عنوان الموضوع : وداعا لخضر لوعيل من الانشغالات
مقدم من طرف منتديات العندليب

*وداعا " لخضر لوعيل"
- إلى روح الأستاذ الكبير " لخضر لوعيل" أرفع هذه الكلمات المُهلهلات.
بقلم: البشير بوكثير
رجلٌ شهم نبيل من الزّمن الجميل، الذي ولّى إلى غير رجعة.. يستقبلك بطلعته البهيّة، وابتسامته النّديّة، فتشرق الأنوار من بين جَنَباتك، وتشعّ حنايا الضّلوع بالبِشر والاستئناس لهذا التّربويّ الرّمز، كما تستئنس طفلة صغيرة لحكايا جدّتها في شتاء قارس وفي ضيافة كانون يرسل جمرُه المتوهج دفئا وحنانا ليقول : هنا الحُبّ والأمن والأمان، وهكذا كان سي لخضر لوعيل منبعا للحبّ وللخير وللجمال وللفضيلة.
عرفتُه مُذْ أبصرتْ عيناي نور العلم، أستاذا نحريرا ، ولغويّا كبيرا، وتربويّا مِلْء السّمع والبصر.. لم تُغرِه الدّنيا ببهرجها وزينتها أكثر ممّا ذوّبتْه القوافي ونبض الكلمات الحارقات، فراحَ يغرف من مَعين الأدب العربي ما أهّله لأنْ يكون في صدارة المثقّفين الواعين في مدينة رأس الوادي بمعيّة جهابذة أفذاذ جمعتْه بهم مهنة التّعليم وحرفةُ الأدب ردحا من الزّمن ، مثل مفتّشيْ اللغة العربية ، الطّودين الشّامخيْن، والهرميْنِ الرّاسخيْن :"محمّد العربي الوالي" و"بوبكر حمراني"...
شَقّ طريقه الوعر بمعول الإرادة ، وطوّعَ جلاميد المُعوّقات بدموع الألم والأمل، فابتسمتْ لزحفه الباهر صوامعُ المعاهد ومحاريبُ المدارس وهي راغمة، وتراقصت الصّفوف على وقْعِ عزْفِه الشّذيّ على أوتار القلوب والأرواح، فأحبَّه الجميع ، بخُلُقه الرّفيع، وأدائه التّربوي البديع.
إنّه الأستاذ الشّهم الأصيل "لخضر لوعيل"، صاحب المآثر الغُرّ، والشمائل الزُّهر، ولافخر .. فهو المربّي اللوذعي المُحلّق، والأستاذ الألمعيّ المُفْلِق، والمدير الإنسانيّ المُتخلّق (الخلوق).
أستاذي الحبيب لخضر:
لم يدُرْ في خَلدي يوما أنّي سأرثيك وأبكيك كما أبكيك اليوم، وأنا مَن تعوّدتُ تكحيلَ مُقلتيّ صباحَ مساءَ بطلعتك البهيّة حين أمُرّ على دارك العامرة بالعنفوان والإحسان، فألمَح من خلالك عظمةَ المُربّي وسَمتَ (هيئة) الأستاذ المحافظ الوقور الذي لم تُغيّرْه رياحُ العولمة كما غيّرتْ أناسا كثيرين.
أيها الفقيد الحبيب:
لقد فقدت رأس الوادي بفقْدك اليوم أنفسَ سَفْرٍ في خزانتها، وأغلى سهمٍ في كنانتها، وأذكى مديرٍ نحريرٍ زاد في مكانتِها، لأنّك تذكّرها بنخوة الأشاوس الفوارس الصّوّالة، حتّى لكأنّك تستنطق وقت الشّدائد حمحمحةَ العاديات والخيّالة ، وترسم بأبجدية الحُبّ والجمال لوحةًآسرةً ميّاسةً ميّالة.
أيّها الرّاحلُ عنّا في صمت:
هل تأذنُ اليوم لتلميذ صغير حقيرٍ مثلي أنْ يقفَ السّاعةَ بفنائك الفسيح، قبلما تترجّل من صهوة جوادك وتستريح ، استراحةَ الفتى المليح، ذي اللسان العفيف الصّريح ، والشّمائل التي عبقت منها نسماتُ الورد، وتقاطرت لها نخاريبُ الشّهد ،وسالتْ من سلسال وهَجها مياهُ المجد، ولاغرو أن ْتتابعتْ فضائلُك على زملائك من الأساتذة تتابعَ القَطر على القفر، فأثقلتْ -كما قالت العربُ- كاهلَ الحُرّ، وزملاؤك وتلامذتُك ياسي لخضر من الأحرار الأبرار، الذين ربّيتَهم وكوّنتهم يعرفون للرجال قدرهم، ويحفظون ودادهم وسرّهم في الحياة وبعد الممات،وقد صدق الشاعر:
فإنْ نحن عشنا يجمع الله شملنا* وإنْ نحن متنا فالقيامة تجمع
أيها الحبيب القريب:
لقد عرفناك إنسانا صابرا في بلائك ، عادلا في تسييرك وقضائك، شامخا مشمخرّا في سمائك، مُتفرّدا في أخلاقك وعطائك، زاهدا ناسكا في عليائك، أليفا لطيفا ظريفا مع أحبابك وزملائك، نقيّ القلبِ صافيَ الرّوح مع أساتذتك وأصدقائك، وقد صدق الشاعرحين وصفَ قلوبَ أمثالك من الواصلين العارفين:
إنّ القلوبَ لأجنادٌ مُجنّدةٌ * لله في الأرضِ بالأهواء تعترف
فما تعارفَ منها فهو مؤتلِفٌ * وماتناكرَ منها فهو مُختلِفُ
أيها الفقيد الغالي:
لقد آمنتَ بدور الأخلاق والعلم والمدرسة في تلقيح الأفكار، والرّقيِّ والازدهار، فوصلتَ الليلَ بالنّهار، لتُحقّق المبتغى بكلّ استحقاقٍ واقتدار، جاعلا المبدأَ والأساس، والسّنا والنّبراس، ماقاله شيخُ المصلحين، ورائدُ المربّين الشّيخ محمّد البشير الإبراهيمي-عليه شآبيبُ الرّحمة والغفران-:
" المدرسةُ هي جنّةُ الدّنيا، والسّجنُ هو نارُها، والأمّةُ التي لاتبني المدارس، تُبنى لها السّجون، والأمّةُ التي لاتصنعُ الحياة يُصنَعُ لها الموت، والأمّةُ التي لاتُكرِمُ شبابَها بالعلم والتّثقيف، مُضيّعةٌ لرأسِ مالِها، والأمّةُ التي لاتجعلُ الأخلاقَ ملاكَها، أمّةٌ تتعجّلُ هلاكَها".
أستاذي لخضر:
لقد كانت حياتك كلّها جِدّ وعمل، لاعوجَ فيها ولاخلل، وعمرك كلُّه سخاء وعطاء، وقلبك غيورٌ غامرٌ بالصّفاء والوفاء، وشبابك جُلّهُ تلقٍّ وتحصيلٌ واستفادة، وكهولةٌ كلُّها توجيهٌ وإرشادٌ وإفادة، وعقلٌ كلّهُ نورٌ وإشعاع، وبصيرةٌ كلُّها سدادٌ ورشادٌ وإبداع.
أيها الصّابرُ المحتسب :
إنّ عزاءنا الوحيد في يوم وداعك وتشييعك، أنّك كوّنتَ الأستاذَ الهُمام، والمهندسَ القمقام، والطبيبَ الحاذقَ الصّمصام، والمُوظَّفَ المُتقِنَ المِقدام.
لقد خلّفتَ ليوثا ضراغمةً غُلبا، وتلامذةً كانوا ومازالوا نُجوما وشُهْبا، وسيكونون بعونِ الواحدِ الدّيان، ذخرا لك في الميزان.
وبُشراكَ في يومِ توديعك ، أجيال أصلحتَ فسادَها، وأحسنتَ في الخير رشادها وسدادَها، وقوّمتَ اعوجاجَها ومنآدَها، وملكتَ بالمحبّة قيادَها، فأجدتَ تربيتَها وإعدادَها.
سيدي المتواضع الطيّب:
هل يحتاج البدر لمن يقول له أنتَ منير؟، وهل يحتاج المتنبي لمن يُطريه : أنت شاعرٌ كبير؟
وهل تحتاجُ منّا اليوم أن نقول إنّك كنتَ مربٍّيا فذّا كبيرا، ومسيّرا إداريا نحريرا ؟
لقد كنتَ يا سي لخضر دُرّة رأس الوادي، وخريدةُ النّشامى الأمجاد، وفريدة عصر العمالقة الأجواد، وقد صدق أبو العلاء المعرّي حين قال وكأنّه يتحدّثُ على لسانك:
وقد سار ذكري في البلاد فمَن لهم * بإخفاءِ شمسٍ ضوؤُها متكامــلُ
ولي منطِقٌ لم يرضَ لي كُنهَ منزلي * على أنني بين السِّماكيْن نازلُ
يُنافسُ يومي في أمسي تشرُّفا* وتحسُد أسحاري عليّ الأصـــــــائل
سيدي لخضر:
لن أنسى ماحييت يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر أوت سنة 2015م لأنّه يومٌ حرّك المواجع وأعاد لذاكرتي شريط الفواجع، فانسكبت المدامع، حين تناهى إلى المسامع نبأ رحيل فارس المعامع التّربويّة ، وحارس الرّوائع الأدبيّة دون أنْ يستأذن مُحبّيه ومُريديه، فتركَ فراقُه في القلب غُصّة وحرقة لايطفئها سوى اجتماع المحبوب بحبيبه في جنّة الفردوس إن شاء الله.
أيها القلب الحاني، والوالد الثّاني:
أنتَ بدرٌ في سماء الألمعيّة، أنتَ شمسٌ في فضاء العبقريّة، أنتَ نبعٌ من مَعينِ الأبديّة، أنتَ غصنٌ من الدّوحة المُحمّديّة.
فلكَ من البشير مليون تحيّة وتحيّة .
الجمعة 05 سبتمبر 2015م


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

https://www.elwatandz.com/r_ation/khatira/14367.html

=========


>>>> الرد الثاني :

https://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=44211

=========


>>>> الرد الثالث :

https://www.sidi-aissa.com/ar/?p=98&a=20451

=========


>>>> الرد الرابع :


=========


>>>> الرد الخامس :


=========