عنوان الموضوع : من فضلكم من فضلكم ارجو المساعدة بطاقة المطالعة ,,, سنة 2 ثانوي
مقدم من طرف منتديات العندليب

السلام عليكم ارجو المساعدة في بطاقة المطاعة لقصتين من قصص كتاب الحيوان للجاحظ احتاجه غدا الله يحفظكم


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

اين انتم يا ناس الخير

=========


>>>> الرد الثاني :

ساعدوووووووني من فضلكم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

=========


>>>> الرد الثالث :

22 مشاهدة ولا رد وحيد ارجوكم

=========


>>>> الرد الرابع :

هل تريدين العناوين ام الملخصات ام القصتين كاملتين ام ماذا ؟....لأننا في ثانويتنا لم نطبق التعليمات المتعلقة بحصص المطالعة

=========


>>>> الرد الخامس :

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة khadija ^^
هل تريدين العناوين ام الملخصات ام القصتين كاملتين ام ماذا ؟....لأننا في ثانويتنا لم نطبق التعليمات المتعلقة بحصص المطالعة

اختي هذا هو شكل بطاقة المطالعة 1- عنوان الكامل للكتاب . 2-اسم المؤلف. 3-اسم الناشر . 4- السلسلة . 5- تاريخ النشر . 6-تاريخ اول نشر . 7-دار النشر . 8-نوع يعني عبارة عن رواية وهمية , او علم خيال .او قصة معاشية او سيرة ذاتية ....الخ . 9-الراوي هل يمثل جزءا من القصة ؟ 10-اطار الزمني (زمان ومكان وقائع القصة). 11-الموضوع او المواضيع المطروحة في الكتاب ( العنصرية ’ السفر ’ الوحدة ’ الخلوة ’ الحب , الطبيعة ). 12- كيف بدت القصة مفيدة او مبتكرة او جذابة او غريبة . 13- الشخصيات التي اعجبت بها ؟ لماذا . 14-ماهي الشخصيلت التي لم تعجبك ؟ لماذا . 15-ماذا تعلمت حول العصر او فترة المحيط الاجتماعي للبلد. 16- حول اي موضوع جعلك الكاتب تفكر . 17- لخص الكتاب
انا حتاج 2 قصتين من كتاب الحيوان للجاحظ كل واحدة بطاقة هكذا طلبت الاستاذة من فضلك اختي ساعديني و شكرا

=========


!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! win rakom


مع بالغ أسفي أختي...لم يسبق لي قراءة كتب الجاحظ
كنت أظن أنك تحتاجين العناوين فقط

هل من مساعدة لا تبخلو

اختي انا قمت بتلخيص كتاب البخلاء للجاحظ
هل اعطيقي بطاقة المطالعة

حملي الكتاب و لخصيه حنا تاني قلنا الاستاذ حملته و كتبت منه
هذا من الكتاب ارجو ان يفيدكي
كتاب:الحيوان
المؤلف:أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

كأنَّه قال : كشدق البعير إذ كان كلهُ بعيرٍ أعلم .
والشعراء يشبِّهون الضربة بشِدْق البعير ولذلك قال الشاعر : ( كمْ ضربةٍ لَكَ تحكِي فَاقُراسِيَةٍ ** من المَصاعبِ في أشداقِهِ شَنَعُ ) وقال الكميت : مَشافِرَ قَرْحَى أكلْنَ البريرَا ( ولأنتَ أطيشُ حينَ تغْدُو سادراً ** حذر الطعان مِنَ القدوحِ الأقرَح ) يعني الذبَّان لأَنَه أقرح ولأنّه أبداً يحكُّ بإحدى ذراعيْه على

الأخرى كأنّه يقدح بعودَي مَرْخٍ وعفَار أو عرجون أو غير ذلك مما يقدح به .
أخذ الشعراء بعضهم معاني بعض ولا يعلم في الأرض شاعر تَقَدَّمَ في تشبيهٍ مُصيبٍ تامّ وفي معنًى غريبٍ عجيب أو في معنًى شريف كريم أو في بديعِ مُخترع إلاّ وكلُّ مَنْ جاءَ من الشُعَراءِ منْ بَعدِه أو معه إنْ هو لم يعدُ على لفظه فيسرقَ بعضه أو يدعِيَه بأسْره فإنّه لا يَدعُ أن يستعينَ بالمعنى ويجعَلَ نفسه شريكاً )
فيه كالمعنى الذي تتنازعُه الشعراءُ فتختلف ألفاظهم وأعاريضُ أشعارهِمْ ولايكونُ أحدٌ منهم أحقَّ بذلك المعنى من صاحبه أو لعلّه أن يجحد أنّه سمع بذلك المعنى قَطُّ وقال إنَّه خطرَ على بالي من غير سماع كما خطَر على بال الأوَّل هذا إذا قرَّعُوه به إلاَّ ما كان من عنترة في صفةِ الذباب فإنه وصفَه فأجاد صفته فتحامى معناهُ جميعُ الشعراء

فلم يعرضْ له أحدٌ منهم ولقد عَرضَ له بعضُ المحدَثين ممن كان يحسِّنُ القَول فبلغ من استكراهه لذلك المعنى ومن اضطرابه فيه أنّه صار دليلاً على سوء طبعه في الشعر قال عنترة : ( جادَتْ عليها كلُّ عينٍ ثَرَّةٍ ** فَتَركْنَ كلَّ حَدِيقةٍ كالدِّرْهم ) ( غَرداً يُحكُّ ذِراعَه بذِرَاعهِ ** فِعْلَ المكبِّ على الزِّنَادِ الأجذم ) قال : يريد فعل الأقْطعِ المكبِّ على الزِّناد والأجذم : المقطوع اليدين فوصف الذّباب إذا كان واقعاً ثمَّ حكّ إحدى يديه بالأخرى فشبَّهَهُ عند ذلك برجلٍ مقطوع اليدين يقدَحُ بعودين ومتى سقط الذُّبابُ فهو يفعل ذلك .
ولم أسمع في هذا المعنى بشعر أرضاه غير شِعر عنترة .
قولٌ في حديث وقد كان عندنا في بني العدوية شيخٌ منهم مُنْكر شديد العارضة فيهِ توضيع فسمعني أقول : قد جاء في الحديث : إنَّ تحْتَ جَناح

الذُّباب اليمين شفاءً وتحت جَناحه الأيسر سمّاً فإذا سقط في إنَاءٍ أو في شرابٍ أو في مَرَق فاغمسوه فيه فإنه يرفَعُ عند ذلك الجناح الذي تحتَه الشفاء ويحطُّ الجناح الذي تحته السمّ فقال : بأبي أنتَ وأمي هذا يجمع العداوةَ والمَكيدة .
قصّة لتميمي مع أناس من الأزد وقدكان عندنا أُنَاسٌ من الأزد ومعهم ابن حزن وابن حزن هذا عَدَوِيٌّ من آل عموج وكان يتعصّب لأصحابه من بني تميم وكانوا على نبيذ فسقط ذبابٌ في قدَح بعضهم فقال له الآخر : غطِّ التميمي ثمَّ سقط آخر في قدَح بعضهم فقال الباقون : غطِّ التميميّ فلمَّا كان في الثالثة قال ابن حزن : غطِّه فإنْ كان تميمياً رسَبَ وإن كان أزْديّا طفاً فقال صاحب المنزل : ما يسرُّني أنَّه كان نقصكم حرفاً وإنما عَنى أنَّ أزْدَ عُمان مَلاَّحون .

( ضروب الذِّبَّان ) والذِّبَّان ضروبٌ سِوى ما ذكرَناه من الفَراش والنَّحل والزَّنابير فمنها الشَّعْراء وقال الراجز : ذبّان شَعْرَاء وبيت ماذلِ وللكلاب ذبابٌ على حِدَة يَتَخَلّق منها ولا يُريدُ سِواها ومنها ذبّان الكلأ والرياض وكلّ نوعٍ منها يألفُ ما خلقَ منه قال أبو النَّجْم : ( مستَأسِد ذبَّانه في غَيْطلِ ** يقُلن للرَّائدِ أعشَبْت انزل )

شعر ومثل في طنين الذباب

والعربُ تسمّي طَنينَ الذِّبَّانِ والبعوض غناءً وقال الأخطلُ في صفة الثَّور : ( فَرداً تغنِّيه ذبَّان الرِّياض كما ** غَنّى الغواةُ بِصَنْجٍ عِند أسْوارِ ) وقالَ حَضْرميُّ بن عامرٍ في طنين الذباب : ( ما زال إهداءُ القَصائدِ بينَنَا ** شَتْمَ الصَّديقِ وكثْرَةَ الألقاب ) ويقال : ما قولي هذا عندك إلاّ طنينُ ذُباب .
سفاد الذباب وأعمارها

وللذُّباب وقتٌ تهيج فيهِ للسِّفاد مع قصر أعمارها وفي الحديث : أنَّ عُمْرَ الذباب أربعون يوماً ولها أيضاً وقت هَيْجٍ في أكْلِ النّاس
وعضّهم وشُربِ دمائهم وإنما يعرض هذا الذِّبَّان في البيوت عند قرب أيَّامها فإنّ هلاكها يكون بعد ذلك وشيكاً والذِّبَّان في وقتٍ من الأوقات من حتوف الإبل والدوابِّ .

علة شدة عض الذباب

والذُّباب والبَعوض من
ذوات الخراطيم

ولذلك اشتدَّ عضُّها وقويتْ على خرْق الجلود الغلاظ وقال الراجز في وصف البعوضة : ( مثل السُّفاةِ دائم طنينُها ** ركِّبَ في خرطومها سِكِّينُها ) ( ذوات الخراطيم ) وقالوا : ذوات الخراطيم من كلِّ شيء أقوى عضّاً ونَاباً وفكّاً كالذيب والخنزير والكلب وأمّا الفيل فإنّ خرطومَه هو أنفه كما أنَّ لكلِّ شيءٍ من الحيوان أنفاً وهو يده ومنه يُغَنِّي وفيه يجري الصَّوت كما يُجري الزَّامرُ الصَّوتَ في القصَبةِ بالنّفخ ومتى تضاغَطَ الهواءُ صوَّتَ علَى قدْر الضّغْطِ أو على قدر الثّقب .
أمثال من الشعر في الذباب

والذباب : اسم الواحد والذّبّان : اسم الجماعة وإذا أرادوا التَّصغير والتقليلَ ضربوا بالذبَّان المثل قال الشاعر : ( رأيتُ الخبزَ عزَّ لدَيكَ حتَّى ** حَسبتُ الخُبْزَ في جوِّ السَّحابِ ) ( وما روّحْتنا لتذُبَّ عنا ** ولكنْ خِفْتَ مَرْزِية الذُّباب ) وقال آخر : ( لما رأيت القصْر أُغْلِقَ بابهُ ** وتعلَّقت هَمدان بالأسباب ) ( أيقنتُ أنّ إمَارة ابن مضارب ** لم يبق منها قِيسُ أيْرِ ذبابِ )
قال بعضهم : لم يذهب إلى مقدار أيْره وإنما ذهب إلى مثل قول ابن أحمر : ( ما كنت عنْ قومي بمهتضم ** لو أنَّ معصيّاً له أمرُ ) ( كلفّتني مُخَّ البَعوضِ فقدْ ** أقصرت لا نُجْحٌ ولا عُذْرُ ) قال : وليس شيٌ مما يطير يلَغُ في الدّم وإنما يلغ في الدماء من السِّباع ذواتُ الأربع وأمّا الطّير فإنَّها تشربُ حَسواً أو عبَّة بعد عَبّة ونُغبةً بعد نغبة وسباع الطّير قليلة الشُّرب للماء والأُسد كذلك قال أبو زُبَيد الطائي : ( تذبُّ عنهُ كفٌّ بها رَمقٌ ** طيراً عكوفاً كزُوَّرِ العُرُسِ )

( إذا ونى ونْيَة دَلَفنَ له ** فهنَّ مِنْ والغٍ ومُنْتَهِسِ )
قال : والطّير لا تلغ وإنما يلغَ الذباب وجعله من الطّير وهو وإن كان يطير فليس ذلك من أسمائه فإذ قد جاز أن يستعير له اسم الطائر جاز أن يستعير للطير ولْغ السِّباع فيجعَل حسْوها ولْغاً وقال الشاعر : ( سراع إلى ولْغ الدماءِ رماحهم ** وفي الحرب والهيجاء أُسْدٌ ضراغِمُ )

خصلتان محمودتان في الذباب

قال وفي الذباب خصلتان من الخصال المحمودة .
أمَّا إحداهما : فقُرب الحيلة لصرف أذاها ودفع مكروهها فمن أراد إخراجها من البيت فليس بينَهُ وبين أن يكونَ البيتُ على المقدارِ الأوّلِ من الضِّياء والكِنِّ بعد إخراجها مع السَّلامة من التأذي بالذبان إلاّ أن يُغلقَ البابُ فإنَّهُنَّ يتبادرن إلى الخروج ويتسابَقْنَ في طَلبِ الضوء والهرَب من الظلمة فإذا أُرخي السِّترُ وفتحَ البابُ عاد الضَّوءُ وسلِمَ أهلُه من مكروهِ الذباب فإنْ كان في الباب شقّ وإلاّ جَافى المغلقُ أحدَ البابَين عن صاحبه
ولم يطبقه عليه إطباقاً وربّما خرجْن من الفتْح الذي يكون بين أسفل الباب والعتبة والحيلةُ في إخراجها والسَّلامةِ من أذاها يسيرة وليس كذلك البعوض لأنَّ البعوض إنما يشتدُّ أذاه ويقوى سلطانُه ويشتدُّ كَلَبه في الظلمةِ كما يقوَى سلُطان الذبان في الضياء وليس يمكنُ النّاسَ أنْ يُدخلوا منازلَهم من الضِّياء ما يمنعُ عمَلَ البعوض لأنَّ ذلك لا يكون إلاّ بإدخال الشَّمسِ والبعوض لا يكون إلاّ في الصيَّف وشمسُ الصيُّفِ لا صبْرَ عليها وليس في الأرضِ ضياءٌ انفصلَ من الشمس إلاّ ومَعه نصيبهُ من الحَرِّ وقد يفارق الحرُّ الضياء في بعضِ المواضع والضِّياءُ لا يفارِقُ الحَرَّ في مكانٍ من الأماكن .
فإمكان الحِيلة في الذباب يسير وفي البَعوض عسير .
والفضيلة الأخرى : أنه لولا أن الذّبابة تأكل البَعُوضة و تطلبها وتلتمسها على وجوهِ حيطان البيوت وفي الزوايا لما كان لأَهلها فيها قَرار .

الحكمة في الذباب

وذكَر محمد بن الجهم فيما خبَّرني عَنْه بعضُ الثقات أنه قال لهم ذاتَ يوم : هل تعْرفُون الحِكمة التي استفَدْناها في الذُّباب قالوا : لا .

قال : بلى إنّها تأكل البعوض وتصيده وتلقطه وتفنيه : وذلك أنّي كنت أرِيد القائلة فأمرْت بإخراج الذُّباب وطَرْحِ السِّترِ وإغلاقِ الباب قبلَ ذلك بساعة فإذا خرجن حصل في البيت البعوضُ في سلطان البعوض وموضِعِ قوَّته فكنتُ أدخلُ إلى القائلة فيأكلني البعوض أكلاً شديداً فأتيتُ ذات يومٍ المنزِلَ في وقت القائلة فإذا ذلك البيتُ مفتوحٌ والسِّترُ مرفوع وقد كان الغلمان أغفلوا ذلك في يومهم فلما اضطجعَتُ للقائلة لم أجد من البعوض شيئاً وقد كان غضبي اشتدَّ على الغِلمان فنمتُ في عافية فما كان من الغد عادُوا إلى إغلاق الباب وإخراجِ الذّباب فدخلتُ ألتمسُ القائلة فإذا البعوضُ كثير ثم أغفلوا إغلاق البابِ يوماً آخر فلما رأيته مفتوحاً شتمتُهُمْ فلمَّا صرتُ إلى القائلة لم أجدْ بعوضةً واحدةً فقلت في نفسي عند ذلك : أراني قد نمتُ في يَوْمَي الإغْفَالِ وَالتَّضْييع وامتَنعَ منِّي النَّومُ في أيَّام التحفُّظ والاحتراس فِلمَ لا أجرِّبُ ترْك إغلاق الباب في يومي هذا فإن نمتُ

ثلاثة أيام لا ألقى من البَعوضِ أذًى مع فتح الباب علمتُ أنَّ الصّواب في الجمع بين الذِّبان وبين البعوض فإنَّ الذِّبّان هي التي تُفنيه وأنَّ صلاحَ أمرنا في تقريبِ ما كُنَّا نباعد ففعلتُ ذلك فإذا الأمر قد تمّ فصرنا إذا أردْنا إخراجَ الذِّبّانِ أخرجْناها بأيسرِ فهاتان خَصْلتان من مناقب الذِّبّان .
طبّ القوابل والعجائز وكان محمد بن الجهم يقول : لا تتهاونوا بكثيرٍ ممّا تروْن من علاج القوابل والعجائز فإنّ كثيراً من ذلك إنما وقع إليهنَّ من قدماء الأطباء كالذّبان يُلقى في الإثمِد ويسحق معه فيزيد ذلك في نور البصر ونفاذ النظر وفي تشديد مراكز شعر الأشفار في حافَات الجُفون

نفع دوام النظر إلى الخضرة وقلتُ له مرَّة : قيل لماسَرجَويه : ما بالُ الأكَرَة وسُكَّان البساتين مع أكلهم الكرَّاث والتمر وشروبهم ماء السّواقي على المالح أقلَّ النَّاس خُفْشاناً وعمياناً وعُمْشاناً وعوراً قال : إني فكّرت في ذلك فلم أجد له علّةً إلاّ طولَ وقوع أبصارِهِمْ على الخُضْرة .
من لا يتقزَّز من الذّبّان والزنابير والدّود )
قال ابن الجهم : ومن أهل السُّفالة ناسٌ يأكلون الذّبان وهُمْ لا يرمدون وليس لذلك أكلوه وإنما هُمْ كأَهل خُراسان الذي يأكلون فراخ الزَّنابير والزَّنابير ذِبان وأصحاب الجبن الرَّطب يأخذون الجبنة التي قد نَغِلت دوداً فينكتها أَحَدُهم حتَّى يخرُج ما فيها من الدُّود في راحَتِه ثم يقمَحُها كما يقمَحُ السَّويق وكان الفرزدق يقول : ليت أنَّهمْ دفعوا إليَّ

نصيبي من الذبان ضَرْبة واحدة دعوتان طريفتان لأحد القصاص وقال ثُمامة : تساقط الذبّان في مَرق بعض القصَّاص وعلى وجْهه فقال : كثرَّ اللّهُ بكنّ القبور وحكى ثمامة عن هذا القاصِّ أنه سمعه بَعَبَّادان يقول في قصَصِه : اللّهمَّ مُنَّ علينا بالشهادةِ وعلى جميع المسلمين . ( قصّة في عمر الذُّباب ) وقال لي المكِّيُّ مرَّة : إنما عمر الذبّان أربعونَ يوماً قلت : هكذا جاء في الأثر وكنّا يومئذ بواسط في أيَّام العسكر وليس بَعْدَ أرض

الهنْد أكثرُ ذبَاباً من واسط ولربّما رأيتَ الحائط وكَأنَّ عليهِ مِسْحاً شديدَ السَّواد من كثرة ما عليه من الذبّان فقلت للمكّيِّ : أحسب الذبَّان يموت في كل أربعين يوماً وإن شئت ففي أكثرَ وإن شئت ففي أَقلَّ ونحنُ كما ترى ندوسُها بأَرجلنا ونحن ها هنا مقيمون من أكثر من أربعين يوماً بل منذ أشهر وأشهر وما رأينا ذباباً واحداً ميّتاً فلو كان الأمر على ذلك لرأينا الموتى كما رأينا الأحياء قال : إنَّ الذّبابة إذا أرادتْ أن تموت ذهبتْ إلى بعض الخرِبات قلت : فإنَّا قد دخلنا كلَّ خَرِبةٍ في الدُّنْيا مَا رأينَا فيها قط ذباباً ميّتاً .
للمَكِي وكان المكّيّ طيّباً طيّب الحُجَج ظَرِيفَ الحِيَل عجيبَ العلل وكان يدَّعي كلَّ شيءٍ على غاية الإحكام ولم يُحْكِمْ شيئاً قطُّ لا من

الجليل ولا من الدَّقيق وإذْ قد جرى ذِكره فسأحدِّثك ببعضِ أحاديِثه وأخبرك عن بعض علله لِتَلَهَّى بها ساعةً ثم نعودَ إلى بقية ذكر الذِّبَّان .
نوادر للمكي ادّعى هذا المكّيُّ البَصَرَ بالبراذين ونظرَ إلى برذون واقف قد ألقى صاحبه في فيه اللِّجام فرأى فأس اللِّجام وأين بلغَ منه فقال لي : العجب كيف لا يذْرَعُه القيء وأنا لو أدخلت إصبعي الصغرى في حلقي لما بَقِيَ في جوفي شيءٌ ُ إلاَّ خرج قلت : الآنَ علمتُ أنَّك تُبْصر ثمَّ مكث البرذَون ساعةً يلوكُ لجامه فأقبل عليَّ فقال لي : كيف لا يبرُدُ أسنانَه قلت : إنما يكون علم هذا )
عند البصراءِ مثلِك ثمّ رأى البرذَونَ كلَّما لاك اللِّجام والحديدة سال لعابُه على الأرض فأقبل علَيَّ وقال : لولا أنَّ البِرذَون أََفسَدُ الخلق عقلاً لكان ذهنُه قد صفا قلت له : قد كنت أَشك في بَصرك بالدَّوابّ فأمّا بعْدَ هذا فلستُ أَشكُّ فيه .


وقلت له مرّة ونحن في طريق بغداد : مَا بالُ الفرسَخ في هذه الطريق يكون فرسخين والفرسخ يكون أَقلَّ من مقدار نصفِ فرسخ ففكّر طويلاً ثمَّ قال : كان كِسرى يُقْطِعُ للنّاس الفراسخ فإذا صانَعَ صاحبَ القطيعة زادوه وإذا لم يصانع نقصوه .
وقلت له مَرَّة : علمتُ أنّ الشاري حدّثني أنَّ المخلوع بعث إلى المأمون بجرابٍ فيه سمسم كأَنّه يخبِرُ أنَّ عندَّه من الجند بعددِ ذلك الحبّ وأنّ المأمون بعث إليه بديكٍ أعورَ يريد أنَّ طاهر بن الحسين يقتُلُ هؤلاءِ كلَّهم كما يلقط الدِّيك الحبَّ قال : فإنَّ هذا الحديث أنا ولَّدته ولكن انظرْ كيفَ سار في الآفق وأحاديثه وأعاجيبه كثيرة .

( معارف في الذّباب ) ثمَّ رجع بنا القول إلى صلة كلامِنا في الإخبار عن الذّبّان .
فأمَّا سكَّان بلاد الهند فإنّهم لايطبُخون قدراً ولا يعملون حَلْوَى ولا يكادون يأكلون إلاَّ ليلاً لِما يتهافت من الذِّبّان في طعامهم وهذا يدلُ على عفَنِ التُّربة ولَخَن الهواء .
وللذِّبّانِ يعاسيبُ وجُحْلانٌ ولكن ليس لها قائدٌ ولا أمير ولو كانت هذه الأصناف التي يحرسُ بعضها بعضاً وتتَّخذ رئيساً يدبِّرها ويحوطها إنما أخرج ذلك منها العقْلُ دونَ الطّبع وكالشيء يخصُّ به البعض دون الكلّ لكان الذرُّ وَالنَّمْلُ أَحقَّ بذلك من الكراكيِّ والغرانيق والثِّيران ولكَان الفيلُ أحقَّ به من البعير لأنه ليس للذّرِّ قَائدٌ ولا حارس ولا يعسوبٌ يجمعها ويحميها بعض

وكلُّ قائدٍ فهو يعسوبُ ذلك الجنسِ المَقُود وهذا الاسم مستعارٌ من فحل النَّحل وأمير العَسَّالات وقال الشاعر وهو يعني الثَّور : ( كما ضُربَ اليعسوبُ إذ عاف باقِرٌ ** وما ذنْبُه إذ عافتِ الماءَ باقِرُ ) وكما قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه في صلاح الزَّمان وفساده : فإذا كان ذلك ضَربَ يعسوبُ الدِّين بذَنَبِه . )
وعلى ذلك المعنى قال حين مَرَّ بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد قتيلاً يوم الجمل : لهفي عليك يَعْسُوبَ قريش جدعْتَ أنْفِي وشفَيْتَ نفسي .
قالوا : وعلى هذا المعنى قيل : يعسوب الطُّفاوة .


أقذر الحيوان وزعم بعض الحكماء أنَّه لا ينبغي أن يكون في الأرض شيءٌ من الأشياء أنتنُ من العَذِرة فكذلك لا شيء أقذَرُ من الذِّبان والقمل وأمَّا العَذرة فلولا أنَّها كذلك لكان الإنسان مع طول رُؤيتِه لَها وكثرِة شمِّه لها من نفسه في كلِّ يوم صباحاً ومساء لقد كان ينبغي أن يكونَ قد ذهَب تقذُّرُهُ له على الأيَّام أو تمَحَّق أو دخله النَّقص فثباتُها ستين عاماً وأكْثَرَ وَأقلّ على مقدار واحد من النتن في أنفِ الرَّجل ومنهم من وجدناه بعد مائة عام كذلك وقد رأينا المِران والعاداتِ وصنيعَها في الطَّبائع وكيف تهوِّن الشديدَ وتقلّل الكثير فلولا أنَّا فوق كلِّ شيءٍ من النَّتْنِ لَما ثبَتَتْ هذا الثَّباتَ ولعرض لها ما يعرِض لسائر النَّتْنِ وبَعْد فلو كان إنَّما يشَمُّ شيئاً خرجَ من جوفِ غيره ولم

يخرجْ من جوفِ نفسه لكان ذلك أشْبَه فإذ قد ثبت في أنفه على هذا المقْدار وهو منه دونَ غيره وحتَّى صار يجدُه أنْتن من رَجيع جميع الأجناس فليس ذلك إلاّ لما قد خُصّ به من المكروه .
وكذلك القول في القمل الذي إنَّمَا يُخْلق من عَرَق الإنسان ومن رائحته ووسَخِ جلده وبخار بدنه وكذلك الذِّبَّان المخالطة لهُمْ في جميع الحالات والملابسَةُ لهم دُونَ جميع الهوامِّ والهمَج والطّير والبهائمِ والسِّباع حتَّى تكون ألزم من كلِّ ملازم وأقربَ من كلِّ قريب حتى ما يمتنع عليه شيء من بدن الإنسان ولا من ثوبه ولا من طعامِهِ ولا مِن شرَابِهِ حتَّى لزمه لزوماً لم يلزمه شيء قطُّ كلزومه حتى إنّه يسافر السَّفَرَ البعيدَ من مواضع الخِصْب فيقطع البراريَّ والقِفارَ التي ليس فيها ولا بقربها نباتٌ ولا ماءٌ ولا حيوان ثم مع ذلك يتوخَّى عند الحاجة إلى الغائط في تلك البَرّيّة أن يفارق أصحابَه فيتباعد في الأرض وفي صحراء خلْقاء فإذا تبرَّزَ فمتى وقع بصرُه على بِرازِهِ رأى الذِّبّان ساقطاً عليه فقَبْلَ ذلك ما كان يَراه فإن كان الذُّباب شيئاً يتخلَّق له في تلك الساعة فهذه أعجبُ مما رآه ومما أردنا وأكثرَ ممّا قلنا وإن كان قد كان ساقطاً على الصُّخورِ المُلْسِ والبِقاعِ الجُرْدِ في اليوم القائظ وفي الهاجرة

التي تشْوي كلَّ شيء وينتظرُ مجيئه فهذا أعجبُ ممّا قلنا وإن كانت قد تبعته من الأمصار إمَّا طائرةً معه وإمَّا )
ساقطةً عليه فلما تبرَّزَ انتقلتُ عنه إلى بِرازه فهذا تحقيقٌ لقولنا إنّه لايلزم الإنسانَ شيءٌ لزوم الذباب لأنَّ العصافيرَ والخطاطيف والزَّرازير والسَّنانير والكلابَ وكلَّ شيء يألف النّاسَ فهو يقيمُ مع النَّاس فإذا مضى الإنسانُ في سفره فصار كالمستوحش وكالنَّازل بالقفار فكلُّ شيءٍ أهليٍّ يألف النَّاس فإنّما هو مقيمٌ على مثل ما كان من إلفه لهم لا يتبعهم من دورِ النَّاسِ إلى منازل الوحش إلاّ الذِّبَّان .
قال : فإذا كان الإنسانُ يستقذِرُ الذِّبَّان في مَرَقِه وفي طعامه هذا الاستقذار ويستقذِرُ القَمْلَ مع محلِّه من القَرابةَ والنِّسبةِ هذا الاستقذار فمعلومٌ أنَّ ذلك لم يكن إلاّ لما خص به من القذر وإلاّ فبدون هذه القرابة وهذه الملابسَةِ تطيبُ الأنفس عن كثيرٍ من المحبوب .
إلحاح الذُّباب قال : وفي الذّّبّان خُبْرٌ آخَر : وذلك أنّهُنَّ ربَّما تعَوَّدْنَ المبيتَ على خُوصِ فَسيلةٍ وأقلابها من فسائل الدُّور أو شجرةٍ أو كِلَّةٍ أوْ

بابٍ أو سقفِ بيت فيُطْرَدْن إذا اجتمعن لوقتهنَّ عند المساء ليلتين أو ثلاث ليال فيتفَرقْنَ أو يهجُرْن ذلك المكان في المُستَقْبَلِ وَإنْ كانَ ذلك المكانُ قريباً وهو لهنَّ معرَّض ثمَّ لا يدعْنَ أن يلتمِِسْنَ مبيتاً غيرَه ولا يعرض لهنَّ من اللَّجاجِ في مثل ذلك مثلُ الذي يعرِض لهنّ من كثرة الرُّجوعِ إلى العينين والأنف بعدَ الذَّّبِّ والطّرْد وبعدَ الاجتهادِ في ذلك .
أذى الذباب ونحوها وقال محمَّد بن حرب : ينبغي أن يكونَ الذِّبّانُ سُمّاً نَاقِعاً لأنِّ كُلَّ شيءٍ يشتدُّ أذاه باللّمس من غيره فهو بالمداخلة والملابسة أجْدُرُ أن يؤذيَ وهذه الأفاعي والثعابينُ والجرَّارات قد تمسُّ جلودَها ناسٌ فلا تضرُّهم إلاّ بأن تلابسَ إبرةُ العقربِ ونَابُ الأفعى الدَّم ونحن قد نجد الرَّجُلَ يدخُل في خَرْق أنفِه ذبَابٌ فيجولُ في أوله من غير أنْ يجاوزَ ما حاذى

روثَة أنفه وأرنبَته فيخرجه الإِنسانُ من جوفِ أنفه بالنّفخِ وشدَّة النَّفَس ولم يكن له هنالك لُبْثٌ ولا كان منه عضّ وليس إلا ما مسَّ بقوائِمه وأطراف جناحيه فيقع في ذلك المكان من أنْفه من الدَّغدغة والأُكال والحكَّة ما لا يصنع الخَرْدَل وبَصَلُ النَّرجِس ولبنُ التِّين فليس يكون ذلك منه إلاَّ وفي طبعه من مضادَّةِ طباع الإنسان ما لا يبلغه مضادَّة شيءٍ وإن أفرط .
قال : وليس الشّأن في أنّه لم ينخُس ولم يجرح ولم يَخِزْ ولم يَعُضَّ ولم يغمز ولم يخدش وإنَّما هو

4

الأصوات المكروهة

وقد نجدُ الإنسانَ يغتَمُّ بِتَنَقُّضِ الفتيلة وصوْتِها عندَ قربِ انطفاء النار أوْ لبعض البلَل يكون قد خالط الفتيلة ولا يكون الصَّوت بالشَّديد ولكنَّ الاغتمامَ به والتكَرُّه له ويكونُ في مقدارِ ما يعتريه من أشدِّ الأصوات ومنْ ذلك المكروهُ الذي يدخلُ عَلَى الإنسان من غَطيط النَّائِم وليست تلكَ الكراهةُ لعلَّةِ الشِّدّةِ والصَّلابة ولكن من قِبَلِ الصُّورَةِ والمقدار وإنْ لم يكن من قبل الجنس وكذلك صوتُ احتكاك الآجُرِّ الجديدِ بعضِه ببعض وكذلك شجر الآجَام عَلَى الأجراف فإنَّ النّفسَ تكرهُه كما تكرهُ صوتَ الصَّاعقة ولو كان عَلَى ثِقَةٍ من السَّلامة من الاحتراق لَمَا احتفَل بالصَّاعقةِ ذلك الاحتفالَ ولعلَّ ذلك الصَّوت وحدَه ألاّ يقتله .
فأَمَّا الذي نشاهدُ اليومَ الأمْرَ عليه فإنّه متى قرُب منه قتله ولعلَّ ذلك إنَّما هو لأنَّ الشّي إذا اشتدّ صَدْمُه فَسَخَ القوَّة
أو لعلَّ الهواء الذي فيه الإنسانُ والمحيط به أن يحمَى ويستحيلَ ناراً للذي قَدْ شارك ذلك الصَّوتَ من النّار وهم لم يجدوا الصَّوتَ شديداً جدّاً إلاَّ مَا خالَطَ منه النّار .
ما يقتاتُ بالذُّباب وقال ابن حرب : الذِّبّان قوتُ خلْقٍ كثيرٍ من خلق اللّه عزّ وجلّ وهو قوتُ الفراريج والخفافيش والعنكبوت والخُلْد وضروبٍ كثيرةٍ من الهَمَج همجِ الطير وحشرات السّباع فأَمّا الطّير والسُّودَانِيَّات والحَصَانيّات والشاهْمُرْكات وغير ذلك من أصنافِ الطّير وأمّا الضِّباع فإنّها تأْكل الجيف وتدع في أفواهها فُضُولاً وتفتَحُ أفواهَها

للذِّبَّان فإذا احتشَتْ ضمَّت عليها فهذه إنّما تصيد الذِّبَّانَ بنوعٍ واحدٍ وهو الاختطافُ والاختلاس وإعجالها عن الوثوب إذا تلقّطته بأطراف المناقير أو كبعض ما ذكرنا من إطباق الفم عليها .
فأمَّا الصَّيدُ الذي ليس للكلب ولا لعَنَاق الأرض ولا للفهد ولا لشيءٍ من ذوات الأربع مثلُه في الحِذْق والخَتْل والمداراة وفي صواب الوثْبةِ وفي التسدُّدِ وسرعة الخطف فليس مثل الذي يقال له الليث وهو الصّنف المعروفُ من العناكب بصيد الذِّبّان فإنَّك تجدُه إذا عاين الذِّبَّان ساقطاً كيف يَلْطأ بالأرضِ وكيف يسكِّن جميعَ جوارحِه للوثْبة وكيفَ يؤخِّر ذلك إلى وقت الغِرَّة وكيف يريها أنّه عنها لاهٍ فإنّك ترى من ذلك شيئاً لم تر مثله من فهد قطُّ وإن كان الفهدُ موصوفاً منعوتاً .


واعلم أنّه قد ينبغي ألاَّ يكونَ في الأرض شيءٌ أصيَدُ منه لأنّه لا يطير ولا يصيدُ إلاّ ما يطير ويصيدُ طائِراً شديدَ الحذر ثم َّ يصيد صيَّاداً لأن الذّباب يصيد البعوض وخديعتك للخدَّاع وزعم الجرداني أنّ الوزغَ تخْتِلُ الذّبانَ وتصيدُها صيداً حسناً شبيهاً بصيد اللَّيث .
قال : والزُّنبور حريصٌ على صيدِ الذّبَّان ولكنه لا يطمع فيها إلاّ أن تكون ساقطةً على خَرْءٍ دونَ كلِّ تمر وعسل لشدَّة عجبها بالخُرْء وتَشاغلها به فعند ذلك يطمَعُ فيه الزنبور ويصيده وزعم الجرداني وتابعه كيسان : أنّ الفهدَ إنما أخَذ ذلِكَ عن اللَّيث ومتى رآه الفهدُ يصيد الذّبّانَ حتى تَعلَّم منه فظننت أنَّهما قلَّدَا في ذلك بعض مَنْ إذا مَدَحَ شيئاً أسرف فيه .

4

تقليد الحيوان للحيوان وتعلمه منه

ويزعمون أنّ السّبع الصَّيُودَ إذا كان مع سبعٍ هو أصْيَدُ منه تعلَّمَ منهُ وأخَذَ عنه وهذا لم أحقّه فأمّا الذي لا أشكُّ فيه فأنَّ الطائرَ الحَسَنَ الصَّوتِ الملحِّنَ إذا كان مع نوائح الطَّيرِ ومغنِّياتها فكان بقربِ الطَّائرِ من شِكله وهو أحذق منه وأكرز وأمهر جاوبَه وحكاه وتعلَّم منه أو صنَع شيئاً يقوم مقامَ التعلُّم . ) 4
تعليم البراذين والطير

والبِرذَونُ يُراض فيعرِفُ ما يراد منه فيعين على نفسه وربَّما استأجروا للطّيرِ رجُلاً يعلِّمها فأمّا الذي رأيتُه أنا في البلابل فقد رأيتُ رجُلاً يُدْعَى لها فيطارِحُها من شكل أصواتها .
وفي الطّير ما يخترع الأصواتَ واللُّحون التي لم يُسمع بمثلها قطُّ من المؤلِّف للحونِ من النَّاس فإنّه ربَّما أنشأ لحناً لَمْ يمرّ على أسماع المغنِّين قطُّ .

وأكثرُ ما يجدون ذلك من الطَّير في القماريِّ وفي السُّودَانيات ثمَّ في الكرارِزة وهي تأْكل الذِّبّان أكلاً ذريعاً . 4 ( اللّجوج من الحيوان ) ويقال إن اللَّجاح في ثلاثةٍ أجناسٍ من بينِ جميع الحيوان : الخنفساء والذُّباب والدُّودة الحمراء فإنّها في إبَّانِ ذلك ترومُ الصُّعودَ إلى السَّقف وتمرُّ على الحائط الأملس شيئاً قليلاً فتسقطُ وتعود ثمَّ لا تزال تزداد شيئاً ثمَّ تسقط إلى أن تمضيَ إلى باطن السَّقف فربما سقطت ولَمْ يبق عليها إلاَّ مقدارُ إصبع ثمَّ تعود .
والخنفساء تُقْبِلُ قِبَل الإنسانِ فيدفعُها فتبعُد بقدر تلك الطَّردة والدَّفعة ثمَّ تعود أيضاً فيصنع بها أشدَّ من تلك ثمَّ تعود حتَّى ربما كان ذلك سبباً لغضبه ويكون غضَبُه سبباً لقتلها . 4

لجاج الخنفساء واعتقاد المفاليس فيها

وما زالوا كذلك وما زالت كذلك حتَّى سقط إلى المفالِيس أنَّ الخنافسَ تجلب الرِّزق وأنّ دنوَّها دليلٌ على رزق حاضر : من صِلَةٍ أو جائزة أو ربحٍ أو هديَّةٍ أو حظّ فصارت الخنافسُ إنْ دخلَتْ في قمُصهم ثمَّ نفذَتْ إلى سَراويلاتهم لَمْ يقولوا لها قليلاً ولا كثيراً وأكثرُ ما عندهم اليومَ الدَّفعُ لها ببعض الرِّفق ويظنُّ بعضهم أنّه إذا دافعها فعادَتْ ثمّ دافعها فعادت ثمّ دافعها فعادت أنّ ذلك كلما كان أكثرَ كان حظُّه من المال الذي يؤمِّله عند مجيئها أجزَل .
فانظر أيّة واقيةٍ وأيَّة حافِظة وأيُّ حارسٍ وأيُّ حصنٍ أنشأه لها هذا القول وأيُّ حظٍّ كان لها حينَ صدَّقوا بهذا الخبر هذا التصديق والطَّمعُ هو الذي أثارَ هذا الأمْرَ مِن مدافِنه والفقر هو الذي اجتذب هذا الطَّمع واجتلبه ولكن الويل لها إنْ ألَّحتْ على غَنِيٍّ عالِمٍ وخاصَّة إن كان مع جِدَتِه وعلمِه حديداً عَجُولا .


اعتقاد العامة في أمير الذّبَّان وقد كانوا يقتلون الذبابَ الكبير الشديد الطنين الملحَّ في ذلك الجهيرَ الصوت الذي تسميه العوامُّ : أمير الذِّبَّان فكانوا يحتالون في صرفه وطرده وقتله إذا أكربَهمْ بكثرةِ طنينه وزَجَله وهِماهِمه فإنّه لا يفتر فلمَّا سقط إليهم أنّه مبشّرٌ بقدومِ غائبٍ وبُرء سقيم صاروا إذا دخل المنزلَ وأوسَعَهُم شَرّاً لم يَهجْه أحدٌ منهم .
وإذا أرادَ اللّه عزّ وجلّ أن يُنْسِئَ في أجلِ شيءٍ من الحيوان هيَّأ لذلك سبباً كما أنّه إذا أراد ثمَّ رجَع بنا القولُ إلى إلحاح الذّبَّان .

عبد الله بن سوار وإلحاح الذباب كان لنا بالبَصرة قاض يقال له عبدُ اللّه بنُ سوَّار لم يَرَ النَّاسُ حاكماً قطُّ ولا زِمِّيتاً ولا رَكيناً ولا وقوراً حليماً ضبط من نفسه وملَك من حركته مثلَ الذي ضبَط وملَك كان يصلّي الغداةَ في منزله وهو قريب الدَّار من مسجده فيأْتي مجلسَه فيحتبي ولا يتَّكئ فلا يزالُ منتصباً ولا يتحرَّك له عضوٌ ولا يلتفت ولا يحلُّ حُبْوَته ولا يحوِّل رِجلاً عن رجل ولا يَعتمد على أحد شِقَّيه حَتَّى كأنّه بناءٌ مبنيٌّ أو صخرةٌ منصوبة فلا يزال كذلك حتّى يقوم إلى صلاة الظهر ثمّ يعودُ إلى مجلسهِ فلا يزال كذلك حتى يقوم إلى العصر ثمَّ يرجع لمجلسه فلا يزال كذلك حَتى يقوم لصلاة المغرب ثمَّ رُبما عاد إلى محلِّه بل كثيراً ما كان يكون ذلكَ إذا بقي عليه من قراءة العهود والشُّروط والوثائق ثمَّ يُصلِّي العشاء الأخيرة وينصَرف فالحق يقال : لَمْ يُقمْ

في طول تلك المدَّةِ والوِلايةِ مَرَّةً واحدةً إلى الوضوء ولا احتاجَ إليه ولا شرِبَ ماءً ولا غيرَه من الشّراب كذلك كان شأْنُه في طوال الأيام وفي قصارها وفي صيفها وفي شتائها وكان مع ذلك لا يحرِّك يدَه ولا يُشيرُ برأسِه وليس إلاّ أن يتكلم ثمَّ يوجز ويبلغ بالكلام اليسير المعاني الكثيرة فبينا هو كذلك ذاتَ يوم وأصحابه حواليه وفي السِّماطين بينَ يديه إذْ سقَطَ على أنفِه ذَبَابٌ فأطال المكث ثمَّ تحوّل إلى مُؤْقِ عينه فرام الصَّبر في سقوطه عَلَى المؤق وعلى عضِّه ونفاذِ خرطومه كما رَام من الصبر عَلى سقوطه عَلَى أنفِه من غير أن يحرِّك أرنبَته أو يغضِّنَ وجهَهُ أو يذبّ بإصبعه فلمّا طال ذلك عليهِ من الذبَاب وشغَله وأوجعَه وأحرَقهُ وقصدَ إلى مكان لا يحتمل التّغافُلَ أطبَق جفنَهُ الأعْلى عَلَى جفنِه الأسفلِ فلم ينهض فدعاه ذلك إلى أن وَالى بينَ الإطباقِ والفتْح فتنحَّى ريثما سكنَ جفنُهُ ثمَّ عاد إلى مؤقِه بأشدَّ من مرَّته الأولى فَغَمَسَ خرطومهُ في مكان كان قد أوهاهُ )
قبلَ ذلك فكان احتماله له

أضعف وعجزُه عن الصَّبر في الثانية أقوى فحرَّك أجفانَهُ وزاد في شدَّة الحركة وفي فتح العين وفي تتابُع الفتْح والإطباق فتنحَّى عنهُ بقدْرِ ما سكَنَتْ حركَتهُ ثمَّ عاد إلى موضِعِه فما زالَ يلحُّ عليه حتى استفرغَ صبْرَه وبَلغَ مجهُوده فلم يجدْ بُدّاً من أن يذبَّ عن عينيهِ بيده ففعل وعيون القوم إليه ترمُقه وكأنّهم لا يَرَوْنَه فتنَحَّى عنه بقدْر ما رَدَّ يدَه وسكَنتْ حركته ثمَّ عاد إلى موضعه ثمَّ ألجأه إلى أن ذبَّ عن وجْهه بطَرَف كمه ثم ألجَأه إلى أنْ تابَعَ بين ذلك وعلم أنَّ فِعلَه كلّه بعين مَنْ حَضَره من أُمنائه وجلسائه فلمَّا نظروا إليه قال : أشهد أنَّ الذّباب ألَحُّ من الخنفساء وأزهى من الغراب وأستَغفر اللّه فما أكثر مَن أعجبَتْه نفسُه فأراد اللّه عزّ وجلّ أن يعرِّفه من ضعْفِه ما كان عنهُ مستوراً وقد علمت أنِّي عند الناس مِنْ أزْمَتِ الناس فقد غلَبَني وفَضَحَني أضعفُ خلْقِه ثمَّ تلا قولَهُ تعالى : وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ

وكان بيِّن اللِّسان قليلَ فضولِ الكلام وكان مَهيباً في أصحابه وكان أحدَ مَنْ لم يَطْعَنْ عليهِ في نفسه ولا في تعريض أصحابِه للمَنَالة .
قصَّة في إلحاح الذباب فأمَّا الذي أصابني أنَا من الذِّبَّان فإنِّي خَرَجتُ أمشي في المبارك أريد دَيْرَ الربيع ولم أقدِرْ علَى دابَّةٍ فمررتُ في عشْبٍ أَشِبٍ ونباتٍ ملتفٍّ كثيرِ الذِّبَّان فسقط ذباب من تلك الذّبّان عَلَى أنفي فطردته فتحولّ إلى عيني فطردْتُه فعاد إلى مُوقِ عيني فزدتُ في تحريكِ يديَّ فتنحَّى عني بقدْر شدّة حركتي وذبِّي عن عيني ولِذِبّان الكلإ والغِياضِ والرِّياض وقْعٌ ليس لغيرها ثمَّ عادَ إليَّ فَعُدْتُ عليهِ ثمّ عَاد إليّ فعدتُ بأشدّ من ذلك فلما عاد استعملتُ كمِّي فَذَبَبْت بِهِ عن وجهي ثمّ عاد وأنَا في ذلك أحثُّ السَّير أؤمِّل بسرعتي انقطاعَهُ عنِّي فلما عَاد نزعتُ طَيْلَسانِي من عُنُقي فذببت بهِ عَنِّي بَدَلَ كُمِّي فلما

عاوَدَ ولم أجدْ له حيلةً استعملتُ العدْوَ فعدوْت منه شوطاً تَامَّاً لم أتكلفْ مثلَه مذْ كنتُ صبيّاً فتلقّاني الأندلسيُّ فقال لي : ما لك يا أبا عثمان هل مِنْ حادثة قلت : نعم أكبر الحوادث أريد أن أخرجَ من موضعٍ للذِّبَّان عَلَيَّ فيه سلطانٌ فضحك حتى جلس وانقطع عني وما صدّقتُ بانقطاعه عنّي حتَّى تباعد جدّاً .
ذبّان العساكر وزعم بعضُ النَّاسِ أنَّهنَّ يتبعن العساكرَ ويسقُطْنَ على المتاع وعلى جِلاَلِ الدّوابّ وأعجاز البراذِينِ التي عليها أسبابها حتى تؤدِّيَ إلى المنزل الآخر .
وقال المكِّيُّ : يتبعوننا ليُؤْذونا ثمَّ لا يركبون إلاّ أعناقَنا ودوابَّنا .


تخلّق الذُّباب ويقول بعضهم : بل إنما يتخلَّق من تلك العُفوناتِ والأبخرةِ والأنفاس فإذا ذهبت فنيت مع ذهابها ويزعمون أنّهم يعرفون ذلك بكثرتها في الجنائبِ وبقلّتها في الشمائِل .
قالوا : وربَّما سددْنا فمَ الآنيةِ التي فيها الشَّرابُ بالصِّمَامةِ فإذا نزعْناها وجدنا هناك ذباباً صغاراً .
وقال ذو الرّمّة : ( وأيقنَّ أنّ القنع صارت نِطافه ** فَرَاشاً وأنّ البَقْلَ ذَاوٍ ويابسُ ) القِنْع : الموضع الذي يجتمع فيه نقران الماء والفراش : الماء الرقيق الذي يبقى في أسفل الحِياض .
وأخبرني رجلٌ من ثقيف من أصحاب النّبيذ أنّهم رُبَّما فلقوا السَّفرجلة أيامَ السَّفرجل للنَّقْل والأكل وليس هناك من صغار الذّبَّان شيءٌ البتّة

ولا يُعدِمُهمْ أنْ يَرَوا على مَقاطعِ السَّفرجلِ ذُباباً صغاراً وربَّما رصدوها وتأمَّلوها فيجدونَها تعظم حتّى تلحق بالكبار في السَّاعة
حياة الذُّباب بعد موته قال : وفي الذِّبان طبع كطبع الجِعلان فهو طبعٌ غريب عجيب ولولا أنّ العِيانَ قهَرَ أهلَهُ لكانوا خلقاءَ أن يدفعوا الخبرَ عنهُ فإِنَّ الجُعَلَ إذا دُفِنَ في الوردِ ماتَ في العين وفِنيت حركاتُه كلُّها وعاد جامداً تارزاً ولم يفصِل الناظِرُ إليه بينَه وبين الجُعَلِ الميِّت ما أقام على تأمله فإذا أعيد إلى الروث عادت إليه حركة الحياةِ من ساعته .
وجرَّبتُ أنا مثلَ ذلك في الخنفساء فوجدتُ الأمر فيها قريباً من صِفَةِ الجعَل ولم يبلغْ كلَّ ذلك إلاَّ لقَرابةِ ما بينَ الخنفساء والجُعَل .
ودخلت يوماً على ابن أبي كريمة وإذا هو قد أخْرَجَ إجَّانَة كان فيها ماءٌ من غسالةِ أوساخ الثياب وإذا ذِبَّان كثيرةٌ قد تساقطْنَ فيه من اللَّيل فَمَوَّتْن هكذا كُنَّ في رأي العين فَغَبَرْنَ كذلك

عَشِيَّتَهُنَّ وليلتهنّ والغَدَ إلى انتصاف النهار حتّى انتفخْنَ وعفِنَّ واسترخين وإذا ابن أبي كريمة قد أعدّ آجُرّةً جديدة وفُتاتَ آجُرٍّ جديد وإذا هو يأخذ الخَمس منهنّ والستّ ثمّ يضعهُنّ عَلَى ظهر الآجرَّة الجديدة ويذرُّ عليهنَّ من دقاق ذلك الآجرِّ الجدِيدِ المدقوق بقدْر ما يغمُرها فلا تلبث أن يراها قدْ تحرَّكتْ ثمَّ مشت ثمَّ طارت إلاَّ أنّه طَيَرَانٌ ضعيفٌ .
ابن أبي كريمة وعود الحياة إلى غلامه وكان ابنُ أبي كريمة يقول : لا واللّه لا دفنْتَ ميِّتاً أبداً حَتّى يَنْتُنَ قلت : وكيف ذاك قال : إنّ غلامي هذا نُصيراً ماتَ فأخّرْتُ دفنه لبعْضِ الأمْر فقدِم أخوه تلك اللّيْلَة فقال : ما أظنُّ أخي ماتَ ثمَّ أخذ فتيلتين ضخمتين فروّاهما دهْناً ثمَّ أشعل فيها النّارَ ثمَّ أطفأهما وقرَّبهما إلى منخريه فلم يلبَثْ أنْ تحرَّك وها هو ذا قد تراه قلت له : إن أصحاب الحروب والذين يغسلون الموتى والأطباء عندَهم في هذا دَلالاتٌ وعلامات فلا تحمل عَلَى نفسك في واحدٍ من أولئك أَلاَّ تستُره بالدفن حتى يَجيف .


والمجوس يقرّبون الميِّت منْ أنف الكلب ويستدلون بذلك عَلَى أمره فعلمت أنّ الذي عايَنّاه من الذّبَّان قد زادَ في عزْمِه .
النُّعَر والنُّعَر : ضربٌ من الذِّبان والواحدةُ نعَرة وربما دخلتْ في أنف البعيرِ أو السَّبع فيزمُّ بأنفِه للذي يلقى من المكروه بسببه فالعَرَبُ تشبّه ذا الكِبْر من الرجال إذا صعّر خده وزَمّ أنفه بذلك البعير في تلك الحال فيقال عند ذلك : فلان في أنفه نعرة وفي أنفِه خُنْزوانةٌ وقال عمر : واللّه لا أقلعُ عنه أو أطيِّرَ نُعرَته .
ومنها القَمَع وهو ضربٌ من ذبّان الكلأ وقال أوس : وذلك مما يكون في الصيفِ وفي الحرِّ .


أذى الذّبّان للدوابّ والذّبان جنْد من جند اللّه شديدُ الأذى وربَّما كانَ أضرّ من الدَّبْر في بَعضِ الزمان وربما أتت عَلَى القافلة بما فيها وذلك أنّها تغشى الدوابّ حتّى تضربَ بأنفسها الأرض وهي في المفاوز وتسقط فيهلك أهل القافلة لأنهم لا يخرجون من تلك المفاوز على دوابهمْ وكذلك تُضْرب الرِّعاء بإبلهم والجمالون بجمالهم عن تلك الناحية ولا يسْلُكُها صاحبُ دابَّة ويقول بعضُهم لبعض : بادِرُوا قبْلَ حركَةِ الذِّبان وقبل أنْ تتحرك ذّبان الرِّياضِ والكلأ .
والزّنابير لا تكادُ تدْمي إذا لسعت بأذنابها والذِّبَّان تغمس خراطيمها في جوفِ لحوم الدوابّ وتخرِق الجلودَ الغلاظ حتى تنزفَ الدَّمَ نزفاً ولها مع شدّة الوقعِ سمومٌ وكذلك البَعوضة ذاتُ سمّ ولو زِيدَ في بَدَن البعوضة وزِيدَ في حرْقة لسْعها إلى أن يصيرَ بَدَنها كبدن الجرَّارة فإنها أصغر العقارب لما قام له شيءٌ ولكان أعظمَ بليَّةً من الجَرَّارة

النصيبية أضعافاً كثيرة وربَّما رأيت الحمار وكأنّه مُمَغَّر أو معصفر وإنَّهُمْ مع ذلك ليجلِّلون حمُرَهم ويُبَرقِعونها وما يَدَعون موضعاً إلاَّ ستروه بجهدهم فربَّما رأيتَ الحمير وعليها الرِّجال فيما بين عَبْدَسي والمذارِ بأيديهم المناخس والمذابُّ وقد ضربت بأنفسها الأرضَ واستسلمت للموت وربّما رأيت صاحبَ وليس لجلد البقرة والحمار والبعير عندَه خطر ولقدْ رأيتُ ذُباباً سقط على سالفة حِمار كانَ تحتي فضرب بأُذنيه وحرَّك رأسه بكلِّ

جهده وأنا أتأَمَّله وما يقلع عنه فعَمَدْتُ بالسَّوطِ لأنحِّيَه به فنزا عنه ورأيت مع نزْوِهِ عنه الدَّمَ وقد انفجر كأَنَّهُ كان يشرب الدَّمَ وقد سدَّ المخرج بفيه فلمَّا نحَّاه طلع .
ونيم الذّباب وتزعمُ العامَّةُ أنَّ الذّبَّان يخْرَأ عَلَى ما شاء قالوا : لأنَّا نراه يخرأ عَلَى الشيء الأسود أبيضَ وعلى الأبيضِ أسود .
ويقال قد ونمَ الذُّباب في معنى خرئ الإنسان وعرَّ الطائر وصام النَّعام وذَرَق الحمام قال الشاعر : ( وقَدْ وَنَمَ الذُّبابُ عليه حتَّى ** كأَنَّ وَنِيمَه نقطُ المِدَادِ ) وليس طولُ كُوْمِ البعير إذا ركب النَّاقةَ والخنزير إذا ركب الخنزيرة بأطولَ ساعةً من لُبْثِ ذكورةِ الذبّان عَلَى ظهور الإناثِ عندَ السِّفاد .


تخلق الذُّباب والذّباب من الخلْق الذي يكونُ مَرّةً من السِّفاد والوِلاد ومرّةً من تعفُّن الأجسام والفَسادِ الحادث والباقلاءُ إذا عتَقَ شيئاً في الأنبار استحال كلُّه ذُباباً فربَّما أغفلوه في تلك الأنْبار فيعودون إلى الأنبارِ وقد تطاير من الكُوَى والخروقِ فلا يجدون في الأنبار إلاّ القشور .
والذّباب الذي يخلق من الباقلاء يكون دوداً ثمَّ يعود ذباباً وما أكثر ما ترى الباقلاء مثقّباً في داخله شيءٌ كأَنَّه مسحوق إذا كان اللّه قد خلق منه الذّبَّان وصيَّره وما أكثر ما تجده فيه تامَّ الخلق ولو تمّ جناحاه لقد كان طار .


حديث شيخ عن تخلق الذّباب وحدّثني بعض أصحابِنا عن شيخٍ من أهل الخُريبة قال : كنت أحبُّ الباقلاء وأردت إمَّا البَصرة وإما بغداد ذهب عنِّي حفظه فصرتُ في سفينةٍ حِمْلها باقلاء فقلت في نفسي : هذا واللّه من الحظِّ وسعادة الجَدِّ ومن التَّوفيق والتسديد ولقد أربع من وَقَعَ له مثل هذا الذي قد وقع لي : أجلسُ في هذه السفينة على هذا الباقلاء فآكلُ منه نِيّاً ومطبوخاً ومقلوّاً وأرضُّ بعضَه وأطحنُه وأجْعله مرقاً وإداماً وهو يغْذو غذاءً صالحاً ويُسْمِنُ ويزيد في الباه فابتدأت فيما أمَّلته ودفعْنا السَّفينة فأَنكَرْتُ كثرة الذّبَّان فلما كان الغدُ جاء منه ما لم أقدْر معه على الأكلِ والشربِ وذهبت القائلة وذهب الحَديث وشُغِلت بالذَّبِّ على أنهنَّ لم يكنَّ يبرحْنَ بالذَّبّ وكنَّ

أكثَرَ من أنْ أكونَ أقوى عليهنَّ لأنِّي كنتُ لا أطردُ مائَةً حتى يخلفهَا مائَة مكانها وهُنَّ في أولِ ما يخرجْنَ من الباقلاء كأَنَّ بهنّ زَمَانَةً فلما كانَ طيرانهنَّ أسوأ كان أسوأ لحالي )
فقلت للملاح : ويلك أيُّ شيءٍ معك حتى صار الذبان يتبعك قدْ واللّهِ أكلَتْ وشربَتْ قال : أوَ ليس تعرف القصة قلت : لا واللّه قال : هي واللّه من هذه الباقلاء ولولا هذه البليّة لجاءنَا من الرُّكاب كما يجيئون إلى جميع أصحاب الحمولات وما ظننته إلاّ ممن قد اغتفر هذا للين الكِراء وحبِّ التفرُّد بالسفينة فسأَلتُهُ أنْ يقربني إلى بعض الفُرَض حتى أكتريَ من هناك إلى حيث أريد فقال لي : أتحبُّ أنْ أزوِّدَك منه قلت : ما أحبُّ أنْ ألتقيَ أنا والباقلاء في طريقٍ أبَداً . من كره الباقلاء ولذلك كان أبو شمر لا يأكل الباقلاء وكان أخذ ذلك عن معلِّمه معَمَّر أبي الأشعث وكذلك كان عبد اللّه بن مسلمة بن محارب والوكيعيُّ ومُعمَّر وأبو الحسن المدائني برهةً من دهرهم .


وكان يقول : لولا أنَّ الباقلاء عفِن فاسدُ الطّبعِ رديءٌ يخثِّر الدَّمَ ويغلّظُه ويورث السّوداءَ وكلَّ بلاء لما ولّدَ الذِّبان والذّبان أقذرُ ما طار ومشَى وكان يقول : كلُّ شيءٍ ينبت منكوساً فهو رديءٌ للذِّهن كالباقلاء والباذنجان .
وكان يزعم أنّ رجلاً هرب من غرمائه فَدَخل في غابةِ باقلاء فتستَّر عنهم بها فأَراد بعضُهم إخرَاجه والدخول فيها لطلبهِ فقال : أحكمهُمْ وأعلمهم كفاكم له بموضعه شرّاً .
وكان يقول : سمعت ناساً من أَهل التجْربةِ يحلفون باللّه : إنَّه ما أقام أحدٌ أربَعين يوماً في مِنبت باقلاءَ وخرج منه إلاّ وقد أسقمهُ سُقْماً لا يزايلُ جِسمَه .
وزعم أنّ الذي منع أصحاب الأدْهان والتربيةِ بالسمسم منْ أن يربُّوا السُّماسِم بنَوْر الباقلاء الذي يعرفونَ من فسادِ طبعهِ وأنَّه غير

مأمون على الدِّماغ وعلى الخيشوم والصِّماخ ويزعمون أنّ عمله الذي عمله هو القصد إلى الأذهان بالفساد .
وكان يزعم أنَّ كلَّ شيءٍ يكون رديئاً للعصب فإنَّه يكون رديئاً للذِّهن وأن البصل إنما كان يفسد الذهن إذْ كان رديّاً للعصب وأنْ البَلاذُرَ إنما صار يُصلح العقلَ ويورثُ الحفظ لأنَّه صالح للعَصَب .
وكان يقول : سواءٌ عليّ أكلت الذّبان أو أكلت شيئاً لا يولِّد إلاَّ الذِّبانَ وهو لا يولِّده إلاَّ هُوَ والشيءُ لا يلد الشيءَ إلاّ وهو أولى الأشياءِ بهِ وأقربها إلى طبعهِ وكذلك جميع الأرحام وفيما ينتج أرحام الأَرض وأرحام الحيوان وأرحام الأَشجار وأرحام الثِّمَار فيما يتولَّد منها وفيها .

4

حديث أبي سيف حول حلاوة الخرء


وبينما أنا جَالسٌ يوماً في المسجِد مع فِتيانٍ من المسجديِّين مما يلي أبواب بني سليم وأنَا يومئذٍ حَدث السّنّ إذْ أقْبَلَ أبو سَيف الممرور وكان لا يؤْذي أحداً وكان كثير الظَّرْفِ من قومٍ سَراة حتى وقف علينا ونحن نرى في وجهه أثر الجِدِّ ثمّ قال مجتهداً : واللّه الذي لا إله إلاّ هو إن الخرْءَ لحلو ثمَّ واللّه الذي لا إله إلاّ هو إنَّ الخرء لحلو ثم واللّه الذي لا إله إلاّ هو إنّ الخرء لحلو يميناً بَاتَّةً يسألني اللّهُ عنها يوم القيامة فقلت له : أشهد أنَّك لا تأكله ولا تذوقُه فمن أين علمت ذلك فإن كنْتَ علمت أمراً فعلَّمنَا مما علمَكَ اللّه قال : رأيت الذّبَّان يَسقط على النّبِيذ الحلو ولا يسقط على الحازِر ويقع على العسل ولا يقع على الخلّ وأراه عَلَى الخُرء أكثرَ منه على التَّمْر أفتريدون حُجَّةً أبين من
هذه فقلت : يا أبا سَيْفٍ بهذا وشبهه يُعرفُ فضْلُ الشَّيخِ عَلَى الشاب . 4 ( تخلق بعض الحيوان من غَيرِ ذكر وأنثى ) ثُمَّ رَجَعَ بنا القول إلى ذِكر خلق الذِّبان من الباقلاء وقد أنكر ناسٌ من العوامِّ وأشْباهِ العوامِّ أن يكونَ شيءٌ من الخلق كانَ من غير ذكرٍ وأنثى وهذا جهلٌ بشأن العالَم وبأقسام الحيوان وهم يظنُّون أنَّ على الدِّين من الإقرار بهدا القول مضرَّةً وليس الأمر كما قالوا وكلُّ قولٍ يكذِّبُه العِيان فهو أفحش خطأ وأسخَفُ مذهباً وأدلُّ على معاندةٍ شديدة أو غفْلة مفْرطة .
وإنْ ذهب الذَّاهبُ إلى أن يقيس ذلك على مجازِ ظاهر الرَّأي

دونَ القطْعِ على غيب حقائق العِلل فأجْرَاه في كلِّ شيء قال قَوْلاً يدفعه العِيانُ أيضاً مع إنكار الدِّين له .
وقد علمنا أنَّ الإنسانَ يأكُلُ الطّعامَ ويشرَبُ الشَّرابَ وليس فيهما حيَّةٌ ولا دودةٌ فيُخْلق منها في جوفِه ألوان من الحَيَّات وأشكالٌ من الدِّيدان من غير ذَكرٍ ولا أنثى ولكن لابدَّ لذلك الوِلادِ واللِّقاحِ من أنْ يكون عن تناكح طِباع وملاقاة أشياءَ تشبه بطباعها الأرحامَ وأشياءَ تشبه في طبائعها ملقِّحات الأرحام . 4

استطراد لغوي بشواهد من الشعر

وقد قال الشاعر : ( فاسْتَنْكَحَ اللَّيْلَ البهيمَ فَأُلْقِحَت ** عن هَيْجِه واستُنْتِجَت أحلاما ) وقال الآخر : ( وإذا الأمُور تناكَحَتْ ** فالجود أكرمُها نِتاجا )

وقال ذو الرُّمَّة : ( وإنِّي لمِدلاجٌ إذا ما تناكَحَتْ ** مَعَ اللَّيلِ أحلامُ الهِدَانِ المثقَّلِ ) ( لَلْبَدْر طِفلٌ في حِضَان الهوا ** مُسْتَزْلِقٌ من رَحِم الشّمْسِ ) وقال دُكينٌ الرَّاجز أو أبو محمد الفقعسيِّ : ( وقد تعللتُ ذميل العنْسِ ** بالسَّوطِ في ديمومةٍ كالتُّرسِ ) إذا عَرَّجَ اللَّيلَ بروجُ الشَّمس وقال أمية بن أبي الصَّلت : ( والأرضُ نوَّخها الإلهُ طَرُوقةً ** للماء حتَّى كلُّ زَنْدٍ مُسْفَدُ )

( والأرضُ مَعقِلنَا وكانتْ أمَّنا ** فيها مقابِرُنَا وفيها نولد ) وذكر أميَّة الأرْضَ فقال : ( والطُّوط نزْرعُه فيها فنَلبَسهُ ** والصُّوف نجتزُّه ما أردف الوَبَرُ ) ( هي القرارُ فما نبْغي بهَا بدلاً ** ما أرحَمَ الأرضَ إلاَّ أَنَّنا كُفُرُ ) ( وطَعنَةُ اللّهِ في الأعداءِ نافذةٌ ** تُعيِي الأطِبَّاءَ لا تَثْوَى لها السُّبُرُ ) ثمَّ رجع إليها فقال : ( مِنها خُلِقْنَا وكانَتْ أُمّنا خُلِقَتْ ** ونحنُ أبناؤها لو أنَّنَا شُكُرُ )

ما تستنكره العامة من القول وتقول العرب : الشمسُ أرحمُ بنا فإذا سمع السامعُ منهم أنَّ جالينوسَ قال : عليكم بالبَقْلةِ الرحيمة السِّلق استشنعه السامع وإذا سمع قولَ العرب : الشمسُ أرحم بنا وقولَ أميّة : ما أَرْحَمَ الأرضَ إلا أنَّنا كُفُرُ لم يستشنعه وهما سواء . فإذا سمع أهل الكتاب يقولون : إنَّ عيسى ابن مريم أخَذَ في يده اليمنى غُرْفَةً وفي اليسرى كِسرَةَ خبز ثم قال : هذا أبي للماءِ وهذه أمِّي لكسرة الخبز استشنعه فإذا سمعَ قولَ أميَّة : ( والأرضُ نَوَّخَهَا الإله طَرُوقَةً ** للماءِ حتَّى كل زَنْد مُسفَدُ ) لم يستشنعه والأصل في ذلك أنّ الزّنَادِقَةَ أصحابُ ألفاظٍ في كتبهمْ وأصحابُ تهويل لأنَّهم حينَ عدِمُوا المعانيَ ولم يكن عندهم فيها طائل مالُوا إلى تكلُّف ما هو أخْضَرُ وأيسرُ وأوجَزُ كثيراً .

4 ( حُظْوة طوائف من الألفاظ لدى طوائف من الناس ) )
ولكلِّ قَوْمٍ ألفاظٌ حظِيتْ عِنْدَهم وكذلك كلُّ بليغٍ في الأرض وصاحِب كلامٍ منثور وكلُّ شاعِرٍ في الأرض وصاحِبِ كلامٍ موزون فلا بد من أن يكون قد لهجَ وألف ألفاظاً بأعيانها ليديرَها في كلامه وإن كان واسعَ العلمِ غزيرَ المعاني كثيرَ اللَّفظ . .
فصار حظُّ الزَّنَادِقَةِ من الألفاظ التي سبقتْ إلى قلوبهم واتَّصلت بطبائعهم وجَرتْ على ألسنتهم التناكحَ والنتائِج والمِزاج والنُّور والظلمة والدفَّاع والمنَّاع والساتر والغَامر والمنحلّ والبُطلان والوِجْدان والأَثير والصِّدِّيق وعمود السبح وأشكالاً من هذا الكلام فَصَارَ وإن كان غريباً

مرفوضاً مهجوراً عنْد أهلِ ملَّتنا ودعوَتِنا وكذلك هو عِنْدَ عوامِّنا وجمهُورنا ولا يستعملهُ إلاّ الخَواصُّ وإلاَّ المتكلِّمون . 4

اختيار الألفاظ وصوغ الكلام

وأنا أقولُ في هذا قَوْلاً وأرجو أن يكون مرضياً ولم أقلْ أرجو لأني أعلمُ فيه خللاً ولكنّي أخذتُ بآدابِ وجوهِ أهلِ دعوتي وملَّتي ولغتي وجزيرتي وجيرتي وهم العرب وذلك أنّه قيل لصُحَارٍ العبديّ : الرجل يقول لصاحِبه عنْدَ تذكيره أياديَه وإحْسانه : أما نحنُ فإنّا نرجو أن نكونَ قدْ بلغْنا من أداءِ ما يجبُ علينا مبلغاً مُرضِياً وهُوَ يعلم أنّه قَدْ وفّاه حَقّه الواجبَ وتفضّل عليه بما لا يجب قال صُحار : كانوا يستحبُّون أن يَدَعُوا للقول متنفَّساً وأن يتركوا فيه فضلاً وأن يتجافَوا عن حَقٍّ إن أرادوه لم يُمنَعوا منه .
فلذلك قلت أرجو فافهَمْ فَهّمَكَ اللّه تعالى .

فإنَّ رأيي في هذا الضّربِ من هذا اللفظ أنْ أكونَ ما دمتُ في المعاني التي هي عبارتها والعادَة فيها أن ألفِظ بالشّيء العتيد الموجود وأدَعَ التكلّفَ لِما عسى ألاَّ يسلس ولا يسهلَ إلاَّ بعد الرِّياضة الطويلة .
وأرى أنْ ألفِظ بألفاظِ المتكلمين ما دُمتُ خائضاً في صناعة الكلام مع خواصِّ أهل الكلام فإن ذلك أفهمُ لهمْ عني وأخفُّ لمؤنتهمْ عليّ .
ولكل صناعةٍ ألفاطٌ قد حَصلت لأهلها بَعدَ امتحان سواها فلم تَلزَق بصِناعتهم إلاَّ بَعدَ أن كانَتْ مُشاكَلاً بينها وبين تلك الصناعة .
وقبيحٌ بالمتكلم أنْ يفتقر إلى ألفاظِ المتكلِّمين في خُطبةٍ أو رسالة أو في مخاطبةِ العوام والتجار أو في مخاطبةِ أهله وعبْدِهِ وأمته أو في حديثه إذا تحدثَ أو خبره إذا أخبر . )


وكذلك فإنّه من الخطأ أن يجلِبَ ألفاظ الأعرابِ وألفاظ العوامّ وهو في صناعة الكلام داخل ولكلِّ مقامٍ مقال ولكلِّ صناعة شكل . 4

شكرا لكم اخوتي لكن عندما حملت الكتاب لم اجد عناصر احتاجها كدار النشر الناشر ة التاريخ ....الخ فهل من مساعدة