عنوان الموضوع : يا أبتي............رسائل من بعض الأبناء إلى بعض الآباء لتربية جيدة
مقدم من طرف منتديات العندليب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، والصلاة والسلام على خير الأنام: سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
هذه رسائل من بعض الأبناء إلى بعض الآباء..
يبثون فيها شكواهم، ويعبرون على صفحاتها عن مشاكلهم، ويسطرون من خلال حروفها عن أمانيهم وآمالهم وآلامهم. يرفعونها لكم معاشر الآباء مع الحب كله. والشوق كله.. والعرفان كله.
فيقولون لكم: جزاكم الله عنا نحن الأبناء كل خير، ورزقنا بزكم وطاعتكم في دنياكم، ومتعنا بكم ومتعكم بنا أبناء مخلصين وبررة محسنين، رحماء بكم مخلصين لكم قائمين بحقوقكم، ورزقنا الدعاء المستجاب لكم بعد موتكم وانصرام أمركم، ونشكر لكم كل ما قدمتم لنا، ولكم المنة بعد الله علينا، فطالما حرمتم أنفسكم من أجلنا، ولطالما أشقيتم أرواحكم من أجل سعادتنا، فكم جعتم لنشبع وظمئتم لنرتوي، وتعزيتم لنكتسي، وسهرتم لننام.
فأبشروا بالأجر من الله تعالى، فما قدمتموه وما عملتموه وما بذلتموه في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها {لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى} (52) سورة طه ولكن رحمتكم بنا، وعطفكم علينا، وإخلاصكم لنا شجعنا أن نقدم لكم بعض العتاب عن أخطاء وقعت في تربيتنا، منشؤها العاطفة الغالبة، أو الثقة المفرطة، أو الصوارف الملهية، أو الشغل العارض وإنما كل ذلك بدافع الحب والرحمة، وبوازع العطف والشفقة وكلنا ذوو خطأ.
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
المنى كل المنى أن تتقبلوها منا بقلوب واعية، وآذان صاغية فتكسبنا أكفاً داعية ونفوسا راضية.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
أين أنت.. يا أبتاه ؟
يا أبتي:
استمع إلى شكواي أبثها إليك.
ومشكلتي أضعها بين يديك..
فمشكلتي.. يا أبتي.. أنك مشكلتي..
فأين أنت.. يا أبتاه؟!
بيتك الذي بنيته.. يناديك..
عشك الذي رعيته.. يناجيك..
ابنك الذي نسيته.. يبحث عنك.. ليدنو منك..
أعمالك.. شركاتك.. عقاراتك.. رفاقك..
إنهم جميعاً ألد أعدائي.. لأنهم أخذوك مني وأبعدوك عني، بالرغم من علمي أنك لا تعمل بها ولا فيها إلا من أجلي وإخوتي..
ولكن يا أبتي "إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولولدك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه " "وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ".
فأنا أريدك يا أبتي..
أتمنى أن أضع رأسي على صدرك وأبثك همي وحزني.. أحلم أن أدس وجهي بين أصابعك، وأعبر عن حبي لك، وشوقي إليك ولهفتي عليك..
أريدك أن تداعبني، تعلمني، تفهمني، تؤدبني..
أرغب في أن أحس أنك معي ولي وبي..
فأين.. أين أنت يا أبتاه..؟!!
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له أما تخلت أو أباً مشغولاً
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثاني :
مطالب الروح
يا أبتي:
دعني أقدم لك الشكر كله على ما بذلته من أجلي وفي سبيل راحتي وسعادتي..
فأنت قد جلبت لي أفضل المطايب والمشارب والمراكب..
وأسكنتني أجمل وأهنأ المساكن..
وبذلت لي أسباب الراحة والرفاهية على قدر جهدك وطاقتك..
ولكنك- يا أبتي- قد قصرت في أهم الجوانب وأعظم المطالب..
إنها مطالب الروح والقلب والإيمان، وكل هذه الأمور غذاؤها الطاعة وزادها التقوى ووقودها العبادة، وبلسمها العمل الصالح.
فهل قمت بحقوقها كما قمت بحقوق الجسد؟!
يا خادم الجسم كم تسعى لراحته أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح فاستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
فمتى أخذت بيدي يوماً وذهبت بى إلى محاضرة قيمة يزداد فيها علمي وعملي..؟!
ومتى دخلت علي يوماً بشريط إسلامي مفيد يعمر به وقتي وتكثر به حسناتي؟!
ومتى أهديتني كتاباً دينياً يأخذ بيدي وينير لي دربي في هذا الزمان الذي كثرت ظلماته وادلهمت شبهاته وشهواته؟! ومتى ألصقت قدمي بقدمك وكتفي بكتفك لأداء الصلاة امتثالاً لأمر الله {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طه {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} (36) سورة النور
والتزاماً بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" ؟!
ومتى حفظتني القرآن؟!
ومتى علمتني السنة؟!
ومتى فقهتني في الدين؟!
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن يعوده التدين أقربوه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته " .
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الثالث :
تهيئة جو المعصيةومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسديا أبتي:
هل رأيت يوماً قارباً صغيراً تصارعه أمواج البحر في عتو واستكبار؟!
أو أبصرت زهرة ندية تقاوم- على ضعفها- سطوة إعصار؟!
أو لمحت طائراً ضعيفاً مكسور الجناح تطارده سباع وضباع في نهم وسعار؟!
إني- يا أبتي- أضعف من هؤلاء جميعاً في جو الفتن والشهوات والشبهات الذي أعيشه ليلاً ونهاراً..
فالعين لا ترى إلا ما يسحرها..
والأذن لا تسمع إلا ما يطربها..
والجوارح لا تعيش إلا ما يغريها..
والقلب لا يشعر إلا بما يفتنه..
والعقل لا يدرك إلا ما يضله..
لقد هيأت لي- يا أبتي- جو المعصية وأحطتني بسياج الخطيئة، فتنفست رائحة الشهوة في الشهيق فأخرجت ذلك معصية لله تعالى مع الزفير..
إن قنوات التلقي عندي لا تلتقط إلا ما يفتن فأصبح البث ممزوجاً بالخطايا والرزايا والبلايا..
ومن يكن الغراب له دليل يمر به على جيف الكلاب
ألقيتني- يا أبتي- في بحر الشهوات ولم تلبسني طوق نجاة ثم تريدني بعد ذلك أن أكون ملكاً معصوماً!!! هيهات.. هيهات..
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء
يا أبتي: إني لا أريد أن أكون خصيماً لك يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [ سورة الشعراء الآيتان:88-89] فأمسك بتلابيبك يوم القيامة يوم الحسرة والندامة فأقول:
يا رب خذ لي مظلمتي من والدي..
يا رب إنه رآني على المعصية فلم ينهني..
يا رب إنه أبصرني محجماً عن المعروف فلم يأمرني..
يا رب إنه بذل لي أسباب المعصية، وزين في عيني الخيطئة وألقاني في نار الشهوات، فأحرقت إيماني والتهمت حسناتي وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يعين قومه على غير الحق، مثل بعير تردى وهو يجر بذنبه " .
يا أبتي: إني أمانة في عنقك.. وأنت مسؤول عني أمام ربي وربك.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)) .
فاشغلني بطاعة الله حتى لا أشغل نفسي بمعصيته.. استعملني في مرضاة الله حتى لا أقع فيما يغضبه..
سخرني في قربات الله كي لا أجترح ما يسخطه..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم .يا أبتي: برني صغيراً حتى أبرك كبيراً.
ولا تعقني صغيراً كي لا أعقك كبيراً.
فكما تدين تدان، وما تزرعه اليوم تحصده غداً ومن أراد النجاة أخذ بأسبابها..
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الرابع :
مخالفة الفعل للقول
يا أبتي: إنني أعيش في تخبط عجيب وصراع غريب.. وذلك لأني أراك تأمرني بأمور أنت لا تفعلها.. وتنهاني عن أمور أنت ترتكبها..؟!
فهل تريدني أن أقتدي بأقوالك أو بأفعالك التي بينها بعد المشرقين؟!
فأنت تأمرني بالصدق وتحثني عليه، وترغبنى فيه، وتحذرني من الكذب وتنهاني عنه..
وأراك في مواضع كثيرة تمارس ما نهيتني عنه وحذرتني منه..!! فتكذب تارة بل وتأمرني بالكذب تارة أخرى..!!
فهل تذكر- يا أبتي- عندما طرق علينا طارق يريدك ويبغيك فأمرتني أن أقول له: إن والدي غير موجود..!! فألزمتني أن أقول بلساني ما تكذبه عيني..
وأتحدث بفمي ما يأباه قلبي.. ويغضب ربي..
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
وتأمرني- يا أبتي- بأن آكل الحلال، وأكون أبعد ما أكون عن الحرام، وتحدثني بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به " .
وإذا بك ترسلني كي أشتري لك علبة دخان أو أوقد لك مئذنة الشيطان .
إذا كان رب البيت بالدف مولعاً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
لقد أصبحت المثل والقيم التي تعلمني إياها في نظري كلاماً نظرياً لا يمت للواقع بصلة، فقد ألفيتني أتعلم منك كلاماً في الصباح وأرى ما يخالفه أفعالاً في المساء..!!
فبماذا أقتدي؟!
أبقولك أم بفعلك؟!
بحديثك أم سلوكك؟!
بكلامك أم بصفاتك؟!
اسمع لي- يا أبتي- أن أهمس في أذنك قول ربي وربك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)} سورة الصف
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهنالك يقبل ما وعظت ويقتدى بالعلم منك وينفع التعليم
يا أبتي: لا ألفينك يوم القيامة ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: يا فلان! ما شأنك؟
ألست كنت تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟!
فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن الشر وآتيه " .
أعيذك بالله- أيها الحبيب- أن تكون منهم، وأن يكون حالك كحالهم..
__________________________________________________ __________
>>>> الرد الخامس :
التدليل الزائديا أبتي: إني أشكو إليك من نفسي التي ما قدرت على مقارعة الخطوب ولا مواجهة الحياة. فهي مطيتي في حال الرخاء، لكنها عدوتي في حال الشدة.
وأجدني أسير بدونك- يا أبتي- في مضمار الدنيا كمقاتل يحارب في ساح المعركة بدون سلاح، أو كهشيم تذروه الرياح، أو كقارب صغير يعاني من لطم الأمواج وفقد الملاح.
وأعود بالذاكرة للوراء قليلاً وأفتش في صفحات الماضي، فأجد السبب في هذا الضعف الذي أعيشه وهذا الخور الذي أعاني منه هو: تدليلك الزائد لي .
فقد عودتني على أن تكون طلباتي مجابة ورغباتي محققة، فالقول الجميل قولي، والفعل الحسن فعلي، والزلل مني في عينك حسنة، والخطأ مني في نظرك صواب.
تعودت أن أكون مخدوماً لا خادماً، وآخذاً لا معطياً، وآمراً وناهياً، وحين فقدتك- يا أبتي- فقدت كل شيء.. وأصبحت بعدك لا شيء.!!
عشت على كلمات المدح والثناء، فمن لي بتحمل الكلام النقيض؟!
ترعرعت على احتياجاتي الملباة، فكيف بي إذا واجهت الحرمان البغيض؟!
نشأت في السراء، فكيف أطيق صبراً على الضراء؟! تعودت على كلمات الحب والإطراء، فكيف أغفل الطرف عن كلمات الكره والبغضاء؟!
ألفت ركوب قوارب السعادة، فكيف أركب ملزماً قوارب الشقاء؟!
تربيت على اليسر، فمن لي بقلب يتحمل العسر؟!
تعودت أن يطرق سمعي نسيم (نعم)، فماذا أقول إذ تفجر في مسمعي بركان (لا)؟!
حسن قول (نعم) من بعد (لا) وقبيح قول (لا) بعد (نعم)
إن (لا) بعد (نعم) فاحشة فبـ(لا) فابدأ إذا خفت الندم
فيا ليتك إذ أعطيتني حرمتني، وإذ رغبتني رقبتني..
فعشت متزن الشخصية سوي النمو، ما بين قسوة مغقفة بالرحمة وغلظة ممزوجة بحنان.
فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحم