عنوان الموضوع : لك الله يا عمتي الزهرة .. قضايا اجتماعية
مقدم من طرف منتديات العندليب

لك الله يا عمتي الزهرة ..

ـــــ أمين عاصم ـــــ

كانت تقبع في ركن شديد يحيط بها لفيف من الأحزان والهموم التي كحلت عيناها، وجعلتهما برغم نضرتهما يبدوان للناظر سودا، تحمل رغيفا جف من طول انتظاره في يدها التي ترتجف من شدة النحافة، وقد سترت جسدها بثياب رثة تحكي حالها، ولم يعد في مقدورها حتى إبعاد بقايا الأوراق التي تناثرت فوق جسدها جراء نسيم الصيف الساخن جدا في المنطقة.

عمتي الزهرة بلغت من العمر عتيا فأدركت الثمانين حولا غير آبهة بمراحل العمر ولا بطياته، لا تفكر إطلاقا في أي شيء غير الموت الذي تراه راحة أبدية من عذاب طال أمده أعيا القلب وأنهك الجسد. كانت لعمتي الزهرة أو ''الشهلة'' كما كانت تسمى في صغرها، عائلة كبيرة.. زوج وأولاد ومال وبيت فسيح تقيم بين جنباتها جنة بروابي خضراء ظنت أنها ستدوم، لكن دوام الحال من المحال، هبت رياح لا يشتهيها قلب الزهرة وأتت على الروابي والجنات، أتت على كل ما هو جميل و كانت البداية مع وفاة السور الذي كانت تستند إليه حاميها وحبيبها، زوجها الذي تحدت الأهل والعالم لأجله وضحت بكل عائلتها وأقربائها لأجله تاركا '' الشهلة'' في سرير فقد الأحلام الوردية والحكاوي السمرية التي كانت تملأ فراغ عائلة كاملة فقدتها يوم زواجها. تمر الأيام و المملكة تتهاوى بين عيني الزهرة التي بدأت تفقد الواحد تلو الآخر وبدون الدخول في التفاصيل صارت العجوز في الشارع. تأوي إلى أركان شوارع المدينة العتيقة دون ساتر أو راع، ما يزيد في ألمها - كما تقول أنها ترى بأم عينيها فلذات أكبادها يتقاسمون الروابي وهي تمسك البطن جوعا وتغض الطرف عن أجساد ترعة سهرت الليالي كي يشتد قوامها. تضغط على قطعة الخبز حتى يتساقط فتاته من الألم، وتطلق العنان لتنهيدة تركتني ارتجف وأتحول عن مكاني لأنهي بسرعة البرق حديثي عن مأساتها رغبة مني في تلطيف الجو قائلا لها أن الجزاء عند الله، وأنت في الآخرة لمن الفائزين... كلمات إندثرت فور صدورها مني، قاطعة محاولتي اليائسة في تغيير الموضوع طالبة مني أن اشتري لها حليبا . تركت العمة و هممت منصرفا أمسك حقيبتي التي امتلأت أوراقا، وأنا أبكي حسرة على مجتمعنا المسلم الأبي الذي بدأ يتأثر سلبيا بعادات نبذتها الأنفة الجزائرية قبل أي جانب آخر.وعاهدت نفسي ساعتها أن أمضي قدما ، علني أستطيع أن أقدم يد المساعدة في يوم آخر أرتب برنامجه ..
وفي يوم السبت كانت الشمس تنذر بيوم ربيعي رائع و كان الجواللطيف يداعب الناس في الأزقة العتيقة التي دوت فيها أغاني زوليخة من على الشرفات ، أطربت مسامعي و أنا في طريقي لمن للعمة التي أخذت المبادرة لمساعدتها معنويا على الاقل وقد قسمت صدري ساعة عرفت قصتها ، أنا أمر على رصيف الطريق الضيق المغمور بالفوضى القادمة من السوق الشعبية التي ملأت المكان بأصوات الباعة، أجول بناظري علني أجد ما أصبو إليه أو أجد على الشارع هدى، كان الكل منهمكا في قضاء مآربه و السعي وراء البقاء حيا على الأقل، لم أكن أبالي بما يحدث حولي لأني كنت منصب الفكر ومشغول الذهن بإيجاد المركونة لليأس حاملا إليها الفرح والسعادة -كما يخيل إلي طبعا-، وأنا أمنَي النفس وأتصور ردود فعل من احمل إليها مشاريعي المميزة لإعادة العمة إلى روابيها الغناء .. اليوم وقد غيرت مكانها المعتاد وجدتها كعادتها -ليست ملكة طبعا – و قد أوت إلى ركنها الشديد ، وأنا أهم على تقبيلها دفعتني بيدها الضعيفة التي تركتها ترتجف للمرة الأخيرة يوم اكتشفت قصتها الحزينة، لم أغير مكاني ولم أتفاعل كثيرا مع ردة فعلها بالرغم من الحرج الذي ملأ وجهي، إلا أنني رحت ألطف الجو ببعض ما حملت لها من فاكهة في يدي، ورحت أحاكيها وأعرض عليها ما خططته بلغتي التي اخترت لها أعذب العبارات وأنقى المقاصد علها توافق وترافقني لبيت الرحمة الذي أعد خصيصا لاستقبال من رمي في الشوارع واتخذها بيتا، وتجرع الألم بمرارة العلقم. كنت أعرض عليها الفكرة مبينا لها أن البيت يحوي حماما وسريرا جميلا، فيه أيضا أكل ساخن وصديقات تؤنسين بهم وحدتك وتطردين بهم أفكارك التي ملأت مكانك سوءا.. هيا يا عمتي اتركي هذا المكان النجس فإنه لا يليق بك أنت بالذات وابقي على حياتك هادئة ، بعيدا عن من رموك ولم يأبهوا بك ولك، اتركي هذه الظلمة الموحشة وتعالي لنور المصباح الذي وضع على جانب سريرك .. كنت أتكلم وأستعرض الكم الهائل من ايجابيات جمعتها عن بيت الرحمة علني أقنعها وتعدل عن فكرة بقائها في الشارع، وهي كعادتها تسكن في مكانها ولا يتحرك لها جفن تسترق النظر إليَ بين الفينة والأخرى، ويدها تداعب الفاكهة في حيرة من أمرها هل ستستطيع أن تأكلها أم لا، وهي التي لم تبرح فتات الخبز منذ زمن .. لم تكلف نفسها حتى الرد علي وتركتني أهيم بين أفكاري وكلامي حتى كدت أصاب بهستيريا الكلام، لتنطق أخيرا وترجني من مكاني ..كفى ..''اسكت يعطيك غمة'' هكذا كافأتني، وكنت سعيدا لأنها في الأخير ردت علي.. كنت بالي الفكر ساعتها لأنها مسكت بيدي وأحست بلهفتي لمساعدتها أو ربما لتنهي ثرثرتي التي دوت أرجاء المكان .. قالت لي العمة إنها ترضى بكل ما هي عليه ليس لأنها تحب ذلك ولا تجد بديلا، فحسبها كل معارفها القدامى يطلبون منها ذلك، إنما تتخذ من الشارع مكانا لها كي يراها أولادها الذين رموها وهي تفترش الأرض الباردة وينهار جسدها يوما بعد يوم أمام أعين لطالما مسحت دموعها ، في صورة حنان مذهلة. وبعيدا عن لوم العمة أو مساندتها في فكرتها تعذيب أولادها ظانَة أن الضمير سيرأف يوما ويعود الابن والبنت لضم العمة وتعود حنان وعمر لصدرها.. وبعيدا عن كل التعابير التي تأكل فؤادي عن ما يحدث في مجتمعنا.. بعيدا عن كل ذلك لا أجد ما أقول غير ..لك الله يا عمتي الزهرة ، و عليكم الله يا ولاد العمة ..






>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

شكرا على قصة العمّة
قال تعالى: ((ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون.))
وعن معاوية بن جاهمة قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال لرسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: ((هل لك أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها)) [رواه النسائي وابن ماجه بإسناد لا بأس به].

وها هو رسول الله يدعو على من أدرك أبويه أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة، فيقول كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: ((رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)).

وبر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات، وببرهما تتنزل الرحمات وتكشف الكربات.
كلام موجه لاصحاب العقول وقبلهم ذوو القلوب...

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ايوب ناصر
شكرا على قصة العمّة
قال تعالى: ((ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعلمون.))
وعن معاوية بن جاهمة قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال لرسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: ((هل لك أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها)) [رواه النسائي وابن ماجه بإسناد لا بأس به].

وها هو رسول الله يدعو على من أدرك أبويه أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة، فيقول كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: ((رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عنده الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة)).

وبر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات، وببرهما تتنزل الرحمات وتكشف الكربات.
كلام موجه لاصحاب العقول وقبلهم ذوو القلوب...

كلام من ذهب مشكور على الاظافة القيمة


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

الله يهدي ما خلق
ربي يسترنا

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :



__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

السلام هليكم اختي بارك الله فيك القصة مؤثرة جدا جدا ماذا نقول عن اولادها يعجز اللسان لكن للاسف هناك منهم الكثيرون ربي يهدي الخلق وربي يقدرنا نكونو بارين باوليائنا وما نفرطوش فيهم حتى يموتو او نموتو قبلهم شكرا جزيلا