آل البيت والحوزات العلمية فضلا عن الحسينيات، ولا يتوقف نشاطهم على التشييع بقدر ما يروجوا لاستفزازات علنية ضد السنة كما حصل في السودان خلال معرض الكتاب أو في مصر مؤخرا حيث حصلت صحيفة المصريون على كتاب لمؤلف يدعى نجاح الطائي بعنوان: "هل اغتيل النبي محمد؟"، وقالت أنه يجري تسويقه عن طريق "شيوخ وشباب في محطات مترو أنفاق جمال عبد الناصر ومبارك والسيدة زينب والعتبة ودار السلام، وفي أتوبيسات النقل العام بمنطقة شبرا والسيدة زينب ورمسيس والعتبة وخلوصي"، وأشارت الصحيفة إلى أن الكتاب الذي يبلغ سعره جنيها مصريا: "يتضمن افتراءات بحق الصحابيين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما- زاعما قيامهما بمحاولة لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، ومبرئا يهود المدينة من دس السم له"، بدعوى أن: "الفارق الزمني كان طويلا وأن الرسول لم يأكل الطعام المسموم".

ومع كل الاختراقات التي نجح الإيرانيون في تحقيقها يبقى اختراقهم السياسي للساحة الفلسطينية هو الأشد تأثيرا لأكثر من سبب. وعلى أهمية ما نجحوا فيه فيما يتعلق بحركة الجهاد الإسلامي إلا أن اختراقهم لحركة حماس وفر لهم شرعية واسعة النطاق ليس على مستوى الساحة الفلسطينية بل على مستوى جماعة الإخوان المسلمين من جهة وعلى مستوى السنة المؤمنين بكون حزب الله يمثل مشروع مقاومة من جهة أخرى. يحدث هذا وسط جدل، ليس بالقليل، يجري في إيران على خلفية جدوى العلاقة مع الفلسطينيين إن لم يتشيعوا! هذه تصريحات القوم وليست تجنيا. أما عن تصريحات قادة حماس في الانتصار لإيران فهي أكثر من تصريحاتهم للانتصار لأهل السنة ابتداء من الشيشان وانتهاء في العراق وحتى في غزة. ويبدو أن القوم لا يجدون غضاضة حتى في التشيع وإلا ما كان لمحمد يوسف أن يتغنى بالشيعة كونهم "عزّ الدنيا في هذا الزمان"! بل أكثر من ذلك خاصة وأنهم أصيبوا بغرام بالغ فتراهم يهاجمون كل من يقترب من حزب الله في النقد أو الرأي.

لا بأس. إذا كانت إيران تمثل مشروع مقاومة فليكن؛ وإن كان هذا صحيحا ويسعد حماس فلماذا لا تستفيد منه بدلا من أن تتراجع باحثة عن مفاوضات، وقابلة باستفتاء، وبأقل من سعر التكلفة، على أرض يعتبرها الميثاق فضلا عن فتاوى العلماء أرض وقف إسلامي؟ وإذا كان المشروع الإيراني وحزب الله مشروع مقاومة؛ فعلى أي مستوى يكون المشروع؟ ومن سيشمل؟ المسلمين أم العرب؟ وما هو مداه؟ ولما يكون مشروع مقاومة؛ فلماذا يبدو مشروع احتلال في العراق وأفغانستان؟ أو مشروع اضطرابات وفتن حيث يتواجد؟ وما علاقة جماعة الحوثي بمشروع المقاومة؟ وما الذي تريده إيران من السوري والمصري والسوداني والسعودي والأفغاني والعراقي والباكستاني والتونسي والجزائري والمغربي؟

الأكيد أن أحدا لن يطلب من إيران خوض حرب ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة نيابة عن العرب والفلسطينيين، وليس هذا من الموضوعية ولا الإنصاف، لكن من الحق والموضوعية أن نتساءل بكل شفافية وصراحة: إذا كانت إيران قد عملت على تحويل حزب الله إلى قوة ضاربة استطاعت في حرب تموز 2006 أن تلحق ضررا بالغا في إسرائيل وأن تمنع قواتها من اختراق الحدود لأكثر من كيلومتر واحد هي مساحة المواجهة الميدانية؛ فلماذا لم تفعل الشيء ذاته مع حلفائها الفلسطينيين كحركتي حماس والجهاد الإسلامي؟ بل ما هو أقصى ما يمكن أن تقدمه إيران لهما؟ إذا كان الدعم المالي فستكون نهايتهما كنهاية تيار الحريري، ذلك أن المال قد يصنع نفوذا إلى حين لكنه لا يصنع مشروعا في أي حين.

المشكلة ليست في إيران ولا في تصريحات قادة حماس بل في عدم ثبات الموقف والتحالفات التي تقيمها، وفي ضوء اعتبار برنامج الحكومة هو برنامج حماس فالسؤال المهم: هل ما زال ميثاق حماس صالحا للبناء عليه أو الانطلاق منه في التحليل؟ الثابت أن الجواب بالنفي. بل أن خطابات القادة وتصريحاتهم منذ دخولهم العملية السياسية، على الأقل، خلت من أية مفردات إسلامية أو دينية، وتوجهت نحو مفردات التسوية والسلام والتهدئة والوحدة والوطنية والرقم الصعب وأهل مكة والحكمة البريطانية والمفاوضات ... إلى آخر القائمة. والمثير أن حماس دخلت العملية بوصفها "شريك" وفي "كل شيء"، وكأنها قد حسمت أمرها مسبقا بأنها لا ترغب في الانفراد بالسلطة حتى لا يطالبها أحد من أتباعها خاصة بتطبيق الشريعة، والحقيقة أنها ذهبت أبعد من ذلك فأعلنت أنها ليست بصدد إقامة إمارة ولا تطبيق للشريعة ولا إجبار للنساء على ارتداء الحجاب ولا ... ولا ...، ولم يُضِرها أن تخسر أصدقاء الأمس حتى المتعاطفين منهم معها أو تقصي المخالفين بل تعاملت مع المجتمع الفلسطيني والقوى الأخرى كما لو أنهم متمردين ينبغي أن يخضعوا لسلطة ورضى وتوجيهات الحركة الإسلامية ذات الامتدادات العالمية الراسخة الجذور حتى لو كان شيخا على منبر في يوم جمعة، وإلا فالتشويه والإقصاء سيكون بانتظار كل من تعتبره الحركة خارجا عن إرادتها. هذا هو التصور الشائع بين من كانوا قريبين من الحركة إلى حين، فإذا بهم اليوم يبدون قدرا عاليا من التذمر والتهكم.

يبقى القول أن الأمة عندما تصاب بالصمم ولا ترى إلا بعين فرعونية فلن تكون بمنأى عن إلحاق الأذى بنفسها، وهذه محصلة تنطبق على كافة القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية. أما المراهنات الخاسرة فغالبا ما ستؤدي إلى البحث عن البديل ... وإلى ذلك الحين ستبقى الأمة في خطر لكنها لا تغفر.




__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

مقال جميل ........

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

لقد قلنا في السابق ومازلنا وسنظل نؤكد ان خطر أولئك الروافض أعداء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقل عن خطر اليهود والصليبيين ,ان أولئك لم ولن ينصروا الاسلام والمسلمين ولن يحيوا سنة ولن يميتوا بدعة وسيظلون يسعون لافساد عقائد المسلمين وعباداتهم ويحاولون نشر ديانتهم الخرافية مختبئين خلف قناع المظلومية والانتصار لآل البيت عليهم السلام .

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة يونس بلخيري
وسيظلون يسعون لافساد عقائد المسلمين وعباداتهم ويحاولون نشر ديانتهم الخرافية مختبئين خلف قناع المظلومية والانتصار لآل البيت عليهم السلام .




هل يقصدون هذا أم هم أيضا مغرر بهم ؟

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

نسأل الله سبحانه ان يخلص الشعب الايراني من هذا النظام الخميني المتستر بالاسلام ويعيد " بلاد فارس " كما كانت منارة من منارات العلم وقلعة من قلاع السنة