«قفطان 2016» .. سيمفونية تراثية تتجدد بإيقاعات عصرية
بعد أسابيع من الترقب والتشويق والتحضير، تمكن الجمهور أخيرا من الاستمتاع بأهم عرض ازياء يعرفه المغرب منذ عشر سنوات «فقطان 2016». فبحضور حوالي 1000 من المدعوين المهتمين بالموضة ومشاهير من عالم الفن والاعلام والأعمال، مغاربة وأجانب، أقيم يوم السبت ما قبل الماضي، عرض ازياء اشبه بالعرس، احتفالا بمرور عشر سنوات على انطلاق عرض الأزياء «قفطان» بمدينة مراكش التي تعيش هذه الأيام، هي الأخرى، موسمها السياحي بامتياز.
وجاء عرض «قفطان2016» عبارة عن لوحات استعراضية، للخياطة الراقية المغربية، حيث حاول كل واحد من المصممين والمصممات التسعة الذين شاركوا في العرض أن يقدم بصمة خاصة به من خلال القصات الجديدة والالوان الغنية، التي تعكس ثقافة هذا الزي وتقاليده العريقة كل حسب وجهة نظره، مما أعطى العرض كثافة شديدة يصعب معها التقاط جميع التفاصيل للوهلة الاولى، فيشعر المرء أنه بحاجة الى مشاهدة العرض مرة اخرى، مثل الرغبة التي تنتابنا لإعادة مشاهدة فيلم سينمائي جميل، لا سيما وأنه لا يخضع لخط موحد يجب التقيد به، بل يمنح المصمم حرية الإبداع على هواه. وهذا ما تؤكده عائشة الزعيمي الصخري، رئيسة تحرير مجلة «فام دو ماروك» بالقول «إن المشرفين عليه والمنظمين له، لا يريدون نسخ خطوط الموضة واتجاهاتها المتداولة في الغرب، بل لكل مصمم الحرية في تقديم ابداعاته الخاصة في هذا المجال». وربما هذا ما يعطي هذا العرض خصوصيته، فهو قد يكون المنبر الوحيد امام المصممين المغاربة، لمخاطبة السوق المغربي والغربي على حد سواء.
اشتمل العرض على تشكيلة متنوعة جدا من ازياء السهرة التقليدية، سواء على مستوى الالوان والقصات والاقمشة، التي تعبر عن الترف والفخامة والثراء، مركزين على الحرير والمخمل والدانتيل والتافتا إلى الموسلين لإعطاء هذه التصاميم انسيابية بسيطة وهادئة، لكن مفعمة بالأنوثة، مثل تشكيلة المصممة فضيلة برادة، التي اثارت الانتباه بلونها البيج، والورود المرسومة على القماش بألوان الباستيل، والتي بلا شك ستروق للمرأة الأنيقة والكلاسيكية التي تريد أن تتألق من دون مبالغة أو بهرجة.
أما المصممة زهرة اليعقوبي، فقد استوحت تصاميمها من ازياء الساري الهندي، المعروف بألوانه الفاقعة المأخوذة من الطبيعة المتفتحة مثل البرتقالي والوردي والبنفسجي، وبالتالي جاءت تشكيلتها وكأنها لوحات استعراضية من فيلم سينمائي هندي، بينما اطلقت المصممة احسان غيلان على تشكيلتها اسم «قفطان الذهب»، وهي المرة الاولى التي يقدم فيها قفطان من هذا المستوى الراقي المرصع بالذهب والأحجار الكريمة، أي ما يعرف بـ«الازياء الحلية»، ومعروف عن المصممة إحسان، حسها الفني الراقي الذي يخاطب المرأة الناضجة بنفس الدرجة التي يروق فيها للشابة، وهذا ما جعلها واحدة من اهم المصممات المغربيات في الوقت الحالي.
وكعادته ظل المصمم الحسين ايت المهدي، وفيا لأصوله ولأسلوب المتأثر بالتراث واللباس الأمازيغي، والاستعانة بالحلي البربرية الفضية كجزء اساسي من عروضه وأزيائه في الوقت ذاته. من جانب آخر، اختار المصمم نبيل الدحاني ان يدخل لمسات عصرية واضحة على قفاطينه التي جاء بعضها على شكل تايور مكون من ثلاث طبقات مع حزام عريض، مع العلم ان الحزام العريض جدا، الذي يعقد مباشرة تحت الصدر كان قاسما مشتركا بين العديد من المصممين. وربما كان هذا من تأثير الموضة الحالية التي رفعت شعار ان كل ما هو كبير وضخم أنيق. على عكس نبيل الدحاني ارتأى يوسف بودلال، أن يحافظ على عراقة القفطان في كل شيء باسثناء لمسات خفيفة تناسب تطور العصر وروح المرأة الشابة.
واذا كان عرض قفطان 2016 تضمن هذا التنوع الشديد في التصاميم التي تعبر عن شخصية وابداع كل مصمم ومصممة انسجاما مع خط التجديد «الثوري»، الذي طال القفطان المغربي بهدف «عصرنته» و«عولمته»، وهو التوجه الذي لقي استحسانا من طرف معظم المغربيات، ما دام في اطاره المعقول، الا ان العرض الأخير لم يسلم من «شطحات سريالية» لاعلاقة لها بالقفطان ولا بالزي التقليدي عموما، وهو ما ظهر في تشكيلة المصمم نور الدين أمير، الذي قدم مجموعة فساتين باللون الأسود متدلية منها قطع أقمشة صوفية مهلهلة، وأخرى مصممة على شكل تمساح، حيث بدت العارضات وكأنهن خارجات من كهوف مظلمة في مشهد قريب الى افلام الرعب. وتجدر الإشارة هنا إلى ان الفضل في نجاح هذا العرض واستمراره بشكله المتميز، يعود أيضا إلى كون المجلة النسائية «فام دو ماروك» من ضمن الداعمين له، وصاحبة فكرة تنظيم هذا العرض السنوي منذ 1996. ولكي تحافظ على قيمة هذه الفعالية وعنصر المفاجأة والتشويق، فرضت ألماري لينيي، المديرة الفنية للعرض سرية تامة على الاستعدادات التي سبقته، وقطعت الطريق على فضول الصحافة، على غير المتوقع، خصوصا ان المؤتمر الصحافي الذي عقده المنظمون قبل يوم الحفل، خصص كله لتقديم «التشكرات» للشركات الراعية للحفل لا غير. وانتهى المهرجان كالعادة بالإعلان عن فائزين لأجمل القفاطين، وكانت الجائزة الاولى من نصيب كل من محمد لخضر في صنف الخياطة الراقية، وقاسم الساهل في صنف المواهب الشابة. أما العارضة التي تميزت أكثر، فكانت بلا شك الشقراء ادريانا كرمبو، التي على ما يبدو كانت جد معجبة بهذا الزي الفخم، وكانت تتخايل به على المنصة مثل الطاووس، الأمر الذي زاده جمالا وإشعاعا، وهذا دليل انه حتى المرأة الغربية يمكنها ان تتذوقه وتجعل العين تعشق النظر إليه، وليس المغربية فقط على أساس انها تعرف تاريخه وتفهم لغته وخطوطه. يبقى القول إنه رغم اجواء «الف ليلة وليلة» التي تصاحب عرض ازياء القفطان دائما، والانبهار الذي يثيره، فهو مظلوم من ناحية الدعم الذي لا زال يعرف تجاهلا من قبل الحكومة المغربية، رغم أن القفطان زيا تراثيا وتقليديا يختزل عراقة التاريخ المغربي واصالته.
يارب تشافى بنتى.....اللهم أمين....