عنوان الموضوع : زراعة الأمل من قضايا الساعة
مقدم من طرف منتديات العندليب
زراعة الأملأ. جمعة أمين
الأمل
كلمة ثقلها ثقل الجبال في ميزان الحياة ، لا يعرف حقيقتها إلا من عاش بين أشواك اليأس ،وذاق وخزاته الجارحة أحياناً والقاتلة أحياناً أخرى، فهي كلمة تعني الكثير، وتحمل بين طيات معانيها الوجود من عدمه، فالوجود يعني الحياة والحركة، وعدم الوجود يشير إلى الموت ، وإن كان موتاً غير مألوف يتحدث اليوم علماء الطب البشري عن عمليات زراعة الأعضاء البشرية ، معتبرين أنها من أهم وأدق العمليات الجراحية ، وإذا ما وصلت الحالة إلى زراعة القلب ، فإن الأمر يعني حياةً أو موتاً ، وفي مثل هذه العملية تكمن دقة الخطر وحساسية التنفيذ
ولكن مع هذا كله ، فإن عملية جراحية تسمى زراعة الأمل في القلب تتصدر حقيقةً رأس قائمة أدق وأخطر عمليات الزراعة في الوجود البشري .
فالإنسان وبحكم تركيبته النفسية والعضوية ، أكثرما يتأثر في حياته من الجراح النفسية ، فهي مصدر الألم الأول ، الذي يغلب عليه طابع الحدة والدوام ، وقد يستمر ما استمرت حياة الإنسان نفسه ، أما عن الآلام الحسية ، فهي سهلة الاحتواء موقتة التأثير ومن الجدير بالذكر ، أن المراد بالأمل ليس هوالأحلام الخداعة ، ولا الآمال البراقة ، بل هو عبارة عن طاقة جبارة كامنة تبعث في الإنسان حب العمل ، والتفاني للوصول إلى الهدف...ويشدد القرآن الكريم على من تلوّح له أمانيه بدخول الجنة دون عمل : فيقول الله تعالى ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) (النساء)
ويقول الله عزوجل أيضاً( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ، بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (البقرة )
الإنسان عبر مراحل نموه المختلفة يمر ولا شك عبر محطات من اليأس والإحباط والقنوط ، وبحسب حجم المحطة ، وقوة مقاومة الإنسان لها ، يتشكل في النهاية دافع جديد قد يحيي القلب ، ويبعث فيه النشاط والحركة من جديد حيناً ، وقد يميت القلب فتخبت الحركة ، ويشل الجسد حيناً آخر...
وإذا كان الأمر من الأهمية بمكان إلى هذا الحد ، فإننا في أمس الحاجة إلى أطباء قريبين سلاحهم وتخصصهم زراعة الأمل ، فإن فاتت محطة ،
وانتصر فيها اليأس ، فإن هذا يعني أن جسداً قد مات أو تعطل على الأقل ، وإذا ازدادت نسبة انتشار المرض ، وأصبح وباءً مستشرياً ، فإن مصيبة قد وقعت ، وإن حضارة مبناها قد تعطل أو وقف .
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم . كان وبحكم تربيته الإلهية بارعاً ،ماهراً في زراعة الأمل ، وكأنه قضى سنوات طويله في البحث والدراسة في هذا التخصص لقد أثبت واقع حياة العصبة المسلمة الأولى في قريش أن فن زراعة الأمل الذي ملكه الرسول صلى الله عليه وسلم كان له أبلغ الأثر في الحفاظ على شعلة الإسلام الأولى مشتعلة مضيئة ، في حين كانت كتل جبلية هائلة من الجن والإنس تعمل على إطفائها وإخفاء وميضها ... فهاهو صلى الله عليه وسلم يمر بآل ياسر،وهم يرزحون تحت وابل التعذيب والتنكيل ، لا لشيء إلا لأنهم شهدوا ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله ، وهو لا يملك من العدة أو العتاد ما يمكن أن يساعدهم به ، ولكنه وفي حقيقة الأمر كان يملك شيئاً أكبر من هذه ، وأقوى من ذاك ، كان يملك سلاح زراعة الأمل ، فما كان من شأنه صلى الله عليه وسلم إلا زرع أمل في قلوبهم، فقال: "اصبروا آل ياسرفإن موعدكم الجنة"، نعم لقد كان أملاً عظيم المنزلة ، رفيع المستوى،أحيا قلوباً جعلها تنظر إلى وحشية المعاملة ، وآلام التعذيب، نظرة استخفاف واحتقار، هذا هو الأمل الذي شكل عنواناً للصبر والتحدي، ورمزاً من رموز انتصار الحق على الباطل ولما شكا خباب بن الأرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مايلقى من أذى المشركين، حاملاً بين جوانحه التبرم والضيق، وكأنه كان يشعر ألا نهاية لهذا الظلام، فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن عاد إلى زراعة الأمل ، فضرب له مثلاً بما لقيه المؤمنون في الأزمنة الماضية ، ثم طرد عن قلبه اليأس ، وزرع فيه الأمل الخصب، حين أخبره أن الله سيتم هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من أقصى الجزيرة إلى أقصاها، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه...
إن من شدة إدراك النبي الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم لفاعلية سلاح زراعة الأمل ، فقد استخدمه حتى مع أعدائه، فمن منا لا يذكر قصة هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ،وقد رصدت قريش من الجوائز الشيء الكثير لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، الأمر الذي شجع سراقة بن مالك على اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى وصل واقترب من ركبه صلى الله عليه وسلم وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يزرع أملاً جديداً في قلب مشرك ،يعادي كلمة التوحيد، فوعده بسواري كسرى إن هو أسلم وكف ورجع ، وقد كان من الأمر ماكان ، وتحقق الأمل فألبسه إياهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له : ارفع يديك وقل الله أكبر، الحمد لله الذي سلبهما من كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن مالك أعرابياً من بني مدلج
أساليب متنوعة لزراعة الأمل
ومن هنا نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم استخدم الأساليب المتنوعة لزراعة الأمل ، من المقارنة بمن يبعث حالهم على إزالة حالة الكآبة وترسيخ فكرة "لست وحدك في الميدان"، إلى التأكيد على أن المستقبل يحمل في طياته البشرى والخير، إلى المضي قدماً في تحقيق الهدف الأسمى.
إن الإسلام وهو آخر الرسالات السماوية ، إنما ينبت أسسه وقواعده على زراعة الأمل ، فهو دين الله الخالد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الخنساء الشاعرة العربية المعروفة، مات أخوها صخر وهي في الجاهلية قبل أن تنطق شفتاها بكلمة التوحيد ، فبكت عليه بكاءً مراً جعلها تفقد البصر، وفي المقابل عندما استقر الإيمان بالله وباليوم الآخر في قلبها ، فإن أملاً جيَّاشاً تغلغل في صدرها وتربع على قلبها ، حتى إذا ما جاءها نبأ استشهاد أولادها الأربعة دفعة واحدة في معركة القادسية ، حمدت الله عزَّ وجلَّ ودعته أن يجمع بينها وبينهم
في مستقر رحمته ، فلم تذرف دمعاً ، ولم تشق جيباً ، ولم تلطم خداً.
ويضرب لنا القرآن الكريم مثلاًً رائعاً حول موضوع زراعة الأمل وهويروي لنا قصة أمل سيدنا يعقوب عليه السلام بلقاء نجله المفقود يوسف عليه السلام حتى ضج الأبناء وأهل البيت فقالوا ( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى" تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) (يوسف)
فأجابهم والأمل يلوح بين عينيه قائلاً ( يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) (يوسف)، ولا يسع ابن الجوزي، وهو رائد في هذا المجال إلا أن يقول : "من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف".
ومن هنا كان واجبنا أن نزيل ذلك الستار الأسود الذي يغطي أعين القانطين لنعيد لهم الثقة بالغد ، فحياة الفرد من غير شعاع الأمل ، أضيق من حلقة
الخاتم ، بل من سم الخياط وقديما قال الشاعر: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
وحياة المجتمع بدون الأمل حياة جامدة ميتة لا روح فيها ولا حراك، فلولا الأمل ما بنى بان بنياناً ،ولاغرس غارس غرساً ، ولا تقدم العلم خطوة إلى الأمام ، وأخيراً نقول : لا معنى للحياة مع اليأس،ولا معنى لليأس مع الحياة، وإن مع العسر يسراً، وإن بعد الليل فجراً، وإن دوام الحال من المحال .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :