عنوان الموضوع : بقلم : أ . د. محمد محسوب للتّأمل اخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب

حدثني صديقي كثيرا عن الديموقراطية لكنه لم يخبرني أن لها هذا الثمن الباهظ، فهو وصف لي جمالها ولم ينبهني إلي ما يتحمله طالبوها من مشاق وأذي، فحسبت أن الأمر هين، يكفي فيه أن أحمل قلمي وأصطحب أهلي وأقف في سبعة طوابير متعاقبة، يتراص فيها البشر كأنهم حبات عقد ياقوت وزمرد، سعيدا بحر الشمس أو برد غيوم السماء، يحدوني الأمل أن تنبت شجرة الحرية بماء ورد الديموقراطية، وأن تزهر الحقوق والحريات في فناء حديقتنا المصرية .. نبنيها بتؤدة ونسقيها بحرص ونشذب ما شذ من أغصان أشجارها، ونقوم ما اعوج من سيقانها ونحسّن ما لم يكتمل بناؤه. لكن فجأة تغيّر المشهد، فغامت السماء بسحب مظلمة، وهطلت سيول لا تسقي زروعا بل تقتلعها، وامتدت أيادٍ لا تقوّم الأغصان بل تكسرها، فأضحت حديقتنا فجأة وكأنها ساحة احتراب تضيق فيها الأنفاس، وتتهاوي علي أطلالها آمال كانت معقودة وأحلام كانت وردية.

لم يخبرني صديقي بأن كل الطوابير التي وقفت لأضع صوتي في صندوق ملون بألوان الطيف البهي، يمكن أن تتحول إلي جنائز أصوات تحملها إلي فناء العدم، أو تذروها رياح عتية وتطويها سيول غاشمة. لكن ذلك حدث، وتركني صديقي ليقف علي قارعة الطريق ويلقي خطبة عجيبة علي السائرين بغير هدي لم يكرر فيها ما قاله لي سابقا، لم يتحدث فيها عن حقوق وحريات، لم يغنِّ فيها لحرية الرأي والإعلام، لم ينادِ فيها بالفصل بين السلطات، لم يطالب فيها بقصاص لشهداء . نسيت أكثر ما قاله جرّاء الفوضي التي عمّت، لكن كلمات مما قاله علقت بذهني لا يمكنني أن أتخلص منها.. قال: إن قطع الأشجار هو لرعايتها، وأن تكميم الأفواه هو للحفاظ علي حريتها، وأن الذين ماتوا تلقوا جزاء وفاقا لتحديهم الديموقراطية..!! آه والله قال ذلك، ولا أدري لما لم ينبهني أن الديموقراطية لها أنياب تقتل وأن التعبير عن الرأي يمكن أن يكون جريرة، وأن الاحتجاج يُحتمل أن يكون حراما وأن الموت يمكن أن يكون جزاء مقبولا.. لم يقل لي ذلك ولم ينبهني .. ولو فعل لما وقفت السبعة طوابير ولما قبلت الحر والبرد الزمهرير، ولما صدقت أي كلام عن التنوع وحرية الرأي وحرية الإعلام أو أي حرية أخري حدثني عنها صديقي خلال عامين مضيا.

فقد حدثني صديقي أن الدستور الذي أقره الشعب لم يكن كافيا لحماية الحقوق والحريات، واليوم صديقي يقبل إعلانا دستوريا لا يحمي حقوقا ولا يحيط بمعني الحريات. وحدثني صديقي أن الرئيس المنتخب تجرأ وحاز السلطة التشريعية وسلطة إصدار إعلانات دستورية حتي أقر الشعب الدستور فألغي الحق في إصدار إعلانات دستورية وجعل التشريع، مؤقتا، لمجلس الشوري المنتخب، وقلص سلطات الرئيس المنتخب، لكن صديقي اليوم قبل برئيس مؤقت له حق إصدار إعلانات دستورية وحق التشريع والتنفيذ وكل حق آخر يتصل بالحكم!! وحكي لي صديقي كثيرا عن استقلال القضاء، وأن النائب العام يجب أن يكون مستقلا عن رئيس الدولة، ولعن الرئيس المنتخب لأنه عيّن نائبا عاما بقرار منه، وصدقت صديقي فوضعنا مادة بالدستور تجعل المجلس الأعلي للقضاء هو من يختار النائب العام، لكن اليوم صديقي يقبل أن يعين الرئيس المؤقت النائب العام!!

كثيرة هي الأشياء التي انتقدها صديقي علي رئيس منتخب وقبلها لرئيس معين، لا أدري.. فحدثتني نفسي أن صديقي أدري بالديموقراطية، وأن فهمها الصحيح هو أن نمنح الرئيس المعين المؤقت سلطات أكبر من المنتخب !! مازلت أحاول فهم صديقي.

وحدثني صديقي عن كل أصدقائه أن من حق الجميع أن يتظاهر ويعتصم أمام أي مكان، بما في ذلك مقر الرئاسة، وهي مقر القائد الاعلي للقوات المسلحة، بل ولهم أن يسبوا ويقذفوا المولوتوف علي القصر ومن يقيم بالقصر.. ولا يجوز لحراسه سوي أن يردوا بالماء أو أن يبتلعوا شتيمتهم ويكظموا غيظهم، وأن أي ضحية سيتحملها ساكن القصر. واليوم صديقي يقول لي أن من مات أمام الحرس الجمهوري قتل نفسه، وأنه لم يكن له أن يتظاهر في هذا المكان، وأن المسئولية علي من أرسلهم. ربما.. فصديقي يعلم أكثر مني !!

وحدثني صديقي عن أصدقائه، أن الديموقراطية تعني الإقرار بالتنوع وقبول الآخر.. فسألته اليوم عما يجري للتيار الذي يختلف معه، من توقيف ومنع قنوات وملاحقات، فقال لي إن الأمر مختلف، فهؤلاء يرتكبون جرائم التحريض في تلفزيوناتهم وفي خطبهم وفي حركاتهم وسكناته!! وأنا لا يسعني أن أكذب صديقي، خصوصا أنه أكثر علما وثقافة وتعلم علي يد أهل الديموقراطية، ولابد أنه رأي أن هؤلاء محرضون بينما غيرهم موضوعيون!!

وفي الليل، أخذت أقلب صفحات الكمبيوتر وأستعيد ما قاله الناطقون الرسميون، وما قاله صديقي وما حملته أفلام الفيديو عن أحداث الحرس الجمهوري، فلم أستطع أن أستمر في تصديق صديقي.. وشعرت أنه خدعني من اليوم الأول حتي اليوم الأخير .. يوم أن سالت دماء كثيرة فقال لي إنها لا تستحق أن نتوقف عندها لانها دماء من يختلف معهم.. ألغيت تليفون صديقي ومحوت كل كلامه القديم والجديد وأخذت أتأمل المشهد وأبحث عن نفسي فيه.. هل حقا أريد ديموقراطية وأستطيع تحمل تكاليفها أم أن الأولي أن أساير صديقي فيطلق علي كل شئ ديموقراطية ويبرر كل فعل بالديموقراطية؟!



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

وَلِـلـحـُرِّيـَّةِ الـحـَمـراءِ بـابٌ بِـكُـلِّ يـَدٍ مـُضَـرَّجـَةٍ يُـدقُ

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

نسال الله ان ينصرهم نصرا مؤزرا وان يرينا في الانقلابيين عجائب قدرته

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :