سيكولوجية المرأة استحوذت ولا زالت على اهتمام كثير من الباحثين الذين حاولوا إيجاد إجابات توضح الاختلافات المشاعرية بين الرجل والمرأة، والذين أكدوا من خلال أبحاثهم أنه برغم كون مخ الرجل أكبر حجمًا وأثقل وزنًا إلا أن مخ المرأة أنضج، وقدرتها أسرع على إيجاد حلول لما يصادفها من مشكلات.
هذا ما أكده د. "عبد الناصر عمر" أستاذ الأمراض النفسية والعصبية بجامعة عين شمس من خلال ندوة "الاضطرابات المشاعرية للمرأة في المراحل العمرية المختلفة"، التي نظمها مركز سوزان مبارك لصحة وتنمية المرأة الخميس 27 نوفمبر.
كذبة سوداء
يوضح أستاذ الأمراض النفسية والعصبية أن من أبرز هذه الاختلافات بين الرجل والمرأة في الانفعالات الشعورية هو احتفاظ المرأة برد فعل حاد تجاه موقف معين لفترة أطول من الرجل، وهو ما يدفع الكثيرين من الأزواج لاتهام زوجاتهم (بسواد القلب)، مؤكدًا أن رد فعل الزوجة ليس له علاقة بـ"سواد القلب أو بياضه"، ولكن تفسره حقيقة علمية تقول إن المرأة تفرز نوعا من الهرمونات عندما تتعرض لضغط نفسي أعلى مما يفرزه الرجل، ويظل إفراز هذا الهرمون على مستوى واحد لفترة أطول حتى بعد انتهاء الموقف.
ويضيف أن المراحل التي تتعرض فيها المرأة للضغوط النفسية متعددة، ولذلك فهي أكثر عرضة للأمراض النفسية من الرجل، ويحدد هذه المراحل بـ: "مرحلة المراهقة- الزواج والإنجاب- مرحلة انقطاع الطمث- وأخيرًا مرحلة الشيخوخة".
عن مرحلة المراهقة -التي يرى د. "عبد الناصر" أنها من أكثر المراحل التي تتداخل فيها الاضطرابات النفسية عند المرأة- يقول: من أهم سمات هذه المرحلة اضطراب الهيئة الجسدية الذي ساهم الإعلام بشكل كبير في تحويله إلى هوس، بعدما رسخ لنموذج الفتاة الجميلة بمعايير وزن محددة، وهو ما قد تسعى إليه الفتيات بكل السبل مما يعرضهن لألوان شتى من الاضطرابات مثل اضطراب فقدان الشهية العصبي، وفيه يصل حد الخوف من الأكل حتى لا يزيد الوزن إلى درجة الهزال، ويصاحبها انقطاع الطمث، وقد تستمر هذه الحالة إلى ما بعد مرحلة المراهقة.
ويشير إلى اضطراب آخر قد تتعرض له الفتاة، وهو اضطراب الشره العصبي وهو عكس الاضطراب السابق، وفيه تقبل الفتاة على الأكل بشراهة، ولكي تحافظ أو تصل للنموذج الإعلامي، فإنها تتعاطى أدوية (ترجيع) أو "مسهلات" أو قد تمارس رياضة عنيفة، وأيضًا قد تستمر هذه الحالة إلى ما بعد المراهقة.
ويضيف أن الرهاب أو "الخجل الاجتماعي" هو نوع آخر من الاضطرابات التي تتعرض لها الفتاة في مرحلة المراهقة، ويبدأ عند سن 13 أو 14 سنة، ويستمر مع المرأة إلى ما بعد المراهقة، وخطورته أنه يؤثر سلبًا على الأداء الدراسي حتى قد يصل الأمر إلى عدم الاستمرار في المراحل التعليمية.
ويلفت د. "عمر" الآباء والأمهات إلى أن الوسواس القهري يبدأ في نفس هذه المرحلة، وغالبًا ما لا يلتفت إليه الوالدان ويفسرانه على أنه نظافة شديدة، أو زيادة حرص، ولكنه قد يتطور مع الوقت ليصل لمراحل أخطر من مراحل بدايته، ويصنف على أنه نوع من أنواع الرهاب الاجتماعي.
شجن الولادة
مرحلة الزواج والإنجاب.. المرحلة الصعبة.. هكذا يصفها ضيف الندوة؛ لأنها في رأيه تحتاج لمعونة من الطرفين لإنجاح هذه العلاقة، وإلا فقد يحدث الطلاق العاطفي داخل الزواج، وإذا حدث فهو يضع المرأة تحت ضغط نفسي هائل تتحمل فيه الكثير من المشقة، ولكنها قد تضطر إلى الاستمرار في الزواج لوجود أبناء، أو لعدم وجود مكان آخر تعيش فيه بعد الانفصال.
أيضا قد يساهم النظام الذي تسير عليه المرأة، وخاصة المرأة العاملة في الوصول بها إلى مرحلة نفسية خطيرة، يطلق عليها (الكرب المزمن)، فمنذ استيقاظها وهي محملة بالأعباء، بداية من تحضير الفطور، ثم النزول للعمل، والعودة لتحضير الغداء، ثم ترتيب المنزل، ثم متابعة الأعمال الدراسية للأبناء، وهكذا فلا يوجد أي مساحة للراحة في اليوم، وهو ما يجعلها تشعر بالكدر الدائم.
ويصل د. عبد الناصر إلى منعطفات نفسية أخرى تمر بالمرأة في أوقات محددة قد تؤثر بدرجة حادة على حالتها النفسية، ويطلق على هذه المرحلة: "كدر ما قبل الدورة الشهرية"، ويشير إلى أن 40% من النساء يتعرضن لاكتئاب ما قبل الدورة، و10% فقط هن من يصل بهن الأمر إلى حالة مرضية، وأعراض هذا المرض هو المزاج المكتئب، والتغيرات المزاجية العنيفة، حتى إن الدول الغربية تحكم بالبراءة على المرأة التي ارتكبت أي جريمة في هذه الفترة، كما أن الكثير من حالات الطلاق تحدث في هذه الفترة، إلا أنه بمجرد مرور هذه المرحلة، فإن المرأة تعود إلى حالتها الطبيعية، وكأن شيئًا لم يكن.
أما بعد الإنجاب، فقد تتعرض لعرض نفسي يسمى شجن ما بعد الولادة، وهي حالة أخف وطأة من مرحلة أخرى متقدمة، قد تتعرض فيها إلى الاكتئاب، وغالبًا ما تكون أعراض هذه الحالة هو التقلبات المزاجية والشعور بالضيق، ونسبة النساء اللاتي يتعرضن له تصل إلى 40%.
وعن الاكتئاب الذي قد يصيب المرأة بعد الولادة فإن نسبة الإصابة به وفق ما جاء على لسان د. ناصر لا تتعدى 10%، وهو مرض نفسي يمثل خطرًا على الأم والوليد معا؛ حيث تتعرض فيه المرأة لحالة عنيفة من الاكتئاب تصل بها إلى الامتناع عن إرضاع وليدها، ثم محاولة قتله والانتحار بعد ذلك، وهذه الحالة تحدث في الشهور الثلاثة الأولى بعد الإنجاب، وغالبًا ما يفصل فيها بين الأم والرضيع، وتوضع المرأة في مستشفى تحت المراقبة، حتى تمر مدة الشهور الثلاثة، بعدها تتعافى المرأة وتصبح طبيعية جدًّا.
وحدة المشاعر
وفي مداخلة لإسلام أون لاين حول شعور المرأة بالوحدة في مرحلة عمرية متقدمة خاصة في حالة فقد الزوج، يوضح د. عبد الناصر أن المرأة بالإضافة إلى تعرضها لاضطرابات نفسية شديدة تشبه في كثير من الأحيان اضطرابات مرحلة المراهقة، وهو ما يحدث عند انقطاع الطمث عند سن (الـ 50 أو الـ 55) ويسمى "كدر ما بعد انقطاع الطمث"، خاصة أن هناك أفكارًا شائعة بأن انقطاع الطمث يؤثر على الحياة الجنسية، فيقلل الرغبة فيها أو يضعفها، وهو اعتقاد خاطئ يتعلق بالثقافة الشرقية وليس له أي سند علمي، فهي أيضا في هذه المرحلة قد تتعرض لمعاناة الشعور بالوحدة، ففي هذه السن يبدأ الأولاد في الزواج والابتعاد عن المنزل، وقد يتوفى الزوج مما قد يدفعها إلى الاكتئاب، وقد يصل الأمر بها أحيانًا إلى الانتحار.
وينبه إلى أن الشعور بالوحدة لا يعني فقط وجود المرأة بمفردها، ففي أحيان كثيرة قد تشعر بوحدة المشاعر بسبب الحياة مع أفراد غير متفاهمين، وهو ما يعرضها إلى ضغط نفسي مستمر، ويدفعها إلى تغيير طباعها فتتحول إلى شخص مترقب دائمًا (يتوقع حدوث الأسوأ).. متعكر المزاج، وتقل قدرتها على تحمل الآخرين.
ويرى أن هذه الأعراض خاصة في حالة الترمل، إنما هي نتيجة طبيعية لأسلوب حياة المرأة الشرقية الخاطئة، فهي دائما تحيا حياة اعتمادية سواء على الزوج أو الأبناء، وفي نفس الوقت تظل تعطي ولا تأخذ حقوقها حتى إنها لا تبحث عنها، ولذلك فهي تتعرض للاكتئاب في حالة وفاة الزوج وزواج الأبناء؛ لأنها لم تتعود أن تعيش لنفسها، ولذلك فهي تقع مع وقوع الآخرين، والأصح نفسيًا هو أن تعتاد المرأة مبكرًا وتعود الآخرين على أنهم يمثلون في حياتها 40 أو 50% فقط، وهذا لا علاقة له بالأنانية، وإنما هي محاولة لاستمرار الحياة حتى لا تقع مع وقوع أي فرد آخر اعتادت الاعتماد عليه، وهو ما تفعله المرأة في الغرب، والمرأة هناك ليس لها طبيعة مختلفة، ولكن المختلف هو الثقافة.
التصالح مع النفس
وحول شيوع الإصابة بالاكتئاب بين الرجال والنساء على السواء يؤكد د. عبد الناصر أن 50% من كل الأشخاص يتعرضون إلى الإصابة به في مرحلة من حياتهم، مشيرًا إلى أن هناك 48 نوعا من الاكتئاب قد تظهر أعراضه على الكثيرين منا دون أن ننتبه إلى ذلك، ومن هذه الأعراض:
الشعور بالإجهاد الدائم خاصة بعد نشاط سابق- النسيان المستمر- فقد القدرة على التركيز- الانطواء- الاضطراب في النوم، أو الاستيقاظ مبكرًا دون داع، أو النوم المتقطع، أو النوم الطويل، أو الأحلام المزعجة، كذلك فقدان الشهية، أو الشراهة في الأكل، وعدم الرغبة في الحياة الجنسية، وافتقاد الشعور بالسعادة لما كان يُسعد في الماضي.
ويضيف أنه كثيرا ما يظهر المرض النفسي في صورة أمراض جسدية، في حين أن هذه الشكاوى الجسدية لا يكون لها أي سبب عضوي.
ويختتم د. عبد الناصر حديثه بالإشارة إلى حل أمثل لتفادي كل هذه الاضطرابات النفسية، وهو التصالح مع النفس، والتمازج بين ما تفكر فيه المرأة وبين ما تفعله، والذي غالبًا ما يؤدي إلى احترام الذات، وتكوين مشاعر إيجابية تجاهها.
وينصح كل امرأة أن تخصص لنفسها ما أسماه "end day" ساعة يوميًا أو ساعتين، تنطلق فيها تفعل ما تشاء، وهذا يجعلها تشعر بأنها كائن له حق في الحياة، بعيدًا عن الآخرين الذين لا يحق لهم أن يثقلوا كاهلها بالمطالب، وعليها هي نفسها الانتباه إلى تقنين العطاء؛ فالعطاء بلا حدود فوضى.
ويرى أنه إذا فعلت المرأة هذا، فإنها لن تخجل من أي فعل تقدم عليه حتى لو تزوجت للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة بعد ترملها، وهي من ستحدد للآخرين الحدود المسموحة لهم بالتدخل.