عنوان الموضوع : نعمة الذُريّة و التربية الحسنة لتربية طفلك
مقدم من طرف منتديات العندليب

السّلام عليكم ورحة الله تعالى و بركاته و بعد :
إن نعمة الذرية نعمة جليلة و عظيمة ، لا يُقَدِّر قيمتها إلا من فقدها، والنعمة تستحق الشكر للمنعم، ومن أجَلِّ مظاهر شكرها حسن تربيتها، ورعايتها الرعاية الشرعية الصحيحة، فكيف تكون هذه التربية وتلك الرعاية ؟
هذا التساؤل هو ما سنحاول الإجابة عليه قدر المستطاع في هذه الكلمات – بإذن الله -، إن نعمة الذرية التي أنعم الله بها علينا، وزين بها بيوتنا، ثم أوكل إليها حق رعايتها، وإصلاحها، والعناية بها جديرة بالدراسة، والتخطيط، والمتابعة، قال رسول الله : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» إلى أن قال: «والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده» الحديث متفق عليه. فما هي تلك الرعاية ؟
فالرعاية في الإسلام تبدأ قبل عقد الزوجية، حيث أوصى الإسلام باختيار الزوجة الصالحة، لما لها من أثر في صلاح الذرية، و هو ما يطلق عليه فن حكمة البدء بصلاح الأم وحسن اختيارها، وهذا هو صريح وصية الرسول عليه الصلاة والسلام - «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، فالأم الصالحة مثل الأرض الخصبة الصالحة للزراعة ، يروى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء يسأله: كيف تكون التربية؟ فسأله العالم كم عمر ابنك الآن؟ فقال أربعة أشهر، فقال العالم لقد فاتتك التربية ؛ لأن التربية يُبدأ بها منذ اختيار الزوجة، ومن هنا نعلم أن التربية لا تبدأ مع ولادة الطفل، أو بعد مضي سنوات من عمره الأول، بل نلاحظ هنا أن التربية تسبق الإقدام على الزواج، وذلك بالتروي في اختيار الزوجة الصالحة؛ لأنها هي المدرسة الأولى للطفل في حمله، وبعد ولادته، والأم هي الفاعل الأساسي في العملية التربوية، وهي المربي الأسبق قبل الأب؛ وذلك لالتصاقها بالطفل، ولأن الطفل قطعة منها، ولأن عاطفة الأم أقوى من عاطفة الأب والأم المسلمة هي نواة البيت المسلم .
ثم يأتي – بعد الزواج – التوجيه النبوي الكريم إلى ما يكون سببًا في صلاح الأبناء، قبل تكوينهم في أرحام أمهاتهم، حيث ورد قوله: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره ». والحديث متفق عليه.
فسبحان الله، ما أعظم اهتمام الإسلام بالأبناء حتى في هذه اللحظة ( لحظة الغرس ).. تسمية ودعاء, وهذا دليل على بركة التسمية أي قول بسم الله ، وأهميتها، وأهمية الدعاء وفي ذلك اعتصام بذكر الله، وتبرك باسمه، واستشعار بأن الله تعالى هو الميسر والمعين، وفيه إشارة إلى أن ذكر الله سبحانه وتعالى يطرد الشياطين.
وأمر آخر مما يدل على عناية الإسلام بالرعاية بالأبناء، هو الدعاء لهم فدعاء الله سبحانه وتعالى هو نهج الأنبياء والصالحين في كل حال من أحوالهم، فهذا زكريا يدعو الله سبحانه وتعالى قبل أن يرزق الذرية قال تعالى: " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ" فلننظر إلى قوله "ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً " لأنه لا يريد أية ذرية، بل ذرية طيبة.
ويحدثنا القرآن الكريم أيضًا عن امرأة عمران – أم مريم عليهما السلام – ودعائها ربها حين الحمل وبعد الولادة يقول تعالى: " إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"
الله أكبر, تدعو لابنتها ولذريتها، فهل لفت انتباهنا – نحن المربين – هذا الدعاء ودعونا به ؟
و أعلم أخي أنه كلما أخذت التربية منا جهدًا أكبر كلما أثمرت هذه التربية ثمرة أطيب فمن يرد إنشاء بيت محكم فليتقن التأسيس ؛ ليكون ذلك أقوى له وأشد صلابة في مواجهة دواعي السقوط والانهيار وهكذا تجب العناية بتأسيس الأبناء.
إن الطفل في الصغر كالورقة البيضاء، مستعد لأن يُكتب فيه أي شيء، من خير، أو شر، لذا يجب على المربين من آباء و أمهات أن يهتموا كثيرًا بالتربية في هذه المرحلة ( مرحلة الصغر )، وينبغي الاهتمام أكثر من جانب الأمهات، فعليهن منح الطفل ما يحتاجه من حب وحنان، وهذا ضروري؛ لتعليم الطفل محبة الآخرين، و التي ينبغي صرفها في البداية إلى محبة الله سبحانه وتعالى ، ثم إلى محبة رسوله ، ثم الوالدين، والأقربين، وعامة المسلمين . فمثلاً إذا أهدى للطفل قطعة من الحلوى، أو لعبة، أو غيرها، فسنجد أن هذا الطفل يحب من أهدى له, فما بالكم إذا ذُكِّر الطفل بنعم الله عليه من المآكل، والمشارب، والملابس، والصحة والعافية بين فترة وأخرى؟ ولفت انتباهه إلى أن هذا من رزق الله، فبإذن الله تعالى ستنغرس في قلب هذا الطفل محبة الله سبحانه وتعالى.
إن استماع الطفل للقرآن الكريم والأذكار اليومية، من والديه وإخوانه، وتكرار هذا السماع سيغذي روحه، وسيحيي قلبه كما يحيي المطر الأرض المجدبة .
أدت إحدى الأمهات سنة الوضوء – في أحد الأيام – وقامت لإكمال عملها في المنزل وقد اعتادت طفلتها أن ترى والدتها بعد الصلاة تجلس في مصلاها حتى تنهي أذكار ما بعد الصلاة، ولكن الطفلة لاحظت على والدتها النهوض من المصلى بعد أداء السنة مباشرة، فقالت لها: لماذا قمت من مصلاك قبل أن تقولي: استغفر الله؟ هذا الموقف يدل على شدة مراقبة الأطفال لوالديهم في الصغر .
فالقدوة تعتبر من أهم وأبرز ما يعين على غرس الصلاح والاستقامة في نفوس الأبناء، إذ أن الطفل منذ السنة الثانية من ولادته تقريبًا يبدأ بتقليد أبويه، ويبلغ التقليد غايته في سن الخامسة أو السادسة، وهذا التقليد دليل على محبة الأولاد لآبائهم .
وحينئذ إذا كان الأبوان يتحليان بالصدق والأمانة والخلق الحسن والعفة نشأ الولد على ذلك، وإذا كانا بالعكس يُظهران أو أحدهما الكذب والخيانة والجبن ونحوها نشأ الولد كذلك، ولذا فقد ذكر بعض أهل العلم من الحكم في مشروعية صلاة الرجل النافلة في بيته تأثر أهل البيت – وبخاصة الصغار – برؤية والدهم يصلي على مرأى منهم، مما يؤدي إلى انطباع تلك الصورة في نفوسهم.
* قال عمرو بن عتبة ينبه معلم ولده لهذا الأمر، فيقول: «ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت».
فالوالدان مطالبان بتطبيق أوامر الله تعالى وسنة رسوله سلوكًا وعملاً، والاستزادة من ذلك ما وسعهم، لأن أبناءهم في مراقبة مستمرة لهم صباحًا مساء وفي كل آن.
وقد ركز منهج الإسلام في التربية على إثراء جانب المراقبة لله عزَّ وجلَّ في النفس الإنسانية خصوصًا الأبناء، قال الله تعالى عن لقمان الذي أرشد ولده إلى هذه المراقبة: " يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ".
وروى الترمذي وصححه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي يومًا فقال: «يا غلام إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ لله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».
وبهذا الأسلوب يتعلق الولد بالله عزَّ وجلَّ، ويقطع جميع العلائق دون الله، فلا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا الله، ولا يسأل إلا الله، فيحفظ الله في خلواته، وعند قوته بتمام الاستقامة على منهجه، ويحصل له بذلك التمييز بين ما يضره وما ينفعه.
ومن الأمثلة التي تُذكر في المراقبة قصة الأم مع ابنتها في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، كانت الأم تريد أن تخلط اللبن بالماء طمعًا في زيادة الربح، والبنت تذكِّرها بمنع أمير المؤمنين، فقالت: أين نحن من أمير المؤمنين؟ إنه لا يرانا.. فقالت البنت: إن كان أمير المؤمنين لا يرانا، فربُّ أمير المؤمنين يرانا!! فسأل عنها أمير المؤمنين و خطبها لأحد أبنائه .
معاشر المسلمين ، إن انشغال الوالدين وغيابهم له ضريبة في تصرف أبنائهم وتوجيه ذلك :
فعن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله يقول: «ما من عبد يسترعيه الله - عزَّ وجلَّ - رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة ».
* وفي رواية: «فلم يُحطها بنصحه لم يرح رائحة الجنة».
* ففي هذا الحديث دليلٌ على عظم المسئولية الملقاة على عاتق الأبوين تجاه أبنائهم، وأن انشغالهم عنهم له عواقب وخيمة ونتائج محزنة.
* قال ابن القيم رحمه الله: «من أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدًى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرًا، فعققتك كبيرًا، وأضعتني وليدًا فأضعتك شيخًا» .
* وقال أيضًا: «وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء»... «فما أفسد الأبناء مثل تغفُّل الآباء وإهمالهم» . وحينئذ فدعوى الأب الانشغال عن الأبناء بالوظيفة أو بالجلوس مع الأصدقاء، والأم بعملها أو بزيارتها لصديقاتها أو تنقلها بين جيرانها غير مبرر لترك الأبناء وعدم مراقبتهم.
وإنك لتعجب غاية العجب من حال بعض الآباء – هداهم الله – لا يعلم عن حال أولاده شيئًا، ولا يراهم إلا نادرًا، في النهار مشغول بعمله ووظيفته، وفي الليل مع أصدقائه وزملائه في استراحة أو في نزهة أو ما أشبه ذلك، وهذا تفريط بلا شك، وسيرى عواقب ذلك عاجلاً أو آجلاً.
في الأخير أقول بأن هذا الكلام عن التربية هو غيض من فيض و قليل من كثير لا يسع المقام لذكره أسأل الله أن يصلح نيَّاتنا وذرياتنا، وأن يجعلهم ذخرًا لكم في الدنيا وفي الآخرة، وأن يُقر أعينكم بصلاحهم واستقامتهم وأن يجنبهم الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن، إنه جواد كريم .



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :



__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

بارك الله فيك على المرور الطيب

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :